fbpx
دراساتاوروبا وامريكا

مسارات وقضايا الصراع الأمريكية ـ الصينية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد

تكشف العدید من مواقف السیاسة الخارجیة الصینیة أن هناك ما یشبه الإجماع بین قادة الصين في تصویر الولایات المتحدة كمصدر رئیسي قادر على عرقلة المصالح الصینیة في الخارج، ومصدر القلق بالنسبة للصینیین له صلة بالسیاسات الأحادیة مما یصعب على الصین حمایة مصالحها الخارجیة على المدى القصیر، في حین یسود الاعتقاد لدى الرسمیین والأكادیمیین الصینیین بأن الولایات المتحدة تحضر نفسها لنزاع طویل مع الصین – لتحقيق هدف احتوائه على غرار ما فعلت مع الاتحاد السوفيتي- ولهذا السبب سعت الصین إلى تعزیز علاقاتها مع الدول الأخرى التي تعارض السیاسات الأمریكیة أو تلك التي تشارك الصین قلقها بشأن الهیمنة الأمریكیة، في محاولة لاستغلال الفرص المتوفرة لإقامة محور ضد سیاسة الهیمنة. وبناءً على ذلك خلقت “شراكة استراتیجیة” مع عدد من الدول في محاولة لخلق ثقل مواز لقوة الولایات المتحدة، سواء من خلال التكتلات والمنتدیات الاقتصادیة (بریكس، آسیان+1،منتدى التعاون الإفریقي- الصیني…)، أو من خلال تعزیز روابطها الثنائیة مع القوى المؤثرة كإیران ونیجیریا وألمانیا و روسیا بشكل خاص وهي تمثل واحدة من الأهداف الإستراتیجیة للصین لتقليص الفارق بينها وبين القوة الأمريكية[1].

وفي هذا الإطار، أعلنت الصين أنها ستكون “قوى قطبية”، وهو المصطلح الذي تستخدمه على نطاق واسع لتوصيف طموحاتها، وبالتالي تأكيد أهمية استغلال المناطق القطبية لتحقيق مصالحها الوطنية، وحقها في العمل فيها بشكل شامل بجانب الولايات المتحدة، وكمورد مشترك، يمكن لبكين استغلال موارد القطبين دون أن يقوض لها البعد الجغرافي[2].

فقبل الدخول في مواجهة عسكریة أو التهدید بالقوة، لجأت الصین إلى انتهاج استراتیجیة جدیدة انصبت على نزع الشرعیة عن مركز النظام الدولي والعمل على إضعاف الولایات المتحدة، وتمثل هذه المرحلة –مرحلة نزع الشرعیة- الثانیة ضمن نموذج الحلقات الحلزونیة المؤلف من خمس مراحل[3]:

 1- نظام مستقر.

 2- نزع الشرعیة عن القوة المهیمنة.

 3 – بناء القوة العسكریة وتشكیل الأحلاف.

 4 -حل الأزمة العالمیة (في الغالب من خلال حرب الهیمنة).

 5 – تجدید النظام الدولي.

وتكشف هذه المظاهر عن إستراتیجیة صینیة شاملة لإضعاف مركزیة الولایات المتحدة في النظام الدولي دون تحد مباشر لمصالح الولایات المتحدة أو لمؤسسات هذا النظام، أي من خلال التركیز على الجوانب السلبیة في إدارة المهیمن للعلاقات الدولیة، وتقدیم بعض الاقتراحات و إظهار الرغبة في تقدیم بعض الحلول للمشكلات العالمیة، بالشكل الذي یسمح ببلورة الصورة الدولیة للصین وكسب التأیید الدولي، وهو ما یشكل في نهایة المطاف نواة لبناء تحالف لموازنة الولایات المتحدة وهي المرحلة التالیة لمرحلة إضعاف شرعیة المهيمن.[4]

ومن خلال ذلك ساند أونستين تونسجو طروحات بعض الأكاديميين والسياسيين الصينيين بحيث ركز في كتابه المعنون “عودة الثنائية القطبية في السياسات العالمية: الصين والولايات المتحدة والواقعية الجغرافية”، على قطبية النظام الدولي المعاصر للتنبؤ بطبيعة التنافس، ومخاطر الصراع بين الولايات المتحدة والصين وفقا لذلك، بحيث أن هذا الطرح تزكيه عدة مؤشرات من بينها تراجع فجوة الطاقة بين الولايات المتحدة والصين. ويتعلق ثانيها باتساع تلك الفجوة بين الصين وكل من روسيا والهند إلى تشابه توضيع القوة الراهن مع مثيله في ظل الحرب الباردة. ويؤكد من خلال ذلك أن الصين على الرغم من عدم تكافؤ قوتها مع الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا، فإن لها مكانتها القوية ضمن النظام الدولي الحالي[5].

في الآن ذاته، سعت الولايات المتحدة الأمريكية ولا تزال إلى بناء استراتيجيات للتصدي للصعود الصيني بما يحفظ مكانتها وتفوقها الدولي في عناصر القوة الشاملة. حيث عمدت إلى خيار التطويق العسكري والاحتواء و الكبح. هذا الخيار الذي انتهجته منذ بداية الحرب الباردة، وبرز جليا مع إدارة أوباما،التي انعطفت نحو آسيا وذلك من خلال تعزيز تحالفاتها القديمة التي تعود إلى أيام الحرب الباردة مع هذه البلدان بهدف احتواء الصين الصاعدة.

والحلفاء الرسميون الرئيسيون للولايات المتحدة في منطقة هذين البحرين هم اليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وأستراليا، وحليف رئيسي غير رسمي هو تايوان. وبموازاة ذلك، عملت الولايات المتحدة – وهي تضع الصين في ذهنها – لتحسين علاقاتها مع دول أخرى غير حليفة في المنطقة تشعر بقلق إزاء الصين، مثل فيتنام، العدو السابق للولايات المتحدة والتي لا تزال شيوعية[6].

لقد رأت إدارة أوباما في منطقة بحر الصين الجنوبي مصلحة قومية جوهرية، وإطلاق ما يسمى محور اسيا (آسيا،) والذي يحول سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين إلى سياسة مبنية بشكل واسع على المصالح التجارية المشتركة، إلى أخرى هدفها احتواء نهوض الصين، لذلك كانت رحلة الرئيس أوباما إلى جنوب شرقي اسيا مؤشرا جيدا على نية واشنطن في إحاطة الصين وعزلها. من خلال نشر أكبر عدد من القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة حول العالم والتي تقدر بنحو 750قاعدة، منها109قواعد في اليابان و 85 في كوريا الجنوبية[7].

وفي استراتيجيتها البحرية التعاونية لقوة البحر، ركزت الولايات المتحدة الأميركية على دور قواتها البحرية في دعم سيطرتها العالمية، و تأمين القدرة على التدخل ما وراء البحار، عبر نشر المزيد من قطعاتها البحرية حول العالم، بتعزيز التحالفات القائمة وبناء تحالفات جديدة، وصنع الوكلاء عبر العالم خصوصا في المنطقة الهندوآسيوية للمحيط الهادئ، في سعي للتعامل بشكل أكبر مع مسألة نهوض القوى البحرية الصينية وتوسعها هناك، سعيا من واشنطن في السيطرة على التجارة في المحيط الهندي والهادئ وحتى احتكارها، وتقييد الاستخدام العسكري أو الاقتصادي للمحيطات من قبل دول أخرى. لتحقيق أهداف استراتيجيتها، وقد عملت واشنطن لتحقيق أهداف استراتيجيتها على تقوية التعاون مع حلفائها التاريخيين كأستراليا، اليابان، نيوزلندا، كوريا الجنوبية وتايلاند، كما سعت لإقامة شراكات جديدة مع دول أخرى في المنطقة مثل بنغلاديش، بروناي، الهند، اندونيسيا، ماليزيا، سنغافورة، وفيتنام. محاولة منها لإحكام الطوق حول القوات البحرية الصينية في البحر الصيني الجنوبي، وبالتالي منع تحركاتها في المجال العملياتي الأوسع، كالمحيط الهندي الذي يشكل منطقة أخرى للمواجهة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، والدعم الأمريكي للمناطق الإقليمية للصين يزيد التوتر في بحر الصين الجنوبي حيث الخلاف على ملكية عدد من الجزر والمناطق البحرية بين كل من ماليزيا وتايوان وفيتنام و بروناي والفلبين والصين، فالأخيرة سيطرت على العديد من المناطق المتنازع عليها وشرعت بفرض الأمر الواقع عبر توسعة الجزر وإقامة جزر صناعية وتطوير منشآت اقتصادية وعسكرية.

إذن، فقد سعت واشنطن من خلال محور آسيا، إلى تطوير علاقاتها مع دول المنطقة، خاصة دول جنوب شرق آسيا المنخرطة في إطار التكتل الإقليمي “آسيان”، بحيث عملت على تكثيف العلاقات الدبلوماسية مع أندونيسيا، والهند وفيتنام، وسنغافورة، وكمبوديا وغيرها، وأيضا علاقاتها التجارية مع الدول الحليفة كاليابان، وكوريا الجنوبية، ثم مع دول المحيط الهادي، من خلال التفاوض على اتفاقية للتبادل الحر عبر المحيط الهادئ التي تم التوقيع عليها سنة 2015 مع اثنتي عشرة دولة من دول المحيط باستثناء الصين. وقد كان الهدف من ذلك هو أن يتم إلزام الصين بإطار تجاري منظم يحترم قواعد مستقاة من القانون الأنجلوساكسوني، ودون أن تتمكن الصين من أن تقول كلمتها بشأن ذلك، وهو ما بدا معه جليا أن محور آسيا يندرج في إطار سياسة ممهنجة لاحتواء الصين على الرغم من عدم اعتراف الولايات المتحدة بذلك[8].

وقلق واشنطن من نفوذ الصين في المحيط الهندي دفعها إلى تعزيز علاقتها مع الهند كجزء من استراتيجيتها لمواجهة الصين، مستغلة حالة من التنافس المتصاعدة بين الجارتين الآسيويتين، ولا سيما بعد تزايد الأنشطة والمشاريع الصينية في سريلانكا، منطقة النفوذ الهندية والتي باتت تحت تأثير النفوذ الاقتصادي الصيني عبر المرافئ الممولة من قبل الاستثمارات الصينية، وكذلك في باكستان، العدو التاريخي للهند. يقول بنتا: “الهند، عملنا على إطلاق مبادرة تنمية غير مسبوقة لتبسيط علميات التصدير في ما بيننا وتعميق تجارتنا وإنتاجنا المشترك في المجال الدفاعي”.

“لم تخطئ الصين قراءة المعاني التي تنطوي عليها الاستراتيجية الأمريكية من محاولة تطويقها والسيطرة على مناطق المصالح الصينية والممرات المائية الحيوية في المنطقة. وهي تواصل تحركاتها المضادة للاستراتيجية الأمريكية التي ترى فيها تهديدا لمصالحها”[9].

هكذا اتخذ أوباما مساراً قائما على تقوية تحالفات أصبحت دائمة ومتشابكة ولكنها ليست غاية بحد ذاتها، بل هي وسيلة لضمان الأمن القومي. من خلال حظر التكنولوجيا المتطورة التي قد تستخدم لتطوير القدرات العسكرية للصين، والأكثر من ذلك محاولة تسليح تايوان، ودعم الحركات الانفصالية.

لقد شكلت محاولة احتواء الصعود الصيني وكبح جماح طموحاتها السياسية والاقتصادية تجاه المنطقة والعالم، من خلال قطع خطوط إمدادات الصين بموارد الطاقة، أحد أهم أهداف إستراتيجية أوباما في منطقة آسيا من المحيط الهادي، وهي الأولوية التي وجهها إلى وزارة الدفاع الأميركية، “الحفاظ على القيادة العالمية، أولوية الدفاع للقرن الحادي والعشرين”. فصعود قوة آسيوية جديدة في آسيا يمثّل تهديدا عالميّا للمصالح الأميركية وزعامتها[10].

فالهدف الأول هو تفادي ظهور منافس جديد. بحيث أن هذه الرؤية عامة تقع تحتها الاستراتيجية الدفاعية الإقليمية، بحيث تتضمن في سعيها الدائم منع أي قوة معادية من السيطرة على أي منطقة يمكن لثرواتها -عندما تصبح تحت السيطرة- أن تكون كافية لإطلاق قوة عظمى. هذه المناطق تتضمن أوروبا الغربية، شرق آسيا، الأراضي السوفياتية السابقة، وجنوب غرب آسيا[11].

فيما أكدت السياسية والدبلوماسية الأمريكية. كوندوليزا رايس، أن” الصين ليست بالدولة التي تميل إلى الحفاظ على الوضع الراهن بل على العكس، فهي تريد تغيير الوضع القائم، وتغيير ميزان القوى في آسيا لمصلحتها. وهذا وحده كاف لجعلها الخصم الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية [12].

وبدورها وصفت زي زونغوان المديرة السابقة للمعهد الأمريكي التابع لأكاديمية العلوم الصينية، العلاقة الأمريكية – الصينية بالعلاقة الهشة، تشوبها شكوك وهواجس من الطرفين. فالصعود السريع للصين تراه أمريكا تحديا يصعب التحكم فيه مع الوقت كونه صعودا لا يتماشى مع المصالح الأمريكية[13].

يعود القلق من تمدد الصين إقليميا، وتوسيع نفوذها في شرق آسيا، إلى أن ذلك يشكل إضافة إلى رصيدها على المستوى الدولي، ويسهم في دعم نفوذها وتقوية مركزها في النظام العالمي، كما يرتبط القلق الأمريكي بالحرص على عدم التخلي عن الالتزامات تجاه الحلفاء الذين يحدث التمدد الصيني على حسابهم، ومن الأمثلة البارزة على الصراع الأمريكي الصيني الذي يدار بشكل حذر في المنطقة هو دعوة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو دول جنوب شرق آسيا إلى التصدي لما سماه ” الإكراه الصيني، خلال زيارته إلى تايلاند في أغسطس 2019. كما يزداد القلق الأمريكي من تمدد نفوذ الصين في منطقة بحر الصين الشرقي بسبب الدعم غير المباشر الذي تقدمه روسيا إلى بكين ويظهر ذلك في المناورات البحرية التي يقوم بها الطرفان منذ 2014[14].

وهناك الكثير من الأدلة على أن للصين طموحات كبيرة على الصعيد العالمي، هذه الطموحات التي تزداد مع مرور الوقت على نحو لا يمكن إلا أن يقود إلى صراع مع الولايات المتحدة التي تنظر بعين القلق أيضا إلى تداعيات مشروع، الحزام-الطريق، أو ما يطلق عليه طريق الحرير الجديدة.

وهذا القلق يعتبر طبيعيا نظرا لضخامة المشروع الذي يربط الصين بعدد متزايد من الدول التي تمتد من آسيا إلى إفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى عبر طرق برية وسكك حديدية، وموانئ على نحو يدعم قدراتها الجيوسياسية، وليست الاقتصادية فقط.

فهذا المشروع الاستراتيجي سيحدث تغييرا جديدا في الخريطة العالمية على مستوى الجغرافيا الاقتصادية على نحو يوثر بالضرورة على الجغرافيا السياسية، و مايزيد من ذلك عدم امتلاك الولايات المتحدة لخطة واضحة المعالم لمواجهة التوسع الصيني عبر هذا المشروع، وقد بدت تداعيات الصراع سياسيا تظهر حول الموضوع عبر صدام حصل في جلسة لمجلس الأمن الخاصة بتجديد عمل البعثة الدولية في أفغانستان بتاريخ مارس 2019، بحيث أصر المندوب الأمريكي على إلغاء جملة في القرار والتي تنص على تعاون أفغانستان في مشروع الحزام والطريق، في المقابل أصر المندوب الصيني على ضرورة وجود ذلك في نص القرار. وهذا ما يدل على قابلية صراع النفوذ للتصاعد كلما تقدم مشروع الحزام والطريق[15].

فعلى الرغم من قلق الولايات المتحدة من مشروع الحزام والطريق، فالأرجح أن واشنطن لن تقدم على أي عمل يمكن أن يعيق مشروعا ترى فيه العديد من الدول في العالم أنه يحقق منافع ملموسة بغض النظر عن أثره في صراع النفوذ بين الولايات المتحدة والصين، بحيث ستحاول واشنطن تنبيه بعض الدول إلى أخطار مترتبة على هذا المشروع، إما لأنه يدفع دولة أو أخرى إلى تحمل أعباء مالية لا تستطيع الوفاء بها، أو لكونه يؤثر في سيادتها على مساحة ما من أراضيها، أو لأنه ينفذ في دولة أخرى لها أفضلية عليها في مجال معين، وربما تحاول الولايات المتحدة العمل على مشروع آخر منافس بالتعاون مع دول غير معنية بالمشروع الصيني. وهذه كلها خيارات تؤدي إلى استمرار الصراع أو تصاعده، ولكنها لا تقود بالضرورة إلى خروجه عن نطاق السيطرة، ولا تنطوي فعليا على احتمالات صدام يبدو ممكنا من الناحية النظرية في المدى البعيد، لكنه ليس واردا في المدى المتوسط[16].

وإذا كانت هناك مؤشرات ودلالات تقلل من حتمية الصراع المباشر، فهناك فريق يتوقع أن يشهد المسار الصراعي بين البلدين المزيد من التوترات والاحتكاكات التي من الممكن أن تصل إلى حدود المواجهة العسكرية، وذلك في ظل الحرب التجارية التي قادتها أمريكا خلال فترة ترامب، وفي ظل مساسها الدائم لقضايا تشكل حساسية بالنسبة للجانب الصيني، وسعي الطرفين في زيادة إنفاقهما العسكري. أضف إلى ذلك قضية تقييم العملة الصينية “اليوان” التي تعتبر من أبرز القضايا الشائكة في علاقات الطرفين، بحيث تبذل الولايات المتحدة الجهود لحمل الصين على تعويم ” اليوان” على نحو أكثر حرية في مقابل الدولار، أما الصين فهي على النقيض من هذا ترى أن نموها مرتبط بوجود عملة مستقرة، وأنها قد لا تحتاج إلى تبني نظام أكثر مرونة لسعر الصرف. والحقيقة أن ارتفاع قيمة العملة الصينية سيؤدي إلى انخفاض صادراتها، ومعنى ذلك انخفاض نسبة النمو الاقتصادي في الصين وارتفاع نسبة البطالة[17].

فإذا كانت السياسة الحالية للبيت الأبيض تجاه مبادرة الحزام والطريق، تعرف تقلبات كبيرة بسبب غياب استراتيجية واضحة المعالم، فإن ذلك لا يعني غياب أية رؤية للمواجهة. إن قوة التحديات التي يطرحها المشروع الصيني جعلت من كيفية مواجهته القضية مسألة غاية في التعقيد، بحيث يخضع التخطيط للتعامل معها لمؤشرات عديدة ومختلفة، فالعقل الأمريكي غالبا ما يميل نحو تأييد التعامل الحازم مع القضايا التي من شأنها أن ثؤثر في مكانة وقوة الولايات المتحدة، أو تشكل تهديدا أمنيا لها، لذا تتزايد المواقف المنادية باحتواء قوة الصين المتصاعدة اقتصاديا، واستراتيجيا وعسكريا. ولعل من بين مظاهر ذلك عدم وجود توافق داخل إدارة ترامب حول كيفية التعاطي مع مبادرة الحزام والطريق وهو ما اتضح عندما تمت إقالة وزير الخارجية ريكس تيليرسون في مارس 2018، فهذا الأخير كان يرغب في أن تضع الولايات المتحدة بديلا للمبادرة الصينية، خاصة أنه قد تم التخلي عن استراتيجية المحور التي كانت تهدف إلى حصر الطموح الصيني من الامتداد في منطقة آسيا والمحيط الهادي.

ثم من بين المؤشرات في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية دور الفاعلين المتعددين، كجماعات المصالح والقوى الاقتصادية التي تستفيد من مبادرة الحزام والطريق، ومن المفارقات مشاركة الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات في العديد من مشاريع إنجاز طريق الحرير الصيني[18].

كما أن الاختلاف الأيديولوجي بالإمكان أن يهدد بنشوب صراعات بينهما، حيث إن الصراع بينهما سيكون على أساس التناقض في رؤية دور الدولة وعلاقة الحاكم بشعبه وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أن سعي الصين للهيمنة على محيطها الإقليمي يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وأيضا فإن القيادة الصينية تسعى إلى تغيير القواعد الحاكمة للنظام الدولي باعتبارها وضعت في فترات ضعف الصين، وهذا ما يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، بجانب الخلاف حول بعض القضايا الاقتصادية كالملكية الفكرية، و دعم الصين لصادراتها وهذا يساعد الصين على طرح منتجات رخيصة في الأسواق العالمية،وهذه القضايا تهدد المنتج الأمريكي. وكل هذه المؤشرات قد تدفع لاندلاع حرب بين البلدين، فلا يكفي التفوق العسكري الأمريكي والادعاءات بأن الصين ترغب في مناخ سلمي لتحقيق الرخاء الاقتصادي لمنع اندلاع الحرب بينهما[19].  

وفي حال نشوب الصراع المسلح بينهما فإن نتائجه غير معلومة وغير محتملة فهي مفتوحة على كل الاحتمالات فى ظل ما تملكه الصين وأمريكيا من قدرات نووية عسكرية، بالإضافة إلى تفوق الصين الكمي والذى يقابل بتفوق كيفي أمريكي.

ويؤكد من يؤيدون هذا الطرح أن حظوظ الصدام متوقع و وارد، كون الصين صارت قوة تسعى إلى تغيير النظام الدولي الحالي ومعايير العلاقات بين الدول. وترى أن النظام الدولي و”قواعده” وضعتها الدول الغربية عندما كانت الصين ضعيفة، وتعتقد أن التوزيع الحالي للقوة والموارد متحيز بنائيا لصالح الغرب وضد الصين. وهي لا تريد فحسب مكانا على طاولة صنع القواعد في المنظمات الدولية وسماسرة القوة، وإنما تريد تعديل القواعد والنظام الحالي نفسه. فبكين تريد تعويض ماضيها التاريخي وأخذ ماتعتبره مكانها الشرعي كقوة عالمية. وقبل كل شيء تريد الصين أن تشتت القوة العالمية. وفي هذا الخصوص تجد بكين تشجيعا لها في الاتجاهات نحو التعددية القطبية وتشتيت القوة في العالم. والهدف الأساسي للسياسة الخارجية الصينية اليوم هو أن تضعف التأثير الأمريكي نسبيا ومطلقا مع حماية ركنها بقوة. وهذا الهدف ينبع من عدة اعتبارات التاريخية وطموحات معاصرة.

إن الصراع المسلح بين البلدين، و إن لم يكن مرجحا، فإن الإمكانية حقيقية بما يكفي بحيث أنها تستلزم إجراءات رادعة فعالة. دعونا أيضاً إلى الاحتراس من أن تلك الإجراءات سوف تصبح أكثر تطلباً مع تنامي القدرات الصينية. يعني هذا الأمر بالنسبة للولايات المتحدة القيام بمجازفات أكبر  في المستقبل من أجل تحقيق نفس الأغراض التي كانت في الماضي.

لقد أكدت الأحداث منذ ذاك هذه الأحكام. فقد استمر مدى وقدرات الدفاعات الجوية والبحرية الصينية في النمو، مما جعل القواعد الأمامية الأمريكية أكثر ضعفاً، والدفاع المباشر عن المصالح الأمريكية في المنطقة مكلفاً أكثر بشكل محتمل. مع استمرار هذه الاتجاهات، سوف تجد الولايات المتحدة نفسها مدفوعةً تدريجيا بشكل أكبر نحو تهديد التصعيد الأفقي أو العمودي من أجل الردع، مع مخاطر التصعيد المضاد التي ترافق ذلك. من غير المرجح أن تستخدم أي من الولايات المتحدة أو الصين الأسلحة النووية، ولكن حتى في حال نشوء صراع في مجال واحد، فمن الممكن أن ينتشر هذا الخلاف بسرعة إلى مجالات الاقتصاد، والفضاء الإلكتروني، والفضاء، محدثاً ضرراً جسيماً على كلا الجانبين. وإذا ما حدث ووقع صدام عسكري فإن احتمال الصراع الصيني- الأمريكي قد ينشأ في شبه الجزيرة الكورية، أو تايوان، أو بحر الصين الجنوبي، أوالفضاء الإلكتروني، أو أن تكون حربا اقتصادية.

كما تعتبر نتائج الانتخابات الرئاسية 2020 وهل يعاد انتخاب ترامب من عدمه عاملا مؤثرا في مسار الصراع الأمريكي الصيني، أو على الأقل الجوانب الأساسية فيه، فإدارة ترامب منذ عامها الأول انتهجت سياسة تصعيدية في المجال التجاري بالأساس وشرعت في قرب نهاية عامها الثالث في الإعداد للتصعيد في أحد جوانب العمل السياسي-العسكري، عبر إلغاء معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، ويرتبط هذا الاتجاه التصعيدي لترامب شخصيا أو بعض مستشاريه بخلاف موقف مؤسسات السياسة الخارجية والأمن القومي بحيث يعتبر ترامب أن الصين مصدر التهديد الأكبر للمصالح الأمريكية، في حين ترى هذه المؤسسات أن روسيا لا تزال تشكل الخطر الرئيسي على هذه المصالح، فلذلك فليس مستبعدا أن تقل وتيرة تصاعد الصراع الأمريكي الصيني، خاصة في المجال التجاري في حال عدم فوز دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية، أو عقب انتهاء هذه الفترة في حال بقائه في البيت الأبيض حتى العام 2025[20].

على الرغم من السياسات الصينية الحذرة والنفعية (البرغماتية،) يظل خطر الصراع مع الولايات المتحدة قائماً، وسوف ينمو هذا الخطر من حيث الأهمية، وربما من حيث الاحتمال، مع ازدياد قوة الصين وحزمها في منطقة غرب المحيط الهادئ، وهي منطقةٌ ذات ٍ أهمية حيوية. من هذا المنظور، نقوم بمراجعة مصادر الصراع التي نعتقد باحتمال تَسببها بصدام عسكري صيني – أمريكي خلال العشرين عاماً القادمة.

أولا: الأزمة الأمريكية الإيرانية:

تعتبر إيران قوة رئيسة في الشرق الأوسط على الرغم من التراجع الذي شهدته في الفترة الأخيرة، وخصما عنيدا للولايات المتحدة، وإن اختيار الصين حليفا لها ومساعدا للقوة الآسيوية الصاعدة على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط يشكل ورقة مهمة لكنها لن ترقى لوصفها ضامنا رئيسيا للأمن في منطقة الشرق الأوسط على المدى القريب على الأقل. فالصين لا تزال إلى حد الآن حذرة في تعاملها مع إيران رغم تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين في شرق آسيا وفيما يخص الملف التجاري.

هذه الأزمة التي تزامنت مع ارتفاع حدة التوتر بين واشنطن وطهران في ظل ولاية ترامب، الذي يرى في إيران الخطر الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها دولة تطمح للهيمنة على إقليمها، من خلال توظيف الأزمات والحروب الإقليمية لزيادة نفوذها في المنطقة، فضلا عن كونها تمثل تهديدا أيديولوجيا في المنطقة باعتبارها ذات توجه ثوري، وهذا ما يشكل عائقا أمام انتشار ما تطلق عليه القيم الأمريكية في المنطقة، وذلك من واقع تصدريها للأفكار الإسلامية المحافظة، والنظر لها أيضا باعتبارها القوة الإقليمية الوحيدة التي يمكن أن تشكل تهديدا حقيقيا لازدواجية الأمن الإسرائيلي والمصالح الأمريكية في منطقة الخليج خاصة ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة[21].

في المقابل ترى إيران أن الولايات المتحدة بسياساتها الحالية تسعى إلى فرض رؤيتها على العالم، وبأساليب لا تتوافق مع مصالح العديد من دول العالم ومنها إيران، وفي ظل الاختلاف بين الرؤيتين الإيرانية والأمريكية التي زادت حدة بفترة ترامب بحيث مارست إدارته عددا من الإجراءات العقابية ضد إيران حتى قبل الانسحاب من الاتفاق النووي، ومنها مثلا توقيع عقوبات على الإدارة الإيرانية والحجز على عقارات مملوكة للحكومة. وذلك على خلفية برنامجها الصاروخي الباليستي وسياستها في المنطقة والتي اعتبرتها إدارة ترامب تهديدا للأمن الإقليمي والعالمي[22].

وقد كان الهدف من فرض العقوبات هو إضعافها اقتصاديا، وتحجيمها عسكريا بتركيز واشنطن جهودها على جبهتين رئيسيتين وهما العراق وسوريا. بحيث ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية على استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق بذريعة تدريب القوات الأمنية العراقية لمنع ظهور تنظيمات إرهابية، وذلك من أجل ضمان عدم اعتماد العراق على دعم إيران. كما تسعى الولايات المتحدة في سوريا إلى استغلال معطيات الأزمة السورية، لفرض وجود عسكري في مناطق يسيطر عليها أكراد موالون للولايات المتحدة، ورغم أن الهدف المعلن من الوجود الأمريكي في سوريا هو محاربة الإرهاب. إلا أن هناك دوافع أكثر أهمية حيال سبب هذا الوجود، وهو احتواء إيران من تعزيز نفوذها وتمدده في المنطقة. لكن الأمر تغير على إثر إعلان ترامب قرار الانسحاب من سوريا في ديسمبر 2018، بحيث اعتُبر مناقضا للمواقف الأمريكية السابقة وانتصارا للنظام السوري وحلفائه خصوصا روسيا وإيران، إذ مكن الانسحاب الحلفاء الثلاث أن يكونوا اللاعبين الأبرز والأكثر قوة في الميدان من خلال سيطرتهم على نسبة كبيرة من الأراضي السورية[23].

لكن وإلى اللحظة تركز الولايات المتحدة في جهودها بالدرجة الأولى على الجانب الاقتصادي، بعد أن انسحبت من الاتفاق النووي وأعادت فرض عقوبات اقتصادية من خلال إجراءات صارمة بالعمل على منع أوروبا من استيراد النفط الإيراني،[24] وترحيل الشركات النفطية والصناعية والاستثمارات الأوربية الكبرى من إيران، وفرض عقوبات على البنوك الإيرانية وعلى خامنئي و الدبلوماسي محمد جواد ظريف وعلى ثمانية من قادة الحرس الثوري.

وأمام إصرار واشنطن على المضي قدما بالاقتصاد الإيراني وصادراته النفطية إلى الصفر، هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي، مؤكدة أنها إن لم تتمكن من تصدير نفطها للخارج فلن يصدر أحد من دول المنطقة نفطه عن طريق هرمز. [25] فأعلن دونالد ترامب عن وضعه خططا لتوجيه ضربات للسفن الإيرانية والقوارب السريعة في الخليج العربي وعند مضيق هرمز تحديدا.  

تخشى الولايات المتحدة من استمرار “استفزازات” القوارب السريعة التي تقترب بشكل متواصل من السفن الحربية الأمريكية في المنطقة، واحتمالات تعرض هذه السفن لهجمات مباغتة أو عمليات تصادم متعمدة من قوارب تحمل كميات من المتفجرات.

        يبدو أن الولايات المتحدة قد تفشل في خنق إيران بالعقوبات الاقتصادية المتتالية مما يدفعها كل مرة إلى التلويح بالتصعيد العسكري من خلال تحريك عدد من القطع البحرية إلى الخليج، و من المحتمل أن الأمر لن يتجاوز مربع التهديدات بالحل العسكري لما له من نتائج وخيمة[26] و أخطار جسيمة قد تلقي بظلالها على المنطقة ما يهدد مصالح واشنطن وإيران والخليج بالدرجة الأولى.[27]

ومن أجل ذلك، ترغب الإدارة الأمريكية في عودة إيران إلى طاولة المفاوضات مرة ثانية للخروج باتفاق جديد، بحيث يكون ذلك عاملا داعما ومساعدا لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الثانية في نوفمبر 2020 من جهة، ومحاولة لتهدئة النزاع مع إيران تفاديا لمزيد من تعميق العلاقات بين الأخيرة والصين وتعاظم تحالفها مع المعسكر الشرقي (الصين-روسيا) بجانب استمرار العقوبات عليها لإضعافها كحليف للمعسكر الشرقي[28].

أما بالنسبة لصين فهي تؤيد فرض عقوبات من الأمم المتحدة على إيران، في الوقت ذاته تصر على حق إيران في الحصول على برنامج نووي للأغراض سلمية. على الرغم من أن الصين قد أعلنت التزامها بالعقوبات التي تقررت في قرار مجلس الأمن الدولي بشأن إيران، فإنها أكدت صراحة معارضتها العقوبات الأمريكية الأوروبية على أساس أنها عقوبات خارج إطار الأمم المتحدة، الموقف الذي من المحتمل أن يدفع بالصين في مواجهة ضغط أمريكي-أوروبي مشترك يجعل رفضها التزام العقوبات الأمريكية الأوربية على إيران ذا ثمن كبير على ثلاث مستويات: 

  • مصالح الصين الاقتصادية والتجارية الكبيرة مع الولايات المتحدة الأميركية و أوروبا، فضلا عن أوراق الضغط العديدة التي يمكن أن تستخدمها أمريكا في مواجهتها.
  • أن الغرب يرى في إثارة الصين لقضية احتياجها النفطي الإيراني أمرا مبالغا فيه، لاسيما مع التقارير التي أشارت إلى أن الغرب مستعد لتوفير مصادر بديلة للصين عن النفط الإيراني.
  • أن الصين تبدو واقفة بمفردها في الدفاع عن إيران في قضية العقوبات، إذ أن الموقف الروسي أقرب إلى موقف الغرب في قضية العقوبات. [29]                                                                     

للصين علاقة وطيدة مع إيران من خلال استفادة بكين اقتصاديا من إيران بسبب طموحات الأخيرة النووية وتستفيد من اعتماد إيران على الرغم من ذلك سترغب في الحرص على عدم الظهور بدور القوى الداعمة لإيران وذلك لتفادي ضعوطات المجتمع الدولي عليها، وذلك كله في سبيل المحافظة على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط.

صحيح أن بكين تعمل على أن تتشارك مع طهران رغبتها في الحفاظ على التوازن في الخليج العربي ضد الولايات المتحدة لكنها دون أن تتجاوز سقف واشنطن، فهي تدرك خطورة التمادي في تحدي واشنطن في المنطقة على المدى القريب على الأقل. نظرا لحجم مصالحها التجارية مع واشنطن التي تتجاوز حجم التجارة بين إيران بأشواط، كما تجمع علاقات وثيقة بين الصين وأعداء إيران مثل إسرائيل والسعودية. وبالإضافة إلى ذلك ترغب الصين في اعتبارها قوة دولية معتبرة ومسؤولة وستصبح بالتالي عرضة للضغوطات الغربية من أجل الحد من علاقاتها مع إيران في حال انهيار الاتفاق النووي. ومن هذا المنطلق يمكن أن نقول أن العلاقة الصينية الإيرانية ستظل مهما بلغت من التقارب مجرد ورقة تفاوضية ولن تتحول بأي شكل من الأشكال على المدى القريب على الأقل إلى علاقة استراتيجية[30].

ثانيا: قضايا منطقة الشرق الأوسط:

مع توسع المصالح الصينية الوطنية في منطقة الشرق الأوسط في ظل خطة الطريق والحرير وفي سياق الظروف غير المستقرة للشرق الأوسط ومحاولة الشعوب المنتفضة بالمنطقة رسم واقع جديد، واقع الوصايا الأمريكية ولو بشكل جزئي، إلا أن بكين تبدو أنها لا تزال ملتزمة باستراتجية التنين الحذر إزاء المنطقة سواء من حيث مشاركتها الأمنية أو وضعها الدبلوماسي الضعيفين، فهي غير واثقة من كيفية حماية مصالحها المتزايدة في المنطقة من أمن الطاقة والاستثمارات الاقتصادية.

