fbpx
تحليلاتقلم وميدان

سد النهضة ومستقبل العلاقات المصرية الإثيوبية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

كتاب العلاقة الإثيوبية-المصرية يحفل بالعديد من العوامل المشتركة والمتباينة ضمن القدر الجغرافي للبلدين وظروف الواقع السياسي المحلي والإقليمي، حيث تدافع هذه العوامل يحكم توازنات علاقة البلدين بين تقارب، وتباعد إلى جانب إرث تعايش إنساني ضارب بجذوره في تاريخ الحضارتين الفرعونية والحبشية فضلا عن ثوابت اخاء الديانات السماوية الثلاث.

إلا أن هناك تقييم خاطئ حين النظر للعلاقات الإثيوبية ـ المصرية وحصرها في العامل الجغرافي المتمثل في جريان نهر النيل المتدفق من تضاريس الهضبة الإثيوبية إلى السهول السودانية الواسعة إلى مصر، وكون مصر هي هبة النيل (مقولة مشهورة) ومن ثم الانحراف بعامل الجغرافية واستعدائها ضد حضارات انسانية ظلت عريقة متناسقة في تعايش ووئام لآلاف القرون.

إن إثيوبيا كدولة قديمة في تفاعلها الدولي والاقليمي ظلت ذات توجه انساني ينشد السلام والاستقرار، وكان لها دورها الحضاري ضمن تاريخ الديانات السماوية (يهودية ومسيحية، اسلام)، ولعبت دورا كبيرا في التفاعل مع آخر تلك الديانات الإسلام، الذي لا تزال تتحدث آثاره في نجاشي، وتيقراي، وهضاب وللو، وهرر، وعفر، وجما، وغيرها.

كما يشترك التاريخ المصري والإثيوبي في موالاة الديانة المسيحية الأرثوذوكسية حيث استمدت الكنيسة الإثيوبية عقيدتها الأرثوذكسية وثقافتها من الكنيسة القبطية المصرية.. وظلت كنيسة الاسكندرية الأم لكنيسة الحبشة منذ نشأتها في بداية القرن الرابع الميلادي وإلى حين استقلالها في عام 1958م.

كما كان التفاعل الاسلامي وما أدته مصر من دور ثقافي حضاري ضمن حقب التاريخ، وفي العهد العثماني خاصة، سبباً كافياً لتداخلات في عمق الروابط الاسرية بين الشعبين الإثيوبي والمصري تجدها واضحة في أنساب ومسميات بعض الأسر الإثيوبية الكبيرة، في شرق إثيوبيا ومنطقة هرر التي لا تزال تتوارث اسم الباشا، وعبد الواسع، وصلاح، وفؤاد.. هذا فضلاً عن الروابط العلمية الوثيقة التي ظلت تربط الطلاب الإثيوبيين مع الجامع الأزهر الشريف حيث رواقً الجبرتة الخاص بالطلبة الإثيوبيين الذين تخرج منهم علماء من أمثال المؤرخ الاسلامي عبد الرحمن الجبرتي (ذي اصول الإثيوبية) صاحب كتاب (عجائب الاثار في التراجم والأخبار) المعروف اختصارا بـ “تاريخ الجبرتي. إذن مقومات علاقات البلدين لا تختزل في الجغرافية المائية بقدر ما هي امتداد لعلاقات دينية، وثقافية وحضارية ظلت لقرون ماضية.

وهنا يأتي السؤال: هل يعتبر سد النهضة الإثيوبي الذي بدأ كمشروع تنموي إثيوبي (عام 2011م) وتطور تفاعلا مع سياسات البلدان الثلاثة المعنية بالنيل مصر وإثيوبيا والسودان بداية لرسم علاقات جديدة بين هذه البلدان؟ ماهي الحيثيات التي صاحبت المشروع، والتأثيرات المباشرة في قضيته على مستقبل العلاقة بين إثيوبيا ومصر؟ وهل يكون مشروع سد النهضة الذي أصبح واقعاً بحقيقة ال 70% من بناء المشروع (ويكتمل بناؤه في منتصف العام 2017) عامل تقارب بين مصر وإثيوبيا أم غير ذلك؟

 

الدبلوماسية المائية والعلاقات الإثيو-مصرية

لقد تضاعف نشاط الدبلوماسية الإثيوبية المائية، منادية باعتماد اتفاق جديد في قسمة المياه وحشدت دول حوض النيل، وقد تبع ذلك النشاط العديد من الاجتماعات لوزراء مياه دول حوض النيل كاجتماع كنشاسا مايو 2009م بالكنغو الديمقراطية تلاه اجتماع الإسكندرية في يوليو 2009، ثم أعقبه اجتماع آخر في أبريل من العام التالي في مدينة شرم الشيخ المصري، وجميعها فشلت نتيجة تمسك مصر والسودان بالحقوق التاريخية لاتفاقية مياه النيل لعام 1929 والخلاف حول المادة المتعلقة بالأمن المائي.

وفي خضم الخلاف لجأت دول الحوض إلى الانفراد بإنشاء ما عرف بمبادرة النيل (اتفاقية إطار العمل التعاوني) التي شهدت اجتماعاتها مدينة عنتيبي بيوغندا، وتم التوقيع عليها من أربعة دول من دول المنبع في مايو 2010م وهي (إثيوبيا، يوغندا، رواندا، تنزانيا) ولحقت بهم كينيا، ثم بوروندي في فبراير 2011، ليتسنى للاتفاقية أن تكون “إطاراً للشرعية” حسب ما نص عليه إطارها القانوني (توقيع ست دول من الدول الأعضاء لحوض النيل).

الحكومة الإثيوبية التي تعتبر قائد مجموعة دول المنبع في زخم نشاطها الذي استمر طيلة السنوات السابقة للترويج لحقوق دول المنبع، ربما وجدت في ظروف الأحداث السياسية الأخيرة على الساحة العربية (ثورات الربيع العربي) والتي شهدتها مصر وأدت إلى خلع الرئيس محمد حسني مبارك من السلطة ظرفا مناسباً، للتحرك عبر عدة مستويات:

1ـ تنشيط دبلوماسيتها تجاه إقناع الدول الأخرى التي لم توقع على اتفاقية عنتيبي، وقد نجحت بالفعل تلك الدبلوماسية في إقناع وحمل دولة بورندي في (28 فبراير 2011)، لتكون الدولة السادسة ضمن الدول التي سبق توقيعها على الاتفاقية، وقد أحدث توقيع بورندي نوعاً من إشاعة روح النجاح والتفاؤل لإثيوبيا وبقية الدول المؤيدة للمبادرة.

2ـ الترويج الإعلامي المكثف للاتفاقية الوليدة، ولحقوق دول المبادرة (دول المنبع) بعد حصولها على الأغلبية المطلوبة لكي تصبح الاتفاقية سارية المفعول، ومن هنا فإن إعلان الخطوة الإثيوبية في إنشاء سد الألفية جاء توقيتها بعد التمهيد لها والنجاح في الحصول على العضو السادس والوصول إلى نصاب الشرعية لاتفاقية عنتيبي، إضافة لما دأبت عليه إثيوبيا من دعاية وترويج لحقوق دول الحوض في توليد الطاقة وإحداث التنمية لمجتمعاتها.

وفي يناير 2014م، وعدت إثيوبيا بعدم الإضرار بحصة مصر في مياه النيل، وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوى عن تأجيل عرض الاتفاقية الإطارية (عنتيبي) على برلمان بلاده، إلى حين انتهاء مصر من الانتخابات وانتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة تكون قادرة على اتخاذ القرار المناسب في قضية المياه. وتبع هذا المناخ رغبة حقيقية للدولتين في تحقيق تواصل يتخطى رسميات العلاقة إلى أخوة التعاون، فكانت أنشطة الدبلوماسية الشعبية التي تبادلت فيها وفود الشعبين الزيارات لكلا البلدين. بدأت بعض الأنشطة المتوقفة في العودة إلى نشاطها الطبيعي (من صور ذلك انعقاد أعمال الدورة الرابعة للجنة المصرية– الإثيوبية المشتركة بالقاهرة يومي 14-15 سبتمبر2011، وزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوى إلى مصر) مما أدى إلى زيادة وتشجيع الاستثمارات المصرية في إثيوبيا، والتي كانت قد بلغت 2 مليار دولار في مجالات أهمها، صناعة الكابلات الكهربائية وتوليد الطاقة الكهربائية، ومصانع إنتاج وتصنيع معدات الري والزراعة، الى جانب استيراد اللحوم.

ثم جاء تأكيد الرئيس مرسي لأبناء الجالية المصرية، إبان زيارته لإثيوبيا، لحضور مؤتمر القمة الافريقية الاستثنائية في مايو 2013م باديس أبابا أن هناك لجنة فنية ثلاثية مُشكلة من خبراء من مصر وإثيوبيا والسودان تقوم بدراسة كل التفاصيل المتعلقة بالسد والنتائج المترتبة عليه، وأن مصر لا يمكن أن تتساهل في الحقوق القومية لشعبها.

وبعد إسقاط الدكتور مرسي، سارت مفاوضات سد النهضة مع النظام الجديد في مصر، حتى تم وضع اتفاقية إعلان المبادئ التي توافقت عليها البلدان الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا في مارس 2015م بالخرطوم.

 

خلاصة:

إن قضية سد النهضة، رغم ما تبعها من زخم اعلامي واتهامات متبادلة في نوايا الطرفين الإثيوبي والمصري خاصة بعد احداث المظاهرات التي شهدتها إثيوبيا في سبتمبر وأكتوبر 2016م، تشكل أزمة سياسية ويظل التحدي في قيمة التفاهم وبلوغ الثقة إلى مبلغ التعاون الذي ترى الدولتان أهميته، إلا أن هناك جوانب سلبية واضحة تتمثل في عدم انسجام الخطاب الحكومي (الذي يدرك أهمية وأبعاد التعاون) مع الرسالة الاعلامية في كلا الدولتين، فالإعلام المصري يتعامل بتعالي شديد مع قضايا القارة الإفريقية، ومنها العلاقات مع إثيوبيا، حينا، وجهل وانشغال عن القارة الافريقية حينا آخر، وغالباً ما يأتي الاهتمام بالبيت والجوار الافريقي متأخرا متى ما طرأت قضايا تهدد مسار علاقات مصر بقارتها وبعمقها الإقليمي والحضاري (1).

————————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close