fbpx
الأزمة الأوكرانيةاوروبا وامريكاترجمات

فريدمان: السيناريوهات الثلاثة لإنهاء الحرب على أوكرانيا

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في ١ مارس ٢٠٢٢ مقالا رأي لتوماس فريدمان، الصحفي الأمريكي الشهير وكاتب العمود الأبرز في فورين أفيرز، حيث التحق بها عام 1981، والذي فاز بثلاث جوائز بوليتزر. ويتناول مقال فريدمان الذي جاء تحت عنوان: “أرى ثلاثة سيناريوهات لكيفية انتهاء هذه الحرب” – يتناول سيناريوهات إنهاء الحرب التي تدور رحاها على الأرض الأوكرانية إثر الغزو الروسي لـ أوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير 2022، في أعقاب اعتراف الحكومة الروسية بجمهورية لوهانسك الشعبية وجمهورية دونيتسك الشعبية اللتين كان الانفصاليون الأوكرانيون قد أعلنوهما من جانب واحد. وقد جاء مقال توماس فريدمان على النحو التالي:

قد تكون المعركة في أوكرانيا، والتي تتكشف أحداثها أمام ناظرينا هذه الأيام، أكثر الأحداث التي بمقدورها إحداث تحول كبير في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، كما أنها تُعدُّ أخطر مواجهة يشهدها العالم منذ أزمة الصواريخ الكوبية. وفي هذا السياق، فإنني أرى أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لكيفية إنهاء هذه القصة، والتي أسميتها:

١) الكارثة المكتملة؛

٢) التسوية القذرة؛

٣) الخلاص.

أما سيناريو الكارثة، فهو ما يجري تنفيذه على الأرض الآن: وما لم يغير فلاديمير بوتين قناعته أو يتمكن الغرب من ردعه، فإنه يبدو مستعداً لتقتيل أكبر عدد ممكن من الناس وتدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية الأوكرانية عند الضرورة وذلك من أجل محو أوكرانيا كدولة وثقافة حرة مستقلة وإزالة قيادتها من الوجود. وقد يؤدي هذا السيناريو إلى ارتكاب جرائم حرب لم تشهد له أوروبا مثيلا -من حيث حجمها- منذ النازيين، وهي جرائم كفيلة بأن تجعل فلاديمير بوتين، ومعاونيه، وروسيا كدولة، منبوذين من جميع دول العالم.

لم يجد هذا العالم المترابط والمعولم نفسه مضطراً أبدا من قبل إلى التعامل مع زعيم متهم بهذا المستوى من جرائم الحرب، حيث تستحوذ دولته على مساحة من الأرض تمتد عبر 11 منطقة زمنية، وتمثل أحد أكبر مصدري النفط والغاز في العالم، وتمتلك أكبر ترسانة من الرؤوس الحربية النووية مقارنة بأي دولة أخرى.

وفي ظل استمرار رفض بوتين التوقف، فإننا نقترب أكثر من أبواب الجحيم مع كل يوم يمر دون التوصل إلى حل. ومع كل مقطع فيديو يتم تداوله على تطبيق تيك توك وكل لقطة التقطتها عدسة هاتف محمول تُظهر فيها وحشية بوتين، سيكون من الصعب على العالم أن يتجاهل ذلك كله. لكن التدخل في هذه الحرب يشكل مخاطرة بإشعال أول حرب في  قلب أوروبا تتضمن استخدام أسلحة نووية. وفي نفس الوقت، فإن السماح لبوتين بإحالة كييف إلى أنقاض، وإسقاط آلاف القتلى – على غرار الطريقة التي استخدمها عند غزوه لـ “حلب” و “جروزني” – ذلك سيسمح له بإيجاد حالة شبيهة بحالة “أفغانستان” ولكن في قلب أوروبا، مما سيؤدي إلى سيل متدفق من اللاجئين وانتشار الفوضى.

ليس لدى بوتين القدرة على تنصيب زعيم دمية في أوكرانيا وتركه ليواجه مصيره وحده هناك: فمثل هذا الزعيم الدمية سيواجه تمرداً عليه بشكل مستمر. لذلك، ستجد روسيا نفسها في حاجة إلى نشر عشرات الآلاف من القوات في أوكرانيا بشكل دائم لإحكام السيطرة عليها – ولكن هذه القوات ستكون في مرمى نيران الأوكرانيين بشكل يومي. إنه لأمر مرعب حقاً  أن تُدرك بأن بوتين لم يُفكر كثيراً في الكيفية التي يمكن أن يُنهي بها حربه تلك.

كم تمنيت أن يكون بوتين مدفوعاً فقط بالرغبة في إبعاد أوكرانيا عن الانضمام لحلف الناتو ؛ ولكن شهيته للتوغل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير. حيث يسيطر على بوتين تفكير سحري: حسبما أكدت فيونا هيل، أحد خبراء الأمريكيين البارزين في الشأن الروسي، في حوار صحفي لها نشرته صحيفة بوليتيكو يوم الإثنين الماضي (٢٨ فبراير)، حيث يعتقد بوتين أن هناك شيئاً يُسمَّى “روسكي مير”، أو “العالم الروسي” ؛ وأن الأوكرانيين والروس هم “شعب واحد” ؛ وأن مهمته هي هندسة “إعادة جمع كل المتحدثين بالروسية من مختلف الأماكن التي كانت في وقت ما تنتمي إلى روسيا القيصرية”.

ومن أجل تحقيق هذه الرؤية، يعتقد بوتين أن من حقه، بل ومن واجبه، تحدي ما تسميه فيونا هيل “النظام القائم على القواعد والذي لا تستطيع الدول أن تأخذ كل ما تريده عن طريق القوة”. وإذا حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها الوقوف في طريق بوتين – أو حاولوا إذلاله بالطريقة التي أذلّوا بها روسيا في نهاية الحرب الباردة – فإنه يرسل إشارات بأنه مستعد للتغلب علينا بالجنون. أو كما حذر بوتين مؤخراً بأن يضع قوته النووية في حالة تأهب قصوى، وعلى أي شخص يفكر في محاولة اعتراض طريقه، أن يكون مستعداً لمواجهة “عواقب لم يشهدها من قبل”. أضف إلى كل ذلك التقارير المتزايدة التي تشكك في الحالة العقلية لبوتين،  وعندها ستحصل على نتيجة مرعبة.

أما السيناريو الثاني، فيكون الشعب الأوكراني وجيشه قادرين بشكل ما على الصمود لفترةٍ كافيةٍ في مواجهة الحرب الروسية “الخاطفة”، وتبدأ العقوبات الاقتصادية في إحداث إصابات بالغة في اقتصاد بوتين، بحيث يشعر كلا الجانبين بضرورة قبول “تسوية قذرة” للأزمة. وقد تتمثل أبرز الملامح المبدئية لهذه التسوية في أن تتنازل الحكومة الأوكرانية بشكل رسمي عن الجيوب الشرقية لأوكرانيا الواقعة بالفعل الآن تحت السيطرة الروسية، في مقابل وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، وأن تتعهد كييف صراحةً بعدم الانضمام إلى حلف الناتو. وفي نفس الوقت، توافق الولايات المتحدة وحلفاؤها على رفع جميع العقوبات الاقتصادية التي تم فرضها مؤخراً على روسيا.

لا يزال هذا السيناريو غير مرجح؛ لأنه بطبيعة الحال سيتطلب من بوتين أن يعترف من الأساس بأنه غير قادر على تحقيق رؤيته في إعادة ضم أوكرانيا إلى حضن الوطن الأم، روسيا، بعد دفع ثمن باهظ بالنظر إلى ما تكبده اقتصاده من خسائر وما تكبده جيشه من خسائر في أرواح الجنود الروس. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه سيتعين على أوكرانيا أن تتنازل رسمياً عن جزء من أراضيها وأن تقبل بأن تكون منطقة عازلة أو أرضاً محايدة بين روسيا وبقية دول أوروبا بشكل دائم – على الرغم من أنها ستحافظ على استقلالها ولو شكلياً على الأقل. كما سيتطلب ذلك أن يتجاهل الجميع الدرس المستفاد بالفعل من هذه الأزمة، وهو أنه لا يمكن الوثوق بأن بوتين سيترك أوكرانيا وشأنها على أي حال.

وأخيراً، فالسيناريو الأقل احتمالاً، على الرغم من أنه قد يحقق أفضل النتائج، هو أن يُظهر الشعب الروسي قدراً كبيراً من الشجاعة والالتزام تجاه حريتهم كما فعل الشعب الأوكراني، وأن يقدم الخلاص للكل من خلال قيامه بعزل بوتين من منصبه.

فلابد أن العديد من الروس قد بدأوا يشعرون بالقلق من أنه طالما ظل بوتين في منصبه كرئيس لهم حالياً ومستقبلاً، فلن يكون لديهم مستقبل البتة. فقد نزل الآلاف من الروس إلى الشوارع احتجاجاً على حرب بوتين المجنونة. إنهم يفعلون ذلك بالمخاطرة بسلامتهم الشخصية. وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه تبين هذا الأمر، فإن رد فعل الشعب الروسي تجاه ما يحدث يجعل المرء يتساءل عمَّا إذا كان ما يسمى بحاجز الخوف قد تم كسره بالفعل، وما إذا كان مثل هذا الحراك الجماهيري يستطيع أن ينهي حكم بوتين في نهاية الأمر.

وحتى بالنسبة لأولئك الروس الذين سيستمرون في صمتهم، فإن الحياة من حولهم ستتعطل فجأة سواء كان ذلك بأشكال صغيرة  أو كبيرة. وكما قال زميلي مارك لاندلر: “في سويسرا، ألغى مهرجان لوسيرن الموسيقي حفلتين موسيقيتين سيمفونيتين كان سيشارك فيهما مايسترو روسي. وفي أستراليا، أعلن المنتخب الوطني للسباحة أنه سيقاطع لقاء بطولة العالم في روسيا. وفي منطقة التزلج “ماجيك ماونتن” في فيرمونت، سكب نادل (أحد السقاة بالبار) زجاجات من الفودكا الروسية ماركة ستاليشنيا في البالوعة. ومن الثقافة إلى التجارة، ومن الرياضة إلى السفر، تتجنب دول العالم روسيا بطرق لا تعد ولا تحصى، وذلك احتجاجاً على غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا “.

وهناك أيضاً “ضريبة بوتين” الجديدة والتي يتعين على كل روسي دفعها إلى أجل غير مسمى من أجل الاستمتاع ببقائه على رأس الدولة. إنني أتحدث عن الآثار المترتبة على العقوبات المتصاعدة التي يفرضها العالم المتحضر على روسيا. ففي يوم الاثنين الماضي (٢٨ فبراير)، اضطر البنك المركزي الروسي إلى إبقاء سوق الأسهم الروسية مغلقة لمنع الانهيار المدفوع بالذعر، واضطر إلى رفع سعر الفائدة بشكل قياسي في يوم واحد من 9.5% إلى 20% لتشجيع الناس على الاحتفاظ بالروبل. وحتى في ظل ذلك، انخفض الروبل بنحو 30% مقابل الدولار – حيث أصبحت قيمته الآن أقل من سنت أمريكي واحد.

لكل تلك الأسباب، فإني آمل أن يكون هناك في هذه اللحظة تماماً بعض كبار المسؤولين في المخابرات والجيش الروس، المقربين من بوتين، مجتمعين في غرفة ما في الكرملين ويقولون بصوت عالٍ ما يجب أن يفكروا فيه جميعاً: إما أن بوتين تقهقر مستواه كخبير استراتيجي خلال عزلته إبان جائحة كورونا أو أنه في حالة إنكار عميق لمدى سوء تقديره لقوة الأوكرانيين، وأمريكا وحلفائها، والمجتمع المدني العالمي بشكل عام.

وفي حال مضي بوتين قُدماً في سعيه لتسوية أكبر مدن أوكرانيا وعاصمتها كييف بالأرض، فلن يرى هو وجميع رفاقه مرة أخرى الشقق التي اشتروها في لندن ونيويورك بكل ثرواتهم المسروقة. ولن تتهيأ لهم فرصة للتنزه من جديد في دافوس ولا في سانت موريتز. وبدلاً من ذلك، سيتم حبسهم جميعاً في سجن كبير يسمى “روسيا” – ولن تتوفر لهم حرية السفر منها اللهم إلا من إمكانية السفر إلى سوريا والقرم وبيلاروسيا وكوريا الشمالية والصين. وربما أيضاً سيتم طرد أطفالهم من المدارس الداخلية الخاصة التي يدرسون بها من سويسرا إلى أكسفورد.

إما أن يتعاونوا من أجل الإطاحة ببوتين أو أنهم سيشاركونه جميعاً في زنزانته المنعزل بها. ويسري نفس الشيء على الجماهير الغفيرة من الشعب الروسي. أعتقد أن هذا السيناريو الأخير هو الأكثر استبعاداً من بين السيناريوهات الثلاث جميعاً، لكنه يظل السيناريو الوحيد من بينهم الذي يعِد بتحقيق الحلم الذي راودنا عندما سقط جدار برلين في عام 1989 – وهو حلم أوروبا كاملة وحرة، من الجزر البريطانية إلى جبال الأورال بروسيا.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close