fbpx
دراسات

قضايا الشرعية والمشروعيـة بين الشريعـة والقانــون

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

يمثل مبدأ الشرعية عصب الحياة القانونية والعمود الفقري لبناء النظام القانوني للدولة كونه المعيار الوحيد الذي يمكن التعويل عليه في التفرقة بين الدولة القانونية عن الدولة البوليسية، فضلاً عن كونه الأساس الذي ترتكز عليه، خاصة إخضاع أعمال الإدارة ومختلف نشاطاتها للرقابة الإدارية[1]، وذلك من خلال ما يُـعرف بالشرعية.

فمبـدأ الشرعيـة أصبـح فـي الوقت الراهن الضمانة الأساسية الجدية والحاسمة لحقوق الأفراد وحرياتهم، إذ يبلور هذا المبدأ كل ما استطاعت الشعـوب أن تحرزه من مكاسب في صراعها مع السلطات الحاكمة خاصة في ظل الطغيان الكنسي والطغيان الملكي، ثم الصراع بين الطاغوتين حول الاستئثار بالسيادة والسلطة والتي كشفت عن مظالم أيقظت العقل الأوربي مـن سباتـه، فسقط أسرار الفكر ودعاة التنوير للمطالبة بتقديس العقل وتحـريـره مـن أوهام الكهنوت وتقديس الإرادة الإنسـانيـة وتحريرهـا مـن أغـلال الاستبداد والطغيان، وفي تطور لاحق تـم الفصل بين حق السيادة وأشخاص الحكام مع ظهور فكرة العقد الاجتماعي ليتم إسناد السيادة للأمة إنهاءً للاستبداد السياسي الذي كان يمارسه الملوك ورجال الدين[2].

ومـن ثم فقد تم إجبار هذه السلطات الحاكمة على التنازل عن كل مظاهر الحكم المطلق التي عرفتها النظـم السياسية القـديمة عبر أجيال متعاقبة حتى عصرنا الحالي، حيث برز هذا المبدأ كطابع مميز للدولة المعاصرة كونه يمثل الملاذ الطبيعي للمواطنين بحيث يكونون بمقتضاه في مأمن من أن تعتدي عليهم السلطة على خلاف ما يجيزه القانون أو بأكثر مما يرخص به.

وهنا يجب أن نتعرف أولاً على ماهية مبدأ الشرعية وتأصيل مضمونه في القانون ثـم معرفة ما يقابله فـي الفقه الإسلامي ليتم بعدها عقد مقارنة بينهما من حيث أوجـه الشبه والاختلاف أو نقـاط الالتقاء والاختلاف بينهمـا، وذلك في محاولة للوصول إلى أفضل الوسائل المساعدة لقيام دولة الشرعية، من ثم فإننا سنقسم هذه الدراسة إلى المباحث الآتية:

المبــحـــث الأول:

المقصود بمبدأ المشروعية في الفقه الدستوري والإداري

حتى نستطيع أن نستخلص تعريفاً دقيقاً لمبدأ الشرعية فإننا لابد أن نتعرف على المقصود منه في كلاً مـن اللغـة والاصطـلاح حتى نتمكن مـن الوقوف على ماهية المبدأ ومضمونه، لذلك سنتعرف على المقصود بمبدأ الشرعية فـي مطلبين وذلك على النحو الآتي:

المطلب الأول: المقصود بمبدأ الشرعية فـي اللغة.

المطلب الثاني: المقصود بمبدأ الشرعية اصطلاحـاً.

الـمـطــلــب الأول

المقصود بمبدأ الشرعية في اللغة

المشـروع مصـدر صنـاعي يـؤدي نفس المعني الذي يؤديـه مصـدره القياسي “الشروع”، ومن ثم فإن بيان دلالاته وتوضيح مضمونه يكون بالبدء بجذرها اللغوي “ش – ر – ع “، وما اشتق عنه من ألفاظ، فلفظة المشروعية مصدر لفعل شرع يشرع، بمعني بدأ في السير على أساس مـن سبق التنظيم، ومنه الشارع وهو الطريق المعد للسير، والمشروع وهو الفكرة المنظمة، والتشريع بمعني التنظيم بقواعـد عامـة.

والشرعة والمشرعة والشراع المواضع التي ينحدر منها الماء، لذا سمي المولي عز وجل بالشارع لأنه مصدر الشريعة[3]، وفي كلام العرب الشريعة والشرعة، شرعة الماء بمعني المورد أو المشرب، وفي ذلك يقول الإمام “الرازي”[4] شرعة الماء هـو مورد الشاربة، ويقول “الأزهري” ولا تسميها العرب شرعة حتى يكون الماء عداً لا انقطاع له كماء الأنهار، ويكون ظاهراً معيناً لا يستقي منه برشاً “أي دلو”، كما تطلق كذلك على الطريق المستقيمة على حد تعبير “الفيروز آبادي “الظاهر المستقيم من المذاهب[5]، ومنه قوله تعالي : “ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ”[6]، فمشروعية الشيء هو الأساس الذي يجعله مشروعاً موافقاً.

وبين الشرعية والشريعة جناس كامل لفظاً ومعني، فكلاهما مصدر من فعل واحد هو شرع، والشِراع بالكسر شِراع السفينة وأشرع باباً إلى الطريق أي فتحه إلى الشارع، وشرع فلان إذا اظهر الحق وقمع الباطل[7].

ومنه يصبح مبدأ الشرعية يطلق من الناحية اللُغوية على مجموعة القواعد الأساسية التي تُشكل أساس نظام معين والتي يمكن من خلالها الحكم على مدى مطابقة ما استحدث في هذا النظام مع أصوله وأسسه، لهذا عبّـر البعض عن المشروعية بالتطابق في القوانين، وعبر عنه البعض الآخر بالاستقامة والإنصاف[8].

الـمـطـلــب الثــانــي

المقصـود بمبـدأ الشرعيــة اصطلاحــاً

يُعّرف فقهاء القانون العام مبدأ الشرعية بأنه “خضوع كلاً من الحكام والمحكومين للقانون بمعناه الواسع”، بمعني سيادة حكم القانون وخضوع جميع السلطات الحاكمة في الدولة لأحكامه[9]، فالمقصود منه ضرورة احترام القواعد القانونية القائمة بأن تكون جميع تصرفات السلطات العامة في الدولة متفقة وأحكام القانون بمدلوله العام، سواء كانت هذه السلطات تشريعية أو قضائية أو تنفيذية[10].

ومقتضي هذا التعريف أن يستطيع الأفراد ذوي المصلحة والصفة طلب إلغاء جميع أعمال الهيئات العامة وقراراتها المُلزمة غير المشروعة، أو طلب وقف تنفيذها أو طلب التعويض عن الأضرار التي تسببها لهم أمام القضاء الإداري المختص[11]، فهـو يعني خضوع الدولة للقانون فـي كل ما تأتيه مـن أعمال وما تُجريه من تصرفات وما تتمتع به من امتيازات[12].

فالشرعية تعني سيادة حكم القانون، وهـذه السيادة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال خضوع الحكام والمحكومين لأحكام القانون، فضلاً عن امتثال كافة السلطات العامة في الدولة في كل ما تباشره من أنشطة وما تصدره من تصرفات وما تجريه من أعمال لأحكام القانون[13].

وقد تباينت أفكار الفقهاء حول تحديد مضمون القانون الواجب الخضوع له لتحقيق الشرعية إلى اتجاهين[14]:

الاتجاه الأول: ذهب إلى التوسع في مضمون الشرعية توسعاً كبيراً بحيث يشمل كافة القواعد القانونيـة المُلزمة الصادرة في الدولة أياً كان مصدرها، سواء كانت مدونة أو غير مدونة، ويأتي في مقدمة مؤيدي هذا الاتجاه الفقيه “جورج فيدل”، الذي ذهب إلى أن مبدأ الشرعية ينصرف إلى احترام القانون بمدلوله الواسع، ومن ثم يمتد الخضوع لكل القواعد القانونية المُلزمة بغض النظر عن مصدرها[15].

وفي نفس الاتجاه ذهب غالبية الفقه العربي، إذ يرون أن المقصود بالقانون عند تطبيق مبدأ الشرعية هو “المفهوم الواسع الذي يشمل كل قواعد القانون الوضعي النافذة في الدولة، ومن ثم ينصرف مدلوله إلى كل قاعدة قانونية مجردة أياً كان مصدرها وعلى اختلاف درجاتها وقوتها المُلزمة “[16].

ووفقاً لهذا المفهوم يكون النظام القانوني للدولة يتكون من النصوص الدستورية والنصوص التشريعية التي تُصدرها السلطة التشريعية، والقرارات الإدارية التنظيمية التي تُصدرها السلطة التنفيذية، والتي تُشكل في مجملها مفهوم القانون بمدلوله الواسع والتي تدخل ضمن مفهوم الشرعية.

ويتوسع أنصار هذا الاتجاه إذ لا يكتفون بتلك القواعد القانونية المكتوبة فحسب بل يضيفوا إليها قواعد قانونية أخرى غير مكتوبة مثل العرف والقواعد القانونية العامة، وهذا المفهوم الواسع لمدلول القانون والتي تُشكل مضمون الشرعية هو ما أخذت به المحكمة الإدارية العليا في عدة أحكام لها إذ تقول: “المراد بالقانون بمفهومه العام كل قاعدة عامة مجردة أياً كان مصدرها سواء كان المصدر نصاً دستورياً أم تشريعياً تقره السلطة التشريعية المختصة بذلك، أم قراراً إدارياً تنظيمياً، وسواء كان القرار الإداري التنظيمي صدر في شكل قرار جمهوري أو قرار وزاري ممن يملكه، أو كان قد صدر فيما سبق بمرسوم أو بقرار من مجلس الوزراء أو بقرار وزاري، ويطبق القضاء كل هذه القواعد التنظيمية العامة المجردة على اختلاف ما بينها في المصدر وعلى تفاوت مـا بينها في المرتبة، ولكن بمراعاة أن القانون يشوبه عدم الدستورية إذا خالف نصاً دستورياً قائماً أو خرج على روحه ومقتضاه، بما يشوب القرار الإداري عيب عدم المشروعية إذا خالف قاعدة تنظيمية صدرت بأداة أعلى مرتبة…………”[17].

الاتجاه الثاني: بعض الفقه عارض بشدة هـذا التوسع فـي مدلول القانـون ومن ثم في مضمون مبدأ الشرعية، ويتزعم هذا الاتجاه الفقيه “إيزمان” الذي يرى أن هذا التوسع يُـعد خروجاً على الاعتبارات التاريخية المتعلقة بهذا المبدأ، فالقانون إنما يعرف بمدلوله المحدد، وهو مجموع القواعد التي تضعها السلطة التشريعية أو تشترك في إصدارها مع رئيس الدولة طبقاً للدستور وتصاغ في قالب شكلي وتحمل اسم القانون، ومن ثم فلا محل للقول بأن تتقيد الإدارة بقواعد يقررها القضاء الإداري، إذ يمكن تصور ما قد يسفر عنه التطور القضائي في المستقبل”[18].

ووفقاً لهذا التصور فإن أنصار هذا الاتجاه يروا أن القواعد التشريعية هي فقط التي يجب أن تلتزم بها كافة السلطات العامة في الدولة، ومن ثم فإن التوسع في مضمون مبدأ الشرعية يشكل خطراً كبيراً على التصور الأصيل والأمثل له، وعلى نفس المنوال سار بعض الفقه العربي مؤيدين ضرورة تضييق مبدأ المشروعية مستبعدين التوسع في مدلوله[19].

ومن جانبنا فإننا نؤيد ونرجح الاتجاه الأول الذي يأخذ بالمضمون الواسع لمفهوم الشرعية لأنه يُعد ضمانة أساسية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم العامة من تعسف الإدارة وتحكمها، ووسيلة فعالة تجعل من القضاء الإداري الرقيب على تصرفات الإدارة فيما يضمن التوازن بين المصلحة العامة التي تدعيها الإدارة العامة والمصلحة الخاصة التي ينشدها الأفراد إعمالاً لحق الحرية، لأن مقتضى المبدأ أن تخضع الدولة في جميع تصرفاتها لسيادة القانون، بحيث يجب أن يستند كل تصرف أو عمل قانوني سواء كان عاماً أو خاصاً إلى قاعدة قانونية مجردة وسابقة على التصرف أو العمل، وأن يمكن للأفراد وبوسائل مشروعة من رقابة الدولة في أدائها لوظيفتها طبقاً لما يمليه القانون وليس ما تمليه نزوات وأهواء رجال السلطة، ومن ثم فإن أي تقييد من قبل السلطات الإدارية بإحدى المسائل المصونة دستورياً أو قانونياً يعتبر مساساً بمبدأ الشرعية خاصة فيما يتعلق بالحقوق والحريات العامة.

أما ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الثاني والذي يأخذ بالمفهوم الضيق لمبدأ الشرعية رافضاً فكرة التوسع في الأخذ به، فإنهم بأسانيدهم يخلطوا بين مبدأ سيادة التشريع أو سمو العمل التشريعي الصادر من السلطة التشريعية المختصة وبين مبدأ الشرعية[20]، ولعل الأخذ بهذا المفهوم كان من الممكن في وقت سابق، وقت كانت السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص الوحيد في إصدار القواعد التشريعية العامة، وكان دور السلطة التنفيذية بمثابة المنفذ لها فقط، لكن مع تطور الدولة وتدخل الإدارة فـي الكثير مـن الشئون بما فيها إصـدار القواعد التنظيمية “اللوائح “والتي تعالج من خلالها ما يعجز القانون عن معالجته، فإنه ليس من المنطق استبعادها من نطاق القانون بمفهومه العام والواسع، لأنها جـزء أصيل مـن البناء القانـونـي للدولة، ولا يمكن تجاهل دورها في حياة الأفراد، ومن ثم فإن مخالفتها تُـعد إهداراً لمبدأ المشروعية.

المــبـــحــث الثــانــــي

العلاقة بين مبدأ الشرعية وبعض المصطلحات الأخرى

إذا كان هناك اتفاق عام على أن المقصود بمبدأ الشرعية هو الالتزام بأحكام القانون بالنسبة للجميع – حكاماً ومحكومين – وعلى قدم المساواة، إلا أن فقهاء القانون العام عبّروا عنـه بعدة مصطلحات، كونها تلتقي معه في كثير من النقاط والأهداف المشتركة كمبدأ الشرعية ومبدأ تقييد سلطة الحاكم ومبدأ الدولة القانونية ومبدأ سيطرة أحكام القانون أو مبدأ سيطرة البرلمان، ومن فقهاء الشريعة الإسلامية من عبّـر عنه بمبدأ حاكمية الله في مقابل حاكمية البشر، ومنهم من عبّـر عنه بمبدأ سيادة أحكام الشريعة، ومنهم من أطلق عليه المشروعية الإسلامية، وهذا يستوجب ضبط هذه المصطلحات وتحديد العلاقة بينهم وبين مبدأ الشرعية، وهو ما سنتناوله في المطالب الآتية:

المطلب الأول: عـلاقـة مبـدأ المشـروعيـة بمبـدأ الشرعية.

المطلب الثاني: عـلاقـة مبــدأ المشـروعيـة بمبــدأ سيادة القانون.

المطلب الثالث: العلاقة بين المشروعية ودولة القانون ومبدأ الدولة القانونية.

المــطـلــب الأول

علاقــة مبــدأ المشروعيــة بمبدأ الشرعيــة

علي الرغم من أن غالبية الفقه[21] يرى أن المبدأين – المشروعية والشرعية – لهما نفس المعني إلا أن جانباً من الفقه يفرق بينهما عملاً بقاعدة أنه كلما زاد مبني الكلمة كلما زاد معناها، مما يعني أن مفهوم المشروعية أوسع على أساس أن فكرة الشرعية تتعلق بالجانب السياسي – أي علاقة الحاكم بالمحكومين – فلا تكون السلطة شرعية إلا إذا استندت على رضا المحكومين، بينما فكرة المشروعية تتعلق بالجانب القانـوني – أي بإيجاد سند قانوني – سواء كانت قاعدة أو نص يبرر التصرف[22]، لذلك فإن فقهاء القانون العام لم يذهبوا مذهباً واحداً فـي تحديد معنى المصطلحين، بل أدي بهم الاجتهاد الفقهي إلى إيجاد اتجاهين رئيسين:

الاتجاه الأول: يرى أن هناك فرقاً دقيقاً بين مفهوم الشرعية والمشروعية رغم وحدة اشتقاقهما من أصل واحد هو الشرع أو الشريعة، إلا أنهما يختلفان من حيث المفهوم الدقيق لكل منهما، فالشرعية مشتقة من الشرع بصيغة الفعلية ومعناها موافقة الشرع، والمشروعية مشتقة من الشرع بصيغة المفعولية وتفيد محاولة موافقة الشرع، والمحاولة قد تصيب وقد تخيب، ومن ثم فإن الفرق بين الشرعية والمشروعية يماثل الفرق بين الصورة الفعلية – على وزن الشرعية – والصورة المفعولية – على وزن المشروعية – لنفس الشيء، فالصورة الفعلية تصور الشيء تصويراً حقيقياً بينما الصورة المفعولة تصوره من وجهة نظر فاعلها وتختلف عادة عن الأصل في حدود معينة[23].

وينتهي هذا الاتجاه إلى أن المشروعية تعني احترام قواعد القانون القائمة فعلاً في المجتمع، فهي في حقيقة الأمر مشروعية وضعية، أما الشرعية فهي فكرة مثالية تحمل في طياتها معنى العدالة وما يجب أن يكون عليه القانون، فمفهومها أوسع من مجرد احترام قواعد القانون الوضعي العادلة، إذ يتضمن هذا المفهوم قواعد أخرى يستطيع عقل الإنسان السليم أن يكتشفها، ويجب أن تكون المثل الأعلى الذي يتوخاه المشرع في الدولة ويعمل على تحقيقه إذا أراد الارتفاع بمستوي ما يصدر من تشريعات[24].

الاتجاه الثاني: يرى – خلافاً لما ذهب إليه الرأي الأول – عدم التمييز بين الشرعية والمشروعية وأنهما مترادفان[25]، فمقتضي الشرعية الالتزام بالقانون الطبيعي وما يختزنه من مبادئ قانونية عامـة كالعدالة والحقوق الفردية والصالح العام، والتي هي أساس القانون الوضعي الذي يتطلب أن تحترمه جميع السلطات، فمعظم كتابات فقهاء هذا الاتجاه تطلق على مضمون هذا المبدأ مرة اصطلاح الشرعية ومرة اصطلاح المشروعية، وإن الاستقرار مع تغليب المشروعية، لأن المبدأ يُـعد قيداً على تصرفات السلطات العامة، ويتطلب الالتزام بكل القواعد القانونية المكتوبة وغير المكتوبة، ومن بين هذه القواعد القانونية العامة التي يستقر عليها المجتمع، فضلاً عن الالتزام بقواعد المشروعية الوضعية، وطالما أن هذا المبدأ يعني احترام الأفكار المثالية التي تحمل في طياتها معنى العدالة، ويعني احترام قواعد المشروعية الوضعية، فلا يكون ثمة مجال للتفرقة التي نادي بها أصحاب الاتجاه الأول[26].

ومن جانبنا فإننا نرجح ونتبنى في بحثنا الاتجاه الثاني وهو عدم التفرقة بين مصطلحي الشرعية والمشروعية، لأن مبدأ المشروعية في الدولة المعاصرة باعتباره حداً أعلى على سلطان وتصرفات الهيئات العامة والمحكومين يتطلب الالتزام بالقانون الطبيعي وما يختزنه من مبادئ قانونية عامة يحتويها ضمير الجماعة ويستقر عليها باعتبارها ركائز أساسية لمعني العدل والصالح العام، كما يتطلب أيضاً الالتزام بالمشروعية الوضعية التي تستقر على مبدأ سيادة الدستور والتشريع وما يفرضه ذلك من ضرورة الالتزام بقاعدة القانون الأعلى أياً كان مصدرها، ومن ثم فإنه لا مجال لمحاولة التمييز بين الشرعية والمشروعية، ويعتبر بذلك الاصطلاحين مترادفين[27].

لأنه وعلى الرغم من أن الاتجاه الأول كان موفقـاً في وضع حدود فاصلة للتمييز بين كل من مصطلحي الشرعية والمشروعية، إذ حـاول إيجاد تأصيل فكري وفقهي لخضوع السلطة لقيم وأهداف سابقة على وجودها، ومـن ثم فإن ما تصدره من تشريعات وتنظيمات وقرارات يجب أن تتطابق مع هذه القيم والأهداف، لكن يؤخذ على هذا الاتجاه أنه لا يعصم من استبداد السلطة لأن الضمانات التي وضعها لمبدأ الشرعية تقع في داخل النظام القانوني للدولة، وتتحرك في إطاره فكيف تكون رقيبة على شرعيته، ومن ثم فإن المواطن مكلف بطاعة القانون طالما أنه صدر صحيحاً من حيث الشكل دون أن يكون له حق تمحيص سند السلطة في إصداره[28]، والواقع العملي يشير إلى حدوث ذلك، فكثيراً ما تصدر تشريعات من أعلى سلطة تشريعية في البلاد – السلطة التشريعية – والمفترض فيها أنها تنوب عن إرادة الشعب، نجد أن هذه التشريعات هي بكل تأكيد مشروعة من حيث الشكل ولكن وبكل أسف تفقد مصداقيتها وشرعيتها لأنها لا تلبي رغبات الإرادة الشعبية.

وأيضاً ومما يؤخذ على هذا الاتجاه ويرجح لدينا الاتجاه الثاني أنه عندما أشار إلى القيم والأهداف العليا التي تقف خلف السلطة وتهديها إلى توخي العدل في مشروعيتها القانونية والتي لا تعدو أن تكون قيماً وأهدافاً تجريدية خالية من الجزاءات الفعلية التي تمنع استبداد السلطة فهي أقرب إلى الضمانات السياسية أكثر منها ضمانات قانونية.

الـمـطـلـــب الـــثــانـــي

علاقة مبدأ المشروعية بمبدأ سيادة القانون

يري معظم الفقه أن مبدأ المشروعية يعني سيادة حكم القانون[29]، بل إن بعض الفقهاء ذهب إلى استبدال مبدأ المشروعية كلياً باصطلاح آخر أقرب في الدلالة على المعني المقصود به وسماه مبدأ “سيطرة أحكام القانـون”[30]، لأن كلمـة مبـدأ المشروعيـة فـي الفقـه الفرنسي ليست ترجمة صـحـيــحـة لكلمة “LÉGALITÉ”، ومـن ثم فلا يدل مبنـاه على شيء مـن معناه، وهـو مـذهب غالبيـة الفقـه الفرنسـي والمصـري[31].

وهذا يعني أن معظم الفقه يكاد يُجمع على أن مبدأ المشروعية يترادف تماماً مع مبدأ سيادة القانـون[32]، أو سيطرة أحكام القانون نظراً لأن جوهر المشروعية يكمن حقيقة في سيادة حكم القانون بين الفرد والدولة، إذ أن العلاقات القانونية بين الأفراد وبين بعضهم علاقات ذات أطراف متساوية، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للعلاقة بين الفرد والدولة، إذ تكون الدولة على قدر أعلى من الفرد بموجب السلطة العامة التي مُنحت لها، مما يجعلها في مركز قوي يسمح لها بالتهديد أو الإساءة إلى حريات وحقوق الأفراد، مما يستوجب البحث عن ضمانة تقف حائلاً دون هذا الاستبداد والتعسف، وذلك من خلال الاحتكام إلى القانون، بأن يستطيع المواطن الالتجاء إلى القضاء مبيناً أوجه مخالفة السلطة للقانون، فإذا ما صحت دعواه حكم القاضي بإلغاء عمل السلطة غير المشروع أو بالتعويض عنه أو كليهما[33].

وعلي الرغم من ذلك يرى البعض أن هناك تفرقه بين مبدأ المشروعية ومبدأ سيادة القانون نظراً لاختلاف معنى كل منهما عن الأخر من حيث الهدف والمجال والنطاق، فهدف مبدأ المشروعية الذود عن حقوق الأفراد ضد تعسف السلطة، ونطاقه يتمثل في جميع أعمال السلطات، ومجاله هو كافة نظم الحكم باختلاف أشكالها، في حين أن مبدأ سيادة القانون هدفه سياسي يتمثل في خضوع السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية نظراً لكون هذه الأخيرة تحتل في سلم الهيئات العامة مرتبة أعلى من تلك التي تحتلها الأولي، على اعتبار أن التشريع هو تعبير عن الإرادة العامـة، أي إرادة الشعب – صـاحب السيادة – والتي لا تعلوها إرادة، ومن ثم فإن نطاق مبدأ سيادة القانون يقتصر فقط على أعمال السلطة التنفيذية وإن مجاله لا يتمثل إلا في النظم الديمقراطيـة دون النظم الديكتاتوريـة[34].

ويُفهم من هذه النظرة أن مبدأ المشروعية يعتبر مبدأ قانوني قصد منه صالح الأفراد وحماية حقوقهم ضد السلطة فهو يستهدف خضوع جميع السلطات العامة للقانون وتقييد الإدارة – على الأخص – بالقانون، مما يعني أنه أكثر اتساعاً من مبدأ سيادة القانون الذي يُعد ضيقاً – وفقاً للرأي السابق – لاستهدافه تقييد السلطة الإدارية في الدولة فقط، إضافة إلى أنه ينبع من فكرة سياسية تتعلق بتنظيم السلطة العامة في الدولـة[35]، في حين يرى جانب من الفقه أن مبدأ المشروعية تفريع عن مبدأ أعلى هو مبدأ سيادة القانون[36].

ومن جانبنا نرى أن هذه التفرقة لا أثر لها في الواقع العملي، لأنه من المستقر فقهاً في صدد تفسير مدى مبدأ سيادة القانون أن هذه السيادة تتحقق بخضوع كل من في الدولة من حكام ومحكومين، سلطات عامة أو أفراد للقانون، بحيث تكون تصرفاتهم الإيجابية والسلبية في دائرة وحدود النظام القانوني المقرر في الدولـة، وهذا هو مقصود ومضمون مبدأ المشروعية.

المــطـــلـــب الثـــالـــث

العلاقة بين مبدأ المشروعية ودولة القانون ومبدأ الدولة القانونية

بداية وقبل أن نتناول الأساس الذي تقوم عليه دولة القانون، نود أن نشير إلى أن الفقه الفرنسي يطلق اصطلاح دولة القانون على مبدأ المشروعية للدلالة على خضوع السلطة لقاعدة قانونية[37].

والأساس الذي تقوم عليه نظرية دولة القانون كان منطلقاً من مبدأ الفصل بين السلطات، وذلك بأن يخضع البرلمان كسائر باقي السلطات للرقابة الدستورية متجاوزة بذلك مبدأ سيادة البرلمان، فهدف دولة القانون حماية الحقوق والحريات من احتمالات افتئات السلطة التشريعية وانزلاق البرلمان نحو تقييد ممارسة الحريات بحكم ما له من السيادة المطلقة في التشريع[38].

لذلك فإن غرض دولة القانون إخضاع السلطة التقديرية للمشرع للرقابة على دستورية القوانين خاصة ما تعلق منها بالحقوق والحريات، وفي المقابل تمثل دولة القانون بأنها دولة الحقوق والحريات لأنها تقتضي أن تكون الحريات مادية دستورية تحظي بحماية الدستور، وتجعل كافة أفرع القوانين ملتزمة بحماية وضمان حقوق الإنسان كونها لن تصدر إلا إذا كانت دستوريـة بقـرار من أجهزة الرقابة الدستوريـة “القضائيـة أو السياسيـة “[39].

ومن ثم فإن دولة القانون تفترض وتستلزم بجانب مبدأ الدستورية ومبدأ سيادة القانون ومبدأ الفصل بين السلطات ومراقبتها بعضها لبعض وجود ضمانات لممارسة الحريات السياسية بالمساواة، فالفرد في دولة القانون هو بالأساس مواطن صاحب حقوق طبيعية راسخة يضمنها ويحميها القانون، بحيث يشعر الجميع في الأخير بحالة الاقتدار السياسي على التغيير والمشاركة الفعلية في السلطة وصنع القرارات[40]، فدولة القانون هي دولة المساواة ففيها لا أحد فوق القانون، ولا فرق بين رجل السلطة والرجل العادي.

أما الدولة القانونية فهي تعني خضوع الدولة في جميع مظاهر نشاطها التنفيذي والإداري والقضائي والتشريعي للقانون، والقانون فيها ليس أداة لعمل الدولة ولكنه أيضاً الضمان الذي يكفل حقوق الأفراد في مواجهة الدولة، وقد عّـرفت المحكمة الدستورية العليا الدولة القانونية بأنها: “هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها – وأياً كانت طبيعة سلطتها – بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة، وتتوافر لكل مواطن فيها الضمانة الأولية لحماية حقوقها وحرياتها”[41].

ويقصد بالقانون هنا كل قاعدة قانونية وفقاً لتدرجها في النظام القانوني للدولة، فالدستور بوصفه القانون الأسمى له السيادة وتلتزم به جميع سلطات الدولة والأفراد، فالسلطة التشريعية تلتزم بالدستور فيما تصدره من تشريعات، والسلطة التنفيذية تلتزم بكل من الدستور والتشريع فيما تصدره من لوائح، وجميع أفراد المجتمع مخاطبون باحترام القانون أياً كان مصدره ومستواه في النظام القانوني.

وفي الدولة القانونية يسمو القانون على الدولة، وتلتزم بضمان الحقوق والحريات للأفراد في مواجهة سلطاتها، وبهذا تتحقق سيادة القانون في عنصرين، الأول شكلي ينبع من السلطة المختصة بإصداره، ويتمثل في التزام المخاطبين بأحكامه، سواء كانوا من سلطات الدولة أو أفرادها، والثاني موضوعي يتمثل في أن يكفل القانون في مضمونه احترام الحقوق والحريات، إذ تعتبر كفالة هذه الحقوق أحد أهم عناصر وجود الدولة القانونية[42].

أما مصطلح “المشروعية” مقارنة بمصطلحي “دولة القانون” ومصطلح “الدولة القانونية” فإنه يُعد مصطلحا قانونيا محضا ويعتبر أدق وأعمق في المضمون من مفهوم دولة القانون الذي هو مصطلح سياسي أكثر منه دستوري، إذ غالباً ما تستخدم الدساتير مصطلح المشروعية بدلاً من دولة القانون.

فلا تلازم بين مشروعية السلطة الحاكمة وبين مبدأ خضوع الدولة للقانون أو نظام الدولة القانونيـة، فالدولة لا تكون قانونية إلا إذا خضعت جميع الهيئات الحاكمة لقواعد قانونية تقيدها وتسمو عليها، يخضع لها الأفراد كما تخضع لها السلطات الحاكمة.

المــبــحــث الثــالـــث :

المقصود بمبدأ المشروعية في النظام الإسلامي وعلاقته ببعض المصطلحات الأخرى

لقد عزف بعض الفقه الإسلامي المعاصر عن وضع تعريف للمشروعية الإسلامية لدرجة إنكار البعض[43]معرفة المنظومة الإسلامية لمبدأ المشروعية بمضمونه القانوني المعاصر بدعوي عدم معرفة الإسلام لفكرة ونظام الدولة الحديثة كشخصية معنويـة ذات سيادة.

لكن هذا الاتجاه الفقهي مردود عليه بأن الشريعة الإسلامية جاءت بمثابة خطاب عام للفرد وللجماعة على السواء أياً كان شكل هذا التنظيم في شكل أسرة أو قبيلة أو عشيرة أو دولة، لأن الخطابات الشرعية وإن كان ظاهرها أنها خطاب للفرد إلا أنها بطريقة غير مباشرة تُعد بمثابة خطاب عام للجماعة المنظمة، ومن هذا المنطلق أقر العلماء القاعدة الأصولية “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”[44].

فضلاً عن ذلك فإن الإسلام قدم لمبدأ المشروعية إضافات جديدة ومؤثره، أسهمت في ترسيخ دعائمه وإثراء وجوده، فمحور نظام الحكم في الإسلام هو وجوب طاعة المحكومين لولي الأمر ما بقي ملتزماً بشرع الله وسنة نبيه، غير نازع إلى ظلم أو منحرف إلى استبداد، وإلا فلا سمع ولا طاعة، فولي الأمر في الإسلام لا يطاع لذاته وإنما لقيامه على تنفيذ شريعة الله وسنة نبيه، بحيث إذا انحرف عنها سقط حق الطاعة[45].

كما أن المشروعية المأمولة عندما تجد السلطة حدودها وتجد الشريعة قيمتها واحترامها إذا كان الحكم لله وكان الشرع من صنعه والكل من بعده – حاكماً أو محكوماً – عابداً له مطيعاً، وهذا ما يتحقق في النظام الإسلامي، فنجد أن السلطة بمجموع درجاتها والشعب من ورائها يخضعان لسلطان أعلى منهم جميعاً وأقوي وأكبر، إذ القانون ليس من صنع أيديهم بل هو من صنع من هو أعلى وأكبر وأقوي[46]، هذا وسوف نتناول المقصود بالمشروعية في النظام الإسلامي وعلاقته بفكرة الحاكمية في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: المقصود بالمشروعيـة فـي النظـام الإسلامـي.

المطلب الثاني: علاقة المشروعية بالشرعية في النظام الإسلامي.

المــطــلـــب الأول

المقصود بالمشروعية في النظام الإسلامي

 لقد اجتهد فقهاء القانون العام الإسلامي في وضع تعريف يوضح حقيقة المشروعية الإسلامية ويبين الخصائص العامة لمضمون قواعد المشروعية في النظام الإسلامي، ونذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر، محاولة د. مصطفي كمال وصفي إذ يقول: “المشروعية تطلق على التضامن في تنفيذ ما أمر الله به ومنع ما نهي عنه”[47].

ولكن هناك من يرى أن هذا التعريف لم يبين حقيقة ومدلول المشروعية الإسلامية كمفهوم بديل لمبدأ المشروعية الوضعية، ومن ثم فإن هذا التعريف يُعد بمثابة تعريف لضمانات تطبيق مبدأ المشروعية في النظام الإسلامي، كونه يبرز دور الأمر في تطبيق الشريعة[48].

ومن منطلق أن الإسلام إلى جانب أنه شريعة وسلوك فهو أيضاً دين ودولة[49]، فتاريخ الإسلام لم يعرف ديناً بلا دولة ولا دولة بلا دين، لأن الإسلام بوصفه منهج حياة متكامل لضبط سير البشر وفق أوامر الله يحتاج في تبليغ مقصوده إلى وسائل تجعله واقعاً ملموساً وحجة على كل ضال، ومن ثم فدولة الإسلام تقوم على عقيدة وفكرة، ورسالة ومنهج، وليس مجرد جهاز أمن أو دفاع يحفظ الجماعة من التصارع الداخلي أو الغزو الخارجي، بل وظيفتها أعمق بكثير مما هو مقرر في القانون[50]، ومن ثم فإن كل من في الدولة يخضع لأحكام الشريعة بحيث تكون هامتها فوق هامات رجال السلطة، ومن هذا المنطلق نجد تعريفاً للمشروعية بأنها: “هيمنة القانون الإسلامي على كل من الدولة”[51].

وهذا التعريف وإن عبّر عن حقيقة خضوع جميع من يقيم على إقليم الدولة الإسلامية لأحكام الشريعة الإسلامية إلا إنه لم يكن تعريفاً مفصلاً لماهية المشروعية ولا صاحب السيادة فيها ولا لآثارها على الفرد والدولة وغاياتها والتي يجب أن تدور حول تحقيق معنى عبودية كل من في الدولة لله، كما هي محققة لعبودية الفرد له، ومن ثم تحقيق معنى المساواة كركيزة أساسية لباقي الحقوق والحريات العامة، إذ يعتبر الإسلام في هذا المجال مثالاً رائعاً في إعلاء كلمة القانـون على الجميع لا فرق بين حاكم ولا محكوم، ولا بين فرد ولا سلطة ما دامت السيادة فيها ليست للبشر[52].

وعلي الرغم من تعدد وتباين التعاريف التي تناولت مبدأ المشروعية في النظام الإسلامي إلا إنه ومما لا شك فيه فإن الدولة الإسلامية هي دولة قانونية تقوم على أساس تكريس مبدأ المشروعية، ويوضح القرآن الكريم قانونية الدولة وسيادة القانون في خطابه للرسول صلي الله عليه وسلم، الممثل للولاية والسلطة الشرعية، فيقول سبحانه وتعالي: “وَإذا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إلى إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ”[53]، ويقول سبحانه وتعالي: “ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ”[54].

 فهذه الآيات القرآنية وغيرها قد اعتبرت الرسول صلي الله عليه وسلم منفذ ومتبع للشريعة والأوامر الإلهية وليس فوقهما، مما يجعل القانون سيداً وركناً أساسياً وعنصراً مهماً في بناء الدولة، ومن ثم فلا شك أن الدولة الإسلامية هي دولة خاضعة للقانون وليست فوق القانون، بل هي منفذة للقانون وقائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد، وهذا ما سنتناوله تفصيلاً في الباب الثالث من هذا البحث مستخلصين من هذه التعاريف خصائص المشروعية الإسلامية، ومن ثم سنجتهد في استخلاص تعريف لمفهوم المشروعية في النظام الإسلامي.

المــطــلــب الثــانــي

علاقة مبدأ المشروعية بالشرعية في النظام الإسلامي

إذا كان هناك اتفاق عام على أن المقصود بمبدأ المشروعية هو الالتزام بأحكام القانون بالنسبة للجميع – حكاماً ومحكومين – وعلى قدم المساواة، وإذا كان فقهاء القانون العام قد عبّروا عنه بعدة مصطلحات، كونها تلتقي معه في كثير من النقاط والأهداف المشتركة كمبدأ الشرعية ومبدأ تقييد سلطة الحاكم ومبدأ الدولة القانونية ومبدأ سيطرة أحكام القانون، نجد أن من فقهاء الشريعة الإسلامية من عبّر عنه بمبدأ حاكمية الله في مقابل حاكمية البشر، ومنهم من عبّر عنه بمبدأ سيادة أحكام الشريعة، وإن كنا قد خلصنا في المطلب السابق أن هناك تداخلا بين مصطلحي المشروعية والشرعية في القانون الوضعي، وهناك من الفقهاء من يرى أنهما تعبير عن مصطلح واحد لا فرق بينهما، وهناك من يرى أنهما مصطلحان مختلفـان، فإن الأمر في النظام الإسلامي يختلف إلى درجة كبيرة تصل لدرجة القول إن النظام الإسلامي لا يعرف الفرق بين المشروعية والشرعية، ومن ثم فإننا سنحاول في هذا المطلب تحديد العلاقة بين الشرعية ومبدأ المشروعية في النظام الإسلامي.

 سبق وأشرنا إلى أن بعضـاً مـن فقهاء القانون العام ذهبوا إلى التفرقة بين مصطلحي الشرعيـة والمشـروعية، على أساس أن مصطلح “الشـرعية” يشير بمدلوله الدقيق لدي المعنيين بالدراسات السياسية المعاصرة إلى شرعية السلطة القائمة كسلطة للأمر الذي يستوجب التكليف بالطاعة، في حين يشير مصطلح “المشروعيـة” إلى قيام سلطة سياسية من ناحية والي قيام نظام قانوني من ناحية أخري، وبهذا المدلول فإن الشرعية تقع في مجال الفلسفة السياسية ومن ثم في مجال سابق على مجال المشروعية التي تقع بكل قضاياها في إطار النظام القانوني للدولة لذلك فهي – أي المشروعية – من شأن النظرية القانونية.

في حين نجد أن الأمر في النظام الإسلامـي يختلف إذ يمكن القول إن الإسلام لا يعرف هذا التمييز بين الشرعية والمشروعية انطلاقاً من أن النظام القانوني في الإسلام قد ورد في الكتاب والسنة ومعه الأهداف الأساسية والقيم العليا للمجتمع الإسلامـي في آن واحد، فالحاكم حين يلتزم في قراراته بالكتاب والسنة إنما يلتزم في نفس الوقت بالنظام القانوني الإسلامي وبالمبادئ الأساسية والأهداف العليا للمجتمع الإسلامي، كما وردت في هذين المصدرين في آن واحد، مـن ثم فإن شرعية السلطة – في النظام الإسلامي – مرهونة من حيث قيامها واستمرارها لا بمجرد الالتزام بالنظـام القانونـي كمـا ورد في الكتاب والسنة فقط، وإنما في الالتزام بالعمل على تحقيق أهـداف المجتمع الإسلامـي العليـا، وبهذا المفهوم يكون هناك فرق جوهري في العلاقة بين الشرعية والمشروعية في النظام الإسلامي عنها في النظام الوضعي، إذ نجد أن – في ظل النظام الوضعي – مجرد التزام السلطة في الدولة بنظامها القانوني يكفي لتحقق شرعيتها، في حين أن مبدأ الشرعية في النظام الإسلامـي يعني التزام القائم على السلطة بإقامة مجتمع إسلامـي كما صـور في الكتاب والسنة[55]

فالشرعية والمشروعية في النظام الإسلامي يندمجان معاً في نظام واحد هو نظام “الشرعية” الذي يقع ببعديه الشكلي والموضوعي داخل النظام القانوني الإسلامـي، إذ أن النظام القانوني الإسلامـي بقواعده وجزاءاتـه قد صور في الكتاب والسنة، لم يقف عند حد القواعد المنظمة لسلوك المسلم وأحواله في المجتمع الإسلامي بوصفه إنساناً ومواطناً فحسب، وإنما جاوز ذلك إلى تصوير القيم الأساسية والأهداف العليا للدولة الإسلامية ومن ثم جعل منها جزءاً من النظام القانوني متمتعة تبعا لذلك بطبيعة قواعده وبطبيعة جزاءاته.

وبهذا نصل إلى نتيجة بالغة الأهمية ألا وهي أن خروج القائمين على السلطة في الدولة القانونية على تلك القيم والأهداف لا يختلف في طبيعته أو في جزائه عن خروجهم على بقية أحكام النظام القانوني الإسلامي، بل أن هذا الأمر يزداد عمقـاً إذا عُـلم أن الهدف النهائي للدولة الإسلامية بشتى مؤسساتها إنما ينحصر في إقامة مجتمع إسلامي، وأن العمل على تحقيق هذا الهدف من جانب القائمين على سلطة الدولة شرط ابتداء وشرط بقاء بالنسبة لولايتهم[56].

فشرعية السلطة في الدولة الإسلامية مرهـونة في قيامها وفي استمرارها بالتزامـها بالعمـل على إعمال النظام القانوني الإسلامي في جملته دونما تمييز بين أحكامه المنظمة لسلوك المسلم كمواطـن وسلوكه كحـاكم، وبين تلك القيم الأساسية والأهداف العليا التي وردت في الكتاب والسنة، ومـن ثـم فإنه يمكن القول إن الإسلام لا يعرف التمييز بين الشرعية والمشروعية تبعاً لكون الأهداف العليا للمجتمع الإسلامي وقيمه الأساسية قد وردت في الكتاب والسنة على قدم المساواة من حيث طبيعة الجزاء مع أحكام النظام القانوني الإسلامي[57][58].

إقرأ ايضاً


الهامش

[1]– د. داوود البـاز – القضـاء الإداري – صـفحة 7، د. محمـد عبــده إمـام – القضـاء الإداري – صفحـة 9.

[2]– د. صلاح الصاوي – التعددية السياسية في الدولة الإسلامية – الطبعة الثانية سنة 1993 – صفحة 715.

[3]– ابن منظور – لسان العرب – الجزء السابع – الطبعة الأولي سنة 1988 – صفحة 86.

[4]– الرازي – مختار الصحاح – الطبعة الرابعة سنة 1990 – صفحة 328.

[5]-الفيروز آبادي – القاموس المحيط – الجزء الثاني – صفحة 320.

[6]– سورة الجاثية – الآية 18.

[7]– د. على جريشة – المشروعية الإسلامية العليا – صفحة 25، د. مصطفي كمال وصفي – النظام الدستوري الإسلامي – صفحة 31

[8] – د. إسماعيل بدوي – القضاء الإداري – مبدأ المشروعية – الطبعة الثانية سنة 1997 – صفحة 17.

[9] – د. محمود حافظ – القضاء الإداري – الطبعة السابعة – صفحة 19، د. سليمان الطماوي – النظرية العامة للقرارات الإدارية – الطبعة الرابعة 1976 – صفحة 14.

[10]– د. رمزي الشاعر – تدرج البطلان في القرارات الإدارية – طبعة 1997 – صفحة 261.

[11]– د. إسماعيل بدوي – مرجع سابق – صفحة 19.

[12]– د. سعيد عبد المنعم الحكيم – الرقابة على أعمال الإدارة في الشريعة الإسلامية والنظم المعاصرة – رسالة دكتوراه – جامعة القاهرة سنة 1976 – الطبعة الثانية سنة 1987 – صفحة 8.

[13]– د. سليمان الطماوي – القضاء الإداري – الكتاب الأول – طبعة 1986 – صفحة 21، د. سعد عصفور– القضـاء الإداري – صفحة 7، د. فؤاد العطار – القضاء الإداري ” دراسة مقارنة لأصول رقابة القضاء على أعمال الإدارة – طبعة 1990 – صفحة 16، د. محـمد محمـود حــافظ – القضاء الإداري – دراسة مقارنة – الطبعة السابعة – صفحة 20 – 21، د. محمد كامل ليلة – الرقابة على إعمال الإدارة – طبعة 1964 – صـفحة 16، د. محمــود عاطـف البنا – الوسيط في القضـاء الإداري – الطبعة الثانية سنة 1999 – صفـحــة 17 – 18، د. مــاجد راغب الحــلو – القضــاء الإداري – طـبعـة 1985 – صفحــة 15 – 18، د. محمـد انس قاسم جعفر – الوسيط في القانون العام ” القضاء الإداري ” – الطبعة الثانية سنة 1990 – صفحة 9 – 14، د. محمد كامل عبيد – مبدأ المشروعية – طبعة 2002 – صفحة 23 وما بعدها .

[14]– د. محمد كامل عبيد – مرجع سابق – صفحة 25 وما بعدها.

[15]– George Vedal ; DroitAdministratif ; 3e edition ; Thémis ; Paris ; 1964 ; P.P 189 – 230.

[16]– د. سليمان الطماوي – القضاء الإداري ورقابته لأعمال الإدارة – الطبعة الثالثة سنة 1961 – صفحة 12 وما بعدها، د. محمد كامل ليلة – الرقابة على أعمال الإدارة – طبعة 1964 – صفحة 17 وما بعدها، د. ثروت بدوي – الدولة القانونية – مقال منشور بمجلة إدارة قضايا الحكومة – السنة الثالثة – العدد الثالث – يوليو، سبتمبر سنة 1959 –  صفحة 28 وما بعدها، د. طعيمة الجرف – رقابة القضاء على أعمال الإدارة – طبعة 1963 – صفحة 41 وما بعدها، د. محمود حلمي – تدرج القواعد القانونية – بحث منشور بمجلة العلوم الإدارية – العدد الأول سنة 1963 – صفحة 169 وما بعدها .

[17]– حكم المحكمة الإدارية العليا في الدعوي رقم 929 لسنة 3 قضائي إداري الصادر في 12 / 7 / 1958 – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا – السنة الثالثة – صفحة 1691، والحكم الصادر في الدعوي رقم 161 لسنة 3 قضاء إداري الصادر في 29 / 6 / 1657 – المجموعة – السنة الثانية – صفحة 1335.

[18]– Charles Eisenmann، le droit administratif et le principe de légalité، études et documents du conseil de état، 1957، P. P 25 – 40.

[19]– د. عصام عبد الوهاب البرزنجي – السلطة التقديرية للإدارة والرقابة القضائية – رسالة دكتوراه – كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1970 – صفحة 124: 129.

[20]– د. محمد كامل ليلة – مرجع سابق – صفحة 30، د. سعيد عبد المنعم الحكيم – مرجع سابق – صفحة 13، 14.

[21]– د. ماجد راغب الحلو – القضاء الإداري – الطبعة الأولي سنة 1977 – صفحة 10، د. عبد الكريم محمد السروي – الرقابة الشعبية على سلطات رئيس الدولة – دراسة مقارنة بين النظامين الدستوري المعاصر والإسلامي – طبعة 2006 – صفحة 59.

[22]– د. هشام أحمد جعفر – الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية – صفحة 83.

[23]– د. ماجد راغب الحلو – القضاء الإداري – صفحة 10 وما بعدها.

[24]– د. رمزي طه الشاعر – القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة ” قضاء التعويض – قضاء التأديب – المرافعات الإدارية ” – دار النهضة العربية – طبعة 1982 – هامش صفحة 11.

[25]– د. عبد الحميد متولي – الحريات العامة ” نظرات في تطورها وضماناتها ومستقبلها” – منشأة المعارف – طبعة 1975 – صفحة 88، د. سليمان الطماوي – النظرية العامة للقرارات الإدارية – صفحة 14 – 15، د. كامل ليلة – الرقابة على أعمال الإدارة – طبعة 1986 – صفحة 16، د. رمزي الشاعر – القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة – دار النهضة العربية  طبعة 1982 – صفحة 11، د. طعيمة الجرف – مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الإدارة للقانون – دار النهضة العربية – طبعة 1976 – صفحة 39.

[26]–  د. أنور أحمد رسلان – وسيط القضاء الإداري – دار النهضة العربية – طبعة 1997  – صفحة 21 .

[27]– د. رمزي طه الشاعر – مرجع سابق – هامش صفحة 11.

[28]– د. صالح حسن سميع – أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي – رسالة دكتوراه سنة 1989 – صفحة 524.

[29]– د. سليمان الطماوي – القضاء الإداري – صفحة 23.

[30]– د. عبد الحميد متولي – القانون الدستوري والأنظمة السياسية – صفحة 187.

[31]– د. سامي جمال الدين – القضاء الإداري والرقابة على أعمال الإدارة – صفحة 10.

[32]– د. سامي جمال الدين – تدرج القواعد القانونية ومبادئ الشريعة الإسلامية – صفحة 8، د. محسن خليل – القضاء الإداري ورقابة أعمال الإدارة – طبعة 1988 – صفحة 5.

[33]– د. عبد الجليل محمد على – مبدأ المشروعيـة في النظام الإسلامـي والنظم القانونيـة المعاصـرة – الطبعـة الأولـي سنة 1984 – صفحة 13.

[34]– د. ثروت بدوي – النظم السياسية – صفحة 56.

[35]– د. أحمد مدحت على – نظرية الظروف الاستثنائية – صفحة 8.

[36]– د. طعيمة الجرف – مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون – مكتبة القاهرة الحديثة – صفحة 3.

[37]– د. عبد الكريم محمد السروي – الرقابة الشعبية على سلطات رئيس الدولة – صفحة 61.

[38]– د. أمين عاطف صليبا – دور القضاء الدستوري في إرساء دولة القانون – دراسة مقارنة – طبعة 2002 – صفحة 106.

[39]– د. أمين عاطف صليبا – مرجع سابق – صفحة 107.

[40]– د. محمد سبيلا – دولة القانون بين الواقع والمثال – مقال على الإنترنت.

[41]– حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 22 لسنة 8 ق . د الصادر في 4 / 1 / 1992.

[42]– د. أحمد فتحي سرور – الحماية الدستورية للحقوق والحريات – صفحة 22.

[43] – د. صلاح الدين محمد على دبوس – الخليفة ” عزله وتوليته ” دراسة مقارنة في السياسية الشرعية ومقارنتها بالنظم الدستورية الغربية – رسالة دكتوراه – صفحة 62 .

[44]– هذه القاعدة نافعة جداً بمراعاتها يحصل لعبد خير كثير وعلم غزير، وهي من القواعد المعروفة عند أهل العلم في كل فن، ومعناها بإيجاز أن العبرة بالنصوص وما اشتملت عليه من أحكام وليست العبرة بالأسباب التي دعت إلى مجيء هذه النصوص، أي أنه إذا ورد العام على سبب خاص فإن العبرة بالعموم وليست العبرة بالخصوص، وينقسم العموم اللفظي إلى قسمين الأول ما ورد ابتداءً بغير سبب وهذا لا خلاف في عمومه وشموله، والثاني ما ورد بسبب ويكون له ثلاث حالات: الأولي أن يقترن بما يدل على العموم كقوله تعالي: “والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم” سورة المائدة الآية 38، لأن سبب نزولها المخزومية التي قطع الرسول عليه الصلاة والسلام يدها واللفظ “السارق” جاء مذكرا يدل على التعميم، والثاني أن يقترن العام بما يدل على تخصيصه بالسبب فيخص إجماعاً أي تكون العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ ومثالها قوله تعالي: “وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين”  سورة الأحزاب – الآية 50، والحالة الثالثة أن يقترن العام بقرينة تدل على التعميم والتخصيص وهي محل خلاف بين العلماء، والحق فيها إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهو قول الجمهور وقال عنها الشوكاني وهذا المذهب هو الحق الذي لا شك فيه لأن التعبد للعباد إنما هو باللفظ الوارد عن الشارع وهو عام ووروده على سؤال خاص لا يصلح قرينة لقصره على ذلك السبب فالعام يبقي عام وإن كان وروده بسبب خاص، لأننا لو عملنا بخصوص السبب لا يجوز تجاوز الدليل إلى قضايا أخري، ومثال ذلك قوله تعالي: “والذين يظاهرون من نسائهم ما هن أمهاتهن إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ….. ” سورة المجادلة – الآية 2 فهذا الحكم عموم ولكن سبب ظهار أوس بن الصامت من امرأته في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لكن الحكم لا يختص به بل هو عام – الإحكام للآمدي – إرشاد الفحول للشوكاني – المستصفى للغزالي – الموافقات للشاطبي.

[45] – د. محمد كامل عبيد – مبدأ المشروعية – طبعة 2002 – صفحة 15.

[46] – د. على جريشة – المشروعية الإسلامية العليا – طبعة 1986 – صفحة 19.

[47] – د. مصطفي كمال وصفي – المشروعية في النظام الإسلامي – الطبعة الأولي سنة 1980 – صفحة 9.

[48] – د. إسماعيل بدوي – القضاء الإداري – الجزء الأول – الطبعة الثانية سنة 1997 – صفحة 21.

[49] – د. عبد الحميد متولي – الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور – منشأة المعارف – طبعة 1975 – صفحة 56، د. فتحي عبد الكريم – الدولة والسيادة في الفقه الإسلامي – طبعة 1977 – صفحة 166.

[50] – د. يوسف القرضاوي – الدين والسياسية – صفحة 133.

[51] – د. إسماعيل بدوي – مرجع سابق – صفحة 22.

[52] – د. عبد الجليل محمد على – مبدأ المشروعية في النظام الإسلامي والأنظمة القانونية المعاصرة – الطبعة الأولي سنة 1984 – صفحة 18.

[53] – سورة يونس – الآية 15.

[54] – سورة الجاثية – الآية 18.

[55]– د. عادل فتحي عبد الحافظ – شرعية السلطة في الإسلام “دراسة مقارنة” – دار الجامعة الجديدة – طبعة 1996 –  صفحة 68.

[56] – د. محمد سليم العوا – في النظام السياسي للدولة الإسلامية – المكتب المصري الحديث – سنة 1979 – صفحة 143.

[57] – د. عادل فتحي عبد الحافظ – مرجع سابق – صفحة 69.

[58] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تحية طيبة وبعد اطلعت على البحث وأعجبني نظمه واسلوبه ومنهجه في المقارنة بين الشريعة والقانون، وهو موضوع -يا سبحان الله- يقترب في كثير من عناوينه ومباحثه ومراجعه مع كتاب متواضع لي نشرته بدار الجامعة الجديدة موسوم بـ”دولة المشروعة بين النظرية والتطبيق” بين الشريعة والقانون، سنة2009 ، والعجيب الاحاطة بجل المراجع المتخصصة مما يجعلها قابلة للتثمين العلمي .
    و لست ادري هل اطلع الباحث المحترم على الكتاب أعلاه ، لاسيما وأن الفارق بينهما عشر سنوات ،و هو ما يقتضي ظهور دراسات جديدة تقتضي رجوع الباحث اليها، وهو ما لم ألمسه ، بحيث لاحظت أن الباحث اعتمد على نفس المراجع التي اعتمدت عليها
    ولذلك تمنيت على الباحث د/ شريف طه لو اطلع على الكتاب وزاد عليه ،فأكمل ما كان ناقصا فيه أو فصل ما كان مجملا فيه ، أوصحح ما كان فيه من أخطاء لأن المعرقة تراكمية وتتناسب مع الزمان والمكان،
    نتمنى ان نتشارك في بحوث علمية اخرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close