fbpx
تحليلاتقلم وميدان

قراءة سياسية في خطاب السيسي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في الرابع والعشرين من فبراير 2016، ألقي عبد الفتاح السياسي، قائد الانقلاب العسكري في مصر، خطاباً مطولاً بمناسبة ما أسماه “إطلاق استراتيجية مصر للتنمية المستدامة “رؤية مصر 2030″، وفي الوقت الذي كان يتوقع الكثيرون من المؤيدين للنظام السياسي الحاكم في مصر الآن، أن يعكس الخطاب مضامين وأبعاد هذه الرؤية، جاء الخطاب عاكساً للعديد من المؤشرات والأبعاد شديدة الأهمية، من النواحي السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وهو ما يمكن الوقوف على بعضِ منها، وذلك على النحو التالي:

أولاً: الأبعاد السياسية:

عكست نبرة الخطاب والحالة النفسية والعصبية التي ظهر عليها قائد الانقلاب وجود أزمات سياسية حقيقية، يعاني منها النظام السياسي في مصر في هذه المرحلة، وما يترتب على ذلك من تداعيات:

1ـ الأزمات الداخلية:

يعكس الخطاب عمق الأزمات الداخلية، ولعل أهمها، ما تناولته العديد من التقارير من وجود حالة من التذمر السياسي داخل بعض الأجهزة العسكرية والأمنية من الأداء السياسي لقائد الانقلاب وممارساته في السلطة، ترتقي هذه الحالة، عند البعض، من التذمر إلى الحديث عن انشقاقات وصراعات داخلية حقيقية، أكدتها بعض المؤشرات، لعل من بينها لقاءات رئيس الأركان مع سفراء بعض الدول الأجنبية والعربية العاملة في مصر (على سبيل المثال، اللقاء مع السفير السعودي بالقاهرة حيث جرى خلال اللقاء “استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، و مناقشة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك” كما ورد في بيان صادر عن السفارة السعودية بالقاهرة)، وهو دور ليس منوطاً به، أو مسؤلاً عنه.

كذلك تعدد اللقاءات والمقابلات الخاصة التي يقوم بها وزير دفاع الانقلاب وكبار رجال المؤسسة العسكرية مع أسلحة الجيش المختلفة لاحتواء حالات عدم الاستقرار ومحاولة تسوية الأزمات الداخلية لديهم، واحتواء صراعاتهم قبل أن تنفجر وتؤدي لإسقاط النظام، خاصة وأن هذه المؤسسة هي الركيزة الرئيسة لاستمرار أو انهيار هذا النظام.

2ـ المعارضة السياسية:

كشف الخطاب عن وجود نزعة لإلغاء وليس فقط تهميش المعارضة السياسية الداخلية للنظام، وهو ما برز في دعوته للأخذ عنه فقط، وسماع كلامه هو فقط، أو “الإبادة من على وجه الأرض لمن يعمل كذا وكذا”، وهنا أقول معارضة، قاصداً بذلك التيارات والقوي والنخب السياسية التي قبلت بمسار 30 يونيو وتعاطت مع خطواته ومراحله وارتضت أن تعمل من داخل نظام 3 يوليو العسكري، ولا تتضمن هذه التيارات، القوي المناهضة أو المقاومة والرافضة لبقاء هذا النظام وتعمل على إسقاطه. فإذا كان هذا هو توجه رأس النظام نحو من شاركوه ومنحوه نوعاً من الشرعية، فإن الوضع سيكون أشد كارثية وتشدداً وقمعاً ضد من يناهضونه ويقاومونه ويسعون إلى إسقاطه.

3ـ التقييم السياسي:

عند حديثه عن الحكومة، قال قائد العسكر: “إنتو هتعرفوا أكتر منى. الحكومة دي كويسة ولا لا.. وأنا بقعد معاهم كل يوم.. وأنا مش بدافع عن حد.. وهو مسئول الحكومة بياخد إيه علشان يستحملك وتضرب فيه ليل ونهار وفى الجرائد وغيره”. وأضاف: “لو فى حاجة عايزة تتعدل هنعدلها وأرجو إننا نوفر مناخ جيد وحافظوا عليه وشجعوه”

وهذه النصوص وغيرها الكثير مما تضمنه الخطاب ترسخ التوجه نحو تغييب إن لم يكن تدمير أية أطر قانونية أو تنظيمية للرقابة والتقييم السياسي لعمل الحكومة، ويكفي أن يقول قائد العسكر أنها جيدة حتى تكون جيدة، والعكس.

4ـ ترسيخ الهيمنة والديكتاتورية:

وهي نتائج طبيعية لتدمير الحياة السياسية، وطبيعة رؤية قائد العسكر للمؤسسات السياسية وكيفية التعاطي معها، وموقفه من القوي والتيارات السياسية الداعمة له، وهذه النزعة إذا كانت الآن في مواجهة المؤسسات السياسية والمدنية، فإنها مع مزيد من التمكين السياسي ستكون في مواجهة كل المؤسسات العسكرية والأمنية، والتي ستتحول تدريجياً لمجرد أدوات لفرض القمع والهيمنة.

يؤكد ذلك تصريحاته الارتجالية في الخطاب والتي جاءت بلهجة غاضبة وحادة، حيث أعلن صراحة للجميع: “إما السكوت وتركه يعمل من أجل البلد كونه الوحيد الذي يعرف ذلك، أو الإبادة من على وجه الأرض نهائياً، معلناً صراحاً أنه لن يترك حكم البلاد في أي ظرف إلا على جثّته ميتاً أو أن تنتهي ولايته”.

ثانياً: الأبعاد الاقتصادية:

كشف خطاب قائد الانقلاب عن العديد من الأبعاد الاقتصادية التي من شأنها أن تفرز العديد من الأخطار والتهديدات المستقبلية، لعل في مقدمة هذه الأبعاد:

1ـ غياب المصداقية:

فالرؤية الاستراتيجية 2030، التي تم الحديث عنها، وكانت محوراً للمؤتمر، تم نشرها في صحيفة الأهرام الحكومية المصرية منذ نحو 5 سنوات، وتحديداً خلال فترة حكم المجلس العسكري الأولي بعد الثورة، بتاريخ 22 مايو 2011، بل وأعيد نشرها منذ عدة أشهر عبر عدة وسائل إعلامية، وبالتالي لا جديد يقدمه رأس النظام، وهو ما يعكس ما يمكن تسميته “نوعاً من التضليل السياسي”، وهذا ليس جديدا على النظام الحاكم في مصر، بل سبق وتم الإعلان عن العديد من الخطط والرؤى والتصورات، ثم يتم الكشف بعد ذلك أنها كانت لنظم سابقة.

2ـ المشروعات الوهمية:

فالمضمون العام للخطاب، المكتوب والمرتجل، يدفع باتجاه ترسيخ فرضية المشروعات الوهمية التي يتم الترويج لها بين الحين والآخر، سواء من خلال إطلاق مشروعات لا تتفق والواقع الاقتصادي المصري في هذه المرحلة وما يشهده من انهيارات وأزمات، أو من خلال القول بأن هناك إنجازات تحققت بالفعل على أرض الواقع ولكن لا يتم الإعلان عنها خوفاً كما قال قائد الانقلاب في خطابه من “الأشرار”.

3ـ الدعم الخارجي (الخليجي):

كشف الخطاب عن وجود أزمة حقيقية في العلاقة بين النظام العسكري الحاكم في مصر وداعميه الخارجية، وهو ما تم الوقوف عليه من إشارة قائد الانقلاب إلى وجود “من يعاير مصر بفقرها”، ثم تأكدت هذه الأزمة بعد أقل من 48 ساعة من الانتهاء من الخطاب، مع تعدد التقارير الإعلامية التي تتحدث عن رفض المملكة العربية السعودية، الداعم الرئيس للانقلاب العسكري، تمويل العديد من المشروعات التي قدمتها حكومة الانقلاب لحكومة المملكة، في إطار المجلس التنسيقي المصري – السعودي، للحصول على ما سبق وأعلنت عنه المملكة من رفع قيمة استثماراتها في مصر إلي 30 مليار ريال سعودي.

