fbpx
دراساتالحركات الإسلامية

كرة اللهب ـ التراث الفكري والأدبي لسيد قطب

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

من بين سني حياته الستين لم يكن التحول الفكري لسيد قطب نحو الاتجاه الإسلامي يزيد عن خمسة عشر عاما الأخيرة، حيث بدأت بكتابه “العدالة الاجتماعية في الإسلام” (1951م)، وهذا الأمر الذي يوصف بالتحول الفكري يُصَوَّر عادةً على أنه انتقال من النقيض إلى النقيض، كأن الرجل كان أديبا غير ذي صلة بالأفكار الإسلامية ثم انقلب فجأة إلى الاتجاه الإسلامي، هذا التصور خاطئ بلا أدنى شك، بل إن مذكرات سيد قطب “طفل من القرية” والتي كتبها قبل حدوث هذا “التحول” تقطع بعمق الجذور الإسلامية لسيد قطب، وأثرها المتأصل فيه، كذلك فإن متابعة مؤلفات سيد قطب الأدبية التي صدرت قبل هذا “التحول” تؤكد هذا الارتباط الشديد بالقرآن الكريم وأسلوبه.

في هذه الدراسة، نحاول توضيح المسار الفكري والأدبي لسيد قطب من خلال رصد تراثه طبقا لتاريخ صدور كل كتاب فيه، سعيا نحو فهم أفضل لهذا “التحول” الذي يُصَوَّر وكأنه انقلاب تام في حياة صاحبه. وسنصل بعده إلى تصور آخر يقول بأن التطور كان أشبه ما يكون بكرة اللهب التي تسير في مسارها المظنون، مثلما أن كتب سيد قطب الأخيرة ستكون كرة لهب أخرى فجَّرت كثيرا من الطاقات الإسلامية الجهادية لتجعله أبرز علامة فكرية للجهاد المعاصر في القرن العشرين.

كتب سيد قطب المطبوعة:

سنذكر كتب سيد قطب المطبوعة حسب صدورها في طبعاتها الأولى لأهمية ذلك في تقرير التطور الفكري لسيد قطب، وهذا مذكور في بعض الدراسات والأبحاث، ككتب الدكتور الخباص وعبد الباقي حسين والدكتور صلاح الخالدي كما ذكرنا قبلُ، وسنذكر نُبذة عن كل كتاب قدر الإمكان من الكتاب نفسه، أو نقلاً من هذه المصادر بتصرُّف، وإن كان الاعتماد سيكون على كتاب “سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد” للدكتور صلاح الخالدي من ص521 وما بعدها؛ خاصة أنه المتأخِّر عنها، والكاتب يعتبر متخصصًا في تراث الأستاذ سيد قطب، وكان على تواصل مع الأستاذ محمد قطب شقيق سيد قطب الأصغر، وقد أثنى عليه وناقشه في رسالته للماجستير عن الأستاذ سيد.

وقد تأخر سيد قطب في تأليف الكتب ونشرها؛ إذ مكث عشرين عامًا يكتب المقالات والقصائد، حتى آنس من فكره نضجًا فصار ينشر الكتب، وقد نقلنا كلامه مع الدكتور أحمد أمين من قبلُ، قال: “لقد كنت مريدًا بكل معنى كلمة المريد، لرجل من جيلكم، تعرفونه عن يقين – يقصد العقاد – ولقد كنت صديقًا أو ودودًا مع الآخرين من جيلكم كذلك، لقد كتبتُ عنكم جميعًا بلا استثناء، شرحت آراءكم، وعرضت كتبكم، وحلَّلت أعمالكم، بقدر ما كنت أستطيع، ثم جاء دوري، جاء دوري في أن أنشر كتبًا، بعد أن كنت أنشر بحوثًا ومقالات وقصائد، لقد جاء دوري في نشر الكتب متأخِّرًا كثيرًا؛ لأنني آثرت ألَّا أطلع المئذنة من غير سُلَّم، وأن أتريَّث في نشر كتب مسجَّلة، حتى أُحِسَّ شيئًا من النضج الحقيقي، يسمح لي أن أظهر في أسواق الناشرين”[1].

قرَّر سيد أن يبدأ تأليف الكتب عام 1945م، وقد قارب الأربعين من عمره، سن النضج والرشد، أما الكتب التي أصدرها قبل ذلك، فلم تكن كتبًا؛ فكتاب “مهمة الشاعر في الحياة” محاضرة نقدية – كما ذكرنا قبلُ – وديوان “الشاطئ المجهول” قصائد شعرية سبق نشرها في المجلات، و”نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر” مقالة نقدية مطوَّلة نشرها في مجلة دار العلوم، وخلال خمس سنوات (1945-1950) أصدر ثلاثة عشر كتابًا؛ ما يدلُّ على قلمه السيَّال ونتاجه المنهمر.

نبذة عن الكتب المطبوعة لسيد قطب:

عددها ستة وعشرون كتابًا، نصفها كتب أدبية، ونصفها إسلامية، خمسة وعشرون في حياته، وواحد بعد استشهاده بعشرين سنةً، وهو كتاب “مقوِّمات التصوُّر الإسلامي”، وفيما يلي قائمة بكتبه المطبوعة حسب تاريخ صدور طبعاتها الأولى:

1- مَهمَّة الشاعر في الحياة:

أعدَّه في الأصل محاضرةً نقدية ألقاها في مدرَّج كلية دار العلوم عندما كان طالبًا في السنة الثالثة فيها بعنوان “مَهمَّة الشاعر في الحياة وشعر الجيل الحاضر”، وقدَّمه إلى الحضور أستاذه محمد مهدي علَّام كما قدَّم الكتابَ نفسَه عندما دفعه سيِّد إلى المطبعة، وقد أثنى في تقديمه على سيد قطب، وبيَّن اعتزازه بأن يكون أستاذًا له، وأنه لو لم يكن له تلميذ سواه لكفاه ذلك سرورًا، كما بيَّن في تقديمه إعجابه بجرأته الرشيدة، واستقلاله بالرأي، وعصبيَّته البصيرة، واعتبره مفخرة من مفاخر كلية دار العلوم[2]، وقد ذكرنا ذلك قبلُ عند حديثنا عن سيد قطب في دار العلوم.

وقال سيد قطب في مقدِّمة الكتاب: “هذا مجهود ضئيل الحجم، أُعِدَّ ليكون محاضرة فحسبُ، فلا يحتاج إلى مقدِّمة تبيِّن أغراضه، وتوضِّح اتجاهه؛ فهو ذاته يصحُّ أن يكون مقدمةً لمبحث كامل في موضوعه هذا “مَهمَّة الشاعر في الحياة وشعر الجيل الحاضر، وسيكون”[3].

وقد تناول في الكتاب توضيح مَهمَّة الشاعر في الحياة، ومنزلة الشعر بين الفنون الجميلة، ثم بيَّن من هو الشاعر، والفرق بينه وبين المصوِّر، وتحدَّث عن الخيال في الشعر، وعن تناسق الخيال، وعن ذوق الشاعر وأثر البيئة في الذوق والخيال، وتحدَّث كذلك عن التعبيرات الشعرية، والفرق بين التعبيرات الشعرية والتعبيرات النثرية، واختتمه بالحديث عن شخصية الشاعر وصلته بالعصر الذي يعيش فيه، ومكان العاطفة في نفسه وشعره.

وهو أوَّل مؤلَّفاته، وكون أوَّل مؤلَّفاته كتابًا في النقد الأدبيِّ له دلالة خاصَّة على تفتُّح مواهبه النقدية مبكِّرًا.

وقد طُبع كتابه عام 1933م كما يبدو من تاريخ مقدِّمته[4]

2- الشاطئ المجهول:

هو أوَّل ديوان شعريٍّ مطبوع لسيد قطب، والأخير كذلك؛ إذ لم يطبع دواوينه الشعرية الأخرى التي أَعلَن أنها تحت الطبع، وقد صدرت طبعته الأولى في يناير 1935م. وقد طبع سيد منه ألفًا وخمسمائة نسخة، وبلغ عدد صفحاته مائتين وثماني صفحات، وسمَّاه “الشاطئ المجهول”، وقد أهدى ديوانه إلى شقيقه محمد، الذي كان وقتها في السادسةَ عشْرةَ من عمره، واعتبره امتدادًا له.

وقد كتب سيد قطب نفسه مقدِّمةً لديوانه، كتب “بقلم الناقد سيد قطب”، انتقد بعض قصائده، وأخذ عليها بعض المآخذ، وأثنى على أخرى، بدأها بقوله: “أعرف مؤلِّف هذا الديوان معرفة وثيقة عميقة، قد لا يتأتَّى لأيٍّ سواي أن يعرفها….”.

وقد أعاد طبعه الدكتور عبد الباقي حسين في دار الوفاء، وكان سبعًا وخمسين قصيدة وخمس مقطوعات شعرية، مجموع أبيات الديوان (1103) ألف ومائة وثلاثة أبيات، وأضاف إلى الديوان القصائد التي وجدها منشورة لسيد قطب وغير موجودة في الديوان، وعددها واحد وسبعون قصيدة من خارج الديوان، مجموع أبياتها (1470) ألف وأربعمائة وسبعون بيتًا، ليكون مجموع الأبيات كلها (2573) ألفين وخمسمائة وثلاثة وسبعين بيتًا، ومجموع القصائد مائة وثماني وعشرين قصيدة، وخمس مقطوعات شعرية، وقد أعدَّ الباحث عبد الباقي جدولاً في المقدِّمة لكل القصائد فيه عنوان القصيدة وعدد الأبيات وتاريخ ومكان النشر في الصحف والمجلات، وكتب مقدمته في 11 سبتمبر 1987م، وجعل عنوانه “ديوان سيد قطب” جمعه ووثَّقه وقدَّم له عبد الباقي محمد حسين، وطبعته دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، مصر، الطبعة الأولى 1989م في (300) صفحة.

وطبع مركز الناقد الثقافي بدمشق أشعار سيد قطب عام 2008م بعنوان “الأعمال الشعرية الكاملة” بتقديم الدكتور حسن حنفي، فيه (131) قصيدةً.

3- نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر:

بمجرَّد صدور كتاب الدكتور طه حسين “مستقبل الثقافة في مصر” عام 1938، أثيرت ضجة كبيرة حول الكتاب؛ إذ دعا طه حسين فيه إلى أن تكون مصر جزءًا من العالم الغربيِّ، ودعا إلى أخذ الحضارة الغربية بحُلْوِها ومُرِّها، وخيرها وشرِّها، فوافقه بعض الكتاب والمثقَّفين وتبنّوا ما دعا إليه، ورفضه وعارضه كثير منهم، وكان في طليعتهم سيد قطب، الذي كتب: “وفي هذا الكتاب ما نوافق فيه الدكتور أشدَّ الموافقة، وفيه ما نخالفه فيه أشدَّ المخالفة، وفيه ما يحتمل الأخذ والردَّ والزيادة والنقصان”[5].

ولم يكن نقد سيد قطب من منطلَق إسلامي؛ فلم يكن ذلك توجُّهَه عام 1938م؛ بل من منطلق أدبيٍّ ونقديٍّ وثقافيٍّ وتربويٍّ وتعليميٍّ، وكان نَشَره مبحثًا مطوَّلاً في العدد الرابع من صحيفة دار العلوم عام 1939م في الصفحات من (28-79)[6]، ثم نشره في العام نفسه 1939م في كتاب بعنوان “نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر”.

4- التصوير الفنيُّ في القرآن:

هو أوَّل كتاب إسلاميٍّ له، أَصدَره في طبعته الأولى في أبريل عام 1945م عن دار المعارف بمصر، وكان أصل الكتاب مقالتين نشرهما سيد في مجلة “المقتطف” عن “التصوير الفني في القرآن الكريم” عام 1939م، واعتبر سيد كتابه هذا أساسًا لمشروع علميٍّ أدبيٍّ، أسماه “مكتبة القرآن الجديدة”، أراد منه تقديم دراسة أدبية بيانية للقرآن الكريم، واعتبر كثير من الباحثين والمحقِّقين هذا الكتاب كشفًا وفتحًا من الله لسيد قطب، وقد ذكرنا جزءًا كبيرًا من مقال نجيب محفوظ عن هذا الكتاب سابقًا، اعتبر فيه أن هذا الكتاب فتح وكشف لسيد قطب؛ مثل قوله: “قد بارك القرآن مجهودك، فرفعك إلى مرتقًى يتعذَّر أن يبلغه ناقدٌ بغير بركة القرآن”.

وفكرة هذا الكتاب تدور حول ملاحظة سيد قطب في التعبير القرآني المعجِز: أن التصوير الفنيَّ هو القاعدة العامَّة للتعبير القرآنيِّ، حيث يستخدم القرآن طريقة التصوير في مختلِف موضوعاته وأغراضه، وحوالي ثلاثة أرباع آيات القرآن معروضة بطريقة التصوير. وقد أثَّر هذا الكتاب في الدراسات البيانية الجمالية للقرآن منذ ظهوره.

5- الأطياف الأربعة:

صدر هذا الكتاب عام 1945م عن “لجنة النشر للجامعيين”، وطبعته مكتبة مصر، وقد اشترك في تحريره سيد قطب مع إخوته الثلاثة: حميدة وأمينة ومحمد قطب، ابتدأت حميدة قطب الكتاب – الطيف الأول – بمجموعة من خواطرها وتأمُّلاتها، وتبعتها أمينة – الطيف الثاني – فمحمد – الطيف الثالث – كلٌّ منهما بتأملات نفسية وخواطر شعرية.

وختم الكتاب سيد قطب – الطيف الرابع – ببعض تأمُّلاته ومقالاته ذات السمة النفسية والشعورية، وقد أهدى هؤلاء الأطياف كتابهم إلى أمهم التي تأثروا كثيرًا بوفاتها، وقد عرَّفَتْ مجلة الرسالة بالكتاب كالتالي: “أصدرت “لجنة النشر للجامعيين” هذا الكتاب الذي اشتركت فيه أقلام “الإخوة الأربعة”، وقد كتب أحدهم، الأستاذ سيد قطب، هذا التعريف للمؤلِّفين وللكتاب، وهو يعطي لَمْحة عن شخصياتهم، وعن طريقتهم كذلك: صبيَّةٌ وفتاة وفتًى وشابٌّ، أولئك هم الأطياف الأربعة، إخوة في الدم، إخوة في الشعور، كلهم أصدقاء، وذلك هو الرباط الأقوى؛ أنهم يقطعون الحياة كأنهم فيها أطياف، هم أنفسهم كل ما يملكون في الكون العريض، كل ما يربطهم بالكون أن يتطلَّعوا عليه هنيهة ليردوه صورًا في عالم المسحور أنهم أبدًا يحلمون، وقد يتفزعون في الحُلم؛ ولكنهم إليه يعودون.

أحد هذه الأطياف تلك الصبيَّة الناشئة، إنها موفوزة الحسِّ أبدًا، متفزِّعة من شبح مجهول، إنها تعبد الحياة وتخشاها، إنها تتلفَّت في ذعر كلَّما تفرَّست في المجهول.

وأحد هذه الأطياف تلك الفتاة الهادئة، إنها ساربة في الماضي، لا تكاد منه تعود، إنها شاعرة، ثروتُها من التصوُّرات أجزل من ثروتها في التعبير، إنها مستغرِقة في حُلم بالمستقبل الذي لا تملك، وبالماضي الذي لن يعود.

وأحد هذه الأطياف ذلك الفتى الحائر، إنه دائم التَّجوال في دروب نفسه ومنحنياتها، يفتِّش فيها ويتأمُّلها، ولا يسأم التأمُّل والتفتيش، إنه يحلم في اليقظة، ويستيقظ في الأحلام!

وأحد هذه الأطياف ذلك الشابُّ الشارد، إنه عاشق المحال، إنه يطلب ما لا يجد، ويسأم كل ما ينال، وإنه – بعد ذلك كله – لَلْوالدُ والأخ والصديق لأولئك الأطياف.

أولئك هم الأطياف الأربعة، وهذه خطراتهم في كتاب، إنها عصارة من نفوسهم، وظلال من حياتهم، إنها أطياف الأطياف! سيد قطب”[7].

ويعرِّف الأستاذ “وديع فلسطين” بالكتاب قائلاً: “والحقُّ أن كتاب الأطياف الأربعة ممتع، يلتذُّ القارئ بقراءته حتى ليكاد يستعيد بعض فصوله مرات ومرات؛ فإن الصور الخاطفة التي ساقها مؤلِّفوه، والمشاعر السامية التي أودعوها صفحاتِه، دلَّت على قدرة مشاعَةٍ بين إخوة أربعة، وفطنة مشتركة بينهم، ولباقة أدبية يتميَّزون بها ويتحلَّون…”[8].

6- طفل من القرية:

صدر الكتاب عن “لجنة النشر للجامعيين” عام 1946م، وتحدَّثنا عنه كثيرًا في هذه الدراسة، وقد أهدى الكتابَ إلى الدكتور طه حسين، حيث كان معجبًا بكتابه “الأيام”.

والكتاب يتناول صورًا من حياة قريته الريفية “موشا”، ونشأته حتى رحيله إلى القاهرة، وأسرته ووضعها الاجتماعي والاقتصادي، والروابط والصلات بين أفرادها، ودراسته في القرية واهتماماته الثقافية ومشاركاته الاجتماعية والثقافية والسياسية، وهذا الكتاب لا غنى عنه لمن أراد معرفة نشأة سيد قطب؛ فقد سجَّل في الكتاب نشأته تسجيلاً وافيًا؛ حيث صوَّر القرية ووضع أسرته والمدرسة ونظامها ومدرِّسيها، ومستوى التعليم فيها، وحقولها والزراعة فيها، ومياه الفيضان، والعمَّال الأغراب فيها، ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي السيِّئ، والحالة الصحية في القرية، واعتقادات أهلها في المرض والعلاج، والخرافات السائدة عن العفاريت والجن، والرعب الذي تثيره هذه الخرافات في النفوس، وصوَّر الحالة الاجتماعية في القرية، وعلاقات أهلها ببعض قوانين اللصوص فيها، وسرقاتهم وأنواع السرقات ودوافعها وأصحابها، وصوَّر المستوى الدينيَّ لأهل القرية، واعتقاد أهلها بالأولياء الأحياء والأموات، وصوَّر حال الأحياء منهم وشخصياتهم وسلوكهم.

7- المدينة المسحورة:

هي قصة خيالية، استوحاها من قصص ألف ليلة وليلة، وقد أصدرتها دار المعارف بمصر عام 1946م ضمن سلسلة “اقرأ”، وتحكي القصة عن أرق الملك شهريار بطل قصص ألف ليلة وليلة الأسطورية، وراحت شهرزاد تقصُّ على مسامع الملك شهريار في الليلة المائة بعد الألف، بعد أن ضاق بأحاديث زوجته “شهرزاد” التي شعرت منه بذلك، فاستأذنته وانقطعت عنه تسعًا وتسعين ليلة، فأرق شهريار، وذهب إلى مخدع شهرزاد، وطلب منها مواصلة حديثها عن قصصها، فحكت له قصة “المدينة المسحورة”، عن ملك شاب “تاسو”، رفض الزواج من ابنة عمه النبيلة الشريفة “تيتي”، ووقع في حب فتاة ريفية راعية غنم “ساسو”، فتنتقم الأميرة تيتي، وتذهب للساحرة فتسحر المدينة، وتتتابع الأحداث الشائقة في المدينة المسحورة.

8- كتب وشخصيات:

هو ثالث كتاب نشره عام 1946م؛ فقد سبقه كتابان؛ هما: “طفل من القرية”، و”المدينة المسحورة”، والكتاب مقالات نقدية لكتب لأدباءَ وباحثين، نشرها سيد في المجلات في الفترة (1942م-1946م)، فقد كان يكتب بعض مقالاته النقدية منذ عام 1942م في بضع مجلات تحت نفس العنوان “كتب وشخصيات”؛ كمجلة الرسالة والمقتطف والكتاب والكاتب المصري، وقد أهدى كتابه إلى الأدباء والشعراء والقصَّاصين والباحثين الذين نقد أعمالهم الأدبية، وبيَّن في إهدائه أن كتابه مِرْآةٌ يرفعها أمامهم ليرى كل منهم صفحتَيْ وجهه. ويقول عن سبب التسمية: “لأنني حاولت أن أصوِّر شخصية كل أديب تناولتُ أحد كتبه بالنقد؛ فالكتاب وصاحبه في هذا الكتاب موصوفان مرسومان مميَّزان”.

9- أشواك:

هي رواية رومانسية صدرت عن دار سعد مصر بالقاهرة في مايو عام 1947م، تحكي عن قصة حب حقيقية عاشها سيد قطب مع خطيبته، وقد كتب إهداءها إلى خطيبته – التي سمَّاها في الرواية سميرة، وسمَّى نفسه سامي – وكتب في الإهداء: “إلى التي سارت معي في الأشواك، فدَمِيَتْ ودَمِيتُ، وشَقِيَتْ وشَقِيتُ، ثم سارت في طريق، وسرتُ في طريق، جريحينِ بعد المعركة، لا نفسها إلى قرار، ولا نفسي إلى استقرار”.

وإن كان أساس القصة واقعيًّا، فإن سيدًا أضاف إليها ما أوحاه إليه خياله بأسلوب أدبي تصويري رفيع، بدأها بقوله: “حينما أَمسَك بيدها ليُلبسها خاتم الخطوبة، في حفل من الأهل والأصدقاء، وفي ضوء الأنوار الساطعة، وعلى أنغام الموسيقا في الحجرة المجاورة، أحسَّ بيدها ترتعش متقلِّصة في يده، ونظر فإذا دمعة تَنِدُّ من عينيها. شعر بشوكة حادة تنغرز في فؤاده، وغامت الدنيا في عينيه، وتوقَّع شرًّا غامضًا يوشك أن ينقضَّ…”.

وتوالت الأحداث حول قصة الحب هذه بين سامي وسميرة الفتاه القاهرية التي أحبَّها من كل قلبه فتقدَّم إلى خِطبتها، وفي ليلة الخطبة وهو يُلبسها خاتم الخطوبة اعترفت له بأنها كانت على علاقة حب مع أحد الشبَّان، ليبدأ السير في طريق الأشواك.

وآخر نقد قرأته لهذه الرواية – وأراه من أفضلها – ظهر منذ سنوات قليلة للدكتور إبراهيم عوض أستاذ الأدب بكلية الآداب جامعة عين شمس، ضمن كتابه “ست روايات مصرية مثيرة للجدل” صدر عام 2011م عن مكتبة كنوز المعرفة، بدأ بها كتابه النقدي تحت عنوان “أشواك سيد قطب! ويا لها من أشواك!”.

10- مشاهد القيامة في القرآن:

صدر عن دار سعد مصر بالقاهرة في أبريل عام 1947م، وهو الكتاب الثاني من “مكتبة القرآن الجديدة” التي كان ينوي إصدارها، وهذا الكتاب متمِّم ومكمِّل لكتابه القرآني الأول “التصوير الفني في القرآن” الذي قال فيه عند تناول مشاهد القيامة: “ومشاهد القيامة هي أكثرُ المشاهد تنوُّعًا في القرآن حتى لهممتُ أن أُفرِدَ لها فصلاً خاصًّا لولا تضخُّمُ الكتاب”[9]، ثم صدَّق نيَّتَه وألَّف هذا الكتاب بعد سنتين من كتابه الأول.

وعرض فيه مائة وخمسين مشهدًا موزَّعة في ثمانين سورةً[10]، وما عرضه من المشاهد هو ما يتَّفِق مع تعريفه للمشهد “وهو الذي تتوافر فيه الصورة والحركة والإيقاع، أما المواضع التي ورد فيها ذكر اليوم الآخِر مجرَّدًا، أو ذكرُ الجنة تجري من تحتها الأنهار، أو ذكر العذاب الأليم، أو الْمُهين، أو العظيم، دون أن يرتسم منها مشهد شاخص أو متحرِّك، فلم أتعرَّض لها، وهي كثيرة جدًّا، فلا تكاد سورة واحدة من سور القرآن تخلو من ذِكر إشارة أو تلميح، وكذلك أغفلتُ القليل من المشاهد القصيرة”[11].

11- روضة الطفل:

هي سلسلة قصصية للأطفال ألَّفها سيد قطب بالاشتراك مع أمينة السعيد ويوسف مراد، وقد أصدروا حلقتين فقط منها، الأولى: “أرنبو والكنز”، والثانية: “كتكت المدهش”، ونشرت الحلقتين دار المعارف بمصر عام 1947م.

وذكرت مجلة “الكاتب المصري” أن الحلقتين قد نالتا إعجاب الأطفال، والحلقتان مفقودتان الآن، يقول الدكتور الخباص: “ولهذا لم أتمكَّن من العثور على نسخة منهما، رغم ما بذلتُ من جهد، وكذلك الباحثون الآخرون لم يعثروا على نسخة منهما”[12].

12- القصص الديني للأطفال:

هي سلسلة قصص دينية كتبها للأطفال، بالاشتراك مع عبد الحميد جودة السحَّار، صدرت الحلقة الأولى منها عن دار سعد مصر بالقاهرة عام 1947م، وقد جعلا عنوان الحلقة الأولى “قصص الأنبياء”، وضمَّت هذه الحلقة ثمانيَ عشْرةَ قصةً، هي: آدم، سفينة نوح، إرم ذات العماد، ناقة صالح، إبراهيم يبحث عن الله، فداء إسماعيل، حلم يوسف، يوسف الصديق، مَدْيَن وشعيب، موسى والعصا، موسى والألواح، موسى والرجل الصالح، داود، سليمان وبلقيس، عيسى بن مريم، أهل الكهف، قدرة الله.

وتتكوَّن كلُّ قصة من هذه القصص من ستَّ عشْرةَ إلى عشرين صفحةً، وكلُّ قصة ظهرت مستقلَّة في رسالة خاصة.

ولا نعلم هل شارك سيد قطب الأستاذ عبد الحميد جودة السحَّار في كتابة القصص الثمانيَ عشْرةَ، أو أنه شاركه في تأليف القصة الأولى فقط؟

هذا وقد استقلَّ السحَّار بإصدار ثلاث حلقات بعد ذلك: الثانية: “قصص السيرة”، والثالثة: “قصص الخلفاء الراشدين”، والرابعة: “العرب في أوربا”[13].

وثَمَّةَ موقفٌ عظيم لعبد الحميد جودة السحار أمام شمس بدران، ذكره الدكتور صلاح الخالدي: فقد ساومه بدران على طمس وإلغاء اسم سيد قطب عن حلقات “القصص الديني”، مقابل إعطائه إذنًا بإعادة طباعتها، ورَفَض السحَّار ذلك[14].

وبيَّن المؤلفان منهجهما في كتابة هذه القصص، وهدفهما منها، بقولهما في المقدمة: إنهما راعيا اعتبارين اثنين في كتابة الحلقة: “الأول: أن تكون النصوص القرآنية هي المصدرَ الأوَّل لِما نكتب؛ إذ إنا نعتقد أن للقرآن في هذه الناحية فكرةً تهذيبية معيَّنة.

الثاني: أن نحقق السرد الفني للقصص، بما يربِّي في الطفل الشعور الديني، ويقوِّي الحاسَّة الفنية، وينمِّي الذوق الأدبيَّ”[15].

13- الجديد في اللغة العربية:

14- الجديد في المحفوظات:

هذان الكتابان ألَّفهما مع آخرين من مؤلِّفي المناهج في وزارة المعارف لطلبة مدارس الوزارة، الأول: يحتوي على منهج مادة اللغة العربية، والثاني: يحتوي على منهج مادة المحفوظات، وقد أصدرت الكتابين دار المعارف بمصر[16].

وكان هذان الكتابان مقرَّرين على مدارس الوزارة، ولم يُلغَ هذان الكتابان إلا عند محنة سيد قطب الثانية عام 1965م.

وذكرنا قبلُ تعظيم من قاموا بثورة يوليو له، واهتمامهم بنشر كتاباته ومؤلَّفاته وأناشيده، وتوزيعها على المدارس، ونقلنا كلام عادل حمودة، منه: “وفي ذلك الوقت – أي بعد الثورة – كانت كتاباته – أي: سيد قطب – ومؤلَّفاته توزَّع على المدارس التابعة للوزارة بأمر كمال الدين حسين، كما أن أناشيده الوطنية كانت تدرَّس للتلاميذ في دروس المطالعة…

وقد ظلَّت مؤلَّفات وأناشيد سيد قطب في المدارس الحكومية حتى بعد القبض عليه سنة 1954، ولم يبدأ التخلُّص منها إلا بعد 10 سنوات بعد أحداث 1965، فكان أن جُمعت مؤلَّفاته من المدارس، ونُزعت صفحات الأناشيد، وتشكَّلت لجان خاصَّة للتنفيذ، وقَّع أفرادها على محاضرَ رسميةٍ رُفعت لجهات الاختصاص العليا، كما أن “دار المعارف” الدار التي كانت تنشر كتبه تولَّت من نفسها جمع ما في مخازنها ومكتباتها من نسخ، وأحرقتها، وكان تصرفها شاذًّا وغريبًا بالقياس إلى تصرُّف جهاز الأمن الذي صادر الكتب التي كانت في بيوت المتَّهمين، وسلَّمها إلى دار الكتب، التي لم تُحرقها، وإن ألقتها في مخازنها الرطبة بعد أن حوَّلتها إلى “عُهدة” توارثها عدد كبير من صغار الموظَّفين!”[17].

15- النقد الأدبيُّ أصوله ومناهجه:

أصدر سيد قطب هذا الكتاب في يونيو 1948م، وهو الكتاب النقديُّ الرابع والأخير له، وقد أصَّل في هذا الكتاب ووضع أسس وقواعد مدرسة أدبية جديدة في النقد والأدب، وأودع فيها خلاصة تجربته وخبرته ودراساته وبحوثه؛ ولكن شغلته الأحداث بعد ذلك، من ذهابه لأمريكا ثم تطوُّر الأحداث بالثورة واتِّجاهه للعمل الإسلامي ودخوله السجن، عن إتمام بناء هذه المدرسة الأدبية.

وقد قسم كتابه إلى قسمين: الأول: خصَّصه للحديث عن أصول النقد الأدبيِّ، من حيث صلةُ العمل الأدبيِّ بالحياة، والقيم الشعورية، والقيم التعبيرية في العمل الأدبيِّ، وبيَّن أنه لا انفصال بينهما، وأنهما مرحلتان متعاقبتان، ثم تحدَّث عن فنون العمل الأدبيِّ: الشعر والقصة والأقصوصة والتمثيلية والترجمة والسيرة والخاطرة والمقالة والبحث، وقد خالفت آراؤه في تناول هذه الفنون كثيرًا من آراء المدارس الأدبية المعاصرة.

والقسم الثاني من الكتاب خصَّصه للحديث عن مناهج النقد الأدبي الأربعة: المنهج الفني، والمنهج التاريخي، والمنهج النفسي، والمنهج المتكامل، وقد تحدَّث عن قواعد كل منهج، وعمن اعتمده من الأدباء والنقَّاد قديمًا وحديثًا، والمآخذ التي أُخذت عليها، ثم بيَّن أنه وإن كان يميل إلى المنهج الفني، فإنه دعا إلى الأخذ بالمنهج المتكامل؛ لأنه يجمع بين المناهج كلها، ويتلافى المآخذ التي أُخذت عليها.

16- العدالة الاجتماعية في الإسلام:

ألَّف سيد قطب هذا الكتاب قبل سفره إلى أمريكا عام 1948م، وعهد إلى شقيقه الأصغر محمد قطب بطبعه، وصدر في أبريل 1949م، وهو أول كتاب له في الفكر الإسلامي، أما الكتابان الإسلاميان السابقان “التصوير الفني في القرآن” و”مشاهد القيامة في القرآن”، فهما في الدراسات البيانية للقرآن الكريم.

وهذا الكتاب يوضِّح تفاعل سيد قطب مع الواقع، وأنه كان مهتمًّا بإصلاح الواقع؛ فقد كانت مصر تعيش ظروفًا اجتماعية واقتصادية قاسية، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، فقد ازدادت الفجوات والفوارق بين فئات المجتمع وطبقاته بصورة حادَّة، وبرزت فئة اغتنت من استغلال الحرب، وغَشِيَ الفقرُ والحرمان غالبية الشعب المصري، واستغلَّ الشيوعيون هذه الظروف، وزاد نشاطهم في الدعاية لمذهبهم وسط الفقراء والْمُعدَمين، وقد أزعج هذا سيد قطب، فنزل إلى ميدان الإصلاح الاجتماعي من خلال بيان منهج القرآن في إقرار العدالة الاجتماعية؛ ليظهر للناس أن العدالة الاجتماعية ليست عند الشيوعيين ولا الغربيين؛ وإنما هي ظاهرة جليَّة في الإسلام؛ ففي الإسلام وحده الخلاص من الظلم الاجتماعيِّ.

ويقول الدكتور صلاح الخالدي: “وهو أول من أطلق هذا المصطلح (العدالة الاجتماعية) حيث صار يستعمله الباحثون والكاتبون بعد ذلك بدل مصطلح (الاشتراكية)”[18].

وقد أحدث هذا الكتاب ضجة في مختلف الأوساط بمجرَّد ظهوره؛ فعاداه الشيوعيون لأنه سحب البساط من تحت أرجلهم بحديثه عن قضيتهم الأساسية من منظور إسلاميٍّ للعدالة الاجتماعية، واعتبرته الأوساط الحكومية الرسمية انتصارًا لخصومهم في هذا الوقت “الإخوان المسلمون”، خاصَّة أن سيد قطب أهدى الكتاب لفتية مؤمنين مجاهدين يلمحهم بعين الخيال قادمين ليرفعوا عن الشعب ألوان الظلم والحرمان ويعيدوا المجتمع الإسلاميَّ حقيقة واقعة، ولم يكن حينها يقصد الإخوان المسلمين؛ وإنما رأى أن وجود هؤلاء الفتية أمر ضروريٌّ تحتِّمه طبيعة الظروف الراهنة؛ ولكن الحكومة ظنَّت أنه يقصد بإهدائه جماعة الإخوان المسلمين فحاربت الكتاب، هذا وقد اقترب سيد قطب بكتابه هذا من الإخوان المسلمين كثيرًا، الذين اعتبروا الكتاب نصرًا للفكرة الإسلامية، واحتَفَوْا به كثيرًا.

وقد اتَّهم الأستاذ محمود شاكر سيد قطب بإساءة القول في حق الصحابة والتهجُّم على معاوية بن أبي سفيان ومن معه من الصحابة، وانتقاد الخليفة الراشد عثمان بن عفان.

وقد طبع الكتاب عدَّة طبعات في حياة سيد، كان آخرها الطبعة السادسة التي أصدرتها “دار إحياء الكتب العربية” عام 1964م، وهي طبعة منقَّحة، حذف منها العبارات التي أخذها عليه محمود شاكر وغيره، وأضاف إليها فصل “التصور الإسلامي والثقافة”، وهو أحد فصول كتابه “معالم في الطريق”؛ أي: إنه أضاف أفكاره الحركية الإسلامية ودعوته إلى بعث طليعة إسلامية.

وكتب دكتور صلاح الخالدي مقالاً بعنوان “العدالة الاجتماعية في الإسلام، هل تخلى عنه سيد قطب؟”[19] أثبت فيه أن سيد قطب لم يتخلَّ عن كتابه “العدالة الاجتماعية في الإسلام”؛ بل بَقِيَ يقول بما فيه من مبادئَ وأسسٍ وأفكار حتى مِحْنته عام 1965م.

17- معركة الإسلام والرأسمالية:

انقطع سيد قطب عن التأليف عامين (1948-1950م) أثناء وجوده في أمريكا، وعندما عاد إلى مصر وجد الأوضاع الاجتماعية والسياسية تزداد سوءًا، ووجد أن الرأسماليين والمستغلِّين من أغنياء الحرب والقصر هم المسؤولون عن ذلك، فألَّف كتابه “معركة الإسلام والرأسمالية، الذي صدر عن دار الكتاب العربي بمصر في فبراير 1951م.

وحيث إنه يتحدَّث في كتابه عن المعركة بين الإسلام والرأسمالية؛ فقد كتبه بأسلوب المعركة الحادِّ العنيف والقويِّ الثوريِّ، وكأنه يُصدر بلاغات عن سير المعركة، والمشتركين فيها وأوصافهم.

أطلق في الفصل الأول “صيحة النذير” في وجوه المتحكِّمين: إن الوضع الاجتماعي السيِّئ في البلاد لابد أن يتغيَّر، ولابد من حدوث هزَّة تُزَلْزِل البِنْيَة الاجتماعية بكاملها.

وفي الفصل الثاني “إني أتهم”: توجَّه بأصابع الاتِّهام إلى القائمين على الأوضاع الاجتماعية والسياسية؛ بأنهم يشلُّون قوى الأمة عن العمل والإنتاج، ويُهدرون كرامة الإنسان، ويشيعون الفساد في المجتمع، ويدفعون الناس للارتماء في أحضان الشيوعية دفعًا.

وفي فصل “في الإسلام خلاص” بيَّن بوضوح أن الإسلام وحده هو القادر على علاج كافة المشكلات الاجتماعية الخطيرة، والقضاء على كافة المظاهر الاجتماعية الشائهة، وإيجاد الحلول الناجعة، إذا استلم قيادة وتوجيه الأمة.

وفي فصل “شبهات حول حكم الإسلام” رصد بعض الشبهات التي يثيرها أعداء الحل الإسلامي حول حكم الإسلام وفنَّدها وأبطلها؛ مثل “بدائية الحكم” و”حكم المشايخ والدراويش” و”طغيان الحكم”، و”غموض النصوص” و”الحريم” و”الأقليات”.

وفي الفصل الأخير “عداوات حول حكم الإسلام” كشف عن أهمِّ العداوات لحكم الإسلام وبواعثها وأشخاصها، وأظهر خفاياها، وأبان عن خطرها، وهذه العداوات هي: “عداوات الصليبيين”، و”عداوات المستعمرين”، و”عدوات المستغلِّين والطغاة”، و”عداوات المحترفين من رجال الدين”، و”عداوات المستهترين والمنحلِّين”، و”عداوات الشيوعية والشيوعيين”.

18- السلام العالمي والإسلام:

صدر في أكتوبر عام 1951م عن دار الكتاب العربي بالقاهرة، وهو كتاب ثوريٌّ إصلاحيٌّ، ألَّفه سيد قطب في فترة اضطراب عالميٍّ، اضطرابٍ في الأحوال السياسية في أوضاع العالم، وتغيُّر مراكز القوى والثقل في العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ظهورُ أمريكا قوَّةً جديدة وارثة للقوى الأوروبية الاستعمارية، خاصة إنجلترا وفرنسا، وظهور الأسلحة النووية، وتهديد السلام العالمي بالرعب النووي، والدخول في الحرب الباردة بين الدول العظمى، وانقسم العالم إلى الكتلتين: الشرقية الروسية والغربية الأمريكية، اللتين اقتسمتا العالم، وبسطتا نفوذهما عليه.

لقد رأى سيد قطب أن ما نتج عن الحرب العالمية الثانية من قوى جديدة وأسلحة فتَّاكة لم يحقِّق السلام السياسيَّ والاجتماعيَّ والاقتصاديَّ والنفسيَّ في العالم؛ بل أدَّى إلى عكس ذلك السلام المأمول؛ انتشار الرعب والفزع في العالم.

وقارن سيد بين هذا الاضطراب العالمي، وبين السلام العالمي الذي يقرِّره الإسلام ويدعو إليه، ويحقِّقه عندما يتولَّى القيادة والتوجيه، فقدَّم ملامح هذا السلام العالمي الإسلامي.

لقد طوَّف في كتابه حول الإجابة التفصيلية عن السؤال: “مشكلة السلام العالمي: هل للإسلام فيها رأي؟ ولها عنده حلٌّ؟ هذا الكتاب كلُّه هو الإجابة التفصيلية على هذا السؤال”[20].

فعرض في كتابه بالتفصيل أربعة مجالات للسلام في الإسلام: سلام الضمير، وسلام البيت، وسلام المجتمع، وسلام العالم.

وقارن بين السلام كما يقرِّره الإسلام، والاضطراب والقلق والعقد والأمراض التي تنتجها المجتمعات الجاهلية المعاصرة، وخاصة المجتمع الأمريكيَّ، قائدها ورائدها.

وبيَّن في كتابه أن التكتُّلاتِ والمعسكرات العالميةَ الآن هي المستفيدة من الحروب والقلق والفساد في هذا العالم، هي التي تَحُول بين البشرية وبين السلام؛ ولذلك فهي تحارب الإسلام بعنف؛ كي تحجب نوره عن العالم، ولئلا يحقِّق مبادئه في السلام العالميِّ.

وقد عقد في آخر الطبعة الأولى من الكتاب فصلاً بعنوان “الآن”، تحدَّث فيه عن السياسة الاستعمارية الأمريكية في المنطقة، وكشف زيف الادعاءات الأمريكية حول المعونات المالية والاقتصادية الأمريكية لدول العالم الثالث النامية.

وقد ضاقت المخابرات الأمريكية بهذه التحليلات الصائبة لسيد، فأوصت إلى السلطات المصرية بحذف هذا الفصل “الآن” من الطبعات اللاحقة للكتاب[21].

19- في ظلال القرآن:

هو أشهر كتب سيد قطب على الإطلاق، وأكثرها انتشارًا؛ فقد كتب الله للظلال القبول والذيوع والانتشار بين الناس، ولا يكاد تخلو منه مكتبة عربية، وهو تفسير كامل للقرآن الكريم، أصدره سيد قطب في ثلاثين جزءًا بعدد أجزاء القرآن؛ قال عنه الأستاذ محمد قطب: “الكتاب الذي عاشه صاحبه بروحه وفِكره وشعوره وكِيانه كلِّه، وعاشه لحظة لحظة، وفكرة فكرة، ولفظة لفظة، وأودعه خلاصة تجربته الحيَّة في عالم الإيمان”[22].

ويقول الدكتور صلاح الخالدي: “وقد تعاملت مع الظلال كثيرا وطويلا، والحمد لله، وكانت رسالتي للدكتوراه عنه “في ظلال القرآن دراسة وتقويم”، حيث أصدرتها بعد ذلك في ثلاثة كتب: “مدخل إلى ظلال القرآن”، و”المنهج الحركي في ظلال القرآن”، و “في ظلال القرآن في الميزان”، وقد أشرت في تمهيد الكتاب الأول “مدخل إلى ظلال القرآن” إلى قصة سيد مع الظلال، والمراحل الأربع التي مرَّ بها الظلال، وأُوجِز هنا خلاصة موجزة لكلامي هناك:

كانت إحدى أماني سيد – بعد اكتشافه نظرية التصوير الفني في القرآن أن يعرض القرآن على أساسها، وأن يبيِّن ما في آياته من خصائص وسمات التصوير الفني بالتفصيل، وحقَّق بعض هذه الأمنية في الظلال.

وقد مرَّ الظلال بأربع مراحل:

المرحلة الأولى: الظلال في مجلة “المسلمون”:

لما أصدر سعيد رمضان مجلة “المسلمون” في نهاية عام 1951م، طلب من سيد قطب أن يشارك فيها بمقال دائم، فاختار أن يبدأ الكتابة في تفسير القرآن تحت عنوان جديد مثير، هو “في ظلال القرآن”، وبهذا تكون قد ظهرت الحلقة الأولى من “الظلال” في العدد الثالث من المجلة الذي ظهر في شهر فبراير عام 1952م.

واستمرت المجلة تنشر حلقات الظلال في أعدادها اللاحقة بالتتابع، حيث نشرت سبع حلقات، انتهت الحلقة السابعة عند الآية (103) من سورة البقرة.

المرحلة الثانية: الظلال قُبيلَ اعتقال سيد قطب:

أعلن سيد في نهاية الحلقة السابعة من الظلال في “المسلمون” عن توقُّف نشر الظلال في المجلة ابتداء من عددها القادم – العاشر – حيث سينشر فيها حلقاتٍ من بحث جديد، هو “نحو مجتمع إسلامي”، أما الظلال فسوف يظهر في كتب مستقلة، على عدد أجزاء القرآن، كل جزء من القرآن في جزء من الظلال، وسوف يُصدر في كل شهرين جزءًا منها.

وفعلاً ظهر الجزء الأول من الظلال في شهر أكتوبر عام 1952م، عن دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة، ووَفَى سيد في تعهُّده للقرَّاء، فكان يُصدر كلَّ شهرين جزءًا من الظلال، فيه تفسير جزء من القرآن.

وفي الفترة ما بين أكتوبر 1952م إلى يناير عام 1954م، أصدر ستَّةَ عَشَرَ جزءًا من الظلال.

المرحلة الثالثة: سيد قطب يُكمل الظلال في السجن:

قدِّم سيد للمحاكمة، ثم حكم عليه بالسجن خمسة عشر عامًا. في الفترة الأولى من سجنه لم يصدر أجزاء جديدة من الظلال؛ بسبب العذاب الرهيب الذي صُبَّ عليه؛ ولكن لما استقرَّ في سجن طرة وتوقَّف العذاب عنه، وأدخل مستشفى طرة بسبب أمراضه العديدة، انصرف إلى إكمال الظلال من هناك، وقد يسَّر الله لسيد الكتابة في السجن، وللناشر طبع الظلال، رغم أن لوائح السجون تمنع الكتابة داخلها، ولا تسمح للسجين امتلاك أدوات الكتابة، وتعاقبه إن ضبطت في حوزته؛ وذلك أن سيدًا كان قد تعاقد مع الناشر – دار إحياء الكتب العربية – على كتابة تفسير كامل للقرآن، فلما منعته الحكومة من الكتابة داخل السجن، رفع الناشر على الحكومة دعوى يطالبها فيها بدفع آلاف الجنيهات؛ تعويضًا له عن الضرر الذي وقع به بسبب ذلك، واختارت الحكومة السماح لسيد بالكتابة بدل دفع التعويض للناشر، وادَّعى عبد الناصر للعلماء الباكستانيين أن سيدًا ليس سجينًا؛ بل هو حرٌّ طليق؛ بدليل نشر الظلال في القاهرة، وصار الموظَّفون الرسميون في الخارج يجيبون بجواب الرئيس إذا سئلوا عن سيد قطب!

وقد عيَّنت الحكومة الشيخ محمد الغزالي رقيبًا دينيًّا على الظلال، يطَّلع على أصوله قبل صدورها من المطبعة، وقد أجاز الغزالي كل أجزاء وملازم الظلال في طبعته الأولى، ولم يحذف منها إلا تعقيب سيد على سورة البروج الذي نشره بعد ذلك في فصل “هذا هو الطريق” من كتاب “معالم في الطريق”.

وقد أكمل سيد الظلال في السجن في نهاية الخمسينيات.

المرحلة الرابعة: الطبعة المنقَّحة للظلال:

كان تفسير سيد في الطبعة الأولى من الظلال لا يعدو أن يكون تسجيلاً لخواطره المتنوِّعة حول الآيات، وبيانًا لما فيها من جمال وفنٍّ وتصوير، وعَرْضًا لبعض ما تضمَّنته من مبادئ ومناهج؛ ولكنه في سجنه طالت حياته مع القرآن، وتفكيره في الأحداث المتوالية، والمحن المتتابعة، التي مرت به وبالإخوان المسلمين، وتعليلُه سرَّ هذه الأحداث، ونظره في منهج الحركة الإسلامية في الدعوة والتربية والإصلاح والجهاد والتغيير.

وقد هداه الله إلى إدراك المفتاح الحركي الذي فتح به كنوز القرآن الحركية، ووقف به على المنهج الحركي في الدعوة والحركة، وعلى الطبيعة الحركية للقرآن الكريم.

وقف على ذلك وهو يفسر الأجزاء الثلاثة الأخيرة من القرآن، فسجَّل في تلك الأجزاء بعض مفهوماته الحركية الجديدة، وكان هذا في أواخر الخمسينيات كما قلنا.

ولذلك دعت الحاجة إلى أن يعيد تفسير القرآن على أساس هذا المنهج الحركي الجديد، وأن يعيد كتابة الظلال ليضمِّنه هذه المعانيَ الجديدة، وهكذا جاءت الطبعة المنقَّحة من الظلال، التي أصدر الجزء الأول منها في مطلع عام 1960م عن دار إحياء الكتب العربية.

وإذا كان كتاب “التصوير الفني في القرآن” بيانًا للمفتاح الجماليِّ الذي فتح به سيد كنوز القرآن الجمالية، فإن الطبعة الجديدة المنقَّحة من الظلال هي “المفتاح الحركي” الذي فتح به سيد كنوز القرآن الحركية المذخورة فيه.

وإن سيد قطب في الظلال يُعتبَر مجدِّدًا في عالم التفسير؛ لما أضافه من معانٍ وأفكار حركية وتربوية على التفاسير السابقة، كما أن سيدًا في الظلال يُعتبَر مؤسِّسًا لمدرسة جديدة في التفسير، هي “مدرسة التفسير الحركي”.

كتب سيد الأجزاء العشرة الأولى من الطبعة المنقَّحة على ضوء منهجه الحركي الجديد في فهم القرآن وتفسيره، وكان يُسهب القول فيها، ويُطيل النفَس، ويُكثر من التفسير. وكانت أطول وأعمق وقفاته تلك التي تتعلَّق بقضايا العقيدة والدعوة والحركة والجهاد والتشريع والجاهلية.

وكان الجزءان السابع والثامن – اللذان ضمَّا تفسيره لسورة الأنعام – هما أكثر الأجزاء تركيزًا، وأنضجها فكرًا، وأوضحها دلالةً على منهجه الحركي الجديد.

ولما أفرج عنه بعفو صحي عام 1964م، تابع كتابة الأجزاء، فنشر الأجزاء الحاديَ عَشَرَ والثانيَ عَشَرَ والثالثَ عَشَرَ، وبذلك يكون قد وصل في الطبعة المنقَّحة من الظلال إلى آخر الجزء الثالثَ عَشَرَ، الذي تنتهي به سورة إبراهيم.

وكان سيد يريد أن يكمل كتابة باقي الأجزاء من الرابعَ عَشَرَ حتى السابعِ والعشرين على أساس منهجه الحركي الجديد في التفسير؛ ولكن الطغاة عجَّلوا باعتقاله ثم محاكمته ثم إعدامه قبل تحقيق أمنيته.

هذه هي قصة الظلال في حياة سيد بمنتهى الإيجاز.

وبعد استشهاد سيد عام 1966م صارت دور النشر في لبنان تتسابق وتتبارى في نشر الظلال وكتب سيد الأخرى، فظهر الظلال في طبعات مسروقة في ثمانية مجلدات، ثم طبع أخيرًا طبعة قانونية مشروعة بإذن من الأستاذ محمد قطب، حيث أصدرته دار الشروق في ستة مجلدات…

وتُرجم الظلال إلى العديد من اللغات الأجنبية؛ مثل الإنجليزية والفرنسية والفارسية والتركية والأوردية والأندونيسية وغيرها، وكان الظلال من أكثر الكتب الإسلامية انتشارًا في هذا القرن”[23].

20- دراسات إسلامية:

صدر هذا الكتاب عن “مكتبة لجنة الشباب المسلم” عام 1953م، والكتاب عبارة عن خمس وثلاثين مقالة إسلامية، كتبها سيد بأسلوب جريء وصريح وحادٍّ مهاجمًا مظاهر الظلم والفساد والانحراف في المجتمع، وكانت قد نُشرت قبل الثورة وبعد قيامها مباشرة في مجلات مختلفة؛ كالرسالة، والكتاب، والدعوة، واللواء الجديد، والاشتراكية، وغيرها، في الفترة (1950-1953م).

وقد قدَّم الكتاب في طبعته الأولى “محب الدين الخطيب”، وأطلق على سيد لقب “لسان الدين”، واعتبر أن أهمَّ مميِّزات أدب سيد قطب هي القوة، وأطلق على أدبه لقب “أدب القوة”، وبيَّن كيف أن قوة كلمات سيد أزعجت قوى الطغيان والظلم والفساد في البلاد، وتمنَّى على سيد قطب أن يصدر كتابًا مثله كلَّ عام، يُتحف به القرَّاء والمثقَّفين والعاملين.

ولا توجد مقدمة محب الدين الخطيب في طبعات الكتاب اللاحقة.

21- هذا الدين:

أصدره سيد من السجن عام 1960م عن دار القلم بالقاهرة.

وسبب تأليف الكتاب هو إرادة سيد تثبيت من معه وشرح قضية الدين وعظمها لهم؛ فقد رأى من بعضهم ضعف الثقة والإيمان بقدرة هذا الدين على مواجهة الجاهلية وإمكانية تمكين الدين وتحقيق أهداف الحركة الإسلامية؛ بسبب ما لاقوه من صنوف التعذيب والأذى، وضياع الأمل في تحقيق آمالهم وأمانيهم.

فألَّف سيد كتابه “هذا الدين” يبيِّن فيه خصائص هذا الدين وطبيعته، وأنه منهج للبشر ليعملوا به ويجتهدوا وَفْقَ سنن مطَّردة وأسباب مادية عليهم الأخذ بها، فإنه لا ينتصر بطريقة سحرية غيبية؛ فإن الله قادر على أن ينصرهم بجنود من الملائكة؛ ولكنه شاء سبحانه أن ينصرهم بجهودهم وعملهم؛ لحِكمٍ كثيرة، وأن هذا الدين منهج متفرِّد لا يماثله منهج آخر من المناهج الأرضية، وأنه منهج ميسَّر لا عُسر فيه ولا مشقَّة، ويَسهُل على النفوس الجادَّة حمله وتحمُّل تكاليفه، وأنه منهج مؤثِّر يؤثِّر في النفس والمجتمع متى ما حملته نفوس صادقة مستعدَّة للتضحية من أجل دينها.

كما بيَّن أن لهذا الدين رصيدًا من النجاح والتحقُّق في أرض الواقع، وأن هذا الرصيد يتمثَّل في رصيد الفطرة؛ لأنه بعقيدته وشريعته ونظامه يوافق الفطرة الإنسانية المستقيمة كما يتمثَّل في رصيد التجربة؛ حيث إن مبادئه ليست مثالية خيالية غير صالحة للتطبيق العملي الواقعي؛ فقد طبِّق قبلُ، ونجحت التجربة، وكانت الفترة المحدودة التي طبِّق فيها أثقل من عمر البشرية كلها، وأكثرها سعادةً وطمأنينة.

ويُعتبَر كتاب “هذا الدين” ممثِّلاً لمرحلة جديدة في فكر سيد قطب وأسلوبه؛ فهو بداية اتجاهه للفكر الحركي الإسلامي حيث أدرك به الخصائص الحركية لهذا الدين؛ لذلك قد أعاد النظر في الظلال بعد تأليف هذا الكتاب وأصدر الطبعة المنقَّحة منه على أساس منهجه الحركي في التفسير.

22- المستقبل لهذا الدين:

أصدره سيد بعد كتابه “هذا الدين” مباشرة، نشرته مكتبة وهبة بالقاهرة، وهو مكمِّل ومتمِّم له؛ إذ إنه بعد أن تناول “هذا الدين” خصائص الإسلام ومنهجه… إلخ، أخذ يبيِّن في هذا الكتاب ويثبِّت أصحاب الدعوة الإسلامية بأن المستقبل لهم ولدعوتهم وللإسلام.

وبيَّن فيه أيضًا كيف أن الإسلام منهج حياة كامل شامل، يستوعب مختلف شؤونها، ويقيمها على أسسه ومبادئه، ويلبِّي كافة حاجات الإنسانية، وأنه لا يوجد أيُّ دين أو منهج أو نظام أو مبدأ يمكنه أداء هذه الْمَهمَّة؛ فإنه لا تتوفر هذه الخصائص في سواه، لذا؛ فإن المستقبل لهذا الدين.