ولتجاوز ذلك يمكن للصين، نهج علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، في إطار مبادرة الحزام والطريق، سواء باتجاه تعاون أكبر، أو باتجاه تنامي التناقضات والنزعة الصراعية، فعلى مستوى الاتجاه التعاوني، فيجب على الصين الاعتماد على قوتها الناعمة في بناء شبكة العلاقات مع الدول الشرق أوسطية بدون بدون استثناء بما فيها الدول التي يمكن أن تعدها بعض الأطراف بمنزلة الدول التي لا تحوز على الإجماع الإقليمي، كإيران في محيطها الخليجي، وإسرائيل في محيطها العربي. بحيث نجد أن العلاقات الصينية- الإيرانية على الرغم من الصعوبات التي تواجهها فإنها تتميز بنوع من الاستمرارية والاستقرار، لا سيما أن الطرفين يشتركان في أطر متعددة الأطراف كمنظمة تعاون شنغهاي التي تعد الصين من دولها المؤسسة، بينما إيران عضو ملاحظ، كما أن كلا البلدين يتقاسم الرؤى نفسها فيما يخص الحرب في سوريا، مما ينعكس في استخدام الصين لحق النقض الفيتو في مجلس الأمن إلى جانب روسيا في مجموعة من القرارات التي رآها الثلاثي الصيني-الإيراني-الروسي مجحفة في حق الحكومة السورية. أما فيما يخص العلاقات الصينية-الإسرائيلية، فإنها عرفت تطورا ملحوظا في مجالات البنى القاعدية، والتعاون التكنولوجي، مع استمرار بكين في دعمها للقضية الفلسطينية دبلوماسيا وماليا[31].

كما يجب على بكين أن تعتمد على البراجماتية الاقتصادية في بناء علاقات تعاون واعتماد متبادل معقد، حيث كرست مبادرة الحزام والطريق شبه إجماع بين كل الأطراف من أجل الاشتراك في هذه المبادرة مع الانخراط أيضا في رأسمال البنك الأسيوي لتنمية البنية التحتية، والذي يعد المدخل الرئيسي للمشاركة في مبادرة الحزام والطريق[32]، كما أن الصين تحاول البقاء على المسافة نفسها من كل أطراف مختلف النزاعات الإقليمية، كالأزمة اليمنية، حيث نجد بكين على البعد نفسه من الأطراف المتصارعة مباشرة أو بالوكالة، كإيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى[33].

كما تحاول البقاء على المسافة نفسها بين طرفي الصراع العربي-الإسرائيلي، بحيث تقدم الصين علاقات متميزة مع قيادة السلطة الفلسطينية، منذ عهد الراحل ياسر عرفات، مع تقديم هيئات دورية للفلسطينيين كالمساعدة الصينية بمقدار 50 مليون يوان(8 ملايين دولار) التي منحها الرئيس شي في يناير 2016، لكن في الوقت نفسه تسعى يكين إلى تطوير علاقاتها التكنولوجية والعسكرية مع إسرائيل وصولا إلى البنى التحتية كمشروع سكك الحديد بين ميناء إيلات في خليج العقبة وميناءي أشدود و حيفا على البحر الأبيض المتوسط، مما يعني أن إسرائيل بقوة-لو رأى هذا المشروع النور-في مبادرة الحزام والطريق[34].

من خلال ذلك، فإن بكين ترفض التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، بحيث ترفض بكين استخدام أساليب الدول الغربية نفسها للضغط على الدول من أجل تغيير مواقفها، فقد أعلنت مرارا رفضها للتدخل، ولو بذرائع إنسانية، إذ لا تسنعمل الحكومة الصنية خطاب الحكم الرشيد، ودولة القانون من أجل فرض مشاريعها كما تعتمده بعض الدول الغربية، فهي تصر على التمسك بتعزيز سياسة التعاون والانفتاح من أجل تنسيق الجهود المشتركة والمزايا المشتركة وتكافؤ الفرص للجميع.

 في عمومها يمكن وصف السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط خلال الازمات المتولدة عن الثورات العربية بالسمات الرئيسية التالية: العملية والواقعية، والثبات. فهي تؤيد التعامل مع النزاعات في مناخ من التعاون والتفاوض وإدارة الصراع. مع محافظتها على معارضتها التقليدية للتدخل العسكري وما تعتبره سياسة الولايات المتحدة في المنطقة.

لقد كان الشرق الأوسط دائما محل تركيز استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة، في حين أن المنطقة – بالنسبة للصين- ليست بذات أهمية جيرانها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ومناطق أخرى. بالتالي، يتشكل نهج الصين حيال الأزمات التي من علاقاتها مع الولايات المتحدة.

تعرف بكين أن وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يعتبر مصلحة استراتيجية في واشنطن، وأن وجود الولايات المتحدة الدبلوماسي والعسكري سوف يستمر لعقود، وأن سياسة الولايات المتحدة أمر حاسم لحماية مصالح واشنطن بالمنطقة. وبالتالي، فإنها تسعى إلى تجنب الأعمال التي من شأنها أن تضعها في موضع مواجهة مباشرة معها. في الوقت نفسه، تريد بكين بناء علاقات سياسية مع كل من الأنظمة الجديدة والقديمة في بلدان المنطقة والحفاظ عليها، من أجل ضمان الحصول على الموارد والأسواق. فمصالحها الإقتصادية تشكل العامل الأبرز في تحديد سياستها الخارجية تجاه المنطقة، التي تتمثل في جوهرها في الاستقرار من أجل ضمان الوصول إلى الموارد الطبيعية دون عائق. مع تنامي حاجتها للطاقة بشكل أسرع من أي بلد آخر. إن الشاغل الرئيسي لبكين في منطقة الشرق الأوسط لا يزال تجارياً وليست سياسياً.                    

 منذ 2011 إلى الآن، استمرت الصين في ميلها إلى اتباع سياسة الانتظار والترقب. تختار بكين الحفاظ على مسافة بعيدة عن المشاركة الفعالة في إعادة تنظيم الشرق الأوسط. يمكن تلخيص سبب هذه السياسة السلبية بالقول أن سياستها الخارجية غير مرنة، وتتجنب اتخاذ مخاطر لا داعي لها. ستحاول الصين الحصول على حصتها من الأسواق العربية والاستمرار في متابعة الاتفاقيات الاقتصادية والعقود التجارية، بدلا من لعب لعبة محصلتها صفر على حساب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة. و ليس من المتوقع أن يتغير موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في المستقبل القريب على الأقل. وإذا ما حدث ولعبت الصين دوراً أكبر سواء في الاستفادة من أحداث الشرق الأوسط أو توجيهها، فلن يكون إلا في إطار تعاوني تشاركي مع الولايات المتحدة وأوروبا، على أساس مصالح إستراتيجية واقتصاديةالمشتركة. [35]

ثالثا: كوريا الشمالية:

بعد أن فشلت مفاوضات قمة هانوي التي عقدت في يناير 2019 التي أصرت خلالها واشنطن على ضرورة تخلي بيونغ يانغ عن برنامجها النووي أولا، بينما تمسكت الأخيرة بضرورة رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها قبل تقديم أي تعهدات. عادت كوريا الشمالية إلى تصعيدها مع واشنطن وانتقادها لها في سياسة استمرار تدريباتهما العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية في ظل اشتداد أزمتها مع واشنطن معتبرة ذلك شكلا من أشكال التهديد، فردت بإجراء مناورة صاروخية، والمضي قدما في إعادة بناء الهياكل على منصة إطلاق الصواريخ. وعلق مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقا جون بولتون على خطوات كيم جون قائلا: أن بلده سيواجه مزيدا من العقوبات إذا لم يتحقق أي تقدم بشأن نزع السلاح النووي.

ففي الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الصراع بين أمريكا وكوريا الشمالية، تستغل الصين هذه الأزمة وتوظفها كورقة مناورة فعلية للظفر بالحرب التجارية مع واشنطن والخروج من هذه الحرب بأقل خسائر[36]، وكذا الضغط على واشنطن من أجل تقليص وجود القوات الأمريكية في المنطقة، حيث تعتقد الصين أن نشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي المتقدم على أراضي كوريا الجنوبية وغيرها من المعدات الاستراتيجية في البلاد يهدف إلى تقويض قدرات بكين العسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يعوق قدرات الردع الصينية في أي سيناريو صراع مع أمريكا في المستقبل، وتسعى الصين، باعتبارها أهم حليف لبيونغ يانغ، للتغلب على هذا التهديد المحتمل من خلال دفع كوريا الشمالية إلى التفاوض مع أمريكا وإصرارها على إخراج القوات الأمريكية،[37] باعتبارها الداعم الرئيسي للنظام الكوري الشمالي اقتصاديا وعسكريا، وأيضا في منصات المنظمات الدولية.

وفي ظل الاعتقاد بفشل سياسة الردع الأمريكي ضد كوريا الشمالية، ستصبح اليابان وكوريا الجنوبية حاجزتين لمقعدهما في فئة الدول الخاسرة في أتون هذه الأزمة، تتجلى خسارة هاتين الدولتين في التهديدات العسكرية المتنامية للأزمة والتي قد تتسبب في حصر عمل خلايا الأزمة الفاعلة في مؤسساتها تجاه هذه القضية، وتؤدي دوراً في عدم استقرار سوقهما الذي يعتبر سوق عمل يعتمد على التبادل التجاري وتبادل البورصة للعملة، ويحتاج إلى استقرار أمني وسياسي، ناهيك عن التخوف الشعبي من وقع الأزمة.[38]  

الحقيقة أن كوريا الشمالية تعتبر من أكثر مواقع الصراع احتمالاً في آسيا، و إن لم يكن بالضرورة لصراع صيني -أمريكي. في ظل معظم السيناريوهات، من غير المرجح أن تتدخل الصين للدفاع عن كوريا الشمالية، ولكن الصين قد تصبح بالفعل منخرطةً في متابعة مصالحها الخاصة. وإن الأحداث المحتملة تشمل هجوم شمال كوريا على كوريا الجنوبية، أو ضربة أمريكيةً استباقية للأصول النووية لكوريا الشمالية، أو الانهيار الفوضوي للنظام الكوري الشمالي.

من المرجح أن تسعى القوات الأمريكية والكورية الجنوبية في حال احتمال ضربة أمريكية استباقية للمواقع النووية لكوريا الشمالية. في حال صراع كهذا، من المرجح التقدم شمالا إلى البعد الذي يكفي على الأقل لدفع الجيش الكوري الشمالي إلى خارج المدى الذي تطاله مدفعية سيول. إن أي مقدار إضافي تتقدمه القوات الأمريكية أو الكورية الجنوبية بعيد تلك النقطة، سوف يزيد من احتمال التدخل الصيني.

في أي سيناريو من هذا النوع، يرجح أن يكون الوضع في كوريا الشمالية فوضوياً. قد يهاجر مئات الآلاف من المدنيين، وربما الملايين، باتجاه حدود كوريا الشمالية بحثاً عن الغذاء والأمن من الصدامات بين المجموعات المسلحة المتقاتلة. إن انهيار السيطرة المركزية قد يعرض للخطر أيضاً أمن ما لدى الشمال من أسلحة للدمار الشامل وأصول للصواريخ. بوسع الصين أن ترسل قوات كبيرةً عبر نهر يالو من أجل تنظيم تدفقات اللاجئين على الجهة الكورية من حدودها.  

وسوف تنظر الصين إلى إقحام القوات الأمريكية والكورية الجنوبية في شمال المنطقة الكورية المنزوعة السلاح بقلق، وسوف تحرك القوات الخاصة بها إلى الداخل على الأرجح. أما كوريا الجنوبية قد (فقد )توفر قوات وقدرات كبيرةً لأي من سيناريوهات الصراع أو الانهيار، إلا أن هذه (هذا) سيستلزم دعماً أمريكياً كبيرا. سوف يطلب من القوات البرية الأمريكية أن تساعد في الاستيلاء بسرعة على مواقع عديدة وتأمينها، بعضها ذات حدود خارجية واسعة[39].إلا أن الولايات المتحدة ستواجه القضية الشائكة المتمثلة بالوضع النهائي المرجو: الاتحاد (النتيجة المفضلة بالنسبة لكوريا الجنوبية) أو استمرار انقسام كوريا (تفضيل الصين).

