
ما وراء الحرب السرية للولايات المتحدة في إفريقيا
نشرت صحيفة بوليتيكو – وهي صحيفة أمريكية سياسية يومية تصدر من واشنطن، تقريراً هاماً بعنوان: “ما وراء الحرب السرية للولايات المتحدة الأمريكية في إفريقيا”، أعده ويسلي مورجان، مراسل الشؤون العسكرية في الصحيفة. ويشير التقرير إلى أنه بالإضافة إلى الدور المؤثر الذي تلعبه الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في إفريقيا، تقوم القوات الخاصة الأمريكية بالتخطيط والمشاركة في الغارات القتالية في العديد من الدول الإفريقية مثل الصومال وكينيا وتونس والنيجر وفقا لمجموعة من البرامج السرية على الرغم من التصريحات العديدة التي يطلقها العسكريون الأمريكيون من حين لآخر بأن “الدور الأمريكى في إفريقيا يقتصر على تقديم النصح والمساعدة للجيوش الأخرى” فقط. وتسمح اتفاقيات التعاون بين الولايات المتحدة والحكومات الإفريقية للقوات الخاصة الأمريكية بمطاردة الإرهابيين والمتشددين “من أجل حماية المواطنين الأمريكيين والسفارات”.
ولكن الجيش الأمريكي يعتمد على شركاء محليين للقيام بعمليات عسكرية ضد “الإرهابيين” في دول إفريقية لتجنب وقوع خسائر على غرار تلك التى تكبدتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة التطرف والإرهاب في إفريقيا، إلا أن الهجمات الإرهابية لا تزال مستمرة في القارة السمراء. وتدير القوات الخاصة الأمريكية حوالي 21 برنامجاً عسكرياً سرياً حول العالم. وفي حديثه للكونجرس الأمريكي (يونيو 2018)، قال “أوين ويست” نائب مساعد وزير الدفاع الذي يشرف على مهام الكوماندوز: “نحن نحتاج إلى استمرار تلك البرامج إن لم نستطع زيادتها.”
وقد قام المعهد المصري للدراسات بترجمة التقرير كاملاً، وذلك على النحو التالي:
على الرغم من نفي البنتاجون لذلك بشدة، فإن البرامج السرية للقوات الأمريكية تسمح لها بالقيام بمهام قتالية في الصومال وكينيا والنيجر ودول أفريقية أخرى. وتلعب فرق العمليات الخاصة الأمريكية بشكل أكبر دوراً مباشراً في العمليات العسكرية ضد الإرهابيين المحتملين في إفريقيا، وهذا ما لا يعترف به البنتاجون علناً، من خلال التخطيط والمشاركة في المهام القتالية التي تقوم بها القوات الأفريقية في العديد من الدول بما فيها الصومال وكينيا وتونس والنيجر في إطار مجموعة من البرامج السرية.
وقد دأب المتحدثون العسكريون الأمريكيون في تصريحاتهم العلنية من حين لآخر على التأكيد بأن الدور الأمريكي في أفريقيا يقتصر على “تقديم النصح والمساعدة” للجيوش الأخرى. ولكن على مدى خمس سنوات على الأقل، قامت قوات “القبعات الخضراء”، وهي من أفضل الوحدات الخاصة الأمريكية، وقوات الـ “سيلز”، وهي القوات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية، وغيرها من قوات الكوماندوز التي تعمل بموجب صلاحيات غير معلنة، قامت بالتخطيط والتحكم الكامل بمهام عسكرية نفذتها قوات أفريقية شريكة لها، مما يجعلها مسئولة مسئولية كاملة عن تلك الأنشطة العسكرية.
وفي ظل إدارتي أوباما وترامب، اعتمد الجيش الأمريكي على شركاء محليين في العديد من دول العالم للقيام بعمليات عسكرية ضرورية ضد من يشتبه بأنهم إرهابيون، وذلك من أجل تجنب الخسائر الكبيرة التي تكبدتها القوات الأمريكية على مدى سنوات في العراق وأفغانستان بسبب المشاركة المباشرة في القتال. لكن امتلاك الأميركيين للخطط العسكرية وتفعيلهم لآليات السيطرة والتحكم أثناء تلك العمليات يمنحهم قدرة أكبر على توجيه ضربات سريعة ضد أي تهديدات، وذلك حسبما يرى مؤيدو تلك البرامج، حتى وإن كان الهدف من وراء ذلك هو حماية طبيعة وحقيقة هذه المهام من الهجوم والنقد في الداخل والخارج.
وقد قال أحد ضباط القوات الخاصة الأمريكية، وهو لايزال في الخدمة، وكان يعمل مؤخراً في غرب أفريقيا، واصفاً البرامج التي تم تنفيذها بموجب غطاء قانوني عُرف باسم ’ المادة 127E ‘: “إذا قلنا إننا فقط نساعد القوات المحلية، فهذا يُعد تقليلاً من طبيعة ما يحدث في الواقع؛ وإذا قلنا إنهم (القوات المحلية) فقط ينفذون ما نخطط له، فهذا تضخيم ومبالغة لحقيقة عملنا هناك.” هذا، وقد اشترط ضابط القوات الخاصة عدم الكشف عن هويته، شأنه في ذلك شأن جميع المصادر التي أدلت بمعلومات للصحفيين حول البرامج السرية للقوات الأمريكية في الخارج.
وتحدث العميد المتقاعد دونالد بولدوك، الذي كان حتى يونيو 2017 يقود معظم قوات العمليات الخاصة الأمريكية في أفريقيا، في مقابلة له مع بوليتيكو، عن طبيعة هذه البرامج، قائلاً: “إن عناصرنا الخاصة لا تقوم فقط بتقديم المشورة والعون لشركائها من القوات المحلية أثناء مرافقتها لهم في المهام القتالية، ولكنها تقوم أيضاً بقيادتهم وتوجيههم في إطار هذه البرامج.”
أما الميزانية الخاصة بتلك البرامج فهي سرية أيضاً، ويشير إليها القادة العسكريون بشكل مبهم وغير مباشر أثناء جلسات الاستماع في الكونجرس – دون الإفصاح عن الترتيبات غير العادية التي تقوم بها القوات الأمريكية مع الجيوش الأفريقية بناء على تلك الميزانيات. وفي عام 2014، شهد الأدميرال ويليام مكرافين، الذي كان آنذاك القائد الأعلى للعمليات الخاصة في الجيش الأمريكي، أن ’ المادة 127E ‘الذي كانت تُعرف آنذاك باسم ’ المادة 1208‘“ربما كانت أهم تفويض لدينا في معركتنا ضد الإرهاب”. وفي وقت سابق من هذا العام، أبلغ الجنرال توني توماس – الذي تولى قيادة قوات العمليات الخاصة الأمريكية بعد مكرافين – أبلغ الكونجرس بأن “الدعم والصلاحيات الفريدة التي تمنحها ’ المادة 127E ‘لها دور كبير في تحقيق تلك النتائج”، دون أن يتطرق إلى تفاصيل تلك الصلاحيات.
ويساعد الدور الذي تقوم به قوات الكوماندوز الأمريكية بموجب ’ المادة 127E ‘في تفسير الأحداث المعقدة التي أدت إلى مقتل أربعة من جنود العمليات الخاصة في أكتوبر الماضي خلال كمين في قرية تونجو في النيجر من قبل مسلحين محليين تابعين لتنظيم لدولة الإسلامية. وذلك أن الفريق الذي تعرض للكمين لم يكن يعمل في إطار التفويض القانوني (المادة 127E )، حيث كان قد تم تحويله من مهمته المعتادة من أجل تقديم الدعم لفريق آخر.
وكان هذا الفريق الثاني يقوم بمساعدة القوات النيجيرية الشريكة في مهاجمة مخابئ للمتشددين عبر البلاد عندما تم إعادة توجيه الفريق الأول لدعمه – حيث كان الطقس السيئ قد أجبر الطائرات المروحية على العودة، تاركةً الفريق الأصلي في المنطقة بمفرده، وذلك وفقا للتحقيق في الحادث الذي تم من قبل قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا.
ويمول هذا التفويض القانوني (المادة 127E ) برامج سرية تقوم بموجبها الحكومات الإفريقية بشكل أساسي بإعارة وحدات من جيوشها لفرق كوماندوز أمريكية لاستخدامها (كبدائل، مثل الدوبلير في صناعة الأفلام) في مطاردة المتشددين الذين تم تصنيفهم على أنهم يمثلون تهديداً محتملاً لمواطنين أو سفارات أمريكية. هذا بدلاً من أن تساعد القوات الخاصة الأمريكية القوات الأفريقية على تحقيق أهدافها الخاصة، كما تقوم بالفعل فرق عمليات خاصة أمريكية أخرى في إفريقيا.
وتركز البرامج السرية على كل من عمليات الاستطلاع والغارات “المباشرة” من قبل القوات المشتركة من القوات الخاصة الأمريكية والأفريقية على أهداف المقاتلين، حسب قول بولدوك ومصادر أخرى – وهو نوع من المهام كان البنتاجون في السابق ينفي المشاركة فيها في القارة الإفريقية.
وامتنع متحدث باسم القيادة الأمريكية في إفريقيا عن تحديد اي الدول الافريقية التي تستضيف فرقاً أمريكية تحت مظلة هذا الغطاء القانوني، لكن مسؤولين سابقين في العمليات الخاصة حددوا ثمانية بلدان كمواقع حالية أو حديثة في تلك البرامج التي تستخدم نظام “البدلاء” الأفارقة في عملياتها، وهي تشمل مناطق قتالية مشهورة مثل الصومال وليبيا بالإضافة إلى مواقع لتنفيذ غارات مفاجئة لقوات الكوماندوز الأمريكية مثل كينيا وتونس والكاميرون ومالي وموريتانيا – وكذلك النيجر، حيث كانت عملية أكتوبر التي انتهت بمأساة حيث سقط فيها جنود أمريكيون في كمين نصبه لهم مقاتلو تنظيم الدولة – وكانت تضم إحدى الوحدتين التي تديرها القوات الخاصة الأمريكية تحت مظلة ’المادة 127E ‘ هناك (في النيجر).
وعندما سارع البنتاجون في الخريف الماضي إلى توضيح طبيعة ما قامت به قوات الكوماندوز الأمريكية التي سقطت في القتال في بلد أفريقي لم يسمع عنه الكثير من الأمريكيين، حجب في البداية بعض الحقائق الأساسية المتعلقة بالأمر – بما في ذلك مشاركة فريق ثان من قوات العمليات الخاصة في المهمة أيضاً.
وبعد مرور أكثر من ثمانية أشهر، كشف تحقيق أجرته قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا عن المزيد من التفاصيل حول دور تلك الوحدة الثانية، المعروفة باسم (فريق أرليت) نسبة إلى البلدة التي كانت تتمركز فيها في النيجر. لكن البنتاجون ما زال يرفض الاعتراف بالطبيعة الكاملة للمهمة التي كانت تقوم بها، أو إذا ما كانت تعمل تحت سلطة قانون التفويض المذكور. (وقد أكد بولدوك، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض، ومسؤول سابق في العمليات الخاصة من ذوي الخبرة في شمال غرب أفريقيا، ذلك في مقابلات كانت قد أُجريت معه). ورفضت القيادة الأمريكية في إفريقيا وقيادة العمليات الخاصة التعليق على أي برامج تدار تحت مظلة ’ المادة 127E ‘، قائلة إن المعلومات عنها سرية.
أحد جوانب البرامج التي يعتبرها البنتاجون حساسة هو تجنب الاقتراب من أي شيئ قد يعرض قوات العمليات الخاصة وقياداتها الذين يخططون لهذه المهام القتالية لأي أخطار محتملة. وبعد أسبوعين من كمين تونجو تونجو، سُئِل مدير هيئة الأركان المشتركة، الفريق كينيث ماكينزي، في مؤتمر صحفي حول ما إذا كان أي من أفراد القوات الخاصة الأمريكية قد شاركوا في مهام “مباشرة” إلى جانب القوات الأفريقية – وهي تعبير عسكري يشير للغارات ضد الأهداف المشتبه بأنها إرهابية. وكان ماكنزي قد قال قبل ذلك بقليل أن المستشارين الأميركيين في إفريقيا “لم يشاركوا بشكل مباشر في أي عمليات قتالية هناك”، وهو تصريح كان الصحفيون في الغرفة يتوقون إلى توضيحه، وأجاب ماكنزي عندها بشكل واضح وصريح قائلاً: “لا، نحن لا نشارك في مهام العمل المباشر مع شركائنا من القوات المحلية.”
في الواقع، لم يكن هذا التصريح صحيحاً على الإطلاق، حيث قالت قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا في تحقيقها بعد ذلك، أن المهمة التي كان “فريق أرليت” وشركاؤهم من النيجيريين في طريقهم إليها جواً قبل أن يجبر الطقس طائراتهم على العودة، كانت “غارة متعددة الفرق” – وهذا التعبير في الأساس مرادف لعبارة “العمل المباشر”.
وقال مسؤول سابق في البيت الأبيض، كان لديه معرفة تفصيلية ببرامج العمليات الخاصة في إفريقيا، في مقابلة معه، إن وصف ماكينزي “كان كاذبًا بشكل واضح”. وأضاف المسؤول السابق: “إننا نقدم المشورة لتلك القوات بخصوص المهام المباشرة، وأي قول خلاف ذلك يكون كذباً وإغفالا لما يحدث فعلاً”.
ورد المتحدث باسم هيئة الأركان المشتركة، العقيد باتريك رايدر،على ذلك بأنه عندما قال ماكنزي “عمل مباشر”، كان يقصد “عمليات قتالية أمريكية مباشرة”. وقال رايدر إن القوات الأمريكية “تعمل في النيجر لتدريب القوات النيجرية وإسداء النصح لها ومساعدتها في دور غير قتالي” ولكنه لم ينكر أن هذه المهام تشمل تنفيذ غارات مباشرة.
وقال بولدوك، القائد السابق لقوات العمليات الخاصة في أفريقيا: “إن العمليات التي تديرها فرق تعمل تحت سلطة قانون التفويض العسكري الأمريكي في إفريقيا تشمل أيضاً مهام ’ مباشرة‘(بجانب تقديم المشورة والتوجيه). وأضاف بولدوك “هذا هو بالتحديد ما يفترض القيام به في ذلك.”
إن فرصة القيام بحملات قتالية تجعل من دعم أحد البرامج السرية مهمة مرغوبة بين قوات الكوماندوز المنتشرة في إفريقيا. وقال ضابط عمليات خاصة حالي من أصحاب القبعات الخضراء ” نعم، إن تنفيذ العمليات تحت مظلة 127E هو المهمة الأفضل”، وذلك باستخدام المصطلح الصوتي العسكري للبرامج التي تدار بموجب ’ المادة 127E ‘.
وقال بولدوك أيضاً، وهو المسؤول السابق في البيت الأبيض والمسؤول الثاني السابق للعمليات الخاصة: “في شمال غرب أفريقيا، تحاول فرق تعمل تحت مظلة المادة 127E تعقب المتورطين المرتبطين بالقاعدة أو بالدولة الإسلامية الذين يسافرون على طرق التهريب من خلال الصحراء بين مالي وليبيا والنيجر.”
وخلال الفترة التي عمل فيها الرجل الثاني في العمليات الخاصة في أفريقيا، شاركت بعض الفرق الأمريكية في قليل من هذه المهام في معارك بأسلحة نارية، على حد قوله، وأضاف: “لكن مهاجمين انتحاريين هاجموا ذات مرة القاعدة التي كانت تتمركز فيها إحدى الفرق مع القوات المحلية الشريكة في النيجر.”
وقال بولدوك أيضاً: “نحن نحاول جاهدين ألا ندخل في قتال مباشر ما لم يحدث شيء شديد السوء للقوات المحلية الشريكة”. ومثل باقي فرق العمليات الخاصة الأخرى التي تؤدي مهام استشارية بشكل اعتيادي، فإنه يحظر على الفرق العاملة تحت سلطة المادة 127E المشاركة في المرحلة الأكثر خطورة من الغارات – عندما تدخل القوات الأفريقية فعلياً إلى الموقع المستهدف.
وتتوجه القوات الأمريكية براً أو جواً بعد التخطيط للمهمة طبقاً لمعلومات مخابراتية أمريكية، والحصول على موافقة من القيادة الأعلى، مع شركائهم المحليين إلى مكان بالقرب من الهدف، حيث يُطلب منهم التراجع إلى “الموقع الأخير من التغطية والإخفاء”، وهو المصطلح العسكري للمكان الأخير حيث يمكنهم البقاء بعيدا عن الأنظار وعن مرمى إطلاق النيران خلف أحد العوائق الطبيعية. لكن ضابط العمليات الخاصة السابق أشار إلى أنه في صحراء وأدغال شمال غرب أفريقيا، “لا يتوفر أي وسيلة للتغطية أو الإخفاء في كثير من الأحيان”.
وهناك، يقوم الفريق بـ “القيادة والتحكم عن بعد” للغارة بينما يرصد الوضع ويتلقى المعلومات من الطائرات بدون طيار والطائرات التي تتنصت على المكالمات الهاتفية للعدو. بعد ذلك، يتحرك الأمريكيون إلى الأمام لفحص موقع الغارة والحصول على معلومات استخبارية – أو للانضمام إلى القوات المحلية والاشتباك في إطلاق النار في حالة حدوث خطأ ما أثناء الغارة، واحتياج القوات الأفريقية إلى المساعدة. وهذا يحدث نادرا.
وقال بولدوك أيضاً: “ويعمل الجميع حسب نفس المبادئ التوجيهية وذلك فيما يتعلق بالمخاطر والدفاع عن النفس وقواعد الاشتباك، سواء في مهمة تحت برنامج ’ البدلاء‘أو في مهمة استشارية اعتيادية،” وأضاف: “كان عندي رجال (أفراد عمليات خاصة) في كينيا وتشاد والكاميرون والنيجر وتونس يقومون بنفس النوع من الأشياء مثل الرجال المتمركزين في الصومال، يُعرضون أنفسهم لنفس نوع الخطر، وليس فقط تحت المادة 127E . لقد كان عندنا جرحى في جميع أنواع المهام التي كنا نقوم بها.”
وقد قام النائب ريتشارد هدسون – الذي يمثل المنطقة المحيطة بقلعة فورت براج حيث يوجد العديد من القوات الخاصة، أصحاب القبعات الخضراء، الذين يعملون في أفريقيا – مؤخراً بتقديم تشريع يسعى فيه إلى إقرار إعفاء ضريبي لجميع القوات الخاصة المكلفة بمهام سرية حسب المادة 127E . وقال هدسون إنه يدعم الأنشطة العسكرية الأمريكية في أفريقيا ولا يعتقد أن السرية المحيطة بهم غير مناسبة. “إذا كنت منتشراً تعمل تحت المادة 127E لمكافحة الإرهاب هذه، فمن المحتمل أن يكون هناك اشتباك”، وقال في أحد المقابلات، موضحاً أن ناخبيه قد وصفوا له تلك المهمات التي يقومون بها في إفريقيا بأنها من بين أكثر العمليات خطورة، على الرغم من الأخذ بقواعد تخفيف درجة المخاطر.
لكن بولدوك قال إنه بالنسبة للغارات التي تشترك فيها القوات الخاصة، حيث تباغت العدو في ظل الدعم الذي تتلقاه من الطائرات بدون طيار وطائرات التجسس، فإن القوات الأمريكية وشركاءها المحليين يتمتعون بمزايا يفتقرون إليها عادة عندما يؤدون مهام أخرى أكثر روتينية.
وأضاف بولدوك: “إنه نوع مختلف من المخاطر. وأحياناً تكون هذه المهام أقل خطورة مما كان يقوم به، على سبيل المثال، فريق القوات الخاصة في تونجو تونجو – حيث كانت هناك دورية اعتيادية تمكن خلالها المتشددون من الإيقاع بأصحاب القبعات الخضراء من القوات الخاصة بعيداً عن أي عوامل للحماية – وذلك لأن هناك احتياطات أكثر تُتخذ خصيصاً لهذه المهام السرية مع درجة أعلى من التحكم في البيئة المحيطة”.
وتقول أليس فريند، وهو مسؤولة سابقة في وزارة الدفاع الأمريكية أثناء فترة إدارة باراك أوباما وكانت تُشرف على سياسة مكافحة الإرهاب في شمال غرب أفريقيا آنذاك: “على الرغم من أن القادة العسكريين يحاولون إبقاء القوات الأمريكية خارج دائرة القتال والاشتباك إن أمكن ذلك، إلا إن تلك العمليات تلقي الضوء على الطبيعة الغامضة حول ’ من يساعد من‘ في أفريقيا.”
وأضافت أليس فريند: “لديك هذه الخطوط الرمادية بين العمليات العسكرية الأفريقية التي تتم بمساعدة الولايات المتحدة، والعمليات الأمريكية التي تتم بمساعدة القوات الأفريقية؛ وما هي درجات المخاطر التي نواجهها في أي منهما؛ وما هي النقطة المحددة التي نستطيع عندها أن نقول أن تلك المهمة هي عملية عسكرية أمريكية ’ مباشرة‘؟ إنه أمر غامض تماماً.”
وقد تضاعف التمويل السنوي للبرامج السرية أربع مرات منذ إنشائها في أفغانستان، حيث وصل إلى 100 مليون دولار – وذلك يرجع جزئيا إلى الشهادات التي أدلى بها الجنرالات للكونجرس. وكان الكونجرس يجدد التفويض تحت المادة 127E بشكل مؤقت سنوياً حتى العام الماضي، عندما جددها النواب بصفة دائمة.
وقالت ليندا روبنسون، وهي خبيرة في شركة راند للعمليات الخاصة، إن “الكونجرس قد اعتبر هذه المادة مفيدة بما يكفي لجعلها تفويضاً دائماً”، وأشارت إلى أنه حتى التمويل السنوي الذي تضاعف حتى الآن أربعة أضعاف لا يزال يمثل مبلغًا صغيراً مقارنة بما تنفقه الولايات المتحدة فعلياً على مكافحة الإرهاب في ميادين الحرب الشاملة مثل العراق وأفغانستان.
وقد برزت هذه النقطة بشكل كبير في أثناء الحجج التي ساقها كبار القادة أمام المشرعين حول تلك البرامج. فقد وصف الجنرال جوزيف فوتيل – الذي يقود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط حيث تنشط تلك البرامج أيضاً، وأشرف سابقًا على البرامج السرية في قيادة العمليات الخاصة – وصف تلك البرامج أمام الكونجرس بأنها “منخفضة التكلفة، وصغيرة الحجم، و [سرية]” وأشار إلى أنها أدت إلى “مئات من العمليات التكتيكية الناجحة … مقابل جزء صغير من تكلفة البرامج الأخرى. معظم هذه البرامج الفردية هي 7 مليون دولار إلى 10 مليون دولار سنوياً أو أقل. إنها ليست مكلفة أبداً،” على حد قول المسؤول السابق في البيت الأبيض.
وقد تذبذب عدد البلدان الأفريقية التي تستضيف هذه البرامج السرية ارتفاعا وانخفاضاً على مدى سنوات. ففي عام 2013، وبسبب أحد التطورات التي تم الإبلاغ عنها في ذلك الوقت من قبل شركة فوكس نيوز، اضطر فريق من القوات الخاصة ’ أصحاب القبعات الخضراء ‘إلى إنهاء مهمته في ليبيا بعد أن هاجم مسلحون معسكر الوحدة العسكرية من القوات المحلية الشريكة وسرقوا العديد من الأسلحة التي قدمتها لهم القوات الخاصة الأمريكية في إطار البرنامج.
ولم يتم إعادة إنشاء هذا البرنامج في ليبيا أبداً لذلك السبب، واعتمد الجيش الأمريكي منذ ذلك الحين على الغارات الجوية والعمليات التي تقوم بها مجموعة أكثر سرية من القوات الخاصة الأمريكية من قوة “دلتا” و”سيل” و”فريق6 ” – بدون أي شركاء محليين. هذه المهام الحساسة والمحفوفة بالمخاطر التي تضع الأمريكيين بشكل مباشر في طريق الأذى هي ما يفترض أن تقدمه البرامج كبديل، كما اقترح الجنرال توماس والدهاوزر، قائد القيادة الأمريكية بإفريقيا، عندما كان يدلي بشهادته بأن البرامج توفر “مكاسبا مرتفعة ومخاطر منخفضة للقوات الامريكية”.
وقد توقفت برامج أخرى عندما أصبحت الدول المضيفة بعدم الارتياح تجاه هذه الترتيبات. وقال بولدوك: “إن الدول الشريكة التي تستضيف مثل هذه البرامج تشعر أحياناً بالقلق تجاه أي مظاهر من شأنها أن تجعل مواطنيهم يعتقدون أن الولايات المتحدة تستخدمهم كدمى في بلادهم.” وكانت إحدى هذه الدول هي موريتانيا، التي ساهمت في تنفيذ برنامج طويل الأمد على أرضها من قبل.
وأضاف بولدوك: “على البلد المضيف أن يفهم ما الذي قاموا بالتوقيع عليه. فموريتانيا لم تشعر أبداً بالارتياح تجاه ما قاموا بالتوقيع عليه بالفعل. حيث اعتقد الموريتانيون أنهم قد تنازلوا بذلك عن السيطرة على واحدة من وحداتهم العسكرية”.
وقالت أليس فريند، مسؤولة البنتاجون السابقة التي كانت تُشرف على سياسة مكافحة الإرهاب في شمال غرب أفريقيا، إن مثل هذه الخلافات لا يمكن تجنبها في بعض الأحيان. وأضافت: “الفكرة هي أن لديهم ولدينا نفس المصلحة في تنفيذ مجموعة مهام لمكافحة الإرهاب، لكن الدول الشريكة التي تواجه نفس التهديدات قد تحدد أولويات أمنها القومي بشكل مختلف عن أولوياتنا”.
لكن حكومات إفريقية أخرى تبنت هذه البرامج. وقال مسئول سابق في العمليات الخاصة إن حكومة النيجير التي تُعد موطناَ لوحدة من ’ البدلاء‘(قوات أمريكية تتخذ بدلاء من القوات المحلية لأداء بعض المهام الخطرة) سمحت لفريق آخر من فريق “أصحاب القبعات الخضراء” بأداء مهام على أراضيها، وطلبت فقط أن يكونوا “على علم” بعمليات تلك الوحدات.
وقال مايكل هوزا، السفير الأمريكي السابق في الكاميرون، “إن الأمر يعمل بشكل مختلف في كل بلد، حيث تساعد مجموعة من القوات الخاصة الأمريكية “سيلز” مجموعة من الكوماندوز المحليين في مطاردة منظمي مجموعة تفجيرات انتحارية من تنظيم بوكو حرام. وقد احتفظ رئيس الكاميرون بالحق في الموافقة على كل مهمة تقترحها قوات العمليات الخاصة للبحرية الأمريكية (سيلز) حسبما صرح هوزا لـبوليتيكو. “لأنه لم يكن يريد أي خسائر أميركية في بلاده.”
والصومال دولة مضيفة أخرى ترحب بالقدرة التي تمثلها تلك الوحدات في شن غارات قصيرة الأمد ضد حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة على متن طائرات هليكوبتر أمريكية. وقال ستيفن شوارتز، السفير الأمريكي في مقديشو حتى الخريف الماضي، في مقابلة معه: “لقد تم تنفيذ جميع الأنشطة العسكرية الأمريكية في الصومال بدعم كامل من الحكومة الصومالية خلال فترة ولايتي”.
وقال بولدوك: “في ذلك الوقت، كانت قوات السيلز تدير وحدتين منفصلتين تحت المادة 127E في الصومال.” وقال والدهاوزر، القائد العام لقيادة القوات الأمريكية في إفريقيا، في شهادته أمام الكونجرس في عام 2016 بأن واحدة من تلك الوحدات كانت “مفيدة أثناء العمليات الأخيرة في القضاء على قيادة تنظيم الشباب”.
وإلى جانب الفوائد التكتيكية، فإن استضافة أحد البرامج البديلة يمكن أن يكون وسيلة لحكومة تحاول اجتذاب الدعم الأمريكي بشكل عام. ويقول أندرو ليبوفيتش، وهو زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية المعني بدراسة الأمن في شمال غرب أفريقيا، إن الحكومات الأفريقية قد توافق على استضافة البرامج “لأنها تجعل وحداتها أكثر فاعلية وتسمح لها بالاستفادة من الموارد والمعلومات المخابراتية الأمريكية”. وهي أيضاً طريقة سهلة لإنشاء روابط أمنية أوثق مع الولايات المتحدة والحصول على المزيد من الدعم الأمريكي في بعض الحالات”.
وحسب شهادة قائد العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي، توماس، في وقت سابق من هذا العام، فإن قوات العمليات الخاصة تدير 21 برنامجاً سرياً في جميع أنحاء العالم تحت المادة 127E . وقبل ذلك ببضعة أسابيع، قال نائب مساعد وزير الدفاع الذي يشرف على مهام الكوماندوز، أوين ويست، أمام الكونجرس، إنه يتوقع “أن تستمر الحاجة إلى هذه البرامج، إن لم يتم زيادة عددها”.
لكن المطلعين على البرامج يقولون إنه من الصعب معرفة مدى فعاليتها بالفعل – وأن بعضها قد يحتاج إلى تقييم أكثر قسوة ويتم تقليصه.
وقالت أليس فريند إن الجماعات المسلحة في أفريقيا “تمددت قليلا، وتغير شكلها كثيراً، واكتسبت الكثير من الجرأة في عملياتها” خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبح نشاط العمليات الخاصة الأمريكية ضدهم أكثر حدة.” وأضافت: “يبدو أننا ببساطة قد دفعنا بالمزيد من قوات العمليات الخاصة هناك، ولكن دون إجراء مراجعة استراتيجية أوسع”.
أما بولودوك، الذي يرى يشكل عام أن البرامج السرية “فعالة جداً”، فقد اعترف مع ذلك بأنه خلال فترة إدارته للكوماندوز في أفريقيا، يبدو أن بعض البرامج التي ورثها ممن قبله كانت قد تجاوزت فائدتها، بينما كان الآخرون من القوات المحلية “يطورون قدرات لا يمكنها الاستمرار”. واستشهد بالكوماندوز الصومالي الذي أصبح يعتمد على دعم المروحيات الأمريكية، حيث لن يكون بمقدور القوات الأمريكية الاعتماد عليهم بمجرد نقل وحدتهم إلى السيطرة الصومالية العادية.
وقال بولدوك: “لا يُقصد من هذه البرامج أن تكون غير محددة، وعلينا أن نقوم بها بطريقة تمكننا في نهاية الأمر من تسليم هذه القدرة إلى شركائنا بمجرد أن نحقق الهدف الأصلي”.
وقال روبنسون، الخبير في شركة راند للعمليات الخاصة، إنه في حين “هناك اتفاق واسع النطاق على أن هذه السلطة (التي توفرها المادة 127E ) تسد فجوة كبيرة” عن طريق إنشاء قوات أفريقية قادرة على الهجوم على أهداف “إرهابية” بناء على طلب الولايات المتحدة، “ويجب أن يأتي وقت تستطيع أن تتأكد فيه إذا كانت القوات الشريكة غير ملتزمة أو فعالة، وتقرر أن توقف العمل معها. لقد تم بالفعل إيقاف العمل مع بعضها، وربما يكون هناك المزيد”.
وقال المسؤول السابق في البيت الأبيض: “بمجرد بدء هذه الأمور، يصعب إيقافها. فبعضهم يتفوق على البعض الآخر، وآخرون لا يمكنهم فعل ذلك. لا أعتقد أن الكونجرس أو قيادة العمليات الخاصة يحاسبون أياً منهم أو يُحملونهم المسئولية. ولا يمكن ممارسة الضغوط على هذه الدول من أجل التحقق من فاعلية تلك البرامج السرية”(* ).
(* ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات