
منذ أحداث 03 يوليو 2013م، قام أفراد ومجموعات، داخل الجيش بمحاولات لتغيير ذلك الوضع الذي تسيير عليه قيادات المؤسسة، لعدة أسباب من أهمها الوضع السياسي المضطرب التي تشهده الدولة المصرية، والسياسات الخاطئة التي يتبعها النظام وحملت القوات المسلحة وحدها مسؤولية الإدارة، كذلك طريقة تعامل النظام المصري مع الأوضاع في شبه جزيرة سيناء، والخسائر المتتالية التي يتلقاها الجيش المصري في هذه المواجهات، وكذلك التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، بجانب ممارسات النظام في العمل على تغيير العقيدة العسكرية للجيش المصري.
وخلال السنوات الست الماضية منذ انقلاب يوليو 2013، اختلفت محاولات التغيير داخل المؤسسة العسكرية من قبل المجموعات والأفراد الرافضة للممارسات التي تنتهجها قيادات الجيش الحالية، وتنوعت بين محاولات تغيير دستوري وقانوني ومحاولات باستخدام العنف كوسيلة للتغيير.
وخلق السيسي العديد من العداءات داخل المؤسسة العسكرية، بجانب العداء مع جهاز المخابرات العامة والذي سيطر علية بشكل تام عام 2018م، بعد الإطاحة باللواء خالد فوزي من قيادة الجهاز والمئات من وكلاء جهاز المخابرات، وتولي عباس كامل ومحمود السيسي قيادة جهاز المخابرات العامة.
ومع هذا العداء يكون المنطقي أن تتكون جماعات مصالح، ترتب أوراقها وأولوياتها، انتظاراً لفرصة تسنح لها للتخلص من النظام، مع توافر العوامل الداعمة لذلك، وفي هذا السياق جاءت تسجيلات الفنان ورجل الأعمال المصري محمد علي:
أولاً: السيسي والداعمين الإقليميين والدوليين:
في الفترة الحالية يُرجح البعض وجود توتر بين نظام السيسي وعدد من الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة له، ومن ذلك:
1ـ الولايات المتحدة الأمريكية: ربما كان نتيجة هذا التوتر هو إقالة اللواء محمد الكشكي مساعد وزير الدفاع، الخلاف الدائر سببه كما يوصف البعض التقارب المصري الروسي الذي يزداد يوماً بعد يوم من بعد انقلاب 03 يوليو 2013م، والذي كان مبرراً من قبل بسبب التوتر الكبير الذي كان بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والسيسي بسبب ما تم بعد انقلاب 03 يوليو 2013م، ونتج عن هذا التوتر وقف بعض المعونة الأمريكية العسكرية لمصر ووقف بعض المعدات التسليحية للجيش المصري، ولكن انتفي ذلك المبرر بعد مجيء ترامب على رأس الإدارة الأمريكية في يناير 2017. [1]
2ـ السعودية: منذ شهر مارس من عام 2015م، وتحديداً بعد بدء تحالف عاصفة الحزم بقيادة السعودية شن عملياته على الأراضي اليمنية، أصبح هناك توتر نوعاً ما بين السعودية ونظام عبد الفتاح السيسي نتيجة عدم المشاركة المؤثرة للجيش المصري في تلك العلميات، فالسعودية كانت تعول على الدور المصري في تلك العملية، بالتدخل البري ولكن لم يفعل النظام المصري، وأصبح الدور المصري فقط قائماً على ضربات جوية من حين إلى آخر. ولجأت السعودية إلى دولة السودان كي تتول هي التدخل البري في الداخل اليمني، وقد كان بالفعل وقامت القوات السودانية بإرسال قوات برية إلى اليمن.[2]
الرد السعودي على النظام المصري والذي يشير إلى هذا التوتر جاء على فترات، فكان مقرراً تعيين قائداً مصرياً للتحالف الإسلامي الذي شكل في 15 ديسمبر 2015م، والذي أعلن عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتضمن بيان الاعلان أن أعضاء التحالف يتحالفون في أربعة مجالات لتنسيق جهودها في محاربة الإرهاب، وكانت مصر حريصة على قيادة ذلك التحالف في ذلك الوقت لأن ذلك كان سيعطي صورة جيدة لنظام السيسي ويظهر أن استراتيجية السيسي هي السعي نحو قيادة المنطقة لنفي ما يقال عن تبعية نظامه واتكاله وتبعيته للمنظومة الإقليمية والدولية.
ولكن نتيجة لذلك التوتر تم تعيين الجنرال الباكستاني رحيل شريف قائداً للتحالف. ورداً على هذا أصبحت مصر تشارك في مؤتمرات ذلك التحالف بمستوي منخفض من التمثيل، فبعد أن كان يحضر رئيس الأركان قبل تعيين القائد الباكستاني، أصبح التمثيل المصري يقتصر على مساعد وممثل عن وزير الدفاع.
أيضاً في نهاية عام 2016م، أوقفت السعودية بعض المشتقات البترولية عن الدولة المصرية مما دفع النظام المصري على إيجاد بديل فكان في تلك الفترة سعي متبادل من القاهرة وبغداد لتوثيق العلاقات والمصالح المشتركة ولكن بعد فترة تم وقف القرار السعودي وتم استئناف ضخ المشتقات البترولية للنظام المصري.
الأن هناك صراع واضح بين السعودية والإمارات في إدارة الملف السعودي وربما يصطف السيسي إلى جانب محمد بن زايد، مما يزيد من التوتر السعودي المصري، وخاصة مع الأزمات التي تعانيها السعودية حالياً بعد استهداف حقولها النفطية الشرقية.
ثانياً: تسجيلات محمد على:
بعد مشاهدة تسجيلات رجل الأعمال “محمد على”، والتي أصبحت حديث الساعة الآن في مصر، والتطور الملحوظ الذي تشهده تلك التسجيلات في مضامينها ورسائلها، تبرز بعض النقاط المهمة:
1-محمد على يعتبر من دولاب عمل المؤسسة العسكرية وكان من ضمن المنظومة التي تعتمد عليها تلك المؤسسة في العديد من أعمالها الانشائية وهو داخل تلك المنظومة منذ 15 عام تقريباً.
2-فلسفة حكم مبارك في الفترة التي عمل خلالها محمد على مع منظومة الجيش في تلك الفترة من 2004 إلى 2010 كانت استراتيجية لا تعتمد فقط على تحقيق مكاسب للمؤسسة العسكرية فقط بل كانت تعطى جزء جيد من المكتسبات الاقتصادية للمؤسسات الأمنية الأخرى ورجال الأعمال المدنيين وربما ذلك يفسر أن أغلبية رجال الأعمال كانوا ضد ثورة 25 يناير للحفاظ على تلك المكتسبات.
3-محمد على كان يعلم جيدا أن دولة مبارك كانت تحقق له ولغيره الكثير من الامتيازات ولكن راهن كما راهن غيره الكثير من رجال الأعمال على أن استراتيجية السيسي ستسير على نفس نهج مبارك وسيحققون من ورائها نفس المكاسب ولن يتضرروا، لذلك دعموا ذلك النظام الجديد ولكن شيئاً فشيئاً تفاجأوا باستراتيجية جديدة يتبعها ذلك النظام، وهي سعيه نحو السيطرة والهيمنة على كافة النواحي الاقتصادية، وبما يحقق نفعا فقط لفريق ذلك النظام العسكري، وربما كان ذلك مبررا لمحمد على في أن يفكر في الخروج على تلك المنظومة بعد تيقنه بأنها لن تعود عليه بالنفع بل بالعكس ستلحق له ضرر كبير.
4-بعد خروج محمد على وكشفه لفساد المنظومة الحاكمة بالمعلومات الدقيقة التي يعرفها، كونه كان قريباً من فساد تلك القيادات، عمل على اغتيال رمزية رأس ذلك النظام، وتطورت مضامين خطاب محمد على، بما يشير إلى توافق بينه وبين مجموعات ما داخل تلك المنظومة ترغب في التغيير، وأصبح هناك بينهم تنسيق ما.
5-محمد على أصبح الآن لا يطالب بما له من أموال، ولكن يركز على أمرين في غاية الأهمية:
الأول: أن هناك داخل المؤسسة العسكرية أفراداً غير مرحبين بما يقوم به ذلك النظام، للتأكيد على أن المؤسسة العسكرية ليست كلها بالمطلق مع السيسي لنفي فرضية أن الجيش يسير في ركاب السيسي، ويركز مرارًا على أن من يتحصل على الامتيازات هم حفنة قليلة من القيادات، وأن هناك ضباطاً في مناصب عليا تعاني، ووضعهم المالي صعب، وربما هذا يدل على التنسيق الذي يحدث بين “محمد على” والمجموعات الأخرى داخل تلك المنظومة.
الثاني: دعوة الناس للتظاهر في الشوارع والميادين، فتحرك الشارع هو عامل اساسي لأي مجموعة تريد التغيير، أو حتى الضغط على النظام الحالي لتحقيق مكتسبات.
ثالثاً: انتهاء فزاعة الشرعية:
السيسي كان يستخدم فزاعة الشرعية لإخماد أي صوت معارض داخل المؤسسة العسكرية، فعندما كانت تتواجد أصوات تتعالي بالتغيير، كان الرد أن هذا يفتح باباً لعودة الرئيس مرسي مرة أخرى، وهذا ما لم يُرحب به قطاع عريض داخل المؤسسة العسكرية، فكان نظام السيسي يستخدم ذلك فزاعة وأنه بذهاب النظام سيكون البديل هو الرئيس مرسي، ولكن بوفاة الرئيس محمد مرسي انتهت صلاحية استخدام تلك الفزاعة.
وربما كان ذلك هو السبب الرئيس في التنكيل بالقيادات التي كانت تتبني فكرة تغيير استراتيجية السيسي في إدارة البلاد، وأعلنوا عن هذا في اجتماع المجلس العسكري في أكتوبر 2016، وتم التنكيل بهم بعد ثورة الغلابة في 11 نوفمبر 2016م[3].
ختاماً:
إن الصراع الدائر حالياً هو صراع داخل أروقة الجيش المصري، بين طرفين من داخل المؤسسة العسكرية، الطرف المناوئ لإدارة السيسي ونظامه تجمعت لهم أوراق ضغط لم تتجمع بذلك الشكل منذ يوليو 2013، مع تأزم النظام الحالي في علاقاته الدولية والإقليمية، ووجود عامل التثوير الشعبي بناء على ما يفعله محمد على ويحرص عليه، وانتهاء فزاعة الشرعية بوفاة الرئيس محمد مرسي.
ويسعى الطرف المناوئ للسيسي إلى رجوع قواعد الحكم إلى ما قبل يوليو 2013م، بمعني أن المؤسسة العسكرية بالمُطلق شريكة في الحكم، وليس فرداً من أفراد المؤسسة العسكرية هو الحاكم والمسيطر، كما فعل السيسي منذ اللحظة الاولى لانقلابه، حيث حوَّل طبيعة الحكم من المؤسسة العسكرية إلى الفرد العسكري المهيمن والمتسلط.
وأصبح الرهان الآن بين الطرفين على من يملك القدرة منهما على تحريك الميادين، وتعبئة المواطنين، وليس حشد الفنانين والمطربين، خاصة وأن كل طرف لديه الكثير من أوراق القوة في مواجهة الآخر[4].
الهامش
[1] السيسي يطيح بقائد في الجيش المصري، عربي 21 ، تاريخ النشر 09 سبتمبر 2019م، تاريخ الدخول 19 سبتمبر 2019م، الرابط
[2] محمود جمال، التحالف الإسلامي وحدود الدور المصري، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[3] محمود جمال، مصر: المجلس العسكري ـ أبعاد التفكيك والتركيب، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[4] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
متابع مقالات مهمه وجيده وادعوكم للنقاش حول النوبه