fbpx
قلم وميدان

قلم وميدان: الأزمات الاقتصادية وزوال الانقلاب

 

يمثل الوضع الاقتصادي في مصر بعد الانقلاب مشهدًا من أسوأ المشاهد على الإطلاق، والجميع- بما فيهم المؤيد للانقلاب- بات يرى عن كثب المعاناة المصرية في الجوانب الاقتصادية؛ خاصة أنها معاناة قد شملت الملفات العامة للدولة، وكذلك الملفات الأكثر قربًا من المواطن البسيط.

وفي هذا تشير دراسة “عبد الحافظ الصاوي” حول “العسكر وتدمير اقتصاد مصر” إلى تراجع كل مجالاتوقطاعات الأنشطة الاقتصادية، فمثلاً في قطاع السياحة يؤكد “أن البيانات الرسمية أظهرت أن فترة تولي الرئيس محمد مرسي في العام المالي 2012/2013 هي الأفضل لقطاع السياحة خلال سنوات؛ حيث بلغت الإيرادات 9.8 مليارات دولار، ثم تدهورت بمعدّل النصف إلى 5.1 مليارات دولار في السنة المالية 2013-2014، إبَّان حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور، وهي أول سنة مالية بعد الانقلاب العسكري، و7.4 مليارات دولار خلال العام المالي الأول لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي”.

وفي إشارة أخرى يؤكد الصاوي: “تدهور قيمة الجنيه المصري على مدار 70 عامًا، فالجنيه المصري بعد أن كان يقابل 4 دولارات قبل ثورة 1952 وبداية الحكم العسكري لمصر فقد أصبح الدولار يقارب 8 جنيهات في سوق الصرف الرسمية ومنذ الانقلاب العسكري على أول تجربة ديمقراطية في مصر وخلال العامين ونصف العامأخذت قيمة الجنيه المصري في التدهور نتيجة تفاقم الأزمات تلو الأزمات، فقد شهد عام 2015 تراجع قيمة صرف الجنيه بأكثر من 30٪ خلال فترة الانقلاب، وهو ما أثر سلبًا في القدرة الشرائية للمصريين، وأدى إلى تزايد الضغوط التضخمية بما يرفع أسعار المواد الغذائية وكل تكاليف المعيشة، وهروب المستثمرين، وقد انخفض الجنيه في سوق الصرف الرسمية بنسبة 11% منذ مطلع عام 2015، ووصل سعر الدولار في السوق السوداء في الفترة الأخيرة إلى نحو 8.60 جنيهات مقابل 7.10 جنيهات في بداية العام المنصرم.

كما تشير الدراسة نفسها إلى التدني الشديد في الأجور، وارتفاع نسبة البطالة، مع زيادة في مشكلات الوقود والكهرباء.

ومن ثم فالسؤال الحالي إنما ينصبُّ على مستقبل استمرار الانقلاب في ظل هذا الوضع الاقتصادي الحرج، والمستمر في التدهور، وهل ما زالت لديه فرص الدعم الخارجي، ومن ثم التعويل على الظهير الشعبي ورضائه بالواقع أيًّا ما كان؟

توقعات بالإفلاس أو ثورة جياع

من جانبه يؤكد د. ناصر البنهاوي أن الوضع الاقتصادي للانقلاب سيئ ويتجه إلى الأسوأ بسبب أزمة الدولار، وانخفاض المساعدات الخارجية، وانهيار السياحة، وتقلص عائدات قناة السويس، وانخفاض تحويلات المصريين في الخارج، وأزمة الطاقة، وهروب المستثمرين الأجانب، وانهيار البورصة، أضف إلى ذلك أن الانقلابيين لا أجندة ولا برنامج اقتصاديَّ لهم؛ حيث إنهم غير جادين في مشروعات المليون وحدة سكنية والمليون ونصف المليون فدان مثلاً، كما أن مشروع تفريعة قناة السويس فشل في تحقيق زيادة في عائدات قناة السويس، أيضًافمشروع العاصمة الجديدة يعدُّ كارثة تفوق كوارث تفريعة قناة السويس ومشروع توشكى وفوسفات أبو طرطور؛ فالمنطقة التي سيتم بناء العاصمة الجديدة فيها تفتقر إلى عوامل الجذب السكاني مقارنة بالساحل الشمالي مثلاً، كما أن الجيش سيقوم بالإشراف على تنفيذه وربما تملكه؛؛ ما يجعله منافسًا للشركات المحلية.

ويتابع: ومن ناحية أخرىفتركيز السيسي على ملف “الأمن” وتجاهله للأزمة الاقتصادية والمعاناة الاجتماعية للشعب..كل هذا سوف يؤديإلى الانفجار،فالسيسي اشترى أسلحة بمليارات الدولارات وتعاقد على 4 مفاعلات نووية بـنحو 20 مليار دولار، وبنى عشرات السجون ولم يبن مدرسة أو مستشفى واحدًا، وإلافأين شبكة الطرق التي وعد بها السيسي؟! كل ذلك بالإضافة إلى زيادة الديون المحلية والخارجية مع انخفاض قيمة الجنيه،وهو ما سوف يزيد من فاتورة الغذاء وخدمة الديون الخارجية.

لذلك- والكلام لـ”البنهاوي”-أتوقع أن تتوقف مصر عن سداد ديونها ويتم إعلان الإفلاس أو يظل السيسى يضغط على المصريين حتى تقوم ثورة جياع.

القمع يكمم الأفواه

وفي السياق نفسه يرى الخبير الاقتصادي ممدوح الوليّ أنه عندما قام الانقلاب أوعزت الدول الكبرى إلى حلفائها بالخليج لمدِّ نظام الانقلاب بالدعم اللازم، سواء بالبترول الخام أو بالمنتجات البترولية،أو بالمال لاستيراد السلع الأخرى ولوازم مواجهة المظاهرات، وبعد تراجع أسعار البترول تحولت مساعدات الخليج لنظام الانقلاب إلى قروض وودائع، بعدها قامت الدول الكبرى بدعم الانقلاب من خلال البنك الدولي وصندوق التنمية الإفريقي وبعض البنوك الأوربية التي تملك سلطة اتخاذ القرار بها، فالبنك الإفريقي مثلاً لاتملك الدول الإفريقية سوى نصف حقوق التصويت به، وتملك دول الغرب النصف الباقي.

ومن هنا فإن دول الغرب حريصة على مساندة نظام الانقلاب كي لا يسقط، سواء عسكريًّا أو اقتصاديًّا، في ظل تحقيقه لمصالحها وحفاظه على أمن “إسرائيل”، ولهذا- والكلام للوليّ-لا أتوقع أن يكون المدخل الاقتصادي هو السبب الرئيس لسقوط الانقلاب، بل يكون عاملاً مساعدًا من خلال إثارة سخط المواطنين بسبب الغلاء، إلى جانب البطالة وتلاشي الحريات والتجاوزات الأمنية مع الأخذ في الحسبان أثر التخدير الإعلامي للجمهور بالادعاء بخفض الأسعار وطرح السلع بالمجمعات الاستهلاكية، والتهليل للوجبات الجاهزة،ومنع نشر أي خبر عن ارتفاع الأسعار منذ نهاية ديسمبر، أي منذ انتهاء الوعد الرئاسي بخفض الأسعار، والقبض على أي شخص يقوم بالتصوير التلفزيوني بالأسواق، رغم أن جهاز الإحصاء نفسه فيإعلانه عن التضخم خلال شهر يناير- أي عن معدل ارتفاع الأسعار فييناير- قد أشار إلى ارتفاع الأسعار فى يناير عما كات عليه في ديسمبر، ومن ذلك زيادة أسعار اللحوم والدواجن التي ادعى النظام توفيرها وخفضها، لكن الإعلام لايذكر شيئًا من ذلك.

ولهذا لا أتوقع ثورة جياع؛ لأن العصا الغليظة للنظام لم تعد مجرد ضرب بالعصيٍّ كما كانت أيام مبارك، بل صارت إطلاق الرصاص الحي، لهذا يؤْثر كثيرون السلامة رغم معاناتهم الشديدة.

وحدة الصف الثوري

أما د. أشرف دوابة، الأكاديمي والمستشار الاقتصادي، فيقول: المشكلة أن السيسي يستخدم أسلوب الإدارة بالصدمات، ومما يؤسف له أنه يعتمد بعدها على دعم الجيش ومؤازرته له؛ فرغم أن حال الاقتصاد من سيئ إلى أسوأ، فإن السيسي لم يكن ليصمد لولا هذا الدعم والمساندة من الجيش.

يضيف دوابة: الحقيقة أن الرؤية ضبابية بشكل كبير، خاصة بعد الخلاف الذي نشب داخل جماعة الإخوان المسلمين، والتي هي رأس الحربة بين الثوار، فهذا بدوره أثر بشدة في العمل الثوري وعلى توقع أو بناء رؤية كلية لمواجهة الانقلاب، ولكن من ناحية أخرى ولأن الشعب المصري كما أن فيه من يبحث وينتفض من أجل الكرامة، ففيه أيضًا من يتكيف مع الذل، وأظن أنه في الفترة القادمة ومع زيادة الضغوط واستمرار غلاء الأسعار، فلا بد أن تتحرك شريحة من المجتمع؛ بناءً على هذه المعاناة، وهو أمر متشابه مع الكثير مما يحدث في دول العالم كله عندما تزيد وطأة الضغوط الاقتصادية، ومن ثم فمن جانبي لا أستبعد اندلاع ثورة الجياع تلك مع كثرة المعاناة، وإن كنت آمل في هذه الحال أن تحدث وحدة بين الصف الثوري المصري، حتى إذا ما اندلعت مثل تلك الثورة يتم إدارتها بشكل لا يضر بالمجتمع ولا يمثل تهديدًا لأفراده.

وعلى جانب آخر يرى “دوابة” أن العالم الغربي لن يضحي بالسيسي إلا إذا أصبح عبئًا عليهم، أما عن المعونات الخارجية ومثلها فقد صارت الآن بالنسبة للسيسي كأن لم تكن؛ لأنها الآن مرتبطة بإقامة مشروعات حقيقية، ومن ثم فهي معونات لها اشتراطات مادية، وليست معونات نقدية مباشرة، ولذا فقد صار السيسي الآن في أزمة واضحة، فلجأ إلى الاقتراض الخارجي بصورة لا تتماشى مع معايير قيام أي دولة، ومن ثم تجاوزت الديون الخارجية كل الحدود المألوفة أو المقبولة، ومن المتوقع أن يكون هذا عاملاً شديدًا في الضغط عليه في الفترة المقبلة.

عدد مجلة قلم وميدان ـ مارس 2016

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close