fbpx
تقارير

عسكرة الفضاء ـ سباق تسلح أم جولة صراع؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

اعتمد الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، رسميا تمويل هيئة عسكرية جديدة مختصة بالفضاء تحمل اسم “قوة الفضاء الأمريكية”. وتعد هذه القوة العسكرية الأولى التي يتم إنشاؤها في البلاد منذ أكثر من 70 عاما والتي تندرج ضمن القوات الجوية الأمريكية. وقد وصف ترامب في قاعدة عسكرية قرب واشنطن، الفضاء باعتباره أحدث ساحة للحرب في العالم[1]. وتأتي الخطوة الأمريكية انطلاقا من كون “الفضاء مجال حرب، كما الأرض والجو والبحر، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون هي المهيمنة فيه، كما هي في الأرض”. وتأتي أهمية هذا التقدير استنادا على ما ذكره المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA) “جان وورنر”؛ أنه يمكن استخدام الفضاء لأغراض سلمية وعسكرية. وأن “الفضاء يختلف عن الـ 50 سنة التي مضت؛ فنحن نعتمد على الفضاء كل يوم”. فعندما نستيقظ في الصباح وننظر إلى توقعات الطقس، ونستمع إلى الراديو أو نجري مكالمة هاتفية محمولة، أو عند شراء أشياء عبر الإنترنت، فإننا نقوم بإرسال إشارات من خلال الأقمار الصناعية. مضيفا أنه ومع تصاعد التوترات الدولية. إلى جانب التصاعد اليومي في جرأة الهجمات السيبرانية، فإن احتمالية الصراعات والحروب الفضائية في ازدياد[2]. وعليه سوف يسعى التقدير إلى رصد سباق التسلح الفضائي من أجل استشراف شكل الصراعات الفضائية.

سباق التسلح الفضائي

يواصل البشر التنافس على إطلاق رحلات فضائية واكتشاف المزيد خارج كوكب الأرض، منذ انطلاق الرحلة الأولى في النصف الثاني من القرن الماضي، ليفتح ذلك التنافس أمامهم آفاقا جديدة في عالم آخر ما يزال مكتظا بالأسرار والغموض. فقد نال رائد الفضاء السوفيتي، يوري غاغارين، لقب أول إنسان يطوف حول مدار الأرض ويصعد إلى الفضاء، على متن المكوك الفضائي “فوستوك 1″، قبل 58 عاما، وتحديدا في 12 أبريل/نيسان 1961. علما بأن الاتحاد السوفيتي هو صاحب السبق أيضا في إطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء، وهو “سبوتنيك 1”. في 4 أكتوبر 1957م، وبعدها بأربعة أشهر، وبالتحديد في 31 يناير 1958، ردّت الولايات المتحدة بإطلاق القمر الصناعي “إكسبلورر 1” باتجاه مدار الأرض. وفي كلمة للرئيس الأمريكي، جون كينيدي في 12 سبتمبر 1962، قال؛ إن هدفهم المقبل في سباق الفضاء، الصعود إلى القمر، متعهدا بإرسال رحلات مأهولة إلى القمر خلال السنوات العشر المقبلة. حاليا وبجانب كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، تأتي الصين كقوة عالمية ثالثة. والتي بعد عدة تجارب فاشلة للصعود للفضاء منذ العام 1967م، أصبح رائد الفضاء الصيني، يانغ ليوي، أول صيني يصعد إلى الفضاء، عبر المركبة “شنتشو 5″، في 15 أكتوبر 2003م[3].

أما في مجال عسكرة الفضاء فقد قام مختبر لورنس ليفرمور الوطني – كاليفورنيا – بتنفيذ مشروع إكسكاليبور في سبعينيات القرن العشرين، والذي كان يهدف إلى تفجير سلاح نووي في الفضاء. وذلك من خلال تركيز أشعة الليزر السينية إلا أنه لم تنشر أخبار عنه بعد ذلك لتوضح نجاح أو فشل التجربة. كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2007م، بتدمير قمر صناعي تجسسي.[4] كما قدمت إدارة الرئيس الأمريكي بوش في العام المالي 2008 مبلغ 10 ملايين دولار للعمل الأولي نحو اختبار تجريبي للصواريخ الفضائية[5].

أما في مايو 2014، فقد أطلق الروس قمرا صناعيا غامضا نظر إليه بعض الخبراء أنه مجرد مناورة في المدار الفضائي. بينما صرح الروس بأنه اختبار لسلاح فضائي سيعتمد عليه في المستقبل. كما اختبر الروس في العام 2015م، صاروخًا مضادًا للأقمار الصناعية. في حين نجحت الصين في العام 2007م، من تدمير قمر صناعي اسمه “FY-1c” مختص بأحوال الطقس والذي كان يرتفع عن الأرض مسافة 865كم. بعد إصابته بصاروخ يسير بسرعة 8كم في الثانية. مما أدي لتفتتيه لنحو 150000 قطعة [6].

مؤشرات الصراعات الفضائية

أولا- قبل أكثر من 52 عاما، وافق مجلس الشيوخ على معاهدة الفضاء الخارجي. والتي تمنع الدول الموقعة عليها من وضع أي أشياء تحمل أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل أخرى في المدار الفضائي. إلا أن المعاهدة لم تغلق جميع التهديدات لسلامة الأصول الفضائية العسكرية والمدنية. فقد طورت بعض البلدان قدرات أسلحتها الهجومية التي يمكنها إسقاط الأقمار الصناعية في المدار الفضائي وذلك باستخدام صواريخ باليستية أرضية[7]. ثانيا- في 6 مارس 2018، أدلى مدير وكالة الاستخبارات العسكرية الليفتنانت جنرال روبرت بي آشلي جونيور بشهادته أمام لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي في واشنطن العاصمة، وقال إن روسيا والصين تقومان بتطوير أسلحة لاستخدامها في حرب فضائية[8].

ثالثا- موافقة مجلس النواب الأمريكي على قانون موازنة الدفاع للسنة المالية 2020م، والتي بلغت قيمتها 738 مليار دولار وفور إعلان الكونجرس موافقته على قانون ميزانية 2020م، لوزارة الدفاع وإنشاء القوة الفضائية، الميزانية المعلنة للجيش الأمريكي بجميع أسلحته وفي جميع قواعده العسكرية زادت عن العام الماضي، بحوالي 20 مليار دولار أي بنسبة 3% وفقا لما أقرته لجنة الشؤون العسكرية في مجلس الشيوخ الأمريكي. وقد خصص 140 مليون دولار إلى وكالة الدفاع الصاروخي لتطوير مشاريع طاقة موجهة واستشعار فضائي بالإضافة إلى قدرات دفاعية فائقة السرعة[9].

رابعا- تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد، أن القدرات الفضائية لروسيا وكوريا الشمالية والصين وإيران تشكل تهديدًا للإمكانيات الأميركية الفضائية.[10]

خامسا-ذكر تقرير حديث صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية DIA أن الصين تعمل الآن على تطوير أجهزة تشويش يمكن أن تستهدف مجموعة واسعة من الترددات، بما في ذلك نطاقات الاتصالات العسكرية. ويُعتقد كذلك أن كوريا الشمالية اشترت أجهزة تشويش من روسيا. ومن المعروف أن التنظيمات المسلحة في العراق وأفغانستان تستخدمها أيضًا[11]

سادسا- في عام 2008، نجحت إحدى الهجمات الإلكترونية على محطة أرضية في النرويج في التدخل في عمل أقمار “لاندسات” التابعة لوكالة ناسا(١)، وذلك لمدة 12 دقيقة. وفي وقت سابق من عام 2019، تمكّن بعض المتسللين من الوصول إلى القمر الصناعي Terra Earth التابع للوكالة ذاتها، وقاموا بعمل كل شيء عدا إصدار الأوامر، ومن غير الواضح من يقف وراء الهجوم، رغم أن بعض المُعلقين في ذلك الوقت وجّهوا أصابع الاتهام إلى الصين[12].

سابعا- دخول عدد الدول مجال التسابق الفضائي والتي تخضع لتجاذبات وتوترات دولية أهمها الصين اليابان الهند[13] وباكستان وكوريا الشمالية وتايوان وكوريا الجنوبية.[14]

ثامنا- امتلاك دول شرق أوسطية منظومة صواريخ لها دور في العسكرة الفضائية؛ فإسرائيل باتت تمتلك صواريخ الدفاع الصاروخي من طراز “أرو-3” المخصص لاعتراض صواريخ متطورة في الفضاء. في حين تسعى إيران إلى تطوير باليستية قادرة أن تؤثر في الصراعات الفضائية.[15] هذا بالإضافة إلى محاولات محدودة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرا[16].

شكل الصراعات الفضائية

يقول مايكل شميت، أستاذ القانون الدولي العام وخبير حرب الفضاء بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة: “بات من المحتم للغاية أن نشهد انتقال الصراع إلى الفضاء”. مضيفا ربما يمكن القول إن حرب الفضاء أمر لا مفر منه. ومن مؤشرات ذلك اعتماد الجيوش الحديثة على الأقمار التجسسية. إلى جانب الدور المهم للفضاء في تحديد أماكن الجنود في القمم الجبلية. مؤكدا أن الصراعات والحروب الفضائية لن تكون وحشية على غرار الحروب التقليدية. وإنما من المتوقع أن تكون حروب متقدمة من الصراعات السيبرانية. وذلك من خلال تنفيذ هجمات إلكترونية ضد الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية التي تتحكم فيها. كما يمكن استخدام أشعة الليزر من أجل تعطيل الأقمار الصناعية. أما كابوس الصراعات الفضائية يتلخص في قيام الدول المتحاربة بتدمير الأقمار الصناعية لبعضهم البعض والذي سيترتب عليه آثار كارثية ليست في مجال الفضاء فقط وإنما على كوكب الأرض أيضا. ويضيف شميت إن: “هناك قاعدة في القانون الإنساني تنص على أنه عند القيام بعملية عسكرية، يجب عليك اختيار الطريقة التي تنتج أقل الأضرار الجانبية”. “لذلك يجب أن يكون تفجير الأقمار الصناعية عمليات الملاذ الأخير”. وإنه على الرغم من وجو معاهدات تنص أنه لا يمكن وضع منشئات عسكرية على سطح القمر أو أسلحة دمار شامل في المدار الفضائي. إلا أن تلك المعاهدات تستطيع الدول الكبرى تجاوزها[17].

ختاما:

 مخطئ من يعتقد أن صراعات وحروب الفضاء شيئا وهميا. فإرهاصاتها بدأت منذ فترة ليست ببسيطة. إلا أن عدم تداولها إعلاميا يرجع لحداثتها وسريتها وأنها لا تزال في مرحلة التطور. ويبدو أن تطور الصراعات العسكرية في الفضاء قد تتخذ أشكالا متعددة، أهمها البرمجيات الخبيثة وقنابل (منطقية) داخل أنظمة مراقبة المركبات الفضائية. وعليه يمكن القول إن المرحلة الجديدة القادمة من الحروب السيبرانية هي الصراعات الفضائية. وهذا ما جعل ورنر يقول: “علينا أن نأخذ الهجمات الإلكترونية على محمل الجد” .وعليه يمكن القول إن الحل الوحيد في ظل التنافس بين القوى الكبرى على الفضاء، والذي ينذر بتحوله إلى حرب عالمية، والفشل في التوصل إلى إطار قانوني متفق عليه يحدد إطار التنافس في الفضاء؛ يكمن في توافر الإرادة السياسية لدى الدول الكبرى كما كان الحال في أيام الحرب الباردة، لكونها الطريقة الوحيدة لوقف الصراع في الفضاء.


الهامش

[1] موقع BBC العربية، ترامب يعلن رسميًا تشكيل القوات الفضائية، تاريخ النشر، 21-12-2019م، الرابط.

[2] Stuart Clark, ‘It’s going to happen’: is the world ready for war in space?, The Guardian,15-4-2018,link.

[3] وكالة الأناضول، سباق الفضاء يفتح آفاقا جديدة أمام البشر، تاريخ النشر 21-4-2019م، الرابط.

[4] Stuart Clark, ‘It’s going to happen’: is the world ready for war in space?, The Guardian,15-4-2018,link.

[5] Daryl G. Kimball, Avoiding a Space Arms Race, Arms Control Assocition, Volume 37,Number 3, April 2007,link

[6] Stuart Clark, ‘It’s going to happen’: is the world ready for war in space?, The Guardian,15-4-2018,link.

[7] Daryl G. Kimball, Avoiding a Space Arms Race, Arms Control Assocition, Volume 37,Number 3, April 2007,link

[8] Stuart Clark, ‘It’s going to happen’: is the world ready for war in space?, The Guardian,15-4-2018,link.

[9] شعبان هدية، الفضاء مجال حرب وأمريكا تهيمن عليه.. الكونجرس يوافق على إنشاء القوة الفضائية تحت إدارة وزارة سلاح الجو.. ترامب: الفضاء أصبح ميداناً للقتال.. الميزانية تصل 738 مليار دولار زيادة 3% عن العام الماضي.. والصين تحتج، موقع اليوم السابع، تاريخ النشر 19-12-2019م، الرابط.

[10] موقع المنار، الولايات المتحدة تعلن أن قدرات روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران في الفضاء تشكل تهديداً لها، تاريخ النشر 6-9-2019م، الرابط.

[11] محمد محمود السيد، حرب الفضاء: مستقبل صراعات القوى الكبرى حول “الأقمار الصناعية” نيال فيرث، موقع إضاءات، تاريخ النشر 20-8-2019م، الرابط.

[12] محمد محمود السيد، حرب الفضاء: مستقبل صراعات القوى الكبرى حول “الأقمار الصناعية” نيال فيرث، موقع إضاءات، تاريخ النشر 20-8-2019م، الرابط.

[13]يونس مؤيد يونس، أدوار القوى الأسيوية الكبري في التوزان الاستراتيجي في أسيا بعد الحرب الباردة وأفاقها المستقبلية، (عمان: الاكاديميون للنشر والتوزيع، 2010)، ص 177.

[14]المرجع السابق، ص 178.

[15] موقع عربي 21، هذه هي الدول الأكثر امتلاكا للصواريخ في الشرق الأوسط، تاريخ النشر 28-5-2017م، الرابط.

[16] موقع وكالة الإمارات الفضائية، الرابط.

[17] Stuart Clark, ‘It’s going to happen’: is the world ready for war in space?, The Guardian,15-4-2018,link.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close