fbpx
سياسةتحليلات

سد النهضة ــ سؤال الحرب والتفاوض

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

سد النهضة ــ سؤال الحرب والتفاوض

مع تسارع التطورات في ملف سد النهضة الإثيوبي، على خلفية جولات التفاوض التي شهدها هذا الملف برعاية أميركية خلال الفترة من ديسمبر 2019 إلى فبراير 2020، ثار الجدل حول البدائل المتاحة أمام السياسة الخارجية المصرية للتعامل مع الملف، وإلى أي مدى يمكن اللجوء للعمل العسكري أو الاستمرار في عملية التفاوض؟

أولاً: سيناريو العمل العسكري:

يقوم على لجوء مصر إلى عملية عسكرية تستهدف الدول التي تهد مصالحها المائية، أو توجه للسدود التي أنشأتها هذه الدول، في ظل عدد من الاعتبارات الداعمة لمثل هذا المسار، من بينها: عقد المقارنات بين القدرات العسكرية لدول حوض النيل، والتفوق المصري في هذا المجال، من ناحية، وأن التوترات الداخلية التي تعاني منها دول حوض النيل، يُمكن أن تُشكل عاملاً يدفع النظام المصري للقيام بعملية عسكرية ولو محدودة لإثبات قدراته الردعية حيال التهديدات، وخاصة تجاه إثيوبيا، من ناحية ثانية، وأن تهديد مياه النيل لمصر هو تهديد لأمنها القومي ومن حقها، وفقاً لكثير من الأطر القانونية الدولية التي تتيح للدول استخدام كل الأدوات التي تراها مناسبة للدفاع الشرعي عن أمنها القومي، من ناحية ثالثة.

إلا أنه يمكن القول أن هذا السيناريو يواجه العديد من التحديات، في ظل طبيعة توجهات السياسة الخارجية المصرية في المرحلة الراهنة، والتي ما زالت تعاني من أزمة شرعية، كون النظام الحالي جاء بانقلاب عسكري في 2013، ومصر ذاتها تعاني من حالة عدم استقرار سياسي، كما أن خيار الحرب لا يرتبط فقط بتوازنات القوى العسكرية، ولكنه يرتبط بأنماط التفاعلات الإقليمية والدولية والتحالفات القائمة، وموقع النظام المصري من هذه التحالفات، خاصة في وجود ما يمكن وصفه بالتحالف الاستراتيجي بين كل من إثيوبيا والولايات المتحدة وإسرائيل، والأخيرتان حليفان استراتيجيان للنظام في مصر، ولهما من أوراق الضغط الكثير لضبط حركته الخارجية، إلا إذا قاما هما بالدفع نحو هذه المواجهة، في إطار التدمير الذاتي للقدرات المصرية، التي ستبقى من المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي العدو الاستراتيجي الأول لها في المنطقة.

ثانياً: سيناريو التفاوض:

أعلنت مصر حرصها على الدخول في مفاوضات مباشرة مع مسئولي دول حوض النيل، وأكدت قدرتها على تسوية الأزمة من خلال هذه المفاوضات، إلا أن ما يجب التأكيد عليه هنا، أن أية مفاوضات محكومة بعدة اعتبارات:

1ـ أن تُدرك مصر أن هناك مجموعة من التنازلات السياسية، والاقتصادية التي يجب أن تقدمها، للدول الأطراف في حوض النيل، لأن وضعها التفاوضي أضعف مقارنة بهذه الأطراف، وهذه التنازلات يمكن أن تشمل، إقرار حق هذه الدول في بناء سدود داخلية، على أن تشارك مصر فنياً في بنائها، وتقديم دعم مادي مساهمة في ذلك، وأن تعلن مصر تأكيدها لحقوق هذه الدول في إعادة النظر في الاتفاقيات القادمة، ولكن مع التأكيد على شرط الاستخدام العادل للمياه، ودون تدخل أطراف من خارج دول الحوض، لأن قضية إثيوبيا ليست في المياه، حيث يتساقط عليها سنوياً نحو 800 مليار متر مكعب، لا تزيد حصة دول المصب فيها عن 10% وفق أقصى التقديرات.

2ـ تعدد مستويات هذه المفاوضات: فالأزمة الراهنة، أزمة دولية، وليست إقليمية فقط، حيث لا تقتصر على دول الحوض، ولكنها تمتد لتشمل العديد من الأطراف الأخرى الدولية والإقليمية التي لها دور في إدارة الصراع، ومنها الدول المانحة للمساعدات الاقتصادية لدول حوض النيل والتي تتولي المساهمة فى خطط التنمية ومشروعات السدود بها، وكذلك عدد من المؤسسات الاقتصادية كالبنك الدولي، هذا بجانب المنظمات الأفريقية المعنية وفي مقدمتها الاتحاد الأفريقي، ومنظمات التنمية الاقتصادية الأفريقية ذات الصلة، والتي أكدت مواثيقها على احترام الاتفاقيات الموقعة، حتى قبل استقلال الدول الأفريقية، حرصا على الأمن والاستقرار بالقارة، وهو ما تطالب به مصر الآن.