وسيظل الصراع في شبه الجزيرة الكورية الأهم شأناً من أي من الأحداث المحتملة. بحيث أن مكافحة تهديد كوريا الشمالية النووّي سوف تبقى أولوية الولايات المتحدة الأكثر إلحاحاً في المنطقة. و بالنسبة للصراع على تايوان، سوف يحتاج إلى مجموعة كاملة من القوات البحرية والجوية؛ بالنسبة لبحر الصين الجنوبي، سوف يحتاج للتفوق البحري الأمريكي. إن الغواصات الصينية تمثل تهديداً متنامياً للسفن الأمريكية السطحية، بغض النظر عن التفوق الأمريكي على القوات البحرية الصينية[40].

يبقى خيار الحرب الذي يحبّذه حزب الحرب داخل الإدارة الأميركية وداخل ما يُسمّى بالدولة العميقة، مستبعدا نظرا لمعارضة الحزبين الديمقراطي والجمهوري للحرب مع كوريا الشمالية وتأييدهما لترامب في هذا الصدد. وإن حليفي الولايات المتحدة في المنطقة، أي كوريا الجنوبية واليابان، على غير استعداد لخوض مغامرة عسكرية يدفعان فيها الثمن الأكبر والباهظ جدا. فلا ننسى أن العاصمة سوول على مسافة عشرين ميلا فقط من الحدود مع كوريا الشمالية وأنه ستتعرض لدمار شبه شامل في حال تفعيل هذا السيناريو[41].

رابعا: بحر الصين الجنوبي

يحظى بحر الصين الجنوبي بأهمية استراتيجية كبيرة اليوم، ويرجع ذلك إلى وقوعه جغرافيا في نطاق مهم عند طرق المواصلات البحرية الأكثر كثافة في العالم، حيث تمر عبره نصف التجارة الدولية، ووقوعه أيضا في إطار جغرافي يضم دولا مهمة تطل عليه، وتتبادل فيما بينها أدوارا تنافسية مهمة للسيطرة على هذا البحر، في ظل وجود مقومات أخرى تضفي عليه مزيدا من الأهمية الجيوبوليتكية، ومن بينها كثرة الجزر النفطية والغازية التي تشير التوقعات إلى أنها تؤهله لأن يكون بمنزلة منطقة الخليج[42].

يتبادل الصينيون والأمريكيون الاتهامات بأن الجانب الآخر يعمد إلى “عسكرة” بحر الصين الجنوبي. وعلى الرغم من إعلان الأمريكيين أنهم لا ينحازون لطرف ضد آخر في النزاعات الإقليمية، لكنهم أرسلوا سفنهم الحربية وطائراتهم العسكرية إلى المناطق القريبة من جزر متنازع عليها، في عمليات يطلقون عليها اسم”عمليات حرية الملاحة” ويقولون إنها تهدف إلى إبقاء طرق الملاحة البحرية والجوية مفتوحة للجميع[43].

والصين ترى في ذلك استراتيجية أمريكية تنطوي على محاولة للتطويق والسيطرة على المصالح الصينية والممرات المائية الحيوية في المنطقة، لذا عملت الصين على تحركها المضاد للاستراتيجية الأمريكية التي ترى فيها تهديدا لمصالحها[44].

ففرض درجة ما ما من السيادة على كامل بحر الصين الجنوبي تقريبا، في مواجهة إدعاءات مزاحمة من قَبل دول ساحلية أخرى. على مدى السنين العديدة الماضية، اتخذت بكين عدداً من التدابير العدوانية من أجل فرض ادعاءاتها.

إن الادعاءات التي تتزايد شدتها من قَبل الصين بأن المنطقة جزء من منطقتها الاقتصادية الحصرية، وخاضعةٌ بالتالي لدرجة ما من السيطرة الصينية، تمثّل اختبارا للمعايير العالمية. من المبكر جداً معرفة ما إذا كان قرار المحكمة الدائمة للتحكيم الذي صدر في منتصف عام  2016 والذي َحَكم ضد الادعاءات الصينية، سوف يزيد أو ينقص من احتمال مواجهة إضافية.

ترفض بكين رسمياً الاعتراف بشرعية ذاك الحكم ولكنها لا تتمكن من تجاهل هذا القرار تماماً. من غير الواضح إذا كان حكم المحكمة الدائمة للتحكيم سوف يحث الصين على انتهاج سبيل التفاوض أو الحوار مع المدعين الآخرين بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف، أو تأجيج جولات إضافية من النشاطات التي فيها مزيد من عرض القوة والتي فيها تعريض بالحرب بدلاً عن ذلك في بحر الصين الجنوبي. مع ذلك، فالواضح أن هذا الجسم المائي أصبح نقطة تركيز غير متوقعة في المنافسة الجيو-استراتيجية الأمريكية-الصينية. كل طرف لديه تصوٌر بشأن مبدأ موضوٍع على المحك: تنظر بيكين إلى هذا الأمر على أنه مسألة سيادة و سلامة إقليمية، بينما ترى فيه واشنطن قضية قانون دولي أساسية، بما فيها من حرية الملاحة، وحقوق شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، ومبدأ التسوية السلمية للنزاعات.

إن قدرة الصين على إظهار حضوٍر للقوة العسكرية في بحر الصين الجنوبي مستمرةٌ في التحسن. مع أن الطائرات المقاتلة ذات القواعد البرية لجيش التحرير الشعبي يعوزها المدى المناسب لكي تعمل ٍ بشكل فعال بعيداً جدا عن الوطن، إلا أن الصين اشترت حاملة للطائرات جاهزة للعمل، وأعلنت عن تخطيطها لثلاث إلى أربع حاملات وأكثر خلال العشرين عاماً المقبلة. مع أن حاملات الطائرات الصينية هذه ستكون ضعيفة بشكل ٍ كبير في أي صراع مسلح مع الولايات المتحدة، كحال القواعد الصينية الجديدة على الجزر[45].

و في حال حصول صراع مسلح، سوف تكون المقاتِلات السطحية الأمريكية عرضة لخطر كبير بعملها في بحر الصين الجنوبي. من جهة أخرى، إن إغلاق بحر الصين الجنوبي أمام الملاحة التجارية سيكون أشد تأثيرا على الصين لأن حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين يملكون خطوطاً بحرية بديلة للتواصل خروجاً نحو المحيط الهادئ.

لذلك تسعى الصين بقدر استطاعتها إلى ترسيخ أقدامها بقوة في مضيق ملقا، وبحر الصين الجنوبي، ليس بهدف العمل على تفويت الفرصة على المشروع الأمريكي وإحراج الاستراتيجية الأمريكية البحرية هناك فحسب، وإنما أيضا بهدف العمل على أن تقوم بدور القوة المهيمنة بشكل جيوبوليتيكي على هذا الإقليم عبر التحكم في منافذه البحرية، وبالتالي تحويله إلى مجال حيوي لها، ليكون إحدى أهم المداخل التي تتمكن الصين من الدخول إلى عالم القوى الدولية المكافئة، مما يجعل من إمكان السيطرة على هذا السطح المائي مصدرا مهما من مصادر الخلاف بين دول الإقليم، خصوصا في ظل الرغبة الأمريكية الرامية إلى الإبقاء على الإقليم مجالا حيويا لحليفتها اليابان وفقا لفكرة التحالف الأمريكي مع القوى البحرية، والذي جاء تطبيقا لأفكار جيوبوليتكية ومنها أفكار ماكندز، وماهان..[46].

خامساً: تايوان

أصبحت العلاقات بين تايوان والصين منذ انتخاب الرئيسة تساي إنغ- ون في يناير 2016 متوترة بشكل متزايد. فمنذ ذلك الحين شهدت العلاقات الأمريكية الصينية احتكاكا بسبب مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان التي بلغ مجموعها ما بين 2007-2018 إلى أكثر من 25 مليار دولار، كما أثارت التحولات السياسية في الولايات المتحدة توترات بين بكين وواشنطن وذلك عن طريق تعميق الأخيرة العلاقة مع تايوان بسبب الاعتراضات الصينية[47].

قامت الصين، كجزء من توسعها العسكري المستمر، بنشر صواريخ على طول مضيق تايوان وإجراء تدريبات دورية بالقرب من الجزيرة. كما أرسلت قاذفات وطائرات مقاتلة وحاملة طائراتها عبر المضيق وحوله كدليل على القوة. وفقاً لتقرير وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2019، يواصل الجيش الصيني، “جيش التحرير الشعبي”، تطوير ونشر القدرات العسكرية المتقدمة اللازمة لحملة عسكرية محتملة” ضد تايوان.

فقد رفضت بكين نبذ استخدام القوة لحل الخلافات حول وضع الجزيرة. تضمن ذلك إدخال جمهورية الصين الشعبية لقانون مناهضة الانفصال لعام2005، الذي يهدف إلى تعزيز نهج بكين في “إعادة التوحيد الوطني السلمي”، الذي ينص على أنه في حالة سعي القوى الانفصالية إلى الاستقلال، فإن بكين “تستخدم وسائل غير سلمية” لحماية سيادتها الوطنية. و في خطاب عام 2019، كرر شي جين هذا الأمر وأضاف أن بكين ستدرس استخدام القوة لمنع “تدخل القوى الخارجية” في الجزيرة.

ورداً على ذلك، تواصل تايوان شراء الأسلحة، في المقام الأول من الولايات المتحدة. إذ أنه بين عامي 1979- 2018، صنفت تايوان كتاسع أكبر متلق للأسلحة على مستوى العالم. خلال نفس الفترة، قدمت الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة أرباع الأسلحة المستوردة من تايوان، وفقاً لقاعدة بيانات نقل الأسلحة لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام[48].

يعتمد الأمن الاستراتيجي لتايوان بشكل كبير على الضمانات التي تقدمها الولايات المتحدة بموجب قانون علاقات تايوان. ومع ذلك، ففي السنوات الأخيرة، أشار محللون أمنيون إلى القلق بشأن الاختلال العسكري الناشئ بين بكين وتايبيه. وكتبت البحرية التابعة لخدمات أبحاث الكونغرس: “بالنظر إلى وتيرة تحديث جيش التحرير الشعبي (جيش التحرير الشعبي)، فإن الفجوة في القدرات العسكرية بين البر الرئيسي وتايوان ستستمر في الاتساع لصالح الصين على مدى السنوات القادمة”[49].

ففي عام 2019، بلغت ميزانية الدفاع في تايوان 11.3 مليار دولار، وشكلت 2.16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. أكدت رئيسة تايوان تساي إينغ وين، ومدير النيابة العامة على خطط زيادة الإنفاق الدفاعي السنوي بشكل متزايد، بهدف زيادة بنسبة 20 في المائة، أي 2.1 مليار دولار، بحلول عام 2025. سيتم تخصيص جزء من هذه الميزانية العسكرية الموسعة للاستثمار في أنظمة الأسلحة المتقدمة، والتدريب، والمعدات الجديدة، بما في ذلك الصواريخ وتكنولوجيا الحرب الإلكترونية وأنظمة الدفاع الصاروخي[50].

قد يتخذ الصراع عبر المضيق أشكالاً عدة، تتراوح من حصار صيني على الموانئ التايوانية، إلى مستويات متنوعة من قصف الأهداف في تايوان، و إلى محاولة غزو صريح. في حال أصبحت فيه الولايات المتحدة داخلةً في هذا الأمر. سوف تكون أغراضها هي الحيلولة دون إخضاع الصين لتايوان، والحد من الضرر الذي يلحق بالجيش التايواني، والاقتصاد، والمجتمع، بقدر الإمكان. إن المهمات الأساسية بالنسبة للولايات المتحدة قد تشمل الحيلولة دون اكتساب الصين للهيمنة الجوية والبحرية، والحد من تأثير صواريخ الهجوم البري لدى بكين، و أن كلا المهمتَين قد تستلزمان ضربات أمريكية لأهداف على البر الرئيسي. أما من جهة الصين، فإنها قد تتحسب كما يجب لتدابير أمريكية كهذه عن طريق ضرب الأصول الأمريكية في المنطقة بشكل استباقي[51].

ومن خلال ذلك، يمكن استنناج سيناريوهين، لشكل الصراع الأمريكي الصيني في القضية الثانية، بحيث هناك سيناريو تفاؤلي يتعزز من خلاله الاعتماد المتبادل للتعايش الإقليمي، بحيث ستكون تايوان شريكا للصين وبالتالي لعب دور مهم في تشكيل هيكل استراتيجي جديد في شرق آسيا، وبذلك ستظهر بيئة تفضل حلا مبتكرا ومرضيا للطرفين لقضية مضيق تايوان.

من ناحية أخرى، هناك ترسخ لسيناريو سلبي من خلال ميل الولايات المتحدة والصين نحو تنافس على السيادة في آسيا، فمن المحتمل أن تصبح قضية مضيق تايوان الساحة الرئيسية للصراع بين الطرفين. ولطالما كانت تايوان المعيار الرئيسي الذي تحكم من خلاله الصين على ما إذا كانت الولايات المتحدة معادية بشكل أساسي ومصممة على عرقلة توليها وضع القوة العظمى. وذلك من خلال إحباطها لفكرة توحيد جمهورية الصين الشعبية بالفعل، وعلى أساس ذلك تكون الولايات المتحدة تمنع الصين من أداء مهمتها الوطنية.

سادسا: الفضاء التكنولوجي

 رأى البيت الأبيض في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي أن تنامي القدرات التكنولوجية الصينية أحد محددات الأمن القومي الأمريكي، اقتصاديا وعسكريا، حيث تحولت الصين في السنوات الأخيرة من مقلد للتكنولوجيا إلى مبتكر، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى اتخاد عدة إجراءات تصعيدية ضد الشركات والطلاب الصينيين الذين يدرسون في الولايات المتحدة موادا لها علاقة بالتكنولوجيا المتقدمة، وقد اتخذت العقوبات الأمريكية على الصين عدة أشكال منها فرض عقوبات على الشركات الصينية، وكمثال على ذلك أصدرت وزارة التجارة الأمريكية قرارا بمنع شركة هواوي و ZTE الصينية من شراء معالجات الهواتف الذكية والمحمولة من شركة كوالكوم الأمريكية، على خلفية مزاعم بانتهاكها لوائح التصدير الأمريكية، وبيع منتجات لإيران. وبناء على ذلك تم اعتقال ابنة مؤسس شركة هواوي والمديرة المالية للشركة في كندا، بناء على طلب من السلطات الأمريكية، وعلى خلفية الاتهامات الموجهة للشركة من طرف الإدارة الأمريكية باعتبارها تشكل تهديدا على الأمن القومي الأمريكي، باعتبارها وهي إحدى الآليات التي توظفها الحكومة الصينية للتجسس على الولايات المتحدة الأمريكية[52].

فالصراع ربما قد يبقى في الفضاء الإلكتروني، فيما يكون على الأرجح استجابةً لزيادة شدة التوترات في أي من نقاط الاشتعال الجغرافية التي ذكرناها. بعد تنفيذ الصين توغلات متكررة في الشبكات الأمريكية من أجل انتشال البيانات الحساسة. تقرر الولايات المتحدة الأميركية من جانبها القيام بالرد – ضد الشبكات التي تدعم أنظمة النقل الصينية، على سبيل المثال، ويشمل ذلك الملاحة التجارية واللوجستيات العسكرية، التأثير على التجارة الصينية قد يكون فوريا.

فتقوم الصين بتنفيذ هجمات تدمير الأنظمة الإلكترونية “القتل الناعم” مثلاً، تشويش على الأقمار الاصطناعية الأمريكية التي تخدم شبكة القيادة والتحكم والاتصالات، والحوسبة والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع ( في المحيط الهادئ، والتي قد ترد الولايات المتحدة عليها بالمثل. بسبب ما قد يتبين من محدودية قيمة كل من الدفاعات الشبكية الصينية والأمريكية في مقابل هجمات ٍ كبيرة ٍ ومتطورة ِ مثل هذه، قد يلجأ كلا الطرفَين إلى هجمات مضادة أملا في استعادة الردع. في التصعيد المترتب على ذلك، يمكن أن تعاني الصين والولايات المتحدة على حد سواء من أعطال مؤقتة لكن كبيرة في الشبكات المهمة، مما يسرع الصدمات في أسواق الأسهم والعملات والائتمان والتجارة[53].

سابعا: الحرب الاقتصادية

إن طريقة عمل الدمار الاقتصادي المتبادل المؤكد تختلف بعض الشيء عن الدمار المتبادل المؤكد الكلاسيكي. من الممكن نظرياً على الأقل الحد من التصعيد في صدام عسكري بحيث لا يتجاوز مستوى ما دون النووي. إن وضع حد للتبعات الاقتصادية لحرب صينية- أمريكية كبيرة سوف يكون أكثر صعوبةً بكثير. لن تستمر الصين في شراء الدين الحكومي الأمريكي في وقت تتصادم فيه قوات البحرية الأمريكية والصينية في مكان ما على مسافة من تايوان أو في بحر الصين الجنوبي.

هل بوسع الحرب الاقتصادية توفير بديل عن الصراع المسلح؟ إن العقوبات، حتى عندما لا تكون فعالةً بالكامل أو بسرعة، فإنها تكون أحد الوسائل التقليدية التي تكون خيار مفضلا بالنسبة للولايات المتحدة عند زمن المخاطر والأزمات، وسوء الفاعلية من حيث التكلفة. لكن الصين بعيدةٌ كل البعد عن أن تكون تقليدية، نظرا لنطاق وحدة الاعتماد الاقتصادي  الصيني-الأمريكي المتبادل. بحيث إن خسارة الإيرادات من التصدير بالنسبة للصين؛ وخسارة القدرة على الوصول إلى أسواق المال العالمية؛ وخسارة القدرة على الوصول إلى الفرص التربوية العلمية والمرتبطة بالتكنولوجيا في الخارج، ونقل التكنولوجيا، والواردات ذات الأهمية الكبيرة (النفط، والأغذية، والسلع،) سوف يكون له تأثير كبير على استقرارها الاقتصادي  والذي سيكون لذلك تأثير على استقرارها الداخلي. وفي المقابل سوف تكون لآثار الحرب الاقتصادية واسعة النطاق تداعيات كبيرة على أسواق الأسهم والائتمان الامريكية، والاستثمار، والاستهلاك، والتوظيف. إن وصفا أدق لحرب اقتصادية ضد الصين هو أنها حر ٌب اقتصادية مع الصين، التي هي أحد دائني الولايات المتحدة الرئيسيين في الخارج، ومصدر للسلع المصنعة. إن حرباً كهذه ستؤدي على الأرجح إلى انقباض عالمي أسوأ بدرجة كبيرة من ذاك الذي حصل في فترة 2008 [54].

إن إحدى وسائل تحسين الاحتمالات من أجل الدفاع المباشر والحد من خطر التصعيد، تكون بأن تقوم الولايات المتحدة بالاستمرار في تمكين قدرات جيران الصين ودعم عزمهم. إن استراتيجيةً كهذه َ مصّمَمةٌ لكي ترفع من تكاليف الاستخدام الصيني للقوة، وضبط الحزم الصيني الذي يكون على حساب الاستقرار الإقليمي والمصالح الأمريكية. إن استراتيجيةً كهذه يجب ألا تكون أو أن ينظَر إليها بوصفها-محاولةً أمريكيةً لتطويق الصين أو إنشاء اصطفاف في المنطقة ضدها خشية أن ينبت ذلك عداوةً صينيةً أكبر. بالفعل، يجب القيام بجهد مواز من أجل جذب الصين نحو مساع في الأمن التعاوني، ليس فقط من أجل تفادي ظهور تحالف مضاد للصين، وانما أيضاً ٍ من أجل الحصول على مساهمات أكبر في الأمن الدولي من قَبل ثاني أقوى قوة في العالم. يجب أن تستمر الولايات المتحدة أيضاً في استكشاف الحلول التعاونية لبعض مصادر الصراع التي ُذِكَرت في الأعلى.

مع أن خطر الصراع مع الصين لا يمكن تجاهله، فيجب كذلك ألا يبالَغ به. إن عدداً أكبير من الصراعات الأخرى يبدو أكثر احتمالاً، وبعضها في أماكن لا يمكننا التبصر بشأنها حتى ٍ بشكل مبهم في الوقت الحاضر.هذه الصراعات الأكثر احتمالاً قد تكون مع خصوم يختلفون كثيرا عن الصين، ويرجح أن تستدعي هذه الصراعات قدرات تختلف كثير عن تلك اللازمة للتعاطي مع منافس ند حقيقي. هذه الأحداث المحتملة إن هي أُخَذت كلٌّ على حدة، ستكون مهمة الشأن إلى درجة أقل من صراع مع الصين، ولكنها ستشكل، بشكل جماعي، البيئة الدولية التي يتفاعل فيها البلدان كلاهما، وستؤثر بصورة أساسية على تصورات الصين بشأن القوة والتصميم الأمريكي، التعامل ٍ بنجاح مع هذه التحديات الأصغر حجماً قد يكون إحدى أفضل الطرق لضمان ألا نخوض الصراع الأكبر أبداً[55].

إلا أنه يستحيل أن تقود الصين العالم، ذلك أن القيادة الصينية ستكون مشغولة بالقضايا الداخلية المعقدة لبعض الوقت في المستقبل. فمن غير المحتمل أن توضع العلاقات الخارجية على رأس الأجندة السياسية، وحتى عندما يحدث ذلك فسوف يتم النظر إليها في سياق ارتباطها بالاقتصاد المحلي والمجتمع والدولة. وإن عدم الاستقرار الاجتماعي الداخلي لينتج نظاما منعزلا ومذعورا ويعتمد على رد الفعل. وبالتالي فلن يستطيع القادة الصينيون أن يأخذوا مبادرات كبرى على المسرح العالمي.

و يمكن أن تواجه الصين مشكلتين رئيستين. فالمشكلة الأولى تتمثل بالتفاوت الكبير في المستويات الإنمائية والمعيشية بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية. وبناءا على إدراك الزعماء الصينيين أن المناطق الساحلية هي دائما الأقرب لتقبل التغيير والانفتاح، فقد اختارت الصين الساحل الجنوبي لإنشاء مناطق اقتصادية تضم الاستثمارات الأجنبية والشركات المختلطة (الصينية – الأجنبية). وانعكس هذا الأمر على تباين مستوى دخل الأفراد، إذ صار دخلهم في المناطق الساحلية أفضل كثيرا من المناطق الداخلية الواقعية في الغرب والوسط.

كما و يمكن أن تشكل شيخوخة سكان الصين أيضا عقبة رئيسة حائلة دون نمو الاقتصاد الصيني الذي لايزال يحتاج إلى أن ينمو بخطى ثابتة لزيادة دخل الفرد. ويشير تشي فو لين، مدير المعهد الصيني للإصلاح والتنمية في هاينان، إلى أن المشكلات التي ستواجهها الصين مع الإصلاح والتنمية هي مشكلات اجتماعية و أيديولوجية. ويعني بذلك التعارض المبدئي بين حكم الفرد وحكم القانون، وما تحكمه توجهات الحكومة وما تفرضه توجهات السوق.

ولعل أهم المشكلات التي ستواجه الصين، دور الحكومة وطبيعة النظام السياسي للبلاد، إذ ينبغي للصين أن تقوم بإجراء إصلاحات سياسية فاعلة ومستديمة ملائمة للمرحلة والقيادة العالمية[56].وحتى لو افترض المرء أن النمو الاقتصادي في الصين سيستمر من دون توقف، فإن قدرة بكين على استعراض قوتها في العالم ستكون مقيدة بفعل صراع عرقي عميق الجذور في إقليمي تبت و شينغيانغ، اللذين يتمتعان بأهمية استراتيجية، وعلى الرغم من أن الصينيين من مجموعة هان العرقية يمثلون 90%من السكان، فإن سكان تبت البالغ عددهم ستة ملايين نسمة واليغور الناطقين بالتركية المقدر عددهم ب10ملايين نسمة يسكنون منطقة تمثل أكثر من ربع الأراضي الصينية، وهي غنية بالمعادن وموارد الطاقة، ولها حدود مع الهند وآسيا الوسطى. وقد استثمرت الصين مؤخرا موارد هائلة في التنمية الاقتصادية في تلك المنطقة، أملا في تهدئة هاتين المجموعتين العرقيتين، و لكن الحلول الاقتصادية لا تؤدي عادة إلى إنهاء الصراع العرقي.

ولذلك ستضطر إلى الاعتماد بشكل متزايد على القمع لمنع نمو الحركات الانفصالية في تبت و شينغيانغ. وبما أن الاقليمين يمتدان على مساحة جغرافية كبيرة. ويمكن الوصول إليها من الهند (وهي جارة لا تربطها بالصين علاقة طيبة) وآسيا الوسطى (أفغانستان)، حيث يوجد قدر كبير من التعاطف مع اليغور المسلمين، فستضطر الصين إلى تخصيص حصة كبيرة من موارد أمنها القومي على استعراض قوتها في الخارج. والتاريخ يعلمنا أنه ليس بإمكان الامبراطوريات متعددة الأعراق الاحتفاظ بنفوذها عالميا إذا كانت تعاني انقسامات عرقية داخلية.

أما العقبة الأخيرة التي تحول دون تسلم الصين قيادة العالم، كون الصين تفتقر وفي حاجة ماسة إلى إيديولوجيا من شأنها تغيير نظرتها إلى العالم، و توفير قاعدة متماسكة و أهداف لتوسيع دورها العالمي. ويعتقد بعض المراقبين الأجانب أنها وجدت ضالتها في استراتيجية تقوم على استخدام نفوذها الاقتصادي لتعزيز مكانتها ومصالحها في العالم. ولكن آراء كهذه تخلط على نحو مشوش بين الوسائل والأفكار. فالصين بحاجة إلى منطق سياسي، وليس إلى تفسير اقتصادي لسلوكها في الساحة الدولية[57].

وعلى الرغم من امتلاك الصين لثروات معدنية وطاقية مهمة فإن إنتاجها المحلي منها لا يكفي لتلبية احتياجات التوسع الصناعي، مما يرغمها في الارتباط بالخارج لاستيراد المواد الطاقية والمعدنية، وقضية الطاقة من أهم التحديات التي تواجه الصين وتبدي لها اهتماماً قوياً، مع زيادة حاجات الصين للطاقة وارتفاع نسبة الاعتماد على الاستيراد بصورة سريعة[58].

و توجد عوامل خارجية – منها الإقليمية والدولية – مؤثرة في حاضر الصين ومستقبلها. وفي هذا السياق، نذكر الصراعات والخلافات الحدودية، ولاسيما أن للصين حدودا مشتركة مع 22 دولة، وملف تايوان موضوع الصراع الصيني- الأمريكي، وكذلك العلاقات الأطراف، و نعني بها الصين واليابان، والولايات المتحدة الأمريكية. فالخلاف الصيني–الياباني يحمل إرثا تاريخيا ثقيلا مازال ينعكس بطريقة أو بأخرى، على طبيعة العلاقات بين البلدين.

أما علاقات الصين بالولايات المتحدة، فستبقى مرتهنة بملفات عديدة متشابكة. و الحقيقة أنه أنه من المقلق غياب التفاهم بين بكين وواشنطن حيال مبادئ تشكيل السياسة العالمية. فبينما تصر الثانية بقوة على اعتبار التزام حقوق الإنسان مبدأ يتحتم اعتماده في صياغة السياسة الدولية، ترى الأولى أن السيادة الوطنية “مقدسة” ومن ثم لا يمكن المساس بها. ولذا تميل بكين بوضوح إلى نظام عالمي يحترم السيادة الوطنية للدول احتراما مطلقا بما يتيح لها ممارسة السياسة بدون قيود. ويصطدم مفهوم أمريكا بشأن “التدخل الإنساني” بشدة مع التخيل الصيني إزاء إيجاد معايير لتوجيه سلوك اللاعبين الدوليين وتقييده في تعامل بعضهم مع بعض.

صحيح أن بكين تقر بأن حقوق الإنسان صالحة للتطبيق عالميا، إلا أنها تصر على عدم وجوب المبالغة في اعتبارها عاملا لإضفاء الشرعية على نظام ما. ويستند موقف الصين الرافض لمفهوم “التدخل الإنساني” إلى حجة مفادها أن استخدام القوة في تسوية النزاعات بين الدول يظل دائما “طريقا ذا اتجاه واحد” لا يخدم سوى الدول الكبرى التي تملك القوة العسكرية الكافية للتدخل، أما الدول الصغيرة، فتعجز عن التدخل عسكريا في دول أقوى منها إذا لم ترض عما يجري في تلك الدول.

وفضلا عن ذلك، تعتقد بكين أن ممارسة “التدخل الإنساني” تنطوي على مشكلة خطرة ترتبط بالشرعية. فهي ترى أنه كثيرا ما يكون “التدخل الإنساني” ذريعة لاستخدام الدول الغربية القوة بغرض تحقيق أهداف سياسية لا يمكن بلوغها بوسائل أخرى. وتخلص الصين إلى أن”التدخل الإنساني” يمكن أحيانا أن يسبب أضرارا تفوق من حيث الأهمية الفوائد التي قد تتمخض عنه، ولو بدت دوافعه الأولية سلمية. ولهذا يتعين على الدول، وفقا لبكين، توخي الحيطة البالغة عند التفكير في استخدام القوة لإنهاء النزاعات الدولية. وانسجاما مع رفضها الشديد لفكرة إخضاع السيادة الوطنية لاعتبارات حقوق الانسان الدولية، تصر الصين أن التعامل مع القضايا المتعلقة بأقاليم التبت وتايوان و زينجيانج يظل قضية داخلية تخصها ولا شأن للدول الخارجية بها.

إن أعضاء الطبقة الصينية الحاكمة يشعرون بانزعاج بالغ من الولايات المتحدة التي تتدخل في قضايا بلادهم الداخلية، في الوقت الذي يحاول فيه هؤلاء القادة الانتهاء من عملية بناء الأمة في أقرب فرصة. ويرون أن بناء أمتهم لايمكن أن يحدث إذا بقيت تايوان منفصلة عن الصين، وما دامت حكومة التبت في المنفى بقيادة الدالاي لاما تدعي أنها “الممثل الحقيقي ” لشعب التبت داخل البلاد وخارجها، وإذا لم تتوقف حركة استقلال تركستان الشرقية عن محاولاتها فصل إقليم زينجيانج المعروف باسم “الإقليم المستقل في شرق الصين ” عن أراضي جمهورية الصين الشعبية. واستنادا إلى تصورها أن السيادة الوطنية تستحق أن تحظى بأولوية كأحد مبادئ السياسة الدولية، تصر بكين على أن تكون مطلقة الحرية في معالجة قضايا تبت وتايوان و زينجيانج. ويشعر حكام الصين بأن من حقهم بل واجبهم قمع أي قوى تتحدى السلطات الرسمية من خلال أعمال الشغب والتمرد. وأن أي تعامل لرؤساء أمريكا مع هذه الاقاليم وزعمائها تعتبر أعمالا تتعارض مع مصالح الصين[59].

الحال أن الخلافات بين فهم كل من الولايات المتحدة والصين للمشكلات التي يشهدها العالم، والتباين بين أولوياتهما بشأن كيفية التعاطي مع هذه المشكلات، يمثلان معا عائقا ثالثا يعترض التعاون الفاعل بينهما. وهناك فجوة عميقة الجذور تفصل بين موقفي الدولتين إزاء مواضيع كثيرة، من بينها انتشار السلاح النووي، فالصين لا ترى في خطر انتشار الأسلحة النووية- الناجم عن طموحات إيران النووية – تهديدا كبيرا للأمن الدولي بالدرجة نفسها التي تنظر بها إليه الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا.

ويظهر أن اهتمام بكين بخصوص المشكلة الإيرانية ينصب على مخاطر اندلاع الحرب في منطقة الخليج التي يمكن أن تسبب بها ضربة أمريكية جوية أو صاروخية للمنشآت النووية الإيرانية أن تلحق ضررا جسيما بمصالحها الإقليمية، وضمنها أمن الطاقة واستثماراتها التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات في حقول البترول الإيرانية[60]. لربما قد يكون الاحتفاظ بورقة الدعم الصيني هذه للبرنامج النووي الإيراني كرد فعل على تشجيع أمريكا للهند على تطوير أسلحتها النووية بالرغم مما يمكن أن يسبب من تهديد لصين، وما يزكي هذا القول كون الصين تمكنت أن تنشئ خلال عقد من الزمن علاقة قوية مع مناطق غنية بمصادر الطاقة كأمريكا اللاتينية وإفريقيا مثلا.

والمشكل الآخر هو عدم التوازن في العلاقة الاقتصادية بين الدولتين، فبكين تطالب واشنطن بالرجوع عن سياستها التي تحظر على الشركات الأمريكية بيع منتجات عالية التقنية للصين. وتعزو رغبتها هذه إلى أن اتباع واشنطن سياسة متحررة في تصدير المنتجات عالية التقنية من شأنه تعزيز الصادرات الأمريكية إلى الصين بدرجة هائلة، وهذا ما يستبعد تقبله من طرف الصين.

وتظل العلاقات الأمريكية الصينية تفتقر إلى فهم جوهري مشترك لأسس بناء النظام الدولي في المستقبل. صحيح أن الطرفين حاولا التوصل إلى فهم من هذا النوع، وثمة أدلة قوية على أن الجانبين يرغبان في إدارة خلافاتهما بواسطة آليات لتلافي النزاع، ولكن الحوار الاقتصادي الاستراتيجي ومحادثات تنسيق السياسة الدفاعية لم يكونا فاعلين بدرجة كافية لتغلب على التباينين الجوهري والهيكلي الناتجين عن اختلاف الأنظمة والفلسفات والثقافات. وما دامت بكين ترفض التخلي عن نظامها الرأسمالي الاستبدادي، و تصر على حق كل دولة في اختيار أساليبها لتحقيق التنميتين السياسية والاقتصادية بعيدا عن نموذج “الرأسمالية الليبرالية” الغربي، وما دامت واشنطن تشعر أن عليها أن تروج للديمقراطية بصفتها الصيغة الشرعية الوحيدة للحكم في العالم، فلن تكون هناك أي فرصة لإنهاء الخلافات السياسية بين هاتين القوتين العظميين بشكل فعلي.

فإمعان واشنطن في الإصرار على عدم وجود حدود لصلاحية مبادئ حقوق الإنسان في أرجاء العالم كافة، يقابله رفض الصين إخضاع السيادة الوطنية لإجراءات حقوق الإنسان الدولية.

وإذا بقيت هذه المعادلة قائمة، فلا سبيل لتجنب ارتفاع درجة التوتر بينهما حول قضايا عالمية مهمة. وما دامت الصين متخلفة عن الولايات المتحدة في معدلات التنمية، ومتوسط الفرد، وألحت الأخيرة في مطالبة الأولى بتحمل القدر نفسه الذي تتحمله هي من المسؤولية الدولية، فسيبقى نزاع المصالح بين الدوليتين غير قابل للتسوية.

وباستمرار كل تلك المشكلات، فإن على العالم أن يتوقع مستقبلا مفعما بالتوتر بين هذين العملاقين[61]، وهو أكثر السيناريوهات المطروحة والذي يبقي احتمال استمرار التنافس والتوتر في العلاقات الأمريكية – الصينية مرهونا بمدى استمرار النهوض الصيني في السنوات القادمة، وما يمثله من خطر على الولايات المتحدة الأمريكية وكل ما يرتبط بدرجة التقدم الذي ستحققه على صعيد قدرتها العسكرية، وآثار صعودها على التوازنات الدولية القائمة وقدرتها على القيام بدور ريادي عل مستوي المجتمع الدولي، بل من المتوقع أن تتعاون الصين إلى جانب دول العالم لخلق شراكات اقتصادية قوية وتحالفات عسكرية تلعب من خلالها دورا بارزا في الدفع بتلك الدول على خلق تعددية قطبية مستقبلا[62].فقد قيل في ما مضى: إن معنى التاريخ العالمي هو تجديد الميزان العالمي بعد اختلاله، أي إن المنبوذين، والذين ضعفوا سيتوحدون بصورة حتمية ضد القوي “.