وذهب البعض إلى أن أسباب الرفض قد تكون اقتصادية بالأساس، وتتعلق بمعيار الربحية التي يمكن تحقيقها من خلال هذه المشروعات، وخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها السعودية جراء انهيار أسعار النفط، إلا أن البعد السياسي غير غائب على خلفية موقف النظام العسكري الحاكم في مصر من إعلان السعودية عن رغبتها في تدخل عسكري في سوريا.

4ـ الاستنزاف الاقتصادي للمواطنين:

حيث رسخ الخطاب توجهات نظام 3 يوليو في استنزاف كل القدرات الاقتصادية والمادية للمواطنين، والتي ظهرت بقوة في توجيه المواطنين لمدخراتهم في مشروع تفريعة قناة السويس ثم ظهور دعوات للتبرع بفوائد هذه المدخرات، بل ومطالبة البعض بالتبرع بأصول هذه المدخرات، ثم جاءت خطوة أخري للاستنزاف دون رقابة أو محاسبة تحت مسمي “صندوق تحيا مصر”، ثم جاءت الخطوة الجديدة في خطاب قائد العسكر، محل التحليل، وتمثلت فيما اسماه إعلامه “مبادرة صبح على مصر بجنيه”، وهي امتداد لتصريحات سابقة لقائد العسكر عندما كان وزيرا للدفاع والتي أعلن فيها أنه سيفرض على شبكات المحمول تعريفة للمرسل والمستقبل.

ثالثاً: الأبعاد الاستراتيجية:

جاء الخطاب كاشفاً عن العديد من التحديات والأخطار الاستراتيجية التي ترتبط ليس فقط بالأمن القومي المصري ولكن بالأمن القومي للمنطقة، ومن ذلك:

1ـ قضية الإرهاب:

كشف خطاب قائد النظام العسكري عن دور فاعل في تنامي ظواهر العنف في شبه جزيرة سيناء، فقد قال: “إنه خلال عمله كمدير للمخابرات الحربية كان يعلم جيدًا طبيعة الأوضاع فى سيناء، مشيرًا إلى أن مجابهة الإرهاب الحقيقية لم تبدأ إلا بعد 30 يونيو، مضيفًا: “هما اللي بدؤوا مش إحنا”، وأضاف “أنه كان بالإمكان أن نعيش جميعًا سويا، وكل فئة بمعتقداتها وأفكارها، ولكنهم رفضوا”.

وفي إطار هذه النصوص يمكن القول أن دور العسكر وقائدهم في تغذية الإرهاب والعنف في سيناء، لا يخرج بأي حال من الأحوال عن مستويين رئيسيين:

المستوى الأول: المشاركة في دعم حركات العنف، تمويلا وتوجيهاً وتخطيطاً وتدريباً وتأهيلاً.

المستوى الثاني: التواطؤ مع القائمين عليها وتوفير العديد من صور الدعم لها حتى تتمدد وتكون وسيلة من وسائل الابتزاز السياسي والعسكري، بل ومبرراً للعديد من الممارسات القمعية ضد المواطنين المدنيين في سيناء، وكمقدمة لتفتيت وتدمير المنطقة أو التنازل عنها مستقبلاً لصالح الكيان الصهيوني في ظل هذه الحالة من التماهي الكبير بين نظام العسكر في مصر والكيان الصهيوني المحتل في فلسطين.

2ـ أزمة سد النهضة:

جاء تعاطي قائد العسكر مع هذا الملف كارثياً ليس فقط فيما يتعلق بكيفية إدارة هذا الملف، ولكن في وجود العديد من الخفايا والأسرار التي لم يتم الكشف عنها في التعاطي معه مستقبلاً.

فقد جاء في “الخطاب المرتجل”: “هقول الكلام ده بالرغم إنه من منظور الأمن القومي غير صحيح.. في سد بيتعمل، وهنتفق مع الناس على عدد سنين معينة لكي يبنوا السد، طب الميه أعوضها منين، أسيب الفلاحين من غير ميه ولا إيه؟”. وأضاف: “لو سمحتوا اللي يتكلم في موضوع يدرسه كويس، أو تعلالى وأنا أقول لك الحكاية أيه.. لا يوجد تواصل حقيقي بين الدولة ومؤسسات الإعلام، ومفيش تواصل حقيقي بشكل منتظم”، وأكد أن هناك صراعا يتم معه ومحاولة لإيقاف البناء والسعي”.

وهذه النصوص مع وجود بعض التقارير المنشورة على لسان بعض رموز النظام العسكري في مصر، عن إمكانية نقل المياه للكيان الصهيوني عبر سيناء (مليار متر مكعب مبدئياً وكمرحلة أولي)، هي أحد التفسيرات للتصعيد الكبير في أزمة النيل، بمعني أن يتم تعقيد الأزمة والوصول بها إلى نقطة اللاعودة وعدم القدرة على الحسم، وهنا تتم التسوية عبر ضمان حصة مصر في مياه النيل مقابل نقل المياه والكهرباء عبر مصر إلى الكيان الصهيوني.

3ـ دور الكيان الصهيوني:

لم يكن حديث قائد العسكر عن استعداده لبيع نفسه نوعاً من العبث السياسي، أو فقط الخطاب العاطفي الذي يخاطب به البسطاء من المواطنين، الذين يمكن أن تؤثر فيهم مثل هذه اللغة، ولكنه يعكس توجهاً حقيقياً لدى قائد العسكر ونظامه لبيع كل شيء في مصر، مهما كانت قيمته، والتضحية بثروات مصر ومقدراتها من أجل البقاء في السلطة ونهب الثروة، وسيكون البيع في المرات القادمة ليس فقط لصالح دول عربية داعمة للعسكر مثل الإمارات والسعودية.

ولكن سيتم التوسع في البيع لمن يدفع، وقد تظهر في الصورة روسيا والصين وإيران، إلا أن الأخطر هو البيع لصالح الكيان الصهيوني الذي لديه أطماع تاريخية في مصر وغيرها من الدول العربية.

ومن مؤشرات ترسيخ هذا التوجه الجديد في البيع وللمشترين الجدد، إشارته إلى أن “هناك من يعايره بفقره”، هذا من ناحية، وما قامت به السلطات المصرية بعد الخطاب من إعلان إلغاء شرط إثبات الجنسية للتملك في شبه جزيرة سيناء، للعقارات أو الأراضي، وهو ما يفتح باباً خلفياً لتوسع عمليات تملك الصهاينة في المنطقة، في إطار مخططات واضحة ومحددة ومدروسة يتم تنفيذها بدقة، وفق توقيتات محددة.

وبعد …

هذا بعض من فيض، وهذا ما دفعني للقيام بتقديم هذه القراءة في هذا الخطاب تحديداً لأنه جاء كاشفاً للكثير من التوجهات التي تشارك فيها كل مؤسسات نظام 3 يوليو، وخاصة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، وكذلك المؤسسات الحكومية، والبرلمان، ويأتي دور الإعلام الموالي للنظام في تبني سياسة الإلهاء لشغل الجميع عن مثل هذه التحديات الكبرى بقضايا فرعية وهامشية، في الوقت الذي تسير فيه أجهزة ومؤسسات ورموز النظام الحاكم في تنفيذ مخططاتها بدقة وتركيز والتي ستقود حال بقاء هذا النظام واستمراره في السلطة إلى مزيد من التدمير لقدرات وثروات هذا الوطن، بل إنها ستكون مقدمة لتفكيكه وتقسيمه إلى عدة دويلات، في إطار المخططات الدولية التي تستهدف المنطقة والإقليم، وما تشهده سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان ليس خافياً على أحد.

وهو ما يجب الوعي له والتحسب له، من جانب كل القوي الوطنية عامة والثورية خاصة، فليس منطقياً أن يرفع نظام 3 يوليو شعارات من قبيل “حتى لا نكون مثل سوريا والعراق”، ويُروج لذلك عبر آلته الإعلامية، وهذا النظام هو أهم أدوات تنفيذ سيناريو سوريا والعراق في مصر، بل إنه أهم أدوات تنفيذ هذا السيناريو في سوريا (عبر دعمه لنظام بشار) وفي العراق (عبر دعمه للنظام الطائفي الموالي لإيران) وفي ليبيا (عبر دعمه لقائد الانقلاب العسكري في ليبيا خليفة حفتر).

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close