الشرق الأوسطترجمات

فريدمان: “الرئيس ترامب، بإمكانك إعادة تشكيل الشرق الأوسط إن كان لديك الجرأة!”


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في 21 يناير 2025 مقالاً بعنوان: “الرئيس ترامب، بإمكانك إعادة تشكيل الشرق الأوسط إن كانت لديك الجرأة!” لـ “توماس فريدمان“، وهو مؤلف وكاتب عمود (رأي) في صحيفة نيويورك تايمز، والذي فاز بثلاث جوائز بوليتسر حتى الآن.

والمقال هو عبارة عن خطاب مفتوح موجه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث يقول فيه فريدمان إن لدى الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب فرصة لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط من خلال اتباع سُبل من شأنها أن تعزز السلام والازدهار لكل من “الإسرائيليين” و “الفلسطينيين”، بل وجميع شعوب المنطقة، فضلاً عن تحقيق مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

عزيزي الرئيس ترامب:

قد لا تكون مهتماً بالتاريخ اليهودي أو العربي، لكنهما مهتمان بك كثيراً اليوم. إذ تُعتبر هذه هي واحدة من تلك اللحظات النادرة – كتلك التي أعقبت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية والحرب الباردة – عندما يكون كل شيء في الشرق الأوسط على المحك وعندما يكون كل شيء ممكن. والآن، فالجميع ينتظرك.

وبدون مبالغة، فإن لديك فرصة لإعادة تشكيل هذه المنطقة بطرق يمكن أن تعزز بشكل أساسي السلام والازدهار للإسرائيليين والفلسطينيين، بل وجميع شعوب المنطقة، فضلاً عن المصالح الأمنية الوطنية للولايات المتحدة.

لكن عليك أن تنتبه، ففي حين تكون مردود النجاح هائل، فإن عواقب الفشل تكون جهنمية تماماً. إنها جائزة نوبل أو جائزة  أخرى زائفة. ومع ذلك، فليس هناك مفر من الاضطلاع بهذه المهمة. فإما أن يولد الشرق الأوسط من جديد كمنطقة قوية حيث تكون العلاقات الطبيعية والتجارة والتعاون أهدافاً محددة أو يتفكك إلى عدد قليل من الدول القومية الصلبة المحيطة بمناطق شاسعة من الفوضى وأمراء الحرب والإرهابيين الذين يتمتعون بخبرة مخيفة في استخدام الطائرات بدون طيار.

ومن المعلوم أنه في كل جدول مواعيد للقطارات هناك ما يسمى بالقطار الأخير. حسنا، عندما يتعلق الأمر بإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قبل أن تخنق المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية أي احتمال للتوصل إلى اتفاق على حل الدولتين؛ أو إنهاء الحرب الأهلية في لبنان التي دامت خمسين عاماً، في حين لا يزال هناك بصيص من الأمل؛ أو إعطاء سوريا فرصة لإعادة الاندماج بعد أربعة عشر عاماً من الصراع؛ أو تحييد إيران قبل أن تحصل على القنبلة النووية، فإن هذا يبدو حقا وكأنه القطار الأخير.

ففي يوم الأحد، 19 يناير 2025، وللمرة الأولى منذ السابع من شهر أكتوبر لعام 2023، استطعنا أن نرى بصيص أمل في أن تنتهي هذه الحرب (في غزة)، حيث احتضن الإسرائيليون أحباءهم الذين كانوا رهائن لأكثر من عام وغادر سكان غزة الملاجئ وعادوا إلى منازلهم – حيث لا يزالون صامدين. ونقلت صحيفة هآرتس “الإسرائيلية” عن أحمد مطر من مدينة غزة، وهو واحد من العديد من الفلسطينيين النازحين الذين كانوا يسيرون باتجاه شمال القطاع حاملين أمتعتهم على “عربات كارو” وحمير، وهو يقول شيئاً أنا متأكد تماماً من أنه يتحدث نيابة عن معظم الإسرائيليين والفلسطينيين (وبالتأكيد نيابة عني كذلك): “يريد الناس فقط أن يتوقف هذا الجنون”.

