fbpx
دراسات

عدم الاستقرار السياسي: المفهوم والمؤشرات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد

التعريف النظري للظواهر الاجتماعية ولاسيما علم السياسة مسألة في غاية التعقيد والصعوبة، نتيجة التداخل وأحيانا التناقض، وفي علم السياسة يمكن رصد بعض الإشكاليات في هذا الجانب، الإشكالية الأولى أن بعض الباحثين يتعرض لدراسة الاستقرار السياسي عن طريق المخالفة فيتناول الاستقرار السياسي، عن طريق دراسة أسباب عدم الاستقرار السياسي، كغياب الأمن، والتفاوت الطبقي عند تناول العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتشتت الثقافي، دون أن يتعرض الباحث لمفهوم الاستقرار السياسي محل الدراسة، كما يربط بعض الباحثين مفهوم الاستقرار السياسي بالمجال البحثي المراد التعرف على ظاهرة الاستقرار السياسي في إطاره، على سبيل المثال في الجانب الاقتصادي يتناول الباحث حالة مثل غياب الصراع الطبقي، أو العدالة في توزيع الثروة ويطابقها مع مفهوم الاستقرار السياسي[1]

ولكن من خلال هذه الدراسة يتناول الباحث عدم الاستقرار السياسي كعامل ثابت بينما المحددات الداخلية والخارجية هي العامل المتغير مما يجعل الالتباس والتناقض في تعريف عدم الاستقرار السياسي أقل حدة، مع التأكيد بأن عدم الاستقرار السياسي هو مفهوم نسبي، ولهذا اختلف الباحثون والدراسون في العلوم الاجتماعية بشكل عام والعلوم السياسية بشكل خاص، في تعريف مفهوم عدم الاستقرار السياسي، بكون ظاهرة عدم الاستقرار السياسي ظاهرة موجودة في كل المجتمعات، ولكن تتفاوت تلك المجتمعات من حيث حدة حالة عدم الاستقرار.

فالمجتمعات المتقدمة تنخفض فيها حالة عدم الاستقرار، بينما نجد المجتمعات المتخلفة تعيش حالة عدم استقرار مرتفعة وهنا قد تثار قضية جدلية حول التخلف وعدم الاستقرار السياسي، أيهما السبب وأيهما النتيجة؟ فالدول المتقدمة هي التي استطاعت أن تتجاوز عوامل التخلف في جميع المجالات، سياسية واقتصادية، واجتماعية، وفكرية، وثقافية، والدول المتخلفة هي التي لازالت تعاني من تلك العوامل مجتمعة، بينما قد يكون لأحد العوامل الدور الرئيسي في حالة عدم الاستقرار، بينما قد تكون العوامل الأخرى موجودة أو معدومة أو ذات تأثير نسبي. وهنا يرى الباحث أن مفهوم النسبية في تعريف عدم الاستقرار السياسي يأتي من اختلاف حدة الحالة من مجتمع إلى أخر، وبنسبة تأثير العوامل المختلفة سواء كانت عوامل مصدرها المجتمع الداخلي أو عوامل خارجية.

المبحث الأول: مفهوم عدم الاستقرار السياسي:

أولا مفهوم عدم الاستقرار لغة:

فرنسا: السترات الصفراء وعصر ريادة الأعمال
فرنسا: السترات الصفراء وعصر ريادة الأعمال

الاستقرار يشير إلى القرار في المكان والمكوث فيه مع السكون والثبات قال تعالى) فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين‏ [2] يفسر الشوكاني هده الآية موضع الاستقرار.

(الثبات)[3] ويفسرها ابن كثير مستقر قرار وإعمار وقيل هي القبور مستقر كل إنسان بعد موته ولا ريب بأن القبر محل السكون والثبات فقد جاء في معنى الاستقرار المشتق من كلمة (قر) يقر قرارا ومنها (قررت) بالمكان أي مكثت فيه، كما يقال رجل قرير العين وقرت عينة تقر بكسر القاف وفتحها ضد سخنت كما يقال أيضا (قارة مقاره) أي قر معه وسكن ومن هنا نجد بأن مفهوم الاستقرار هو السكون والثبات والبرودة والهدوء ويكون عدم الاستقرار هو التصعيد والسخونة وهو مالا ينسجم مع الاستقرار بما يقابلها من العنف السياسي الملتهب فعدم الاستقرار السياسي لغة يشير إلى عدم الثبات والتغير والتحول.

ثانيا: المدلولات السياسية لمفهوم عدم الاستقرار:

عدم الاستقرار السياسي لا يختلف عن المعاني السابقة في مدلول كلمة الاستقرار إلا بإضافة كلمة (سياسي) التي أضفت عليه معاني سياسية واجتماعية واقتصادية ذات طابع مؤسسي، وأبعاد فلسفية أفضت إلى تعريفات مختلفة في أبعاد الظاهرة (عدم الاستقرار السياسي) وفقا للاختلافات المنهجية والسلوكية في تعريف مفهوم عدم الاستقرار، فبعض الباحثين يرى بأن المظاهرات والاعتصامات هي إحدى مظاهر عدم الاستقرار السياسي بينما يعتبرها آخرون بأنها عبارة عن تناقضات توجد في أي مجتمع وتظهر إلى السطح وقد تعبر عن وجود حرية وديمقراطية في دلك المجتمع وقد تناول الكثير من الباحثين والسياسيين تعريف مفهوم عدم الاستقرار السياسي من عدة جوانب مختلفة .

ثالثاً: تعريف عدم الاستقرار:

مظاهرات الأرض: مشاهد واستنتاجات
مظاهرات الأرض: مشاهد واستنتاجات

1) يرى ابن خلدون أن عدم الاستقرار السياسي هو نتيجة لعدم التجانس الثقافي في الأوطان التي تكثر فيها القبائل والعصبيات، فهي لا تتمتع بالاستقرار السياسي نتيجة الاختلاف في الآراء. ولكن يرى الباحث بأن هذا الرأي لا يكون صائبا حيث استطاعت بعض المجتمعات أن تحقق الاستقرار السياسي على الرغم من وجود تلك الاختلافات في الجنس والعرق والأعراف والأديان، فقد استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق الاستقرار السياسي على الرغم من وجود تلك التباينات والاختلافات ولا يمكن أن تكون تلك التباينات هي السبب المطلق لحالة عدم الاستقرار لقدرة بعض المجتمعات المتقدمة على تجاوزها، بينما يرى اتجاه أخر أن تعدد الانتماءات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هي عامل استقرار وليس العكس بكون هذه الاختلافات قد توفر فرص لنشؤ المجتمع الديمقراطي المقترن بالاعتدال في المواقف والسلوكيات والذي يتحقق نتيجة تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض فتتشتت جهودهم والذي يؤدي إلى ترددهم في اتخاذ مواقف متشددة فتظل التحالفات بين فئات المجتمع في حالة تبدل مستمر (عدو اليوم صديق الغد) ولهذا فإن الأعداء يهادنون بعضهم البعض تحسبا ليوم قد يضطرون فيه للتعاون

2) يعرف حمدي عبد الرحمن حسن عدم الاستقرار السياسي، بأنه: عدم قدرة النظام على التعامل مع الأزمات التي تواجهه بنجاح وعدم القدرة على إدارة الصراعات القائمة، داخل المجتمع بشكل يستطيع من خلاله أن يحافظ عليها في دائرة تمكنه من السيطرة والتحكم فيها ويصاحبه استخدام العنف السياسي من جهة وتناقص شرعيته وكفاءته من جهة أخرى، فهذا التعريف يذهب إلى أن عدم الاستقرار السياسي يرتبط بمدى قدرة النظام السياسي على التعامل مع المتناقضات في المجتمع. وإن عدم قدرته على التعامل مع تلك المتناقضات تجعل شرعية النظام السياسي تتناقص، وهنا يصبح تغيير النظام أمرا مقبولا.

كما يورد حمدي عبد الرحمن حسين تعريفا أخر، فيقول: (عدم الاستقرار السياسي هو عدم مقدرة النظام على تعبئة الموارد الكافية لاستيعاب الصراعات داخل المجتمع بدرجة تحول دون وقوع العنف وهدا التعريف يربط عدم الاستقرار السياسي بممارسة العنف، إلا أن الدكتورة نيفين مسعد ترى بأن الاستقرار السياسي لا يقترن بغيات مظاهر العنف من خلال القمع من قبل السلطة الحاكمة لأن هدا سيحدث على المدى البعيد حالة عدم استقرار سياسي، فلو تحقق الاستقرار السياسي في ظل ممارسة أساليب القمع من السلطة الحاكمة [4] فإن هذا لا يعني بأن الوضع مستقر حيث يقوم هذا الاستقرار على القسر والإكراه ويظل الصراع كامنا حتى ينفجر ويحدث حالة من عدم الاستقرار السياسي.

وخير مثال لهذه الحالة هو ما حدث في الدول العربية ابتدأ من الثورة التونسية والمصرية والليبية واليمنية مما يؤكد بأن الاستقرار النسبي وغياب حالة الصراع كان نتيجة القسر والإرغام والقبضة الحديدية التي كانت الأنظمة العربية تتعامل بها مع شعوبها ويمكن الاستدلال بالنظام العراقي في عهد صدام حسين حيث كان العراق مستقرا نتيجة القبضة الحديدية التي كان ينتهجها النظام، وما أن سقط حتى ظهرت جميع التناقضات وعوامل عدم الاستقرار السياسي والتي كانت نتيجة الخوف والقمع، وليس بأن النظام كان قد استطاع ترويضها عن طريق التدابير السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة على الرضا والقبول من المجتمع

3-يعرف (جونسون ويستيفنسون) حالة عدم الاستقرار السياسي بأنها (حالة تصيب النظام بانهيار الإطار المؤسسي وحلول العنف مكان الخضوع للسلطة بهدف تغيير أشخاص أو سياسيات أو الوصول إلى السلطة من خلال أعمال تتخطى الطرق الشرعية للتغيير السياسي) [5]

4- ويعرف أخر عدم الاستقرار السياسي بأنه استخدام العنف لأغراض سياسية ولجوء القوى والجماعات السياسية إلى أساليب غير دستورية في حل الصراعات، وعدم قدرة المؤسسات في النظام السياسي الاستجابة للمطالب المقدمة أليه والنابعة من البيئة السياسية الداخلية والخارجية [6]

العوامل الخارجية المؤثرة على الاستقرار السياسي
العوامل الخارجية المؤثرة على الاستقرار السياسي

هناك اتجاه يرى بأن العامل الاقتصادي هو العامل الرئيسي لعدم الاستقرار السياسي وأن الدول التي تتمتع بمداخيل اقتصادية مرتفعة تكون في حالة استقرار بينما الدول الفقيرة تعاني من حالة عدم الاستقرار السياسي.

ويرى الباحث بأن العامل الاقتصادي يمثل عاملا هاما في الاستقرار السياسي إلا أنه قد لا يمثل العامل الرئيسي أحيانا؛ فقد تحقق الدولة نوعا من التطور الاقتصادي إلا أنها لا تحقق حالة استقرار سياسي وخاصة إذا حدثت التنمية الاقتصادية دون تنمية في الجوانب الأخرى كالجانب الثقافي والسياسي وغياب مفهوم العدالة والديمقراطية وهنا لا تكون الدولة قد حققت تنمية شاملة في جميع المجالات لضمان استقرار دائم.

ويمكن هنا ضرب المثل بدول الخليج العربي حيث يرى الباحث بأنها تتمتع بحالة اقتصادية جيدة ودخل فرد مرتفع إلا أنها تعاني من اختلالات أخرى في الجانب السياسي حيث تغيب المشاركة السياسية وأي مظهر من مظاهر الديمقراطية ولهذا نجد (هنتغتون) يفرق بين مفهوم (العصرية) (والعصرنة) حيث يرى أن الأولى تتسم بعلاقة إيجابية بالاستقرار السياسي فكلما كانت المجتمعات أكثر عصرية كلما كانت أكثر استقرارا وأقل تعرضا للعنف[7]، بينما العصرنة تحدث عدم استقرار سياسي، وذلك لأن العصرية متأصلة بذاتها بينما العصرنة تأخذ لباس العصرية دون أن تملك مقوماتها وأدوات نجاحها أو بمعنى أخر أن عصرنتها ناقصة لتركيزها على جانب من جوانب التنمية كالتنمية الاقتصادية أو إهمالها لجوانب أخرى من التنمية وعلى رأسها التنمية السياسية.

ويرى الباحث بأن ظاهرة عدم الاستقرار السياسي قد لا ترتبط بمدى عدم شرعية النظام من خلال عدم تقيده بممارسة السلطة في أطر قانونية وثوابت دستورية مجمع عليها بقدر ما تعكس الظاهرة عدم قدرة النظام على استيعاب المكونات المجتمعية ودمجها في النظام السياسي والاقتصادي بما يحقق استقرار اجتماعيا واقتصاديا بكونهما ركيزتا الاستقرار السياسي، وهنا يكون الاستقرار السياسي مرتبطا بعامل الرضا الطوعي الذي يدعم شرعية النظام، أي أن الشرعية يستمدها الحاكم من الإنجاز على الأرض وتطبيق مفهوم العدالة بمفهومها الشامل وليس بمجرد الالتزام بالنصوص التي قد لا تلبي مطالب الشعب ولا تستطيع تلبية مطالب ملحة قد تفرضها المتغيرات.

ويرى البعض بأن مفهوم عدم الاستقرار لا يعني اختلال الأمن والنظام وعدم رسوخ الحكم وتقاليد السلطة بل يعني (عدم اطمئنان الفرد في المجتمع على صيانة حقوقه، وخوفه من ممارسه حرياته المشروعة في الرأي والفكر وفي ظل القوانين وفي اكتساب المعرفة واحتراف الحرفة التي يميل إليها ويهواها) [8].

فقد تكرس بعض الأنظمة السياسية جهودها لتهيئة وضع سياسي يسود الاستبداد والفساد بهدف الاستحواذ على الفائض الاقتصادي لصالح مجموعة صغيرة من المنتفعين وشبكة محسوبية تساند النظام في البقاء في السلطة، واستغلال المنصب العام لتحقيق مصلحة ذاتية، وخير مثال على هذا في إفريقيا بالذات ما حدث في الكونغو أعقاب الاستقلال من بلجيكا عام 1960م [9] حيث لم تشهد الكونغو استقرارا سياسيا وسادتها الفوضى ومثلت بيئة مناسبة لظهور أنظمة سياسية تعتمد على وجود حاكم قوي ينقذ الدولة من الانهيار التام ويؤسس لحكم يستند إلى الاستبداد والفساد بمختلف آلياته وأنماطه تحت مزاعم أن هذا الوضع أفضل من حالة اللادولة التي يسودها الفوضى أو حتى الانهيار التام لكيان الدولة.

ويمكن أن نستشف هذه المقولة من خلال خطابات الرؤساء العرب زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر وعلى عبد الله صالح في اليمن ومعمر القذافي في ليبيا وأيضا في الجزائر وسوريا اثناء المظاهرات الشعبية حيث انطوت الخطابات على التحذير من انهيار الدولة إذا رحل النظام إلا أن الإرادة الشعبية قد وصلت إلى مرحلة القناعة التامة بأن بقاء الأنظمة يشكل الخطر الماحق على الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي ناهيك عن القناعة التي توصل إليها المجتمع الدولي بضرورة إحداث تغيير في بنية الأنظمة العربية التي استعصت عن كل المتغيرات التي حدثت في العالم منذ انتهاء الاتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة الاشتراكية مرورا بحرب الخليج واحتلال العراق وصولا إلى أحداث سبتمبر وانتشار ظاهرة الإرهاب الدولي وكل هذه الأحداث أعطت انطباعا لدي المجتمع الدولي بضرورة إحداث تغيير جوهري في الأنظمة العربية في إطار نشر الديمقراطية في العالم.

هناك العديد من الباحثين من يربط بين الاستقرار السياسي ومدة بقاء الحكومة فكلما زادت مدة بقاء الحكومة في السلطة كان الوضع مستقرا بعكس الحال عندما تحدث تقلبات وزارية سريعة يكون الوضع في حالة عدم استقرار سياسي.

وعلى ضوء هذا التعريف يمكن عرض ثلاثة نماذج من الأنظمة السياسية التي من خلالها يمكن أن نستنج مستوى الاستقرار السياسي في أي دولة.

  • النموذج الأول: نظم لا تتمتع حكوماتها بصفة الاستقرار السياسي وتتصف بكثرة الأزمات والتغيرات الحكومية، منها الجمهورية الثالثة في فرنسا (1875-1940م) والجمهورية الرابعة (1940-1958م) حيث لا يزيد متوسط عمر الحكومة وبقائها في السلطة عن ثمانية أشهر.
  • أنظمة تتمتع فيها الحكومات بالثبات والاستقرار كما هو الحال في النظام البرلماني في المملكة المتحدة حيث يبلغ متوسط بقاء الحكومة في السلطة ثلاث سنوات وعشره أشهر وكذلك في الدول الإسكندنافية (السويد – النرويج – الدنمارك) حيث يصل متوسط الثبات الحكومي إلى ما يقارب الثلاث سنوات.
  • أنظمة ذات فترات زمنية متوسطة تصل إلى السنتين مثل النظام الهولندي أو سنة ونصف مثل النظام البلجيكي.

وترى هذه الدراسة بأن هذا التعريف والذي يربط الاستقرار السياسي بفترة بقاء الحكومة في السلطة قد لا يكون صائبا في حال تقديم الحكومة استقالتها بعد فترة قصيرة من توليها. أو أن الحكومة قد تسقطها المعارضة بالطرق القانونية، وقد يكون التغير الحكومي ناتج عن حالة تضامنية مما يؤدي في المدى البعيد إلى استقرار أفضل وبهذا يكون التعريف غير دقيق وغير شامل.

البرلمان البريطاني
البرلمان البريطاني

كما ترى الدراسة بأن هذا التعريف يمكن استخدامه في تعريف حالة عدم الاستقرار في الدول المتقدمة الديمقراطية والتي تحتوي نظمها السياسية على قوانين تحدد الفترات لبقاء الحكومة وتلتزم بها بطرق صارمة مع وجود شروط الديمقراطية الأخرى كوجود معارضة حقيقية وهذا لا ينطبق على الدول النامية والغير ديمقراطية ومنها الدول العربية حيث قد يصل عمر الحكومة إلى عشرات السنوات ولكن لا يمكن الحديث عن استقرار سياسي وحتى الدول العربية التي بها هامش ديمقراطي غالبا ما تقضي حكوماتها فترتها كاملة دستوريا وقد تكون هي نفس الحكومة في الفترة التالية ففي مصر مثلا خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك شكلت 11 حكومة [10] خلال ثلاثون عاما بمعدل ثلاث سنوات لكل حكومة بينما مكثت إحداها عشر سنوات في نفس الوقت التي تعد فيه مصر بلد غير مستقر والذي انتهى به الوضع إلى ثورة شعبية أطاحت بالنظام المصري برمته.

كما هناك من يعرف عدم الاستقرار السياسي بأنه (انتشار أعمل العنف الرسمي وغير الرسمي) [11] ولكن لا يمكن اعتبار هذه التعريف شامل لحالة عدم الاستقرار السياسي وخاصة في الدول التي تعتبر مظاهر العنف غير الرسمي احد وسائل التعبير مثل المظاهرات والاعتصامات حيث إن هذه الأعمال وأن بلغت إلى مستوى التخريب والعنف إلا إنها لا تصل إلى مستوى تهديد النظام السياسي في الدول المتقدمة في أوربا وأمريكا بكون هذه الأعمال تعتبر من الحقوق التي تكفلها الدساتير في هذه الدول وحق من حقوق التعبير إلا إنها قد تأتي بنتائج أخرى في الدول الغير ديمقراطية أو ذات الديمقراطية الشكلية بكون تلك الأنظمة لا تعتبر هذا الحق مكفولاً للمواطنين وتحرمه وتسن قوانين لأجل ذلك.

كما كان الحال في مصر والذي كانت ترزح تحت وطأة قانون الطوارئ فكانت المظاهرات والاعتصامات بمثابة ثورة وليس مجرد أعمال احتجاجية كما كان رد الفعل من قبل السلطات مخالفا لما يحدث في الدول الديمقراطية ولهذا فان الاحتجاجات والاعتصامات والذي يعتبرها التعريف من مظاهر عدم الاستقرار السياسي احد مظاهر الديمقراطية وعندما تقابل بقمع وقتل المتظاهرين والمعتصمين دليل على عدم وجود تلك الديمقراطية، ولهذا فإن الاعتصامات والمظاهرات تختلف في مطالبها وأهدافها وكذلك في كيفية التعامل معها من دولة ديمقراطية إلى دولة قمعية بوليسية مستبدة؛ فتكون في الأولى قادرة على الاستجابة للمطالب الشعبية واحتواء الأزمة بينما في الثانية تؤدي إلى تغيير جذري في النظام.

ومن خلال التعاريف السابقة يمكن اعتبار تعريف (جونسون ويستيفنسون) والذي يرى بأن حالة عدم الاستقرار السياسي هي حالة تصيب النظام بانهيار الإطار المؤسسي وحلول العنف مكان الخضوع للسلطة بهدف تغيير أشخاص أو سياسيات أو الوصول للسلطة من خلال أعمال تتخطى الطرق الشرعية للتغيير السياسي)[12] بأنه أكثر التعاريف اكتمالا وتوصيفا لحالة عدم الاستقرار السياسي حين ربط بين الانهيار المؤسسي الذي يؤدي إلى انهيار تام في كل مرافق الدولة ومجتمعها ويؤدي إلى انفراط عقد الأمن وظهور أعمال العنف والشغب والسرقات والقتل وحينها يتولد لدى أفراد الشعب شعور بعدم الأمان.

ويسود بالتالي في تلك الدولة فراغ دستوري وقانوني إن جاز التعبير وبذلك يدخل البلد في وضع سياسي غامض يسوده مفهوم (حرب الكل ضد الكل) وقد تحدث هذه الحالة نتيجة الصراع بين قوى سياسية وحزبية تسعى كل منها إلى تحقيق مصالحها الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العليا، وقد تصبح الدولة بدون مؤسسات سياسية قوية أو حاكم مقبول كما تؤدي الاختلافات الأيديولوجية والانقسامات الطبقية ومحاولة كل منها السيطرة على الأخرى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي نتيجة لغياب الثقافة السياسية داخل المجتمع، وقد يؤدي هذا الصراع بين الجماعات إلى شرعنة تدخل القوات المسلحة لملئ الفراغ على أساس بأن دورها الأساسي هو الدفاع عن المجتمع وأن تدخلها يصبح ضروري لإنهاء الانقسامات داخل البلاد لتأثيرها السلبي على الاستقرار السياسي وعلى كيان الدولة [13].

وترى هذه الدراسة بأن الجيش بإمكانه أن يلعب دورا في حال الصراع السياسي بين القوى السياسية أو بين المجتمع والسلطة في حال كان الجيش يمثل مؤسسة وطنية مستقلة، وقد  لعب الجيش التونسي دورا إيجابيا في الثورة التونسية على نظام زين العابدين بن علي، حيث وقف موقف الحياد فلم يتمكن الرئيس من قمع المتظاهرين وأجبر على الفرار، ولكن قد يمثل الجيش إشكالية في هذا الصدد عندما يكون جزءا من النظام السياسي الحاكم وتابعا له مثل ما هو الحال في الثورة اليمنية؛ حيث كان النظام السياسي برئاسة على عبد الله صالح يسيطر على جميع مفاصل القوات المسلحة والأمن عن طريق أسرته مما دفعة للتهديد بحرب أهلية إذا اجبر على التنحي، كما أدى انقسام الجيش بعد انشقاق على محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرعة إلى مخاطر نشوب حرب أهلية مدمرة [14].

من الملاحظ على التعريفات السابقة أنها ركزت على البعد السياسي والأمني المتمثل في خلو النظام السياسي من حالة عدم الاستقرار وما تراه الدراسة بأن الاستقرار السياسي لا يتحقق حصريا على تلك العوامل كثبات النظام وقيامه على أسس شرعيه وممارسة السلطة وفق القوانين والدستور مجمع عليها، بقدر ما يكون الاستقرار السياسي انعكاسا لأبعاد اجتماعية واقتصادية متمثلة في استيعاب المكونات المجتمعية. ودمجها في النظام السياسي، وإشراكها في الحياة السياسية، ولهذا فإن الاستقرار السياسي يأخذ عدة أبعاد ولا ينحصر في الناحية الأمنية وتكون حالة عدم الاستقرار ناتجة عن الفشل في تحقيق تلك الأبعاد في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ويكون الخلل الأمني وممارسة العنف هو محصلة ذلك الفشل في تحقيق تلك الأهداف ولهذا فإن مظاهر الاستقرار السياسي تأخذ عدة مظاهر.

المبحث الثاني: مظاهر عدم الاستقرار

أولاً: مظاهر ذات أبعاد سياسية

مظاهرات الأرض المصرية
مظاهرات الأرض المصرية

تتمثل مظاهر الاستقرار السياسي ذات البعد السياسي في مدى الاستقرار في النظام من خلال تطوراته السياسية المتكاملة أو ما يسمى بـ (المستويات السياسية) من نخب حاكمة ومؤسسات سياسية وسلوك سياسي [15] على النحو التالي:

أ – يتمثل الاستقرار في النخب الحاكمة في غياب التغييرات السريعة للنخب وتبديل شاغلي الوظائف العليا وبروز التغيير المنظم والمنضبط بالقواعد الدستورية والقانونية، كما يشمل الاستقرار على مستوى النخب أن يكون بقاؤها في السلطة باختيار شعبي عبر صناديق الاقتراع من خلال انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، يتخلل هذه وجود عامل الرضا الشعبي وإلا أصبح وجود هذه النخب قائما على الاستبداد والقمع، ويتضح من خلال هذا بأن بقاء النخبة الحاكمة وقتا طويل في السلطة لا يعبر عن استقرار سياسي ما لم يقترن هذا البقاء بعامل الرضا والتزام بالمؤسسات الدستورية والقانونية.

ب – استقرار المؤسسات الدستورية والسياسية سواء كانت تشريعية أو تنفيذية أو أحزابا سياسية أو منظمات مجتمع مدني ومنظمات جماهيرية ولا يقصد هنا بطول بقائها في السلطة، وإنما بما تتمتع به من استقرار تشريعي وتغييرات ثابتة وفقا للقواعد الدستورية والقانونية.

