fbpx
دراسات

فقه الجهاد تجديد واجتهاد (3): ذروة سنام الإسلام

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

الجهاد ذروة سنام هذا الدين، وسنام الجمل أعلاه، وذروة كل شيء أعلاه[1]؛ فهو ذروة الذروة، على هذا المعنى الكبير الجليل نَصَّ الحديثُ الصحيح، وهو قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «أَلَا أُخبِرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ، وَذِروَةِ سَنَامِهِ»؟ قال معاذ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «رَأسُ الأَمرِ الإِسلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ»[2].

    وكيف لا يكون كذلك وهو الذي يبرهن على صدق الإيمان وقوة اليقين؟! وهذا بعض ما يُستفاد من قول الله تعالى: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات 15)، كيف لا كذلك وهو أوضح شاهد على الحبِّ والإخلاص، فليس شيء أدلَّ على حب العبد لربه وشدة إخلاصه له من بذل النفس في سبيل الله تبارك وتعالى؛ لذلك كانت أكبر أمنيات رسول الله صلى الله عليه وسلم هي هذه: «… والذي نفسي بيده لوددت أني أُقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أُقتل، ثم أحيا، ثم أُقتل، ثم أحيا، ثم أُقتل»، وهكذا كل شهيد بعد أن يرى مقامه وما أعد الله له من الكرامة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيُقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة»[3].

    فالذين يحبون الله ويحبهم الله هم هؤلاء الذين ينالون هذا الفضل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَومَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة  54)، وقد قرن الله تعالى بين الحب والجهاد في سياق ينعى على الذين لا يقدمون حب الله ورسوله على حب من سواهما من الخلق ولا يقدمون الجهاد على ما سواه من المصالح؛ فقال عزَّ وجل: {قُل إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ} (التوبة 24)، ولأنَّهم أحبوا الله تعالى، وبرهنوا على صدق حبهم له بجهادهم في سبيله متراصين متماسكين كالبنيان المرصوص أحبهم الله تعالى، وأحب أن يراهم في هذه الصورة الفذَّة: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَرصُوصٌ} (الصف 4).

    ولأنَّ الجهاد ذروة سنام الإسلام؛ وجدناه سابقًا سامقًا لا يقارَن بشيء، روى البخاريّ عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دُلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: «لا أجده»، قال: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟»، قال: ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة: «إن فرس المجاهد ليستن في طوله، فيكتب له حسنات»[4]، وروى عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله»، قالوا: ثم من؟ قال: «مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله، ويدع الناس من شره»[5]، وروى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل المجاهد في سبيل الله، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله، كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله، بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالمًا مع أجر أو غنيمة»[6].

    لذلك ما كان الله تعالى ليسوِّيَ بين المجاهدين والقاعدين مهما كانت حسنات القاعدين، قال تعالى: {لَا يَستَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الحُسنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجرًا عَظِيمًا} (النساء 95)، بل لا يستوي من كان له السبق إلى الجهاد بمن جاء متأخرًا: {لَا يَستَوِي مِنكُم مَن أَنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الحُسنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ} (الحديد 10)، ومن باب أولى كيف يستوي مع المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أحدٌ ممن يدعون لأنفسهم الفضل والسبق والشرف من أي قوم أو فصيل كانوا: {أَجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ كَمَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَستَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم أَعظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُم رَبُّهُم بِرَحمَةٍ مِنهُ وَرِضوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُم فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ (22)} (التوبة 19-22).

    ولأنَّ الجهاد ذروة سنام الإسلام كان له هذه الفضائل التي تخطف قلوب الصادقين؛ فإنّ للمجاهدين خاصة مائةَ درجة من درجات الجنة، ورد هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق يدعو لعلو الهمَّة: «إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة»[7]، كل هذه الدرجات بكل هذه السعة في جنة، حقيقتُها- إذا قورنت بنعيم الدنيا- تأتي على هذا النحو الذي يصوره رسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق يعظم من شأن آلة من آلات القتال: «لقاب قوس في الجنة، خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب»[8]، وفي سياق آخر يتوسع في ذكر الآلات وفي ذكر الفضائل: «لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة، أو موضع قيده- يعني سوطه- خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحًا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها»[9].

    هذا الفضل للمجاهد، أمَّا الشهيد فله فوق ذلك ما اختصه الله به من الفضل والذكر في قرآنه: {وَلَا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَموَاتًا بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَيَستَبشِرُونَ بِالَّذِينَ لَم يَلحَقُوا بِهِم مِن خَلفِهِم أَلَّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ (170) يَستَبشِرُونَ بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجرَ المُؤمِنِينَ (171)} (آل عمران 169-171)، وله كذلك ما أكرمه الله به في السنّة، مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لِلشَّهِيدِ عِندَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِتَّ خِصَالٍ: أَن يُغفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفعَةٍ مِن دَمِهِ، وَيَرَى مَقعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُجَارَ مِن عَذَابِ القَبرِ، وَيَأمَنَ مِنَ الفَزَعِ الأَكبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الوَقَارِ اليَاقُوتَةُ مِنهُ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثنَتَينِ وَسَبعِينَ زَوجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبعِينَ إِنسَانًا مِن أَقَارِبِهِ»[10].

    بل إنَّ من يجرح في سبيل الله – حتى ولو لم ينل الشهادة – يكون له فضل يتيه به على العالمين يوم الدين: عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يُكْلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك»[11].

    ويصل الأمر إلى حدّ أنَّ المجاهد يؤجر على إعداد ركابه وكراعه: عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة»[12]، ولعل الكلمة الجامعة الفاصلة المحيطة بالأمر هنا هي قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف»[13].

    لذا كانت أربح تجارة هي هذه التجارة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَل أَدُلُّكُم عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ (11) يَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَيُدخِلكُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدنٍ ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ (12) وَأُخرَى تُحِبُّونَهَا نَصرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤمِنِينَ (13)} (الصف 10-13)، {إِنَّ اللَّهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعدًا عَلَيهِ حَقًّا فِي التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرآنِ وَمَن أَوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاستَبشِرُوا بِبَيعِكُمُ الَّذِي بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ} (التوبة 111)؛ فمن اتجر مع الله بهذه التجارة كانت له أربح تجارة، وكان القليل منه أربح من الكثير من غيرها، عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: أَتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد، فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: «أسلم، ثم قاتل»، فأسلم، ثم قاتل فقُتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عمل قليلًا وأُجر كثيرًا»[14].

    وما دام الجهاد ذروة سنام الإسلام؛ فلا بد أن يكون ماضيًا مستمرًا إلى يوم القيامة، لا يوقفه ولا يعطله شيء، ولا مفر من إمضائه ولو بطائفة من الأمَّة تجبر قلتها وغربتها بمضيّ عزمها؛ فلا يضرها خذلان القاعدين ولا تولي المعرضين؛ وهذه جملة من الأحاديث تدور حول هذا المعنى، يكمل بعضها بعضًا ويفسر بعضها بعضًا:

    قال البخاريّ: باب الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة»[15]، وعن المُغِيرَةَ بنَ شُعبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَزَالُ نَاسٌ مِن أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأتِيَهُم أَمرُ اللَّهِ وَهُم ظَاهِرُونَ»[16]، وعن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللهِ: سَمِعتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ»، قَالَ: «فَيَنزِلُ عِيسَى بنُ مَريَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُم: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ أُمَرَاءُ تَكرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ»[17]، وعن ثَوبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ، لَا يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُم، حَتَّى يَأتِيَ أَمرُ اللهِ وَهُم كَذَلِكَ»[18]، وعن مُعَاوِيَةَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُم أَو خَالَفَهُم، حَتَّى يَأتِيَ أَمرُ اللهِ وَهُم ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ»[19]، وعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَن نَاوَأَهُم، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ المَسِيحَ الدَّجَّالَ»[20]، وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي قَوَّامَةً عَلَى أَمرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهَا مَن خَالَفَهَا»[21]، وعَن جُبَيرِ بنِ نُفَيرٍ، أَنَّ سَلَمَةَ بنَ نُفَيلٍ، أَخبَرَهُم أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أسَمتُ الخَيلَ، وَأَلقَيتُ السِّلَاحَ، وَوَضَعَتِ الحَربُ أَوزَارَهَا، قُلتُ: لَا قِتَالَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ جَاءَ القِتَالُ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، يَزيِغُ اللهُ قُلُوبَ أَقوَامٍ؛ فَيُقَاتِلُونَهُم وَيَرزُقُهُمُ اللهُ مِنهُم، حَتَّى يَأتِيَ أَمرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُم عَلَى ذَلِكَ، أَلَا إِنَّ عُقرَ دَارِ المُؤمِنِينَ الشَّامُ، وَالخَيلُ مَعقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيرُ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ»[22]، وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مِن أَصلِ الإِيمَانِ: الكَفُّ عَمَّن قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا تُكَفِّرهُ بِذَنبٍ، وَلَا تُخرِجهُ مِنَ الإِسلَامِ بِعَمَلٍ، وَالجِهَادُ مَاضٍ مُنذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى أَن يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لَا يُبطِلُهُ جَورُ جَائِرٍ، وَلَا عَدلُ عَادِلٍ وَالإِيمَانُ بِالأَقدَارِ»[23].

    كل ما أوردناه آنفا من نصوص الوحيين تدل دلالة صريحة على مكانة الجهاد في الإسلام، وهي في ذات الوقت تتنافى تماما مع أيّ اتجاه يقلل من قيمة الجهاد، أو يحاول أن يقلص المدى الذي تسري فيه آثار هذه الفريضة ويحسر مدّه زمانا أو مكانا أو حالا، فالأحاديث التي سقناها – وكذلك الآيات – الآيات تدعم بشكل غير مباشر حكم الوجوب، كما تدعم دوام وبقاء هذا الوجوب وتعلقه بالأمة في كل حال تتوافر فيه شروط الوجوب، ودوام الفريضة وبقاءها بدوام الأمة وبقائها، أمّا أدلة الوجوب المباشرة فسوف نتعرض لها في مقال آخر إن شاء الله، ربما يكون الخامس من هذه السلسلة. (يُتْبَع)[24]

الجزء الأول، الجزء الثاني


الهامش

[1]  شرح الأربعين النووية، لابن دقيق العيد، صــ 101.

[2]  مسند أحمد، ط: الرسالة 36/ 344 برقم (22016)، سنن الترمذي، ت: شاكر 5/ 12 برقم (2616)، السنن الكبرى للنسائي 10/ 214 برقم (11330)، سنن ابن ماجة 2/1314برقم (3974).

[3]  صحيح البخاري 4/ 22 برقم (2817).

[4]  صحيح البخاري 4/ 15برقم (2785).

[5]  صحيح البخاري 4/ 15برقم (2786).

[6]  صحيح البخاري 4/ 15برقم (2787).

[7]  صحيح البخاري، عن أبي هريرة مرفوعًا 4/ 16برقم (2790).

[8]  صحيح البخاري، عن أبي هريرة مرفوعًا 4/ 17برقم (2793).

[9]  صحيح البخاري 4/ 17برقم (2796).

[10]  رواه أحمد (17182) والترمذي (1663) والنسائي (1938) وابن ماجة (2799).

[11]  صحيح البخاري 4/ 18برقم (2803).

[12]  صحيح البخاري 4/ 28 برقم (2853).

[13]  متفق عليه .. البخاري برقم (2965) ومسلم برقم (1742)، عن عبد الله بن أبي أوفى 

[14]  صحيح البخاري 4/ 20 برقم (2808).

[15]  متفق عليه البخاري برقم (2852) ومسلم برقم (1873)

[16]  متفق عليه البخاري برقم (7311) ومسلم برقم (1921).

[17]  صحيح مسلم 1/ 137 برقم (156).

[18]  صحيح مسلم 3/ 1523 برقم (1920).

[19]  صحيح مسلم 3/ 1524برقم (1037).

[20] مسند أحمد 33/149 برقم (19920) وسنن أبي داود 3/ 4 برقم (2484).

[21]  سنن ابن ماجه 1/ 5 برقم (7).

[22]  مسند أحمد، ط: الرسالة، 28/ 164-166برقم (16965).

[23]  سنن أبي داود 3/18 برقم (2532) وسنن سعيد بن منصور 2/ 176برقم (2367).

[24] الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close