وتحدَّث فيه عن الفصام النَّكِد بين الديانة النصرانية المحرَّفة وبين العلم الحديث في أوروبا، وهذا ما لا يمكن وقوعه في الإسلام، كما بيَّن أن الرجل الأبيض الذي يقود الحضارة الغربية قد انتهى دوره في قيادة البشرية؛ لأن الحضارة الغربية قد استنفدت أغراضها.

وسجَّل فيه بعض صيحات التحذير والخطر التي أطلقها علماءُ غربيون يحذِّرون فيها من المصير البشع الذي تقود الحضارة الغربية البشرية إليه، وأعلنوا فيها قرب اندثار تلك المادية الغربية لخواء الروح عندهم، وقرر أنه لابد من مخلِّص يغيِّر هذا الطريق وهذا المصير البشع، ويخلِّص البشرية منه، وأنه لا يكون إلا الإسلام قادرًا على ذلك.

23- خصائص التصور الإسلامي:

صدر عن دار إحياء الكتب العربية عام 1962م، تحت عنوان “خصائص التصور الإسلامي ومقوِّماته”، مع أنه لم يبيِّن فيه إلا خصائص التصور الإسلامي، أما “مقومات التصور الإسلامي”، فقد خصَّص له كتابًا آخر، صدر بعد استشهاده كما سيأتي.

وقد تناول فيه سيد قطب الحديث عن العقيدة الإسلامية وخصائصها وطبيعتها بأسلوبه المعهود بسلاسته ووضوحه، وقد أعلن عنه سابقًا تحت عنوان “فكرة الإسلام عن الله والكون والحياة والإنسان”؛ ولكنه عدل عنه إلى هذا العنوان.

وتحدَّث عن أسلوب القرآن في عرض العقيدة، وأنه لا بد من اتِّباعه وترك القالب الفلسفي في عرض العقيدة، وتحدث في فصل “تيه وركام” بإيجاز عن الأخطاء في فَهم الألوهية والربوبية في العقائد الأرضية؛ كالبوذية، وفي العقائد السماوية المحرَّفة كاليهودية والنصرانية.

ثم تحدَّث عن خصائص التصوُّر الإسلامي، والخصائص التي عرضها سبعة، هي: الربانية، والثبات، والشمول، والتوازن، والإيجابية، والواقعية، والتوحيد.

24- الإسلام ومشكلات الحضارة:

صدر في نفس العام عن دار إحياء الكتب العربية عام 1962م، ويطوِّف الكتابُ حول مشكلات الحضارة المادية الغربية التي تسلَّمت قيادة البشرية في هذا العصر؛ فهي حضارة جاهلية يقودها شياطين الإنس، ويَدْعون البشرية إليهم ليوصلوهم إلى الهاوية، والبشرية تتبعهم كالقطيع الذي لا يدري أين يذهب به صاحبه؟!

وقد عجز العلماء والمفكِّرون والمصلحون عن تقديم الحلول الناجعة – رغم محاولاتهم الدائبة – للمشكلات الإنسانية التي أنتجتها هذه القيادة الجاهلية.

وكتب سيد قطب هذا الكتاب من أجل تقديم العلاج الناجع لحل مشكلات البشرية كما يقرِّره الإسلام، بدعوتها للإقبال على الإسلام وإقصاء الجاهليين عن قيادتها، وجعل إصلاح البشرية مقصورًا على الدين الإلهي الخالد الذي حفظه الله من التحريف.

وقد شخَّص في كتابه المشكلة، وبيَّن أبعادها وخطرَها وسماتِها وآثارها، من تدمير الإنسان وتحويله إلى آلة في الحضارة المعاصرة، ونشر الانحلال والفساد ومن ثَمَّ الدمار والفناء عن طريق العلاقات بين الجنسين، واستشهد لها بكلام مفكرين وعلماء غربيين، من باب “وشهد شاهد من أهلها”، وذكر بعض مشاهداته في أمريكا دليلاً على مدى خطر الحضارة الغربية على البشرية، ثم وصف الدواء وقدَّم الحلَّ الإسلاميَّ.

25- معالم في الطريق:

وهو آخر مؤلَّفاته المطبوعة في حياته؛ إذ سيق سيد قطب إلى السجن بعد ظهور الكتاب بمدَّة قصيرة، وقد أصدرته مكتبة وهبة عام 1964م، ويُجمِع المراقبون على أن من أهمِّ أسباب الحكم على سيد قطب بالإعدام وتنفيذه فيه عام 1966م هذا الكتابَ “معالم في الطريق”، ولمحرِّر جريدة المنار الأردنية كلمة شهيرة عن كتاب المعالم قال: “الكتاب الذي حكم على صاحبه بالإعدام”، وما يدلُّك على اهتمام الجلَّادين بهذا الكتاب الصغير حجمًا الهائل أثرًا منذ صدوره في الستينيَّات حتى الآن: التفريق بين من قرأه ومن لم يقرأه من المنتمين للحركة الإسلامية، فبمجرد سؤال المعذَّب: هل قرأت كتاب معالم في الطريق؟ فلو أجاب بالإيجاب، فهذا له شأن آخر وتصنيف يضعه في دائرة الخطورة!!

ويتَّضح من عنوان الكتاب مقصود سيد من تأليفه؛ فقد رسم فيه الطريق لبعث الأمة وعودتها لقيادة العالم من وجهة نظره.

بدأ المقدِّمة بتبيين إفلاس القيادات الجاهلية للبشرية، وأن الإسلام هو الذي سيحكم البشرية، إذا حملته جماعة إسلامية صادقة لتواجه به الجاهلية.

يقول سيد: “فكيف تبدأ عملية البعث الإسلامي؟ إنه لا بدَّ من طليعة تعزم هذه العزمة، وتمضي في الطريق، تمضي في خضمِّ الجاهلية الضاربةِ الأطناب في أرجاء الأرض جميعًا، تمضي وهي تزاول نوعًا من العُزلة من جانب، ونوعًا من الاتِّصال من الجانب الآخر بالجاهلية المحيطة.

ولا بد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من “معالم في الطريق”، معالم تعرف منها طبيعة دورها، وحقيقة وظيفتها، وصلب غايتها، ونقطة البَدء في الرحلة الطويلة، كما تعرف منها طبيعة موقفها من الجاهلية الضاربة الأطناب في الأرض جميعًا.. أين تلتقي مع الناس وأين تفترق؟ ما خصائصها هي، وما خصائص الجاهلية من حولها؟ كيف تخاطب أهل هذه الجاهلية بلغة الإسلام وفيمَ تخاطبها؟ ثم تعرف من أين تتلقَّى – في هذا كلِّه – وكيف تتلقَّى؟”[24].

ويختتم سيد كتابه بهذه الكلمات التي توضِّح بعض معالم الطريق مثل العقيدة والاستعلاء الإيماني، يقول في آخر كلمات الكتاب: “إنها قضية عقيدة ومعركة عقيدة، وهذا ما يجب أن يستيقنه المؤمنون حيثما واجهوا عدوًّا لهم؛ فإنه لا يعاديهم لشيء إلا لهذه العقيدة؛ {إلَّا أَن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}، ويُخلصوا له وحدَه الطاعة والخضوع.

وقد يحاول أعداء المؤمنين أن يرفعوا للمعركة راية غير راية العقيدة، راية اقتصادية أو سياسية أو عنصرية؛ كي يموِّهوا على المؤمنين حقيقة المعركة، ويُطفئوا في أرواحهم شعلة العقيدة؛ فمن واجب المؤمنين ألَّا يُخدَعوا، ومن واجبهم أن يدركوا أن هذا تمويهٌ لغرض مبيَّت، وأن الذي يغيِّر راية المعركة إنما يريد أن يخدعهم عن سلاح النصر الحقيقيِّ فيها، النصر في أيَّة صورة من الصور، سواءٌ جاء في صورة الانطلاق الروحيِّ كما وقع للمؤمنين في حادث الأخدود، أو في صورة الهيمنة الناشئة من الانطلاق الروحيِّ؛ كما حدث للجيل الأول من المسلمين.

ونحن نشهد نموذجًا من تمويه الراية في محاولة الصليبية العالمية اليومَ أن تخدعنا عن حقيقة المعركة، وأن تزوِّر التاريخ، فتزعم لنا أن الحروب الصليبية كانت ستارًا للاستعمار، كلَّا.. إنما كان الاستعمار الذي جاء متأخِّرًا هو الستارَ للروح الصليبية التي لم تعد قادرةً على السفور كما كانت في القرون الوسطى، والتي تحطَّمت على صخرة العقيدة بقيادة مسلمين من شتَّى العناصر، وفيهم صلاح الدين الكرديُّ، وتوران شاه المملوكيُّ، العناصر التي نَسِيت قوميَّتَها، وذكرت عقيدتها، فانتصرت تحت راية العقيدة؛ {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلَّا أن يُؤمنوا بالله العزيز الحميد}، وصدق الله العظيم، وكذَّب المموِّهون الخادعون!”[25].

وهذا الكتاب وما أثير حوله، كُتبت حوله دراسات كثيرة؛ فإنه من أهم الكتب وأشهرها التي كُتبت في تاريخ الحركة الإسلامية.

26- مقوِّمات التصوُّر الإسلاميِّ:

هذا الكتاب هو الذي تحدَّثنا عنه قبلُ بأنه القسم الثاني الذي أعلن عنه في كتاب “خصائص التصور الإسلامي” والمكمِّل والمتمِّم له، وقد طُبع بعد استشهاده بعشرين عامًا، صدرت طبعته الأولى عن دار الشروق عام 1986م، وقدَّم له أخوه الأستاذ محمد قطب، الذي بدأ المقدِّمة بقوله: “تأخَّر هذا الكتابُ كثيرًا عن موعده الذي قدَّرناه له، والذي توقَّعه كثير من الناس، الذين علموا بوجود مخطوطته، حتى شاء الله له أن يَصدُر في اللحظة التي قدَّرها سبحانه لصدوره.

كان الشقيق الشهيدُ قد انتهى من كتابته في الأيام الأخيرة من وجوده في السجن قبلَ تنفيذ الحكم عليه من قِبَل الطغاة…”[26].

وذكر الأستاذ محمد قطب ما يدلُّ على همَّة أخيه التي لا تَكِلُّ ولا تَمَلُّ، قال: “أما هذا الكتاب الذي نقدِّمه اليومَ، والذي انتهى منه صاحبه في الأيام الأخيرة في السجن قبل تنفيذ الحكم، وكتب القسم الأخير منه على أوراق الادِّعاء التي أُعطيت له قبل المحاكمة”[27].

ما أعجبَ همَّتَه وعزيمتَه! يُنهي الكتاب على أوراق الادِّعاء وهو مُقدِم على الإعدام!

وذكر الأستاذ محمد قطب سبب تأخير طباعة الكتاب، وهو فَقْدُ فصلين من الكتاب؛ مما استدعى البحث عنهما طويلاً ليكتمل الكتاب بلا جدوى، فقرَّروا نشره دون الفصلين الأخيرين، حتى إذا ظهرا أعادوا نشر الكتاب كاملاً.

وعرَّف الأستاذ محمد بفصول الكتاب كالتالي: المقدمة بعنوان وجهة البحث، ثم عناوين الفصول تباعًا: “مقومات التصور الإسلامي”، “ألوهية وعبودية”، “حقيقة الألوهية”، “حقيقة الكون”، “حقيقة الإنسان”، والفصلان الأخيران المفقودان هما: “حقيقة الحياة”، و”حقيقة الإنسان”، وقد وجد الأستاذ محمد المخطَّط الموجز الذي وضعه سيد قطب لهذين الفصلين، فيه النقاط الرئيسة التي سيبحثها فيهما والآيات، فنشرهما في الكتاب من ص356 إلى آخر الكتاب، فبدا في هذا المخطَّط طريقة سيد قطب في إعداد وجمع الموادِّ ووضع المخطَّط قبل البَدء في الصياغة والكتابة.

كتب أخرى منسوبة لسيد قطب:

أغرى انتشار كتب سيد قطب وما تجلبه من ربح هائل بعض دور النشر بالبحث في مقالات سيد قطب وكتبه كالظلال؛ ليستخرجوا مقالاتِه وبعضَ الأبحاث لينشروها في كتيِّبات مستقلَّة، ويضعوا اسمه عليها، فيُقبل القرَّاء والباحثون عليها ظانِّين أنها كتب له، فيحرصون على اقتنائها، وقد جمعها بعض الباحثين؛ مثل الدكتور صلاح الخالدي نشر هذه الكتب في كتابه “سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد” من ص 567 وما بعدها، نذكر منها:

1- أفراح الروح:

مجموعة من الخواطر والأفكار والتأمُّلات خطرت لسيد قطب وهو في أمريكا في الفترة ما بين عامي (1948- 1950م)، سجَّلها في رسائل شخصية بعثها إلى أخيه وأختَيه وأصدقائه في مصر والبلاد العربية، وفي إنجلترا وفرنسا كذلك.

وحتى نعلم قصة هذا الكتيِّب بالتفصيل نَنقُل ببعض التصرُّف تقديم الدكتور صلاح الخالدي للكتاب طبعة “دار عمار” يشرح قصته، يقول: “أُوفدَ سيد قطب إلى أمريكا… وأقام فيها حوالي سنتين (3 / 11 / 1948 إلى 20 / 8 / 1950)، وكان يرسلُ رسائل “إخوانية” شخصية إلى أخيه وأُخْتَيْه في مصر، وإلى معارفه وأصدقائه في مصر وخارجها، يسجِّل فيها بعض أفكاره وخواطره حول الحياة، وكان ينشر بعض المقالات في بعض المجلات الأدبية؛ مثل مجلة “الكتاب” التي كان يرأس تحريرها الأديب “عادل الغضبان”، وكان “عادل الغضبان” يطلب منه أن يرسل مقالاتٍ لينشرها له في المجلة، وكان سيد قطب عازفًا عن كتابة المقالات وهو في أمريكا، ورأى أن بعض رسائله الشخصية إلى إخوته وأصدقائه تتضمن أفكارًا وخواطرَ نافعةً، يمكِن أن ينتفع بها القراء، فاختار مقتطفات من تلك الرسائل الشخصية، وبعث بها إلى الأستاذ “الغضبان”؛ ولكن الأخير لم ينشرها، ولما عاد سيد قطب إلى مصر… وزار الغضبان سلَّمه مغلَّفًا فيه رسائله التي بعث بها إليه.

وقد أخبرنا سيد قطب عن قصة هذه الرسائل في مقال “في الأدب والحياة” الذي نشره في مجلة الكتاب، في شهر أبريل 1951م، ومما قاله في ذلك المقال: “عندما كنت بعيدًا عن الوطن مدى عامين في أمريكا، كان في نفسي عزوفٌ لا أدري مَأْتاه عن الكتابة، إلَّا في القليل النادر …

ولكن داء الكتابة لم يزايلني البتَّةَ في خلال تلك الفترة.. كنت أكتب إلى أخي وأُخْتَيَّ وأصدقائي في مصر وسائر البلاد العربية، وفي إنجلترا وفرنسا كذلك، وكنت أقول لهم في رسائلي الخاصة ما أودُّ أن أقوله للناس في الكتابات المنشورة …

وخطر لي مرَّةً أن الكثير من هذه الرسائل الخاصة التي لم تُكتَب للنشر؛ وإنما كُتِبَتْ لتؤدِّيَ أغراضًا حقيقية واقعية في حينها، تصلح للنشر أكثر مما أُعِدَّ للنشر فعلاً … وجمعْتُ طائفة منها، وأرسلتها إلى أستاذ أديب كبير، كان يستحثُّني لأكتب شيئاً لمجلَّته …

وحين عُدْتُ إلى مصرَ التقينا، ففتح مكتبه، وسلَّمني وُرَيْقات بخطِّي، وقال: إنها خواطر قيِّمة؛ ولكني أرجأت نشرها لأجلك أنت، لقد خِفْتُ أن يحسبك القرَّاء قد أفلستَ، فلجأت إلى مختارات من رسائلك”.

وسجَّل في مقال “في الأدب والحياة” مقتطفات من رسالته إلى أخته “حميدة”، ومن رسالته إلى صديق له ضيِّق الصدر بالناس، ومن رسالته إلى صديق آخَرَ اعتزل الناس، ومن رسالته إلى صديق ثالث بيَّن له أن الغاية لا تبرِّر الوسيلة، ويبدو أن سيد قطب أخذ تلك الرسائل من عادل الغضبان، واحتفظ بها في بيته.. ولَمَّا سُجِنَ في الخمسينيَّات وصلت هذه الرسائل إلى مجلة “الفكر” التونسية، فنشرتها في العدد السادس، شهر مارس 1959، تحت عنوان “أضواء من بعيد”، ولا أدري من أين جاءت المجلة بهذا العنوان للرسائل، فقد نشر سيد قطب وهو في أمريكا مقالاً في مجلة الكتاب عدد فبراير عام 1950م بعنوان “أضواء من بعيد” ليس له صلة بتلك الرسائل.

وفي عام 1971م وقفت “الدار العلمية” في بيروت على مقال مجلة الفكر التونسية “أضواء من بعيد” الذي حوى تلك الرسائل، فنشرته في رسالة صغيرة، وضعت لها عنوانًا من عندها، هو “أفراح الروح”، ولا أدري من أين جاءت بهذا العنوان؟! ثم انتشرت تلك الخواطر والأفكار بالعنوان الجديد “أفراح الروح”، وطُبِعتْ عـدَّةَ طبعات، وأُعجب بها القرَّاء.

ويبدو أن المقتطفاتِ التي اختارها سيد قطب كانت من سبعَ عشْرةَ رسالةً من رسائله الشخصية، نشر في مقال “في الأدب والحياة” مقتطفات من أربع رسائل، أشرنا لها، أما باقي المقتطفات فلم نتمكَّن من الوقوف على رسائلها…”.

2- نحو مجتمع إسلامي:

منذ صدور مجلة “المسلمون” بالقاهرة عام 1951م، كان لسيد قطب مقال دائم فيها، بدأ بالكتابة تحت عنوان “في ظلال القرآن”، فكتب سبع حلقات ثم توقف وبدأ نشر حلقات جديدة في مجلة “المسلمون” في زاوية عنوانها “نحو مجتمع إسلامي”، فكتب عن خمسة عناوين هي: “المستقبل للإسلام”، و”كيف نستوحي الإسلام؟”، و”طبيعة المجتمع الإسلامي” و”مجتمع عالمي” و”نظام رباني” كل عنوان في أكثرَ من مقال.

وقد سبق قبل أن يكتب في “المسلمون” أن أعلن عن بحث له يُعِدُّه تحت عنوان “نحو مجتمع إسلامي”، وكان قد أشار إليه في فصل “طريق الخلاص” من كتابه “الإسلام ومشكلات الحضارة” الذي أصدره عام 1962م بقوله: “وفي حدود جهدي الخاص: لقد أعددت لهذا – يقصد: ملامح المجتمع الإسلامي وخصائصه – بحثًا ضخمًا مفصَّلاً تحت عنوان (نحو مجتمع إسلامي)، وبحثًا آخر عن (خصائص التصور الإسلامي ومقوماته)، وكلاهما يكمل الآخر في هذا المجال”[28].

واستشهد سيد قطب ولم ينشر كتابه أو بحثه هذا الضخم، وصار في عداد المفقودين، إلا أن في هوجة تسابق الناشرين إلى نشر كتبه ومقالاته في كتيبات ورسائل وتجارتها الرابحة، أخذت “مكتبة الأقصى” بعمان عام 1969م مقالات سيد التي نشرها في “المسلمون” تحت عنوان “نحو مجتمع إسلامي”، فجمعتها ونشرتها في كتاب متوسط الحجم تحت عنوان “نحو مجتمع إسلامي”، فانتشر الكتاب وأقبل القرَّاء عليه ظانِّين أنه هو البحث الضخم نفسه الذي كان أعلن عنه سيد قطب!

وكانت الأمانة العلمية تقتضي أن تشير مكتبة الأقصى إلى ما فعلته، وأنه ليس ذلك البحثَ المقصود؛ وإنما المقالات المنشورة بمجلة “المسلمون”، ثم تناقلت دور النشر طبع الكتاب طبعات كثيرة كالشروق وغيرها!

3- في التاريخ فكرة ومنهاج:

نشر سيد قطب مقالين بعنوان “في التاريخ فكرة ومنهج” في مجلة “المسلمون” في العددين الأول والثاني شهري سبتمبر وأكتوبر عام 1951م، وبعد استشهاده نشرت الدار السعودية للطباعة والتوزيع بجدة هذين المقالين وأضافت لهما مقالين آخرين لسيد قطب عن “التصور الإسلامي والأدب” في كتيِّب تحت عنوان “في التاريخ فكرة ومنهاج”، دون أن تشير لذلك، فتوهَّم القرَّاء أنه كتاب لسيد قطب.

4- معركتنا مع اليهود:

هو مجموعة مقالات كتبها سيد قطب في مجلة “الدعوة” في مطلع الخمسينيَّات، إضافة إلى قسم بعنوان “إلى المتثاقلين عن الجهاد” اقتطع من “في ظلال القرآن”، وقد جمع هذه المقالات الأستاذ “زين العابدين الركابي”، وقدَّم لها بمقدمة عن ملاح شخصية سيد قطب، وخصائص فكره وأسلوبه، ونشرت هذا الكتيِّب أوَّلَ مرة “الدار السعودية للنشر والتوزيع بجدة”.

وقد أحسن جامع هذه المقالات الأستاذ زين العابدين الركابي صُنعًا بإشارته في الحاشية عند أول كل مقالة إلى المجلة التي نشرتها، بَيْدَ أنه لم يُشِرْ في أوَّل الكتيِّب إلى أصله، وليته فعل حتى يعرف القارئ حقيقته لأول وهلة.

5- لماذا أعدموني؟

هي وثيقة كُتبت بطلب من المحقِّقين الذين كانوا يستجوبون الأستاذ سيد قطب ورفاقه، فتُعتبر إجابات لأسئلة محدَّدة، أو سؤال واحد عامٍّ، ودار حول هذه الوثيقة جدل كبير، “وقد نشر الصحفي “سامي جوهر” محضر التحقيق الذي أجراه مع سيد قطب في السجن الحربي النائب العام “صلاح نصر”، ومحضر محاكمة الفريق فؤاد الدجوي لسيد قطب، ونشرت مجلة “المسلمون” إقرار سيد قطب، الذي كتبه بخط يده في السجن الحربي في نهاية عام 1965م، واعترف فيه بتفاصيل علاقته مع الإخوان المسلمين، وعمله مع “التنظيم الإخواني الجديد”، ثم نشرت الدار الناشرة هذا الإقرار تحت عنوان: (لماذا أعدموني؟)”[29].

وهاك ما حكاه ناشر الكتاب (هشام ومحمد علي حافظ) في مقدمة الكتاب عن هذه الوثيقة:

“نرجو أن لا يتبادر إلى الذهن أن هذه الوثيقة التي كتبها شهيد الإسلام سيد قطب كاملة غير منقوصة. هذه الوثيقة التي أخذنا لها عنوانًا هو “لماذا أعدموني؟” قد مرَّت على أيدٍ كثيرة، ابتداءً من المحقِّقين وغير المحقِّقين من الذين عذَّبوا الشهيد ورفاقه، وانتهاءً بكبار المسؤولين في الدولة وأذنابهم. هذه الوثيقة هي ولا شكَّ بخط الشهيد سيد قطب؛ ولكننا يجب أن نقول بشأن هذه الوثيقة: إنها كُتبت بطلب من المحقِّقين الذين كانوا يستجوبون الشهيد ورفاقه، ولهذا جاءت وكأنها إجابات لأسئلة محدَّدة أو سؤال واحد عامٍّ.

عندما نشرت “المسلمون” هذه الوثيقة على حلقات ابتداءً من عددها الثاني، تباينت ردود فعل المهتمِّين بالشهيد سيد قطب، فمنهم من قال: إنها مزوَّرة، وأكثرُهم جزم بصحتها. من ناحيتنا نحن، فإننا نؤكِّد أن هذه الوثيقة أو الشهادة، وهي الإجابة الكاملة على سؤال المحقِّقين، قد وصلتنا بخطِّ يد الشهيد، ونؤكِّد في نفس الوقت أنها ناقصة غير كاملة؛ فقد حرص أذناب نظام الطاغية على الاحتفاظ في مكان غير معروف، وعند شخص معروف بالجزء الخاص بالتعذيب الذي تعرَّض له الشهيد سيد قطب ورفاقه؛ ظنًّا منهم أن خلوَّ الوثيقة أو الشهادة من تلك الصفحات السوداء سيبيِّض وجوه الطغاة وأذنابهم، الذين لم يتركوا وسيلة عرفوها لتعذيب الشهيد سيد قطب إلا واستعملوها…”.

6- رسائل استُلَّت من الظلال:

استلَّت بعض دور النشر مواضيع من الظلال ونشروها في كتيِّبات مستقلَّة تحت عناوين من عندهم، وأقبل عليها القرَّاء ظانِّين أنها كتب خاصَّة من تأليف سيد قطب، ومنها:

أ) تفسير سورة الشورى:

اقتطعت الدار السعودية للنشر تفسير سورة الشورى من كتاب “في ظلال القرآن”، ونشرته في كتاب مستقلٍّ، وظن القراء أن سيد قطب خصَّ تفسير سورة الشورى بكتاب مستقل إضافة إلى تفسيره لها في “الظلال”! ولم تذكر الدار لماذا فعلت ذلك في سورة الشورى خاصة؟!

ب) تفسير آيات الربا:

هي فعلة الدار السعودية نفسها في تفسير سورة الشورى، حيث استلَّت من “الظلال” تفسير آيات الربا في سورتَيِ البقرة وآل عمران، ونشرته في كتاب مستقلٍّ. وما أكثرَ ما استلُّوا من الظلال أسماء كتب مثل:

ج) قصة الدعوة.

د) إسلامٌ أو لا إسلام.

هـ) رسالة الصلاة.

و) استعلاء الإيمان ومعالم في الطريق.

الخاتمة:

نجمل في هذه الخاتمة ما فصَّلناه في بحثنا هذا، ونخرج بالنتائج التالية:

1) لم يكن الأستاذ سيد قطب مجرَّد أديب أو كاتب كبير؛ بل إنه كان شخصًا مؤثِّرًا في الحياة الثقافية والسياسية، ومتشابكًا مع كثير من الأحداث في مصر، فدراسة مراحل حياته يؤدِّي لفَهم بعض هذه الأحداث بصورة مغايرة عن المتداوَل عنها، إضافة إلى فَهم شخصيته منذ النشأة حتى الاستشهاد؛ فإنه من أكثر الشخصيات تأثيرًا – إن لم يكن أكثرها على الإطلاق – في الفكر الإسلامي منذ خمسينيات القرن العشرين حتى الآن.

2) يجب تسليط الضوء على حياته الأدبية، وتأثيره في الحركة الثقافية في مصر منذ أن كان صبيًّا يكتب بين العمالقة إلى أن صار من أكبر النقاد والأدباء في مصر والعالم العربي، وإبراز علاقاته بكبار الأدباء في مصر والعالم العربي، وتأثيرِه على جيل كامل من الأدباء كنجيب محفوظ ويحيى حقي وغيرهما، وبيان فضله على هذا الجيل، ومواجهة محاولة مَحْوِ ذكره وتراثه في هذه الفترة الساطعة من تاريخ الحركة الأدبية والثقافية في مصر والعالم العربي، التي نجحت إلى حدٍّ كبير طَوال الفترة الماضية في طمس ذكره وتراثه الأدبيِّ؛ بسبب شراستها، وعدم اهتمام محبِّيه بهذا الجانب.

3) على الباحثين تكملة ما بدأه الباحثون الذين أَفَدْنا من مجهودهم الرائع في جمع تراث الأستاذ سيد قطب، بجمع ما تبقَّى من مقالاته وتراثه؛ فلا يبقى وجه لادِّعاء مدَّعٍ بدسِّ أكاذيب على تراثه للتشويش على شخصيته.

4) من أهم ما تناولته هذه الدراسة الثابت والمتغيِّر في شخصية الأستاذ سيد قطب، فأثبتنا أنه وإن كان تغيَّر ِفكريًّا وسياسيًّا أكثر من مرة، فإنه كان ثابتًا على مواجهة الاحتلال والفساد والإفساد ومحاولة الإصلاح بقوة وجسارة، وكان دائمًا في كل مراحل حياته يدعو للفضيلة ويحارب الرذيلة، وكان صلبَ الْمِراس ثوريًّا معتزًّا بنفسه منذ صباه، وكان دائبَ البحث عن ذاته، وبلوغ درجة سامقة من الكمال وعلوِّ الذات.

5) من الأمور الواضحة في شخصيته وتظهر جليَّةً في كتاباته الشعرية والنثرية: حديثه الدائم عن الروح والاهتمام بها، ومن ثم الضمير، حتى إن أكثر ما نقم على أمريكا ضياع الروح، وأكثر اختلافه مع العقاد بسبب أنه رجل فكريٌّ محض لا يهتمُّ بالروح، وكأنه يريد أن يرى كلَّ شيء حيًّا يتحرَّك، روحٌ وجسد، لا جسد دون روح.

6) كان سيد قطب كاتبًا له حضور سياسي، يبدو ذلك في حديثه الحاد العنيف عن الحكومة والقصر والاحتلال في مقالاته، وتحدثنا عن ارتباط تأثير كتاباته ببعثته لأمريكا، وتأثُّر الضباط الأحرار بكتاباته، وأثبتنا تواصلهم معه وإجلالهم له، لدرجة أنه كان المدنيَّ الوحيد في مجلس قيادة الثورة، وكانوا يحتفون بمؤلفاته التي توزَّع على المدارس حتى بعد خلافه مع جمال عبدالناصر والتحاقه بالإخوان المسلمين واعتقاله.

7) ما تناولناه في بحثنا هذا دليل على الفشل في محو تاريخه لجعله مجرَّد إنسان دخل السجن فتأثَّر بالتعذيب، فكتب كتابًا نتيجة للتعذيب تأثَّر به المتطرفون والإرهابيون؛ بمعنى: محو تاريخه الأدبيِّ وعقودٍ كان له فيها دور مشهود في المشهد الثقافيِّ والأدبيِّ والاجتماعيِّ والسياسيِّ المصريِّ والعربيِّ.

8) استشهاد سيد قطب كان سببًا رئيسًا في انتشار كلماته، وصدق قوله: إن كلماتِنا تظلُّ عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها، دبَّت فيها الروح، وكُتبت لها الحياة”.

9) ثَمَّةَ دراساتٌ يحتاج إليها الوسط الأدبي والثقافي عن علاقة المثقَّف والكاتب بالسُّلطة، خاصة من جيل الكبار كالعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهم، فمثلاً العقاد أستاذ سيد قطب كيف كان يواجه بكتاباته القصر والحكومة بجسارة ثم يتم تدجينه ولا ينبس ببنت شفة أمام طغيان جمال عبد الناصر؟ وكيف استطاع جمال عبد الناصر تدجين هذا الجيل بكامله؟ [30]


الهامش

[1] مجلة الثقافة، عدد 663، بتاريخ 10/9/1951م.

[2] سيد قطب، مهمة الشاعر في الحياة، ص7-8، (تقديم الدكتور محمد مهدي علام للكتاب).

[3] سيد قطب، مهمة الشاعر في الحياة، ص5.

[4] د. عبد الله الخباص، سيد قطب الأديب الناقد، ص232-234.

[5] سيد قطب، نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر، المقدمة، ص8.

[6] د. عبد الله الخباص، سيد قطب الأديب الناقد، ص 234.

[7] الرسالة، عدد 614، بتاريخ 9/4/1945م.

[8] الرسالة، عدد 618، بتاريخ 7/5/1945م.

[9] سيد قطب، التصوير الفني في القرآن، ط16 (القاهرة: دار الشروق، 2002م)، ص136.

[10] سيد قطب، مشاهد القيامة في القرآن، ط14 (القاهرة: دار الشروق، 2002م) ص10.

[11] المصدر السابق.

[12] د. عبد الله الخباص، سيد قطب الأديب الناقد، ص 279.

[13] المصدر السابق.

[14] د. صلاح الخالدي، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، ص535.

[15] د. عبد الله الخباص، سيد قطب الأديب الناقد، ص279-280.

[16] المصدر السابق، ص361، وانظر “في ظلال القرآن” قائمة كتب سيد قطب في آخر المجلد الثامن من الطبعات اللبنانية.

[17] عادل حمودة، سيد قطب من القرية إلى المشنقة، ص117-118.

[18] د. صلاح الخالدي، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، ص 539.

[19] مجلة المجتمع، السنة الحادية عشرة، عدد 532، سنة 1981، ص21-23.

[20] سيد قطب، السلام العالمي والإسلام، ط12 (القاهرة: دار الشروق، 1993م)، ص12.

[21] د. عبد الله الخباص، سيد قطب الأديب الناقد، ص 319-320.

[22] تقديم الأستاذ محمد قطب لطبعة في ظلال القرآن، دار الشروق (1/9).

[23] د. صلاح الخالدي، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، ص 544- 548.

[24] سيد قطب، معالم في الطريق، ط6 (القاهرة –بيروت: دار الشروق، 1979م)، ص9.

[25] سيد قطب، معالم في الطريق، ص185-186.

[26] سيد قطب، مقومات التصور الإسلامي، ط4 (القاهرة -بيروت: دار الشروق، 1988م)، ص5، المقدمة.

[27] المصدر السابق، ص7.

[28] سيد قطب، الإسلام ومشكلات الحضارة، ط11 (القاهرة –بيروت: دار الشروق، 1992م)، ص188.

[29] د. صلاح الخالدي، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، ص9.

[30] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

شباب الإخوان المسلمين الجيل الثاني من المُنشقين

اقرأ ايضا شباب الإخوان المسلمين الجيل الثاني من المُنشقين

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close