fbpx
الحركات الإسلاميةتقارير

شباب الإخوان.. نقد وليس مراجعة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

أصدر «مكتب الإرشاد المؤقت» (المكتب العام للإخوان المسلمين)، والمعروفة إعلاميا باسم «الجبهة الشبابية»، نتائج ما وصفته بأنه عملية مراجعة أجرتها تلكم الجبهة لأداء الجماعة منذ عام 2011 وحتى عام 2017، حيث أعدت في هذا الإطار 4 أوراق خلاصة للدراسات التي تشير إلى أنها أجرتها خلال الفترة الماضية (1).

الأوراق التي أصدرتها الجبهة، الرافضة للوجود الإداري لما اصطلح على تسميته «جبهة الحرس القديم»، ألقت أحجار عدة في المياه الراكدة، لكن توترات المياه ذهبت في اتجاه يعكس أيضا سطحية تعاطي المجتمع المصري، في نخبته الإعلامية والسياسية، حيث صيغت عناوين ومحتوى التناولات المختلفة باعتبار أن ما صدر من مراجعات/ أوراق إنما صدر عن جماعة الإخوان، وهو أمر غير صحيح.

ولهذا، لابد من إعادة التذكير بأن مصدر الأوراق هو «الجبهة الشبابية»، وهي اليوم فصيل ضمن مسارين أو ثلاثة من مسارات الإخوان، بينهم ما بينهم من تحفظات على الأداء تبدأ باعتراض سياسي يوجب تعدد المسارات، وانتهاء بإنكار حاد على البعض سلوكهم، وبخاصة ذلك المتجه نحو الخشونة المفضية إلى «عنف» سياسي، بينما نملك رفضه؛ إلا أننا نحيل فهمه لصدمات عنف ما بعد عزل الرئيس الأسبق د. محمد مرسي، وهي الصدمات المهم تبصرها؛ لأنها بخلاف تفسيريتها؛ إلا أنها مهمة في قراءة مآلات خطاب وسلوك تلك «الجبهة الشبابية».

تقدير الباحث لعدم صحة نسبة الأوراق التي صدرت قبل أيام لجماعة «الإخوان» لا يعني نسبة التسمية «الإخوان» للجناح الثاني المسمى إعلاميا، أو في أوساط بعض الباحثين باسم «جبهة الحرس القديم».

إن تمايز الخطاب وتمايز مستويات تشغيله يقتضي التمييز، ولا يقع على عاتق الباحث أن يحسم تسمية مسار من مسارات إنتاج الخطاب الكلي أو الخطاب السياسي أو مستويات تشغيلهما إلى هذا الجناح أو ذاك، وإنما الفصل هنا بغرض تحليلي، قد نكتشف لاحقا حاجتنا إليه عند فحص توجهات المجتمع السياسي في مصر نحو هذا المسار أو ذاك.

ولا شك في أن محاولة اختزال جماعة الإخوان في جناح/ مسار دون غيره قد يعني رغبة في تكريس الصورة النمطية حيال تلك «الجماعة» لإدارة التفاعلات المستقبلية من منطق الاستعلاء الذي يضر الكلمة السواء، حيث يبقى للمنتمين للجماعة حقهم في الحفاظ على شرفهم السياسي، ما لم تقرر الجماعة حل التنظيم.

كما أنه برأي الباحث، فإن مثل هذا الاختزال قد يعكس استمرارا لرغبة قطاع من المجتمع السياسي المصري في تبسيط الصورة المعقدة، أو تجاهل التعددية داخل هذه الجماعة، وهو نزوع دفع المجتمع السياسي في مصر من قبل إلى إنكار الأصوات التجديدية الجادة داخل هذه الجماعة، وهو ما أضعف موقف هذه الأصوات داخليا، ولم يفتح الباب أمام فرص تصعيد وتفعيل الخطابات التجديدية، وهو ما أدى لتجدد صيغ خروج مسارات معاصرة من الجماعة، نذكر منها الوسط والتيار المصري ثم مصر القوية، وهو ما يفسر أيضا أزمة استقالات المجلس الثوري المصري التي شهدها شهر فبراير من العام 2016.

الأوراق التي أصدرتها الجبهة، الرافضة للوجود الإداري لما اصطلح على تسميتها «جبهة الحرس القديم»، حملت 4 عناوين، تمثلت فيما يلي: العلاقة مع الدولة، والممارسة الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين، والثورة، وغياب ترتيب الأولويات في العمل العام وأثره على الثورة

وفي تقدير الباحث أن التعليق على محتوى هذه الأوراق الأربعة يحتاج لمعالجة عبر محاور ثلاثة، أولها الحاجة لرصد المقولات الأساسية لتلك الأوراق، بما ييسر إدراك ملامحها، ومقارنتها بما قد يجد في أعقابها، وثانيها أن نقرأ سمات محتوى هذه الأوراق؛ وذلك بالنظر للظرف الراهن، وثالثها ربما لا يتعلق بتلك الأوراق بقدر ما يتعلق بشروط عامة فيما ينبغي أن يكون إطارا للمراجعة.

 

أولا: المقولات الأساسية للأوراق:

قيمة المقولات الأساسية أنها توفر موجزا سريعا للأوراق التي قدمتها الجبهة، بما يسمح بإدراك روحها العامة، ويجمع المكرر من مقدماتها ونتائجها، ويتيح مقارنتها بغيرها مما سيرد في إثرها من أوراق. وفي هذا السياق، فإن مقولات الأوراق الأربعة على سبيل الحصر هي:

1ـ رفضت «الجبهة الشبابية» استسلام «الجماعة» فيما مضى لمنهج إدارة مبارك في التعاطي معها كملف أمني رفضته أوراق «الجبهة الشبابية» كسلوك سياسي، فانتقدت ارتضاءه، واستنكرت عدم سعي «الجماعة» لتحويله لملف سياسي، وخفوت محاولات رفع السقف المنخفض الذي فرضه عليها. وفي نفس السياق تلوم الأوراق «الجماعة» على أنها لم تستثمر الفرص الوطنية لتمديد حضورها في المجال العام، واختصت بالذكر تجربة حراك 2005. كما أنها انتقدت إحجام «الجماعة» عن النضال من أجل مقاومة حرمان منتسبيها من التواجد في المناصب التنفيذية بالمؤسسات العامة.

2ـ لفتت «الجبهة» إلى أن المدخل الأمني الذي مثل أرضية وسقف منهج تعامل إدارة مبارك مع «الجماعة» وما أنتجه من ضمور في العقل السياسي العام والخاص، أدى لقصور سياسي من زوايا عدة بدأت بغياب تصور متكامل للعمل في المجال العام، وقصورها دون تحويل مكاسبها في العمل العام لبلوغ منصب تنفيذي مؤثر، وغياب التجهيز الأكاديمي أو العملي للكوادر المتخصصة. كما أدى من قبل لغياب تصور للتعامل مع المرحلة الانتقالية للثورة بما اقتضته من خطاب مغاير لخطاب المعارضة.

3ـ عابت «الجبهة» على منهج «الجماعة» أنها لم تفكر في تحويل سيل المعلومات المتاح لديها عبر قواعدها النشطة إلى تصورات عمل، وذلك عبر تحليلها من خلال مراكز معلوماتية متخصصة، وهي المساحة التي كانت تفتقدها. كما انها لم تستثمر الصناعة المعلوماتية في دعم التجهيز الأكاديمي والعملي للكوادر المتخصصة.

4ـ رأت «الجبهة» أن أحد أهم مفاتيح غياب فاعلية «الجماعة» ما تمثل في غياب ترتيب الأولويات في العمل العام، وفي هذا السياق، فإن «الجماعة» منحت أولوية مطلقة للعمل المجتمعي، لكنها تشير إلى أنها اختزلت العمل المجتمعي بدورها في بعده الخدمي تأسيسا على احتياجات المجتمع.

5ـ سلطت «الجبهة الشبابية» في أوراقها الضوء على ما عاناه العمل السياسي لـ«الجماعة» من قصور في صناعة رموز المجال العام من بين صفها، حيث اتسمت رموز «الجماعة»؛ إما بافتقادها الكثير من احتياجات العمل العام، أو باستبعادها كثيرًا من رواد العمل العام في جوانبه المختلفة عدا الجانب المجتمعي.

6ـ أكدت الأوراق أن تعامل «الجماعة» مع غيرها من الكيانات الأخرى في المجتمع المصري شابه قصور، من دون أن تشير لأوجه القصور على سبيل الحصر أو حتى المثال، إلا أنها أشارت إلى أن قطاع أوسع من هذه الكيانات كانت تتعامل مع «الجماعة» من منطق الرفض، ورأى صائغو الأوراق في ذلك «الرفض» ما يخفف حدة النقد الموجه لـ«الجماعة».

7ـ أصلت الأوراق لحضور التصورات الفكرية للثورة في فكر «الجماعة»، لكنها أفادت تخلي «الجماعة» عن هذا النهج في الفترة التالية لحسن البنا، واكتفت بالنزال السياسي المنضبط بشروط وحدود المساحة التي يمنحها النظام في الإنتخابات الطلابية والنقابية والمحلية والنيابية، وسار علي ذلك التنظيم طوال فترة حكم مبارك حتي اندلعت الثورة عليه.

8ـ لفتت أوراق «الجبهة الشبابية» إلى أن السلوك السياسي لـ«الجماعة» اتسم بالمبالغة الشديدة في الحفاظ علي التنظيم، وأن «الجماعة» كانت تنكفئ علي نفسها بعد كل ضربة لإدارة مبارك، وتسعى للملمة التنظيم والحفاظ عليه وإعادة ترتيب أوراقه، وهو ما جعل إدارة مبارك توالي ضرباتها لها؛ لتضعها دوما في مربع رد الفعل الدفاعي، وأدى تراكم هذه العادة لضعف روح الثورة داخل «الجماعة» علي حالة الإصلاح المتدرج، وجعل «الجماعة» ترغب في وضع إطار تنظيمي للثورة أكثر من توظيف قوة اندفاعها لصالح مشروع الثورة.

9ـ رأت الأوراق كذلك أن تيار النقد المبالغ فيه من رفقاء الثورة للجماعة، سواء على الصعيد النخبوي أو على صعيد الحشد في الشارع أدى لشيوع مناخ من عدم الثقة لدى الإخوان في شركاء الثورة، ورجح انتصار كفة التنظيم داخل الجماعة على كفة التواصل، وزكى قرارات “ردود أفعال” كرست التباعد فيما بعد، ودفعت الجماعة للاعتماد على الانتخابات كاداة لحسم الصراع الذي بدا يستشري بين رفقاء الثورة.

10ـ ارتأى فريق «الجبهة الشبابية» في أوراقه أن عدم انتباه رفقاء الثورة أجمعهم، ومن ضمنهم الإخوان لخطورة العسكر، واعتبارهم حماة الثورة، بينما انشغلوا بمواجهات بعضهم البعض، كان مما وطأ لموضع قدم للعسكر في صف التغيير، وكان الأولى بالجميع الجلوس لوضع إطار عام يمثل ملامح طريق تمكين الثورة.

11ـ أعلنت الأوراق كذلك أن غياب الموازنة والحسم داخل الجماعة بين ثنائيات قيادات الجماعة ذات النزوع الثوري في مواجهة التنظيم، والمواجهة بين الرغبة في عدم تلوين الثورة في مقابل خصوصية خطاب وثقافة الإخوان، وبين المشاركة الموسعة في قيادة الحالة الثورية وبين الكمون المرتبط بتحملها منفردة عملية دفع الثمن، عدم الحسم هذا أدى لاضطراب خطاب الجماعة من ثورة يناير.

12ـ تحدثت أوراق الجبهة كذلك عن ترجيح كفة التنظيم وما أدى لاستبدال «الجماعة» رموز التنظيم بالقيادات الثورية الإخوانية التي أثبتت وجودها داخل ميدان التحرير، وهو ما أدى بدوره إلى خسارة مساحات كبيرة من الصلات والفاعلية كانت الرموز الثورية قد اكتسبتها عبر تفاعلاتهم الميدانية، وأدى ذلك لإحراجهم والمزايدة عليهم واهتزاز موقف شركاء الثورة منهم. واستمر تأثير ترجيح كفة التنظيم في معظم قرارات «الجماعة» اللاحقة علي الثورة.

13ـ لفتت أوراق «الجبهة الشبابية» إلى أن أبرز المشكلات السياسية التي وقعت فيها أنها اعتبرت الحزب السياسي الذي نشا بعد الثورة ذراعا سياسيا لها، وأنه أداة إدارة معاركها السياسية، وحملته بشخوصه ومقاره المهام المختلفة التي كانت «الجماعة» تمارسها من عمل خدمي وأهلي، ونقلت إلى الحزب رموزها الدعوية، فكان أن انتقلت الرموز بما لها من تاريخ مواجهات على أرضية الدعوة وخلافاتها مع خصومها، كما بات الجميع يحملونه أوجه قصور أداء الدولة لأدوارها، وهي الأمور التي لم تترك للحزب فرصة النمو الذاتي.

14ـ تضمنت الأوراق التنويه إلى أن حالة الجهوزية النسبية للجماعة، وهي جهوزية مقارنة بغيرها من مكونات الحياة السياسية المصرية، وليست جهوزية عالية تصل لحد توافر عناصر كفاءة الحوكمة داخل «الجماعة»، أدت هذه الحالة إلى تعامل الجميع معها بهذا الاعتبار، وسارع في دفعها لخوض الفعاليات التي كانت مصر تشهدها، وهو ما أدى لوقوع «الجماعة» في فخ دعاية الأخونة، بالإضافة لتحملها المسؤؤولية الأدبية والسياسية عن الإستجابة للابتزاز، أو عدم الجاهزية للتصدر، أو ما أسمته الأوراق “عدم انتهاج مناهج المناورة السياسية”!

 

ثانيا: السمات العامة لمحتوى الأوراق

بقراءة الأوراق المشار إليها، يمكننا الخلوص إلى عدة سمات يمكن اعتبارها الاتجاه العام للتعليق على هذه الأوراق. غير أنه من المهم أن نلفت هنا إلى أن هذه الأوراق النقدية وإن صدرت عن «الجبهة الشبابية»، إلا أنها كانت نقدا لأداء «الجماعة»، بحيث يُحتسب في هذا المضمار، حتى وإن كان يحمل نسبية صدوره عن فصيل فرعي محل تحفظ حيال كثير من أفكاره ومنهجه. وفيما يلي نعرض لأبرز سمات خطاب هذه الأوراق الأربعة:

1. شيوع نقد الغياب لا الحضور:

من أهم سمات الأوراق الأربعة أنها عبرت عن افتقاد «الجماعة» روح الاجتهاد، وتبدى ذلك من شيوع النقد السلبي الذي كان يتحدث دوما عن “غياب التصور المتكامل”، و”غياب ترتيب الأولويات”، و”غياب مراكز المعلومات”، و”غياب الطموح السياسي”، و”عدم السعي لتحويل الأمني إلى سياسي”، و”غياب الموازنة والحسم بين التوجهات المختلفة”، و”الإحجام عن النضال حيال حق المنتسبين للجماعة في المراكز السياسية العامة”، و”القصور في صناعة رموز المجال العام”.. إلخ.

وبالتالي حضور البعد الإيجابي كان محدودا، وكان حضوره في كثير من الأحيان مقروناً بطابع سلبي، ومنه “الاستسلام لشرط النظام في الحركة عبر المجال العام”، و”الانكفاء بعد القمع”. وبخلاف ذلك ندرت الإشارة لتوجهات إيجابية، ومنها “ترجيح كفة التنظيم”، و”اعتبار الحزب ذراعا سياسيا”. وتعكس هذه السمة غياب التوجهات الاجتهادية من وجهة نظر «الجبهة الشبابية».

2. ندرة الفكري لصالح الحوكمي:

برغم هذه الجدية في «نقد الذات» التي طرحتها الأوراق الأربعة، إلا أنه يمكن ملاحظة ندرة البعد الفكري في الأوراق لصالح ترجيح كفة مراجعة “«الحوكمة». الأوراق الأربعة تتحدث عن استعلاء التنظيم كمحدد، وضعف كفاءة الأطر الإدارية، وغياب مراكز المعلومات والتفكير، والخلط بين الدعوي والسياسي، وغياب فقه الأولويات، هذه العوامل الداخلية الأربعة عوامل حوكمة، تتعلق بالأداء لا بالوجهة، تلك الوجهة التي تحمل معنى الفكرة/ الخطاب/ التصور/ الرؤية. لم تخل الأوراق من تصور لعلاقات سببية أدت لحدوث القصور العام، لكنها كانت من قبيل الحديث عن اخطاء إدارية أكثر منها تصورات حتى لو كانت مجتزأة، باعتبار الأوراق تحدثت عن “غياب التصور المتكامل”. وبرغم هذا نجد بعض الشذرات الفكرية التي نلحظها في مصطلحات تفسيرية من قبيل “هيمنة الخدمي”، و”الملف الأمني”، و”التخوف من تلوين الثورة”، إلا أن هذه المفاهيم غلب عليها أن تكون مجتزأة؛ وربما جمعت من تحليل أدبيات النقد المنتشرة في أدبيات معالجة أداء “الإسلاميين”.

3. الإقرار بتأثير تغييب مراكز التفكير:

بصرف النظر عن تضمين ورقتين من الأوراق الأربعة الإشارة إلى غياب “مراكز تحليل المعلومات” وتغييب “مراكز التفكير”، فإن كل المحاور التي تضمنتها الأوراق الأربعة تشير إلى أن هذا الغياب كان وراء ما تردى في دركاته أداء «الجماعة»، حيث إن ضغط السقف الأمني، وتلاحق تداعيات عالم الأحداث، وكثافة النقد الموجه لـ«الجماعة»، كل تلك الاعتبارات جعلت الجماعة تدور في مربع رد الفعل دوما، بحسب الأوراق الصادرة عن «الجبهة الشبابية»، حيث لم يكن لدى الجماعة وقت للتوقف وقراءة إستراتيجيتها في إطار المستقبل الذي تريد، ما أدى لتردي الرؤية، وغياب الأدوات، وترقيع النتائج، والعيش والاستجابة للتحديات “كيفما اتفق”.

والمشكل الأكبر في هذا الإطار أن هذا التغييب المرتبط بصناعة عالمي المعلومات والأفكار لم يرتبط بغياب كوادر؛ إذ توفرت، كما لم يرتبط بغياب أطر تنفيذية داخل الجماعة قادرة على الاستعانة بهذه الكوادر؛ حيث حضرت هذه الأطر، وفي هذا السياق توجد حلقة مفقودة لم توفها “الأوراق” حقها.

4. التأكيد على مسؤولية الذات:

باستثناء الحديث المحدود عن تسبب المنهج الأمني في تضييق الأفق السياسي الذي خاضت فيه «الجماعة» تجربتها؛ وأثره على محدودية خياراتها، وكذلك تيار النقد المنطوي على كراهية من جانب “الآخر السياسي” وما أدى إليه من الالتحاق بالتنظيم والالتحاف به، باستثناء هذين الرافدين من روافد التسبب في وضع الجماعة الراهن، فإن أوراق «الجبهة الشبابية» اعتبرت “الذات مسؤولة مسؤولية كاملة عما آل إليه حالها، سواء من تغييب “صناعة المعلوماتية” و”مراكز التفكير”، أو “تقديس التنظيم”، أو “الخضوع للأمني”، أو “خلط الدعوي بالسياسي”، أو “الانجرار نحو الأخونة”، أو “الثقة في العسكر”، أو “اختزالية البعد الخدمي”.. إلخ، كل هذه الاعتبارات أكدت فيها الجبهة مسؤولية «الجماعة» عنها من دون محاولة اختلاق «شماعة» تخلع عليها مسؤوليتها.

5. الجرأة في نقد الذات:

كشفت الأوراق الأربعة عن درجة جرأة عالية في نقد الذات ما كانت تتوفر من قبل في خطاب الجماعة حول ذاتها. فالحديث عن افتقار مراكز التفكير ومراكز تحليل المعلومات من الانتقادات الجوهرية التي تكشف عن “انصياع” «الجماعة» لعالم الأحداث، والافتقار للقدرة على شق مسار خاص. فضلا عن عنف الانتقاد الذي وجهته الأوراق للتنظيم وعلوه على مقاصد حركة «الجماعة»، لدرجة تأثيره على منهج التعامل مع أحداث كبرى مثل ثورة يناير. هذا بالإضافة للإقرار بطغيان البعد الخدمي على أدائها العام، وخضوعها للسقف الأمني، وغياب فقه الأولويات.. إلخ.

هذا المستوى من مستويات نقد الذات، والذي يكاد يرقى لدرجة “الجَلد”، لدرجة أن وصفها البعض بأنها “أعذار أقبح من الذنوب”2، وهو النقد الذي يضع سقفا عاليا لأية حالة مراجعة تتلو، سواء من داخل «الجماعة» أو من خارجها.

 

خاتمة: في عناصر المراجعة الجادة

رغم هذه الجدية في “نقد الذات” التي طرحتها الأوراق الأربعة، إلا أن قضايا أساسية غابت عنها، وهو ما يجعل هذه الأوراق تحتاج وقفة حيال تسميتها « مراجعات». وتجدر الإشارة إلى أن الباحث، أو أي مما سواه، لا يملك أن يخبر هذه الجماعة أو ذاك الفصيل أو هاتيك المجموعة بما ينبغي عليها فعله. هذا شأن خالص لتلكم التكوينات. غير أن «المجال العام المصري» ملك لجميع من ينتمي لهذه الرابطة النفيسة. وباعتبارات خصوصيات كل مجال عام تميزه عما عداه، فإن حضور الإسلاميين في المجال العام المصري ارتبط بجملة من القضايا الإشكالية التي لا يمكن لحركة «نقد» أن تتجاهلها، حتى وإن كانت تقدم «تفكيكا» يعقبه «تصور متكامل»، أو «تخلية» تعقبها «تحلية» بالتعبير الشائع.

ومن أبرز القضايا الغائبة عن هذه الأوراق ما يلي:

1. معيار الولاء والبراء: في «لحظة 3 يوليو 2013»، شهدنا وقوف أطراف «إسلامية» مع «خيار الإقصاء». وفي «حالة 14 أغسطس 2013»، شهدنا وقفتهم مع «خيار الدم»، يأتي هذا في الوقت الذي مثلت «حالة 14 أغسطس» بداية تفكك «حالة 30 يونيو 2013»، وهو ما يدفع للتساؤل: أيهما أولى بـ«الولاء»، من ينتصر لحرمة الدم أم من يدعم إهراقه؟ أيهما أولى بالبراء من ينكر عليك حق الحياة أم من يقر لك بكامل حقوقك؟ طرح هذه القضية بدهي الآن. ومد نتائج الإجابة على استقاماتها كاملة موضوع تدقيق من الكافة.

2. منهج النظر للآخر: من أهم الاعتبارات التي نحتاج الوقوف عندها اليوم حيال أية مراجعة أن نعرف كيف ينظر هذا الإسلامي للآخر، وهو اقتراب يرتبط بما سبق طرحه من ضرورة معرفة موضع «الولاء» ومكمن «البراء»، لكنه يحتاج في إجابته لتأصيل أعمق بكثير، يرتبط بموضع وقيمة «الدولة القطرية» في فقه الإسلاميين، وموضع «مفهوم المواطنة» بالتبعية. وفي هذا السياق، فإن القضية لا توضع في سياق تحالف أو ميل قلبي كما طرحتها المسألة السابقة المتعلقة بـ «الولاء والبراء»، بل يرتبط بمعيار الحكم على السلوك السياسي، ومنهج بناء السياسة الوطنية.

3. منهج النظر للديمقراطية: خلال الفترة المأزومة التي تلت «لحظة 22 نوفمبر 2012»؛ لحظة الإعلان الدستوري الأول، اشتد الحديث حول ضرورة التشاور لأجل بناء توافق، ثم تطور الأمر للحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة، وكان رد الجانب الإخواني يتمثل في أن «الصناديق حكمت»، وأن المجتمع السياسي المصري باتت له مرجعية جديدة متمثلة في «مرجعية الصندوق». الآن بتنا ندري إلام قادتنا تلك التعبيرات الرنانة والخلو من الفاعلية. وسؤال هذه الساعة هو: هل الديمقراطية ما زالت تقتصر على مرجعية الصندوق؟ أم أنها تنطوي على أبعاد أهم منها التوافق، والحوار المفضي إليه، ومساءلة السلطة؛ ومسؤوليتها، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات.. إلخ. هذا النظر للديمقراطية حيوي بقدر حق الوجود؛ لما لنا من سابقة إدراك لتأثيرهما في بعضهما البعض.

4. الموازنة بين الأولويات والشريعة: القضية الرابعة، والتي لابد من مراجعة الرؤية الذاتية حيالها هو الروح الفصائلية «غير المبررة» التي وقع فيها الإسلاميون خلال الفترة من بعد «مشروع 25 يناير»، حيث رفعوا شعار الشريعة من دون أن يكون لرفعه داع عملي وموضوعي. لن أطرح السؤال بسذاجة سبق طرحه: أيهما أهم في هذه اللحظة التاريخية: أهي الشريعة أم قيم «سيادة القانون»، و«مساءلة السلطة ومسؤوليتها»، و«العدالة الاجتماعية»، و«مواجهة الفساد»، و«النهضة الاقتصادية»، و«تمكين المجتمع»، و«مواجهة الاستبداد الكامن/ المحتمل أو القائم»،.. إلخ؟.

برأيي المتواضع أن منهج رفع «لافتة الشريعة» على نحو ما شهدته مصر بعد «يناير» يدفعنا لسؤال أهم: ما هو موقع هذه القضايا من الشريعة في تصور الإسلاميين؟

وبرأيي أيضا، أن الإجابة الرشيدة ستعتبرها جميعا في قلب الشريعة، وهو ما يجعل رفع «لافتة الشريعة» بصيغة «شقاقية» وسط إجماع على قضايا هي من صلب الشريعة يعتبر من باب الحماقة السياسية. وفي هذا السياق، لا يمكن للمجتمع السياسي المصري تصور مراجعة «إسلامية» من دون مناقشة هذه القضية.

5. الموقف من العنف: الأمر الأخير بالغ الأهمية، والذي لا يمكننا صوغ هذه الورقة من دون التأكيد عليه، ألا وهو قضية «العنف». لن أطرح في هذه الورقة سؤالي بتلك الصيغة التي طرحها “سامح عيد” حين اعتبر أن مراجعات الإخوان دون إدانة العنف تعد والعدم سواء3.

ففضلا عن خلطه بين الكيان الأكبر وأحد مسارات شقاقه، فإنه قد اعتبر ما صدر من باب المراجعة، وفي هذا ما فيه من التجاوز.

غير أن مسمى «الجبهة الشبابية» ارتبط به استخدام واضح للعنف، والأخطر أن استخدامها للعنف أدى لاستحضار العنف في تسويات سياسية مختلفة القوالب. ولا يمكن الاحتجاج في هذا السياق بصدمة ما بعد العنف. فمثل هذه الصدمة محلها آليات «إعادة التأهيل»، حتى لو كانت إدارة 3 يوليو تغلق هذه الآليات، وعلى رأسها «مركز النديم» الذي يعد أيقونة المساندة العملية لمشروع يناير. أما المجال العام فيحتاج لمشروع سياسي واضح المعالم، وإرادة لتحمل التكلفة السياسية لمحاصرة النزوع الاستبدادي لإدارة 3 يوليو (4).

———————————–

الهامش

(1) طه العيسوي، تفاصيل نتائج تقييم أداء “شبابية الإخوان”، عربي 21، الإثنين، 20 مارس 2017.

(2) إسراء عبدالتواب وآخرون، مراجعات الإخوان.. أعذار أقبح من الذنوب، البوابة نيوز، 22 مارس 2017.

(3) أحمد فوزي سالم، سامح عيد: مراجعات الإخوان دون إدانة العنف هي والعدم سواء، بوابة فيتو، 20 مارس 2017. https://goo.gl/9kkzwO

(4) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close