دراسات

قصة أيديولوجيتين ـ الوهابية والإخوان المسلمون

 

تمهيد:

تتشكل الأيديولوجيات الإسلاموية، نتيجة التفاعل بين ثلاثة عوامل متباينة: النص الديني، السياق التاريخي والاجتماعي، الميل الأيديولوجي والخبرات الحياتية للمنظرين المؤسسين. وبناء على هذا الطرح، تسعى هذه الدراسة لاستكشاف الأيديولوجيا الوهابية وأيديولوجيا الإخوان المسلمين كمقدمة ضرورية لدراسة نماذج الدولة الإسلامية التي تتبناها كل أيديولوجيا. هذا التحليل الأيديولوجي يتضمن استعراض ومقارنة التحديات الأساسية التي ارتبطت بنشأة هذه الأيديولوجيا، والخلفية الأكاديمية والميل الأيديولوجي للمنظرين المؤسسين (1).

أولاً: السياق التاريخي والاجتماعي:

الأيديولوجيات ليست نظما مغلقة من الأفكار، مجردة ومعزولة عن البيئة السياسية والاجتماعية دائمة التغير، إلا أن المعتقدات الجوهرية لكل أيديولوجيا تظل إلى حد كبير محددة بالتحديات التي حفزت ظهورها والسياق التاريخي الذي ولدت فيه. وبالنسبة للأيديولوجيا الوهابية، فقد كانت نجد في القرن الثامن عشر هي محل الميلاد الذي حدد المعتقدات الجوهرية للوهابية، ومنطقة نجد هي صحراء ممتدة تقع في وسط الجزيرة العربية، وتوصف بأنها أرض قفر، لذا فهي كانت منطقة معزولة تقريبا.2

واجتماعيا، كانت نجد منقسمة بين البدو الرحل وسكان الحضر، وكلاهما كان ينتظم في وحدات صغيرة مستقلة مثل القبائل والشياخات، وكانت مجموعات القبائل ترتبط بأواصر قرابة، وكانت لكل قبيلة عشيرة حاكمة، ينتقى منها شيخ القبيلة.3 إلا أن نجد في العقود الأولى من القرن الثامن عشر كانت في حالة صراع دائمة، حيث كانت القبائل تعيش في حالة تقاتل مستمرة، وتفتقد الحد الأدنى من مشاعر الانتماء الوطني أو العصبية الجامعة.4

وسياسيا، كانت نجد تحتل مكاناً هامشياً في العالم الإسلامي، فمنذ أن ضعفت الخلافة العباسية في القرن العاشر الهجري، لم تسع أي من الإمبراطوريات الإسلامية الكبرى أن تحكم هذه المنطقة، حيث أنها لم يكن بها موارد اقتصادية ذات قيمة أو تمثل تهديدا استراتيجيا أو أن فتحها سيحقق مجدا.5

وعلمياً، كان علماء نجد يدرسون في المراكز العلمية الإسلامية في الحجاز ومصر وسوريا والعراق، وكانوا على الأغلب ينتمون إلى الفقه الحنبلي، وكانت هناك عائلات بعينها تختص بالحفاظ وتوارث هذه التقاليد العلمية، منهم آل مشرف التي ينتمي إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب.6

وكان المؤرخون الوهابيون يرسمون صورة قاتمة للأوضاع الدينية في نجد في القرن الثامن عشر، فعلى سبيل المثال، حسين بن غنام، يذكر في كتابه “تاريخ نجد”، والذي يعد أحد الكتب الرسمية لتاريخ الحركة الوهابية، أنه قبل الشيخ ابن عبد الوهاب كان أغلب المسلمين –خصوصا في الجزيرة العربية – قد عادوا إلى الشرك والجاهلية، ونتيجة لانتشار الجهل الديني والتحلل الأخلاقي وانقسام المسلمين إلى فرق متنازعة فقد عاد الإسلام غريبا كما نص على ذلك أحد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.7

وإجمالا يمكن استنتاج أن الأيديولوجيا الوهابية عند ميلادها تشكلت بثلاثة محددات: البيئة القبلية والتي سادت فيها تنظيمات سياسية تقليدية (ما قبل حديثة)، الموروث العلمي التقليدي (الحنبلي على الأخص)، انتشار الممارسات والمعتقدات المنحرفة شرعيا والتي تعتبر التحدي الأساسي الذي استجابت له الحركة الوهابية. ونتيجة لذلك، فإن الوهابية كانت حركة إصلاحية تقليدية، أسسها عالم شرعي حنبلي، وقد مارست نمطا دعويا وتعليميا تقليديا، واعتمدت على التحالفات القبلية أو الفتوحات في توسعها، ولأن التحدي الذي أسهم في نشأة الوهابية كان تحديا دينيا بالأساس، لذا فقد تبنت الوهابية أجندة إصلاحية دينية خالصة.

وبخلاف البيئة التقليدية في نجد في القرن الثامن عشر، فإن الإخوان المسلمين تأسست في الدولة الحديثة الناشئة في مصر في الربع الثاني من القرن العشرين، تحديدا عام 1928م.8 فما بين عامي 1922م و1952م – العقود التي توصف عادة بالحقبة الليبرالية في التاريخ المصري الحديث – كانت مصر دولة مستقلة قانونيا، تحمل صفات متداخلة من الحكم الملكي والديمقراطي، ففي عام 1923م أصدر الملك دستورا جديدا يسمح بتأسيس حكومة برلمانية، لكن السلطة حقيقة كانت مقسمة بين ثلاثة أطراف: سلطة الاحتلال البريطاني، والملك، والبرلمان الذي كان حزب الوفد هو عادة حزب الأغلبية فيه.9

وقد كان إلغاء الخلافة الإسلامية والاستعمار الأوروبي والتحالف بين النخب العلمانية المصرية والمستعمرين هو ما دفع حسن البنا لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين.10 والتأثير الأهم الذي تعرض له البنا كان عند انتقاله إلى القاهرة في عام 1923م لاستكمال تعليمه العالي، فقد أذهلته الفجوة بين الحياة في بيئته الريفية والحياة الجديدة في القاهرة والتي كانت تتعرض لفورة ثقافية وسياسية في أعقاب ثورة 1919.11

وفي مذكراته، وصف البنا الفترة التي قضاها في مصر في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وأشار إلى أنه في هذه الفترة “اشتد تيار موجة التحلل في النفوس وفي الآراء والأفكار باسم التحرر العقلي، ثم في المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي، فكانت موجة إلحاد وإباحية قوية جارفة طاغية، لا يثبت أمامها شيء، تساعد عليها الحوادث والظروف”.12

وقد اتهم البنا الانقلاب الكمالي على الخلافة الإسلامية، والنخب العلمانية المصرية أنها تعمل على إضعاف الدين ونشر المادية الغربية، ولاحظ البنا بمرارة أن معسكر الانحلال والإباحية كان في حالة قوة وفتوة، بينما كان معسكر الفضيلة الإسلامية في تراجع وانحسار، لذا قرر أن يعمل هو بإيجابية، وأن يدفع القادة الإسلاميين إلى العمل سويا وبجدية للعمل ضد تيار الإلحاد والإباحية أو أن يأخذ هو زمام المبادرة.13

وخلال التأسيس الثاني لجماعة الإخوان المسلمين في خمسينيات القرن الماضي، بعد اغتيال مؤسسها، كان المنظر الأساسي في هذه الفترة سيد قطب يواجه تحديا آخر، وهي النظم العسكرية العلمانية التي نشأت عقب استقلال الجمهوريات العربية، فالحقبة الليبرالية في مصر قد انتهت على يد حركة الضباط الأحرار عام 1952م، وأصبحت الأيديولوجيا المعلنة في مصر بعد الاستقلال علمانية: اشتراكية وقومية عروبية، وقد أنشأ الحكام الجدد نظام الحزب السياسي الواحد، والذي يمتاز بتركز السلطة السياسية، وتضخم جهاز الدولة.

