fbpx
كتب إليكترونية

كتاب الثورة 6: الحراك: تراجع الطغمة ومسؤولية الطليعة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

يبدو من الملائم إعادة التذكير بأن هذه الفصول تسعى إلى ترسيخ الأسئلة الأساسية للثورة عموما، وخاصة في مصر، وهي:

• حتمية الثورة: لماذا يجب التغيير؟ ولماذا لا يمكن اعتماد منهج الإصلاح بدلا من الثورة التي تعني إزاحة أنقاض دولة انهارت فعلا ثم البناء بعد ذلك؟

•       ما هي طبيعة الدولة التي تؤكد الثورة سقوطها؟

•       ما الذي تسعى الثورة إلى بنائه؟

•       ما هي أدوات الثورة؟

وبدءا من هذا الفصل نتناول ـ ببعض التفصيل ـ عوامل وطبيعة الحراك الثوري، وهو المرحلة الأولى من مراحل الثورة.

يقول “فردريك إنغلز” في تقديمه لكتاب “النضال الطبقي في فرنسا: 1848 ـ 1850″(1 ): “لقد ولى زمن الهجمات المفاجئة، وزمن الثورات التي تقوم بها أقلية واعية ضئيلة تترأس الجماهير غير الواعية. وحيث يكون المقصود تحويل النظام الاجتماعي تحويلاً تاما، ينبغي على الجماهير بالذات أن تشترك في هذا، ينبغي عليها بالذات أن تدرك الهدف الذي يدور النضال من أجله، الهدف الذي تهرق دماءها وتضحي بحياتها من أجله”.

وواضح أن “إنغلز” هنا يتحدث عن الثورة في طورها الأخير، يتحدث عن “الحسم” وليس عن “الحراك” الذي مازال ـ وبعد مرور أكثر من قرن ونصف القرن على كلام “إنغلز” ـ يعتمد على “طليعة”. إذ الثورة “تغيير واعٍ”، وليس من المتصور ـ طبعا ـ أن يولد الوعي الثوري مكتملا، ولا أن يشمل التفاصيل، ولا أن يعم الجميع، ولا أن يكون الثوار على درجة واحدة منه؛ فـ”شرارة” الوعي التي تطلق الثورة ليست هي كل “النار” التي تضطرم بها.

والتمهيد الضروري، أو الظرف المهيئ للثورة، في المرحلة التي تسبق انطلاق حراكها، هو تقلص حجم “سلطات الدولة” وحصرها في “طغمة حاكمة” تتضاءل قدرتها على تمثيل المجتمع والتواصل معه. ويمكن ـ اختصارا ـ وصف هذا الوضع بأن مزيدا من المزايا يصبح في يد عدد أقل من الأشخاص، يمارسون الإفراط في احتكار السلطة والثروة؛ ما يؤدي إلى حدوث متغيرين مهمين:

الأول: انبثاق الوعي بحتمية التغيير لدى طليعة ثورية متنامية.

الآخر: تراجع ولاء “الشعب” للدولة كلما قلت قدرة سلطاتها على التواصل معه والتعبير عنه.

ويقودنا هذا إلى مشهد تتبدى فيه “الدولة” وهي تتحول ـ أو تتحلل ـ إلى:

•       طليعة ثورية (أقلية تتنامى).

•       طغمة حاكمة (أقلية تتضاءل).

•       بيئة موالية، هي الأغلبية مقارنة بالكتلتين السابقتين، وتكون مساحة ولائها الأكبر في البداية للطغمة الحاكمة.

والبيئة الموالية هذه هي ما يطلق عليها، في تسمية قاصرة “الأغلبية الصامتة” أو “حزب الكنبة” حسب التعبير الساخر الذي شاع في مصر مع بدء حراك يناير الثوري، وكلاهما يشير إلى مظهر “السلبية” في هذه الكتلة، وهي تمارس دورها كتربة للنمو، يناسب جانبها، الذي يبدأ صغيرا ويتزايد، نمو الطليعة، ويناسب جانبها، الذي يبدأ واسعا ثم يأخذ في الانحسار، نمو الطغمة الحاكمة. ويأتي انصراف معظم ولائها للطغمة الحاكمة في البداية تعبيرا عن أنها لا تعرف “وليا” غيرها، ولأن هذه الطغمة مازالت بالنسبة للكثيرين تحمل صفة “الدولة” التي لا تكون قد فقدت كل مظاهر وجودها بعد، وإن كان الوصول إلى هذه الحالة يعني ـ فعليا ـ نهاية قدرتها على البقاء، وأن ما تبقى منها ليس أكثر من هياكل جوفاء، ومسميات يابسة.

من هنا نفهم فكرة أن الثورة نقيض الدولة، لا لأنها تعمل على “إزاحة أنقاضها” وتأكيد سقوطها وليس “إصلاحها” فحسب، ولكن لأنها لا تبدأ إلا وقد دخلت الدولة ـ في الحد الأدنى ـ طور احتضارها النهائي، إن لم تكن في مرحلة التفسخ الرمي. كما نفهم أن الثورة “حتم” وليست مجرد خيار له بدائل؛ إذ تفقد أية محاولة للإصلاح معناها ـ لا جدواها فحسب ـ مع جثة فاقدة الروح، مآلها المحتوم هو التحلل، مهما طال الزمن الذي يمكن أن تحتفظ فيه بمظهرها المتماسك، كما لا يمكن “التعايش” معها بوجه من الوجوه، ولابد من “دفنها” قبل إقامة كيان حي بدلا منها.

الثورة إذا لا تناقض دولة قادرة على الحياة، لكنها حالة من القطيعة الكاملة مع “بئر معطلة وقصر مشيد”، مع أطلال فقدت صفات “الدولة” مثلما تفقد “الرمة” صفات الكائن الحي، وهي حالة توضع بذرتها مع الخطوة الأولى في تحلل الدولة، التي يعمل اكتمال تحللها على بلورة شروط الثورة، وهي:

•       أن تعم الأزمة مختلف سلطات ومؤسسات وأجهزة وقطاعات الدولة.

•       أن تصل الأزمة إلى ذروة لا ذروة بعدها.

•       أن يصل الصراع بين مؤسسات الدولة إلى درجة ملموسة.

•       أن تتساوى تكلفة الثورة مع تكلفة الصمت.

وبينما تعبر الشروط الثلاثة الأولى عن التحلل النهائي للدولة، يمكن اعتبار الشرط الرابع والأخير هو الشرط “الحاسم” في التعبير عن “اعتماد الثورة” خيارا وحيدا لما بعد تحلل الدولة، و”المباشر” الذي يؤدي وجوده إلى تفجير الثورة. إنه الشرط الذي يأتي تعبيرا عن حتمية الثورة ودافعا للتحرك الفوري نحوها، باعتبارها “أملا” لا يكبد من يختاره أكثر من تكلفة اليأس.

ومثل الظواهر الفيزيائية ـ كالغليان والتجمد ـ فإن الثورة تعرف “فترة كمون” تطول أو تقصر، تفصل بين توفر شروطها، وبين اندلاع حراكها. الذي يتوقف على وصول “الطليعة الثورية” مع حصتها من “البيئة الموالية” إلى “الكتلة الحرجة”، حيث تصبح الثورة بركانا مهيأ للانفجار بين لحظة وأخرى، ويكفي لبدء “الحراك الثوري” أن تسقط فوقه قطرة مطر أو يرمى إليه بحجر، ويخطئ كثيرا من يتصور أن الانفجار ناتج عن الحجر مجردا أو قطرة المطر وحدها. والشاهد على هذا أن “محمد البوعزيزي” ليس وحده من عبر عن مدى رفضه للطغمة بالتخلص من حياته نفسها، لكنه الوحيد ـ حتى الآن ـ الذي أقدم على هذا في اللحظة المناسبة، مسقطا الحجر في البركان الموشك على الانفجار. وإن كان “البوعزيزي” قد “أقدم” على “فعل ما” مواجها، فإن “خالد سعيد” لم “يقدم” على شيء، لكنه تعرض ـ قهرا ـ للتعذيب حتى الموت، وهو المصير الذي تعرض له الكثيرون من قبله ومن بعده، لكن تعذيبه كان القطرة التي فاض بها جبل النار.

التوقيت إذا يلعب دورا محوريا، والسياق كذلك، أن يقع الأمر وقد اكتملت عوامل استقباله، ولهذا نؤكد دائما أن “الزمن” جزء من “الوعي” الذي يحتاج إلى مرور الوقت ليكتمل.

***

“الحراك الثوري” هو المرحلة الأولى من مراحل الثورة، التي تتكامل عبر دورة من ثلاث مراحل قابلة للتكرار. الحراك هو “طفولة الثورة” بما للطفولة من سمات تميزها، وأبرزها الحيوية “النشاط الزائد” والبراءة “النقاء والطهارة الثورية” والبساطة، التي تتجلى في “رؤية محدودة” تنشغل بالأهداف القريبة عن حسابات المستقبل. وكالأطفال يكون الثوار في هذه المرحلة قليلي الأعداء جدا، ليس لأن أحدا لا يعاديهم، ولكن لأنهم لا يفطنون إلى ما يحيط بهم من عداء، ولهذا يظهر “الحشد الثوري” في هذه المرحلة أكبر من حقيقته.

والمؤكد أن الحراك الثوري يجبر “الطغمة الحاكمة” على التراجع أمام “الطليعة”. وأن هذه الطغمة تفاجأ باكتساب الطليعة حجما لم تكن تتحسب له، بفضل نجاحها في اكتساب قطاع من “البيئة الموالية” إلى صفها، وهو القطاع نفسه الذي يخصم من رصيد الطغمة، على نحو يعزز موقف الطليعة، ويضعف موقف الطغمة، وتمثل “المفاجأة” قيمة مضافة، تجعل الطليعة (الأقل عددا وعدة وبيئة موالية) تنجح في هز استقرار الطغمة، وإجبارها على التراجع وتقديم التنازلات.

وتقول المعادلة المنطقية (التي لا يسمح تطور الوعي غالبا باستحضارها في هذا المشهد) إن على الطليعة مواصلة الضغط، وعدم الاستجابة لنداءات الاسترحام الزائف التي تأتي من الطغمة، وإدراك أنها كلما ضغطت أكثر كلما كسبت قطاعا أوسع من “البيئة الموالية” واقتربت بالتالي من تحقيق الحسم الثوري. وبالعكس كلما تراخت كلما تراجع الحشد الثوري، لا من جانب الجماهير الموالية فقط، بل من جانب بعض مكونات الطليعة نفسها، خاصة تلك التي تقف على الحافة، ما يقلب ميزان القوة لصالح الطغمة الحاكمة، التي تظل محتفظة بأزِمّة (جمع زمام) السلطة في يدها، وبالتالي يكون بإمكانها إنهاء الحراك.

كما تقول المعادلة إن على الطليعة استحضار عوامل “الحشد” واستبعاد التفاصيل التي يكمن فيها شيطان “التشرذم”، ذلك الشيطان الذي ظل ـ في نموذج الحراك المصري ـ “يعظ” وحده ويحكم منفردا. فلم يكن هناك، ولا هو موجود حتى الآن، كيان ولا تنظيم جماهيري ينطلق من شرعية الثورة، التي هي المظلة الوحيدة المقبولة، والتي لا يمكن تبني شرعية سواها في ظل الثورة. ولن نلتفت طبعا إلى مزاعم الكيانات الهزلية التي اصطنعتها أجهزة القمع، ورصعتها بلافتات ثورية، فهي بضاعة مغشوشة من أولها إلى آخرها، ولتصل المفارقة إلى ذروتها فإن بعض هذه الكيانات معادٍ، بل صريح في عدائه للثورة نفسها، كالواجهات التي تمثل العسكر، وتلك التي تتبنى كامب ديفيد.

لكن المشهد ـ حتى بعد استبعاد هؤلاء ـ لا يضم إلا كيانات تنتمي إلى شرعيات سابقة، كالإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، والشيوعيين وفصائل اليسار، والناصريين واليمين القومي، والليبراليين. وهي كيانات ترتبط كلها، ولو بمجرد القدرة المحدودة على التعايش (الذي هو نقيض الثورة) بمنظومة حكم العسكر، التي انطلقت الثورة أصلا لهدمها، بحيث لا يعقل بقاء من يمثل بعض شرعيتها، أو يرتبط بهذه الشرعية، في سدة الحكم، ولا يمكن تصور معادلة “هُدِمَت وما زال بعضها يحكم”! ذلك أن الثورة ليست “مرحلة” لكنها “قطيعة” كاملة مع “ماضٍ” يصبح “بائدا” مع كمال حضورها، وإلا فإن أشباحه تمعن في انتهاكها. وهو ما لم يتجل فحسب في حضور شبح “مبارك” نفسه، عبر لافتة “إحنا آسفين يا ريس” بأطيافها وخياراتها، بل في استدعاء ماضي كل شرعية لم تر في الثورة أكثر من “فرصة” للفوز بالسلطة (كأنها مجرد نصر انتخابي وأحيانا مجرد حركة تعيينات!) وسواء كان هذا الاستدعاء تمجيدا (من الموالين) أو نقدا (من الخصوم) فإن حوار “السابقين” هذا بدا غالبا أشبه بلقاءات موتى، لم ينتبهوا إلى أنهم يتعاركون في ظل دبابة، هي العنصر الوحيد القادر على الحركة في المشهد. ولمزيد من الهزل فإن حضور الماضي، أو حفل الموتى الأحياء، وصل إلى حد استدعاء عصر ما قبل الإسلام، بقضه وقضيضه، ومازال العرض مستمرا، والتبرير، حتى لأصنام قريش، قائما على قدم وساق*.

ومقابل هذا التشرذم، واجهت طغمة “العسكر” الحاكمة الحراك الثوري من وحي خبرتها العسكرية، إذ تعاملت مع الشعب باعتباره عدوا، ومع الحراك الثوري باعتباره هجوما، تم التعامل معه ـ حسب أصول التخطيط العسكري ـ على ثلاث مراحل:

الأولى: مرحلة استيعاب الهجوم وامتصاص الصدمة بأقل خسائر: وفيها تمت ترضية ـ وتخدير ـ الجماهير بمجاملات إعلامية وسياسية لم تمس بنية الدولة، وإلهاؤها بمحاكمات هزلية، روعي في “هندستها” الحفاظ على هيبة العسكر، فلم نر “جنرالا” بصفته الواضحة وبزته العسكرية وأنواطه في القفص، وهي محاكمات انتهت ـ على أية حال ـ إلى تبرئة الطغمة وإدانة الثوار، وبدت ـ طوال الوقت ـ لا كميلاد بطيء للثورة، بل كاحتضار ممطوط لحراكها. ويمكن القول إن “الأقليات المتساندة” هي من تحمل عبء هذه المرحلة، سواء بـ”التضحية” متمثلة في تقديم “المتهمين” اللازمين لملء القفص واستقطاب هجوم الجماهير الغاضبة، أو في توفير ملاجئ آمنة للشخصيات، وحتى للأجهزة، التي أصيبت بجراح يلزم معها “إخلاؤها”*.

الثانية: مرحلة استعادة التوازن: وفيها رأينا الجنرال، الذي لم نره في قفص الاتهام، والحريص على التواري خلف أقلياته المتساندة في المرحلة السابقة، يظهر على مختلف المنصات، من القضاء إلى البرلمان إلى الإعلام، معتمدا على ادعاء “حماية الثورة” و”مطاردة الفلول” ومتمسكا باعتباره “القوة الوحيدة الشرعية” وهو بالضبط ما كان يعني إعادة إنتاج الشرعية التي تبقيه قويا، وهي الشرعية نفسها التي استهدفتها الثورة وكان من المفترض أنها تواصل العمل على إسقاطها، فأي مأزق ساذج هذا الذي نجحت الطغمة في استدراج الطليعة إليه، وتركتها تحظى بخدمة “اقتل نفسك بنفسك”، خاصة مع العمل على “تنشيط” عوامل الخلاف بين المشاركين في الثورة، والتعامل معهم باعتبارهم “فصائل” ردا لهم إلى جذورهم السياسية والاجتماعية والدينية التي تضمن اختلافاتها أن يظلوا “مختلفين” قبل أن يتحولوا إلى “متنازعين” ثم “مصطرعين”؟

المرحلة الثالثة: الهجوم المضاد: وهو هجوم بدأ مع حركة “البيئة الموالية” العكسية لصالح الطغمة الحاكمة، واستمرت مناوشاته التمهيدية باتجاه المزيد من تناقص، وتناقض، كتلة الطليعة الثورية، حتى وصل الأمر إلى أنها ـ عمليا ـ أعلنت بنفسها نهاية الحراك، وتوزعت ـ باستثناءات قليلة ـ إلى كتلتين، لا تستحضر أي منهما “شرعية الثورة” التي اقتصر وجودها على الزخرف المشار إليه سابقا، وتحرص كلتاهما ـ لمزيد من صعوبة تكوين هذه الشرعية ـ على تمسكها بهويات تعبر عن شرعيات تنتمي للحظات سابقة(2 )، لا معنى لوجودها إلا إجهاض شرعية الثورة قبل أن تولد. كتلتين تنقسم كل منهما إلى “فصائل” تستند في الاستمساك بهويتها إلى الجنرال، والفارق بينهما أن أفضلهما حالا (ويمثلها الإخوان المسلمون وحلفاؤهم) تصورت أن بإمكانها إغراء الجنرال بالاستمرار فيما “يتظاهر” بأنه آل إليه، وهو تصور ـ على سذاجته ـ منح الحراك فرصة للنمو والاستمرار. بينما الكتلة الأخرى (وتمثلها جبهة الإنقاذ ومن معها) كانت تدعو الجنرال صراحة إلى التدخل العنيف وممارسة القمع (ما يعني الظهور بوجهه الحقيقي) متصورة أنها ستظل بمنأى عن بطشه، وهو تصور لا تعيبه الانتهازية فقط، بل تعيبه في الأصل “البلاهة” و”الجهل” بقانون أساسي يحكم أي صراع، وهو أن تكافؤ الإرادات رهن بتكافؤ القوى، وبالتالي فإن امتلاك العسكر للقوة المطلقة لا يعطي لهذه الكتلة، التي لا سند لها حتى من الجماهير بعد أن بنت حساباتها على تقسيمها وقمع معظمها، الحق في أن تكون لها إرادة محل اعتبار، في مواجهة إرادة العسكر المنفرد بالقوة كلها، وكان عليها إدراك أنها ألقت الربيع العربي (في مصر وانطلاقا من مصر) في الورطة نفسها التي آل إليها الربيع الأوربي من قبل (في فرنسا وانطلاقا منها) ورطة نهاية الحراك لصالح الحكم العسكري المباشر، في نسخة أسوأ مما كان قائما قبل الحراك، حيث يصبح “محتمًا للثكنة والمعسكر والسيف والبندقية والشارب والبزة العسكرية أن تخطر لها بالأحرى فكرة إنقاذ المجتمع مرة واحدة وإلى الأبد بإعلان حكمها هي أعلى الأحكام”.

أو ـ كما قال “إنغلز” في المقدمة نفسها التي سبقت الإشارة إليها، واصفا انهيار “الحراك الثوري” في إحدى مراحل الثورة الفرنسية بأن “انتصار الطبقة البرجوازية ذاته هز البرجوازية في جميع البلدان إلى درجة أنها ارتمت من جديد في أحضان الرجعية الملكية الإقطاعية” وهي عبارة تجسد نتيجة مهمة لفشل “الطليعة” في تثوير “الجماهير” وسواء كان الفشل لقصور في الرؤية أو لنقص في الأدوات (أو للسببين معا وهو الأرجح) فإن النتيجة واحدة، وهي انصراف الجماهير عن الحراك، منتقلة ـ ربما ـ إلى الطرف المقابل، ومصطحبة معها ـ ربما ـ قسما من الطليعة نفسها. وهو ما أرجو الاحتفاظ به واضحا في أذهانكم، قبل أن نذهب للحديث عن “يناير وما جرى فيه” في الفصل التالي(3 ).


الهامش

1 الكتاب يضم مقالات كتبها “كارل ماركس” ونشرت في الأعداد 1، 2، 3، 5، 6 من مجلة “Neue Rheinische Zeitung. Politisch-ökonomische Revue” لعام 1850. ثم صدر مستقلا بتحرير  وتقديم “فريدريك إنغلز” في برلين 1895م.

2 إخلاؤها على غرار إخلاء الجرحى من أرض المعركة.

3 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close