
مبادرة السياسات: القنوات غير الرسمية لتمويل الإعلام اللبناني
نشر مركز مبادرة السياسات، وهو مركز أبحاث لبناني مستقلّ يستهدف تمكين الرأي العام للمطالبة ببديلٍ أفضل، من خلال “إعادة السياسات العامة إلى عموم الناس”، في 11 أغسطس 2023، تقريراً مطوّلاً بعنوان: “تتبع مسار المال .. القنوات غير الرسمية لتمويل الإعلام اللبناني”، لجورجيا داغر، الباحثة السياسية ومحللة البيانات في المركز؛ و سامي زغيب، الخبير الاقتصادي ومدير الأبحاث في المركز؛ و سامي عطا الله، المدير المؤسس لمبادرة السياسات.
وقد أورد المركز ملخصاً وافياً عن التقرير، على النحو التالي:
تُعتبر وسائل الإعلام هي الفاعل الرئيسي في تشكيل الرأي العام. ويتمثل دورها في ضمان إطلاع المواطنين على التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتلعب دوراً هاماً في تأكيد الآراء أو نشر القصص والسرديات الجديدة.
يُشتهر لبنان بقطاعه الإعلامي المتنوع. فلديه ثماني محطات تلفزيونية، وأكثر من 40 محطة إذاعية، وحوالي 110 منافذ مرخصة للطباعة والنشر. وفي الآونة الأخيرة، حدثت طفرة في منصّات الأخبار الرقمية التي تعكس تنوع الخيارات السياسية والتفضيلات الاجتماعية. ومع ذلك، وبنظرة معمّقة للأمور بعيداً عن السطحيات، فإن قطاع الإعلام يعكس حقيقة أخرى، حيث تسعى السياسات الطائفية وجماعات المصالح إلى تشكيل الرأي العام. ومع ميل المواطنين إلى الإقبال على وسائل الإعلام المتحالفة معهم سياسياً، فإن هذا يعزز معتقداتهم وتحيزاتهم، مما يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب خاصة في أوقات الأزمات.
يعد تحليل هيكل ملكية وسائل الإعلام وإيراداتها أمراً أساسياً لتوضيح ذلك، لأنها تؤثر على السرديات والخطاب العام حول الأحداث السياسية. لقد كانت وسائل الإعلام، في الحقيقة، ضحية لمجموعات المصالح القوية – مثل القطاع المصرفي – وتم استخدامها لنشر معلومات مضلِّلة حول الاقتصاد والإصلاح الذي يحتاج إليه لبنان بشدة، كما ظهر مؤخراً من خلال تغطية خطة التعافي المالي لصندوق النقد الدولي.
وعلى الرغم من بعض الأنظمة مثل قانون الصحافة (1962) وقانون الإعلام المرئي والمسموع (1994)، إلا أن الدولة اللبنانية لا تملك أي سيطرة تُذكر على وسائل الإعلام. حيث تميل وسائل الإعلام إلى الاعتماد على المستثمرين من السياسيين أو الأجانب، ومن خلال ذلك، تتمتع الأحزاب السياسية بالقدرة على التأثير على وسائل الإعلام الرائدة وتأطير المعلومات لصالحها.
وهذا الواقع يخلق مشكلة هيكلية في النظام الإعلامي، حيث لا تهتم وسائل الإعلام بإنتاج صحافة عالية الجودة لزيادة عدد القراء أو المشاهدين، طالما أنها تستطيع الاعتماد على كبار المستثمرين كمصدر للإيرادات. وبينما يمنح قانون الصحافة (1962) وزارة الإعلام سلطة المراقبة المالية لوسائل الإعلام والتأكد من أن أرباحها الوحيدة تأتي من الإعلانات والاشتراكات والمبيعات، إلا أن الوزارة فشلت في القيام بذلك، مما أدى إلى استمرار انعدام الشفافية في هيكل تمويل وإيرادات وسائل الإعلام.
وفي ضوء ذلك، يستهدف هذا التقرير العمل على تحديد مصادر الإيرادات السياسية والتجارية لقطاع الإعلام اللبناني. ولتحقيق هذه الغاية، سنقوم بتقييم تكاليف تشغيل وإنتاج وسائل الإعلام، والإيرادات التجارية من خلال الإعلان، فضلاً عن قنوات التمويل غير الرسمية الأخرى، مثل الاستثمارات الخاصة والسياسية والأجنبية. وبهذه الطريقة، نستطيع اكتساب المزيد من المعرفة حول بنية قطاع الإعلام في لبنان.
وسوف نكشف كيف أن عائدات الإعلانات قامت بتغطية أقل من 10% من تكاليف تشغيل قطاع التلفزيون منذ بداية الأزمة، وانخفضت الإعلانات من حوالي 80 مليون دولار في عام 2018 إلى 9 ملايين دولار في عام 2022. وتم رصد نفس الاتجاه عبر أنواع أخرى من وسائل الإعلام. ويشير هذا إلى أن هذه الفجوات يتم تغطيتها من خلال مصادر أخرى للتمويل غير الرسمي.
ومع ذلك، فإن التحقيق في مصادر التمويل الأخرى يمثل تحدياً في حد ذاته، حيث إن تمويل قطاع الإعلام يتسم بعدم الشفافية. ويغلب على وسائل الإعلام التردد في تبادل المعلومات حول هيكل إيراداتها والممولين.
وقد توصل التقرير إلى أن قطاع الإعلام اللبناني قد استفاد كثيراً من تدفقات متعددة من الإيرادات غير الرسمية ذات الدوافع السياسية. وتشمل هذه التدفقات استثمارات من القطاع المصرفي، وكذلك الأرباح الكبيرة التي تحققت خلال الانتخابات البرلمانية، والقروض الميسّرة التي قدّمها البنك المركزي اللبناني في عام 2016.
وبطبيعة الحال، فإن لهذا الأمر آثاره كبيرة على إمكانية الوصول إلى المعلومات الموضوعية غير المنحازة. بالنظر إلى أن اعتماد وسائل الإعلام على التمويل من القطاع المصرفي والأحزاب السياسية، يدفعها بكل تأكيد إلى الترويج لسرديات معينة تستهدف المحافظة على استمرار الوضع الراهن (من الاستقطاب والتحزّب). وبالإضافة إلى ذلك، فلكي تتمكن النُّخب السياسية والمالية من الحفاظ على هيمنتها على الخطاب العام، فإن ذلك يدفعها إلى العمل على تقويض وسائل الإعلام المستقلة، التي طالما كانت ضحية للدعاوى القضائية والترهيب والتهديدات. وقد مهَّد هذا الواقع الطريق لتآكل حرية التعبير في لبنان.
وقد تم تقسيم هذا التقرير إلى أربعة أقسام: حيث يسلط القسم الأول الضوء على كيفية تضرر قطاع الإعلام من الأزمة المالية التي يعيشها لبنان وكيف أثر ذلك على تكاليف التشغيل والإنتاج والقدرة البشرية. ويركز القسم الثاني على سوق الإعلانات، حيث توصّل إلى أن عائدات الإعلانات قد شهدت انخفاضاً حاداً منذ بداية الأزمة المالية. ويُسلّط الضوء على قطاع التلفزيون، حيث يُظهر مدى سيطرة المؤسسات المالية والأحزاب السياسية على الإعلانات في عامي 2018 و2022. ويركّز القسم الثالث على مصادر التمويل غير الرسمية للمؤسسات الإعلامية، والتي تشمل الاستثمارات الخاصة والسياسية. وفي النهاية يُختتم التقرير بالآثار المترتبة على حرية التعبير، في ظل مصادر التمويل تلك.