3ـ الضغوط الخارجية على دول حوض النيل: حيث يجب عند الدخول في مفاوضات جادة وفعلية وبناءة، دراسة خريطة التفاعلات الخارجية لدول حوض النيل، وعلاقاتها السياسية والاقتصادية المحورية، وطبيعة الضغوط التي تتعرض لها هذه الدول من جانب أطراف خارجية، إقليمية ودولية تسعي وراء مصالح وأهداف خاصة.

وفي سياق هذين المسارين، تبرز عدة خلاصات أساسية، من بينها:

1ـ أن المخاطر التي تتعلق بمصير حصة مصر من المياه لم ولن تنته عن هذا الحد، حتى ولو تم إيجاد حلول وسطية مع دول حوض النيل، للحفاظ على حصة مصر أو الجانب الأكبر منها، خاصة وأن المشكلة لا تقتصر عند هذه المنطقة، ولكنها تتعلق بقضية عالمية قد تتسبب في حروب مستقبلية أكثر ضراوة من حروب النفط أو حروب مد النفوذ أو حتى العمليات العسكرية التي تشن لتجربة أنواع جديدة من السلاح.

2ــ إدراك أهمية المتغير الإسرائيلي في المعادلة، وإدراك الأبعاد الاستراتيجية له، والذي ينطلق تجاه إثيوبيا من عقيدتها الأمنية، ومكانة المياه في الفكر الإسرائيلي التي تفترض الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، وتطويق الأمن القومي العربي وذلك من خلال التأثير على مائيته، وكسر طوق الحصار الذي فرضته الدول العربية لها من خلال تبني نظرية حلف المحيط بإقامة علاقات مع الدول المحيطة بالدول العربية وتمثل عمقاً استراتيجياً له ومن ثم كانت إثيوبيا معقلاً لتلك التحركات.

3ـ أن حدوث مشكلة حقيقية ولو حتى بالتدريج في حصة مصر تعني كارثة حقيقية، فالترجمة العملية لنقص حصة مصر، هو إلغاء وتجميد العديد من المشاريع الزراعية والصناعية، وتبوير الآلاف من الأفدنة، خاصة وأن هناك بالفعل مشاكل تتعلق بالمزارعين الذين لا يجدون أحيانا كثيرة مياه لري المحاصيل، ناهيك عن فرض رسوم إضافية على فاتورة المياه الأمر الذي سيستنزف المجتمع المصري، هذا إن توفرت في حال تفاقمت الأزمة.

4ـ ضرورة التعامل مع هذا الملف كملف من الدرجة الأولى، قبل أي ملف آخر، لأن مصر قد تصبح عرضة للمساومة من دول أخرى تسعى للحصول على حصة من مياه النيل بطرق ملتوية، وعلى رأسها إسرائيل، التي ستسعى لـ “تسليع المياه” بحيث تصبح المياه سلعة مثل النفط، تشتريها الدول التي تعاني من نقص في مواردها المائية.

5ـ ضرورة التفكير الاستراتيجي في بدائل للمياه، لأن التحدي المستقبلي كبير، ليس فقط على الأمن المائي أو الأمن الغذائي، ولكن أيضاً على الأمن الإنساني والاجتماعي، وكلها مهددات للأمن القومي المصري، إذا تم استخدامها كورقة للمساومة السياسية.

6ـ الأخذ بنتائج الدراسات العلمية والمبادرات التي يطرحها الخبراء والمفكرون من مصر ومن مختلف دول العالم، في إدارة أزمة المياه، وقضية سد النهضة، وخاصة ذات الإدارة الذاتية المصرية، لأن الرهان على مشروعات إقليمية أو دولية، في دول الجوار الإقليمي أو في بعض دول حوض النيل، يرهن القرار المصري ليس فقط لإرادات هذه الدول ولكن لإرادات الفواعل الإقليمية والدولية التي تقف خلفها.

الرابط الأصلي لمقال سد النهضة ــ سؤال الحرب والتفاوض

سد النهضة بين الرؤية الإثيوبية والمأزق المصري

إقرأ أيضاً: سد النهضة بين الرؤية الإثيوبية والمأزق المصري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close