fbpx
تقديراتعسكري

قاعدة نجيب العسكرية: الأهداف الخفية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد:

افتتح السيسي يوم السبت الموافق 22 يوليو 2017م، ما وصف بأنها أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا تحمل اسم “محمد نجيب”، بمدينة الحمام العسكرية غرب الإسكندرية، وكذلك قاعدة “براني” بالمنطقة الغربية(1)، علي بعد مئات الكيلومترات من الحدود المصرية-الليبية، بالإضافة الي معسكرين في عدد من المناطق والجيوش الميدانية، وحرص السيسي علي دعوة عدد من الشخصيات العربية لحفل الافتتاح، منهم محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات، خالد الفيصل مستشار الملك السعودي أمير منطقة مكة المكرمة، سلمان بن حمد بن عيسى الخليفة ولى العهد نائب ملك البحرين، محمد الخالد الحمد الصباح وزير الدفاع ممثلا عن أمير دولة الكويت، والمشير خليفة حفتر قائد ما يسمي بالجيش الوطني الليبي.

افتتاح تلك القواعد العسكرية على الأراضي المصرية أثار تساؤلات عديدة حول أسباب انشاء تلك القواعد؟ ولماذا الأن؟ وماذا عن دورها؟ وما دلالة ظهور بعض المسئولين العرب بجوار السيسي خلال الافتتاح؟

هذا ما نحاول ان نجيب علية في السطور القادمة.

 

أولاً: قاعدة محمد نجيب بالمنطقة الشمالية العسكرية:

قاعدة محمد نجيب العسكرية أصبحت الأن تحل خلفا للمدينة العسكرية بمنطقة الحمام التى تم انشاؤها في عهد الرئيس الأسبق “مبارك” عام 1993، وبصدور توجيهات وأوامر السيسي بتحويل المدينة العسكرية القديمة إلى قاعدة متكاملة تحت مسمى اللواء محمد نجيب قامت الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة والتي يرأسها اللواء أركان حرب كامل الوزير على إنشاء جميع مباني الوحدات المتمركزة بالقاعدة بأجمالي 1155 مبنى ومنشآة، وتقام القاعدة علي مساحة 18 ألف فدان، وتم تطوير وتوسعة الطرق الخارجية والداخلية بالقاعدة بطول 72 كم منها وصلة الطريق الساحلي بطول 11٫5 كم وطريق البرقان بطول 12٫5 كم ووصلة العميد بطول 14٫6 كم والباقي طرق داخل القاعدة بلغت 18 كم، مع انشاء اربع بوابات رئيسية وثماني بوابات داخلية للوحدات.

كما اشتملت الانشاءات على إعادة تمركز فوج لنقل الدبابات يسع نحو 451 ناقلة حديثة لنقل الدبابات الثقيلة من منطقة العامرية، كذلك إعادة تمركز وحدات أخرى من منطقة كنج مريوط ليكتمل الكيان العسكري داخل القاعدة. ولتحقيق منظومة التدريب القتالي تم إنشاء 72 ميدانا متكاملا شمل مجمعا لميادين التدريب التخصصي وميادين رماية الاسلحة الصغيرة، ومجمعا لميادين الرماية التكتيكية الالكترونية باستخدام أحدث نظم ومقلدات الرماية، كذلك تطوير ورفع كفاءة وتوسعة منصة الإنزال البحري بمنطقة العُميد.

وامتد التطوير الإداري بقاعدة محمد نجيب ليشمل انشاء المدينة السكنية المخصصة للتدريبات المشتركة منها 27 استراحة مخصصة لكبار القادة و14 عمارة مخصصة للضباط تم تجهيزها بأثاث فندقي، و15 عمارة مماثلة لضباط الصف، مع رفع كفاءة وتطوير مبنيين مجهزين لإيواء الجنود بطاقة 1000 فرد، كما يتوافر الأن بقاعدة “محمد نجيب” مخازن للأسلحة والمعدات والاحتياجات الإدارية والفنية ولعناصر الدعم من القوات الجوية والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية فضلاً عن أنظمة حديثة للقيادة والسيطرة والتعاون بين الأفرع والأسلحة المختلفة كما أنها بما يتوافر لها من إمكانيات هائلة ومتنوعة تمثل قاعدة للتدريب المشترك مع القوات المسلحة الأجنبية، وأصبحت قاعدة محمد نجيب يتوفر بها مسرح للعمليات العسكرية والجوية والبحرية ولدفاع الجوي.

