تحليلات

كيف يُصنع الرأي العام؟

يعتبر الرأي العام والتأثير فيه موضوعا يهم كافة الأجهزة والجماعات والهيئات التي تمثل قناعات وتحركات الجماهير لها قيمة أساسية ولذا يسعون دائما للتأثير فيه والتحكم به كلما أتيح لهم لذلك سبيلاً، ويلفت المكون المتداخل بين المصطلحات الثلاثة المكونة لجملة ” صناعة الرأي العام ” إلى أن ثمة “تدخلا” في صياغة ذلك الرأي العام وهذا التدخل يشير إلى أن هناك مهنة أو صناعة أو ما يطلق عليه البعض “هندسة” للجماهير بحيث ينتج من توظيف عدة متغيرات -والتحكم فيها أيضا – ما نطلق عليه الرأي العام.
يشترك في هذا التحكم صناع السياسة وأذرعهم التنفيذية والأمنية والمخابراتية بشكل أساس وغيرهم من أصحاب الأفكار والنفوذ وأصحاب الرسالات المتنوعة الذين يسعون جميعا إلى التأثير في القواعد العريضة من مستقبلي رسالتهم.
وتكتمل الصورة في تلك الصناعة بتوظيف عوامل الدين والقيم والثقافة مع آراء خبراء الاجتماع وعلوم النفس والدعاية والعلاقات العامة لخدمة تلك الأهداف ورسم سياسات للتأثير والصياغة وطرق التناول لتلك القضايا ، ولابد في الحالة هذه من اللجوء لوسائل الاتصال الجماهيرية باعتبارها – بطبيعة الحال – الأكثر انتشارا والأسرع وصولا لتداول الآراء ونقلها مع استخدام أدوات أخرى كالاتصال المواجهي من محاضرات وندوات وخطب وبالاستفادة من الاتصال مع شخصيات وقيادات وعلماء لهم مصداقية وثقة لتسويق الفكرة عبر كل تلك الوسائل ولدعم ذلك الرأي العام بكل سبل.
والرأي العام في هذه الحالة نتاج تفاعل “متعمد” تمت صياغته بحنكة ليبدو للجمهور “تلقائيا” لأن الجمهور يحب أن يشعر بسيادته في اتخاذ مواقفه؛ فيؤدي كل ذلك في النهاية إلى ردود أفعال عامة متحكم فيها ترغب الجهة المحركة له أن يوظف لخدمة أهدافها أو تمرير تصوراتها أو التغطية على أحداث وما ورائيات تلك الأحداث أو الاتفاقات أو المشكلات.
وبكل الأحوال لا نعد صناعة الرأي العام أو المشاركة في تكوينه على وجه العموم تهمة تقوم بها تلك الأجهزة ؛ لأن تلك الصناعة قد تعد نوعا من التوعية والترشيد للرأي العام إن قصد بها بإخلاص القيام بهذا الدور ؛ وإن كان يغلب على تلك الصناعة النمط المعروف من التأثير المخادع والصارف عن المصالح الأساسية استجابة لتوجهات الحكومات التي عامة ًتنظر بتوجس إلى توجهات الرأي العام التلقائية بشكل يهدد بقاء منظومة الحكم ، والتي غالبا ما تكون متساندة من قوى منتفعة تخاف من الجمهور على منظومتها البعيدة عن مصالحه
إذن يمكننا تقسيم صناعة للرأي العام إلى قسمين، الأول: إبراز قضايا من باب التوعية، والثاني، صناعة قضايا من باب الخداع والتعمية.
لذا يمكننا القول أن إبراز معلومات صادقة وتوضيحها ونقل الصور الحقيقية وعدم تضخيم الأحداث وعدم تقويل المخالفين ما لم يقولوه والحرص على التعامل بشفافية ومصداقية وإخلاص هو من صناعة الرأي العام النافع والمفيد، بينما كذب المعلومات والتشويه والإشاعات والحجب للحقائق والادعاء والكذب على الأشخاص والتدليس والقياسات الفاسدة والشيطنة للمخالفين ورميهم بالنقائص كل ذلك من علامات صناعة الرأي المخادع والخائن أحيانا، لكن ليست هذه صورة تكون الرأي العام الوحيدة بل هناك بالطبع قضايا رأي عام كثيرة تكونت بالطرق الطبيعية التلقائية التي سنذكرها، وهذا الشق هو الذي يقلق الأنظمة -وحق لها-لأنها مداخل للتحرك الجماهيري الواسع وتوطئة للثورات.

تعريف الرأي العام ومفهومه:

بالرغم من شيوع مصطلح الرأي العام على ألسنة الكتاب والباحثين والسياسيين وفي المناقشات العامة والاتصال الجماهيري إلا أنه كانت هناك اختلافات أفضت إلى عدم شيوع تعريف بعينه له 1
من ناحية اللغة يتكون مفهوم الرأي العام من كلمتين: الرأي – العام، وكلمة الرأي لغة : الاعتقاد والعقل والتدبر والنظر والتأمل ( المعجم الوسيط)، والعام لغة : فتقال للعام من كل أمر وهي اسم جمع للعامة وهي خلاف الخاصة
واصطلاحا تعني كلمة (رأي) الاعتقاد بوجهة نظر يؤمن الفرد بصحتها وإمكانية تحقيقها إلا أنه لا يصل في إيمانه بصحته أو إمكانية تحقيقه لدرجة اليقين. أما كلمة (عام) فتعني جماعة من عامة الشعب أو جماعة الغالبية في مكان ما2 .
والمعنى العام للتركيبة هو: جماعة مصلحة بينها قاسم مشترك تتفق على قناعة حول مسألة تثير اهتمامهم أو تدفعهم إلى تبني موقفا مشتركا بينهم (أو بين نسبة مؤثرة منهم) ويتصف موقفهم بالعلنية، والرأي العام من القضايا التي تداولتها عدة علوم اجتماعية ولذا اختلفت رؤية كل علم له عن نظرة غيره له، وقد تمثل هذا الاختلاف في طبيعة العلم هل هو يهتم بالفرد أم بالجماعة أم بالجماهير، فعلماء النفس تناولوا الرأي العام كظاهرة فردية ولذلك ركزوا الاهتمام على: كيف يكون الفرد رأيه؟ وما علاقة الرأي بالاتجاه والقيم والمعتقدات؟
أما علماء السياسة فقد تمثل اهتمامهم بالدور الذي يلعبه الرأي العام في اتخاذ القرار السياسي حيث يعتقدون أن وجود حكومة ناجحة يستلزم أن تلعب الجماهير دورا مهما في تحديد السياسة العامة بينما ركز علماء الاجتماع على كون الرأي العام نتاجا جمعيا واضحا لنا وهو النتاج النهائي لعملية التفاعل الاجتماعي داخل الجماهير
ولقد خرج الدكتور جمال مجاهد بعد استعراضه للآراء والتعريفات المختلفة بهذا التعريف الذي يقول فيه: الرأي العام هو الرأي السائد بين جماعة من الناس إزاء قضية أو مشكلة تمس مصالحهم أو قيمهم تم التوصل إليه بعد نقاش وصراع للآراء والأفكار الهدف منه الوصول إلى من بيدهم القرار بشأن تأييد أو معارضة قرار ما 3

الرأي الشخصي والرأي العام

الرأي الذي انتهى إليه الفرد من خلال عملية الإدراك يظل رأيا شخصيا وكذلك الآراء التي انتهى إليها الآخرون حول نفس الموقف أو المشكلة حتى وإن اتفقت تلك الآراء حتى تحدث في المجتمع مناقشة عامة لتلك الآراء إذ أنه من المتوقع أن تظهر ردود أفعال الآخرين
وتزداد المناقشات وجها لوجه بين الأفراد في عملية دائرية من خلال العلاقات المتداخلة ومن خلال الاتصالات الشخصية بين الأفراد بل ومن خلال اقتراحات الأفراد الذين نهتم بهم وتأثير التوقعات الشخصية عن المستقبل وتساعد وسائل الإعلام والاتصال في توسيع دائرة المشاركين في النقاش وبحسب أهمية القضية، ومن خلال المناقشات يتكون الإدراك العام لدى أفراد الجماعة والذي يساعد على ظهور ردود أفعال أخرى مماثلة للفئات الأخرى حيال نفس المسألة، ونتيجة لكل ذلك يتشكل الرأي العام وتتبلور معالمه ؛ وهنا يظهر الاتفاق العام أو ما يسمى الرأي العام 4
وبحسب طريقة طرح الموضوع ردا أو استجابة.. رفضا أو قبولا يتشكل الرأي العام تجاه الموضوع بحيث يتخذ قرارا عاما أو يتم التوصل لنتيجة عامة رفضا أو قبولا وهنا نسمي ما تم الوصول إليه أن الرأي العام في هذه القضية هو كذا. ونخلص من هذا أن الذي يميز تلك الأنواع عن بعضها أمران:
الأمر الأول: هل القضية تهم الجمهور في هذا المكان وتمس مصالحه أو مشاكله أو عقائده وقناعاته
الأمر الثاني : هو هل تم تداولها بشكل كبير تحدث معه الشهرة ام مازال مغمورا لا يعرفه منهم إلا القليل وغالبا ما يتم التداول بواسطة أشخاص أو جماعات يثق فيهم الجمهور وتحدث معه مناقشة يتم تفنيده من جميع محاوره ويتم رد كافة المتعلقات أو الشبهات حوله، ودائما ينظر إلى الرأي العام على أنه نتاج جمعي – لأنه نتج عن حوار- وليس مجرد إجماع على رأي يتفق عليه كل فرد في جماعة الرأي العام، وقد لا يكون بالضرورة رأي الأغلبية ..لأن بعض الأقليات يكون لها تأثير قوي نظرا لما تتمتع به من قوة داخل المجتمع كرأي عشيرة ما أو قبيلة أو رأي الحكومة نفسها وهي تحاول ترويجه للناس ورأي الدعاة في المجتمعات التي تقدرهم.

طبيعة الرأي العام وعلاقته بالإجماع:

يجب على قادة الرأي السعي لتشكيل الرأي العام في القضايا الأساسية التي تهم الأمة والتي تتطلب تآزرا حولها ليقوموا بواجب النصح لها، ولدعم الرأي العام الذي سبق تشكيله في موضوع ما حتى لا يتراخى المجتمع عن رأيه الذي تكون لأن الرأي العام قد يتراخى بنسيان الناس له وعند عدم تجدد ما قد يثير اهتمامهم حول هذا الموضوع أو انشغالهم بغيره.
إنه في حقيقة أمره معدن ساخن يجب طرقه ليتشكل أو هو كطعام حار يجب الانتفاع به قبل أن يبرد أو يفسد فطبيعة الرأي العام طبيعة وقتية وديناميكية قد تفتر أو تهمد إن لم يستفد منها أو تنمى ولذا فهي يمكن تضليلها بعض الوقت إن لم يكتشف ذلك التضليل.
وكما أشرنا فإن الرأي العام لا يعني الإجماع وإنما تداول الرأي بين “قطاعات فاعلة ” في المجتمع وبين “قادة رأي موثوق فيهم ” ويشتهر هذا الرأي المستقر حين يأخذ حقه في التداول بين هذا القطاع ووفقا لقيم المجتمع بما يكفي لخلق “حراك” لموضوع قضية الرأي العام ؛ وقد تكون تلك القطاعات الفاعلة في المجتمع قليلة العدد لكنها عظيمة التأثير ( النخبة والعلماء ورجال الأعمال الأسر العريقة كمثال ) وبذا يمكن تشكل الرأي العام من خلال تحرك تلك الفئة، وهو بذلك يختلف عن إجماع الأمة على مفاهيم وثقافة لأنها ثابتة وراسخة والإجماع أشد قوة وتأثيرا بالطبع وإن لم يكن به الوقتية التي تميز الرأي العام لكن الإجماع يمثل نقطة انطلاق أساسية للرأي العام.

الرأي العام والفعل العام

تكمن أهمية الرأي العام في كونه قوة معبرة عن آراء الجماهير إما في العالم كله أو في منطقة بعينها أو في دولة ما أو لذوي ثقافة أو مهنة ما وكل ذلك تبعا لنوع القضية نفسها هل تصلح لأن تكون عالمية أو قطرية أو محلية أو فئوية كما أشرنا، وهو قوة لا يستهان بها لأنها تتحول من مجرد رأي مشتهر بين الناس إلى قوة مغيرة لا يقف أمامها شيء فيقوم الناس بالثورات أو يمهدون لقيام الحروب أو يضغطون على الحكومات أو يدلون بأصواتهم لصالح جهة أو فرد ما أو يفرضون واقعا يرونه أو يرفضون جهة ما أو نظام أو خطة ويضغطون من أجل استبداله كل ذلك من خلال تغير القناعات أو تشكل الاتجاهات المجتمعية وهو ما نطلق عليه الرأي العام.
والرأي العام هو الذي يبني الشهرة أو يهدمها ويؤازر هيئات الخدمة العامة ويضع القوانين ويلغيها؛ كما أنه هو الذي يرعى التقاليد الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية أو يتنكر لها وينفخ في الروح المعنوية أو يثبطها 5
لذا فالواجب على من يهتم بالعمل العام أن يعظم اهتمامه بالرأي العام؛ لأن معرفة اتجاهات الجماهير وكذا الوصول إلى الرأي العام وإلى التأثير فيه هو غايته الكبرى من عمله وعلاقته بالناس حيث هدفه بالأساس هو التأثير والتغيير؛ وهذا لا يتأتى إلا من خلال تأثر مجموع الناس به
فلن تقوم لدعوة قائمة ولن يمكن لها في أرض ولن ترى الطموحات متحققة في الواقع إلا من خلال تأثيرها في الرأي العام في تلك البقعة من الأرض، شريطة أن يفهم القائمون على ذلك الفكر هذا الموضوع – موضوع الرأي العام – من جوانبه المختلفة ويتمكنوا من تطبيقه فيما يمكن أن يطبق فيه كالمصالح الكبرى للمجتمع والمشاريع الفكرية الأساسية.
فسبيل التغيير في الأمور الكبرى يكون عبر تغير (الرأي العام) الذي يتحول بعد ذلك (لفعل عام) فالشعوب مثلا قد تضغط على الحكومات لتقوم بعمل ما أو لتمتنع عنه ..كما يمكنها أن تضغط لتغير السياسات أو لتحكم بالشريعة أو لتعلن الحروب أو لتتخذ رد فعل متناسق مع ما تراه الجماهير
ومع ذلك فقد يتكون الرأي العام في قضية شخصية أو محدودة عندما تكون قضية عادلة تمس اهتماما لدى المجتمع نظرا لما تمثله من معان ودلالات كبرى
فظلم وقع على فرد ما ..هو في الحقيقة يخالف ما استقر لدى الجماهير من وجوب العدل ..فلذا يمكن أن تتحول قضية شخصية لظلم وقع على فرد ما إلى قضية رأي عام حينما يمكن تمثلها على أنها مخالفة لما تراضى عليه الإجماع المجتمعي في تلك القضية 6 ..وهكذا تجد في النهاية أن أسماء الأفراد في مثل تلك القضايا لا تعني المجتمع كثيرا – إلا من باب إضفاء الواقعية على الحدث – بينما تقوم قائمة المجتمع لمقاومة ما ينال من قناعاته ، وهذا بالطبع يكون بحسب وعي الرأي العام وعدم وقوعه في فخ التضليل والمكر به عبر نشر معلومات مغلوطة أو ادعاءات كاذبة تصاغ بشكل متعمد فيحدث بذلك التضليل

كيف يتشكل الرأي العام؟

عندما يتفق قادة الرأي المؤثرين في المجتمع المستهدف لقضية الرأي (عالميا أو محليا أو فئويا ) على دعم فكرة ما أو استنكار عمل معين أو الدعوة لمشروع يلقى قبولا عاما ؛ ويخططون للتأثير على الناس بكافة السبل المتاحة لديهم مثل : المقابلات الشخصية والعامة – المقالات – المقابلات – الحوارات -البرامج – الدعاية – الخطابة – الدروس – الندوات – المحاضرات – النشرات
مع استخدام وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية لنشرها وتداولها ورد الشبهات حولها بحيث يتم تداول الموضوع والنقاش حوله مع الفئة المستهدفة ويلقى شهرة معقولة بين قطاع فاعل من الجمهور فإننا نقول أن ذلك نوع من تشكيل الرأي العام حول هذه المسألة
لأن الرأي العام يتشكل من تداول فكرة من قبل من نسميهم الجماعات المؤثرة أو قادة الرأي شريطة أن يكون هناك استعدادا لقبول الفكرة عند الجمهور بمعنى انها لا تخالف ما نشأوا عليه من ثقافة وأن هذه القضية تقع في دائرة اهتمامهم بصورة أو بأخرى وكلما كانت الفكرة المطروحة جديدة ولم يسبق التعرض لها من قبل كلما كان ذلك أيسر على جماعة المؤثرين في تشكيل الرأي العام
أما لو كان الرأي المطلوب ترويجه مخالفا لما استقر في أذهان الناس كلما كان ذلك أصعب محاولة للتغيير
ولقد استفادت فكرة الرأي العام بشكل كبير من الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي بإدراج قادة رأي جدد ومتفاعلين على مستوى منتشر وكبير ومتنوع مع سرعة تداول الأخبار من متابعين كثيرين وإن كان لتلك التجربة إشكالية كبرى في شيوع أخبار غير صحيحة وعدم التدقيق في النقول ولا تمحيص المعلومات واقوال
والإعلام الجديد والإلكتروني يذكر له أنه خفف من سيطرة الحكومات والجهات المتنفذة على تشكيل قضايا الرأي العام وأيضا زاد من همومها وحذرها تجاه هذا الانتشار ولذا يتم تشكيل جبهات أخرى حكومية موازية لمواجهة نفس فكرة الإعلام الشعبي في التواصل والإعلام الجديد لخلق توازن بينها وبين الجبهات الإلكترونية الشعبية والشخصية النامية في هذا المجال وهذا موضوع بحث مستقل في هذه القضية
إذن الرأي العام: فكرة أو قضية أو مشروع (أو حتى شبهة ) + يتبناها قادة رأي + تداول الفكرة بكل السبل المتاحة + استمرار التداول مع الفئة المستهدفة لفترة معقولة + دخول داعمين جدد من المتفاعلين والمتبنين للفكرة من النشطاء فيزداد الانتشار لها + الرد على الشبهات والأفكار المضادة = تشكل قضية رأي عام، وتحتاج تلك القضية لتفاعل على الأرض وحراك لتؤتي ثمارها ويستفاد منها.
فعندما تحدث حادثة مثل الاعتداء على أسرة مسالمة أو سرقة شخص فقير أو اكتشاف انحراف شخصية مشهورة ويتم تداول الموضوع بحيث يشتهر شهرة كبيرة بين الناس ويتولى قادة الرأي ( سياسيون ومفكرون وأكاديميون ودعاة مثلا ) تداوله من جوانبه المختلفة وفي وسائل اتصال مناسبة ؛ فإنها تصبح قضية رأي عام وهذا بالطبع ينطبق أكثر على القضايا التي تلقى اهتماما أكبر يفرضه أهمية الموضوع كالانتخابات والامتحانات الطلابية ونظم الدراسة والقبول في الجامعات والأجور للعمالة والموظفين وارتفاع أسعار السلع أو بعضها أو الصراعات الدولية والمحلية وما تفضي إليه ..
فالرأي العام هو محصلة الرأي الذي تكون للمجتمع من عدة آراء مطروحة وقد تكون تلك الآراء متوافقة أو متفرقة متصارعة.. لكن تم حسم المسألة لصالح أحد هذه الآراء، ونظرا لأن الرأي العام هو نتاج جمعي فهو يمثل الجماعة كلها عندما تكون معبأة للعمل فيما يتصل بالموضوع أو المشكلة. أي أن الرأي العام يتجه دائما نحو اتخاذ قرار وهذا القرار ليس بالضرورة أن يتسم بالإجماع عليه7
ونخلص مما سبق أن على من يخططون لتشكيل الرأي العام وصناعته مراعاة:

  1. الاجتماع على الدعوة للفكرة من قبل المؤثرين بالمكان إن كانت القضية ذات متغيرات يمكن استيعابها لديهم، أو يتم التخطيط من قبل خبراء بمضامير متنوعة مثل: الاجتماع والثقافة والدعاية وغيرهم إن كان الموضوع كبيرا ويحتاج لجهود متنوعة
  2. يكون هناك قبول عام وعدم ممانعة لدى الجمهور (في أكثرهم أو المؤثرين منهم) لقبول تلك الفكرة مع استخدام المؤثرات على الجمهور من الاستمالات العاطفية والإقناع العقلي والتخويف من النتائج السلبية – ويحتاج الأمر لجهود أكبر ولشخصيات ذات مصداقية عالية إن كان ما يريد تغييره مخالف لطبائع معتادة في المجتمع

ج- ويكون الموضوع يتميز بالأهمية في ذاته ويتم عرض الحقائق دون تهوين ولا تهويل وفي نفس الوقت الرد على الشبهات.
د- يشتهر الأمر ويتم تداوله ويحدث نقاش حوله بين أطراف المجتمع (محليا كان أو وطنيا أو فئويا) ويكون ذلك بتكراره بأوجه مختلفة ومتنوعة من سبل التعرض للرسائل

تضليل الرأي العام ومسؤولية الأطراف كلها عنه

يقول جوزيف جوبلز (وزير الدعاية النازي):
* أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعباً بلا وعي.
* كلما كبرت الكذبة كان تصديقها أسهل.
* الصحافة أعظم لوحة مفاتيح يمكن للحكومة أن تتحكم بها
* ليس المهم أن تكون دعايتك جيدة بل أن تحقق نجاحا
– جورج سوروس، مستثمر أمريكي:
*ردود فعل الجمهوربصفة عامة غير متوقعة، ولهذا يجب أن يكون لدى الفرد سيناريوهات مختلفة
– توم فيشبورن، خبير تسويق:
*أفضل التسويق هو الذي لا تشعر بأنه تسويق
– جو شيرنوف، نائب الرئيس لقسم التسويق لوكالة عالمية
*التسويق الجيد يجعل الشركة تبدو ذكية بينما التسويق الرائع يجعل المستهلك يشعر بأنه ذكي
-محمود السعدني، كاتب صحفي:
* لا تبحث عن محام يعرف القانون …بل عن محام يعرف القاضي
-جلال عامر – كاتب صحفي:
* لا تصدق العريس في فترة الخطوبة ولا المرشح في فترة الدعاية
– أحمد مطر – شاعر:
الفرد في بلادنا مواطن أو سلطان …ليس لدينا إنسان *
يقول مريد البرغوثي (كاتب): “هناك دائما روايتان لكل حدث: رواية صادقة …ورواية الحكومة”.
يقول سيد قطب (مفكر وأديب): “العبيد هم الذين يهربون من الحرية فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد آخر لأن لهم حاسة الذل لا بد لهم من إروائها …فإذا لم يستعبدهم أحد أحست نفوسهم بالظمأ إلى الاستعباد وتراموا على الأعتاب ينتظرون إشارة من أصبع السيد ليخروا له ساجدين”.

صناعة الرأي العام المضلل

من المشكلات الحقيقية أن دولا وجماعات متنفذة تتخذ من تضليل الرأي العام صنعة …تسخر لها الإمكانات الهائلة للدول وتجرد لها خبراء نفسين وإعلاميين ويفرغ لها منابر ويطلق لها جيوشا إلكترونية وتبدأ بإشاعة ثم يتم ترويجها والحوار حولها وكأنها حقيقة ويتم خلطها ببعض المعلومات الصادقة وتدفع لقادة رأي مضللين ويفسح لهم المنابر والأوقات والإمكانات ويتم التخديم على ذلك فهناك مفسر وهناك مروج وهناك ناقل الخ من أجل صناعة ذلك الرأي العام المضلل بدأ بادعاء مرض شخصيات مشهورة أو وفاتها أو تورطها ومرورا بتغييرات وزارية أو تغيرات أسعار أو نفاذ سلع أو قصور الاحتياطات النقدية أو انقسامات أو تصدعات وانتهاء بأزمات كبرى تلوح بالأفق ( اقتصادية عسكرية سياسية الخ )
ولقد اتخذت حكومات كثيرة تدابير تجاه ما يشاع ضدها بتخصيص مراصد للإشاعات تابعة لمراكز دعم القرار وقد تقوم بعض منظمات المجتمع المدني بأدوار مشابهة
وللدقة فإن نفس المرض قد يصيب الجهات المعارضة أو راغبي الشهرة ومروجي الأخبار وحطاب الليل ومتتبعي الفضائح في الإعلام الجديد وغيره
وهذه الصناعة تعتمد على الإشاعات وترويجها بشكل أساس سواء بإشاعات كاذبة من الأساس أو يكون أصلها حقيقي وتفصيلها مبالغ فيه أو كاذب وربما
ومشكلة هذا التدخل هو أن الرأي العام ومن ثم بناء الفكر الجمعي وترسيخ القواعد الاجتماعية والثقافية؛ يصاب بمقتل بعدما يفقد الجمهور الثقة في كل ما يقال له وكذا بأن يتم تبرير القوانين المجحفة والأفعال المشينة والأخطاء الكبرى والعوارات القانونية فتحل محل الرعاية الصحيحة للفكر والشفافية في الحكم وصحة الإجراءات وقانونية التصرفات ووضع الخلافات في حجمها الطبيعي
وقد يكون الحدث أو المعلومة مجرد اختراع كتبه كاذب ونقله مروّج وقع ضحية لحسن نواياه. بل وقد يقوم مروّج الإشاعة بوضع أسماء وشخصيات وهمية لتأكيد صحة الأخبار التي يذكرها، فيقتنع بها القارئ ليقوم بنشرها دون التثبت من وجود هذه الأسماء في كرتنا الأرضية. فالخبر الموثوق هو الذي يحوي مصدرا واضحا وصريحا يمكن الرجوع له، فتوضع الروابط للمصدر، أو سبل للتواصل، ووقتها من مسؤولية المفكرين وأصحاب الثقافة أن يتصلوا بالمصادر والهواتف أو يراجعوا الروابط للتأكد من صحة الخبر ومن قبل ترويجه والدعاية له إن كان في ذلك مصلحة عامة
وتبرر الدول والجماعات ذلك التدخل بأنها تواجه حروبا شرسة ولابد لها من استخدام كافة السبل لمكافحة ما يحاك ضدها. والغريب أن تخلط الحكومات بين مصلحة الدولة وبين الترويج للحكومة فيصير كل معارض للحكومة ومخالف لها مناوئا للدولة وربما عدوا لها. وبكل حال فهناك إشاعات ذات أهداف سياسية كالإشاعات الهجومية او الاتهامية التي تطلقها قوى سياسية معينة ضد قوى سياسية أخرى، وكالإشاعات الانصرافية والتي تطلقها الحكومات بهدف صرف أنظار الناس عن قرارات وأحداث معينه، تفترض أنها قد تلقى معارضه منهم، غير أنها في التحليل النهائي تأتي بنتيجة معاكسة، إذ هي بذلك تساهم في إيجاد بيئة مواتيه للإشاعات ومنها الإشاعات المضادة لهذه الحكومات.
وهناك إشاعات ذات أهداف اقتصاديه كالتأثير على أسعار مواد السوق لتحقيق مزيد من الأرباح، وهناك اشاعات ذات اهداف عسكرية، فالإشاعة من أخطر أساليب الحرب النفسية، وقد تستخدم بهدف رفع الروح المعنوية للجيش (الدعاية البيضاء)، وإضعاف الروح المعنوية للعدو (الدعاية السوداء) 8
ويقول الكاتب ياسين الحاج صالح متحدثا عن خبراته الشخصية ورصده-أثناء اعتقاله في سجون سورية-لهذا الموضوع من جوانبه المتعددة كمصدر الإشاعة وتلقيها لدى أجزاء من الجمهور: كلمة إشاعة تحيل إلى فاعل قام بنشر المعلومة غير الصحيحة أو “إشاعتها”، وإن يكن الفاعل غير معروف، فيما تبدو الشائعة ذاتية التولد، معلومة غير صحيحة تنتشر بجناحيها الخاصين في أوساط بعينها. لكن في واقع الأمر، الشائعات لا تتولد ذاتيا، وليس هناك شائعات لا يعمل على إشاعتها مُشيع ما لغرض ما. كل الشائعات إشاعات أصلا. وفي الوقت نفسه، لا تعيش الإشاعة حياتها الاجتماعية، أعني لا تروج في وسط اجتماعي، في بيئة شيوع أو في “مَشاعٍ” ما، إلا إذا انفصلت عن مشيعيها، وتعذرت نسبتها إلى مصدر بعينه. بهذا المعنى كل الإشاعات شائعات.
وهذا يثير سؤالا عن فاعل الإشاعة/ الشائعة: هل هو المُشيع الغامض الذي أطلقها؟ أم هو بيئات الشيوع التي تتداولها وتشيع في أوساطها؟ نميل إلى أنه بعد شيوع الإشاعة واستقلالها بحياة خاصة بها يتحول الفاعل من مشيعها الأول إلى بيئة الشيوع التي تضيف إليها وتعدل فيها وتحذف منها، بحيث تنفصل الإشاعة كثيرا في مضمونها وفي وظيفتها عن صيغتها الأولى.
وفي حالتنا كسجناء سياسيين في زمن سبق، من المحتمل أنه كان هناك مصدر ثالث للشائعات عن قرب خروجنا من السجن، غير نقص المعلومات وغير التضليل المتعمد، هو قنوط الأهالي وآمالهم، وقنط السجناء وآمالهم أيضا. يحول الناس أشواقهم إلى وقائع، أو يعبرون عنها بصورة تصلح للتعبير عن وقائع. إنهم هم فاعلو الشائعة، ليس بمعنى أنهم هم من أطلقوها، ولكن بمعنى أنهم يوظفون فيها عواطف وأحلاما، تساعدهم على تحمل العيش في أوضاع قاسية. لقد صارت ملكهم. في إحدى الزيارات بعد سنوات من اعتقالي، قال والدي: أيام السجن معدودات! وهذا قول مأثور، فحواه أن زمن السجن مهما طال يبقى متناهيا. نقلت لرفاقي ما قال والدي، فبدا أشبه بمعلومة، وصِرت أسأل عن مصدرها! الحاجة إلى الأمل تنتج معلومات مواتية وعالم أقل إحباطا.
ويضيف: وكان من مألوف الإيديولوجية البعثية السورية أن تحول “تحليلاتها الموضوعية” إلى وقائع فعلية. فإذا كنتَ “معاديا للوطن” ومنخرطا في “المؤامرات الخارجية” عليه، يستوي أن تكون لديك فعلا “عصابات مسلحة” أو لا تكون، أن تقيم فعلا في السفارة الأميركية أو لا تقيم؟ المهم هو “الشراكة الموضوعية” وخدمة الهدف نفسه. فإذا كنا شركاء، فلماذا لا تكون “العصابات المسلحة” عصاباتي فعلا؟ ولم لا أكون مقيما في “السفارة الأميركية”؟
وما أهمية الوقائع الفعلية، إن كان المخطط العام معروفا؟ المقصد العميق المنبث في الأحداث والوقائع؟ من شأن الإلحاح على الوقائع الفعلية أن تشوش وضوح المخطط، “المؤامرة”، التي هي الواقع الحقيقي. هنا تكون الشائعة هي الواقع الأصح من الوقائع القابلة للمعاينة…) 9
إذن لا بد أن يتعلم المجتمع كيف يميز الأخبار والمعلومات التي تصل إليه ويدرك أهمية التعرف على مصدرها وفهمها بوعي وتمحيص لها بعد ذلك لئلا يقع فريسة لتلك الشبهات ويكون مروجا لها دون أن يدري

الحكم الشرعي في التعامل مع الرأي العام

عبر تاريخ الرسل الكرام والصالحين من عباد الله تعالى توفرت الرغبة في التأثير بخير في الرأي العام والعمل على توعيته، ومثال ذلك حرص موسى عليه السلام على أن ينقل معركته من دائرة الحديث إلى فرعون ونخبته إلى الرأي العام فجعل مواجهته مع السحرة أمام الناس وحرص على ذلك بقوله: موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى) سورة طه 59. وبذا انتشرت الدعوة رغما عن فرعون ونخبته وصولا إلى الجمهور الذي هو أساس الاستهداف. بل إن خطاب الرسل لأقوامهم بأداة النداء: “يا قوم” يعد دليلا على أنهم يخاطبونهم في حال تجمعهم وهو ما عبر عنه نوح عليه السلام بقوله: دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا …إلى قوله ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا) سورة نوح ( 5-9)
والإعلان والدعوة جهارا هنا للجمع كما هو واضح، ومثل هذا قله في مؤمن آل فرعون ومؤمن سورة يس في حرصهم على التأثير في النخب وفي العامة وتوصيلهم الرسالة واضحة خالية من الشبهات أو التضليل، وانتهاء إلى حرص رسولنا صلى الله عليه وسلم على تبليغ الدعوة إلى الله تعالى في التجمعات والمواسم وتوصيلها إلى كل البشر من خلال التأثير في النخب أو الوصول المباشر للجماهير أيضا وباستخدام كافة الأساليب من خطابة وشعر ومراسلات ووعظ؛ ومن ثم كانت مراسلاته للملوك والحكام في عهده وتذكيرهم بمسؤوليتهم عن أقوامهم. أضف لذلك حرصه على: ” لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه و” لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لفعلت كذا.. “
ويتم ترسيخ وصناعة الرأي العام باستمرار توضيح الدعوة وتبليغها بكل السبل مع المزاوجة بين الدعوة كلاما والدعوة تطبيقا ونشر ذلك ليكون البلاغ على بصيرة ويشهدهم على ذلك: ” ألا هل بلغت “؟
ووصيته لأصحابه في الدعوة تدل على مراعاته للرأي العام وللتدرج ليلقى قبولا عاما وبترسيخ مفاهيم الإسلام بأفضل السبل كقوله لمعاذ رضي الله عنه: إنك تأتي أقواما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه كذا وكذا ” … بل في الحروب يوصيهم بمحاسن الأخلاق وصدق العهد وألا يقتلوا من لا يقاتلهم وأن يتجنبوا مواجهة العباد في صوامعهم أو الناس في بيوتهم أو الشيوخ والنساء والأطفال وأن يحافظوا على البيئة فلا يقطعوا شجرا ولا يهدموا بناء. وحتى في الأحوال العادية والمعاملات الاجتماعية كان حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على التعامل مع الرأي العام ونصح صحابيا – بعد أن أمره بالصبر ثلاثا – أن يفترش بمتاعه الطريق لما آذاه جاره وتكرر ذلك منه وهذا نقل للموضوع إلى الرأي العام وهو ما تسبب في ردعه 10
ولذلك فقد عظمت مسؤولية من يتعامل مع الرأي العام في أدلة كثيرة منها في القرآن الكريم قوله تعالى: ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ) النحل 94
وقوله تعالى: ( ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ) النحل 95
وفي الآيات تحذير من التسبب بتشويه الرأي العام للناس بسوء التصرف وبخلف الوعود أو الحلف بالكذب فتزل الأقدام وتتزلزل النفوس. كما أن الأدلة الشرعية بالأمر بالتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان وبتحريم الغش وأن “من غشنا فليس منا”، كلها تصلح أدلة على وجوب توعية الرأي العام وحرمه التدليس عليه أو تضليله.
وتتوالى التوجيهات الشرعية بوجوب ترك الظنون أو الإساءة لآخرين فأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا». قال الخطابي وغيره: “ليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبا، بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به وكذا ما يقع في القلب بغير دليل
كما يندرج ترويج الإشاعات تحت النهي عن (قيل وقال)، فأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»، ويدخل في (قيل وقال): الخوض في أخبار الناس وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم فضلا عن الترويج للأكاذيب والأضاليل وما يثير الفتن .
وعلاجها إذا وصلت إلى الإنسان هو التحقق والتثبت وعدم المسارعة فيها، ثم بعد التثبت منها عليه أن يرجع في شأنها إلى أولي الأمر والعلم والخبرة، لا المساعدة على ترويجها
خلاصة الأمر أننا في معركة حقيقية بين صناعة الرأي العام للتوعية بذكر الحقائق أو بتشويهها بالتلبيس والكذب، ولا بد للمتعرض للرسائل الإعلامية والاستطلاعية أن يكون له الملكة لفرز الغث من السمين، وأن يتمتع بالتفكير الناقد وأن يتتبع مصداقية الجهات التي تبث له ويفرز مصادرها وانتماءاتها (11 ).


الهامش

1 – في الموسوعة الدولية لعلوم الاجتماع تقول: لا يوجد تعريف عام متفق عليه للرأي العام ومع ذلك يزداد استخدام هذا التعبير

2 – انظر الموسوعة الإعلامية – د. محمد منير حجاب – مرجع سابق – ج 3 ص 1264

3 – الرأي العام وقياسه – د جمال مجاهد – دار المعرفة الجامعية – ط 2010 ص 14

4 – الموسوعة الإعلامية – د. محمد منير حجاب – مرجع سابق ج 2 ص 810

5 – الموسوعة الإعلامية – د. محمد منير حجاب- -دار الفجر ج 3 ص 1262

6 – لعل مثال ذلك ما حدث عندما انتحر الشاب محمد البوعزيزي حارقا نفسه جراء يأسه من الحصول على حقه بتونس أواخر عام 2010 م وتحرك بعدها الجماهير تعاطفا معه لأنه مس لديهم وترا حساسا لمقاومة الظلم ( وهذا تم بصورة أخرى بسبب مقتل الشابين خالد سعيد وسيد بلال في مصر )

7 – قراءات في علوم الاتصال بالجماهير – د محمود هيبة – مرجع سابق ص 127

8 https://drsabrikhalil.wordpress.com / د صبري محمد خليل خيري

9 – https://lb.boell.org/ar/2014/11/25/jnb-mn-syr-lsht-lsysy-fy-swry

10 – رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو داوود والبيهقي وقال عنه الألباني حسن صحيح

11 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى