fbpx
تقديرات

مسارات العلاقات السعودية الأميركية بعد جاستا

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد:

باتت علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالسعودية على المحك بعد تجاوز الكونجرس فيتو الرئيس باراك أوباما، ووافق على قانون يمنح أهالي قتلى 11 سبتمبر الحق في مقاضاة السعودية على اعتبار أن 15 شخصاً من المنفذين للعملية هم بالأساس سعوديون وعلى رأسهم أسامة بن لادن العقل المدبر للهجمات.

قانون “جاستا” الذي حاول أوباما إيقافه لم يكن وليد اللحظة بل هو نتاج نقاش منذ 15 عاماً، ولكن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت ترفض مثل تشريع مثل هذا قرار، لما سيترتب عليه من خلافات وربما توترات بين الحلفيين السعودي والأميركي رغم وجود تحالف قوي بينهما دام أكثر من 4 عهود.

أصبح البحث عن إجابة التساؤل الرئيسي الآن حول: لماذا وافق الكونجرس على القانون في هذا التوقيت، وهل بالفعل حان وقت فض التحالف بين الرياض وواشنطن بسبب بروز إيران كلاعب رئيس في المنطقة وبداية التحالف بين طهران وواشنطن، أم أن الأمر ليس كذلك ولكنه خلاف في أحد الملفات؟، كل هذه الأسئلة سنحاول البحث لها عن إجابات في هذه الورقة.

 

أولاً: مؤشرات الخلاف بين الرياض وواشنطن

بدا منذ بداية الربيع العربي في عام 2011 أن مستقبل العلاقات بين الرياض وواشنطن لن يكون مثل سابق العهد وأن شيئا ما يلوح في الأفق سيؤثر بالسلب على هذه العلاقة التي بدت وكأنها من المسلمات وهي1:

1ـ الموقف في سوريا:

اختلفت نظرة السعودية للوضع في سوريا عن غيرها من بلدان الربيع العربي ففي الوقت الذي ساهمت فيه وأد الثورة في اليمن وأيدت بشدة بقايا نظام مبارك بمصر ودفعت في اتجاه الانقلاب على ثورة 25 يناير بدعم عبد الفتاح السيسي في الإطاحة بأول رئيس مدني في مصر، ساندت بقوة الفصائل المسلحة السورية كما وقفت خلف التيارات السياسية الرافضة لنظام بشار الأسد، فلماذا وقفت السعودية خلف الثورة السورية وأولتها كل هذا الاهتمام؟، فكلمة السر في الموقف السعودي باختصار هى إيران، الغريم الإقليمي بالنسبة للسعودية2.

الرياض اعتبرت أن تدخل إيران في الوضع في سوريا يمثل تهديداً لها بشكل مباشر خاصة إذا ما نجحت طهران في إبقاء نظام الأسد في سدة الحكم وتمكنت من تغيير الهوية الديموغرافية للشعب السوري من المذهب السني إلى المذهب الشيعي، كذلك سيطرة إيران على سوريا القريبة من السعودية يمثل تهديداً كبيراً للمملكة مما يجعل الخطر الإيراني يحيط بها من كل الأماكن.

الدور السلبي الذي لعبته إدارة أوباما في سوريا والذي تسبب في تعاظم الدور الروسي الحليف الأهم لبشار الأسد وإيران، أدى إلى وجود سخط سعودي كبير والتي كانت تأمل في أن تلعب واشنطن دوراً عسكرياً مثلما حدث في ليبيا عبر حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والذي ساهم بشكل كبير في نجاح الثوار الليبيين في الإطاحة بنظام معمر القذافي وقتله في نهاية المطاف، عبر حظر الطيران فوق ليبيا ومد المعارضين الليبيين بالأسلحة والمعدات العسكرية، فكانت السعودية تأمل في تكرار ذلك بسوريا، لكن الإدارة الأميركية نأت بنفسها عن التدخل في سوريا واعتبرت أن الأمر ليس ذا جدوى بالنسبة لها وتركت المجال أمام التدخل الروسي والإيراني دون أن معارضة تذكر، فهذا الموقف يعد من المؤشرات الأساسية على التوتر في العلاقات بين واشنطن والرياض.

 

2ـ توقيع الاتفاق النووي مع إيران:

تفاجأ الجميع في يوليو 2015، باتفاق القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة مع إيران على التخلى عن برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية والعسكرية عنها، هذا التطور في الوضع الإقليمي والذي تحولت فيه إيران من العدو الأكبر للغرب والدولة المارقة إلى حليف مهم قادم في الشرق الأوسط، في نفس الوقت تغيرت نظرة إيران لأميركا من الشيطان الأكبر إلى الدولة الصديقة3.

هذا التحول الغربي من إيران ازعج دول الخليج وعلىرأسها المملكة العربية السعودية التي اعتبرت أن أميركا تخلت عنها وفضت التحالف الاستراتيجي مع دول الخليج وسلمت المنطقة للحليف الجديد إيران، فهذه المخاوف الخليجية التي يعتبرها البعض طبيعية لم تلق الاهتمام الكامل من واشنطن رغم محاولات الطمأنة التي قام بها أوباما، فعقب الإعلان رسميا عن الاتفاق استضاف أوباما قادة من دول مجلس التعاون الخليجي في منتجع كامب ديفيد، لطمأنتهم بشأن الاتفاق مع طهران، لكن الأمر لم يخرج عن الدعاية السياسية للرئيس الأميركي، وفي نفس الوقت بيع أسلحة دفاعية لدول الخليج بعشرات المليارات من الدولارات، لمواجهة إيران عسكرياً في حال نشوب حرب بينهما، هذه الإجراءات الأميركية لم تكن كفيلة في تهدئة التوتر السعودي من أميركا وهو ما عبر عنه غياب الملك سلمان بن عبدالعزيز بدعوى المرض عن الحضور لقمة كامب ديفيد الخليجية.

 

3ـ حوار أوباما مع مجلة “ذي أتلانتك”:

مثل هذا الحوار نقطة ساخنة في مستقبل العلاقات بين البلدين لاسيما بعدما كشف عن نوايا أوباما الحقيقة ونظرته تجاه السعودية التي دائما ما تعتبر علاقتها بأميركا بالزواج الكاثوليكي الذي لا طلاق فيه، إذا اعتبر الرئيس الأميركي أن السعودية دولة داعمة للإرهاب في العالم4، وقدمت ملايين الدولارات لدعم الأفكار المتطرفة، كما أعتبر أنه على إيران والسعودية أن يتعاونا فيما بينهما وأن ينهيا الخلافات التي استمرت لعشرات السنوات، هذه التصريحات التي أطلق عليها عقيدة أوباما تجاه الشرق الأوسط، أثارت غضب السعوديين ولكن بشكل غير رسمي، حيث سمح النظام السعودي لعدد من الكتاب المحسوبين على الدولة ومنهم الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية السابق5، بشن انتقادات لاذعة للإدارة الأميركية ولأوباما، متهمين الإدارة الأميركية بتسليم المنطقة لإيران وتخليها عن الحليف السعودي الذي دفع ثمناً كبيراً من أجل بقاء هذا التحالف.

وكان هذا الحوار من أبرز المؤشرات على رغبة إدارة أوباما في منح إيران دور أكبر في إقليم الشرق الأوسط على حساب السعودية، وفي نفس الوقت كشف عن نظرة الرئيس الأميركي للسعودية التي كانت تعتبر أن مكانتها مقدسة لدى أي رئيس أميركي.

 

4ـ قانون جاستا:

تعد موافقة الكونغرس الأميركي على قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب والمعروف ب”جاستا” أخطر ما وقع في العلاقات بين البلدين منذ نصف قرن تقريباً، فبنص هذا القانون يعتبر أمراء سعوديين في مرمى القضاء الأميركي، حيث يخول هذا القانون عائلات وأسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر 2001، بمقاضاة السعودية بتهم دعم الإرهاب لاسيما وإن أغلب المنفذين لهجمات سبتمبر يحملون الجنسية السعودية، كما يمكن أيضاً مقاضاة الممولين لتلك العلميات والتي يظن عدد كبير من أسر القتلى بوقوف أمراء سعوديين وراء تمويل تنظيم القاعدة وزعيمه الراحل أسامة بن لادن.

فيتو أوباما الذي اتخذه في اللحظة الأخيرة لم يمنع البرلمان الأميركي أن يمرر القانون، مما أثار العديد من التساؤلات حول شخصية أوباما التي أصبحت ضعيفة في أخر أيامه في البيت الأبيض، كون القرار يعد من النادر أن يتخطى الكونغرس فيتو الرئيس.

الرد السعودي على جاستا كان سريعاً، إذ اعتبرت الخارجية السعودية أن القرار يعد أمراً خطيراً وسيؤثر على مفهوم الحصانة الدبلوماسية حتى للمسؤولين الأميركيين أيضا، كما اتخذت الرياض خطوة جديدة في تعاملاتها الاقتصادية والتي اتفقت مع الصين على تنحية الدولار من التعاملات الاقتصادية بين الرياض وبكين، الأمر الذي اعتبره البعض خطوة سعودية مهمة في رد على القانون.

الخطير في القانون بحسب العديد من المحليين أن القرار لن يوثر على السعوديين أو الأميركيين فقط بل سيؤثر على المنظومة الدولية برمتها فيما يتعلق بالحصانات الدبلوماسية التي تمنحها الدول لبعض الأجانب على أراضيها طبقاً للمعاهدات الدولية، ومن ثم يمكن أن يتسبب هذا القانون في زعزعة استقرار منظومة العلاقات الدولية، الأمر الذي دفع بعض نواب الكونغرس للحديث عن عدم اطلاع أوباما لهم حول مخاطر هذا القانون6.

أيضا ثمة بعد آخر متعلق بالقانون وهو ماذا لو حكم القضاء الأميركي بتعويض أسر هؤلاء الضحايا من أين سيتم الحصول على تلك التعويضات؟ الأمر الذي فسره كثيرون بـأن سندات الخزانة الأميركية المملوكة للسعودية ستكون هي الملاذ الأول لتلك الأموال مما يعني زعزعة كبيرة في الاقتصاد الأميركي لاسيما وأن عدد كبير من دول العالم يمتلك تلك السندات وعلى رأسها الصين ثاني أكبر مالك لتلك السندات في الأسواق الأميركية.

 

ثانياً: أوراق الضغط لكل الطرفين:

إذا ما اعتبرنا أن الخلاف السعودي الأميركي الآن قابل للتطور إلى أن يصبح صراعاً فما هي أوراق الضغط التي يمتلكها كل طرف في مجابهة الطرف الأخر.

 

1ـ أوراق الضغط الأميركية:

(أ) القوة العسكرية والتسليح:

تلعب القوة العسكرية الأميركية دوراً حيوياً في أي صراع لها مع أي قوى كانت سواءً إقليمية أو دولية، فالجيش الأميركي يعد الجيش الثاني عالمياً بعد الصين إذ يقدر عدد الجنود في الخدمة بنحو مليون ومائتي ألف مقاتل7، إضافة إلى عشرات الألاف من القوات الخاصة والجنود المرتزقة، كما أن عدد من القواعد العسكرية المنتشرة في الخليج قد يمثل هاجساً للسعودية إذا ما تدهورت الأوضاع بينهما، ناهيك عن أن الولايات المتحدة تعد المصدر الأول للتسليح بالنسبة للرياض التي إذا ما فكرت في تغيير وجهة تسليحها فإن ذلك سيكلفها مليارات الدولارات من أجل بناء ترسانة عسكرية جديدة لها، فهذا العامل يعد من الأمور المهمة التي توضع في الاعتبار8.

 

(ب) مجلس الأمن:

من المعروف أن الأمم المتحدة ومؤسساتها دائما ما تخضع لنفوذ الدول الخمس دائمة العضوية لما يتمتعون به من حق النقد المعروف بالفيتو، ويعد النفوذ الأميركي هو الأكبر والأهم في آلية تنفيذ القرارات داخل المؤسسة الدولية ومن ثم يعد الموقف الدولي في بعض الحالات مرهون بالموافقة الأميركية، ومن هنا يعد هذا الأمر سلاحاً مهماً في يد الولايات المتحدة إذا ما فكرت في استخدامه ضد السعودية في أي من الملفات الساخنة وعلى رأسها الوضع في اليمن الذي تتهم فيه منظمات حقوقية وإنسانية الرياض بارتكاب جرائم ضد المدنيين في المدن اليمنية.

 

(ج) الأموال السعودية في أميركا:

تُقدر السندات السعودية في الخزانة الأميركية ما بين تريليون وتريليون ونصف التريليون ريالاً سعودياً9، مما يجعل الرياض من أكثر 10 دولاً شراءً لسندات الخزانة الأميركية، هذه المبالغ الضخمة تعد ورقة ضغط مهمة لصالح واشنطن يمكن أن تستخدمها في أي وقت إذا ما صدر أي حكم قضائي ضد الرياض فيما يخص أحداث 11 سبتمبر أو غيرها مما يجعل هذه الأموال في مرمى القضاء الأميركي.

لكن ثمة من يرى أن الولايات المتحدة لا يمكن لها أن تقدم على هذه الخطوة لعدة اعتبارات منها أن هذه الخطوة قد تتسبب في زعزعة الاستقرار الاقتصادي العالمي، كما أنها قد تدفع دولا مثل الصين واليابان اللتان تحتلان المركز الأول والثاني في الاستثمار داخل الولايات المتحدة في سحب أموالهما مما قد يتسبب في انهيار النظام الاقتصادي الأميركي.

 

2ـ أوراق الضغط السعودية:

(أ) القواعد الأميركية:

تمتلك واشنطن عدد من القواعد العسكرية في منطقة الخليج العربي، إضافة إلى حاملات طائرات مرابضة في البحر الأحمر والمتوسط، من أجل حماية مصالحها في المنطقة لاسيما النفط، هذه القواعد رغم إنها تمثل ورقة ضغط لواشنطن لكنها في ذات الوقت تعد نقطة ضعف إذا استطاعت المملكة العربية السعودية إقناع دول الخليج التي تستضيف معظم القواعد الأميركية بإغلاق هذه القواعد، ومن ثم تعد مصالح واشنطن مهددة بشكل كبير في هذه المنطقة الحيوية. لكن هذا الخيار قد يكون من المستحيل بالنسبة لسعودية أن تقدم عليه، لأمور كثيرة أقلها إنه قد ينذر بحرب بين الطرفين لما تمثله هذه القواعد من أهمية كبرى لواشنطن.

 

(ب) تجميد العلاقات وقطع النفط:

تتسم العلاقات بين واشنطن والرياض دائما بالرسوخ والعمق، فمنذ اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط في نصف القرن الماضي وهي تربطها علاقات قوية ومتينة مع السعودية، منذ 1942، ولم تتأثر هذه العلاقات رغم وقوع أحداث كانت تنذر بقطع هذه العلاقات، مثل 11 سبتمبر التي كان المتهم الرئيس فيها سعودي الجنسية وهو أسامة بن لادن إضافة إلى 17 شخصا قاموا بالتفجيرات كلهم سعوديون، ولكن هذا الحدث بلا شك قد يؤثر بشكل كبير على شكل العلاقات بين البلدين.

فالسعودية ثاني أكبر مصدر نفط في العالم، والأول للولايات المتحدة ومن ثم فهذه السلعة الاستراتيجية للولايات المتحدة قد تتأثر بشكل ما في حال تطورت الأوضاع بينهما بسبب هذا القانون، ومن ثم فإن لجوء الرياض إلى هذه الورقة قد يكون خياراً صعباً لا سيما في ظل تراجع أسعار النفط بشكل كبير خلال الأعوام السابقة، وحاجة الرياض إلى زيادة إنتاجها من النقط لتعويض الفرق في انخفاض الأسعار، لكنه هذا الخيار يظل ورقة ضغط قوية يمكن أن تساوم بها الرياض.

 

(ج) دعم جماعات ضغط مناوئة للقرار:

يتميز النظام السياسي الأميركي بمنح دور كبير لجماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدني، والتي قد تحاول الرياض استغلالها في الضغط من أجل وقف تنفيذ هذا القانون إن أمكن أو تنظيم حملات إعلامية ضخمة كما فعلت في عام 2001 عقب أحداث 11 سبتمبر، والتي نجحت فيها في تحسين الصورة الذهنية لدى المواطن الأميركي بعدما تشوهت بفعل الأحداث، وهذا الخيار قد يكون سهلاً وفعالاً في نفس الوقت، ومن المتوقع أن يكون أحد الحلول أمام الإدارة السعودية10. لكنه أيضاً قد يكون غير مؤثر أمام إخفاق السعودية في الاستفادة منه خلال السنوات الماضية بعد 2001.

 

(د) التوجه نحو روسيا:

دائما ما تثير علاقات روسيا بأى من الدول ذات الأهمية لأميركا مثل السعودية غضب البيت الأبيض الذي يعتبر أن أى تحول نحو موسكو يعد تغيراً في الموقف من واشنطن، ومن هذا القبيل قد يكون الخيار السعودي بالتوجه نحو روسيا فيما يخص التسليح وتوطيد العلاقات التجارية والاقتصادية مصدر إزعاج للولايات المتحدة، ومن ثم قد يدفعها إلى تغيير موقفها في أمر معين حتى لا تغضب حلفائها، ومن هذه النقطة قد يكون التوجه السعودي نحو الشرق ورقة ضغط مهمة قد تلجأ إلى استخدامها إذا ما تم المضي قدماً في تنفيذ قانون جاستا11.

 

ثالثاً: المسارات المستقبلية للعلاقة:

1ـ التراجع عن القانون:

يعتمد هذا التصور على إقرار القانون في دورة تشريعية جديدة للكونغرس بعد وصول الرئيس الأميركي الجديد في نوفمبر 2016، ومن ثم يتم وقف إقراره لما يمثله من خطر على مستقبل المصالح الأميركية في الشرق الأوسط إذا ما تم تنفيه فعلياً، ويستند هذا السيناريو على أن الرئيس الأميركي القادم لن يغامر بعلاقة بلده الراسخة مع السعودية بل سيحاول إرضائها لاسيما وهي لاعب رئيس في المنطقة وكذلك دورها الأمني والاستخباراتي الكبير في محاربة الإرهاب، وعلى رأسه تنظيم الدولة الإسلامية داعش.

أيضا الانعكاسات السلبية التي سيتسبب بها القانون على المواطنين الأميركيين في كل أنحاء العالم ووقوعهم تحت طائلة القانون وطلب تعويضات عن العمليات الأميركية والتي سقط فيها مدنيون في دول خاضت فيها واشنطن حروب مثل العراق وأفغانستان والصومال واليمن وسوريا ودول أخرى.

كذلك تنفيذ مثل هذا القانون سيعرض الاقتصاد الأميركي إلى هذه كبيرة في حال صرف تعويضات إلى أسر الضحايا من الأموال السعودية في البنوك الأميركية مما يؤثر على سمعة ومناخ الاستثمار في الأسواق الأميركية وقد يدفع عدد من الدول مثل الصين أكبر مستثمر في الأسواق الأميركية بسحب أموالها مما قد يتسبب في وقوع كارثة اقتصادية قد تصل إلى أزمة مالية عالمية على غرار تلك التي وقعت في منتصف 2008.

 

2ـ احتدام الخلاف وتجميد العلاقات:

يقوم هذا السيناريو على أن الإدارة الأميركية ستمضي في تنفيذ هذا القانون دون الالتفات إلى التحذيرات من عواقب تنفيذه مما يتسبب بشكل مباشر في تجميد العلاقات بين واشنطن والرياض، وسعى السعودية للرد على هذا التطور الجديد في العلاقات من خلال استخدام أوراق الضغط التي تمتلكها، ومن وقف التعاون الاستخباراتي والأمني مع واشنطن فيما يخص محاربة الإرهاب، وشن حملة إعلامية كبيرة ضد مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، كما ستحاول سحب مليارات الدولارات من الاقتصاد الأميركي، وإقناع حلفاء المملكة في مجلس التعاون الخليجي بتقليص تعاونهم مع أميركا في ملف مكافحة الإرهاب، وخفض استثماراتهم في الاقتصاد الأميركي، وكذلك فرض القيود على استخدام الولايات المتحدة الأميركية القواعد الجوية الإقليمية الهامة12.

هذا السيناريو بشكله هذا ربما قد يكون من المستحيل تحقيقه لاسيما وأن هناك ثمة خلافات شديدة بين دول مجلس التعاون الخليجي ولا يمكن للرياض الضغط عليهم فيما يخص القواعد الأميركية بشكل خاص، كما أن فكرة سحب الاستثمارات السعودية من الولايات المتحدة أمر من المستحيل أيضا تحقيقه.

 

(3) تمرير القانون دون توتر في العلاقات:

الفكرة الأساسية لهذا التصور تعتمد على تمرير قانون جاستا دون أن تتوتر العلاقات بين البلدين بمعني أن يتم إرضاء أسر ضحايا 11 سبتمبر بتمرير هذا القانون في نفس الوقت يتم وضع عراقيل كبيرة من قبل المحاكم الأميركية للحصول على تلك التعويضات مما يعتبر فعلياً تجميد هذا القانون، من أجل إرضاء جميع الأطراف.

هذا السيناريو واقعياً لا يمكن حدوثه لعدة اعتبارات، كون أن القضاء الأميركي في حد ذاته مستقلاً وفي حال تقديم أوراق وافيه سيتم الحكم في تلك القضايا لأصحابها وفي حال نجاح أسرة وأحدة في كسب قضية ضد الرياض سيفتح الباب أمام العشرات في سلك نفس الطريق، ومن ثم لا يمكن السيطرة على أسر الضحايا في رفع القضايا في أكثر من محكمة، ومن ثم لا يعتبر هذا السيناريو واقعياً كونه سيؤدي بالضرورة إلى النتيجة السابقة والتي ترفضها السعودية.

 

السيناريو المرجع:

ترجع الورقة حدوث السيناريو الأول القائم على عرض القانون في دورة تشريعية جديدة في الكونغرس ومن ثم يتم رفض هذا القانون، لما سيترتب عليه من ضرر كبير في المصالح الأميركية إذا ما تم الاتفاق عليه بشكل نهائي، وهو ما عبر عنه عدد من النواب في الكونغرس حينما قال إن أوباما لم يشرح لنا مخاطر تطبيق مثل هذا القانون على الأمن القومي الأميركي، ولكن هذا الخيار يظل خاضعاً لتوازنات القوى الداخلية، والأهداف الأميركية الحقيقية تجاه السعودية، وكذلك ردود الفعل السعودية وتحركاتها خلال المرحلة القادمة.

 

خلاصة:

لقد أحدثت موافقة الكونغرس الأميركي على هذا القانون شرخاً كبيراً في العلاقات بين واشنطن والرياض، وأطلقت رسالة تنبيه للسعوديين حول مستقبل بلادهم في حال نشوب خلاف مع الإدارة الأميركية وعليه أن تفكر الإدارة السعودية جدياً في البحث عن بديل للولايات المتحدة التي تتأرجح سياستها حيال الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة.

أيضا كشف هذا القانون عن نية أميركية مبيته ضد السعودية من أجل وضعها موضع إيران قبل عقدين من الزمن، ففي هذا التوقيت الحرج يتم وصف السعودية واتهامها بدعم الإرهاب في نفس الوقت الذي تخوض فيه معارك ضارية ضد حلفاء إيران في المنطقة، ومن هنا كان لازما على الرياض أن تفكر جديداً في سياسة مستقلة لها بعيداً عن الفلك الأميركي.

—————————

الهامش

1- الترتيب هنا حسب تسلسل الأحداث وليس حسب أهميتها.

2- حقيقة الشقاق بين السعودية والولايات المتحدة، بي بي سي عربي، أكتوبر 2013، الرابط

3- قلق بالسعودية من اتفاق إيران النووي، الجزيرة نت، يوليو 2015، الرابط

4- أوباما: على السعودية وإيران تعلم مبدأ المشاركة في المنطقة، موقع بي بي سي عربي، مارس 2016، الرابط

5- تركي الفيصل: لا يا سيد أوباما، مقالة له بصحيفة الشرق الأوسط، مارس 2016، الرابط

6- خبير تركي: قانون جاستا إشارة أميركية لاحتلال السعودي على غرار العراق وأفغانستان، موقع ترك برس، أكتوبر 2016، الرابط

7- موسوعة ويكيبيديا، القوات المسلحة الأميركية، الرابط

8- أهم القواعد الأميركية في الخليج، موقع ساسة بوست، مارس 2014، الرابط

9- ما حجم أصول السعودية في أمريكا؟، موقع سي إن إن عربي، 11 سبتمبر 2016، الرابط

10- السعودية توظف جماعات الضغط لصالحها في الداخل الأمريكي، موقع نون بوست، مارس 2016، الرابط

11- الانفتاح السعودي تجاه روسيا.. توجه تكتيكي ذو أساس استراتيجي، صحيفة العرب اللندنية، يوليو 2015، الرابط

12-  خيارات السعودية لمواجهة “قانون الكونغرس” الذي يسمح بملاحقتها قضائياً، هافينغتون بوست عربي، سبتمبر 2016، الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close