ج- استقرار السلوك السياسي في احترامه للدستور والقانون، وعدم ممارسته للسلوك السياسي المنحرف عن الطبيعة بمضمونها الأخلاقي، كالجنوح لانتزاع المطالب والحقوق من الآخرين بالقوة والإكراه، وإجباره على التنازل عنها، أو الاعتراف بها بوسائط يتكبد خسائر من جراء استعمالها، سواء أكان عنفها ماديا أو معنويا وأن تكون شرعية السلوك السياسي نابعة من البعد العام ومعبر عن الإرادة العامة، ومتوافق مع روح القانون ومبادئه لا من الغرائز والأهواء كما يجب أن تكون متفقة مع القيم المكونة لهوية المجتمع.

ثانيا: مظاهر ذات أبعاد اجتماعية

مظاهرات إيران: الأبعاد والسياقات
مظاهرات إيران: الأبعاد والسياقات

يأتي في مقدمة مظاهر الاستقرار السياسي ذات الأبعاد الاجتماعية، مدى ما يتمتع به النظام من وحدة وطنية قائمة على العلاقات التفاعلية المتبادلة بين مكونات المجتمع المختلفة بشكل متساو، وليس بالضرورة إلغاء للمكونات الفرعية للنظام مثل المذهبة والعشائرية والسلالية، وإنما فيما تمنحه من عدالة سياسية للفئات المختلفة تذوب من خلالها جميع الهويات والانتماءات والولاءات وتتوحد الأهداف، والاشتراك العمومي فيها بما يسقط الغبن الطبقي للناس، دون أن يسقط حق الانتماء للنظم الفرعية في النظام السياسي للدولة لصعوبة أو استحالة ذلك [16] ومعنى هذا هو ما يمنحه النظام من نظرة متساوية للناس في علاقاتهم السياسية وتطلعاتهم السلطوية والمتمثلة في:

أ – التعايش السلمي بين الفئات والشرائح الاجتماعية المكونة للمجتمع، وقبولها بالآخر وتقبلها له كواقع سياسي في إطار النسيج المجتمعي العام، وبما يؤدي إلى أن يكون النسق السياسي في مجمله متناسبا مع المجتمع، خالي من العجوزات الوظيفية المتعددة، ولتحقيق ذلك الاستقرار السياسي يتطلب ما يلي:

1- الاعتماد على الإجماع حول الأهداف.

2- القبول بمبدأ عدم المساواة في التقاليد، والأعراف والعادات.

3- محافظة النظام على قيم المجتمع.

4- انتشار وتوسع مؤسسات المجتمع المدني، ومدى حريتها واستقلالها من جهة وتكاملها مع السلطات الرسمية من جهة ثانية، فلا يعني قيام منظمات مجتمع مدني أن تكون في حالة تصادمية مع السلطات وإلا أصبحت عاملا من عوامل عدم الاستقرار السياسي، وخاصة عندما تكون هذه المنظمات في حالة تكافؤ من السلطات كالأحزاب السياسية في درجة القوة الاضطرارية.

ولهذا فإن هذه الدراسة ترى بأن تعدد وتنوع المكونات الاجتماعية، والتي يسود العلاقة فيما بينها روح التكامل لا روح التصارع والتصادم، يقابلها تصرفات وسياسيات عقلانية من قبل السلطة، يدعم الاستقرار السياسي وهذا يتوافق مع الرأي القائل (بأن توزيع المواطنين بولاء على عدد كبير من المنظمات، يرتبط كل منها بجانب محدد من الوجود الاجتماعي يقلل من احتمالات الصراع الاجتماعي الموسع لأن المطالب تنحصر في مطالب جزئية لكل فئة لا تتطلب تغيير البنيان الاجتماعي برمته)[17]، فيما لو كان المجتمع مكون من فئات اجتماعية قلية متكافئة في القوة والتي قد تصل مطالبها إلى تغيير جذري للنظام او إلغاء الأخر، وبالتالي فإن الصراع الاجتماعي على النحو المنضبط في عدة أنظمة في بنيان النظام سيحقق التكيف بين مطالب الأنظمة الفرعية والنظام السياسي.

ب- اتساع قاعدة المشاركة السياسية ومشاركة جميع الفئات والشرائح الاجتماعية ضمن العلمية السياسية، وتمثيلها سياسيا بطريقة متوازنة معبرة عن وزن كل فئة بشكل حقيقي في المؤسسات السياسية والمؤسسات العامة، بحيث تتفاعل مع القرارات المتعلقة بالمؤسسات والنشاطات العامة برضا وقناعة.

ثالثاً: مظاهر ذات أبعاد اقتصادية

تتمثل الأبعاد الاقتصادية للاستقرار السياسي في عملية التطوير المجتمعي بشكل كلي ومتكامل تشمل جميع الفئات والمكونات المجتمعية وبكفاءة وتوزيع عادل والذي يؤدي إلى ما يلي:

1ـ عدالة توزيع الثروة والموارد، والخدمات، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة بما يجنب حدوث فجوه بين الموارد والاستخدامات التي غالبا ما تمثل معضلة اقتصادية وسياسية تؤدي إلى التنازع حولها.

2ـ ارتفاع معدل الدخل الفردي وانخفاض درجة التفاوت في توزيع الدخول على مستوى الأفراد وعلى مستوى الطبقات والفئات في المجتمع لأن إشباع الحاجات والرغبات الأساسية يوفر عامل الرضا والذي يدعم الاستقرار السياسي ولهذا فإن المجتمعات الغنية تميل إلى الاستقرار السياسي أكثر من المجتمعات الفقيرة والتي تكون فيها الموارد غير قادرة على تلبية الضروريات، وخاصة إذا صاحب شح الموارد خلل في توزيع الثروة واستئثار طبقة أو شريحة معينة بتا مما يؤدي إلى حالة صراعية وعدم استقرار سياسي، وحتى في المجتمعات الغنية فإن عدالة التوزيع للثروة أمر مطلوب حتى ولو كانت ملبية للاحتياجات الأساسية كون الخلل في التوزيع، يثير عوامل ومسببات الصراع ويتلاشى عامل الرضا.

3ـ المساواة في المشاركة الاقتصادية: وتشمل المساواة في المشاركة الاقتصادية المساواة القانونية في مجال الاستثمار والحصول على السلع والخدمات، وكذا المساواة في الغرامات وجباية الضرائب وتشمل أيضا المساواة في قرص التعليم والوعي الثقافي وامتلاك أجهزه الاتصال ووسائل التثقيف واتساع قاعدة النشاط التجاري، والثقافي، كما تشمل التناسب المطرد بين التنمية الحضرية والريفية ونسبة السكان إلى كل منهما.

هذه أهم مظاهر الاستقرار السياسي والتي إذا اختفت شروطها فإنها تصبح مظاهر عدم استقرار سياسي ولكنها ليست قاعدة مسلم بها تنطبق على كل الشعوب والمجتمعات، كما أنها تتداخل وتتشابك مع عوامل أخرى، تختلف تلك العوامل من مجتمع إلى أخر، وهي قد تنطبق على افتراض مجتمع متعدد اجتماعيا ومتوسع جغرافيا وذي كثافة سكانية، لأن المجتمعات التي تخلو كليا من التعدد الاجتماعي يسودها الاستقرار غالبا، وإن عانت من عجوزات اقتصادية، كما أن الدول صغيرة الحجم وإن وجد فيها تعدد اجتماعي في ظل وفرة اقتصادية غالبا ما تكون مجتمعات مستقرة أيضا.

ويمكن إضافة حالة ثالثة للدول التي يسودها التنوع العرقي والديني، وتفاوت في الدخول وعدم مساواة في الحقوق والواجبات بين السكان، في الدول التي يكون معظم سكانها من غير المواطنين مهما بلغت مدة الإقامة فيها والتي قد تصل إلى نصف قرن مثل دول الخليج العربي حيث يصل نسبة غير المواطنين في بعض دولها إلى 90% لكنها توصف بالاستقرار السياسي، في ظل تنوع وعدم مساواة بين مواطنيها.

وترى هذه الدراسة أن الخلل السكاني في هذه الدول يشكل عامل استقرار مؤقت بكون النسبة العالية لغير المواطنين تجعل قدرة المواطنين محدودة في مواجهه السلطات كما أن وسائل التعبير غير مشرعنة وحتى لو كانت مكفولة قانونيا فإنها ستكون غير مجدية في ظل الخلل الكبير في التركيبة السكانية فحق التظاهر مثلا من قبل 10% من السكان أو الإضراب عن العمل غير مجدي لأن الغالبية السكانية من غير المواطنين غير معنية بالأمر فتكون جهود المواطنين غير مجدية، كما أن حقوق غير المواطنين قد تكون عاملا يقوض الاستقرار السياسي في المستقبل إذا أثيرت كقضية حقوقية في ظل متغيرات قد تحدث في التوازنات الدولية التي تعتمد عليها هذه الدول حاليا في غض الطرف وعدم إثارة هذه القضايا ولاسيما أن معظم الشرائح الاجتماعية المكونة للتركيبة السكانية من غير المواطنين تأتي من دول صاعدة عالميا مثل الهند وشرق أسيا.

المبحث الثالث: مؤشرات عدم الاستقرار السياسي

إن دراسة مؤشرات الاستقرار السياسي هي كغيرها من الدراسات الاجتماعية والإنسانية ذات صعوبة كبيرة في تحديد مقياس موحد وجامع، إلا إن معظم الدراسات تكاد تجمع على أن مؤشرات عدم الاستقرار السياسي تتمثل في وجود صراع سياسي على السلطة بين طرفي العملية السياسية (السلطة والمعارضة) حيث تسعى الأولى للبقاء والمحافظة على وجودها في السلطة لأكبر فترة زمنية ممكنة، بينما تسعى الثانية لإزالة السلطة والإحلال محلها وهذا ما يعني أن مؤشرات عدم الاستقرار السياسي هي وجود صراع بين السلطة والمعارضة يستخدم من خلاله العنف بشقية الرسمي (عنف السلطة) وغير الرسمي (العنف الشعبي) [18]

أولا: العنف الرسمي

الطلاب والعنف ما بعد انقلاب 2013
الطلاب والعنف ما بعد انقلاب 2013

يمارس هذه النوع من العنف من قبل السلطة الحاكمة القائمة من خلال أجهزه ومؤسسات الدولة (كالجيش – الشرطة – الاستخبارات- والقوانين الاستثنائية … الخ) والتي يطلق عليها البعض بوسائل القهر حيث يسند إليها ممارسة العنف الرسمي بهدف ضمان استمرار النظام، والحفاظ على الوضع الراهن، وتقليص حجم المعارضة والقوى المناوئة للنظام وهذا الحق في استخدام العنف من قبل الجهات الرسمية في الدولة يرجعه البعض إلى مفهوم السلطة التي تعني في الفكر الأنجلو أمريكي شكل من أشكال القوة المرتبطة بوضع شرعي (قوة رسمية)، أما في الفكر الماركسي فهي الأداة التي تسيطر من خلالها طبقة مستخدمة لقهر الطبقات الأخرى[19].

أما مفهوم السلطة عند ابن خلدون والتي يعرفها بالخلافة وهي (حمل الكافة على مقتضى النظر في مصالحهم الأخروية والدنيوية) وربط ابن خلدون بين السلطة والعصبية كونها ضرورية لإقامة السلطة ويمكن الاعتماد عليها لفرض دعوة جديدة أو الدفاع عن جماعة أو تدعيم نفوذ الدين، وتكون فعالية العصبية في أوضح صورتها عندما تقترب من مركز الجماعة والرئاسة وعنده لا تتم إلا بالقوة، ومن ثم لا غنى عن العصبية للحصول على السلطة والاحتفاظ بها، وهنا يرى ابن خلدون بأنه لابد من استخدام القوة (العنف الرسمي) لحماية الخلافة أو النظام السياسي، كما يرى ابن خلدون بأن النظام السياسي ينهار بانهيار العصبية والتي يستمد منها القوة والبقاء نتيجة الإفراط في استخدام القوة والقمع والذي يعني العنف الرسمي[20]

وبما أن العنف الرسمي يمثل مؤشراً من مؤشرات عدم الاستقرار السياسي، فإن العديد من الدراسات تتفق على أن مؤشرات العنف الرسمي تتمثل في ممارسة النظام السياسي لما يأتي[21]: الاعتقالات، الحكم بالسجن مع الأشغال الشاقة، استخدام القوة لفض المظاهرات والاعتصامات، الأحكام بالإعدام ذات الأبعاد السياسية، استخدام القوة لفض المظاهرات والشغب، استخدام وحدات الجيش، إعلان حالة الطوارئ، انتهاك قواعد وأحكام الدستور والقانون.

ثانيا: مؤشرات عدم الاستقرار السياسي (العنف الشعبي)

لماذا تنجح المقاومة المدنية؟ -2
لماذا-تنجح-المقاومة-المدنية؟

وتشمل العديد من المظاهر: المظاهرات، أحداث الشغب، التمردات، الاضطرابات، الاغتيالات السياسية أو محاولة الاغتيالات، الانقلابات أو محاولة الانقلابات، حرب العصابات.

تلك المؤشرات من المؤشرات الهامة لقياس حالة الاستقرار؛ إلا أنها أهملت بعض المؤشرات مثل الاعتصامات من الجانب الرسمي وسحب الجنسية ومصادرة الرأي واغلاق وسائل الإعلام ومطاردة الإعلاميين، كما أهملت الصراعات الاجتماعية والتي لا تكون السلطة طرفا فيها، كما أهملت الأبعاد الخارجية المتعلقة بالنزاعات والحروب الخارجية سواء كانت من صناعة النظام السياسي لتصدير أزماته أو كانت الحرب مفروضة عليه.

وتظل كل تلك المؤشرات تقود الى نتيجتين رئيسيتين تعتبران مؤشرين رئيسيين لعدم الاستقرار السياسي؛ هما التغييرات الوزارية المتتالية والسريعة الناتجة عن الأزمات السياسية، والمؤشر الثاني سقوط النظام السياسي برمته بسبب الانقلابات العسكرية [22].


الهامش

[1] الرابط

[2]  سورة البقرة الآية (36)

[3]  عبد الخالق داحش السمدة (التعددية الحزبية وتأثيرها على الاستقرار السياسي في الجمهورية اليمنية للفترة (1990م- 2004م) رسالة ماجستير جامعة أم درمان2004مص44. وانظر درهم محين أحمد الحالمي دور المعارضة السياسية في الاستقرار السياسي 2003- 2004 احزاب اللقاء المشترك، رسالة ماجستير غير منشورة ص18

[4] ) عزو محمد عبد القادر، مفهوم عدم الاستقرار السياسي في الدولة، منتديات ليبيا 11 ديسمبر 2009م الرابط

[5] -عبد الخالق السمدة مصدر سابق ص46

[6] – درهم محسن أحمد الحالمي (دور المعارضة اليمنية في الاستقرار السياسي 2003م-2008م، أحزاب اللقاء المشترك، رسالة ماجستير غير منشورة معهد بيت الحكمة ص40

[7] -السمدة نفس المصدر ص47

[8] – عبد الله احمد صالح الحسني – التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي في اليمن (1990-2003م) رسالة ماجستير غير منشورة في العلوم السياسية معهد البحوث والدراسات العربية ص41 2006م

[9] -أنظر جريدة الشرق الاوسط الصادرة بتاريخ 25شوال 1421 هـ الموافق 20يناير 2001 العدد 8089او الرابط

[10] -انظر صحيفة الرأي الكويتية الصادرة يوم الأحد 13 فبراير 2011 العدد 11519

[11]– عبد الله الحسني مصدر سابق ص42

[12]– عبد الخالق السمدة مصدر سابق ص46

[13]– عبد الله الحسني مصدر سابق ص44

[14] – انظر موقع العرب نت (علي محسن الأحمر الأخ غير الشقيق للرئيس اليمني يعلن تأييده للثورة) بتاريخ 21 ذار مارس 2011م

[15] -عبد الخالق السمدة مصدر سابق ص48

[16] المصدر السابقة ص51

[17] – عبد الخالق السمدة نفس المصدر ص52

[18] -السمدة مصدر سابقة ص55

[19] عبد الله الحسني مصدر سابق ص249

[20]– نفس المصدر السابق ص250

[21]– عبد الخالق السمدة مصدر سابق 56

[22]– الحوار المتمدن العدد (2191) بتاريخ 14/2/2008م

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close