 

ثانياً: قاعدة براني بالمنطقة الغربية:

قام السيسي أيضا خلال الحفل عن طريق الفيديو كونفرنس بافتتاح بعض أعمال التطوير بقاعدة براني العسكرية” معسكر الفريق حسن على أبو سعدة” في نطاق المنطقة الغربية العسكرية بعد تطويرها والتي تكون على مقربة من الحدود المصرية-الليبية والتي راعت فيها الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة المصرية تطوير المنشآت الادارية وميادين التدريب التكتيكي التخصصية ومخازن للأسلحة والذخائر، ومناطق تمركز العربات والمعدات داخل القاعدة.

يذكر ان المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية في تقريره الدوري لتطورات المشهد العسكري في عدده الصادر بتاريخ 20 أبريل 2017م، قد سلط الضوء علي التقرير الذي نشرة موقع Freedom of Writing  مُدعّماً بصور بالأقمار الصناعية، تُظهر ما قال إنه “عمليات توسعة” في قاعدة عسكرية قيل إن السيسي بَنَاهَا على الحدود الليبية لدعم “حفتر”، وإنها ساعدت “التحالف الوطني الليبي” بقيادة “خليفة حفتر” على مواصلة طريقه في الحرب اللبيبة لتدعيم أقدامه، وذكر الموقع القاعدة الجوية قيل إنَّ مقرّها في مصر، على بعد 45 كلم من الحدود مع ليبيا، وعلى بعد 45 كم في شمال واحة سيوة، ومساحتها 45 كيلو متر مربع، ومَحميّة بشكل جيد بحواجز محيطة بها .

 

ثالثاً: الفرقة الرابعة مدرعة بالجيش الثالث “السويس”:

قام السيسي أيضا عبر الفيديو كونفراس خلال حفل افتتاح قاعدة محمد نجيب بافتتاح أعمال تطوير تشكيلات من الجيشين الثاني والثالث الميدانيين بعد تزويدها بأحدث المنظومات القتالية ونظم التسليح الحديثة، ففي نطاق الجيش الثالث الميداني ومكان قيادته محافظة السويس تم انشاء مدينة سكنية جديدة بمعسكر اللواء أركان حرب محمد عبدالعزيز قابيل بالفرقة الرابعة المدرعة تضم العديد من المنشآت الادارية والمرافق التى تم تصميمها وتجهيزها هندسيا واداريا، وتم تزويد بأحدث نظم التسليح، يذكر أن الفرقة الرابعة مدرعة وبناء علي ما نقلته الإذاعة الإسرائيلية علي موقعها الالكتروني هي الفرقة التي اجتاحت إسرائيل في حرب يوم الغفران (6 أكتوبر 73)(2) ، وتعتبر الفرقة الرابعة، وتعرف أيضا بجوهرة الجيش وهي إحدى وحدات النخبة في الجيش المصري، القوة الاحتياطية الأهم تحت يد القيادة العامة للقوات المسلحة باعتبارها أحد أكثر فرق الجيش تدريبًا وتنظيمًا.(3)

 

رابعاً: الفرقة السابعة مشاه ميكانيكي بالجيش الثاني الميداني:

شملت مراحل التطوير الأخير التي قام السيسي بافتتاحها عبر الفيديو كونفرانس معسكر “المشير أحمد بدوي” بالفرقة السابعة مشاه ميكانيكي بنطاق الجيش الثاني الميداني ومقره محافظة الإسماعلية والتي تمت على اسبقيتين وامتد التطوير ليشمل بناء المئات من المنشآت الجديدة من المباني التخصصية والادارية وأماكن الايواء ومناطق تمركز الأسلحة والمعدات لحمايتها من العوامل الجوية، وكذلك ميادين التدريب والمنشآت الرياضية والترفيهية للوحدات الفرعية والصغرى التابعة للفرقة.

 

خامساً: محطات رئيسية خلال حفل الافتتاح:

بخلاف ما قد تم من مراسم حفل اعتيادية لأن الحفل جاء في سياق تخريج دفعات جديدة لطلبة الكليات والمعاهد العسكرية ضمت الكلية الحربية والفنية العسكرية والكلية البحرية، بالإضافة إلى الكلية الجوية، وكلية الدفاع الجوي فضلا عن المعهد الفني للقوات المسلحة، والمعهد الفني للتمريض، كانت أبرز المشاهد في ذلك اليوم هو حضور المسئولين العرب وعلي رأسهم محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، وخليفة حفتر قائد ما يسمي بالجيش الوطني الليبي، وعقب رفع السيسي العلم على قاعدة “محمد نجيب العسكرية”، تم عرض فيلم تسجيلي عن التدريبات المشتركة بين مصر وبين الدول العربية ومنها التدريب المصري ـ السعودي المشترك “رعد الشمال”، التدريب المصري ـ السعودي البحري “مرجان “، والتدريب المصري ـ الاردني المشترك “العقبة”، التدريب المصري ـ الاماراتي المشترك “سهام الحق”، والتدريب المصري ـ الاماراتي المشترك “زايد”، التدريب المصري الكويتي ـ المشترك “اليرموك”، التدريب المصري ـ البحريني المشترك “خالد بن الوليد”، التدريب المصري ـ البحريني “حمد”.

 

سادسًا: المبررات الرسمية للجيش المصري:

أوضح المتحدث العسكري باسم الجيش المصري العقيد تامر الرفاعي أن الهدف من إنشاء قواعد عسكرية في نطاقي المنطقة الشمالية والغربية العسكرية جاءت لتعزيز القدرات القتالية للمنطقة الغربية العسكرية لمنع تسرب العناصر الإرهابية المسلحة عبر خط الحدود الغربية، ومجابهة محاولات التهريب للأسلحة والمواد المخدرة والهجرة غير الشرعية، ورأي أن إعادة تمركز عدد من الوحدات التابعة للمنطقة الشمالية العسكرية بداخلها يعزز من قدرتها على تأمين المناطق الحيوية بنطاق مسئوليتها غرب مدينة الاسكندرية ومنطقة الساحل الشمالي والتي من بينها محطة الضبعة النووية وحقول البترول وميناء مرسى الحمراء ومدينة العلمين الجديدة وغيرها، فضلا عن المساهمة في الحد من التحركات العسكرية واجراءات الفتح الاستراتيجي في ظل التكدسات المرورية داخل مدينة الاسكندرية بالإضافة إلى كونها تمثل قاعدة للتدريب المشترك مع الدول الأخرى يتوافر بها كل الامكانات بشكل حضاري متطور .(4)

 

سابعاً: الدلالات والتفسيرات:

تتعدد التفسيرات حول تواجد القواعد العسكرية بذلك الشكل وفي ذلك الوقت داخل الأراضي المصرية ومن بين تلك التفسيرات:

التفسير الأول: قواعد عسكرية أجنبية علي أرض مصرية:

ذكرت صحيفة “ازفيستيا” الروسية، في 10 أكتوبر 2016م،(5) أن روسيا أجرت محادثات مع مصر حول استئجار منشآت عسكرية، من ضمنها قاعدة جوية في مدينة سيدي براني شمال غرب مصر، قرب ساحل البحر المتوسط، وأنه تم التطرق أثناء المحادثات إلى أن القاعدة ستكون جاهزة للاستعمال بحلول عام 2019، في حال توصل الطرفان إلى اتفاق وأشارت الصحيفة إلى أن القاعدة التي تقع في مدينة سيدي براني سيتم استخدامها كقاعدة عسكرية جوية .

وقالت الصحيفة إن المحادثات حول مشاركة روسيا في إعادة ترميم مواقع عسكرية مصرية في مدينة سيدي براني على ساحل البحر الأبيض المتوسط تجري بنجاح، وأن القاهرة مستعدة للموافقة على حل المشاكل الجيوسياسية التي تتماشى مع مصالح الطرفين، وأن روسيا ستزود القاعدة عن طريق النقل البحري، وأن عدد القوات الروسية هناك سيكون محدودا، وأنه في هذه المرحلة روسيا في حاجة إلى قاعدة عسكرية في منطقة شمال أفريقيا، تمكنها من حل المشاكل الجيوسياسية في حال ظهور تهديد جدي لاستقرار المنطقة. وأشارت الصحيفة إلى أن الاتحاد السوفيتي كانت له قاعدة بحرية في مدينة سيدي براني المصرية حتى عام 1972، وكان يستغلها لمراقبة السفن الحربية الأمريكية، وفي نفس السياق أيضا كشفت صحيفة بيلد الألمانية أن روسيا تحاول التواجد في منطقة الشرق الأوسط، وأن يكون لها كيان على البحر الأبيض المتوسط، كما هو الحال في طرطوس بسوريا،  وأضافت أن روسيا عرضت علي مصر تأجير قاعدة محمد نجيب العسكرية وجاء ذلك عقب تدريبات “حماة الصداقة” التي أجريت في 2016 بين مصر وروسيا في قاعدة محمد نجيب، والتي يقول البعض ان القوات الروسية التي نفذت التدريب لم تغادر مصر الي الآن.

وأضافت الصحيفة أن هذه ليست المرة الأولي التي تطلب فيها روسيا قاعدة عسكرية من مصر حيث تطرقت للأمر في 2016 لتأجير قاعدة سيدي البراني لتكون بالقرب من ليبيا والتي سيتم استخدامها كقاعدة عسكرية جوية.

ولكن بالرغم من أن النظام المصري نفي تلك الأنباء، يرى البعض أن قيام القاعدتين علي الأراضي المصرية ما هي إلا قواعد أجنبية علي أرض مصر، من المحتمل أنها تكون قواعد عسكرية غير مصرية علي أرض مصرية، أو تمركز لقوات مصرية علي أرض غير مصرية، وفي ذلك السياق قال اللواء السابق بالجيش المصري عبد الحميد عمران “أن الثكنات العسكرية هي أماكن تمركز الجنود علي أرض وطنهم في حالة السلم، والمواقع القتالية هي مكان تمركز الجنود علي أرض وطنهم في حالة الحرب، أما مسمي القواعد العسكرية فيطلق علي أماكن تمركز الجنود خارج أرض الوطن مثل قاعدة العديد الأمريكية في قطر، وقاعدة انجرليك في تركيا، وقاعدة طرطوس الروسية في سوريا”.

 

التفسير الثاني: قواعد مصرية إماراتية لدعم حفتر ليبيا:

رأي البعض أن حضور بعض القيادات العربية وعلي رأسهم الشيخ محمد بن زايد وخليفة حفتر قائد ما يسمي بالجيش الوطني الليبي حفل افتتاح “قاعدتي محمد نجيب وبراني” بجوار السيسي له دلالات قاطعه تفيد بأن القاعدتين العسكريين جاءت لدعم مليشيات “حفتر” التي تحرز تقدم وانتصارات في المعارك على الأرض الفترة الماضية، بفضل الدعم المصري الإماراتي التي تحصل عليه، والتي مكنها من السيطرة على مدينة بني غازي، وتحاول الآن فرض سيطرتها على مدينة درنة أخر المناطق التي لم تسيطر عليها في الشرق الليبي.

 

التفسير الثالث: انتقال عمل الجيش المصري من منطقه جنوب القناة الي الحدود الغربية:

عند افتتاح السيسي وحلفائه العرب لقاعدة محمد نجيب الجوية انتشرت صور الميدان العسكري أمامهم لتظهر عدد الدبابات M1A1 Abrams “وهي دبابة القتال الرئيسية في الجيش المصري”، وأظهرت الصورة حوالي 7 صفوف في كل صف يوجد 20 دبابة بمجموع 140 دبابة.

 

توزيع الفرق المدرعة في الجيش المصري تاريخيا كان كالتالي :

١ -الفرقة الاولى المدرعة او الحرس الجمهوري ومقرها في المنطقة المركزية في هليوبولس في القاهرة ومهمتها الدفاع عن القاهرة.

٢ -الفرقة ٢١ المدرعة بالمنطقة الغربية العسكرية.

٣ -الفرقة الرابعة المدرعة ومقرها طريق السويس تابعة للجيش الثالث الميداني .

٤ -الفرقة ٦ مدرعات ومقرها المنصورة وأيضا جزء من الجيش الثاني الميداني .

٥ -الفرقة ٩ مدرعة ومقرها دهشور بمحافظة الجيزة تتبع المنطقة العسكرية المركزية وتقوم بمعاونة الجيش  الثالث الميداني في بعض العمليات.

وهو ما مجموعه ٥ فرق مدرعة قوتها حوالي ١٢٥٠ دبابة “ام واحد ام واحد أبرامز”، وتتميز مصر في شيء إضافي أن لديها تشكيلات أخرى من دبابات قديمة مثل “ال تي ٦٢ الروسية” وباتون الأمريكية القديمة وهي دبابات ذات تدريع قديم، وبالتالي لن تصمد طويلا أمام عدو متفوق جويا يمتلك أباتشي وصواريخ جو أرض متفوقة. لكن تحتفظ التشكيلات القتالية المصرية بتلك الدبابات القديمة لاستخدامها في قمع المظاهرات مثلا أو التدخلات المحتملة ضد أعداء أقل تفوقا مثل ليبيا أو غيرها، ويلاحظ في التشكيلات أن الجيش المصري لم يضع فرق مدرعة خارج نطاق العمل الأساسي في القناة والقاهرة. لكن خلال مناورات النجم الساطع مع الولايات المتحدة كانت مصر تسحب عناصر من الفرقة ٩ المدرعة ويتم وضعها بشكل مؤقت في قاعده الحمام العسكرية للمشاركة في المناورات.

لذلك رأي البعض أن ظهور فرقة كاملة في الحمام بقوتها كاملة دون مناورات معناه أن الفرقة ٩ مدرعات تم نقلها إلى منطقه الحمام. والصور المنشورة ليس فقط هدفها التأثير على الرأي العام المصري بل الأهم هو توصيل رسالة لمن يهمه الأمر ان نطاق عمل الجيش المصري انتقل من منطقه جنوب القناة وحدث فيه تحول استراتيجي نحو الغرب والحدود مع ليبيا.

 

التفسير الرابع: تمكين قوات التدخل السريع في داخل المحافظات:

في الفيلم الذي أنتجته الشئون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية تحت اسم “قاعدة محمد نجيب العسكرية” وفي وصف أهداف تلك القاعدة، أنه نتيجة تواجد قاعدة محمد نجيب العسكرية سيعاد تمركز الوحدات العسكرية للمنطقة الشمالية في موقعها الجديد بمنطقة الحمام وأنها ستصبح وسيلة مثالية للحد من التكدسات المرورية داخل مدينة الإسكندرية، بمعني أن المعدات والوحدات التابعة للمنطقة الشمالية ستنقل من داخل محافظة الإسكندرية الي منطقة الحمام، وذكر الفيلم نصا أن فوج الدبات الثقيلة سيعاد تمركزه وسينقل من منطقة العامرية الي قاعدة محمد نجيب العسكرية.

وفيما كشف عنه قبيل أحداث 11 نوفمبر 2016م، تلك التظاهرات التي خرجت تحت اسم “ثورة الغلابة”، وتفسيرا لخوف النظام تم نشر قوات التدخل السريع، تلك القوات التي أنشأها السيسي بعد انقلابه العسكري علي حساب قوات الجيوش والمناطق العسكرية، وأن النظام ما كان يخشي تلك التظاهرات أكثر مما كان يخشي بأن مجموعة داخل الجيش قد تستغل تلك التظاهرات لإحداث تغيرات في الحالة المصرية القائمة حاليا، ومما يثير الانتباه من شدة قلق نظام السيسي وداعميه الإقليميين، وزيارة محمد بن زايد الي القاهرة يوم 10 نوفمبر 2016م(6)، قبيل التظاهرات بيوم واحد.

وقد كشفت مصادر مطلعة وقتها بأن الاجتماع الذي قام به السيسي بالمجلس العسكري المصري في 05 أكتوبر 2016م(7)، قد شهد حالة من الانقسام داخل المجلس بسبب سياسة السيسي في إدارة وحكم البلاد، ورأي البعض داخل المجلس بأن علي السيسي عدم الترشح لفترة رئاسية مقبلة، وهذا ما رفضه السيسي بشكل قاطع.

ومن هنا يرى البعض أن السيسي يعمل الآن على انشاء مناطق عسكرية جديدة خارج المحافظات لإبعاد القوات التابعة للجيوش والمناطق العسكرية عن قلب المحافظات، وبالمقابل تمكين قوات التدخل السريع بأفرادها ومعداتها من المؤسسات الحيوية والميادين داخل المحافظات كي يحكم سيطرته أكثر في داخل المدن والمناطق من خلال القوات التي تأخذ أوامرها مباشرة من قبله، تحسبا لأي تظاهرات تقوم ضد نظامه وتستغل من قبل مجموعة من داخل المؤسسة العسكرية.

 

التفسير الخامس: رسالة إلى دولة قطر:

يقوم هذا التفسير على أن حضور كلا من الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي والأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة والشيخ سلمان بن حمد بن عيسى الخليفة ولى العهد نائب ملك البحرين والشيخ محمد الخالد الحمد الصباح وزير الدفاع الكويتي بالإضافة الي الفيلم التسجيلي الذي عرض أثناء الاحتفال عن التدريبات المشتركة بين مصر وبين الدول العربية ومنها:

  • التدريب المصري ـ السعودي المشترك “رعد الشمال”.
  • التدريب المصري ـ السعودي البحري “مرجان”.
  • التدريب المصري ـ الاردني المشترك “العقبة”.
  • التدريب المصري ـ الاماراتي المشترك “سهام الحق”.
  • التدريب المصري ـ الاماراتي المشترك “زايد”.
  • التدريب المصري الكويتي ـ المشترك “اليرموك”.
  • التدريب المصري ـ البحريني المشترك “خالد بن الوليد”.
  • التدريب المصري ـ البحريني “حمد”.

وهو ما رآه البعض أن السيسي أراد أن يرسل رسالة إلى دولة قطر في ذلك التوقيت بأن الجيش المصري متحالف سياسياً وعسكرياً مع الدول الخليجية الثلاث المحاصرة لدولة قطر، وأن هذا التحالف يجعل الجيش المصري في مقدمة تلك الدول في حالة وجود صراع خليجي-خليجي مستقبلاً، ورآه البعض أن السيسي أراد إظهار هذا التقارب ردا على التحالف العسكري بين تركيا وقطر، والوجود التركي في منطقة الخليج العربي من خلال القاعدة العسكرية التركية في الدوحة التي أقيمت مؤخراً.

 

التفسير السادس: الظروف الداخلية والإقليمية:

رأى البعض أنه نظر للظروف التي تمر بها منطقة الشروق الأوسط بصورة عامة وبصفة خاصة ما تشهده مصر، ونتيجة للتهديدات التى تمس الامن القومي المصري في قضايا مهمة كأحداث سيناء وتفجيرات الكنائس، قد تكون هي الدافع لوجود تلك القواعد وإعادة توزيع القوات مرة أخري داخل المناطق والجيوش العسكرية.

 

التفسير السابع: القاعدة وصفقة القرن:

الجيش الثالث الميداني هو أحد جيشين في القوات المسلحة المصرية ومقر إدارته العامة تقع في محافظة السويس والتي تعتبر من النقاط الأولى في العبور عام 1973، ومن ضمن مهامه تأمين قناة السويس ورد أي عدوان علي الدولة المصرية من أي تهديد يأتي من ناحية الحدود المصرية مع دولة الكيان الصهيوني، وتقوم الفرقة 9 مدرعة بمعاونة الجيش الثالث في عملياته  وتحديدا بمنطقة جنوب القناة.

لذلك رأى البعض أن نقل الفرقة 9 مدرعة من محافظة السويس من ناحية الشرق إلى المنطقة الشمالية في محافظة الإسكندرية، تم بتنسيق مصري مع الكيان الصهيوني لإعادة تمركز قوات الجيش المصري مرة أخري داخل الدولة المصرية، ورأي البعض أن ذلك يُعد تغيراً جوهرياً في عقيدة الجيش المصري تلك العقيدة التي كانت تري ان الكيان الصهيوني هو العدو الأساسي للجيش المصري.

كما أن نقل الفرقة 9 مدرعات من ناحية الشرق إلى ناحية الشمال تعد خطوة من خطوات صفقة القرن المزمعة والتي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية والتي ربما تكون إحدى سيناريوهاتها إقامة دولة فلسطينية في سيناء.

وتم الربط بين ذلك وبين تناول الإعلام الصهيوني لافتتاح  قاعدة محمد نجيب العسكرية والذي ضخم من دور القاعدة، وظهر ذلك في التقرير الذي أعدته القناة الثانية بالتليفزيون والتي علقت في  تقريرها أن افتتاح القاعدة العسكرية بمثابة استعراض للقوة العسكرية المصرية أمام العالم، حيث تم استعراض العديد من القوات البرية والجوية والبحرية أمام عدسات الكاميرات العالمية، وأشارت القناة في تقريرها إلى أن افتتاح القاعدة العسكرية ليس الأكبر في قارة أفريقيا وحسب، بل على مستوى الشرق الأوسط، التى بها مئات الدبابات ومقاتلات جوية من بينها مقاتلات “الرافال” الفرنسية الصنع، وأوضحت القناة أن القاعدة العسكرية تسمح بإجراء مناورات مع العديد من الدول من جميع أنحاء العالم، موضحة أن السيسي كانت تبدو على وجه علامات الفرح والسعادة أثناء افتتاحها.

وبالتالي فما حدث يأتي في إطار التنسيق الأمني بين النظام المصري ودولة الكيان الصهيوني، والذي شهد تطوراً من بعد الإنقلاب العسكري في مصر 03 يوليو 2013م، وبناء علي هذا التنسيق سمح الجيش الصهيوني للجيش المصري بالدخول في عمق سيناء، ولم يكن قادراً على الدخول لتلك المناطق من بعد معاهدة كامب ديفيد عام 1978م، وأن التنسيق بين مصر والكيان الصهيوني في العمليات في سيناء ضد المسلحين يكفي بالغرض في تأمين الجبهة الشرق، وإحكام السيطرة علي الأوضاع في سيناء، هذا بخلاف القوات البحرية التابعة للجيش المصري المتواجدة في البحر الأحمر والتي عمل السيسي علي إحداث تطور شامل بها من بعد الانقلاب من ناحية التسليح، لذلك رأي البعض أن “نقل قوات الفرقة 9 مدرعة” الي الحدود الغربية أمر منطقي بناء علي ذلك المشهد.

 

ختاماً:

إن خطوة إنشاء قاعد محمد نجيب العسكرية، والتي يرجح أن تكون قاعدة أجنبية بالأساس علي أرض مصرية، يمكن أن يكون بداية تعزيز وجود القواعد العسكرية الأجنبية على الأرض المصرية بشكل معلن، لاستغلالها في حسم بعض الصراعات في المنطقة، في إطار الدور الوظيفي للمؤسسة العسكرية المصرية في الاستراتيجيات الدولية والإقليمية في هذه المرحلة (8).

————————————–

الهامش

(1) السيسي يفتتح قاعدة محمد نجيب العسكرية “الأكبر بالشرق الأوسط”.. حضور بارز للشيخ محمد بن زايد وأمراء وقادة العرب/ اليوم السابع 22 يوليو 2017م، تاريخ الدخول 24 يوليو 2017، الرابط

(2) ما هي الفرقة الرابعة المدرعة التي ترعب الإسرائيليين؟, مصر العربية، تاريخ النشر 23 يوليو 2017، تاريخ الدخول 25 يوليو 2017، الرابط

(3) محمد نجيب» بمدينة الحمام و«برانى» بالمنطقة الغربية .. ، الأهرام، تاريخ النشر 23 يوليو 2017، تاريخ الدخول 25 يوليو 2017، الرابط

(4) القوات المسلحة تنشئ قاعدة محمد نجيب العسكرية بمدينة الحمام وقاعدة برانى العسكرية بالمنطقة الغربية / صفحة المتحدث العسكري بأسم الجيش المصري تاريخ النشر 22 يوليو 2017، تاريخ الدخول 24 يوليو 2017، الرابط

(5) القاهرة تنفي ما تردد من معلومات حول محادثات مصرية روسية لاستئجار قاعدة عسكرية، روسيا اليوم، تاريخ النشر 10 أكتوبر 2016، تاريخ الدخول 25 يوليو 2017، الرابط

(6) السيسي يستقبل محمد بن زايد في مطار القاهرة، سي أن أن، تاريخ النشر 10 نوفمبر 2016م، تاريخ الدخول 24 يوليو 2017، الرابط

(7)  السيسي يجتمع بالمجلس العسكري ويستعرض جهود مكافحة الإرهاب، الشرق الأوسط، تاريخ النشر 05 أكتوبر 2016، تاريخ الدخول 24 يوليو 2017م، الرابط

(8) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close