لذلك فقد هيمن النظام الجديد على كافة الأنشطة الاجتماعية (الاقتصاد – التعليم – الإعلام – الدين … إلخ)، مدعوما بأجهزة أمنية ضخمة ومتوحشة، وفي خلال مسعاه لإخضاع الديني للسياسي، قام النظام العسكري الناصري بسحق الحركات الإسلامية وعلى الأخص الإخوان المسلمين.14 وكانت الحملة على الإخوان المسلمين محفزاً للتحول الراديكالي لأفكارها كما يظهر في كتابات سيد قطب والتي كتب أكثرها من زنزانة سجنه.15

باختصار، يمكن القول أن العامل الأول الذي يفسر الاختلافات في الأفكار الدينية والسياسية بين الوهابية وبين أيديولوجيا الإخوان المسلمين هو السياق التاريخي والتحديات المؤسِّسة لكل منهما، فالنمط الأول للأيديولوجيا الإسلاموية الإصلاحية كان سلفيا، حيث واجهت نظما ما قبل أيديولوجية، مثل التدين الشعبي والتقاليد المحلية16.

أما الإخوان المسلمون فقد واجهوا تهديدات أخرى: الاستعمار، التغريب، الأيديولوجيات العلمانية الحديثة (القومية – العروبية – الاشتراكية)، النظم العسكرية السلطوية. هذه التحديات كما تبدو حداثية وسياسية، ولهذا فقد طوَّرت جماعة الإخوان المسلمون أيديولوجيا إسلاموية أكثر نضجا وأكثر تسيسا، ولذلك تُعتبر المؤسس الحقيقي للإسلاموية.17

علاوة على ذلك، فإن اختلاف السياقات أثر كذلك على هيكلية كلا الحركتين، فالوهابية هي دعوة تقليدية، تعتمد على آلية الوعظ الكلاسيكي، وكتابة الرسائل الدينية، وتلقين طلاب العلم، بالإضافة إلى التحالف أو الصراع بين القبائل.18

وبالمقابل، فقد أسس حسن البنا منظمة حديثة تتبنى أجندته الإسلامية، فقد سعى لنشر أفكاره باستخدام أدوات متنوعة: الوعظ في أماكن غير مألوفة مثل المقاهي، وإصدار الصحف، وإنشاء مؤسسات خدمات إجتماعية (مدارس – عيادات – جمعيات خيرية …إلخ).19 ونتيجة لذلك تكونت الخلايا في الجامعات والمصانع والمناطق،20 وخلال عشرين سنة صارت عضوية الجماعة تقدر بمئات الآلاف، وعدد المقرات يتجاوز الألفين في أنحاء القطر.21 بالإضافة إلى ذلك، فقد قام البنا – كمؤسس لحركة اجتماعية – بالعمل على تحديد رسالة وأهداف ووسائل جماعته، وكذلك منظومتها القيمية وأعرافها، ثم قام بتطبيق مختلف أدوات التنشئة الاجتماعية حتى ينضبط أعضاء الجماعة بأهدافها وقيمها ليضمن جماعة متماسكة وجيدة التنظيم.2

ثانياً: المنظّرون المؤسسون:

كان اختلاف الخبرات الشخصية والميول الأيديولوجية للمنظرين المؤسسين هو المحدد الثاني الذي شكّل الأيديولوجيتين المتنافستين وتسبب في اختلافاتهما، فالحركة الوهابية تأسست على يد عالم نجدي شاب هو محمد بن عبد الوهاب (1703-1792م).23

وبإلقاء الضوء على خلفيته العلمية وطبيعته الشخصية يمكن إدراك جوانب هامة من ميله الأيديولوجي، فالشيخ ابن عبد الوهاب ينتمي لعائلة بارزة من العلماء (آل مشرف) والتي كان منها العديد من القادة الدينيين (قضاة وعلماء ..) في التجمعات البدوية بنجد، فوالده عبد الوهاب بن سليمان آل مشرف (المتوفى عام 1740) كان القاضي الرئيسي في العيينة.24

في طفولته، تلقى الشيخ محمد بن عبد الوهاب مقدمة المعارف الإسلامية التقليدية في بيئته،25 ولاحقا بدأ رحلته في طلب العلم وهو التقليد الأكاديمي المتبع للعلماء، وتحصر المصادر الوهابية رحلة الشيخ الأكاديمية في المراكز العلمية العربية: الإحساء، المدينة، مكة المكرمة، البصرة. بعض المصادر الأخرى تذكر أن الشيخ زار مدنا إسلامية إضافية، مثل: الموصل ودمشق وبغداد، بل وحتى بعض المدن الإيرانية.26

وهكذا كان محمد بن عبد الوهاب عالما تقليديا، وكانت خبرته التعليمية إسلامية بحتة، وبالرغم من ذلك فإن بعضا من معاصريه – ومنهم أخيه سلمان – قد اتهموه الشيخ بنقص كفايته العلمية وأن هذا هو ما دفعه إلى مخالفة الأفكار الإسلامية التي كانت سائدة في عصره. 27

وقد شاع أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان ذا شخصية راديكالية وتصادمية، فعند عودته من رحلته العلمية، اصطحب معه مجموعة من الكتب ووصفها بأنها الذخيرة التي أعدها للمجمع في نجد،28 وكذلك فإن الصورة المستقرة في المخيلة الغربية بل وفي بعض البلدان الإسلامية كذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب متطرف ديني، يرفض الموروثات الدينية السائدة، ويتبنى قراءة حرفية للنصوص الدينية، وغير متسامح مع أولئك الذين يختلفون معه، ولديه توجه تمييزي ضد المرأة والأقليات، ويستخدم العنف لنشر أفكاره الدينية.29

وتدعم هذه الصورة السلبية عدة شواهد، منها: اتهامه الخلافة العثمانية والمسلمين في عهده بالشرك والردة وإعلانه الجهاد ضدهم،30 وتطبيقه حد الرجم بحق امرأة اتهمت بالزنا، وهدمه ضريح الصحابي زيد بن الخطاب رضي الله عنه في العيينة.31

وفي المقابل يرى البعض أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، اتسم بالمرونة الفكرية فتعريف الشيخ للجهاد هو تعريفٌ دفاعي، ولم يتهم كافة معاصريه من المسلمين بالكفر،32 وأن الفكر التكفيري الذي صار الوهابيون يوسمون به تاريخياً لا يوجد في كتابات الشيخ المؤسس،33 كما أنه كان يرى أن العلم وليس الجهاد هو الطريقة الأساسية لتصحيح فهم الإسلام، ولذلك ففي الجزء الأخير من حياته، منذ العام 1773م، كرس نفسه للعلم الشرعي.34

وبخلاف السمة النصوصية التي وُصف بها الشيخ، ترى “دي لونج باس” أن ابن عبدالوهاب كان يؤمن بأهمية إعادة تفسير النصوص الدينية وفق معطيات المرء الزمانية والمكانية ويرفض التقليد والتفسير الحرفي للنصوص،35 ودعمه هذا للاجتهاد يظهر جليا في استناده إلى أفكار مدارس فقهية متنوعة،36 حتى في قضايا المرأة، فقد كان ابن عبد الوهاب أكثر تقدمية عن الأفكار التي كانت سائدة في عصره، منها -على سبيل المثال- إصراره على الحصول على موافقة المرأة قبل زواجها، وحقها في التصرف في مهرها الشرعي، وحقها في التطليق إذا تم إساءة معاملتها بدنياً.37

وبالتالي فإن تصوير الوهابية على أنها أيديولوجيا واحدية (لا تؤمن بالتعددية)، ورجعية (شديدة المحافظة) وجهادية (تسعى إلى إقصاء الأفكار والممارسات الدينية الأخرى) ربما يعود – وفقا لدي لونج باس – إلى بعض التطورات التاريخية التي وقعت بعد وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.38

وفي المقابل فإن المنظّرين الأساسيين للإخوان المسلمين حسن البنا وسيد قطب يعبران عن جيل آخر من الإحيائيين الإسلاميين، فكلاهما ولد في أوائل القرن العشرين (1906م)، وقد تربيا في منطقة ريفية صغيرة محافظة، وتلقيا تعليما مدنيا، واشتغلا بمهنة مدنية، ثم عاشا في عاصمة مدنية كبيرة وهي القاهرة، ومارسا نمطا حديثا من النشاط السياسي والديني.

فقد ولد حسن البنا في مدينة المحمودية، بمحافظة البحيرة التي تقع 90 ميلا شمال غرب القاهرة، وكان والده الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا عالما دينيا وإماما بمسجد المدينة، وقد تأثر البنا بعلوم والده الدينية التقليدية، وتلقى تعليمه الأساسي ومعارفة الدينية الأولية على يديه، وبعد تخرجه من دار المعلمين في دمنهور (عاصمة محافظة الغربية)، انتقل إلى القاهرة في سن السادسة عشر ليدرس بكلية دار العلوم، وفي عام 1927م تلقى البنا أول وظيفة تعليمية في مدرسة حكومية ابتدائية بالإسماعيلية بمنطقة قناة السويس، وهناك أسس جمعية الإخوان المسلمين في العام التالي.39

في سنوات حياته الأولى، كان البنا منخرطا في أنشطة دينية وسياسية عديدة، فعندما كان صبيا كان عضوا في جماعة صوفية تعرف بالحصافية، وفي سن الثالثة عشر عين سكيرتيرا لمجموعة أخرى تهدف إلى الحفاظ على الأخلاق الإسلامية.40 علاوة على ذلك، فعندما اندلعت ثورة 1919، شارك البنا في التظاهرات ضد الاحتلال البريطاني، وهي الحادثة التي قوت مشاعر البنا الوطنية ضد القوى الأجنبية.41

والسيرة الذاتية لسيد قطب، المنظّر الثاني الأكثر تأثيرا للإخوان المسلمين، خصوصا في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، تظهر بعض التشابه مع نظيرتها لحسن البنا، فكلاهما ولد في نفس العام، لكن سيد قطب ولد في قرية موشا بمحافظة أسيوط بصعيد مصر، وقد كان الابن الأكبر لأسرة معروفة، مرت بظروف عسيرة، ووالده كان عضوا بالحزب الوطني (حزب الزعيم مصطفى كامل)، وكان منزل العائلة مقر اجتماع النخب السياسية بهذه المنطقة،42 وقد تلقى تعليما مدنيا كذلك في المدارس العامة، وفي الخامسة عشر ذهب إلى القاهرة ليكمل تعليمه العالي،43 وفي العام 1933م، تخرج من دار العلوم، نفس الكلية التي تخرج منها البنا قبله بسنوات، ثم عمل بعد ذلك بوزارة التربية والتعليم كمدرس أيضا.44

إلا أن سيد قطب في شبابه لم يلتحق بأي مؤسسة دعوية أو ينخرط بأي نشاط ديني، بل كان منجذبا إلى الأدب،45 وخلال العشرينيات وحتى الأربعينيات من القرن العشرين، عرف سيد قطب كمفكر علماني، وعمل كروائي وشاعر وناقد، 46 علاوة على ذلك، ففي خلال سنوات دراسته، قدمه عمه إلى حزب الوفد، ليصبح عضوا فيه وتلميذا لكاتبه وفيلسوفه عباس العقاد،47 لكنه لاحقا في عام 1945م، ترك الحزب بل الانتماء الحزبي كله لما رآه من سلوك انتهازي للسياسيين.48

التحول النهائي لسيد قطب من العلمانية الحداثية إلى الإسلاموية بدأ حواليّ العام 1947م، عندما كتب كتابه الإسلامي الأول “العدالة الاجتماعية في الإسلام”، ثم ازدادت آراؤه الإسلامية راديكالية نتيجة إقامته بالولايات المتحدة بين عامي (1948م – 1951م) والتي جعلته على اتصال مباشر مع الثقافة الغربية الحداثية، لكن يبدو أنه لم ير في هذه الثقافة سوى المادية، والإباحية الجنسية، والسوقية، بغض النظر عن أي إنجازات علمية أو تقنية. وفي العام 1953م (في سن السابعة والأربعين، وبعد أربع سنوات من اغتيال البنا)، انضم سيد قطب رسميا إلى الإخوان المسلمين، وأصبح قائدها الفكري ومنظرها الرئيسي.49

وباستكشاف الخلفية الأكاديمية والخبرات الحياتية للمنظرين المؤسسين الثلاثة (قبل بدء دعوتهم)، يمكن أن نصل إلى بعض الاستنتاجات:

1ـ أنه بينما تلقى الشيخ محمد بن عبدالوهاب تعليما دينيا تقليديا في المراكز الإسلامية الرئيسية في الجزيرة العربية وأصبح عالما شرعيا، فإن كلا من حسن البنا وسيد قطب قد تلقيا تعليما مدنيا، وأصبحا “مفكرين” إسلاميين وليسا عالمين شرعيين.

2ـ أن ابن عبدالوهاب، نتيجة خلفيته العلمية التقليدية وخبراته الحياتية، كان يتبنى نمطا بسيطا وثيولوجيًّا (دينيا بحتا) من الأيديولوجيا الإسلاموية، وبالمقابل، فإن البنا وقطب، نتيجة تعليمهما الحداثي واحتكاكهما بالأيدولوجيات والثقافة الغربية، طورا نمطا أكثر شمولا وأكثر تعقدا من الإسلاموية

3ـ أن كلا من ابن عبدالوهاب وسيد قطب كانا يتميزان بطبيعة شخصية راديكالية، وهذا يمكن تفسيره – في حالة ابن عبد الوهاب – نتيجة الطبيعة الخشنة، والثقافة البسيطة البدائية للحياة البدوية، وفي – حالة سيد قطب – نتيجة طبيعته الشخصية الشاعرية الرومانسية، والتي صارت أكثر راديكالية نتيجة تجربة سجنه الوحشية، أما حسن البنا، فخلافا لذلك، نتيجة كونه حركيا محترفا، وتنظيميا موهوبا، فقد كانت شخصيته تتمتع بالمزيد من المرونة والبراجماتية.

ثالثاً: الأفكار الدينية – السياسية الأساسية:

كنتيجة متوقعة لاختلاف السياقات التاريخية والمجتمعية، واختلاف التحديات المنشئة، واختلاف الخبرات الحياتية والميول الأيديولوجية للمنظّرين المؤسسين، فإن الأفكار الأساسية الدينية – السياسية لكل من الوهابية وأيديولوجيا الإخوان المسلمين اختلفت بشكل ملحوظ.

فالوهابية، وقد تأسست على يد عالم دين تقليدي في مواجهة ما اعتقده عقائد وممارسات إسلامية منحرفة، كان لها أجندة إصلاحية دينية بحتة، وقد كانت الأفكار الأساسية للوهابية هي: أن الامة قد عادت إلى الشرك والجاهلية، وأن عليها أن تعود ثانية إلى التوحيد الصحيح وأن تتخلص من البدع، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السبيل لمحاربة الشرك والبدع وإحياء التوحيد والسنة.50

فقد آمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه يعيش في أيام ينطبق عليها الحديث الشريف: “إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ”.51 وذلك نتيجة لأن العديد من الممارسات المنتشرة في عصره مثل تقديس أضرحة الاولياء، والتوسل إليهم، والشعائر الخاصة بالطرق الصوفية كانت تعد من قبله ممارسات شركية. 52

وبالمقابل تبنى ابن عبد الوهاب تعريفا خاصا للتوحيد، يتآلف من ثلاثة مفاهيم فرعية: توحيد الربوبية، والذي يعني الإيمان بأن الله واحد، وتوحيد الألوهية، والذي يعني الإيمان بأنه وحده المستحق للعبادة، وتوحيد الأسماء والصفات، والذي يعني الإيمان بأنه متفرد في أسمائه وصفاته. علاوة على ذلك، فقد أضاف الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه لا يكفي الاعلان عن التوحيد بالكلمات لتصير مسلما، بل يجب أن يعبر عن ذلك بالعبادة التي يخص بها الله وحده ودون أي وسطاء.53

أما بخصوص إحياء السنة ومحاربة البدع، فإن تعريف محمد بن عبدالوهاب للشريعة وموقفه من الفقه الإسلامي لم يكن بذات الوضوح الذي تمتعت به آراؤه في العقيدة، فبالرغم من دعوته النظرية للاجتهاد، إلا أنه ظل متمسكا بالمذهب الحنبلي والذي كان سائدا في نجد قبله ولم يُظهر أي رأي فقهي غير تقليدي.54

ولذلك فإن المعتقد السياسي لابن عبدالوهاب لم يكن إلا مجرد تكراراً للآراء السياسية للمدرسة الحنبلية التقليدية، وعلى الأخص ابن تيمية، ووفقا لمضاوي الرشيد، فقد كان تجاهل الشق السياسي للفكر الإسلامي أحد خصائص الوهابية منذ نشأتها، وكما أشار بعض المؤرخين الوهابيين، فإن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يهتم بكتابة رسائل لمناقشة طبيعة الإمامة في الإسلام، لأن هذا الموضوع قد نوقش فيما مضى.55

ويمكن إيجاز المبادئ السياسية لابن تيمية، والتي لها أثر واضح على الأيديولوجيا السياسية الوهابية في نقاط ثلاثة:

1ـ إقامة الدين وتطبيق الشريعة الوظيفة الأساسية للدولة الإسلامية، فالهدف الأساسي للسلطة السياسية هو إخضاع حياة البشر كاملة لله وجعل كلمته هي العليا،56 ولهذا، وفقا له، فإن الوظيفة الأساسية للحاكم هي إصلاح العقيدة، بما لها من أولوية في الإسلام، وحمل الناس على أداء الفرائض من صلاة وزكاة وحج، وأن يمنع حدوث الجرائم ضد دين الله والرعية، وأن يحمي المسلمين، ويعمل على نشر الإسلام. 57

2ـ كان لابن تيمية رؤية تقليدية سلطوية، وقد اتبع منطق مناظر لمنطق توماس هوبز Thomas Hobbes للدفاع عن آرائه، فالإنسان مدني بطبيعته، والبشر يحتاجون إلى الاجتماع لتأمين ما هو خير وتجنب ما هو شر للجميع، ولهذا السبب، فإن عليهم أن يخضعوا جميعا لسلطة بدونها لا يمكن العيش، وأن يطيعوها، وأنه واجب على المسلمين أن يطيعوا ولاة الأمر وأن يتمنوا لهم الخير ما لم يأموروهم بمنكر، وأنه لا يجوز أن يثوروا ضدهم ما داموا ينشدون الصلاح بينهم.58

3ـ أن ابن تيمية كان يؤمن أن وجود الإمام ضروري من أجل وحدة الأمة وتطبيق الشرع، ولذلك فقد سوّغ الحكم الوراثي، والأنماط الأخرى “المنحرفة” من المشروعية السياسية من باب الضرورة، ونتيجة لذلك، فقد نص على أن الإمام يمكن أن يعين باتفاق أهل الحل والعقد، أو بالاستخلاف من الإمام السابق، أو بقوة التغلب، وفي كل الأحوال يجب إطاعة الإمام كواجب ديني حتى وإن كان ظالما أو فاسقا ما لم يأمر بمعصية.59

أما بخصوص الإخوان المسلمين، فمن الممكن الزعم بأنها تشتمل على عدة ايديولوجيات وليست واحدة، فبعكس الوهابية التي ظلت إلى حد كبير حركة محلية، فقد أدى انتشار الإخوان المسلمين في دول عدة لها سياقات مختلفة إلى ظهور نسخ متعددة من أيديولوجيا الإخوان: النسخة الاشتراكية لمصطفى السباعي، المراقب الأول للإخوان المسلمين في سوريا، والنسخة الراديكالية لسيد قطب، ثم لاحقا، النسخة الليبرالية الديمقراطية للقيادي التونسي راشد الغنوشي. وفي هذه الدراسة، نهتم فقط بنسختين من أيديولوجيا الإخوان المسلمين: الأيديولوجيا الأولية لمؤسسها حسن البنا، وتلك التي تبناها سيد قطب المنظّر الأكثر تأثيرا للإخوان المسلمين بعد مؤسسها.60

فحسن البنا لم يكن عالما شرعيا تقليديا كما كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما أنه لم يكن منظّرا محترفا أو مفكرا سياسيا كما كان سيد قطب،61 بل هو بالأساس كان تنظيميا بارعا وقياديا كارزميا،62 ومع ذلك، فإن إسهامه الأساسي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر هو تعريفه المميز لمبدأ شمولية الإسلام، وهو التعريف الذي ذكره في رسالة التعاليم: “الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواءً بسواءٍ”63

ولأن فكرة شمولية الإسلام كانت الفكرة السياسية – الدينية المحورية للبنا، فقد قام بتأسيس جماعته وفق هذه القاعدة، ففي رسالة “الإخوان المسلمون تحت راية القرآن” كتب: “أيها الإخوان المسلمون … بل أيها الناس أجمعون … لسنا حزباً سياسيا، وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا.. ولسنا جمعية خيرية إصلاحية، وإن كان عمل الخير والإصلاح من أعظم مقاصدنا.. ولسنا فرقا رياضية، وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلنا.. لسنا شيئا من هذه التشكيلات”64

عوضا عن ذلك، فقد أعطى البنا الإخوان المسلمين تعريفا شاملا ووصفها بأنها “دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية وشركة اقتصادية وهيئة اجتماعية”.65 ثم وضع لهذه الجماعة الشاملة متعددة الأوجه أهدافا محددة: بناء الفرد المسلم الذي يتمتع بـأنه قوى الجسم، متين الخُلق، مثقف الفكر، قادرا علي الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدا لنفسه، حريصًا علي وقته، منتظما في شئونه، نافعا لغيره، وبناء الأسرة المسلمة باختيار الزوج أو الزوجة الصالحة، وتربية الأولاد تربية إسلامية، وبناء المجتمع المسلم، وبناء دولة الخلافة الإسلامية، وأستاذية العالم بالإسلام66

وبشكل واضح، كان البنا يستهدف تأسيس دولة إسلامية، إلا أنه اتبع استراتيجية تدريجية (من أسفل إلى أعلى)، معتمدا بالأساس على التربية والبرامج الاجتماعية الواسعة،67 وقد نص البنا على أن الحكومة من أحد وسائل الأخوان المسلمين، وأنهم سوف يسعون جاهدين أن يأخذوها من أيد الحكومات التي لا تلتزم الشرع، لكن الإخوان أكثر حكمة من أن يتقدموا لمهمة الحكومة ومازالت أرواح الأمة في الحالة التي هي عليها، وأنه يلزم أن تمر فترة قبل ذلك تنتشر فيها مبادئ الإخوان.68

فالبنا، استراتيجياً، كان يعطي الأولوية للدعوة حتى يغرس مبادئ الإخوان المسلمين في الجماهير أولا،69 وحتى يحقق هذا الهدف قام البنا بالسعي لتجنيد الأعضاء عضوا عضوا، وبناء جمعية خيرية، ورابطة رياضية، وحركة مناهضة للاستعمار في مؤسسة واحدة وربطها بتنظيم محكم وعلاقة وثيقة بين القائد وأتباعه.70

وبالمقابل، فإن بعض الباحثين يتهم البنا بأنه تبنى أيديولوجيا واستراتيجيات غامضة ومتناقضة، فعلى سبيل المثال، بعد تأسيسها بوقت قصير، أنشأ الإخوان المسلمون جناحا مسلحا يسمى الجهاز الخاص، والذي مارس العنف ليس فقط ضد القوى الاستعمارية أو الصهاينة في فلسطين، بل أيضا ضد الخصوم السياسيين المصريين في بعض الأحيان. وأيضا، فإن البنا حذر ذات مرة من أن بعض الوسائل الأخرى من الممكن اللجوء إليها بعضها ناعم وبعضها خشن، لأن الجماعة سيكون عليها أن تواجه معارضة وعدوانية الذين لا يفهمون الإسلام فهما صحيحا.72

مثال آخر لتناقض أيديولوجيا البنا السياسية هو موقفه من النظام البرلماني والأحزاب السياسية، فبالرغم من أنه دافع عن المبادئ الدستورية والتمثيل النيابي، إلا أنه هاجم بعنف التعددية الحزبية،73 كما أنه بالرغم من انتقاداته الحادة للنظام السياسي المصري في ذلك الوقت واتهامه بالفساد والنخبوية، إلا أنه في نفس الوقت رأى أنه من المناسب أن ينخرط في النشاط السياسي الرسمي ولذلك فإن الإخوان المسلمين اشتغلوا بالعمل السياسي على نسق الأحزاب وقدموا مرشحين للانتخابات البرلمانية عامي 1941م و1945م.74

هذا الغموض في أيديولوجيا واستراتيجية حسن البنا أثار الجدل حول صلته بالتيار الإصلاحي الذي سبقه، فبعض الكتاب يرون أن البنا كان امتدادا لهذا التيار، وأن البنا قد تأثر بأفكار محب الدين الخطيب ورشيد رضا تلاميذ الرمز الإصلاحي البارز الشيخ محمد عبده.75

وعلى النقيض، فالبعض الآخر يرى أن البنا وقطب كان توجههما أكثر راديكالية من الأفغاني وعبده، فالأخيران كانا تحديثيين بينما كان الأوليان أصوليين، وقد أشار نزيه أيوب (على سبيل المثال) أنه بينما كان الإصلاحيون التحديثيون مثل الأفغاني وعبده يسعون إلى تحديث الإسلام كان الجيل التالي مثل البنا والإخوان المسلمين يستهدفون أسلمة الحداثة.76 وأضاف محمد أيوب أن تأثير مصادر أخرى غير الموروث الإصلاحي يمكن ملاحظته في الإطار الأيديولوجي والتنظيمي الذي تبناه البنا مثل الأخوة الصوفية والأيديولوجيات السياسية الشمولية الحديثة.77

جدل مشابه قد أثير حول علاقة أيديولوجيا البنا وقطب، هل هي تواصل أم قطيعة؟.

العديد من الكتاب الإسلاميين مثل يوسف القرضاوي وطارق رمضان وفريد عبد الخالق يؤكدون على التمايز بين الأيديولوجيتين،78 التمايز الذي صاغه ببلاغة طارق البشري قائلاً: “إن أفكار البنا هي أفكار تزرع أرضا وتبذر حبا وتروي أشجارا لتنتشر مع الشمس والهواء، أما أفكار سيد قطب فتحفر خنادقا وتبني حصونا ذات أسوار عالية وأبراج شامخة، حصونا منيعة، إن الفرق بينهما كالفرق بين الحرب والسلام”.79

ويعتبر مصطلحا الجاهلية والحاكمية هما المصطلحان الأساسيان للفكر السياسي – الديني لسيد قطب،80 فأيديولوجيا سيد قطب لم تتأثر فقط بفكرة شمولية الإسلام لحسن البنا، بل أيضا بالفكر الإسلامي لأبو الأعلى المودودي، مؤسس والمنظر الرئيسي للجماعة الإسلامية، والذي استعار منه قطب هذين المصطلحين.81

وبخصوص مصطلح الجاهلية، فإنه يشير عادة إلى المجتمع العربي قبل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سيد قطب أعطى تعريفا جديدا لهذا المصطلح، فالجاهلية كما وصفها الله تعالى وكما عرّفها القرآن الكريم تعني حكم البشر بالبشر، لأن ذلك يتضمن عبودية البشر للبشر بدلا من عبوديتهم لله، والافتئات على ألوهية الله تعالى بمنح بعض خصائص هذه الألوهية للبشر، وبهذا فإن الجاهلية ليست حقبة زمنية، بل هي حالة وجدت بالأمس، وتوجد اليوم، وقد تتكرر غدا.82

وبناء عليه، يخلص سيد قطب إلى أن المسلمين في عصره قد عادوا إلى حالة الجاهلية، بل ينص بجرأة على أن وجود الحياة الإسلامية والأمة الإسلامية، بل ووجود “الإسلام” ذاته قد توقف منذ فترة طويلة، وهي الحقيقة التي يرى أنها قد تحدث صدمة وذعر وخيبة أمل للكثيرين ممن يزالون يحبون أن يكونوا “مسلمين”.83

وذلك لأن المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة تدخل في إطار المجتمع الجاهلي، فهي تعطي أخص خصائص الأولوهية – وهي الحاكمية – لغير الله، فتتلقى من حاكمية غير الله نظامها، وشرائعها وقيمها، وموازينها، وعاداتها وتقاليدها، وكل مقومات حياتها تقريبا.84

وفي مقابل الجاهلية، وفي تناقض صارخ معها، يأتي مفهوم الحاكمية، والحاكمية مشتقة من الجذر اللغوي حكم، وتشير إلى أعلى سلطة حكومية وتشريعية،85 وقد امتاز مصطلح الحاكمية عند سيد قطب بخصائص ثلاثة:

1ـ أن نظام الحكم في الإسلام مرتبط بالعقيدة، فالحاكمية ترتبط بتحقيق الأولوهية لله وحده، فـ”الله سبحانه يتولى الحاكمية في حياة البشر، عن طريق تصريف أمرهم بمشيئته وقدره من جانب، وعن طريق تنظيم أوضاعهم وحياتهم وحقوقهم وواجباتهم، وعلاقاتهم وارتباطاتهم بشريعته ومنهجه من جانب آخر. وفي النظام الإسلامي، لا يشارك الله سبحانه أحد، لا في مشيئته وقدره، ولا في منهجه وشريعته .. وإلا فهو الشرك والكفر .. لأن هذا معناه رفض ألوهية الله، وادعاء خصائص الألوهية في الوقت ذاته.”86 فـ”قضية الحاكمية والشريعة في هذا الدين هي قضية عقيدة ودين قبل أن تكون مسألة حكم ونظام”.87

2ـ أن مفهوم الشريعة ومدلول “الحاكمية” لا ينحصر فقط في مسائل التشريع والأحكام القانونية، ولا حتى في أصول الحكم ونظامه، بل إنها تتسع لتشمل كل ما شرعه الله لتنظيم الحياة البشرية، من الاعتقاد والتصور، إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلى التشريعات القانونية، إلى قواعد الأخلاق والسلوك، بل والمعرفة بكل جوانبها، وفي أصول النشاط الفكري والفني جملة،”وفي هذا كله، لابد من التلقي عن الله، كالتلقي في الأحكام الشرعية – بمدلولها الضيق المتداول – سواء بسواء”.88

3ـ أن سيد قطب أعطى الحاكمية بعدا فلسفيا مثاليا (Idealism) بربطها بحقائق الوجود ونظام الكون، فعلى نهج الفلسفة المثالية، يرى قطب أن كل جزء من هذا الكون في وحدة متكاملة وفي تجانس تام مع الكل، وأن الكون يحكمه قانون واحد يربط كافة أجزائه بهذا النظام المتجانس والمرتب، وأن هذا الترتيب المنظم إنما هو نتاج إرادة حاكمية واحدة.89

ومن ثم، نظَّر سيد قطب لتفرد المنهج الإسلامي، فهو المنهج الوحيد الذي يقوم نظام الحياة البشرية فيه على أساس من التفسير الشامل للوجود، وهو الذي يتسق مع نظام الكون كله، “فلا ينفرد الإنسان بمنهج لا يتناسق مع ذلك النظام، على حين أنه مضطر أن يعيش في إطار هذا الكون، … والتناسق بين منهج حياة الإنسان ومنهج حياة الكون هو وحده الذي يكفل للإنسان التعاون مع القوى الكونية الهائلة، بدلا من التصادم معها، وهو حين يصطدم معها يتمزق وينسحق”، ولهذا فإن البشرية اليوم تعيش حياة الشقاء والحيرة والاضطراب.90

هذه الرؤية المثالية الراديكالية لم تميز فقط المعتقدات الدينية – السياسية لسيد قطب، بل واستراتيجيته للتغيير أيضا، فهو يرى أن الوعظ والدعوة لا يكفيان فقط لأن أولئك الذين يغصبون حق الأولوهية لن يتنازلوا عن سلطاتهم طواعية،91 ولهذا فإنه دعا إلى تكوين طليعة إيمانية جاهزة لجهاد النظم الجاهلية الحديثة.92

وبخلاف البنا، رأى قطب أن الجهاد هو الوسيلة الأساسية للتخلص من المعوقات التي تحول دون تأسيس الدولة الإسلامية، ولتحرير الإنسان من كل سلطة غير سلطان الله.93 هذه الأفكار الراديكالية دفعت حسن الهضيبي – المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين- لإعداد كتاب بعنوان “دعاة لا قضاة” عام 1969م وعمل على تداوله بين الإخوان في السجون لتفنيد هذه الأفكار، 94 علاوة على ذلك، فإن عمر التلمساني – خليفة الهضيبي – كتب في أوائل الثمانينيات أن أفكار سيد قطب تعبر عنه ولا تعبر عن الإخوان المسلمين.95

خاتمة:

انتهت الدراسة إلى أن هناك بعض التشابهات والعديد من الاختلافات بين الوهابية وأيديولوجيا الإخوان المسلمين (بنسختيها البنّوية والقطبية). التشابه الأساسي بين الأيديولوجيات السابقة هو إيمانها بأن الإسلام صار في عصرها في حالة من التردي وأن المسلمين المعاصرين في حاجة إلى العودة إلى الإسلام “الصحيح”، كما أنها تشترك في موقفها السلبي من علماء الدين التقليديين واتهامها إياهم بالمسؤولية عن أزمة الإسلام الراهنة.96

ومن جهة أخرى، فإن حسن البنا كان له موقف مغاير بشأن المجتمعات المسلمة، فهو لم يتبن مصطلح الجاهلية الذي تبناه كل من محمد بن عبد الوهاب وسيد قطب،97 فقد كان يرى أن الإعلان الصريح عن الردة أو إنكار المعلوم من الدين بالضرورة أوالتحريف المتعمد لصريح القرآن هو فقط ما يخرج المسلم إلى الكفر، كما أنه وإن كان يشترك مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نفس الهدف المتعلق بتنقية العقيدة ومحاربة البدع إلا أنه لم ير العديد من الممارسات الصوفية بدعا. وبشكل عام، كان حرص البنا على توحيد المسلمين لصد الاستعمار الغربي هو ما جعله يتبنى رؤية أكثر احتواء لمفهوم الأمة المؤمنة.98

سياسيا، فإن مفهوم البنا عن الإسلام كمنهج حياة ودعمه للحكم الدستوري والنظام البرلماني تعد أمورا غير مألوفة تماما لابن عبد الوهاب الذي كان يعيش في بيئة قبلية في مجتمعات ماقبل حداثية، إلا أنهما – على الرغم من ذلك – اتفقا على فكرة الوظائف الدينية للحاكم وكونه مسؤولا عن محاربة الفساد الأخلاقي والممارسات المحرمة دينيا.99

بخصوص سيد قطب، فهو بشكل واضح قد أحدث تحولات راديكالية في الأفكار السياسية – الدينية لحسن البنا وجعلها أكثر تسييسا،100 فمفهوم البنا عن شمولية الإسلام تحول بفضل قطب إلى أيديولوجيا شمولية مثالية، وكذلك فإن الوسائل العنيفة للتغيير مثل الثورة أو الجهاد والتي أشار البنا إلى احتماليتها بعبارات غير مباشرة ومشفوعة بالأعذار، أصبحت الوسائل الوحيدة الفعالة لتأسيس الدولة الإسلامية في الفكر السياسي لسيد قطب.

ومن المفارقات المهمة أن كلا من محمد بن عبد الوهاب وسيد قطب قد أعلنا أن المجتمعات المسلمة في عصرهما قد أصبحت مجتمعات جاهلية على الرغم من وجودهما في سياقين تاريخيين مختلفين تماما، وعلى الرغم أيضا من أن كلا منهما أعطى تفسيرا مختلفا واستخدم منطقا خاصا لتأكيد هذا الزعم.

فمن وجهة نظر ابن عبد الوهاب، كان السبب الرئيسي هو تفشي المعتقدات والممارسات الدينية المنحرفة والمناقضة لمقتضيات التوحيد، أما سيد قطب – والذي ينتمي إلى حقبة ما بعد الاستقلال – فقد كان له تسويغ آخر، وهو أن المجتمعات المسلمة احتفظت بالنظم السياسية والتشريعية والاقتصادية والثقافية الغربية بدلا من أن تستعيد النظم الإسلامية. فبالنسبة له، من مقتضيات الإيمان بالله ومن مقتضيات التوحيد أن يتم تأسيس النظم السياسية والاجتماعية متوافقة مع إرادة الله المتمثلة في شريعته، ولهذا – فمن دواعي السخرية – كان قطب يرى الدولة السعودية من ضمن المجتمعات الجاهلية لأنها لم تنشئ هذا النظام الإسلامي الخالص.101

في الجدول التالي تم ايجاز الفروق الأساسية بين الوهابية وأيديولوجيا الإخوان المسلمين:

——————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

(2) Natana J. Delong-Bas, Wahhabi Islam: From Revival and Reform to Global Jihad (London: I. B. Tauris, 2004),7.

(3) David Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia (London, New York: I.B.Tauris, 2006), 9-10.

(4) Larbi Sadiki, “Saudi Arabia: Re-reading politics and religion in the wake of September 11” in Islam and political legitimacy, eds. Shahram Akbarzadeh and Abdullah Saeed (London; New York: Routledge Curzon, 2003), 31.

(5) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia, 10

(6) Ibid.

(7) حسين بن غنام، تحقيق ناصر الدين الأسد، تاريخ نجد، دار الشروق، القاهرة، ط4، 1994، ص: 13،31.

(8) Kristen Stilt, “Islam is the Solution: Constitutional Visions of the Egyptian Muslim Brotherhood”, Texas International Law Journal 46 (2010):76.

(9) Nathan Brown and Emad El-Din Shahin, “Egypt”, in Politics & society in the contemporary Middle East, ed. Michele Penner Angrist, 204 (Boulder, Colo.: Lynne Rienner Publishers, 2010).

(10) Ayoob, The many faces of political Islam, 66.

(11) Khalil al-Anani, “The Power of the Jama‘a: The Role of Hasan Al-Banna in Constructing the Muslim Brotherhood’s Collective Identity”, in Sociology of Islam, eds. Gary Wood and Tugrul Keskin, 5 (Leiden, Netherlands: BRILL, 2013)

(12) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر، القاهرة، 1986، ص: 57.

(13) المرجع السابق، 58-59.

(14) Owen, State, power and politics in the making of the modern Middle East, 24-30.

(15) Carrie Rosefsky Wickham, The Muslim Brotherhood: evolution of an Islamist movement (Princeton: Princeton University, 2013), 28.

(16) Rachik, “How religion turns into ideology”, 354.

(17) Roy, The failure of political Islam, 35.

(18) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia, 24.

(19) Wickham, The Muslim Brotherhood, 21-23.

(20) Roy, The failure of political Islam, 57.

(21) Michelle Paison, “The History of the Muslim Brotherhood: The Political, Social and Economic Transformation of the Arab Republic of Egypt.” Institute for Global Leadership at Tufts University in United States.

http://tiglarchives.org/files/resources/nimep/v4/The%20History%20of%20the%20Muslim%20Brotherhood.pdf (accessed 17-10-2014).

(22) al-Anani, “The Power of the Jama‘a: The Role of Hasan Al-Banna in Constructing the Muslim Brotherhood’s Collective Identity”, in Sociology of Islam,11.

(23) Michael Cook, “On the Origins of Wahhābism”, Journal of the Royal Asiatic Society 2, 2 (1992): 191.

(24) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia,10-11.

(25) Ibid.,11.

(26) Cook, “On the Origins of Wahhābism”, 192

(27) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia, 2&22.

(28) Cook, “On the Origins of Wahhābism”, 192

(29) Tim Niblock, Saudi Arabia: power, legitimacy and survival (London & New York: Routledge, 2006), 24.

(30) Ayoob, The many faces of political Islam, 44.

(31) Niblock, Saudi Arabia, 27.

(32) Ayoob, The many faces of political Islam, 43.

(33) Natana J. Delong-Bas, “Islam and power in Saudi Arabi”, in The Oxford handbook of Islam and Politics eds. John L. Esposito and Emad El-Din Shahin, 412 (Oxford, UK; New York: Oxford University Press, 2013)

(34) Niblock, Saudi Arabia, 25-26.

(35) Delong-Bas, Wahhabi Islam, 182.

(36) Delong-Bas, “Islam and power in Saudi Arabi”, in The Oxford handbook of Islam and Politics, 414.

(37) Niblock, Saudi Arabia, 26.

(38) Delong-Bas, “Islam and power in Saudi Arabi”, in The Oxford handbook of Islam and Politics, 413.

(39) Wickham, The Muslim Brotherhood, 21.

al-Anani, “The Power of the Jama‘a: The Role of Hasan Al-Banna in Constructing the Muslim Brotherhood’s Collective Identity”, in Sociology of Islam, 5.

(40) Wickham, The Muslim Brotherhood, 21.

(41) al-Anani, “The Power of the Jama‘a: The Role of Hasan Al-Banna in Constructing the Muslim Brotherhood’s Collective Identity”, in Sociology of Islam, 5.

(42) Ana Belén Soage, “Islamism and Modernity: The Political Thought of Sayyid Qutb”, Totalitarian Movements and Political Religions10, 2 (2009): 189.

(43) Ibid.

(44) Shahrough Akhavi, “Sayyid Qutb”, in The Oxford handbook of Islam and Politics eds. John L. Esposito and Emad El-Din Shahin, 159 (Oxford, UK; New York: Oxford University Press, 2013)

(45) Ibid.

(46) Danny Orbach, “Tyrannicide in Radical Islam: The Case of Sayyid Qutb and Abd al-Salam Faraj”, Middle Eastern Studies 48, 6 (2012): 962-963.

(47) Soage, “Islamism and Modernity: The Political Thought of Sayyid Qutb”, 189.

(48) Shahrough Akhavi, “Sayyid Qutb”, in The Oxford handbook of Islam and Politics, 160.

(49) Orbach, “Tyrannicide in Radical Islam: The Case of Sayyid Qutb and Abd al-Salam Faraj”, 963.

(50) Lacroix, Awakening Islam, 11-12.

(51) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia,2.

(52) Niblock, Saudi Arabia, 23.

(53) Lacroix, Awakening Islam, 11.

(54) Ibid.

(55) Madawi al-Rasheed, Contesting the Saudi State: Islamic Voices from a New Generation (Cambridge; New York: Cambridge University Press, 2007), 47.

(56) Muhammad Abdul-Haq Ansari, Ibn Taymiyyah expounds on Islam: Selected Writings of Sheikh Al-Islam Ibn Taymiyyah on Islamic Faith, Life, and Society (Riyadh: Imam University, 2000), 500.

(57) عبدالله العثيمين، الشيخ محمد بن عبد الوهاب: حياته وأفكاره، دار العلوم، الرياض، 1993، ص: 149 – 151.

(58) Ansari, Ibn Taymiyyah expounds on Islam, 501-502.

(59) العثيمين، الشيخ محمد بن عبدالوهاب، 150-151

(60) Soage, “Hasan al-Banna And Sayyid Qutb: Continuity or Rupture?”, 249.

(61) Ayoob, The many faces of political Islam, 70.

(62) Mona El-Ghobashy, “The Metamorphosis of the Egyptian Muslim Brothers”, International Journal of Middle East Studies 37 (2005): 373.

(63)حسن البنا، مجموع الرسائل، دار الطباعة للدعوة والتوزيع والنشر، الاسكندرية، 1990، ص: 390

(64) المصدر السابق، ص: 121

(65) Nazih Ayub, Political Islam: Religion and Politics in the Arab World (London: Routledge, 1991), 100.

(66) Ayyan Ali, “Will the Muslim Brotherhood Succeed Where Osama Failed?”, New Perspectives Quarterly 28, 3 (2011):19 – 22.

(67) Ramadan, “Democratic Turkey Is the Template for Egypt’s Muslim Brotherhood”, New Perspectives, 42.

(68) Ayub, Political Islam, 100.

(69) Soage, “Hasan al-Banna And Sayyid Qutb: Continuity or Rupture?”, 303.

(70) El-Ghobashy, “The Metamorphosis of the Egyptian Muslim Brothers”, 374.

(71) Stilt, “Islam is the Solution: Constitutional Visions of the Egyptian Muslim Brotherhood”, 77.

(72) Soage, “Hasan al-Banna And Sayyid Qutb: Continuity or Rupture?”, 303.

(73) Belkeziz, The state in contemporary Islamic thought, 128.

(74) Stilt, “Islam is the Solution: Constitutional Visions of the Egyptian Muslim Brotherhood”, 77.

Wickham, The Muslim Brotherhood, 25.

(75) Wickham, The Muslim Brotherhood, 23 .

(76) Soage, “Hasan al-Banna And Sayyid Qutb: Continuity or Rupture?”, 299.

(77) Ayoob, The many faces of political Islam, 70.

(78) Soage, “Hasan al-Banna And Sayyid Qutb: Continuity or Rupture?”, 249-250.

(79) Belkeziz, The state in contemporary Islamic thought, 198.

(80) Ayoob, The many faces of political Islam, 73.

(81) Fathi Osman, “Mawdudi’s Contribution to the Development of Modern Islamic Thinking in the Arabic-Speaking World”, The Muslim World 93 (2003), 480.

(82) William E. Shepard, “Sayyid Qutb’s doctrine of Jahiliyya”, International Journal of Middle East Studies 35 (2003): 522, 524.

(83) سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، دار الشروق، القاهرة، ط18، 2013، ص: 221-223.

(84) سيد قطب، معالم في الطريق، دار الشروق، القاهرة، 1973، ص: 91-92.

(85) Sayed Khatab, “Hakimiyyah and Jahiliyyah in the Thought of Sayyid Qutb”, Middle Eastern Studies 38, 3 (2002):145.

(86) قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، ص: 99.

(87) سيد قطب، مقومات التصور الإسلامي، نقلا عن: زكريا، الدولة والشريعة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر، ص:287.

(88) قطب، معالم في الطريق، ص: 123-124.

(89) Khatab, “Hakimiyyah and Jahiliyyah in the Thought of Sayyid Qutb”, 152 .

(90) سيد قطب، هذا الدين، دار الشروق، القاهرة، 2001، ص: 24-26.

(91) Soage, “Hasan al-Banna And Sayyid Qutb: Continuity or Rupture?”, 303.

(92) Wickham, The Muslim Brotherhood: evolution of an Islamist movement, 28.

(93) Soage, “Islamism and Modernity: The Political Thought of Sayyid Qutb”, 197.

(94) Wickham, The Muslim Brotherhood: evolution of an Islamist movement, 28.

(95) Ayoob, The many faces of political Islam, 80.

(96) Akbarzadeh and Saeed, “Islam and Politics” in Islam and political legitimacy, 26.

(97) Lacroix, Awakening Islam, 39.

(98) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia,141.

(99) Ibid.

(100) Belkeziz, The state in contemporary Islamic thought, 198.

(101) Commins, The Wahhabi Mission and Saudi Arabia,148-149.

د. محمد عفان

باحث دكتوراة في العلوم السياسية، معهد الدراسات العربية والإسلامية، جامعة إكستر، المملكة المتحدة.

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى