fbpx
تقديرات

لبنان: أبعاد التنافس السعودي – الإيراني

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة:

من أهم صور التنافس الإقليمي التي يمكن أن تُحدد المشهد الإستراتيجي للشرق الأوسط ذلك التنافس بين إيران والسعودية. ورغم أن هذا التنافس قديم، لكنه يكتسب أهمية خاصة الآن، ومن أبرز ساحاته في هذه المرحلة تأتي الساحة اللبنانية، فالعلاقات السياسية التي صمدت لعقود بين السعودية ولبنان، تبدو الآن في خطر، بعد أن أعلنت السعودية قطع الدعم المالي عن لبنان، ومنع مواطنيها من السفر إليه، واتخذت بعض الدول الخليجية موقفا مشابها له.

أولاً: قطع الدعم السعودي ـ الدوافع والتفسيرات:

إذا كان من الممكن التنبؤ بسياسات السعودية في زمن “الجيل الأول”، من حكم أسرة آل سعود، فإن هكذا مهمة باتت صعبة للغاية مع “الجيل الثاني”. بسبب وجود صورة ضبابية تجعل من الصعب إيجاد تفسير مقنع للقرار السعودي بإيقاف الدعم عن لبنان؛ إلا أنه يمكن الوقوف على بعض الدوافع:

1ـ دوافع نابعة من الجانب اللبناني، وفي إطارها تعددت التفسيرات، ومن ذلك:

(أ) دفع الحريري في أن يعيد توحيد صفوف تياره وجمهوره وإعادة بناء “قوى 14 آذار”، استعدادا للاستحقاقات المقبلة، وأولها الانتخابات البلدية والاختيارية، في مايو 2016.

(ب) رفض قيادة الجيش اللبناني طلبا سعوديا بألا تقتصر إجراءاته الحدودية على المجموعات السنية، بل أن تشمل “حزب الله” لشل قدراته الحركية على طول الحدود الشرقية؛ وكذلك رفض الجيش اللبناني السماح لقوات التحالف الإسلامي استخدام مطار القليعات العسكري في الشمال اللبناني1.

(ج) قرار محكمة التمييز العسكرية بالإفراج عن ميشال سماحة؛ بعد أن وجهت له اتهامات بنقل متفجرات إلى لبنان قادمة من النظام السوري2.

(د) رفض بيروت إدانة الهجوم على البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران في ديسمبر2015م.

(هـ) فشل محاولات إطلاق سراح الأمير السعودي، عبد المحسن بن الوليد، الذي أُلقي القبض عليه في محاولة لتهريب المخدرات من لبنان؛ ويعتقد أن السلطات السعودية تحاول ممارسة الضغط على الحكومة اللبنانية لإجبار حزب الله، الموالي لإيران الذي يحاول ابتزاز المملكة في مقابل الإفراج عن الأمير، أن يتعامل بشكل أكثر مرونة.

(و) القول بازدياد عدد الضباط الشيعة في الجيش اللبناني بصورة كبيرة ليصل إلى 26.8% من إجمالي عدد قواته؛ بعد أن كان لا يتجاوز 15% في السابق. إضافة لحصول الشيعة على مناصب حساسة في الجيش اللبناني (مثال: الضابط الشيعي جميل السيد تم تعيينه نائباً لمدير المخابرات، منصب المدير يشغله دائماً ضابط ماروني) (3).

(ز) امتناع لبنان عن التصويت إلى جانب قرار وزراء الخارجية العرب، الذي طالب إيران بـ “وقف دعم الميليشيات والأحزاب المسلحة داخل الدول العربية.4

2ـ دوافع نابعة من البيئة الإقليمية:

تعيش العلاقات الإيرانية السعودية حقبة ربما تكون الأشد تصادمية منذ عقود، وتُنذر الأوضاع الإقليمية والدولية بخروج الأمور عن إطارها السابق بإشعال حروب بالوكالة للفوز بالزعامة الإقليمية. لذا نجد هنا دوافع إقليمية تقف خلف القرار السعودي في قطع الدعم المالي للبنان أهمها: رغبة السعودية في الحصول على موطئ قدم لها في لبنان، ليكون شوكة في خاصرة النظام السوري بعد أن حققت روسيا وإيران إنجازات كبيرة بجانب قوات بشار الأسد (5)، لكنها بهذا التصرف يمكن أن تكون النتائج عكسية بحيث تخرج من لبنان وتتركه ساحة للفاعل الإيراني.

3ـ دوافع نابعة من البيئة الدولية:

إذا كان الروس والأميركيون يتسابقون إلى ترجمة سياسية وميدانية لخطتهما السورية المشتركة، قبل أن يبدأ العد العكسي للانتخابات الرئاسية الأميركية في مطلع الصيف المقبل، فإن السعوديين يحاولون عرقلة هذا المسار، حتى تدخل الأزمة السورية ومعها ملفات المنطقة والعلاقة الأميركية  الإيرانية، في آتون العملية الانتخابية وصولا إلى الانتخابات نفسها في نوفمبر المقبل، بحيث تنتقل الملفات الإقليمية والدولية تلقائيا إلى الإدارة الأميركية الجديدة؛ ومنها الموقف الأمريكي الرافض للطرح السعودي والتركي حول خيار فتح جبهة الشمال اللبناني6.

ثانياً: دلالات التوقيت:

يثير توقيت الإعلان السعودي عن قطع العلاقات ووقف الدعم المالي للبنان العديد من الدلالات، من بينها:

1ـ إحساس القيادة السعودية بالهزيمة في سوريا؛ بعد النجاح الذي حققته إيران في ذات الملف على حساب السعودية؛ بما جعلها تفكر في تشكيل ضغط شعبي على حليف إيران في لبنان “حزب الله” انطلاقا من وجود حزب مسلح خارج إرادة الشعب اللبناني ويتحكم بالسلطة والقرار اللبناني.

2ـ خشية السعودية من أزمة اقتصادية مستقبلية؛ لذا تحاول ترشيد نفقاتها؛ بعد خسائرها الاقتصادية التي تكبدتها في اليمن وسوريا.

3ـ حالة التخبط التي يعاني منها النظام السعودي، بعد ان بدأ يحرك سياسته الخارجية انطلاقا من ملفات تتعلق بالأسرة المالكة؛ بعد فشل المفاوضات لإطلاق سراح الأمير السعودي، ليتخذ موقفا ضد لبنان.

ثالثاً: الانعكاسات الاقتصادية على لبنان

من شأن القرارات السعودية ثم الخليجية الموالية لها، إذا تصاعدت بشكل أكبر، أن تؤدي لانهيار القطاع النقدي اللبناني في غضون أشهر؛ وذلك يرجع للآسباب الآتية:

1ـ الودائع المصرفية في لبنان تُقدر بحوالي 150 مليار دولار، منها 25 مليار دولار للبنانيين المغتربين في دول الخليج. بمعني أن اللبنانيين العاملين في الخليج في حال ترحيلهم سيؤدي ذلك إلى انخفاض الودائع المصرفية اللبنانية بعد أشهر بمقدار كبير.

2ـ نسبة تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج حوالي 8.7 مليارات دولار سنوياً، 55% منها قادمة من دول الخليج (حوالي 70 % من السعودية) أي ما يقارب 4.7 مليارات دولار، علما بأن عدد العاملين في دول الخليج يقارب 750 ألف لبناني معظمهم في السعودية.

3ـ تعد دول الخليج السوق الأول للصادرات اللبنانية خاصة السعودية، التي تستورد نحو 75% من صادرات لبنان الزراعية؛ وكذلك 53% من الصادرات الصناعية7.

4ـ تبلغ قيمة العقارات السعودية في لبنان 6 مليارات دولار وهذا في حد ذاته كفيل في أن يؤثر سلباً علي سوق العقارات اللبنانية.

رابعاً: ردود الأفعال:

مع تطور الأحداث تصاعدت الأزمة نحو مزيد من التدهور الذي من شأنه أن يُدخل لبنان في نفق المواجهة السعودية – الإيرانية، وتجاوزت الأزمة حدود  لبنان، بعد أن وجهت دوائر الأمم المتحدة العاملة في لبنان كتابا إلى الأمين العام للمنظمة الدولية “بان كي مون” تعرب فيه عن قلقها من تداعيات إجراءات إضافية يمكن أن تتخذها دول الخليج تجاه الرعايا اللبنانيين الذين يقيمون ويعملون على أراضيها، مما يساهم في التأثير سلباً على الوضع الاقتصادي المتدهور أصلاً، ويدفع إلى احتمال قيام فوضى تنعكس على الوضعين الأمني والاجتماعي.

في المقابل، شنت كتلة “المستقبل” أعنف هجوم على “حزب الله”. وقد رأت الكتلة “إن الدور المتمادي لحزب الله في استتباع إدارات ومؤسسات الدولة والسيطرة على قرارها وتخريب علاقات لبنان الخارجية عموماً وعلاقاته العربية خصوصاً، وأنه أصبح يشكل خطراً حقيقياً على حرية لبنان وسيادته، وعلى مصالح اللبنانيين في الداخل والخارج8.

أما حزب الله فقد رد على القرار السعودي بوقف هبة تسليح الجيش اللبناني، بالقول إنّ هذا القرار “لم يفاجئ أحداً على الإطلاق في لبنان”. وأضاف: “إن المسؤولين المعنيين في الحكومة والوزرات المختصة والمؤسسة العسكرية وإدارات القوى الأمنية كانوا على إطلاع تام بأن هذا القرار قد اتخذ منذ فترة طويلة “9.

أما الموقف الإيراني فقد جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، حسين جابري انصاري فقد تمثل بإعلانها الجاهزية التامة من أجل مساعدة بيروت عسكريا إذا طلبت منا ذلك10.

خامساً: مسارات الأزمة:

في إطار الاعتبارات السابقة يمكن القول إننا أمام عدة سيناريوهات حول مسار هذه الأزمة وتطوراتها:

السيناريو الأول: عودة العلاقات السعودية اللبنانية:

ويقوم على أن العلاقات ستشهد تحسناً في العلاقات السعودية اللبنانية؛ وذلك بعد قيام الحكومة اللبنانية ببعض الخطوات التي قد ترضي السعودية ومن ذلك قيام رئيس الوزراء اللبناني بزيارة للمملكة وقيام حزب الله بإطلاق سراح الأمير السعودي المعتقل، بما يحافظ على صورة السعودية جزئيا في الساحة الإقليمية بعد اهتزازها في اليمن سوريا.

ويرجع توقع هذا السيناريو لثلاث أسباب: الأول ؛ خشية الحكومة والأحزاب اللبنانية من دخول لبنان نفق مظلم قد تصل فيها الأمور إلى حرب أهلية، والثاني، هو عدم رغبة السعوديين في فقدان دولة إقليمية جديدة لصالح غريمتها التقليدية إيران، والثالث، حرص الولايات المتحدة الأمريكية على استقرار لبنان، والذي تأكد عندما طلبت الولايات المتحدة مؤخراً من السعودية باحترام الاتفاقات الموقعة بين اللبنانيين والشركات الأميركية، وبالتالي دفع 462 مليون دولار ثمناً لصفقة ست طائرات «سوبر توكانو»، وقع عليها لبنان مع أربع شركات أميركية، ومع شركتين بريطانية وبرازيلية.11

السيناريو الثاني: قيام إيران بسد الفراغ السعودي في لبنان:

ويقوم هذا السيناريو على قيام إيران بتقديم الدعم الاقتصادي اللازم للبنان، وبالتالي زيادة تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة الإقليمية عبر البوابة اللبنانية، إلا أن هذا السيناريو قد لا يعد محفزاً للسلطات الإيرانية لسببين: الأول؛ أن إيران لديها في لبنان اليد الطويلة “حزب الله “؛ وقيام إيران بسد الفراغ السعودي ستكون تكاليفه أكثر من المنفعة المتوقعة. أما الثاني؛ فهو حرص إيران على عدم إستنزافها مالياً خصوصاً إذا قامت السعودية بخطوات مشابهة في مصر، أو تأزمت الأوضاع في اليمن؛ وفشل الهدنة السورية بحيث تجد إيران نفسها أمام إستنزاف إقتصادي مدمر.

السيناريو الثالث: قيام حرب أهلية في لبنان:

ويقوم هذا السيناريو على إمكانية وقوع بعض الاشتباكات المتفرقة في لبنان، تتطور فيما بعد إلى حرب أهلية مدمرة على خلفية أزمة منصب الرئاسة في لبنان الذي ما زال عالقا. وإيقاف السعودية لدعمها الإقتصادي للبنان، على أن تخوض الأحزاب اللبنانية الحرب الأهلية بالوكالة عن السعودية وإيران؛ ومن المتوقع أن يشهد هذا السيناريو تأييداً لدي كلا الطرفين السعودي والإيراني، فالسعوديون يرغبون في تكبيد حزب الله خسائر فادحة تبعده عن الساحة السورية، وكذلك إيران تتمني أن ينتصر حليفها حزب الله ويحكم قبضته على لبنان دون أن تكون مجبرة على تقديم أي دعم للبنان. إلا أنه في حال حدوث هذا السيناريو فإنه من المتوقع أن تكون إسرائيل حريصة على استمرار القتال في لبنان لأطول فترة ممكنة، تستطيع من خلالها التخلص من عدوها حزب الله.

خاتمة:

تشهد العلاقات بين السعودية وإيران درجات عالية من التوتر. فمنذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بعد التطورات الأخيرة التي أعقبت إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، إلى خلافاتهم حول المسالة العراقية، وصولا لحروب بالوكالة في كل من اليمن وسوريا. وتشير تطورات الأزمات لوجود شبه انتصار إيراني، مما يعكس حالة الاضطراب التي تعاني منها السياسة الخارجية للمملكة، فالسعودية تخسر الكثير من أوراقها في المنطقة، فمصر وليبيا يغيب عنهم الاستقرار، واليمن وسوريا تسير الأمور لصالح إيران؛ وأخيراً الموقف السعودي الأخير بوقف الدعم المالي للبنان والذي سيترك مساحة أخري لصالح إيران؛ لذا من المتوقع وفي ظل الأزمة التي تعاني منها المملكة أن تتخذ مواقف أكثر تشدداً على الساحة الإقليمية قد تجر لبنان لحرب أهلية، إضافة لمزيد من التورط في سوريا.

——————————–

الهامش

(1) السفير اللبنانية، السعودية لا تحصل على «ضمانات» الجيش. فتحجب السلاح؟، تاريخ الزيارة، 24-2-2016،الرابط

(2) العربية، نصّ المحضر الرسمي لاعترافات ميشال سماحة، تاريخ الزيارة 24-2-2016، الرابط.

(3) نائلة موسي، الولاءات وتشكيل الجماعات في سلك الضباط اللبنانيين، مركز كارنجي الشرق الأوسط، تاريخ الزيارة 24-2-2016، الرابط.

(4) السبيل، السياسة اللبنانية تراوح بين الخلافات السعودية الإيرانية، تاريخ الزيارة 1-3-2016، الرابط.

(5) سامر إلياس، إيران والسعودية. تنافس على الزعامة وحروب بالوكالة فماذا بعد؟، موقع روسيا اليوم، تاريخ الزيارة 24-2-2016، الرابط.

(6) السعودية لا تحصل على «ضمانات» الجيش. فتحجب السلاح؟، السفير اللبنانية، تاريخ الزيارة 24-2-2016، الرابط.

(7) السفير اللبنانية، السعودية لا تحصل على ضمانات الجيش فتحجب السلاح؟، تاريخ الزيارة 24-2-2016، الرابط.

(8) النهار، تاريخ الزيارة 24-2-2016 ، الرابط .

(9) النهار، تاريخ الزيارة 24-2-2016، الرابط.

(10) CNN العربية ، تاريخ الزيارة 24-2-2016 ، الرابط.

(11) أمر أميركي للسعودية: الطائرات للبنان. بأموالكم، صحيفة الديار اللبنانية تاريخ الزيارة 1-3-2016، الرابط.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close