fbpx
الشرق الأوسطترجمات

كارين يونغ: مصر وإسرائيل وتوقعات النمو في ظل تباين الاستراتيجيات

نشر معهد الشرق الأوسط في 17 أغسطس 2021 مقالاً لكارين إي يونغ، وهي زميل أول ومدير برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط، تحت عنوان “إسرائيل ومصر تتصدران توقعات النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: قصة استراتيجيتين متباينتين”. وقد جاء المقال على النحو التالي:

تتمتع مصر و”إسرائيل” من بين دول الشرق الأوسط بأعلى توقعات نمو لعام 2022. حيث تقدر مؤسسة “فيتش سوليوشنز” للدراسات الاقتصادية، أن الناتج المحلي الإجمالي على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سينمو بنسبة 3.6% في عام 2021، بعد انكماش بنسبة 4% في عام 2020. بينما تتوقع “فيتش سوليوشنز” أن تحقق اقتصادات مصر وإسرائيل من بين دول المنطقة نمواً بما يتجاوز حجم المستويات التي حققتها خلال فترة ما قبل كوفيد-19 لعام 2021.

وقد اتبعت مصر وإسرائيل استراتيجيات مختلفة جذرياً في مواجهة سياسة كوفيد-19، خاصة فيما يتعلق بعمليات الإغلاق والتطعيم. حيث تمثل إسرائيل ومصر تناقضات واضحة في سياسة النمو والإدارة الحكومية للوباء. فإسرائيل تُعتبر أحد أعلى دول العالم في معدلات التطعيم بنسبة 60% من السكان، حيث تجاوزت سلسلة من القيود المفروضة على التنقل وتفرض الآن إثبات تلقي التطعيم للسماح بالوصول إلى الشركات والخدمات.

أما مصر، فعلى الرغم من انخفاض معدل التطعيم بها (أقل من 3% من السكان)، وسوء تقديم الحكومة لخدمات الصحة العامة، فإنها تُعد كقطار شحن من حيث استمرار نموها الإيجابي في الاعتماد على معدل مطَّرد في ديموغرافية سوقها الاستهلاكي الشاب، ومرونة تدفقات التحويلات المالية، والقيود الحكومية القليلة على حرية التنقل. إن الاختلاف في استراتيجية التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا في كلا الدولتين مذهل ويوضح النهج المتباينة داخل المنطقة لتحقيق مناخ ملائم للاستثمار وفي نفس الوقت الالتزام برأس المال البشري.

ويبدو النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هذا العام بوجه عام ضعيفاً، مع بعض الاستثناءات في دول الخليج المصدرة للنفط نظراً لارتفاع أسعار النفط والسياسة المالية التوسعية المتوقعة. وعلى غرار دول الخليج، يعتمد نمو الاقتصاد المصري على استمرار الإنفاق على المشاريع، ومعظمه يعتمد على سياسة مالية توسعية مدفوعة باستثمارات الدولة في البنية التحتية. وقد توسعت الميزانية المالية لمصر 2021-2022 في الاستثمارات العامة بأكثر من 50%. وهناك أيضاً زيادات في الصحة العامة والتعليم. وفي حين تتولى الدولة والعديد من المقاولين المرتبطين بها (بما في ذلك الجيش) النفقات الرأسمالية، فإن تزايد عدد السكان يخلق سوقاً نهماً للمنتجات الاستهلاكية الأساسية.

وتكمن المشكلة في هذا النوع من نماذج النمو في أن الإنفاق الاستهلاكي سيواجه بشكل متزايد رياحاً غير مواتية تتمثل في انخفاض الإعانات، وسيؤدي النمو الباهت لوظائف الشباب إلى توجيه الإنفاق نحو الاحتياجات العاجلة بدلاً من الاستثمار في التكنولوجيا والأدوات التي قد تساعد الأفراد على تنمية الأعمال التجارية أو تعلم مهارات جديدة. ومن المتوقع أن يظل رصيد ميزانية مصر في حالة عجز حتى عام 2025، مما يؤدي إلى زيادة الضغط من أجل المزيد من تدابير التقشف والقيود المفروضة على شبكات الضمان الاجتماعي، والتي تفاقمت بسبب هيمنة سوق العمل غير الرسمي الذي يجعل استهداف المساعدات وقياس الاحتياجات أكثر صعوبة. يعتمد النمو في مصر على الاستهلاك المستمر والمشاريع الكبيرة، إلا أن المكاسب من كليهما لا تقدم الكثير لتسهيل النمو طويل الأجل في رأس المال البشري أو الصناعات الحديثة. وفي ظل توفر ديموغرافية شبابية تزيد عن نصف إجمالي السكان، فإن مثل هذا المسار غير مستدام.

وفي إسرائيل، استهدفت الحكومة تقديم حوافز للشركات للتعافي من فيروس كورونا، وحفّز الوباء الاستثمارات التكنولوجية في القطاع الخاص. وتواجه إسرائيل تحدياتها الخاصة في خلق فرص العمل للشباب، لكنها أثبتت أن مناخها الاستثماري يمكن أن يتحمل عاماً مليئاً بالتحديات. ففي عام 2020، قد بلغت الاستثمارات الرأسمالية التي وصلت جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا فقط نصف المستوى الذي بلغته في عام 2019. واجتذبت إسرائيل 1.9 مليار دولار من الاستثمارات الرأسمالية الجديدة في عام 2020، وتلتها مصر مباشرة بمبلغ 1.4 مليار دولار.

لكن إسرائيل هي ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر التأسيسي في الشرق الأوسط والذي يقاس بالمشاريع الخارجية، وذلك بعد الإمارات العربية المتحدة مباشرة. واستثمرت إسرائيل 2.7 مليار دولار في استثمارات رأسمالية جديدة خارجياً في عام 2020، بينما حققت مصر 300 مليون دولار فقط. لا تقل القدرة على جذب الاستثمار أهمية عن إيجاد محركات للنمو من أجل الانتشار في الخارج، وربط الاقتصاد ومواطنيه بالفرص. وفي عام كانت فيه الاتصالات التجارية والشبكات محدودة للغاية بسبب القيود على التنقل، لا يبدو أن عمليات الإغلاق الإسرائيلية أثرت على بيئة تنظيم المشاريع بها.

ويمثل التهديد الحالي لمتغيرات كوفيد والقيود الجديدة على التنقل اختباراً لأنظمة الصحة العامة ومرونة استراتيجيات النمو الاقتصادي التي تعتمد على عدد كبير من السكان الشباب للحفاظ على الاستهلاك. فبالنسبة للعديد من اقتصادات الأسواق الناشئة، لا سيما تلك الموجودة في الشرق الأوسط، فإن المرحلة التالية من الوباء مع متغير دلتا ومعدلات التطعيم المنخفضة ستؤدي إلى خلق معدلات أعلى من العدوى والمرض بين الشباب الأصحاء في العادة، وستؤدي حتماً إلى مزيد من الضغوط لفرض قيود على التنقل وإغلاق الأعمال.

ما كان يُعتبر استراتيجية مقامرة في عامي 2020 و 2021 من أجل الحد من عمليات الإغلاق قد لا يكون متاحاً مرة أخرى. ومن غير المرجح أن تحافظ استراتيجية البقاء للأسواق الناشئة ذات النمو المرتفع وعدد السكان المرتفع والتي تعتمد على المستهلكين الشباب والتعاقد الحكومي، على نفس الزخم في عام 2022. إن نهاية أزمة كوفيد هي نفسها بالنسبة للنمو الاقتصادي على المدى الطويل: حيث يكون المزيد من الاستثمار في الناس وصحتهم وإمكانياتهم على المحك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close