ولن يكون لأحد رأي في ذلك أكبر منك، يا فخامة الرئيس ترامب. لذا دعنا نستعرض هذا التحدي:

أنا واثق من أنك تفهم الآن من مشاركتك الأخيرة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – الضغط عليه لقبول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الذي أقامه بايدن وعارضه نتنياهو باستمرار – أن تطلعاتك السياسية والدبلوماسية تتناقض جوهرياً مع تطلعاته.

ففي واقع الأمر، تمثل تطلعاتك ومصالح الولايات المتحدة الفتيل الذي قد يفجر حكومة نتنياهو وربما تنهي حياته السياسية. كان جو بايدن المتقدم في السن، والذي قد يتفوق عليه نتنياهو بالمراوغة، حلمه؛ أما بالنسبة لك، فأنت كابوسه. فلم يأتِ عنوان صحيفة هآرتس يوم الاثنين – “نتنياهو يكذب على ترامب ويستعد لتخريب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة” – من فراغ.

إن ما تضعه نصب عينيك يتلخص في إشراك كل من إسرائيل والسعودية في تحالف تقوده الولايات المتحدة مع شركائنا العرب الآخرين، وهذا يتطلب من إسرائيل فتح محادثات بشأن حل الدولتين مع السلطة الفلسطينية. بينما يعتمد بقاء نتنياهو السياسي ــ وهو ما سيُبقي ائتلافه في السلطة ويحول دون تشكيل أي لجنة تحقيق وطنية بشأن من يتحمل الخطأ في الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في عهده –على استئناف حرب غزة بعد وقف إطلاق النار هذا وعدم دخول نتنياهو أبداً في مفاوضات محددة زمنياً مع السلطة الفلسطينية بشأن حل الدولتين لشعبين مختلفين.

ولهذا السبب، وفي معرض رده على هجوم حماس القوي الذي شنته (على المستوطنات في غلاف غزة) عام 2023، أشعل نتنياهو حرباً ضروساً لـ “استئصال حماس من غزة”، والتي كان لها هدفان متناقضان – بالإضافة إلى عدم وجود رؤية معلنة للسلام مع الفلسطينيين بعد انتهائها.

لقد كانت أهداف نتنياهو “الانتصار الكامل على حماس” و “إعادة الرهائن”. ولكن الانتصار العسكري الكامل على حماس، حتى لو كان ممكناً، كان ليعني بالتأكيد مقتل معظم الرهائن إن لم يكن كلهم.

ومن المؤسف والمثير للدهشة أن المتعصبين اليهود في حكومة نتنياهو، إيتامار بن غفير و بتسلئيل سموتريتش، أجبروا نتنياهو على شن حرب لتدمير جزء كبير من غزة، حتى لو أدى ذلك إلى اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، على أمل أن يؤدي هذا إلى النزوح الكامل للفلسطينيين وضم إسرائيل لجزء من غزة ــ ولتذهب الرهائن إلى الجحيم. وقد سار نتنياهو جنباً إلى جنب مع بن غفير وسموتريتش، حتى أجبرتموه أنتم على الاختيار.

نعم، حماس منظمة إسلامية (قد تُتهم من أعدائها) بأنها “فاشية” أو أنها كانت لعنة على الشعب الفلسطيني. ولكن كحركة، لا يمكن القضاء عليها إلا من قبل فلسطينيين آخرين أكثر اعتدالاً. لم يرغب نتنياهو قط في المساعدة في بناء بديل لحماس في شكل سلطة فلسطينية مطوّرة ومُصلِحة في الضفة الغربية. فقد استمر في إرسال جيشه إلى داخل وخارج غزة، مما أدى إلى إشعال فتيل ما تنبأ به هذا المقال الذي كتبته في 25 سبتمبر 2024 ونشرته صحيفة نيويورك تايمز بعنوان، “لماذا يتجه كل شيء فجأة نحو الانهيار بالنسبة لإسرائيل“: تمرد مسلح دائم، تماماً مثل الذي أشعلنا فتيله في العراق قبل أن ننتقل إلى استراتيجية التطهير والاحتفاظ وبناء بديل ملائم. هل رأيتم عدد الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا مؤخراً في غزة بعبوات ناسفة على الطراز العراقي مصنوعة من ذخائر إسرائيلية لم تنفجر؟

إليكم كيف عبّر أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك عن الأمر الأسبوع الماضي في كلمة الوداع البليغة التي ألقاها عن الدبلوماسية في الشرق الأوسط: “في كل مرة تكمل فيها إسرائيل عملياتها العسكرية وتنسحب، يعيد مقاتلو حماس تجميع صفوفهم ويعودون إلى الظهور لأنه لا يوجد شيء آخر لملء الفراغ. إننا نقدّر أن حماس نجحت في تجنيد عدد من المقاتلين الجدد يعادل تقريباً عدد من خسرتهم. وهذه وصفة لتمرد مسلح دائم وحرب لا تنتهي”. ولابد أن تتلخص السياسة الأميركية في ضمان تنفيذ المراحل الثلاث لاتفاق وقف إطلاق النار، وأن تتبع ذلك عملية دبلوماسية حقيقية من أجل التوصل إلى تسوية أوسع نطاقاً. وأنا أتفق مع الحجة التي ساقها الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي جيدي جرينستاين التي تقول إن السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها وتطويرها هي وحدها القادرة على أن تحل محل حماس في غزة، ولكنها تحتاج إلى دعم قوة دولية أو عربية، تأتي بدعوة من السلطة الفلسطينية، للمساعدة في تحقيق الأمن وإعادة الإعمار.

يجب أن تُقسّم غزة، كما حدث في الضفة الغربية بموجب اتفاق أوسلو، تقسم إلى منطقتين (أ) و(ب) خلال فترة انتقالية مدتها أربع سنوات – على أن يكون 80% من أرض غزة تحت سيطرة القوة الدولية/الفلسطينية (التي يُقترح تشكيلها)، بينما تظل الـ 20% (المحيطة) تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية إلى أن يتم ضمان أمن إسرائيل.

وبعد فترة انتقالية مدتها أربع سنوات، يتفق الجانبان على وضع دائم بالتوازي مع الضفة الغربية، حيث من المأمول أن تكون السلطة الفلسطينية بحلول ذلك الوقت تحت قيادة شخص، مثل رئيس الوزراء السابق سلام فياض، يقوم على إنشاء مؤسسات غير قابل للفساد. ومن شأن هذا النهج أن يضمن الاتفاق الأمني ​​الأمريكي السعودي الإسرائيلي الفلسطيني (المرتقب).

وفي الوقت نفسه، لدينا في لبنان فرصة هائلة لإنهاء الحرب الأهلية هناك حقاً وإعادة توحيد البلاد. والواقع أن الرئيس الجديد جوزيف عون ورئيس وزرائه الجديد نواف سلام من الوطنيين المعتدلين الذين يحظون بالاحترام على نطاق واسع – وهذا هو السبب الذي جعل العديد من اللبنانيين ينزلون إلى الشوارع للاحتفال بتوليهما منصبيهما.

إن أهم ما ينبغي للدبلوماسيين الأمريكيين أن يفعلوه، إلى جانب عرض المساعدات الاقتصادية على لبنان للتعافي والمساعدات العسكرية لتعزيز جيشه، هو ترسيم حدود متفق عليها بين الطرفين ومعترف بها من قِبَل الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل.

لماذا؟ لأن حزب الله ظل لعقود من الزمان يبرر امتلاكه للسلاح بزعم أنه ضروري لاستعادة أجزاء من جنوب لبنان تحتلها إسرائيل. وكان الأمر برمته مبالغاً فيه، حيث تضمن بضعة أمتار ونصف كيلومتر متنازع عليها على طول الحدود.

إنه لمن الأهمية بمكان أن تسحب الولايات المتحدة وإسرائيل هذه الذريعة، من العمل على “حل النزاع الحدودي”، من حزب الله. ولكننا نحتاج أيضاً إلى توضيح الأمر للشيعة في لبنان أن الولايات المتحدة تريدهم مواطنين متساوين في الدولة اللبنانية وأنها ستساعدهم في جعلهم كذلك، دون أن يضطروا إلى الاعتماد على حزب الله المسلح.

وبعد أن تحدثت إلى مسؤول إسرائيلي كبير مؤخراً، أصبحت مقتنعاً بأن نتنياهو يدرك ذلك، وأنه بإضعاف حزب الله وإيران بشكل كبير، قد ساعد في تحريك إمكانية استعادة لبنان وسوريا لسيادتهما ووحدتهما. وأعتقد أنه مستعد لاستكمال انسحاب إسرائيل واستكمال ترسيم الحدود ـ شريطة أن تنتج الحكومة اللبنانية القوة العسكرية اللازمة لضمان عدم تمكن حزب الله من ترسيخ وجوده في جنوب لبنان مرة أخرى.

(ملاحظة جانبية، سيدي الرئيس: ينبغي حقاً أن تحتفظ بأموس هوكشتاين، المفاوض الخاص لبايدن بشأن لبنان، لتولي هذه المهمة. فهو يحظى باحترام واسع النطاق هناك، حتى من قِبَل حزب الله).

إن لبنان المستقر والتعددي هو حجر الأساس الأفضل لإصلاح سوريا. ففي سوريا، نحن بحاجة إلى تشكيل نوع من مجموعة الاتصال بين الولايات المتحدة وتركيا والأردن والعراق وإسرائيل كمحرك للمساعدة في تعزيز حكومة ائتلافية هناك تحقق التوازن بين الإسلاميين ــ الذين أطاح مقاتلوهم بنظام بشار الأسد القاتل ــ والأغلبية السورية العلمانية المتعددة الطوائف.

نعم لن يكون هذا سهلاً، ولكن يتعين علينا المحاولة. وأعتقد أن الزعيم السوري الجديد، بحكم الأمر الواقع، أحمد الشرع، لديه القدرة على أن يكون زعيماً وطنياً لائقاً وموحِّداً للبلاد، ولكن يتعين علينا أن نكون هناك بكل ما نملك لتشجيعه وإغرائه والضغط عليه للقيام بالأشياء الصحيحة – حتى لو فشلنا. وأسوأ شيء يمكنك القيام به هو غسل يديك تماماً من سوريا في هذا الوقت الحاسم أو تسليمها لتركيا.

وأخيراً، فيما يتعلق بإيران، قدّمت إسرائيل للعالم خدمة كبيرة في تجريد هذا النظام الرهيب والفاسد والقمعي من الكثير من قدرته على فرض قوته في جميع أنحاء المنطقة من خلال الدول الفاشلة والميليشيات التي تعمل بالوكالة عنه في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بينما يختبئ هو وراء برنامج طهران النووي.

ويتعين القضاء على هذا البرنامج النووي والاستراتيجية الإقليمية الخبيثة لإيران. آمل أن تتمكن، سيدي الرئيس، من القيام بذلك من خلال المفاوضات السلمية؛ وإلا، فيتحتم القيام بذلك بشكل حركي (على الأرض). فكلما هددنا بالنهج الثاني بشكل أكثر مصداقية (الخطوات الحركية )، زادت احتمالية حصولنا على ما نريده من خلال النهج الأول (المفاوضات السلمية). أتمنى لك حظا سعيداً، سيدي الرئيس ترامب. ولتعلم أن عين التاريخ عليك تراقبك.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى