
صراعات الأجنحة: تفاصيل سرية حول مقتل ريجيني
ترجمات المعهد المصري، المصدر الأصلي، ريبوبليكا الإيطالية، عدد 6 أبريل 2016
هناك تفاصيل مفاجئة تتعلق بقضية مقتل جوليو ريجيني وتشير إلى الأجهزة الأمنية المصرية، فقد تسرب الخبر عبر شخص مجهول تواصل مع الصحيفة مستخدما حساب بريد إلكتروني، لغته الأم كانت العربية، وأنه استخدم في خطابه الإنجليزية وبعض الكلمات الإيطالية. الخبر يقود مباشرة إلى قوات الأمن المصرية، وجهاز الأمن الوطني المصري، والمخابرات العسكرية الذين شاركوا جميعا في عملية القتل الوحشية تحت إشراف وزارة الداخلية والقوات المسلحة والرئاسة.
التفاصيل التي كشف عنها المصدر المجهول عن التعذيب الذي تعرض له جوليو ريجيني ثلاثة منها على الأقل لم تنشر ولم يعلم سوى المحققون الإيطاليون بمطابقتها لما وصل إليه معهد الطب الشرعي في روما بعد تشريح جثة جوليو ريجيني. فصاحب الخطاب – أيا كان – يبدو على علم بمن قاموا بتعذيب ريجيني أو ربما كان شاهدا على التعذيب الذي تعرض له.
وذكر المصدر ملابسات القبض على جوليو ريجيني من قِبل قوات الأمن المصرية فيقول، “من أعطى الأمر بالقبض على ريجيني كان اللواء خالد شلبي، رئيس الإدارة العامة لمباحث الجيزة،” وهي المنطقة التي اختفى فيها جوليو في 25 يناير. الضابط ذاته كان قد تمت إدانته قبل ذلك في قضايا تعذيب. وأضاف المصدر أن “شلبي كان مسؤولا عن القضية قبل اختطاف ريجيني؛ وكان مسؤولا عن مراقبة منزل ريجيني وتحركاته. وقد طلب منه هو وضباط آخرون بالأمن الوطني أن يفتشوا شقة ريجيني.” وأضاف المصدر أن شلبي قاد ريجيني يوم 25 يناير 2016 بعد إلقاء القبض عليه مباشرة إلى الاحتجاز في مبنى الأمن الوطني بالجيزة لأربعة وعشرين ساعة.
وفي مبنى الأمن الوطني بالجيزة، وُضع ريجيني “في زنزانة بعد مصادرة أوراقه ووثائقه بعد أن رفض الإجابة على أي أسئلة في غياب مترجم وممثل عن السفارة الإيطالية،” حسب المصدر المجهول الذي أضاف أن تلك كانت المرة الأولى التي يتعرض جوليو فيها للضرب. وأكمل قائلا إنهم سألوا ريجيني، “نحن نريد معرفة شبكة علاقاتك بالقيادات العمالية المصرية والخطوات التي كانوا يعدون لها؟” وقال المصدر أنه بين 26 و27 من يناير، “أمر وزير الداخلية عبد الغفار بنقل ريجيني إلى مبنى الأمن الوطني بمدينة نصر.”
كرر جوليو أمام معتقِليه الجدد (الأمن الوطني المصري) أنه يرفض التحدث إلا في حضور ممثل عن سفارته و”حذر رئيس الأمن الوطني، محمد شعراوي، حين قال أن لديه أوامر من وزير الداخلية الذي يعلم كيف يجبره على الكلام.”
كان جوليو شبه فاقد للوعي بعد 48 ساعة من التعذيب الممنهج. وقال المصدر “أنه ضرب في وجهه وأسفل قدميه بالهراوات، وتم تعليقه من قدميه. ثم تعرض للصعق بالكهرباء في مناطق حساسة من جسده.” وأضاف أن ريجيني حُرم من الماء والطعام والنوم، وترك واقفا عاري الجسد في غرفة مغطاة بالماء، وكان يتم صعق المياه لبضع ثوانٍ كل ثلاثين دقيقة، وكان قد ضرب في أسفل قدميه.” وهذا يفسر بوضوح علامات الضرب على قدميه التي رآها المحققون الإيطاليون.
أكمل المصدر المجهول روايته الصادمة عما حدث لجوليو بعد وقوعه (في يد العسكريين). لم تكن ثلاثة أيام من التعذيب قد أثنت جوليو عن المقاومة، فقرر وزير الداخلية حينها إحالة المسألة لمستشار الرئيس أحمد جمال الدين، الذي أخبر السيسي، الذي أمر بدوره بنقل الطالب الإيطالي إلى مقر إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع في مدينة نصر لاستجوابه هناك.”
كان هذا هو القرار الذي حسم مصيره وأدى إلى مقتله. “أرادت المخابرات الحربية أن تثبت للرئيس أنهم أقوى وأغلظ من الأمن الوطني.” أخبر المصدر أن وفاة ريجيني حدثت في مقر المخابرات الحربية، “ضرب ريجيني على وجهه، وتعرض للتعذيب بالإيهام بالغرق وبالكلاب المدربة دونما رحمة” – في نوع من العنف الجنسي. وقالت’ ريبوبليكا‘ الإيطالية أن هذه المعلومات تفسر علامات الجروح والضرب التي وجدت على جسده بعد موته.
ولم ينتهي الرعب عند ذلك. “أغمي على ريجيني، وحين استعاد وعيه هدد الضباط العسكريين بأن إيطاليا لن تدع هذه الحادثة تمر بسهولة.” لكن ذلك “أثار غضبهم، واستمروا في ضربه بشكل أعنف.”
رغم تعرض ريجيني للإغماء عدة مرات إلا أن العنف لم يتوقف. “رغم أن الأطباء العسكريين الذي زاروه قالوا إن حالته سيئة جدا، إلا أن التعذيب استمر بإطفاء أعقاب السجائر في رقبته وأذنيه” إلى أن فقد وعيه وحاول الأطباء العسكريون إفاقته. بعد وفاته، وبحسب المصدر المجهول، “وضع جوليو في ثلاجة الموتى بالمجمع الطبي للقوات المسلحة بكوبري القبة، تحت رقابة مشددة، وانتظروا ليقرروا ما سيفعلون.” اتخذ القرار “في اجتماع بين السيسي ووزير الداخلية ورؤساء جهازي المخابرات وكبير موظفي الرئاسة ووزير الأمن القومي.”
وبوصول وزير التنمية الاقتصادية الإيطالية إلى القاهرة، والتي سألت عن اختفاء ريجيني، قال المصدر، “اتُّخذ القرار في ذلك الاجتماع أن تصور القضية كجريمة بدوافع السرقة والمثلية الجنسية، وأن تلقى جثته على جانب الطريق.” وأضاف أن جثة ريجيني نقِلت ليلا من المجمع الطبي للقوات المسلحة بكوبري القبة في سيارة إسعاف برفقة المخابرات، وألقيت على طريق القاهرة-الإسكندرية.”
تعهد المصدر المجهول بالكتابة ثانية، وختم شهادته بذكر دعاء دينيا: “اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه”.