fbpx
تقاريرعسكري

عسكر مصر وثورة يناير: السياسات والتحولات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة:

تعاملت المؤسسة العسكرية منذ أول لحظة من اندلاع الثورة المصرية في 25 يناير 2011م، بخطة محكمة مدروسة حتى تصل في نهاية الأمر إلى إعادة تموضعها مرة أخري وتسيطر على زمام الأمور من جديد، وحتى وإن تعاملت المؤسسة العسكرية بشكل إيجابي مع الثوار في بداية الثورة، وكانت عامل ضغط علي الرئيس الأسبق حسني مبارك للتخلي عن الحكم، لوجود مصالح كانت تبحث عنها المؤسسة العسكرية في أواخر مدة حكمه، من العمل على “عدم المضي قدماً في مشروع التوريث”.

إلا أن تلك الخطوات كانت محسوبة بدقة واتضح هذا جلياً في تفتيت القوى الثورية الذي عملت عليه المؤسسة العسكرية منذ تولى المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي إدارة البلاد في 11 فبراير 2011م، بما في ذلك ما حدث في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في مارس 2011م، والانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشوري في نهاية عام 2011م ثم الانتخابات الرئاسية في جولتيها في مايو- يونيو 2012م. واستمرت تلك الخطة في التعامل مع الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب حكم الدولة المصرية، منذ اللحظات الأولى من توليه الحكم في يونيو 2012م؛ فوضعوا أمامه العقبات، وصنعوا له الأزمات لخلق حالة من الضجر الشعبي عليه، حتى يصبح مطلب رحيل النظام مطلباً شعبياً يشكل غطاءً للمجلس العسكري لتدخل الجيش والانقضاض على الحكم، وصولاً لانقلاب 2013م، حيث قام الجيش بصناعه ظهير شعبي “حركة تمرد”، لتصبح الغطاء كحركة شبابية تقود الحراك.

إشكالية الدراسة:

تسعى هذه الورقة إلى تقديم تفسير لأهم الأحداث في مرحلة هامة في تاريخ الدولة المصرية، بداية من ثورة يناير 2011 ثم انقلاب يوليو 2013م، والمسارات التي وضعتها قيادات المؤسسة العسكرية للقضاء على أول تجربة ديمقراطية شهدتها مصر، وصولاً إلى مايو 2014م، وتنصيب عبد الفتاح السيسي على رأس الدولة، وما ترتب على ذلك من تداعيات داخل المؤسسة العسكرية والأجهزة السيادية.

أدوات الدراسة:

تم الاعتماد ضمن أدوات الدراسة على المقابلات الشخصية التي قام بها الباحث مع عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية المصرية التي عايشت هذه المرحلة.

المطلب الأول: الجيش وثورة يناير:

هناك عدة نقاط هامة كانت ضمن أسباب وقوف الجيش المصري مع ثورة يناير وإجبار مبارك للتخلي عن الحكم، هي:

1-عدم شعور الجيش بتوجه الاحتجاجات نحوه بشكل مباشر، وهذا بسبب أن الجيش المصري لم يكن أداة من أدوات النظام لقمع الشعب أو المعارضة أيام مبارك، على الرغم من كونه حامياً للنظام.

2-عدم تأييد الجيش للتوريث لأن في ذلك خروجاً على مبدأ “الحاكم ذو الخلفية العسكرية” بالإضافة لتهديد امتيازات الجيش، وتقديره أن الاحتجاجات ستوقف التوريث فقط، وأنه قادر على استعادة زمام الأمور مرة أخري.

3-اتصاف الثورة بالشعبية منذ جمعة الغضب 28 يناير 2011م، وسلميتها.[1]

تلك الأسباب فضلا عن وجود إشارات واضحة من الولايات المتحدة الأمريكية تفيد بعدم الممانعة للتغيير، كانت الدافع الأساس في وقوف الجيش مع ثورة يناير، فالمجلس العسكري الذي كان يتكون من 24 عضواً أثناء ثورة يناير 2011م، كانوا جميعاً بلا استثناء مع رحيل مبارك من أجل التخلص من قصة التوريث التي كان مبارك يجهز لها حتى يصبح جمال مبارك رئيساً لمصر؛ ولكن كانت هناك وجهتا نظر داخل المجلس:

وجهة النظر الأولى: كانت ترى استغلال الحراك للتخلص من مبارك، وملف التوريث.

وجهة النظر الثانية: كانت ترى أن خروج مبارك في توقيت ثورة يناير 2011م سيدفع الناس للتجرؤ على منظومة الحكم العسكري ويصبح الحراك عادة يقوم بها الشعب في الفترات المقبلة، وهذا سيكون تهديداً حقيقياً للحكم العسكري على المدي القريب والبعيد، وكانوا يرون مواجهة الحراك بالقوة وكان اللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية وقت ثورة يناير 2011م، يتبنى وجهة النظر تلك.[2]

وبعد تنحي مبارك، وتفويض المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شئون البلاد، في 11 فبراير 2011م، مضت قيادات المجلس العسكري قدماً في تنفيذ مخططها المدروس لكي تمسك بزمام الأمور مرة أخرى، وتحقيق عدة أهداف بشكل متوازي، للتحكم في السلطة عن طريق “انقلاب ناعم” على ثورة يناير، كانت من أبرز خطوات ذلك المخطط:

1-تنفيذ استراتيجية “صناعة الفرقة” بين رفقاء الميدان من الإسلاميين والليبراليين وكافة القوي المدنية الأخرى، فالمجلس العسكري عمل على تفتيت تلك القوي إعمالاً بمبدأ “فرق تسد”. تلك الاستراتيجية كانت تعتمد بالأساس على التقارب في بداية الأمر مع القوي الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين كما حدث في استفتاء مارس 2011م، فالمؤسسة العسكرية صورت الأمر على أن تفاهمات وتوافقات جرت بين الجيش والإسلامين، بشكل عام في الموافقة على التعديلات الدستورية التي كانت ترفضها أغلبية القوي المدنية والثورية، حتى يحدث ذلك شرخاً بين القوي الإسلامية والقوي المدنية والعلمانية والثورية (من خلال الحديث عن التقارب بين القوى الإسلامية والمؤسسة العسكرية) وتقف تلك القوي في صف المعارضة للقوي الإسلامية وتصطف لمواجهتها. وبعد إحداث ذلك الشرخ تتباعد المؤسسة العسكرية شيئاً فشيئاً من القوي الإسلامية حتى تكون أقرب للقوي المدنية والقوى الأخرى لكي يقفوا أمام القوي الإسلامية التي أصبحت تقف وحيدة. فكانت خطة المؤسسة العسكرية المدروسة في التعامل مع الملف السياسي تهدف أولاً إلى القضاء على أكبر فصيل سياسي شارك في الثورة، وبعد ذلك تتخلص من القوى الأخرى شيئاً فشيئاً من حيث الأهمية، وهذا ما حدث بالفعل.

2-فرض إعلانات ووثائق فوق دستورية تعطي المؤسسة العسكرية، صلاحيات وامتيازات، تمكنها من إدارة المرحلة بشكل منفرد، لذلك أصدر المجلس العسكري الإعلان الدستوري المكمل في يونيو 2012 الذي كان بمثابة انقلاب على الثورة، بعد وثيقة السلمي التي صدرت في النصف الثاني من عام 2011، والتي تمت صياغتها “بالتنسيق مع الجيش” وكانت تهدف إلى “دسترة” السيطرة العسكرية على الأمور في البلاد.

3-إفشال وتعطيل المؤسسات المنتخبة التي ستأتي بها الثورة، ولذلك عمل المجلس العسكري على حل مجلس الشعب الذي انتُخب بعد ثورة يناير، لضمان استمرارية المؤسسة العسكرية في سيطرتها على الأوضاع بالسيطرة على السلطة التشريعية، ومحاولة إطالة المرحلة الانتقالية، ولكي تظل السلطة التنفيذية والتشريعية في يد المؤسسة العسكرية.

4-حسم الانتخابات الرئاسية لصالح مرشح تدعمه المؤسسة العسكرية، على ان يكون رجلاً ذو خلفية عسكرية، وأكد البعض في تلك الجلسات، أن المؤسسة العسكرية قدمت كل أنواع الدعم للفريق أحمد شفيق حتى يكون هو الفائز في الانتخابات الرئاسية في مايو 2012م، ولكن بسبب ارتباط أحمد شفيق بمنظومة حسني مبارك التي قامت الثورة للقضاء على رموزها، فضلا عن شعبية جماعة الإخوان داخل الشارع المصري في ذلك الوقت، فكانت النتيجة لصالح الرئيس محمد مرسي. ويري البعض ان المؤسسة العسكرية رأت في ذلك التوقيت، وربما بضغوط خارجية، أن تزوير الانتخابات سيكون خطئاً استراتيجياً، وسيُدخل الدولة في حالة فوضى، وسيكون الضرر على المؤسسة العسكرية أكثر من نفعه، وكانت تري أن المنطقة ما زالت تمر بحالة ثورية، وبالتالي رأت تأجيل المواجهة لوقت أخر، مع إيمانها بقدرتها على إنهاء حكم الإخوان في أسرع وقت.

المطلب الثاني: المؤسسة العسكرية وحكم الرئيس مرسي:

المؤسسة العسكرية منذ اللحظة الأولى لحكم الرئيس محمد مرسي، لم تتقبل ذلك الأمر، وكانت تخطط للوصول إلى اللحظة الحاسمة التي تنهي فيها تلك التجربة، وتعطي درساً لمن يحاول ان يسير على نفس المنوال مرة أخري.

وفي لقاء مع أحد العسكريين قال إن أغسطس 2012م، كان تاريخاً هاماً داخل المؤسسة العسكرية، وصراعهم مع التجربة الديمقراطية، وتحديداً عند إقالة المشير محمد حسين طنطاوي من منصبه كوزير للدفاع، والفريق سامي عنان من منصبة كرئيس للأركان، وكذلك قادة الأفرع الرئيسية بالجيش المصري، أسباب تلك الإقالات وتحديداً إقالة كل من المشير طنطاوي والفريق عنان يتحدث عنها الكثيرون، ولكن ومن وجهة نظري الراوية الصحيحة التي دفعت الرئيس مرسي للإطاحة بالمشير طنطاوي لم تُرو إلى الآن.

وبناء على ما ذكره بعض العسكريين السابقين، فإن قرار إقالة المشير طنطاوي، سبّب ضجراً كبيراً داخل الجيش المصري، في مختلف المستويات “قيادات، ضباط” وهذا بسبب أن طنطاوي بالأساس له رصيد وشعبية داخل المؤسسة العسكرية فهو صاحب أكبر فترة يقضيها وزير دفاع داخل الجيش المصري “1991-2012”، فضلا عما اعتبروه من الرئيس مرسي “تجاوزا لحدوده”، وذلك القرار استغلته قيادات الجيش فيما كانت تردده بعد ثورة يناير ، بما في ذلك المشير طنطاوي نفسه واللواء حسن الرويني[3]، أن الثورة تهدف إلى هدم وتفكيك الجيش. وبعد ذلك القرار كانت الندوات التثقيفية داخل الجيش الخاصة بالضباط تؤكد أن الرئيس مرسي وجماعة الإخوان يهدفون إلى السيطرة على الجيش أو هدمه، وأن هذه القرارات جاءت من أجل تحقيق أهدافهم تلك وأن قادة الجيش لن تسمح بذلك المخطط.

إذن فمعظم قيادات الجيش كانت مع قرار إنهاء حكم الرئيس محمد مرسي، إلا أن قرار الرئيس مرسي “غير المدروس” بتعيين مدير المخابرات الحربية “عبد الفتاح السيسي” وزيراً للدفاع في أغسطس 2012م، ساعد وساهم كثيراً في تضيق الخناق عليه بشكل أكبر. الغريب في تلك الواقعة كما يصفها العسكريون، أنها كانت إحدى السابقات في التاريخ المصري الحديث أن يصبح مدير مخابرات حربية وزيراً للدفاع مباشرة بعد ترك منصبة كمديراً للمخابرات الحربية. بل عادة ما ينصح الأمنيون والعسكريون ان مديري المخابرات لا يجب أن يتولوا بعد خروجهم من مناصبهم، مهام كمهام وزير الدفاع أو رئيس أركان، لأن مديري المخابرات تكون لديهم معلومات هامة ومفصلية عن الدولة، وإذا عينوا بعد خروجهم من مناصبهم في مناصب أعلى كوزراء دفاع أو رؤساء أركان وأصبح لهم صلاحيات بتحريك قوات فهذا خطأ استراتيجي كبير لأنهم سيصبحون ذوي قدرات وإمكانيات تؤهلهم للقيام بأي عمل ضد رأس السلطة في أوقات الاختلاف، وهذا ما فعله السيسي، ولكن مع غياب المعلومة يصبح كل شيء محتملاً، ويبدو أن الرئيس محمد مرسي ومساعديه لم يكن لديهم هذا الإدراك، و لا زالت حيثيات اختيار السيسي تحديدا لهذا المنصب من الأمور التي لم يكشف عنها النقاب حتى الان.

تشير الدلائل والمعلومات المتوافرة من مصادرنا المختلفة أن الجيش قد حسم القرار بشكل نهائي ووضع الجدول الزمني لرحيل نظام الرئيس مرسي في أوائل يونيو 2013م، ولكن ما قيل لي في أحد المقابلات، أن المجلس العسكري المكون من 24 عضو في يونيو 2013م، كانت خطته بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي أن يكون البديل رجل عسكري أخر، ولم يطرح اسم السيسي بأي شكل من الأشكال أنه سيكون هو ذلك الرجل العسكري الذي سيتولى الحكم بعد الانقلاب.

المطلب الثالث: ما بعد 03 يوليو 2013م:

بعد تحقيق الهدف الأساس في 03 يوليو 2013م، بزغت بذور الخلافات بين قيادات الجيش المصري، وظهر لبعض قيادات المجلس العسكري أن خطة يوليو 2013م، تلك الخطة الحقيقية، كان يعلمها السيسي وطنطاوي بالأساس ومعهم عدد قليل من قيادات المجلس العسكري، وتلك الخطة كانت تهدف لتصعيد السيسي وليس غيره رئيساً للجمهورية، وهو ما لم يرحب به لاحقا بعض قيادات المجلس العسكري “حالية كانت أو مستدعاه” لأنها كانت تري بأحقية وصولها إلى هذا المنصب، أو بأن السيسي لا يتميز عليهم بشيء يبرر تفضيله.

وكانت وجهة النظر السائدة أن يبقى السيسي في منصبه ويحصن، ولذلك تم إقرار قانون تحصين وزير الدفاع في ذلك التوقيت، ولكن السيسي واصل الاستمرار في خطته حتي يصل في نهاية الأمر لتحقيق مبتغاه وحلمه الذي تحدث عنه مع الصحفي ياسر رزق في ذلك التوقيت، و تم تسريبه، “ حلمت إني كنت مع السادات بكلمه وقالي أنا كنت عارف إني هبقى رئيس الجمهورية، وقلت له: وأنا كمان عارف إني هبقى رئيس جمهورية”، ولقاء السيسي مع الصحفي ياسر رزق في ذلك التوقيت كان تمهيداً منه للشعب بأنه سيكون الرئيس القادم، وذلك بعد نفيه أكثر من مرة أنه لا يطمع في الحكم.[4]

الخلاف بين قيادات المجلس العسكري في ذلك التوقيت، لم يكن حول سيطرة الحكم العسكري، فمعظمهم كانوا يرون وجوب عودة السيطرة العسكرية سواء بشكل مباشر أو من وراء ستار، ولكن الاختلاف كان حول من هو الحاكم الذي سيتولى الحكم. ويري البعض أن المواجهة بين الطرفين، الطرف غير المرحب بالسيسي وطرف السيسي ومن معه ويتفقون معه في خطته بدأت مباشرة بعد فترة قليلة من أحداث 03 يوليو 2013م، وما صرح به اللواء أحمد وصفي قائد الجيش الثاني “الأسبق” مع عمرو أديب بعد 03 يوليو 2013م، ” لو السيسي أخذ رتبة زيادة أو اترشح للرئاسة قولوا انقلاب عسكري” كانوا يرون أنها رسالة للسيسي بأنهم مصرون على تنفيذ الاتفاق بأنه ليس هو من سيكون البديل[5]، وحرصوا أنها تكون رسالة عن طريق الإعلام حتى يسببوا له إحراجاً أمام الشعب لو استمر في مخططه ورشح نفسه، وكان عنان من الأسماء المطروحة لتتولى زمام الأمور في 2014م، لذلك رشح عنان نفسه في انتخابات 2014م، ولكنه تراجع بسبب الضغط الذي مورس عليه.

إلا أن المجلس العسكري في 2014م، صوت لصالح السيسي وليس لعنان للترشح لانتخابات الرئاسة في 2014م، بناء على دور كبير لعبه المشير حسين طنطاوي وما لديه من رصيد عند كلا الطرفين، وهو من أقنع معظم أعضاء المجلس العسكري والمستدعين في حينه بالتصويت للسيسي كي يكون هو مرشح المؤسسة في 2014م.

المطلب الرابع: السيسي وإدارة الصراع داخل المؤسسة العسكرية:

من اللحظة الأولى من تنصيبه “رئيساً”، اتخذ السيسي طريق التنكيل في صفوف معارضيه سواء العسكريين أو المدنيين، حتى ينفرد بالحكم، وتتحول منظومة الحكم العسكري من منظومة المؤسسة العسكرية الحاكمة، إلى منظومة الفرد العسكري “الحاكم الديكتاتور” المسيطر والمهيمن، مستغلاً بالأساس الدعم الدولي والإقليمي الذي يحظى به منذ اللحظات الأولى لحكمه.

اكتسب السيسي العديد من العداوات داخل المؤسسة العسكرية خلال السنوات الثمان الماضية، حيث أطاح بما يقارب من 50 قائداً عسكرياً من داخل المجلس العسكري حتى ينفرد بالحكم وتتحول منظومة الحكم في مصر، والتي تم ترسيخها منذ عام 1954م، من قِبل جمال عبد الناصر، من حكم المؤسسة العسكرية بالمطلق إلى حكم الفرد العسكري الدكتاتور.

بالإضافة إلى ذلك، قام السيسي بالتنكيل بكل من حاول أن يغير نهج سياساته من داخل المؤسسة العسكرية بأي طريقة كانت، فأغلق السيسي كل طرق التغيير التي حاول أن ينتهجها المعارضون له داخل المؤسسة العسكرية، فمن حاول أن ينتهج النهج الدستوري والقانوني للتغيير، عن طريق الترشح ومنافسة السيسي في انتخابات الرئاسة التي أجريت في الربع الأول من عام 2018م، تم التنكيل بهم جميعاً، والتنكيل الذي لحق بكل من الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق والعقيد أحمد قنصوه دليل على ذلك، بل وصل التنكيل أيضاً لمن حاول من خارج المؤسسة العسكرية أن يقف بجانب بعض المرشحين العسكريين لمنافسة السيسي في انتخابات الرئاسة ، فتم اعتقال الدكتور حازم حسني والمستشار هشام جنينه والناشط السياسي حازم عبد العظيم لوقوفهم بجانب الفريق “عنان” في حملته الانتخابية. وكذلك أيضاً تم التنكيل بمن حاول أن يستخدم نموذج الانقلاب كوسيلة للتغيير داخل المؤسسة العسكرية من بعد 03 يوليو 2013م، أو أو حتى بمجرد تبني أراء مخالفة لما يتم، وتم محاكمة مئات الضباط بتهم محاولة تغيير نظام الحكم عن طريق الانقلاب العسكري.[6]

 يضاف إلى هذا، العداء الذي اكتسبه السيسي في صراعه مع جهاز المخابرات العامة والذي سيطر عليه بشكل تام في عام 2018م، بعد الإطاحة باللواء خالد فوزي من قيادة الجهاز، وكذلك المئات من وكلاء الجهاز، وتولى عباس كامل ومحمود السيسي قيادة جهاز المخابرات العامة. جدير بالذكر أيضاً أنه ومنذ اللحظات الأولى بعد انقلاب 03 يوليو 2013م، عمل السيسي على تفكيك جهاز المخابرات العامة والذي كانت له استقلالية في إدارة العديد من الملفات الهامة بعيداً عن المؤسسة العسكرية، فمنذ تعيينه مديراً للمخابرات الحربية في يناير 2010م، أدرك السيسي مدى قوة وخطورة جهاز المخابرات العامة وتأثيره الكبير في العديد من الملفات، ولذلك قام بتفكيك وإعادة تركيب هذا الجهاز حتى يصبح تحت سيطرته، ولا يسبب تهديداً له ولنظامه.

منذ أحداث 03 يوليو 2013م، قام أفراد (مجموعات) داخل الجيش بمحاولات لتغيير ذلك الوضع الذي تسير عليه قيادات المؤسسة، لعدة أسباب من أهمها الوضع السياسي المضطرب الذي تشهده الدولة المصرية، والسياسات الخاطئة التي يتبعها النظام وتحمل القوات المسلحة وحدها مسؤوليتها؛ كذلك طريقة تعامل النظام مع الأوضاع في شبه جزيرة سيناء، والخسائر المتتالية التي يتلقاها الجيش في هذه المواجهات؛ وكذلك التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، والتنازل عن حقوق مصر في المياه والغاز.

المتابع لمحاولات التغيير التي حاول البعض أن يقوم بها من داخل تلك المؤسسات السيادية بعد انقلاب 03 يوليو 2013م، يرى أنها متعددة ومتكررة، واتخذت عدة أشكال منها محاولات دستورية وقانونية للتغيير عن طريق الانتخابات ومنها من اتخذ أسلوباً عنيفاً.[7]

القيادات التي نكل بها السيسي من داخل المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات العامة، كانت تراقب الوضع بشكل عام وكانت تحاول أن تشتبك أو تصنع حالة حراك لإحداث تغيير، أو على الأقل تحقق أجزاء من أهدافها لكي تعود وتشارك في منظومة الحكم مرة اخري، وكانت تلك المحاولات بالشكل الاتي:

أولاً: تسريبات للسيسي:

بعد التفكيك والتركيب الذي فعله السيسي بجهاز المخابرات العامة، اعتمد بعض المنكَّل بهم من داخل الجهاز استراتيجية في مقاومة للسيسي ونظامه وهي استراتيجية تتناسب مع قوتهم وقدراتهم، “استراتيجية كشف الفساد”، بهدف تثوير الشعب، كانت تتركز تلك الاستراتيجية التي بدأت في عام 2015م، بالأساس على إخراج بعض التسريبات لأعمدة ذلك النظام والتي كانت ترى أنها ستحدث حالة من الضجر الشعبي إذا أُحسن استخدامها، ولكن هذا النهج كان مستمرا فقط حتى النصف الأول من عام 2018 وتحديداً قبل إقالة اللواء خالد فوزي ولكن منذ ذلك التاريخ تمت السيطرة بشكل كبير على جهاز المخابرات العامة من قبل ذلك النظام؛ ومن المعلوم بالضرورة أن قوة أي مسئول في مؤسسة سياديه تصبح معطلة بشكل كبير عند خروجه من منصبه.

ثانياً: التنازل عن تيران وصنافير:

الاتفاق الذي وقعه السيسي مع الملك سلمان في أبريل من عام 2016م، والذي تنازلت به مصر بشكل نهائي عن جزرتي تيران وصنافير، نتج عنه حراك في الشارع المصري، وكان قضية وطنية مجمعة تجمعت عليها كافة القوي الوطنية، وكانت بعض القيادات العسكرية ليست بعيدة عن هذا الحدث الهام، وأعلن الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق والفريق مجدي حتاتة في وقتها، رفضهم لذلك التنازل وتمسكوا بأن الجزر مصرية، وان “من يفرط في الأرض عليه أن يثبت مصريته.[8]

ثالثاً: ثورة الغلابة نوفمبر 2016:

جاءت تظاهرات ثورة الغلابة في نوفمبر 2016م، بعد اجتماع المجلس العسكري في أكتوبر 2016م، والذي شهد بعض التجاذبات بسبب سوء إدارة البلاد، والتي يمكن أن تؤول بالخطر على المؤسسة العسكرية ككل، وطالبت قيادات بتعديل سياسات إدارة النظام في بعض الملفات، وإذا زاد الغضب تجاه المؤسسة العسكرية، فالمصلحة تقضي ان السيسي وإدارته يكفي عليهم فترة رئاسية واحدة، وهذا ما قابله السيسي بغضب شديد، ويرى البعض أن خوف النظام من ثورة الغلابة 2016م، والانتشار العسكري الذي قامت به قوات التدخل السريع “قوات حماية السيسي” كان ليساً خوفاً من التظاهرات انما كانت خشية من استغلال تلك التظاهرات من قبل البعض داخل الجيش. وبعد نجاح السيسي في السيطرة على أحداث ثورة الغلابة قام بإقالة 11 عضو من داخل المجلس العسكري.[9]

والسيسي في تعامله مع أصحاب وجهات النظر المختلفة معه من العسكريين وغيرهم لا يفهم سوي لغة واحدة وهي لغة التنكيل، حتى وإن كان بينه وبين أحدهم صداقة قوية او روابط عائلية. فعند النظر الي قائمة القادة العسكريين الذين نكل بهم منذ يوليو 2013م، نرى أن من بينهم الفريق محمود حجازي رئيس الأركان السابق، وهو صهر السيسي، فحسن عبد الفتاح السيسي هو زوج داليا محمود حجازي، ولكن نتيجة الاختلافات في وجهات النظر بين السيسي ومحمود حجازي وتحديداً في ملف التعامل مع متمردي سيناء ومكافحة الإرهاب بشكل عام داخل مصر، أطاح السيسي بمحمود حجازي في شهر أكتوبر 2017م.

فالفريق حجازي غادر مصر واتجه للولايات المتحدة لحضور مؤتمر رؤساء الأركان لمناقشة الحرب على الإرهاب يوم الأحد الموافق 22 أكتوبر 2017م،و في كلمته التي القاها “حجازي” في المؤتمر، وأثناء لقاءاته على هامش المؤتمر أظهر ضعف الجيش المصري في مكافحة الإرهاب ووضح أن طريقة تعامل النظام المصري في مكافحة الإرهاب التي تبنى على المواجهة العسكرية فقط طريقة لم تحقق نجاحات طيلة السنوات الماضية.[10] و بالإضافة إلى ذلك فقد ذكرت بعض المصادر أن السيسي قد نقل إليه الحفاوة التي استقبل بها و عومل بها حجازي في الولايات المتحدة بما قد يؤشر للنظر إليه كبديل محتمل للسيسي مما دفع الأخير لأخذ قرار عزل صهره قبل أن يعود إلى أرض الوطن.

رابعاً: انتخابات الرئاسة 2018م:

لم يغفل الطرف المناوئ لعبد الفتاح السيسي، ان يشتبك مع انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2018م، كمحاولة جديدة للتخلص من السيسي، فقام على مستوي القيادات الفريق سامي عنان، والذي يُظن أنه “قائد الطرف المناوئ للسيسي” بالترتيب والتنسيق مع بعض القيادات العسكرية داخل الجيش المصري، منهم الفريق سامي دياب قائد الحرس الجمهوري الأسبق وغيره، لإعداد خطة الترشح، حاول عنان أن يأخذ موافقة المجلس العسكري هذه المرة، ولكن لم يحسم المجلس العسكري الأمر سريعاً، كما تم حسمه بالرفض في محاولة ترشح عنان في 2014م، وفهم الطرف المناوئ هذا الأمر على أن التجاهل لا يعني الرفض، فقرر عنان إعلان نية ترشحه، لكن السيسي واجه الأمر بشكل عاجل ونكل بعنان بدعوى مخالفته للقواعد العسكرية، كونه عضو مجلس عسكري “مستدعى” وكان يجب أخذ موافقة المجلس العسكري قبل إعلان نية ترشحه. التنكيل بعنان كان بالاستعانة بالمشير طنطاوي وأعضاء المجلس العسكري إبان يناير 2018م، والذين يوصفون “برجال السيسي”، بعد تخلصه من مجلس 2013م، بشكل كبير، فالمتبقي الآن من مجلس 2013م، هما عضوان فقط، الفريق أول محمد فريد حجازي، رئيس الأركان، واللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشئون الدستورية والقانونية. ومما جاء نصاً على لسان أحدهم في إحدى الجلسات ” طنطاوي وعنان على خلاف دائم منذ عام 2006م، وتحديداً من اللحظة الأولى من تعيين عنان رئيساً للأركان، طنطاوي لا يقبل فكرة ان عنان يكون هو الرجل العسكري الذي يجب أن يجلس على كرسي الرئاسة، طنطاوي كان مع التنكيل بعنان في يناير 2018م، وكان يرى أنها “شدة ودن” لكي يستيقظ من نومه ويترك حلم الرئاسة”.

هذا بخلاف ما قام به الفريق أحمد شفيق بإعلان نيته للترشح لمنافسة السيسي في انتخابات 2018م، ولكن قوبل هو الاخر بالتهديد والابتزاز، وسرعان ما تراجع خوفاً من التنكيل.

خامساً: حراك سبتمبر 2019:

تكلمنا كثيراً سابقاً عن محمد على، للإجابة على السؤال الهام، هل محمد على كان يتم تحريكه من قبل الطرف المناوئ للسيسي، أم كان محمد على يتحرك من تلقاء نفسه؟ والقاعدة بناء على ما تم ذكره سابقاً، فإن من يرغبون في التغيير يتتبعون الوضع العام، وبالطبع حالة محمد على أربكت نظام السيسي، وكان من المنطقي التواصل معه من أجل تحقيق بعض الأهداف من قبل الطرف المناوئ للسيسي، وكما ذكرت سابقاً، فإن الطرف المناوئ داخل الجيش وداخل جهاز المخابرات العامة، يعلمون جيداً أن السيسي ليس مبارك 2011م، وأن السيسي لديه الكثير من الإمكانيات والقدرات[11].

فالطرف المناوئ كان يعلم مدى قوة السيسي، لذلك لم يعمل على أن تكون المعركة في بدايتها معركة صفرية، ولكن كان يضع استراتيجية للمعركة على ان تكون ضغطاً في البداية، لكي يتحصلوا على بعض أهدافهم، التي منها المشاركة الفعلية في الحكم، وأن يكون وضع الجيش كأيام حكم حسني مبارك، وتقليص أدوار بعض الشخصيات التي يعتمد عليها السيسي ومنها اللواء عباس كامل، والعميد محمود السيسي، اللواء مصطفي الشريف.

وقد وقف الباحث على معلومات مهمة تقول إن محمد على تم إخراجه من قبل الطرف المناوئ من قبل عام ونصف، من أجل تنفيذ خطة 20 سبتمبر 2019م، وهذا قد يفسر تأكيدات محمد على لكل الأطراف المدنية التي تواصلت معه، أن السيسي نهايته الفعلية ستكون يناير 2020م، ولكن تفهم السيسي للخطر الذي أصبح عليه بعد 20 سبتمبر 2019م، واجتماعه بالأطراف المناوئة له بعد رجوعه من الولايات المتحدة الأمريكية آخر سبتمبر 2019م، بوساطة من المشير حسين طنطاوي وبإيعاز من محمد بن زايد، دفع تلك الأطراف للتوقف عن اتخاذ إجراءات أخري كانت قد اتُفق على تنفيذها، ناكثين وعودهم لمحمد على.

وبعد حراك 20 سبتمبر أيقن السيسي أن هناك خطراً داخل المؤسسات العسكرية لذلك عمل على احتواء تلك الأطراف، واتخذ عدة إجراءات لبناء توافقات مع هذه الأطراف:

1-عودة الفريق أسامه عسكر لعضوية المجلس العسكري كرئيس لهيئة العمليات بالقوات المسلحة، عسكر يعرف بمعارضته لسياسة السيسي. وكما أشارت بعض التقارير فإن الفريق أسامة عسكر كان من ضمن المؤيدين لترشح الفريق سامي عنان في الانتخابات الرئاسية التي تمت في الربع الأول من عام 2018م.

2-يلاحظ أيضاً عند قراءة حركة الضباط في ديسمبر 2019م، استبعاد شخصيات عسكرية من مناصبها الهامة داخل الجيش، وتعرف تلك القيادات بقربها من عبد الفتاح السيسي، كاللواء أركان حرب محمد عبد اللاه الذي تمت إقالته من منصب أمين عام وزارة الدفاع “أمين سر المجلس العسكري”، واستبداله باللواء أركان حرب عماد الغزالي الذي كان يتولى قيادة المنطقة المركزية العسكرية أثناء تظاهرات يوم 20 سبتمبر 2019م، وكان له موقف رافض لانتشار الجيش في الشوارع والميادين أثناء تلك التظاهرات، وكان رأيه أن الجيش لا ينبغي ان ينزل للشوارع ويواجه المتظاهرين مرة أخري، بما قد يفسر المساحة التي تركت لبعض الجماهير للتظاهر في ذلك اليوم.

3- إقالة أحد القيادات العسكرية التي كانت توصف بأنها على علاقة جيدة بعبد الفتاح السيسي وهو اللواء أركان حرب أيمن عبد الحميد عامر الذي تمت إقالته من منصب مدير إدارة المشاة وعُيّن بدلاً منه اللواء أركان حرب خالد بيومي، وهذا فسره البعض أنه جاء ضمن قرارات الاستبعاد التي عمل عليها السيسي في حركة ديسمبر 2019م، إرضاءً لبعض الأطراف داخل المؤسسة العسكرية.

4- أهم ما شهدته حركة ديسمبر 2019م، هو تعيين لواء جديد في منصب مهم وحساس داخل المجلس العسكري، وذلك المنصب تحديداً، كان يحرص السيسي على إسناده لشخصية مقربة منه لأنه يعتبر وزير اقتصاد المؤسسة العسكرية الفعلي، بل وزير اقتصاد الدولة المصرية ككل، فمنذ تعيين اللواء محمد أمين نصر الشخصية المقربة من السيسي كما يعرف داخل الجيش والذي ظل في منصب رئيس هيئة الشؤون المالية لمدة تقارب الخمس سنوات مستشارا للسيسي للشؤون المالية، في يونيو 2019م، ظل أمين نصر يقود هيئة الشؤون المالية طيلة الشهور التالية، ولكن في حركة ديسمبر قرر السيسي تعيين لواء جديد لذلك المنصب، وهو اللواء أحمد بهجت الدمرداش، والذي يعرف داخل الجيش بشخصيته الحيادية، حيث ينأى بنفسه عن الدخول في أي صراعات.

5- يمكن اعتبار أن إفراج السيسي عن الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، بعد اعتقاله لمدة عامين في ظروف سيئة، تعتبر خطوة من خطوات التفاهم التي تمت بين السيسي والأطراف المعارضة له داخل المؤسسة العسكرية تحديداً، لأن ملف اعتقال سامي عنان كان من أهم الملفات التي تسببت في زيادة غضب الطرف المناوئ لعبد الفتاح السيسي، ويعتبر البعض أن الفريق سامي عنان كان من أهم رموز الطرف المناوئ لسياسة عبد الفتاح السيسي داخل المؤسسة العسكرية، إن لم يكن رمزها الأول.

6- قيام السيسي بتعيين اللواء مصطفي شوكت قائد قوات الصاعقة والذي يحظى بقبول كبير داخل الجيش المصري كقائد للحرس الجمهوري بدلاً من اللواء أركان حرب أحمد علي، وتم تعيين اللواء أركان حرب أحمد علي رئيساً لديوان رئيس الجمهورية بدلاً من اللواء مصطفي الشريف والذي كان قد اكتسب العديد من العداوات داخل المؤسسة العسكرية بسبب قربه من عبد الفتاح السيسي. 

جدير بالذكر أن تعيين أحد قيادات الحرس الجمهوري رئيساً للديوان هو أمر معمول به داخل الجيش المصري منذ زمن، فقد كان زكريا عزمي أحد قيادات الحرس الجمهوري ثم تم تعيينه رئيساً للديوان في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، حيث تخرج زكريا عزمي من الكلية الحربية سنة 1960 وبدأ حياته ضابطًا في سلاح المدرعات، وفي عام 1965 انتقل إلى الحرس الجمهوري.

7- خلال شهر نوفمبر 2019م، بات نائب مدير المخابرات العامة المصرية اللواء ناصر فهمي، يتولى الملفات التي كان يديرها محمود السيسي داخل الجهاز، والذي تم استبعاده موقتاً وإرساله لبعثة خارجية إلى دولة روسيا الاتحادية. ويرى البعض أن ذهاب محمود السيسي إلى دولة روسيا الاتحادية في الفترة الحالية، جاء من أجل تدريبه بشكل احترافي لكي يكون جاهزاً وقادراً على إدارة الملفات التي كان يتولاها في جهاز المخابرات بشكل أفضل مما كان عليه في الماضي، لأن قدراته لم تمكنه من إدارة بعض الملفات بشكل جيد وأخفق وسبب للسيسي العديد من المشاكل، وكان هذا الاقتراح كما يتردد بإيعاز من محمد بن زايد والمشير محمد حسين طنطاوي، حتى تهدأ الأوضاع داخل المؤسسات السيادية، ويعود محمود السيسي مرة أخرى فيما بعد.

ويرى البعض الآخر أن من أهم الملفات الحالية للسيسي هو ملف العلاقات مع دولة روسيا الاتحادية، التي يعول عليها السيسي بأن تكون أكبر معين له ولنظامه في مواجهة أي تهديد يتعرض له في حالة تراجع العلاقات بين نظام السيسي والولايات المتحدة بشكل أكبر، وتحديداً بعد رحيل إدارة ترامب في أي وقت كان، فضلاً عن التنسيق فيما يتعلق بالملف الليبي ودعم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، لذلك عمل السيسي على إرسال محمود السيسي لدولة روسيا الاتحادية لكي يكون هو مسؤول ذلك الملف الهام في ذلك التوقيت.

8- استبعاد الضابط أحمد شعبان من داخل جهاز المخابرات العامة، وشعبان هو مدير مكتب اللواء عباس كامل مدير جهاز المخابرات العامة، وكان يدير الملف الإعلامي بشكل كامل بتفويض من اللواء عباس وبمعاونة محمود السيسي؛ وكان شعبان يحظى بعداوة الكثيرين داخل الأوساط المختلفة في المؤسسات السيادية بسبب تحكمه في المشهد الإعلامي بشكل كبير، وربما ما ذكره المتحدث العسكري السابق العميد محمد سمير والذي كان يدير بعض القنوات الإعلامية بعد استبعاده من داخل المؤسسة العسكرية يوضح ذلك، وذكر البعض أن أحمد شعبان قد تم إرساله هو الآخر للالتحاق بإحدى البعثات الدبلوماسية في الخارج كما فُعل مع محمود السيسي. ويفسر البعض التنكيل الذي لحق برجل الأعمال والضابط السابق بجهاز المخابرات ياسر سليم أنه جاء نتيجة فلسفة السيسي الجديدة التي يتبعها داخل الأجهزة السيادية، فياسر سليم تم القبض عليه بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد بنكي، بناء على بلاغات قضائية من خصومه الدائنين.[12]

9- قام السيسي بإعادة اللواء محمد رأفت الدش إلى المجلس العسكري مرة أخرى وقام بتكليفه قيادة قوات شرق القناة والتي تمكن قائدها بأن يصبح عضواً بالمجلس العسكري. واللواء محمد رأفت الدش كان قائد الجيش الثالث الميداني وتم استبعاده في عام 2017م، وبدلاً من توليته قيادة الجبهة الموحدة كما المتعارف عليه داخل الجيش المصري، حيث أنه بعد خروج قائد الجيش الثالث من منصبة يتم تعيينه مباشرة قائدا للقيادة الموحدة، ولكن السيسي قام بتعيين اللواء الدش رئيساً لهيئة التفتيش وهي هيئة فرعية لا تُمَكن قائدها أن يصبح عضواً بالمجلس العسكري.

واللواء محمد رأفت الدش كانت علاقته متوترة مع السيسي بشكل مستمر بسبب السياسات الخاطئة التي يتبعها نظام السيسي في مكافحة التمرد المسلح المتواجد في شبة جزيرة سيناء، وأيضاً بسبب العلاقة الوطيدة التي تجمع بين اللواء رأفت الدش والفريق أسامة عسكر الذي تم استبعاده والتنكيل به من عبد الفتاح السيسي أيضاً، ولكن تم إرجاعه مرة أخرى للمؤسسة العسكرية وفي منصب مهم. وتعيين اللواء الدش يدل على أنه قد تمت إقالة اللواء يحيى طه الحميلي من قيادة قوات شرق القناة.[13]

10-التعديل الوزاري 2019 الذي اعتمده السيسي شهد إقالة الفريق يونس المصري قائد القوات الجوية السابق من وزارة الطيران المدني وتعيين الطيار محمد منار عنبه بدلاً منه؛ وكان الفريق “المصري” قد عُين قائداً للقوات الجوية في أغسطس 2012م، بقرار من الرئيس الراحل محمد مرسي، واستمر في ذلك المنصب إلى منتصف عام 2018م، وكان من القيادات القليلة التي أبقى عليها السيسي في منصبها لسنوات بعد الانقلاب العسكري في 03 يوليو 2013م، وبعد خروج “المصري” من منصبه عينه السيسي وزيراً للطيران المدني كترضيه له، والسيسي يعلم أن المصري من ضمن الشخصيات المحسوبة عليه، والتي اكتسبت عداوات طيلة السنوات الماضية بسبب قربه منه، وكانت هناك قيادات داخل الجيش على خلاف مع يونس المصري بسبب تأييده الكامل لسياسات عبد الفتاح السيسي في إدارة شؤون البلاد، لذلك عمل السيسي على إخراج “المصري” في ذلك التوقيت كخطوة من خطوات التهدئة التي يعمل عليها.

سادساً: ما بعد ديسمبر 2019:

خلاصة المقابلات التي تم اجراؤها مع بعض الشخصيات العسكرية النافذة، بالإضافة إلى معلوماتنا من مصادر مختلفة أخرى، أن الإجراءات التي اتخذها السيسي في ديسمبر 2019م، تشير فقط إلى أنه قام بعملية “خداع استراتيجي” نتج عنها تغيير شكلي فقط، والطرف المناوئ للسيسي ربما أيقن أنه تم احتواؤه فقط بعد 20 سبتمبر 2019م، ولم يتحصل على أشياء حقيقة إلى الآن ولم يتم الوفاء بالكامل بما تم التوافق عليه في أعقاب 20 سبتمبر 2019م، واتضح له أنه لن يتحصل على شيء مستقبلاً، إلا المشاركة الصورية التي عمل عليها السيسي في ديسمبر 2019م.

وكانت هناك وعود لم يف بها السيسي، منها أن يكون الفريق سامي عنان حراً بمعني الكلمة، ولكن الفريق عنان يقبع تحت الإقامة الجبرية منذ خروجه من المعتقل وعند طلبه لحضور جنازة الرئيس الأسبق حسني مبارك تم رفض طلبه، وكانت هناك وعود بتعيين نائب للسيسي يكون شخصية عسكرية توافقيه ولكن هذا لم يحدث إلى الآن، ولا يزال نظام السيسي يمارس نفس السياسات والممارسات التي يتبعها سواء بالنسبة لطريقة إدارة ملف سيناء أو الغاز أو تيران وصنافير وملف سد النهضة وبالتالي لا يوجد أي تغيير في فلسفة حكمه.

فالسيسي ماض في طريقة الذي يسير عليه منذ يوليو 2013م، وهو السعي نحو السيطرة، وأن تصبح كل المؤسسات تحت قبضته، كما أن المجموعات المناوئة بالفعل لم ولن تأخذ شيء حقيقي وملموس، بعد 20 سبتمبر 2019م، فالاتفاق الذي كان ملخصه هو المشاركة الفعلية في الحكم كون المؤسسة العسكرية شريكة مشاركة فعليه في الحكم لن يحدث.

ما زال الطرف المناوئ للسيسي، بعد تيقنه من عدم حصوله على شيء ملموس، لديه أدوات وإمكانيات في المواجهات الحتمية، التي ربما ستحدث مستقبلاً، فالطرف المناوئ لدية أوراق أخري من أمثال نموذج محمد على، ويمكن أن يتم استخدامها في الجولات المقبلة، بالإضافة إلى أن ذلك الطرف له تواصل مع دولة مبارك، التي لها ثأر بالأساس مع دولة السيسي، لأنها حلت مكانها وأخذت منها الامتيازات والصلاحيات، ولها مصلحة في تخفيض حدة سيطرة السيسي على الحكم، أو حتى خروجه من الحكم بشكل نهائي، لكي تعود لها امتيازاتها ونفوذها.

وكذلك أيضاً فإن الطرف المناوئ للسيسي تمدده الخارجي موجود ولكن ليس قوياً، فهو عبارة عن العلاقات الشخصية لبعض قيادات ذلك الطرف بقيادات عسكرية أجنبية ربطتهم علاقة في فترة توليهم مناصبهم العسكرية ماضياً، ولكن بطبيعة الحال ليست كعلاقات وتشابكات السيسي الخارجية وتحديداً مع كل من الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، إسرائيل.

سابعاً: مسارات الصراع القادم:

المواجهة المقبلة ستكون مختلفة تماماً عن المواجهات التي تمت من قبل بين الجانبين، فالمواجهة القادمة من وجهة نظر الباحث ستكون “مواجهة صفرية” وأي حراك قادم مهما كان شكله ستشتبك معه بالأساس تلك الأطراف الراغبة في التغيير داخل الجيش وداخل المؤسسات السيادية، ولن تتوقف في منتصف الطريق كما فعلت في يناير 2020م، لأنها لن تدخل في حالة تفاوض مرة أخري مع السيسي.

المرحلة التي كنّا نصفها سابقاً بمرحلة جس النبض والتفاوض بين طرفين مهمين داخل القوات المسلحة قد انتهت بالفعل من وجهة نظرنا، وقد دخلنا حالياً مرحلة الحسم وفرض السيطرة، التي سيتضح بموجبها أي المعسكرين أقوى، وأيهما يملك نفوذاً وأوراق ضغط أكبر وأكثر.

نظام السيسي، على مدار السنوات الماضية، أثبت عدم قدرته فى مواجهة الأزمات التي واجهها، كانت على رأس تلك الأزمات، الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر والتي تتفاقم بمرور الوقت.

 وخلال المرحلة المقبلة، من المرجح أن نظام السيسي، سيواجه أزمتين، قد تزيد من الغضب الشعبي عليه بشكل كبير:

1- أن الوضع الاقتصادي المصري ذاهب الي الأسوأ خلال الفترات المقبلة، ومن أهم أسباب هذا التدهور هي الآثار التي ستترتب على الأزمة الحالية التي يشهدها العالم بسبب فيروس كورونا، وتدهور الوضع الاقتصادي سيزيد من حالة الضجر الشعبي على السيسي ونظامه، وقد يستغلها الطرف المناوئ للسيسي.[14]

2-احتمالات حدوث حالة غضب شعبي كبير أزمة “سد النهضة”، وعدم قدرة نظام السيسي، على إداراته بشكل صحيح يحفظ لمصر حقوقها المائية، ويحد من آثاره “الخطيرة” التي ستلحق بالمصريين، فالمفاوضات التي تمت بين الجانبين المصري والأثيوبي بمختلف أشكالها ثنائية كانت أو بحضور وسطاء، أظهرت “فشل” الجانب المصري في فرض شروطه أو حتى أخذ ملاحظاته في الاعتبار عند تنفيذ المشروع، في مرحلتي التشييد وملأ السد.

كما أن إثيوبيا بناء على سلبية الموقف المصري، صارت تصرح بتهديدات سياسية وعسكرية لتحذير الجانب المصري، بل وصل الامر الى حضور الجانب المصري اجتماعات يغيب عنها الجانب الأثيوبي، كما تم في واشنطن أواخر شهر فبراير 2020م.[15]

ختاماً:

بناء على ما سبق، يمكن الوقوف على عدد من الخلاصات والنتائج:

1ـ الطرف المواجه للسيسي، إمكانياته وقدراته لا تؤهله للقيام بانقلاب عسكري على السيسي في الوقت الحالي، ولا يريد أن يكون تغيير السيسي عن طريق انقلاب عسكري خشن، ويرى أن الخروج الأمثل للسيسي، يكون مثل خروج مبارك في فبراير 2011م. كما أن إمكانيات ذلك الطرف تسمح له فقط بالاشتباك مع حالة تغيير قادمة، وليس صناعتها، وقدرته على التأثير ستكون قائمة في ظل اشتعال حالة حراك يتوفر فيها التوجيه، الحشد، إخراج وثائق تحرج النظام، الضغط على المؤسسة من الداخل.

2ـ إن دولة السيسي لم ترث دولة مبارك بشكل كلي، وما زالت دولة مبارك لها بعض التأثير في بعض الملفات، وبالطبع فإن معارضي السيسي داخل الأجهزة السيادية ينسقون مع تلك الدولة، لأن لها ثأراً مع دولة السيسي التي تحاول أن تخرجها بشكل كلي وتصبح هي المتولية والمسيطرة.

ووفاة مبارك، لم تجبر رجال دولته على الاستسلام، بل ستحاول أن تبحث عن رمز آخر ليكون في مقدمتها، و من أهم نقاط قوة دولة مبارك هي الانتشار العرضي والطولي في المحافظات “أعضاء الحزب الوطني ورؤوس العائلات” والذين لم ينجح السيسي في إقامة صفقة بينه وبينهم، وهذا يمكنها من حشد أعدادها عند الحاجة، وكذلك القيام بدعم لمرشحين بعينهم، والحشد للتصويت، وهذا ما تم مع الفريق عنان، فرجال الحزب الوطني في المحافظات هم من كانوا يقومون بعمل التوكيلات للفريق عنان.

3ـ إن هدف رحيل السيسي لم يكن هو الهدف الأول عند المناوئين له في مواجهة 20 سبتمبر 2019، فتلك المعادلة تغيرت وسيكون هدف رحيل السيسي في مقدمات أهدافهم في المواجهات القادمة، ليقين ذلك الطرف بأن المعركة أصبحت “معركة صفرية” وان الاستسلام معناه التنكيل بهم بشكل أكبر.

4ـ إن إمكانيات الطرف المناوئ للسيسي لا تؤهله للقيام بانقلاب عسكري نظراً لأن علاقاتهم الخارجية ليست كعلاقات عبد الفتاح السيسي، والسيسي ليس مبارك 2011م، والأطراف الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت متمسكة بالسيسي، لأنه يسير معها في اتجاه واحد في ملفات هامة على رأسها صفقة القرن والتعاون الاستراتيجي مع إسرائيل، ومواجهة الإسلام السياسي، والدور الوظيفي في ليبيا، وملف الهجرة غير الشرعية مع أوربا.

لكن من المهم التأكيد على أن العلاقات الخارجية استراتيجية بين المؤسسة العسكرية وبين الأطراف المختلفة، وهي علاقة مؤسسات وليست علاقة أشخاص، والرهان على المؤسسة وليس على شخص، وبالتالي إمكانية تعامل الولايات المتحدة مع شخص آخر غير السيسي واردة، عندما تسوء الأوضاع.

5ـ الطرف المناوئ للسيسي يسعى للحصول على أدوات وإمكانيات بشكل أكبر حتى يصبحوا رقماً صعباً في المواجهة القادمة، في إطار تحقيق تغيير ناعم هادئ من داخل الجيش، مدعوما بظهير شعبي غاضب، مع قناعات راسخة لديهم أن مصر لا يصلح لها غير الحاكم العسكري، والذي يمكن في أفضل أحواله أن يستعيد دولة مبارك.


الهامش

[1] قراءة في كتاب العلاقات المدنية – العسكرية والتحول الديموقراطي في مصر بعد ثورة 25 يناير، نون بوست، تاريخ النشر 03 يوليو 2016م،تاريخ الدخول 10 سبتمبر 2018م، الرابط

[2] المرصد العسكري – 31 يناير 2020، محمود جمال، المرصد، الرابط

[3] التسـ ريب الكامل لعضو المجلس العـ سـ كري اللواء حسن الرويني – (الرابط)

[4] السيسي حلم بأنه الرئيس المقبل، الرابط

[5] اللواء أحمد وصفي في لقاء سابق: لو السيسي أخذ رتبة زيادة أو اترشح للرئاسة قولوا انقلاب عسكري (الرابط)

[6] اتجاهات التغيير داخل المؤسسة العسكرية، محمود جمال، الرابط

[7] كيف تصنع انقلاباً داخل المؤسسة العسكرية؟، محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، الرابط

[8] شخصيات عسكرية وسياسية تنتقد التفريط بتيران وصنافير، الجزية نت، تاريخ النشر 15 يونيو 2017م، تاريخ الدخول 17 مارس 2020م، الرابط

[9] أسماء القيادات المطاح بهم بعد ثورة الغلابة، الرابط

[10] مصر: إقالة رئيس الأركان ـ الأبعاد والتفسيرات، المعهد المصري للدراسات، محمود جمال، الرابط

[11] تسجيلات محمد علي: قراءة بين السطور، المعهد المصري للدراسات، الرابط

[12] إلقاء القبض على ياسر سليم نائب رئيس “إعلام المصريين”، الرابط

[13] القوات المسلحة تفتتح تجمعًا حضاريًا تنمويًا متكاملا في وسط سيناء (فيديو)، المصري اليوم، تاريخ النشر 03 نوفمبر 2019م، تاريخ الدخول 01 ديسمبر 2019م، الرابط

[14] تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد المصري، د/أحمد ذكر الله، المعهد المصري للدراسات، الرابط

[15] بعد تغيب إثيوبيا.. مصر: سندافع عن مصالحنا بسد النهضة، العربية نت، تاريخ النشر 29 فبراير 2020م، تاريخ الدخول 21 مارس 2020م، الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يجب أن يكون المعيار فيما بعد السيسي هو الاحتكام للقانون والعدالة..
    لا تعولوا على الدعم الخارجي، ومن ثم تخضعون لاملاءاته على المدى البعيد
    عولوا على العدالة (مع مصارحة الشعب بحجم الضغوطات القائمة)،
    ستجدون الشارع ظهيرا لكم، ومضحياً بالغالي من أجل استرداد العدالة المنشودة
    ولن تعدمو من حلفاء أقوياء منصفين في المنطقة
    أينما تولوا فثم وجه الله.. فعما قريب سنلقاه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close