لوموند – مصر تتعرض لانتكاسة جديدة في مواجهة أزمة مياه النيل
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
نشرت صحيفة لوموند الفرنسية في 21 أكتوبر 2024 مقالاً بعنوان: “مصر تعاني من انتكاسة جديدة في مواجهتها حول النيل” للصحفي “نوي هوشيت بودين”، مراسل صحيفة لوموند في شرق إفريقيا.
يقول بودين إنه بينما لا تزال تعاني مصر في مساعيها لمعالجة الآثار السلبية المتوقعة لبناء إثيوبيا لسد النهضة دون التوصل إلى اتفاق مع دول المصب يضمن حقوقها المائية، دخلت اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ بعد أن صادقت عليها ست من دول المنبع، مما يضعف كثيراً موقف مصر التي ترى في أزمة مياه النيل قضية وطنية مهددة لوجودها.
وقد جاء المقال على النحو التالي:
يُؤدي دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ بعد أن صادقت عليها ست من دول المنبع، عقب بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD)، إلى إضعاف موقف القاهرة، التي تعتبر مياه نهر النيل قضية وطنية “وجودية”.
معركة طويلة الأمد
لقد استغرق الأمر أربعة عشر عاماً من أجل التصديق على اتفاقية عنتيبي التي تُعرف أيضا بـ “الإطار التعاوني لحوض نهر النيل”. وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في بيان له إن دخول هذه المعاهدة حيز التنفيذ يوم الأحد 13 أكتوبر 2024 “يمثل تتويجاً لرحلة طويلة من أجل الاستخدام العادل لمياه النيل”. وفي حين أكد أحمد على أهمية “التعاون الحقيقي” على المستوى الإقليمي لإدارة مياه النهر، فإن الزعيم الإثيوبي كان يحتفي قبل كل شيء بنجاح رمزي في المواجهة التي وضعت بلاده ضد مصر لقرابة عقدين من الزمان بشأن مياه النيل.
ويقول موريثي موتيجا، مدير أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية (ICG): “يُعد هذا انتصاراً دبلوماسياً لإثيوبيا”. حيث يمثل هذا الأمر تحقيق هدف كانت تسعى إليه أديس أبابا منذ أكثر من عشر سنوات، ويبعث برسالة مفادها أن البلدان الواقعة عند منابع النيل لها نفس الحق في تنمية مواردها المائية مثل مصر. “وبالتالي، فإن اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل التي صادقت عليها إثيوبيا، وكذلك أوغندا ورواندا وتنزانيا وبوروندي وجنوب السودان، تهدف إلى “تصحيح الاختلالات التاريخية” حول سبل الوصول إلى مياه النيل. حيث تسمح الاتفاقية للدول الست الموقعة بإنشاء لجنة للإدارة التعاونية للمياه وحل النزاعات التي قد تنشأ. وبعيداً عن هذا الجانب الإداري، فإن الاتفاقية تسمح لتلك الدول بتحرير نفسها من إشراف القاهرة على شؤون النيل.
لا تسوية
وكما كان متوقعاً، فقد غاب عن المعاهدة طرفان رئيسيان، هما السودان ومصر، اللذان أعربا عن رفضهما للتصديق عليها. بل إن مصر رفضتها بشكل قاطع. حيث أعلن وزير الري المصري هاني سويلم أن “مصر لن تقبل بأي تنازلات”. وتعتبر مصر، التي تعتمد على النيل في 97% من احتياجاتها المائية وتعاني من ضغوط مائية دائمة، النهر قضية وطنية “وجودية”. وتواصل القاهرة الاستناد إلى حقها التاريخي في النيل بموجب معاهدتين تعودان إلى عامي 1929 و1959، وتمنحها (بحانب السودان) السيطرة على 87% من إجمالي تدفقه وحق النقض على أي مشروع قد يتم إنشاؤه في دول المنبع.
لكن هذا الوضع الراهن أخذ يتحطم تدريجيا تحت زخم ما تقوم به دولة إثيوبيا، التي بنت بين عامي 2011 و2024 سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD)، أكبر منشأة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا (بعرض 1.8 كيلومتراً وارتفاع 145 متراً)، والذي من المفترض أن ينتج 5,000 ميجاوات من الكهرباء. وهو مشروع ضخم لم تطلب أديس أبابا قط من مصر الموافقة عليه، مما أثار حرباً كلامية عنيفة بين البلدين.
وفي شهر مارس من عام 2021، توعد الزعيم المصري عبد الفتاح السيسي بالدخول في حالة من “عدم استقرار لا يمكن تصوره في المنطقة” إذا “لمست تلك الدول قطرة واحدة من المياه المصرية”، وذلك بينما كانت إثيوبيا تنهي المرحلة الثانية من ملء خزان سد النهضة. وفي ذلك الوقت، أثار التصعيد بين البلدين خطر الدخول في صراع مفتوح. ولسوء حظ القاهرة الشديد، فقد أصبح خزان السد، الذي يتسع لـ 74 مليار متر مكعب من المياه، ممتلئاً بالكامل الآن. والأسوأ من ذلك أنه لم يتم توقيع أي اتفاقية لتقاسم المياه، مما تسبب في فقدان القاهرة سيطرتها على تدفق النهر.
إهانة دبلوماسية للسيسي
وتقول آنا إليسا كاسكاو، الباحثة المتخصصة في شؤون النيل: “تمثل اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل كارثة ثانية لمصر”. فمن الناحية الفنية، ليس لهذا أي تأثير على الموارد المائية المصرية، تماماً كما لا يؤثر سد النهضة على تدفق النهر في مصر. ولكن من الناحية الرمزية، فإنها رسالة قوية للغاية. حيث يجب على القاهرة، التي تجعل من النيل قضية حيوية، أن تشرح الآن هذا الفشل للشعب المصري. “وبالإضافة إلى ذلك، تواجه السلطات المصرية في الوقت نفسه أزمة أخرى في البحر الأحمر. فقد أدى انخفاض حركة الملاحة البحرية بسبب هجمات الحوثيين في اليمن إلى انخفاض عائدات قناة السويس بنسبة 60% منذ شهر يناير من هذا العام.
خصومة
يلقي النيل بظلاله على كل شيء في مصر، بما في ذلك التوجهات الدبلوماسية. ومن هذا المنطلق، تعمل القاهرة على تكثيف حضورها في منطقة القرن الأفريقي للضغط على أديس أبابا. ففي شهر أغسطس 2024، وقّعت السلطات المصرية اتفاقاً عسكرياً مع الصومال وسلمت بموجبه أسلحة لها، في الوقت الذي دخلت فيه مقديشو في خصومة مع إثيوبيا بشأن صفقة بحرية (مع إقليم أرض الصومال الانفصالي) تنتهك سيادة الأراضي الصومالية. وفي العاشر من شهر أكتوبر، سافر السيسي إلى إريتريا – التي تربطها أيضا علاقات فاترة مع إثيوبيا المجاورة ــ برفقة الرئيس الصومالي، لتشكيل تحالف إقليمي جديد.
ويقول موسى أوكيلو، الباحث في معهد الدراسات الأمنية (ISS) ومقره أديس أبابا: “إن الصراع بين إثيوبيا ومصر وإريتريا والصومال اليوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمخاوف تتعلق بشأن السيادة الوطنية، والنزاعات الحدودية حول المياه، والقضايا البحرية حول البحر الأحمر … كما يتجاوز الجدل حول النيل الرؤى المتباينة حول سبل استغلال النهر. إن التشابك بين المصالح الوطنية وسباق التسلح بين دول القرن الأفريقي يهدد الاستقرار الهش بالفعل في المنطقة. وقد تتفاقم تلك التوترات بسبب احتمال بناء سد إثيوبي ثان على النيل.
وتقول آنا إليسا كاسكاو: “تخشى السلطات في القاهرة بناء سد ثان على النيل الأزرق، في إثيوبيا، في ماندايا”. وهو المشروع الذي قد يفلت مرة أخرى من القاهرة جراء حسن النية التي تبديها السلطات المصرية، والتي تشهد تراجعاً مستمراً فيما يخص شؤون النيل.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.