fbpx
قلم وميدان

مراجعات الثورة: الإخوان والجيش والدولة العميقة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

بعد تولي “محمد علي” حكم مصر، صارت مأساة مصر الحديثة سببها تدخل الجيش المصري، وإعانته بقواته لأفراد غير مؤهلين لتحقيق مآربهم، ومنهم الذين سُموا بـ”الضباط الأحرار” في يوليو/تموز 1952م، وحتى “عبد الفتاح السيسي”.

وإن كان للإخوان دور في تولي “جمال عبد الناصر”، وقائد الانقلاب فإن الحقيقة أنهما ما كان من المقدر لهما النجاح في حكم مصر، والاستمرار في كرسي الحكم، وتثبيت منهجية حكم الفرد، في حالة الضباط الأحرار، وما نأمل ألا يتحقق في حالة انقلاب مصر الأخير، فما كان مقدراً لا لـ”عبد الناصر”، ولا “السيسي” الاستمرار في حكم مصر لولا أن جيش مصر دعمهما لأقصى مدىً، أو استكانته لتصدرهما المشهد وجنيه المكاسب من روائهما.

ومراجعات الثورة المصرية في 25 من يناير/كانون ثانٍ 2011م، أو محاولة الثورة غير المُكتملة حتى الآن، لا تكتمل الحقيقة، فيما يرى صاحب هذه الكلمات، إلا إذا انتبهتْ بعناية وتفصيل كافيين إلى عدوها المُباشر الذي استطاع التربص بها، بل توقعها، ثم الإيغال في الزج بها في الترهات والتفاهات على مدار قرابة 30 شهراً (من يناير/كانون أول 2011 حتى بداية يوليو/تموز 2013).

وذلك محور مهم في المراجعات، بوجه عام، فالأخيرة لا تعني بحال من الأحوال الانكفاء على الذات، والنظر في أفعال القوى الثورية، وترك الأعداء، وإلا لصار الأمر أقرب إلى العبث، هذا مع نقطة نظام مفصلية هذا مكانها، أن الإخوان الذين نزلوا معترك الرئاسة بإعلان الأول من أبريل/نيسان 2012م، وفق كلمات الرئيس “محمد مرسي”، رئيس حزب الحرية العدالة آنذاك، رغم نفيهم الأمر قبلها بأشهر فحسب، فعلوا الأمر بناء على اجتماع لمجلس شوراهم العام انعقد لثلاث مرات، فيما يرتاح إليه كثيرون، لتواتر النقل عن ثقات، رغم التصويت بالرفض لمرتين، دون مبرر قوي للإعادة اللهم إلا سوى تفاصيل سياسية كانت واضحة للعيان من قبل، واستجابة الجماعة للحراك الدافع بها نحو مسيرها المضني المحير نحو الهلاك.

كان الحاضرون في مجلس الشورى العام من آسف أغلبهم من الحركيين، الذين إن سلمنا بتقواهم، اعترفنا بأن أمر التنظير غائب عنهم، وهو أمر طالما قصرتْ الجماعة دون بنائه، أو الاعتراف بضرورة وجوده، بل افتقاد المتخصصين في التشريع والإفتاء، مثل الدكتور “عبد الرحمن البر”، أستاذ علم الحديث في جامعة الأزهر، وعضو مكتب الإرشاد، ومفتي الجماعة، وصوته صوت واحد من 108 صوتًا يُمثلون مجلس شورى عام الجماعة، والرجل قال في حوار مع موقع “مصر الجديدة” في 27 من مايو/أيار 2010م، “الإخوان ليسوا جماعة فقهية وآراؤنا من مكتب الإرشاد ومجلس الشورى”، ولا أدري لماذا نفي الفقهية، مع أن الأصل أن الجماعة لا تخالف الفقه، وذلك أوجب لحسن الفهم.

غاب المُنظرون القادرون على فهم الحقائق من مجالس الشورى الثلاثة المُنعقدة في شكل متتالٍ خلال فترة زمنية بسيطة، وقيل إن المجلس العسكري دفع بالأمور إلى نقطة الخلاف النهائية، فيما كان “جون ماكين” يلتقى القيادي “خيرت الشاطر” لتأكيد أن أمريكا لا تمانع في ترشح أحد الإخوان، والعائد لتلك الفترة يجد لقاءً فعلياً تم في بداية مارس/أذار 2012م، بحسب “بوابة الوفد” وهو ما أكده المتحدث الرسمي باسم الإخوان في ذلك الوقت الدكتور “محمود غزلان”، وهو ما أكده آخر في يوليو/تموز 2015م من أن اتفاقاً تم في اللقاء لقبول أمريكا بوجود الإخوان في الرئاسة، قبل أن ينفي تصريحه نفسه لـ”الشرق” القطرية، بعدها بأيام قليلة.

وفي أحداث “محمد محمود” الأولى في نوفمبر/تشرين الأول 2011م، نشر القيادي، “محمد البلتاجي” مقالاً بموقع “علامات أون لاين”، من بين ما جاء فيه: “أشعر أن مؤامرة دولية تحاك للزج بالإخوان في معترك الرئاسة”، وهي الكلمات التي أكدتُها على زوجته السيدة “سناء عبد الموجود” شفاهة فأقرتها، والأخير نُقلتْ أخبار عن ترشيحه للدكتور “عبد المنعم أبو الفتوح” في مايو/أيار 2012م، والتحقيق الداخلي معه بسبب ذلك، وهو نفسه ممسك الميكرفون في منصة ميدان التحرير لما تأخر الإعلان عن فوز الرئيس “مرسي” في 24 من يونيو/حزيران 2012م قائلاً (في ثبات): “إن الجماعة لن تصمت إذا تم تزوير الانتخابات، ذلك قبل أن يتم إعلانها على النحو الصحيح بعد دقائق، والأخير نموذج شديد الندرة لصاحب الرؤية والحركي داخل الجماعة، ولكنه رغم ما قدم من تضحيات بعد الانقلاب..لم يكن من المُقدمين كما ينبغي في الجماعة!

والمُنظرون الغائبون عن القرار والجماعة.. يغيبون عن المراجعات من أسف، فيما يغيب دور المناداة بدراسة دور الجيش، وضرورة النظر فيه، فيما يُشير إلى عدم التئام في دراسة ما حدث من ناحية، وعدم قدرة على تجاوز اللحظة، والنظر الدقيق لما كان.

ولدراسة دور الجيش فوائد أقواها أنها تكوّن بصورة تنفي الهالة التي شارك الإخوان بصورة مباشرة في نسجها حوله، فقد كان المكون الأدبي الشائع حول الجيش قُبيل الثورة يقول أنهم أفضل من الشرطة، ولا علاقة لهم بنا، إذ يحمون الوطن، مع تناسي دورهم في انقلاب 1952م الأول، أما بعد الثورة فتلك تفاصيل مريرة كثيرة “عملقت” الصورة الأولى.

حيث ينظر بعض الإخوان إلى الحقائق دون الانتباه إلى صداها، وتأصيل مداها التاريخي غير القريب، ومن خطورة هذه الغفلة وصلوا إلى موقفهم اليوم، ومن ذلك ما رأوا في الفترة الزمنية بين 11 من فبراير/شباط 2011 حتى بداية يوليو/تموز 2013م، وما اعتقدوا أنه نجاح للثورة المصرية وتعثر لمثيلتها السورية، كما قال البعض منهم وأفاض في التنظير.

وفي المقابل لما قام الانقلاب واشتد على عوده وأعمل القتل فيهم والإيذاء راحوا يُلقون بالتبعة على “الجيش المصري” الذي انحاز إلى الانقلاب، وهو نفسه الجيش الذي طالما تغنوا بنُصرته للثورة والثوار، ومنها نشرهم صورة أحد الضباط في ثورة يناير وهو يوجه سلاحه إلى أعلى رافضًا الاستكانة إلى طلب الفلول بتركهم يلقون المولوتوف وما شابه من فوق إحدى العمارات على الثوار، مع إغفال وجود ملايين من المصريين رافضين لحكمهم أو صامتين على قتلهم والتنكيل بهم، وليت شعري أين الضابط “ماجد بولس” صاحب هذه اللفتة الآن؟

والإخوان هم أنفسهم الذين كم تغنوا بمساعدة الجيش للمسنين وأصحاب الحالات الخاصة في انتخابات مجلس الشعب المصرية التي بدأت من 28 من نوفمبر/تشرين الأول 2011 وحتى 11 من يناير/كانون الثاني 2012م، وهي الصور التي كان الجيش يحاول بها تبيض وجهه عقب أحداث “محمود محمود” المريرة، ومنها الثانية المُتعلقة بمجلس الوزراء، وقد جرت وقائعها في الجمعة والسبت 16 و17 ديسمبر 2011، أثناء سير العملية الانتخابية البرلمانية، ووصلت حصيلة الذين قضوا نحبهم في هذين اليومين إلى نحو 9 أشخاص، بمن فيهم أمين لجنة الفتوى الراحل “عماد عفت”، بالإضافة إلى تعرية الفتاة المشهورة بـ”ست البنات” في ميدان التحرير، وأيامها ازدادت الحماسة الإخوانية للجيش، والكلمات المريرة، وقد زادت قسوتها بعد الأحداث الأولى في محمد محمود 19 من نوفمبر 2011.

بل إن بعض الإخوان أنفسهم تناسوا كلمات القيادي “محمد البلتاجي” عن اللواء الذي حذره من الاستمرار في ميدان التحرير قبل ساعات من موقعة الجمل المعروفة في برنامج “العاشرة مساء”، وقال “البلتاجي” عنه إنه كان من المخابرات واسمه عبد الفتاح (قاصدًا السيسي)، ورغم هذا تم اختياره وزيرًا للدفاع، في أغسطس/أب 2012م أي بعد نحو عام ونصف العام فقط من موقعة الجمل التي قُضى فيها عشرات المصريين.

وقمة سنام ذلك خطورة خروج جريدة “الحرية والعدالة” ثاني يوم تعيين “عبد الفتاح السيسي” وزيرًا للدفاع بالمانشيت الرئيس الأبرز في تاريخ الجريدة القليل زمنياً، وكانت لسان حال الحزب والإخوان توزع عشرات الآلاف من النسخ في جميع ربوع مصر بناءً على ذلك، وفي تقريرها أشادت بماضي “السيسي” المتمثل في رغبته في تغيير ثقافة التعامل الأمني مع المواطنين وحماية المواطنين من المُعاملة المسيئة، كما أكد “السيسي” من قبل أن الجيش لا ينوي اعتقال “النساء” ثانية!

وفي جميع الحالات لم ينتبه الإخوان إلى أنهم إنما يُعادونَ منظومة متوغلة في القدم، لا تجوز فيها مهادنة العسكر المُتربين على يد الاحتلال، ولا الفلول من بقايا نظام “مبارك”، من الذين حاول الإخوان من بعد كسبهم من عماد الدولة العميقة، وأن مهادنة هؤلاء وتهميش دورهم الخطير لا يُساوي إلا معاداة التيار الثوري، وبالتالي خسارة هذا بالإضافة إلى ذاك (1).

———————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close