fbpx
تقارير

عالم مضطرب: خرائط الاحتجاجات والمآلات (1)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة:

في أعقاب جائحة كورونا واندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، يتعرض العالم لموجات متصاعدة من التضخم أدت إلى تسارع ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية، التي كانت أخذه في الارتفاع أصلا قبل اندلاع الحرب، ووقوع الكثير من البلدان في أزمات إقتصادية، وأشرف البعض منها على الإفلاس أو وقع فيه بالفعل، مما أدى إلى اندلاع العديد من الاحتجاجات الشعبية والأزمات السياسية في الكثير من أنحاء العالم. ويلفت النظر أن هذه الاحتجاجات قد اندلعت بشكل متزامن، وفي نطاقات جغرافية متباعدة، بما قد يشكل ظاهرة عالمية متنامية، لكن أبعادها ومألاتها لاتزال غير واضحة.

وترصد هذه السلسلة من المقالات أهم تطورات هذه الاحتجاجات، ومآلاتها بمرور الوقت، لما يمكن أن تؤشر عليه من انتشار هذه الظاهرة في بلدان أخرى قد تمر بظروف مشابهة في الكثير من بلدان العالم، خاصة بعدما حدث في سريلانكا بعد إعلان إفلاسها واحتدام أزماتها الاقتصادية والسياسية، وتستعرض ببعض التفصيل أهم تطورات هذه الاحتجاجات وجذور الأزمات وتداعياتها في عدد من البلدان.

يزداد خطر ارتفاع مستويات التضخم في الاقتصاد العالمي بشكل أكبر نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث تتجه الأمور بوتيرة متسارعة من سيئ إلى أسوأ في ظل استمرار الحرب. فقد شهدت أسعار المواد الغذائية والوقود ارتفاعاً حاداً، إذ تُعد روسيا وأوكرانيا مصدّرين رئيسيين للعديد من السلع الأساسية، بما في ذلك الغاز والنفط والفحم والأسمدة والقمح والذرة والزيوت النباتية. وتعتمد العديد من الاقتصادات في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا اعتماداً شبه كامل على روسيا وأوكرانيا للحصول على وارداتها من القمح. وفيما يتعلق بالبلدان الأقل دخلاً، قد يؤدي اضطراب الإمدادات، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار، إلى زيادة التعرض لخطر الجوع وانعدام الأمن الغذائي. وقد يتسبب اضطراب سلاسل الإمداد في تفاقم الضغوط التي تنجم عن التضخم على نطاق واسع.

التضخم والأزمات الاقتصادية وعدم الاستقرار

في 11 مايو 2022، نشر موقع فيريسك مابلكروفت لاستشارات المخاطر تحليلاً بعنوان: “أزمة تكلفة المعيشة تؤجج مخاطر الاضطرابات المدنية في الأسواق الناشئة”؛ حيث اشترك في إعداد التحليل هاميش كينير، محلل رؤية المخاطر لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وجيمينا بلانكو، رئيسة وحدة السياسة لشؤون الأمريكتين. وقد أبرز التحليل أنه وفقاً لتوقعات مؤشر الاضطرابات المدنية الذي تُعده شركة استشارات المخاطر، “فإن 10 من الدول ذات الاقتصادات متوسطة الدخل، وفي مقدمتها البرازيل ومصر وتونس وباكستان والسنغال، ستكون هي الأكثر تضرراً خلال الأشهر الستة المقبلة، بسبب الزيادة الجنونية لأسعار المواد الغذائية والوقود بعد اندلاع الحرب على أوكرانيا، وتفاقم أزمة تكلفة المعيشة.

ويقول التقرير “بالتأكيد لن تكون سريلانكا وكازاخستان آخر من يواجه اضطرابات مزعزعة للاستقرار هذا العام. فقد حددنا عشرة أسواق ناشئة ستواجه ضغوطاً مماثلة وتستلزم المراقبة بشكل خاص، بما في ذلك: الأرجنتين والبرازيل ومصر وتونس ولبنان والسنغال وكينيا وباكستان وبنجلاديش والفلبين.” ويستطرد التقرير قائلا: “لا ينبغي أن يتفاجأ البعض بحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضم ثلاث دول من أصل عشر دول يجب مراقبتها عن قرب. فالمنطقة تعتمد على استيراد الغذاء من الخارج، مما يجعلها عرضة لارتفاع الأسعار، كما أنها تقليدياً تحصل على نسب كبيرة من حاجتها من الحبوب من أوكرانيا وروسيا، لذا فهي أكثر عرضة للاضطرابات بسبب الحرب.” حيث تكون الدول الفقيرة التي تعتمد على الاستيراد لسد حاجتها من الحبوب مثل مصر وتونس ولبنان هي بالفعل الأكثر انكشافاً في ظل هذا الواقع.

ويمكن أن يكون ارتفاع أسعار الغذاء والوقود أيضاً عاملاً مزعزعاً للاستقرار في قارة آسيا بدول أخرى غير سريلانكا. فكل من بنجلاديش وباكستان تعتمدان بشكل كبير على استيراد الغذاء والوقود من الخارج، حيث شهدت الأخيرة مؤخراً بالفعل تغييراً في رئاسة الوزراء في إبريل الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى المشاكل الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع الأسعار.

وقد نشرت وكالة رويترز تقريراً هاماً كشفت فيه أن هناك العديد من الدول قد أصبحت مهددة بالإفلاس، بما في ذلك مصر وتونس والأرجنتين وأوكرانيا وإثيوبيا وباكستان. حيث تعاني هذه الدول من أزمات في سداد ديون، ترتبت في الأساس على شبه انهيار لعملتها الوطنية، وتراجع كبير في عوائد السندات، وتراجع احتياطياتها من العملات الأجنبية.

ويقول التقرير إن “لبنان وسريلانكا وروسيا وسورينام وزامبيا بالفعل في حالة تخلف عن السداد، وبيلاروسيا الآن على حافة الهاوية، وما لا يقل عن عشر دول أخرى تقبع في منطقة الخطر، حيث أدى ارتفاع تكاليف الاقتراض والتضخم والديون إلى تأجيج مخاوف من تعرضها للانهيار الاقتصادي.”

ويضيف التقرير بأن خبراء اقتصاديين يقدّرون بأن هناك 400 مليار دولار من الديون المتعثرة. تستحوذ الأرجنتين على أكثر من 150 مليار دولار، تليها الإكوادور ومصر بما يتراوح بين 40 و 45 مليار دولار.

ونشرت بلومبيرج أيضاً في 8 يوليو تقريراً قال فيه إنه بعد ما حدث في سريلانكا، هناك دول معرضة لخطر الإفلاس قريباً؛ وجاءت مصر في المركز الخامس بعد السلفادور، وغانا، وتونس، وباكستان، حيث سبقت حتى الأرجنتين وأوكرانيا في احتمالات الإفلاس. ويُذكر أن نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي في مصر هي أعلى نسبة بين هذه الدول الخمس، رغم أن النسبة التي أوردها التقرير هي 94%، وهو الرقم الرسمي المصري، فإن الواقع أن النسبة أعلى من ذلك بكثير.

يقول التقرير إن “سريلانكا كانت هي أول دولة تتوقف عن سداد مدفوعات حاملي سنداتها الأجانب هذا العام، حيث كانت مثقلة بتكاليف الغذاء والوقود الباهظة التي أجّجت الاحتجاجات والفوضى السياسية في البلاد؛ ثم حذت روسيا حذوها في يونيو بعد أن عَلَقت في شبكة من العقوبات.” وأضاف، “والآن ، تتحول الأنظار إلى السلفادور وغانا ومصر وتونس وباكستان – الدول التي ترى بلومبرج إيكونوميكس أنها عرضة للتخلف عن السداد أيضاً.”

ويقول تقرير بلومبيرج أيضاً أن “عدد الأسواق الناشئة ذات الديون السيادية المتعثرة – تزيد عوائدها بأكثر من 10 نقاط مئوية عن مثيلتها في سندات الخزانة ذات الاستحقاق المماثل، والتي يمكن أن تشير إلى أن المستثمرين يعتقدون أن التخلف عن السداد هو احتمال حقيقي بالفعل – وقد تضاعف هذا الاحتمال في الأشهر الستة الماضية، وفقًا إلى البيانات التي وفّرها مؤشر بلومبيرج. وهذه الدول التسعة عشر (في الجدول) مجتمعة هي موطن لأكثر من 900 مليون شخص، وبعضها – مثل سريلانكا ولبنان – في حالة تخلف عن السداد بالفعل.”

احتجاجات التضخم حول العالم – هل تصل إلى أمريكا؟

في 11 يوليو، نشرت مجلة فوربس مقالاً لروفاس كاماو، وهو من أبرز كتاب المجلة الأمريكية الشهيرة، تناول فيه الاحتجاجات المترتبة على ارتفاع نسبة التضخم في دول مثل: سريلانكا وألبانيا والأرجنتين وبنما وكينيا وغانا؛ وتساءل فيه أيضاً عن إمكانية تعرض الولايات المتحدة لاحتجاجات مشابهة. في البداية، يقول كاماو إن سريلانكا ليست الدولة الوحيدة التي يتم فيها استنزاف ميزانيات الأسرة إلى حد الوصول إلى نقطة الانهيار، حيث أدى ارتفاع التضخم في العديد من الدول إلى زيادة تكلفة المعيشة، وأدى ذلك بدوره إلى اندلاع احتجاجات ضخمة هنا وهناك، بوتيرة سريعة.

حيث وصل التضخم في سريلانكا التضخم إلى 54.6% في يونيو بينما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة إلى 15.5%، مما أفقد العمال في سريلانكا مدخراتهم في كل ثانية. في الوقت نفسه، زادت مدفوعات سداد الديون، مما شكل مزيداً من الضغط على ميزانيات الأسر، وفشلت الحكومة في الوفاء بالديون الخارجية، وطالب صندوق النقد الدولي برفع الضرائب ومكافحة الفساد كشرط للحصول على قرض لإنقاذ الموقف المتردي.

وفي ألبانيا تظاهر الآلاف في تيرانا في أوائل يوليو (7/7)، مطالبين باستقالة الحكومة (يسار الوسط) بسبب اتهامات بالفساد، وكذلك لفشلها في معالجة أزمة غلاء المعيشة، في ظل الزيادة الهائلة في أسعار المستهلكين. حيث شهدت ألبانيا مؤخراً ارتفاعاً حاداً في أسعار المنتجات الغذائية الأساسية والوقود بسبب الحرب في أوكرانيا وتداعيات جائحة كورونا المستمرة حتى الآن. وأعلن البنك المركزي الألباني عن زيادة سعر الفائدة بنسبة 1.25%، في حين بلغت نسبة التضخم الرسمي لشهر يونيو 6.7%. وقاد الاحتجاجات الحزب الديمقراطي المعارض الرئيسي، من يمين الوسط، وحضرها زعيمه صالح بريشا، الرئيس ورئيس الوزراء السابق البالغ من العمر 77 عاما.

وفي الأرجنتين، تظاهر الآلاف في بوينس آيرس أيضاً في أوائل يوليو احتجاجاً على ارتفاع تكاليف المعيشة. وطالب المتظاهرون باستقالة الحكومة، مع رفض الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، والتي تنضوي على شروط أكثر صرامة للمواطنين، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة الرئيسية لتبلغ 52%، ونسبة التضخم لتبلغ 60.7%، وذلك في شهر في مايو.

أما في بنما، فقد بدأت الاحتجاجات ضد الحكومة في الأول من يوليو، حيث طالب المتظاهرون الحكومة بحل مشكلة ارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد. وطالبوا كذلك بزيادة الأجور وانخفاض أسعار السلع الأساسية وإزالة الاختناقات في سلاسل التوريد. وعلى الرغم من أن التضخم لا يزال منخفضاً في الدولة صاحبة السيولة النقدية العالية، فقد أثرت مشكلات سلاسل التوريد العالمية على إيرادات قناة بنما، مما قلل من إيرادات الحكومة وحدّ من توقعاتها.

وفي كينيا، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية، مما دفع مئات المحتجين إلى التظاهر في أنحاء نيروبي في التاسع من يوليو، وحثوا الحكومة على خفض أسعار المواد الغذائية. واتهم المتظاهرون الحكومة بأن ارتفاع تكلفة المعيشة كان سببه الاقتراض المفرط للدولة والفساد المستشري في أوصالها. ويبلغ معدل التضخم الرسمي في كينيا 7.91%، بينما تبلغ أسعار الفائدة 7.50%.

أما في غانا، فقد خرجت الجماهير إلى الشوارع في يونيو للاحتجاج على ارتفاع تكاليف المعيشة. ودخلت الحكومة في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل خطة إنقاذ، بعد أن وصلت نسبة التضخم إلى 27.6%، بينما لم يُجدِ رفع أسعار الفائدة إلى 19% نفعاً فيما يبدو، حيث يعاني اقتصاد غانا من أزمة ديون بسبب الاقتراض المفرط للحكومة.

وبالإضافة إلى ذلك، فهناك مظاهرات أخرى اندلعت في هولندا وبلجيكا وإيطاليا والصين، ويبدو أنها شملت أولئك الذين يعانون في تدبير ميزانيات الأسرة، في ظل التهديدات التي يتعرضون لها من ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب السياسات البيئية والاجتماعية والحوكمة وعدم القدرة على الوصول إلى النقد في البنوك.

وبينما تظل الولايات المتحدة قوية وتشير بيانات التوظيف إلى اقتصاد مزدهر، فإن ارتفاع التضخم يمكن أن يؤدي  بسهولة إلى الضغط على ميزانيات الأسر والذي سيؤدي بدوره إلى الاحتجاجات.

فيما يلي نستعرض بشئ من التفصيل نماذج من بعض هذه الدول، في ظل ارتفاع مستويات التضخم في الاقتصاد العالمي وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ولعل أبرزها سريلانكا التي تصاعدت فيها الاحتجاجات حتى أرغمت رئيس البلاد على الهروب خارج البلاد:

أولاً: سريلانكا

غرقت سريلانكا، الجزيرة التي تقع في جنوب آسيا، جنوب شبه القارة الهندية، والتي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة، في أزمة سياسية واقتصادية عميقة مؤخراً؛ في ظل تسارع التضخم وسوء الأحوال وتصاعد الاحتجاجات التي أجبرت رئيس البلاد، جوتابايا راجاباكسا، على الفرار من مقر إقامته، قبل أن يقتحم حشد كبير من المتظاهرين المجمع الرئاسي.

وكان الرئيس جوتابايا راجاباكسا قد أعلن في الأول من إبريل 2022 حالة الطوارئ، ومنح قوات الأمن سلطات واسعة لاعتقال واحتجاز المشتبه بهم، بعد موجة عارمة من الاحتجاجات.

ولكن مع تطور الأحداث، قدم معظم الوزراء استقالاتهم في اجتماع تم عقده في وقت متأخر من ليل الثالث من إبريل، مما أدى إلى حشر الرئيس راجاباكسا وشقيقه ماهيندا، رئيس الوزراء، في الزاوية، خاصة بعد استقالة وزير المالية بعد يوم واحد فقط من تعيينه.

وفي تلك الأثناء، فقد “الزعيم المحاصر” أغلبيته البرلمانية وحثَّه حلفاؤه السابقون بتقديم استقالته. ثم أعلنت الحكومة في الثاني عشر من إبريل أنها قد تخلفت عن سداد ديونها الخارجية البالغة 51 مليار دولار “كملاذ أخير” بعد نفاد النقد الأجنبي اللازم لاستيراد السلع الضرورية.

ولم تهدئ الأمور استقالة ماهيندا راجاباكسا، شقيق الرئيس، والذي شغل في السابق منصب الرئيس لقرابة العشر سنوات، من منصبه كرئيس للوزراء، حيث تم استبداله برانيل ويكرمسينج، وهو سياسي مخضرم تولى رئاسة الوزراء عدة مرات. بل ازدادت الأمور سوءاً، حيث أعلنت الحكومة في أواخر يونيو أن الوقود على وشك النفاد في سريلانكا، وقامت بإيقاف جميع مبيعات البنزين باستثناء الخدمات الأساسية. ثم نشرت الحكومة بيانات تظهر أن التضخم قد وصل إلى مستوى قياسي للشهر التاسع على التوالي، بعد يوم من مطالبة صندوق النقد الدولي من سريلانكا بكبح جماح الأسعار المرتفعة والتضخم المتسارع.

ومع تصاعد الاحتجاجات، أُجبر الرئيس راجاباكسا في التاسع من يوليو على الفرار من مقر إقامته في كولومبو بمساعدة القوات الأمنية، قبل وقت قصير من اقتحام المتظاهرين للمجمع الرئاسي. ثم أعلن رئيس البرلمان ماهيندا أبيواردانا في بيان متلفز أن راجاباكسا عرض التنحي عن الحكم في الثالث عشر من يوليو. وهرب الرئيس السريلانكي بعد ذلك إلى جزر المالديف على متن طائرة عسكرية برفقة زوجته واثنين من حراسه الشخصيين، بعد مواجهة مُذلة في مطار كولومبو، حيث لم يسمح له موظفو المطار بالخروج من صالة كبار الشخصيات. وتم تعيين رئيس الوزراء كرئيس بالإنابة وأعلن رئيس البرلمان حالة الطوارئ إلى أجل غير مسمى. وفي منتصف يوليو، غادر الرئيس راجاباكسا جزر المالديف متوجهاً إلى سنغافورة، حيث قام فور وصوله بإرسال استقالته من منصبه كرئيس للبلاد إلى رئيس البرلمان بالبريد الإلكتروني، وانتهى الأمر بانتخاب البرلمان برانيل ويكرمسينج في العشرين من يوليو رئيسا جديدا للبلاد خلفا لراباجسكا، ومن غير المعروف إلى ماذا ستؤول الأوضاع في البلاد بعد هذا الانتخاب الذي جاء على غير موافقة من المعارضة والمحتجين في الشوارع، الذين كانوا قد أحرقوا منزل ويكرمسينج من قبل عندما كان رئيسا للوزراء.

جذور الأزمة

بعد أشهر من الاحتجاجات على ارتفاع معدلات التضخم ونقص الغذاء والوقود وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة في سريلانكا، وقعت البلاد في أتون اضطرابات سياسية وأدى ذلك إلى أول تخلف عن سداد ديونها السيادية منذ حصولها على الاستقلال عن بريطانيا في عام 1948.

وترجع جذور الأزمة إلى قيام الرئيس المنتخب جوتابايا راجاباكسا في أواخر عام 2019 بإجراء تخفيضات ضريبية لأهداف شعبوية، مما أدى إلى تقليص الإيرادات قبل أشهر فقط من تفشي جائحة كورونا وتداعي آثارها على الاقتصاد، تزامنا مع وقف الرحلات الجوية الدولية والإغلاق التام. وفي نفس الوقت، جفت تحويلات العمال السريلانكيين في الخارج حيث فقد العديد منهم وظائفهم. ولم تستطع الحكومة دفع أثمان واردات الوقود والأغذية الأساسية بشكل منتظم – تزامناً مع قرار حظر الأسمدة الكيماوية حتى تكون الزراعة عضوية بالكامل، مما أثار احتجاجات المزارعين وأدى إلى تراجع إنتاج محاصيل هامة مثل الشاي والأرز.

ومع انخفاض موارد النقد الأجنبي، عانت سريلانكا كثيراً من أجل إدارة ديونها الخارجية، التي نمت، ولو جزئياً، بسبب القروض التي حصلت عليها من الصين لتمويل مشاريع بنية تحتية طموحة وغير ذات أولوية، حيث صرح محافظ البنك المركزي ناندالال وييراسينغي للدائنين بأن سريلانكا لن تكون قادرة على سداد مدفوعاتها قبل أن تتم إعادة هيكلة ديونها.

لقد اقترب الاقتصاد السريلانكي البالغ 81 مليار دولار من الإفلاس تماماً، بعد أن أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى رفع الأسعار العالمية للنفط والسلع الأساسية الأخرى، في ظل بطء النمو وتسارع التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته. وعلى إثر ذلك، ارتفعت أسعار السلع للمستهلك بنسبة 54.6% في يونيو مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، مع ارتفاع تكاليف النقل بنسبة 128% عن الشهر السابق، والغذاء بنسبة 80%، بالإضافة إلى النقص الحاد في المعروض منه.

وفرضت الحكومة قيوداً مفاجئة على إمدادات الوقود في أواخر يونيو وشجعت الناس على البقاء في منازلهم. ثم رفعت السلطات السريلانكية من أسعار الفائدة وخفضت قيمة عملتها المحلية وقلصت حجم الواردات غير الضرورية. وفي ظل الوضع الاقتصادي السيء وتضاؤل الرصيد من احتياطيات العملات الأجنبية، حيث تُقدّر بـ 2 مليار دولار فقط، ومدفوعات ديون مستحقة هذا العام تُقدر بـ 7 مليارات دولار، فإن استعادة القوة الاقتصادية للبلاد تُعتبر مهمة شاقة للغاية.

وأثارت حالة عدم اليقين السياسي العديد من التساؤلات حول طبيعة المحادثات مع صندوق النقد الدولي حول خطة للإنقاذ، حيث أبلغ وزير المالية آنذاك علي صبري البرلمان في مايو أن أي برنامج لصندوق النقد الدولي سيستغرق ستة أشهر للبدء فيه. وقال أيضا إن الأمر قد يستغرق عامين حتى تخرج البلاد من الأزمة. وكانت حكومة راجاباكسا مترددة بشدة في طلب مساعدة صندوق النقد الدولي كونها تنطوي على إجراءات تقشف لها مردود غير مرحب به شعبيا، في حين سعت للحصول على مساعدات من الهند.

ومن الجدير بالذكر أن الرئيس المتنحي راجاباكسا هو ضابط سابق بالجيش وكان يعتبره كثير من الناخبين بطل الحرب الأهلية بلا منازع عندما استطاع حسم الصراع الممتد مع متمردي نمور التاميل. وفي نهاية المطاف، قدم راجاباكسا استقالته عبر البريد الإلكتروني بعد أشهر من الاحتجاجات التي اندلعت ضده. حيث طالب المتظاهرون باستقالته وحكومته بعد المعاناة التي تعرضوا لها لأشهر، من انقطاع التيار الكهربائي ونقص حاد في الغذاء والوقود وتضخم متسارع.

ثانياً: الأرجنتين

تقع الأرجنتين، ثامن أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، في أمريكا الجنوبية؛ وهي عبارة عن اتحاد يضم 23 مقاطعة؛ وتُعتبر بوينس آيرس هي عاصمة البلاد وأكبر مدنها. وفي الوقت الذي كانت البلاد تكافح للتعافي من كوفيد -19، بدأ التضخم يخرج عن السيطرة في ظل ارتفاعه بشكل متسارع، مما أثار احتجاجات ضخمة ضد الحكومة ورئيس البلاد، حيث سارت الحشود في التاسع من يوليو، الذي يصادف عيد استقلال البلاد، إلى القصر الرئاسي، المعروف باسم “البيت الوردي”، في العاصمة بوينس آيرس، للتعبير عن غضبهم من ارتفاع الأسعار والديون الوطنية التي يقولون إنها بدأت تخرج عن نطاق السيطرة، خاصة صفقة الديون التي أبرمتها الأرجنتين هذا العام مع صندوق النقد الدولي، وتُقدر قيمتها بـ 44 مليار دولار.

وقد دعا الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال إلى “الوحدة” في هذا الوقت الحرج للتغلب على الآثار الناجمة عن ارتفاع معدلات التضخم وغيرها من المشاكل الاقتصادية. وقال “إنها (الوحدة) قيمة يجب أن نحافظ عليها في أصعب اللحظات”. وقال فرنانديز أيضاً “يجب أن نسير على الطريق نحو التوازن المالي وتحقيق الاستقرار للعملة”.

ويقول محللون إن التضخم في الأرجنتين بلغ 5.4% في شهر يونيو بمفرده، ومن المرجح أن يتجاوز 35% في النصف الأول من العام. وعلى مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، كانت التقديرات تشير إلى أن أسعار المستهلكين قد ارتفعت بنسبة 63%.

وحمل المتظاهرون لافتات تدعو الحكومة الأرجنتينية إلى ضرورة “الابتعاد عن صندوق النقد الدولي”. قاموا بقرع الأواني والمقالي، وهو شكل شائع من الاحتجاج هناك، وأغلقوا الشوارع ودعوا الحكومة إلى وقف جميع مدفوعات الديون، وهددت الأحزاب اليسارية بتنظيم إضراب عام لفرض مطالبهم. وغرد ألفارو دي لامادريد، عضو الكونجرس الذي انضم إلى الاحتجاجات، قائلاً إن “تنظيم المسيرات والحشد في عيد الاستقلال في جميع ميادين البلاد هو بمثابة رسالة للدفاع عن الجمهورية والحرية والمطالبة بالعدالة”.

اندلعت الاضطرابات في بوينس آيرس، خاصة وسط المدينة، وانتشرت أيضاً في مدن كبيرة أخرى مثل مار ديل بلاتا وروزاريو وسانتا في. وقد لخص أحد المتظاهرين المشكلة، في حديث إلى محطة تلفزيون محلية، قائلاً: “نحن متعبون. لماذا؟ لأنه يوجد جوع ولا توجد طريقة لإطعام الأسرة”.

الأرجنتين ليست هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تواجه مثل هذه الموجة من الاحتجاجات وسط ويلات التضخم. فخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت بيرو وتشيلي والإكوادور خروج الناس إلى الشوارع للاحتجاج على ارتفاع الأسعار، وندرة السلع الأساسية، والسياسات الاقتصادية التي يتم تنفيذها لمواجهة التضخم.

وفي الثاني من يوليو، استقال مارتن جوزمان، وزير الاقتصاد الأرجنتيني، وحلت محله الخبيرة الاقتصادية سيلفينا باتاكيس. وبحسب تقارير متداولة، فقد تحدثت باتاكيس مع صندوق النقد الدولي في 8 يوليو وتعهدت بتحقيق الاستقرار الاقتصادي، على الرغم من ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية.

وقالت باتاكيس “بالرغم من وجود تلك التوترات، يتعين علينا العمل معا، وإجراء بعض التعديلات، ولكننا في نفس الوقت سنسعى للامتثال لما تم الاتفاق عليه”.

تضخم مفرط

نشرت بلومبيرج في ١٤ يوليو تقريراً أعده باتريك جيليسبي وإجناسيو أوليفيرا دول، بعنوان: “الأرجنتينيون يستعدون لتضخم بنسبة 90% بعد خروج جوزمان المفاجئ”، حيث أكد التقرير أن توقعات التضخم قد قفزت بشكل كبير بعد الخروج المفاجئ لوزير الاقتصاد الأرجنتيني مارتن جوزمان، بينما تطالب النقابات العمالية بعقود جديدة لتلافي آثار التضخم.

وقد أدى الخروج الدراماتيكي لوزير الاقتصاد السابق مارتن جوزمان هذا الشهر إلى ارتفاع الأسعار من قبل العديد من الشركات، حيث تسابق بعض الأرجنتينيين إلى المتاجر في صباح اليوم التالي بعد استقالة جوزمان، لمحاولة التخزين قبل تخفيض قيمة البيزو وارتفاع الأسعار.

وكان التضخم السنوي قد بلغ  64% في يونيو، وهو أعلى معدل في 30 عاماً، وفقاً لبيانات حكومية نشرت يوم الخميس 14 يوليو. وعلى الرغم من أن صانعي السياسة كانوا قد تحدثوا عن الحاجة إلى أن تتجاوز أسعار الفائدة التضخم في وقت سابق من هذا الأسبوع، فقد وردت تقارير بأن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي الأرجنتيني قد ثبتت سعر الفائدة الرئيسي عند 52% في اجتماعها الأسبوعي في 14 يوليو.

ويواجه الأرجنتينيون احتمال تضخم بنسبة 90% بنهاية العام بعد أن أدى خروج وزير الاقتصاد مارتن جوزمان إلى ارتفاعات في الأسعار وتعرض البنك المركزي لضغوط للسماح للبيزو، العملة المحلية، بالانخفاض مقابل الدولار بشكل أسرع. وستكون هذه أسرع وتيرة للتضخم منذ التضخم الكبير الذي أصاب البلاد قبل ثلاثة عقود، كأعلى معدل على مستوى العالم، باستثناء فنزويلا والسودان، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.

وتتوقع الشركات الاستشارية في بوينس آيرس، مثل إيكونفيوز، فمايا، ألبيردي بارتنرز وإيكوجو، تضخماً بنسبة 90% بنهاية عام 2022. ويتوقع أحد خبراء التنبؤ، فييل، ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة 92%، بينما يرى بعض المحللين الآخرين، مثل إيكولاتينا وإمبيريا كونسالتورز، أن التضخم سينتهي هذا العام عند 85%.

وقبل خروج جوزمان، كان الاقتصاديون الذين شملهم استطلاع أجراه البنك المركزي، يتوقعون أن تصل نسبة التضخم بنهاية العام إلى 76%. كما ساهمت طباعة النقود لتمويل الإنفاق الحكومي وارتفاع أسعار السلع العالمية في ارتفاع الأسعار المتسارع.

ويرى دييجو بيريرا ولوسيلا باربيتو، من جي بي مورجان تشيس وشركاه بعد توقع تضخم نسبته 90%: “بشكل عام، نُقر بأنه في غياب إعادة النظر وبسرعة في الإطار الكلي (للاقتصاد)، فإن خطر التقارب إلى تضخم سنوي مكون من ثلاثة أرقام يتزايد”، وفقاً لمذكرة نُشرت يوم الخميس (١٤ يوليو).

كما يرى أخرون أنه “سيتوقف الرقم النهائي للتضخم على ما إذا كان بإمكان الحكومة تأخير تخفيض قيمة البيزو حتى عام 2023 أم لا. وإذا لم يحدث ذلك، فقد يتجاوز التضخم نسبة 100%”.

ويقول فيديريكو فورياس، أنكر أمريكا اللاتينية: “الأدوات التقليدية لا تعمل: لا يمكنك الاستمرار في تقدير سعر الصرف لأنك لا تملك صافي احتياطيات؛ يجب أن تبدأ فواتير الخدمات في الارتفاع لخفض الدعم وعجز الميزانية؛ ويتم تعديل الرواتب بعد أن خسرت قوتها الشرائية بسبب تسارع التضخم”.

وباستشراف المستقبل، يرى المحللون أن حكومة الرئيس ألبرتو فرنانديز لا تملك أدوات أو استراتيجية ذات مصداقية لتهدئة التضخم. ويتوقع البعض أن يقوم البنك المركزي الأرجنتيني بالإسراع بتخفيضاته اليومية لقيمة البيزو، الأمر الذي سيسمح له بإنفاق أموال أقل للدفاع عن نظام تعديل سعر الصرف، على الرغم من أن هذا الأمر سيكرس مزيداً من الضغط على الأسعار.

وقد تعيد النقابات العمالية القوية في الأرجنتين التفاوض بشأن زيادات أجور العمال للتعويض عن ارتفاع الأسعار أيضاً.

ثالثاً: الإكوادور

تقع الإكوادور في قارة أمريكا الجنوبية ويبلغ عدد سكانها حوالي ١٨ مليون نسمة، وتُعتبر كيتو هي العاصمة الإدارية للإكوادور، بينما تُعتبر مدينة جواياكيل هي عاصمتها الاقتصادية. وقد اندلعت مظاهرات حاشدة في ١٣ يونيو ٢٠٢٢ بقيادة منظمة السكان الأصليين (كوناي) وسط غضب شعبي من ارتفاع أسعار الوقود وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة، فضلاً عن السياسات الاجتماعية والاقتصادية لإدارة الرئيس اليميني جييرمو لاسو.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات، ندد المتظاهرون بارتفاع أسعار المحروقات ونقص الوظائف أو منح امتيازات تعدين في مناطق السكان الأصليين، وطالبوا أيضاً بضبط أسعار المنتجات الزراعية وإعادة التفاوض بشأن ديون الفلاحين مع البنوك. وخلال فترة الاحتجاجات التي امتدت لأكثر من أسبوعين، أغلق المحتجون الطرق ووضعوا نقاط تفتيش مؤقتة وحواجز في 11 مقاطعة على الأقل من مقاطعات البلاد البالغ عددها 24 مقاطعة، مما قطع جزئياً فرص الوصول إلى العاصمة كيتو.

وجدير بالذكر أن السكان الأصليين يشكلون أكثر من مليون نسمة من سكان الإكوادور البالغ عددهم 17.7 مليون نسمة.

وشارك ما يقدر بنحو 14 ألف إكوادوري في المظاهرات التي شلّت أجزاء من العاصمة كيتو ومناطق أخرى حيث أحرق المتظاهرون الإطارات وأغلقوا الطرق لمطالبة الحكومة باتخاذ إجراءات حيال الأوضاع الاقتصادية المتردية.

ويُعاني أكثر من ربع الإكوادوريين من الفقر، وفقاً لبيانات صدرت عام 2021؛ وهناك حوالي واحد من كل ثلاثة فقط من لديه فرصة “عمل مناسب”، في بلد به قطاع عمل غير رسمي ضخم.

فبعد سنوات من التداعيات الخطيرة لجائحة كوفيد-19، دفع ارتفاع التضخم والبطالة العديد من الجماهير للانضمام إلى الاحتجاجات. وطالب المتظاهرون بخفض تكاليف الوقود، وإتاحة وظائف للعاطلين، وضبط أسعار المواد الغذائية، والمزيد من الإنفاق العام على الرعاية الصحية والتعليم. وأسفرت الاشتباكات مع قوات الأمن عن مقتل عدد من المدنيين والجنود ومئات الجرحى واعتقال المئات، حيث عبرت منظمات حقوقية عن مخاوفها بشأن قمع السلطات لتلك الاحتجاجات.

وبعد أسبوعين من الاحتجاجات، وفي يوم الاثنين، ٢٧ يونيو، بدأت مفاوضات مع الحكومة لإنهاء المظاهرات، لكنها توقفت في اليوم التالي مباشرة بعد مقتل أحد الجنود، حيث ألقت الحكومة باللوم في ذلك على المحتجين. ولكن بعد يومين (الأربعاء) قالت الحكومة إنها ستعاود الدخول في المحادثات مع المحتجين، لكنها في الوقت نفسه فرضت حالة طوارئ جديدة في أربع مقاطعات من أصل 24 مقاطعة في البلاد، مع استمرار العنف في الانتفاضة التي تدور رحاها في أنحاء البلاد.

وكان الرئيس الإكوادوري لاسو، قد نجا من تصويت على عزله قبل يوم واحد من ذلك، كان قد قدمه سياسيون معارضون، حيث ألقوا باللوم عليه في “الأزمة السياسية الخطيرة والاضطرابات الداخلية” التي سببتها الاحتجاجات.

وفي نهاية شهر يونيو، أُعلن أن حكومة الإكوادور وقادة السكان الأصليين قد توصلوا إلى اتفاق لإنهاء المظاهرات الجماهيرية التي أصابت أجزاء من الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية بالشلل منذ منتصف يونيو تقريباً، حيث يشمل الاتفاق خفض أسعار الوقود وامتيازات أخرى، مما ينهي أسابيع من التظاهرات المناهضة للحكومة.

ووقّع الاتفاق يوم الخميس 30 يونيو الوزير فرانسيسكو خيمينيز وزعيم السكان الأصليين ليونيداس إيزا ورئيس مؤتمر الأسقفية المونسنيور لويس كابريرا الذي لعب دور الوسيط. وأعلن إيزا بعد التوقيع: “سنعلق” المظاهرات.

ونص الاتفاق على أنه سيتم تخفيض أسعار البنزين بمقدار 15 سنتاً إلى 2.40 دولار للجالون، كما سيتم تخفيض أسعار الديزل أيضاً بنفس المقدار، من 1.90 دولار إلى 1.75 دولار للجالون. كما تم وضع حدود واضحة لتوسيع مناطق التنقيب عن النفط، وحظر نشاط التعدين في المناطق المحمية والمتنزهات الوطنية ومصادر المياه. كما نصت الصفقة أيضاً على “وقف الحراك والعودة التدريجية (للمتظاهرين) إلى مناطقهم” التي أتوا منها للانضمام إلى الاحتجاجات.

وقال كابريرا: “سيتحقق السلام الاجتماعي، نأمل أن يكون قريباً، فقط من خلال الحوار مع إيلاء اهتمام خاص للمجتمعات المهمشة، واحترام حقوق الجميع بشكل مستدام”.

وبعد التوصل للاتفاق، فإن أمام الحكومة منذ التوقيع عليه 90 يوماً من أجل تقديم حلول لمطالب مجموعة السكان الأصليين. وقد غرد الرئيس لاسو ظهر يوم الخميس (٣٠ يونيو) قائلاً: “لقد حققنا القيمة السامية التي نتطلع إليها جميعاً: السلام في بلدنا”. وأضاف: “الإضراب انتهى. والآن نبدأ معاً مهمة تحويل هذا السلام إلى تقدم ورفاهية وفرص للجميع”.

ليست الأخيرة

في مقال لها نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، بعنوان “انتفاضة الإكوادور هي مجرد البداية”، توقعت كاثرين أوزبورن، المتخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية، والتي تقوم بكتابة موجز أسبوعي عنها للمجلة الأمريكية، أن يتردد صدى احتجاجات الإكوادور في جميع دول المنطقة، بهدف تخفيف أسعار الوقود المتزايدة وتكلفة المعيشة. وبعد استعراض الأحداث في الإكوادور مؤخرا، بدءاً بالمظاهرات الحاشدة التي اندلعت في 13 يونيو واستمرت حوالي أسبوعين، قالت إن مقاومة لاسو في البداية لمطالب المتظاهرين جاءت جزئياً بسبب “تكاليفها على الميزانية، والتي تتعارض مع الجهود المبذولة لتقليل عجز الميزانية في الإكوادور كجزء من اتفاقية قرض مستمرة مع صندوق النقد الدولي. وتتطلب تلك الصفقة (مع صندوق النقد الدولي) من لاسو خفض دعم الوقود هذا العام، وليس زيادته. لكن لاسو ضعيف سياسياً – حيث يشغل حزبه أقل من 10 في المائة من المقاعد في الكونجرس الإكوادوري – ويبدو أن المحتجين فكروا بشكل صحيح بأنهم يستطيعون تسخير هذا الهشاشة لانتزاع التنازلات منه.”

وأضافت أوزبورن: “بينما يبدو أن الاحتجاجات في الإكوادور هي أول اضطرابات سياسية كبرى في أمريكا اللاتينية متعلقة بالتضخم الحالي في كل من الغاز والغذاء – من تداعيات جائحة كوفيد -19، والذي تفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا – فمن غير المرجح أن تكون هي الأخيرة في المنطقة. ففي الشهر الماضي، احتج سائقو الشاحنات في كل من الأرجنتين وبيرو. وقد تنجح الجهود المستمرة التي تبذلها المعارضة في بيرو لعزل الرئيس بيدرو كاستيلو في نهاية المطاف.”

رضوخ

ونشرت صحيفة لوموند الفرنسية، النسخة الدولية، في 13 يوليو تقريراً بعنوان “إجبار حكومة الإكوادور على التفاوض مع السكان الأصليين لإنهاء الأزمة”، قالت فيه إن حكومة الإكوادور أُجبرت على التفاوض مع السكان الأصليين لإنهاء الأزمة، حيث استجاب الرئيس جييرمو لاسو لمطالب المحتجين بشأن خفض أسعار الوقود، وضوابط أسعار السلع الأساسية، والقيود المفروضة على التعدين في المناطق المحمية.

وبحسب لوموند، فقد كان رد الفعل الأولي للسلطات هو القمع، كما حدث في انتفاضة 2019 الشعبية، بعد أن دعا كوناي في 13 يونيو إلى تنظيم إضراب لأجل غير مسمى، مع مطالب تضمنت خفض أسعار الديزل والبنزين بمقدار 40 سنتاً. وعلى الرغم من أنه في اليوم التالي، تم إلقاء القبض على زعيم منظمة السكان الأصليين، ليونيداس إيزا، مما أثار غضب المتظاهرين الذين أغلقوا الطرق المؤدية إلى العاصمة كيتو، إلا أنه سرعان ما تم الإفراج عنه. وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ في ثلاث مقاطعات ثم ست مقاطعات في البلاد، لكن هذه الخطوة جاءت أيضاً بنتائج عكسية عندما توجه المتظاهرون بكثافة إلى العاصمة.

وقالت لوموند إن رئيس الإكوادور، جييرمو لاسو، اضطر إلى الرضوخ لمعظم مطالب اتحاد القوميات الأصلية في الإكوادور (كوناي)، بما في ذلك خفض سعر الوقود ورفع حالة الطوارئ، بعد 18 يوماً من الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 500 آخرين.

رابعاً: بنما

بنما هي إحدى دول أمريكا الوسطى، حيث تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 3.5  مليون نسمة. ويُعتبر اقتصاد بنما هو الأسرع نمواً والأكبر من ناحية دخل الفرد في منطقة أمريكا الوسطى قاطبة. ولكن في ظل التداعيات الاقتصادية الشديدة إثر جائحة كورونا ثم الحرب على أوكرانيا، اندلعت الاحتجاجات في بنما مثلها مثل العديد من الدول.

فقد نزل آلاف المتظاهرين في ١١ يوليو إلى شوارع بنما لمطالبة الحكومة باتخاذ إجراءات ضد التضخم والفساد. ودفع ذلك الرئيس لورنتينو كورتيز إلى الإعلان عن خفض أسعار البنزين للسيارات الخاصة إلى 3.95 دولار للجالون اعتبارا من 15 يوليو ( أي بنسبة 24% عن الأسعار في نهاية يونيو) وتثبيته عند هذا السعر، وهو إجراء كان يستفيد منه النقل العام منذ مايو الماضي. كما أعلن أن حكومته ستصدر مرسوما يقضي بتجميد أسعار عشرات السلع الأساسية. إلا أن المتظاهرين أكدوا أن الوضع في بنما أصبح لا يطاق.

ولكن سياسة تثبيت أسعار الوقود وبعض السلع الأساسية فشلت في وقف الاحتجاجات التي اندلعت ضد التضخم في بنما، حسبما ذكرت بلومبيرج، حيث أغلق المتظاهرون الطرق السريعة الرئيسية ومنعوا الوصول إلى الموانئ، وانضم عمال البناء إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

وقالت جمعيات المعلمين ونشطاء المجتمع المدني الذين بدأوا مسيرة الشهر الماضي ضد ارتفاع الأسعار إن المحادثات مع إدارة الرئيس لورنتينو كورتيزو انهارت وتم تنظيم المزيد من المظاهرات في اليوم التالي (١٢ يوليو). وقالت نقابة عمال البناء الرئيسية في البلاد إنها ستنظم إضرابًا لمدة 24 ساعة الأربعاء (١٣ يونيو) بينما أعربت نقابة قناة بنما ، المحظور عليها الإضراب بحسب القانون، عن دعمها للمتظاهرين.

ودعت غرف الأعمال المحلية إلى إجراء محادثات بين الشركات والعمال والمسؤولين الحكوميين وحثت على التقشف في المالية العامة في ظل تثبيت الأسعار. وقالت الغرفة البحرية في بنما إن الحصار على طول الطرق السريعة كان له تأثير كبير وتسبب في “خسائر مالية بالملايين للصناعات البحرية واللوجستية”.

وكان كورتيزو قد أعلن خلال خطاب وطني يوم الاثنين 11  يوليو بأن حكومته ستجمد سعر البنزين عند 3.95 دولار للجالون الواحد، وستسعى أيضًا إلى تثبيت سعر 10 سلع أساسية ، بما في ذلك اللحوم والمكرونة والخضروات والزيت والسردين المعلب. كما قالت الرئاسة يوم الثلاثاء إنها ستأمر المؤسسات العامة بالبدء في خفض المرتبات الحكومية بنسبة 10% وخفض النفقات التقديرية المتغيرة.

وقد ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 4.2% على أساس سنوي في مايو الماضي في الاقتصاد البنمي  المدولر ، وعلى رأس ذلك أسعار النقل التي ارتفعت بنسبة 16.1%. ومع ذلك ، فإن معدل التضخم في بنما لا يزال أقل بكثير من معدل التضخم في البرازيل والمكسيك وكولومبيا وبيرو وتشيلي.

ونشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 12 يوليو تقريراً لخوان زامورانو بعنوان، “البنميون الغاضبون من التضخم يواصلون احتجاجاتهم”. وقال تقرير واشنطن بوست إن البنميين المحبطين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج على مدى أكثر من أسبوع ، بسبب  الغضب من أسعار الوقود التي تضاعفت تقريبًا، حيث أرادوا إظهار استيائهم العام من الحكومة.

وعلى الرغم من تعهد الرئيس لورنتينو كورتيزو في اليوم السابق (الاثنين ١١ يوليو) بتوسيع نطاق تثبيت أسعار البنزين ليشمل جميع البنميين بدلاً من مجرد سيارات النقل العام، إلا أن الاحتجاجات استمرت في اليوم التالي. حيث خرج الآلاف إلى شوارع العاصمة والمدن في جميع أنحاء بنما، بينما أدت حواجز الطرق التي وضعها المتظاهرون إلى توقف حركة المرور على طريق السلام الأمريكي السريع. وقال كورتيزو يوم الاثنين إنه يتفهم استياء المواطنين ، وألقى باللوم على جائحة كوفيد-19 وغزو روسيا لأوكرانيا في ارتفاع الأسعار. ولكن ذلك لم يمنع نزول المتظاهرين للشوارع بكثافة في اليوم التالي.

قال ميجيل أنطونيو برنال ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنما ، “كأس الصبر والتسامح الذي أظهره الشعب البنمي خلال الإدارات المختلفة فاض بأسعار الوقود ، وهو أمر مسيء ، من بين أمور أخرى، أبرزها الفساد الذي أطل برأسه”.

وانتقد قادة إضراب المعلمين ، الذي أطلق الشرارة الأولى لاندلاع الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد لأكثر من أسبوع ، إعلان كورتيزو عن تثبيت أسعار الوقود بينما كانت المحادثات جارية لإنهاء الاحتجاجات. حيث وصفوا العرض بأنه غير كاف. ودعت مجموعات أخرى إلى تخفيض أكبر في سعر البنزين.

وقالت إلبس روجانو ، وهو مدرس في مدرسة حكومية في إقليم فيراجواس ، شارك في الاحتجاجات ، “إن سعر البنزين يثقل كاهل من يضطر منا إلى السفر لأداء عمله بالتدريس في مدارسنا المختلفة”. “إلى جانب ذلك ، ارتفعت تكلفة الغذاء ، وهو ما أثر على أشد الأسر فقراً الذين يتعين عليهم إرسال أطفالهم إلى المدرسة.” وقالت أيضاً: “هذا لا يمكن التسامح معه”.

حافظت بنما ، التي يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة ، تاريخياً على اقتصاد مستقر قائم على الخدمات، حيث تستخدم الدولار الأمريكي كعملة رسمية لها. وقد جعل هذا الأمر التضخم عمليا مسألة غير ذات أهمية في الآونة الأخيرة. ويقدر الاقتصاديون نسبة التضخم حالياً بحوالي 4% ، وهو أمر مهم، ولكنه أقل بكثير من بعض البلدان الأخرى في المنطقة ، مثل المكسيك ، حيث تبلغ نسبة التضخم حوالي 8%. ويقول المتظاهرون إن أسعار السلع الأساسية الضرورية أصبحت أكثر ارتفاعاً بالنسبة للعائلات البنمية.

ويقول تقرير واشنطن بوست إن مجموعات السكان الأصليين من غرب بنما، وهي من أفقر المناطق في البلاد ، انضمت أيضاً إلى احتجاج المعلمين، وكذلك فعل عمال صناعة البناء القوية في بنما ، الذين دعوا إلى مظاهرة يوم الأربعاء ١٣ يوليو.

وفي الثلاثاء ١٢ يونيو، طلبت الحكومة من المتظاهرين عدم منع الحافلات التي تستخدم طريق السلام الأمريكي السريع لنقل المهاجرين الذين يدخلون بنما من كولومبيا إلى الحدود مع كوستاريكا حتى يتمكنوا من مواصلة رحلتهم شمالًا. حيث  تضررت الحافلات التي حاولت عبور حواجز الطرق الاثنين ١١ يونيو من قبل المتظاهرين، رغم أن الحكومة قالت إنه لم يصب أي مهاجر بأذى. وفي وقت مبكر من يوم الثلاثاء ١٢ يونيو، أغلق عمال البناء مؤقتًا طريقًا رئيسيًا للوصول إلى العاصمة ، بينما سار آلاف المعلمين إلى الجمعية الوطنية.

خامساً: غانا

تقع غانا في غرب أفريقيا على امتداد خليج غينيا والمحيط الأطلسي، ويبلغ عدد سكانها حوالي 27  مليون نسمة. وقد اندلعت احتجاجات في غانا مؤخراً، أواخر يونيو، بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. حيث احتشد المئات في الشوارع للتعبير عن استيائهم من الوضع في البلاد؛ وقاد الاحتجاجات جماعة ضغط محلية يُطلق عليها “انهضي غانا”، بهدف التنديد بالصعوبات الاقتصادية.

وفي غضون ذلك، اندلعت اشتباكات بين الشرطة في أكرا ومئات من المتظاهرين الذين خرجوا من الطريق المعتمد لهم. وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والماء الساخن لتفريق حشد غاضب انحرف عن الطرق المصرح به للاحتجاج ، وفقًا لجماعة الضغط المحلية “انهضي غانا”.

وقالت الشرطة أنها أجبرت على استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لاستعادة النظام بعد أن ألقى المتظاهرون الحجارة وأحرقوا الإطارات على امتداد الطريق. وقالت الشرطة في بيان إن 12 ضابطا أصيبوا فيما تضررت بعض سيارات الشرطة ، مضيفة أن المتظاهرين فشلوا في اتباع “الطرق التي وافقت عليها المحكمة”.

وارتكزت الاحتجاجات الشعبية الغانية على ارتفاع أسعار الوقود ، وفرض ضريبة على المدفوعات الإلكترونية وغيرها من الرسوم ، في الوقت الذي كانت تعاني فيه البلاد من انكماش اقتصادي.

وأظهرت تقارير أنه اعتبارًا من 20 يونيو يباع لتر البنزين في غانا بسعر 10.23 سيدي غاني (GHC)، أي ما يعادل 1.29 دولارًا أمريكيًا تقريبًا. حيث شهد الغانيون في الآونة الأخيرة تضخمًا قياسيًا نجم بشكل رئيسي عن تداعيات الحرب الأوكرانية وسط تخفيضات في الإنفاق الحكومي لمواجهة أزمة الديون.

وقبل الاحتجاجات ، كان النمو الاقتصادي في غانا قد تباطأ إلى 3.3% على أساس سنوي في الربع الأول من العام، وسجل التضخم رقماً قياسياً جديداً، حيث بلغ 27.6% في مايو، على الرغم من التخفيضات الكاسحة في الإنفاق وغيرها من الإجراءات التي تم اتخاذها لتصحيح الوضع المالي.

كذلك فإن غانا، منتج الذهب والنفط والكاكاو في غرب إفريقيا، تعاني أيضًا من ارتفاع نسبة الديون وانخفاض قيمة العملة المحلية. ووسط أزمة الديون الوشيكة، استبعدت الحكومة الغانية باستمرار طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي.

وقد نشر موقع “ذي أفريكا ريبورت” في 11 يوليو 2022، تقريراً بعنوان: “هل تستطيع الموجة الجديدة من الاحتجاجات في غانا إجبار الرئيس أكوفو أدو على تغيير مساره؟”، حيث أفاد التقرير بأن آلاف الشباب الغانيين كانوا قد نزلوا إلى الشوارع في أكرا احتجاجاً على ارتفاع أسعار الغذاء والوقود ومشاكل تكاليف المعيشة بشكل أوسع، وذلك قبل أيام قليلة من إعلان الرئيس نانا أدو أكوفو-أدو في الأول من يوليو أن وزير ماليته سيدخل، مُرغماً، في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وقد تسبب الحشد الهائل من المتظاهرين في تعطيل حركة المرور على امتداد بعض أكثر طرق المدينة ازدحامًا ، بما في ذلك الطريق المؤدي إلى قصر اليوبيل الذهبي ، مقر الحكومة.

التضخم

وفي تقرير نشرته بلومبيرج في 13 يوليو، حول ارتفاع التضخم في غانا قالت فيه إنه كان المحفز الرئيسي للاحتجاجات، حيث أعد التقرير إيكو دونتو وموسى موزارت دزاوول، تحت عنوان “ارتفاع تكاليف النقل تدفع التضخم في غانا إلى أعلى مستوى له خلال 19 عامًا”. حيث ذكر التقرير أن معدل التضخم في غانا قد قفز إلى أعلى مستوى له منذ 19 عامًا تقريبًا، حيث ارتفعت أسعار تذاكر الحافلات وتكاليف النقل الأخرى بشكل كبير.

وبحسب التقرير، فقد واتسعت الفجوة بين ارتفاع أسعار السلع المستوردة والمحلية إلى أعلى مستوى لها منذ ديسمبر، فيبسبب ضعف العملة المحلية، السيدي (GHC) – أسوأ العملات أداءً في إفريقيا هذا العام – ما يدفع التضخم إلى مزيد من الارتفاع. وقد انخفضت قيمة العملة المحلية بنسبة 24 % منذ يناير هذا العام.

لقد أدت الزيادة المستمرة في الأسعار إلى اندلاع احتجاجات واسعة في غانا، وسط مطالب بمخصصات لمواجهة غلاء المعيشة. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية ، سيتعرض البنك المركزي الغاني لضغوط شديدة لزيادة سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثالثة هذا العام بعد رفعه بمقدار 550 نقطة أساس منذ نوفمبر الماضي.

يقول كويسي بوتي ، الخبير الاقتصادي في جي سي بي كابيتال المحدودة التي تتخذ من أكرا مقراً لها ، “يود بنك غانا الاحتفاظ بسعر الفائدة كما هو ليرى كيف يؤثر تدخله على السوق ، خاصةً أن معظم ما يحدث مدفوع بجانب العرض”. وقال إنه سيتيح أيضًا للجنة السياسة النقدية وقتًا لتقييم تأثير سياسات التأثير التي أعلنتها وزارة المالية في مراجعتها لميزانية منتصف المدة في وقت لاحق من هذا الشهر على ترويض التضخم.

وأرجأت غانا، ثاني أكبر منتج للكاكاو في إفريقيا، مراجعة الميزانية إلى حين اكتمال الاجتماعات الأولية مع صندوق النقد الدولي حول برنامج اقتصادي. وتواصلت الحكومة هذا الشهر مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل منه، على عكس مسارها، بعد أن قالت مرارًا إنها لن تسعى إلى برنامج نقدي. ولكنها تسعى الآن للحصول على ما يصل إلى 1.5 مليار دولار من صندوق النقد لدعم مواردها المالية.

وكان فريق من صندوق النقد الدولي قد وصل إلى البلاد الأسبوع الماضي لإجراء محادثات ومن المقرر أن يختتم زيارته الأربعاء 13 يونيو.

وقد تسارع الارتفاع السنوي في أسعار الغذاء ليصل إلى 30.7%، مقابل 30.1٪ في مايو؛ وتسارع التضخم غير الغذائي ليصل إلى 29.1% في يونيو، مقابل 25.7% في الشهر السابق، مع ارتفاع تكاليف النقل بنسبة 41.6%. وارتفعت الأسعار بنسبة 3% في الشهر. ومن المقرر أن تعلن لجنة السياسة النقدية في غانا قرارها المقبل بشأن سعر الفائدة في 25 يوليو الجاري. تجاوز ارتفاع الأسعار مستهدفات البنك المركزي للشهر العاشر، بالرغم من أن بنك غانا حرص في 25 يوليو على الحفاظ على سعر الفائدة القياسي دون تغيير. وقد تسارع معدل التضخم السنوي ليصل إلى 29.8% في شهر يونيو، مقابل 27.6% في الشهر السابق عليه، حسبما صرح الإحصائي الحكومي صمويل كوبينا أنيم للصحفيين الأربعاء 12 يوليو. وهذه هي أسرع وتيرة لمعدل التضخم منذ ديسمبر 2003، حيث تجاوز المعدل الحالي للتضخم النطاق المستهدف للبنك المركزي من 6% إلى 10% على مدى 10 أشهر. وكان متوسط تقدير معدل التضخم بحسب سبعة من الاقتصاديين في استطلاع أجرته بلومبرج هو 29.9%.

الخلاصة

اندلعت في الأونة الأخيرة بشكل شبه متزامن احتجاجات جماهيرية كبيرة، شابتها درجات مختلفة من العنف، وامتدت هذه الاحتجاجات على نطاق واسع في شتى أرجاء العالم النامي، من أسيا إلى أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، مما جعلها تتحول إلى شبه ظاهرة عالمية لها سمات متشابهة (على نحو ما يذكّر بتداعي الثورات العربية في 2011). وكان القاسم المشترك لهذه الاحتجاجات أنها نشأت لأسباب اقتصادية متمثلة بالأساس في ارتفاع نسبة التضخم بما يفوق طاقة الشعوب، وارتفاع نسبة الديون بشكل كبير جعل بعض هذه الدول تتحول إلى دول مفلسة أو تكاد، واتهام الشعوب للأنظمة الحاكمة بالتسبب في هذه الأزمات بسبب الفساد وسوء الإدارة والتوسع في الإنفاق على مشروعات وأعمال غير ذات أولوية.

وقد اختلف التعامل الحكومي مع هذه الاحتجاجات من بلد لأخر، بين الرضوخ الجزئي للمطالب الشعبية بعد فشل الممارسات القمعية في وقف الاحتجاجات، أو الدخول في جولات تفاوض مع زعماء الاحتجاجات أو قادة المعارضة مما هدأ بعض الشئ من وتيرة الاحتجاجات، وهو ما حدث في البلدان التي تتمتع بقدر من الديمقراطية وحرية الرأي، وبين الإصرار على القمع وعدم الاستجابة للمطالب الشعبية مما أدى لانفجار الأوضاع وتغيير قيادات الحكم كما حدث في سريلانكا.

ومن المبكر التنبؤ بما ستؤول إليه هذه الحركات الاحتجاجية من ناحية الحجم والتأثير واتساع النطاق والانتشار، وقد استعرضنا في هذا التقرير مجرد عدد من نماذج هذه الاحتجاجات، إلا أن الكثير من التقارير الدولية تؤكد أنه لازال هناك وقت كثير حتى تنتهي مثل هذه الأزمات، وأن هناك عددا ليس بالقليل من الدول على وشك أن يقع في دائرة الإفلاس، فضلا عن الدول التي وقعت فيه بالفعل. إلا أن هذه الاضطرابات تشي بأن العالم على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير الناتج عن عدم الرضا الشعبي عن حكامهم ومايتسببون فيه من أزمات، فضلا عن الدور الذي تقوم به القوى الكبرى ومؤسسسات التمويل الدولية من المساهمة في تنامي هذه الأزمات. ويمكن أن تختلف مألات هذه الاحتجاجات من دولة إلى أخرى طبقا لحدة الأزمة وحجمها، وأيضا طريقة التعامل من الأنظمة الحاكمة مع مطالب شعوبها بالاستجابة أو بالمزيد من القمع.

وسنحاول من خلال هذه السلسلة من التقارير مواصلة رصد التطورات المتنامية لهذه الظاهرة، وتداعياتها المختلفة، بما يساعد عل توقع مساراتها سواء في الأماكن التي حدثت فيها، أو في الأماكن التي يتوقع أن تعاني منها في المستقبل القريب.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close