حيث إن المتضررين الكثر من نزعة الهيمنة الأمريكية المطلقة لم يجدوا بدا من تنسيق جهدهم للحد من جموحها، والعمل على صوغ تحالفات وتكتلات تعيد شيئا من التوازن إلى النظام الدولي.

في المقابل، لا يعني رفض الهيمنة الأمريكية القبول بهيمنة بديلة، صينية كانت أم غيرها. القادة الصينيون يدركون هذا جيدا، لذا فهم يؤكدون مقولة الصعود السلمي للصين، ويكررون الدعوة إلى عالم “متناغم”، فضلا عن إعلانهم التمسك بالمبادئ المتعلقة باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، كإحدى ثوابت السياسة الخارجية الصينية[63].

سيناريوهات الصراع الأمريكي-الصيني على ضوء تصاعد الخلاف بين الطرفين:

السيناريو الأول: محاولة احتواء الصراع بين الطرفين من خلال الوسيلة التفاوضية التي ستؤول في نهاية المطاف إلى تقريب وجهات النظر عن طريق تقديم تنازلات بين الطرفين لتجاوز خسائر الحرب التجارية، وذلك من خلال تعهد البلدين باستئناف المحادثات التجارية، في خطوة للتخفيف من حدتها. وذلك من خلال تخفيف واشنطن الرسوم الجمركية والعقبات الأخرى أمام التجارة الصينية، بالمقابل قد تفتح بكين أسواقها أمام السلع والخدمات الأمريكية مع التزام باحترام الحقوق الملكية الفكرية الأمريكية.

السناريو الثاني: تراجع الولايات المتحدة عن سياستها المتصاعدة تجاه الصين نتيجة بعض الأضرار التي يمكن أن تلحق بالولايات المتحدة اقتصاديا بالإضافة إلى التنديد المتواصل للأطراف الدولية لسياسة ترامب التهورية في بعض القضايا الهامة والتي كان لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، بحيث أن قراراته التي يشوبها عدم الدقة والتسرع وعدم دراسة التأثيرات المصيرية لمثل هذه القرارات يكون لها تأثير على الحركة الاقتصادية العالمية والتي تؤثر أيضا على باقي المجالات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا السيناريو يزكيه البيان الذي صدر في ختام قمة قادة الاقتصادات الكبرى لمجموعة العشرين باليابان (مايو 2019) الذي أدان الحماية التجارية الأمريكية التي أسفرت عن مناخ تجاري صعب، ودعا البيان إلى ضرورة مقاومة الحماية التجارية، والعمل بتشارك لخلق مناخ تجاري واستثماري حر نزيه غير منحاز وشفاف ومستقر يمكن التكهن به. هذا بالإضافة إلى تصاعد الدور الصيني في بعض الأزمات والقضايا التي تشكل وبحسب واشنطن خطرا على استراتيجيتها التوسعية.

السيناريو الثالث: رضوخ الصين لقرارات ترامب نتيجة تضررها الكبير خصوصا في مجال الصناعات التكنولوجية كما حدث مؤخرا مع شركة هواوي كمثال. فالصين تدرك مدى قوة الولايات المتحدة التأثيرية والتي تشكل بحسب بكين خطرا على أمنها القومي. وبالتالي تقديمها تنازلات من خلال تراجعها عن قضايا التكنولوجية التي كانت سببا في تأجيج الصراع.

السيناريو الرابع: تصاعد حدة الصراع نتيجة تعنت الطرفين وتمسكهما باستراتيجيتها التي لا تؤمن بسياسة تقديم التنازلات نتيجة الصراع حول الزعامة على قمة الاقتصاد العالمي، هذا السيناريو إذا لم يتم احتواءه وتسارعت حدته خصوصا بعد تداعيات أزمة كورونا التي فاقمت من حدة النزاع بين الغريمين، فإنه سوف تكون له تداعيات خطيرة على مستقبل الاقتصاد العالمي والنظام الدولي ككل الذي تضرر بشكل كبير جراء جائحة كورونا، وعلى إثره ستتوسع رقعة الصراعات والنزاعات في الساحة الدولية نتيجة صراع هاتين الكتلتين.

السيناريو الخامس: أن المستقبل سيشهد تقاربا وتعاونا أمريكيا – صينيا تفرضه الظرفية الراهنة وذلك في ظل ترسيخ العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، من خلال تفعيل لغة الحوار والاعتماد على الدبلوماسية في حل القضايا المعلقة بينهما لإدراك الطرفين أن امتلاكهما للإمكانيات والقدرات من الممكن أن يلحق بهما – فى حالة المواجهة- خسائر فادحة، وهو ما يصب بدوره أيضا فى مصلحة البلدين معا.

السيناريو السادس: إن مستقبل المصالح الأمريكية مرتبط باستقرار آسيا، واستقرار آسيا مرتبط بدور الصين الإقليمى، ودور الصين لا يمكن ضبطه والتحكم فيه إلا بتوثيق العلاقات معها، مع الحرص على إبقاء التطور والنفوذ الصيني تحت المراقبة الأمريكية الدائمة، ومن هذا المنطلق يمكن أن تعمل أمريكا مستقبلا على صياغة استراتجيات بديلة لخطة الحرير و لخطة الصين 2025، بتعزيز ريادتها في الشق التكنولوجي والصناعي والتجاري، مع إعاقة الخطط والطموحات الصينية الاقتصادية و التكنولوجية. مع استمرار في إثارة القلاقل والمشاكل الداخلية لخلق المعوقات التي تقوم ذاتيا بعملية ضبط تسارع وتيرة النمو والنفوذ.

والعمل على تعزيز تحالفاتها مع الجيران الآسيويين وعلى رأسهم تايوان وكوريا الجنوبية والفلبين واليابان، و خلق شبكة من التحالفات الأمريكية الجديدة مع دول المنطقة لضبط الصين أو التحكم في سلوكها الخارجي.  

بالمقابل ستعمل الصين على المضي قدما لخلق تحالفات قوية في إطار العمل على إنجاح خطة الطريق والحرير، واستقطاب هذه الدول لتتشارك في إنجاح القفزة التكنولوجية الصينية بفضل الفرص الصينية المغرية. وبالتالي خلق تحالفات صينية مضادة لسياسات الاحتواء الأمريكية، ولتشكيل جبهة فى مواجهتها لإضعافها استراتيجيا.

 والعمل على تحقيق هيمنة صينية على دول آسيوية بما تحمله الثقافة الصينية من طموحات قوية، وبما لديها من إمكانات بشرية واقتصادية هائلة، ما قد يعصف بالمصالح الأمريكية إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك ستين مليون مهاجر صينى ينتشرون فى دول الجوار الآسيوى، ويشكلون بؤرا اقتصادية وثقافية وربما سياسية عسكرية عند اللزوم.

إذن، فالمتوقع أن يستمر مستقبل الصراع بين الولايات المتحدة والصين خصوصا التجاري منه في ظل حرص متبادل على عدم انفلاته في ظل مجموعة من التطورات، إلا إذا تمكن الطرفان من التوصل إلى صفقة متكاملة لا بديل عنها. إذن فمن الأرجح أن يوضع سقف للصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، لأن تجاوزه معدلات معينة قد يلحق الضرر بالطرفين خصوصا في ظل الأزمات الحالية ومن أبرزها أزمة كورونا العالمية التي خلفت كسادا اقتصاديا كبيرا. ولذلك فمستقبل العلاقات يجب أن تقوم على ازدياد في معدلات التعاون والاعتماد المتبادل، وقد زاد من تزايد هذا الأمر القلق الذي ينتاب الشركات الأمريكية بسبب الإجراءات الحمائية، بحيث تدعو إلى التحلي بالمرونة والجدية لإيجاد مخرج يضع حدا للصراع لأن استثمارات الشركات الأمريكية بدأت تدفع تكاليف هذا الصراع نتيجة انخفاض أرباحها الأمر الذي يشكل تهديدا حقيقا على استثماراتها.

ومن الأرجح أن ازدياد تداعيات الصراع التجاري الأمريكي-الصيني، وتوسع نطاقه، سيدفع بالجانبين إلى مراحعة سياساتهما التي أججت هذا الصراع، خاصة حينما يثبت بشكل قاطع أنه سيكون مؤثرا بقوة في كساد الاقتصاد العالمي خصوصا فيما تولد من تداعيات جراء أزمة فيروس كورونا.

من ذلك فمستقبل الصراع الأمريكي الصيني هو صراع يطبع العلاقات الدولية بحيث تفوق التناقضات المصالح المشتركة التي تجمعهما، بين دولة تسعى للبقاء في قمة النظام العالمي، حتى إذا اقتربت المسافة التي تفصلها عن دول كبرى أخرى، ودولة تطمح إلى بلوغ هذه القمة، وتعمل بكل تخطيط سعيا للوصول إليها. ولكن الأمر لا يعني أن يظل الصراع بينهما في خط تصاعدي بالضرورة وإن كان الصراع بينهما طبيعيا، فتصاعده باطراد، وبدون أي تذبذب ليس كذلك، بالرغم من أن السيطرة على هذا الصراع في مجال التجارة تحديدا أصعب منها في غيره، خاصة حين تكون الثقة المتبادلة في أدنى مستوياتها. إد يقل الاستعداد لإبداء مرونةوتقديم تنازلات سعيا للوصول إلى حل، غير أنه في كل الأحوال ليس متوقعا أن يتحول الصراع بينهما إلى مبادرة صفرية من النوع الذي حدث بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في مرحلة الحرب الباردة[64].

       وإجمالا، يمكن القول أن مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية على المدى القصير والمتوسط-على الأقل- سيسودها التعاون الاضطراري والتزام المتبادل بضبط النفس ومحاولة غض الطرف عن القضايا والملفات الساخنة بتقديم تنازلات متبادلة. وبالتالي يمكن وصف هذه العلاقة ب”التعاون الاضطراري الحذر”.

خاتمة

تُعد العلاقة الأمريكية- الصينية بعد الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 نموذجا لعلاقات تجمع بين الصراع والتعاون لما تتسم به من مميزات وخصائص مختلفة تحكمها مجموعة من المحددات سواء الداخلية منها (ملف تايوان، حقوق الانسان..) أوالخارجية (ملف النووي الإيراني، كوريا الشمالية..).

إن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين طبعها الاحتواء في عهد باراك أوباما، إلا أن ذلك قد اختلف مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الذي تبنّي نهجاً متشدداً للغاية إزاء الصعود الصيني وبروزه على الساحة الدولية، حاول من خلاله فرض مجموعة من الضغوطات عن طريق فرض العقوبات، سواء فيما يتعلق بالعلاقات التجارية بين البلدين أو بالتطور التكنولوجي الصيني.

فقد وجه دونالد ترامب مجموعة من الضربات القوية للاقتصاد الصيني عن طريق فرض مجموعة من الضرائب الجمركية، بالإضافة إلى تحريك مجموعة من الجهود الدبلوماسية لمنع اعتماد التقنيات الصينية من الجيل الخامس، واتخاذ مجموعة من التدابير اتجاه الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، وأيضا الضغط على الحلفاء من أجل تشديد الخناق على بكين من خلال تسويق فكرة أنها تشكل خطرا على مكانة القوى الكبرى داخل النظام الدولي. خصوصا أن التنين الصيني تمكن من بناء اقتصاد عملاق يهدد واقعيا التفرد الأمريكي بالسيطرة على الاقتصاد العالمي، وكذلك التفوق النوعي العسكري المتسارع، وأيضا المشروع الصيني الاستراتيجي “طريق الحرير” الذي يعتبر إحدى أكبر المهددات الاستراتيجية التي تتخوف منها واشنطن.

إذن فلا تخلو العلاقات بين واشنطن وبكين من المواجهة والخلاف، ولكنها نادرا ما اتجهت نحو منطلق التنافس على جبهات متعددة كما هو اليوم، بحيث وسمها الكثيرون بمرحلة الحرب الباردة الجديدة بين الغريمين، فمن تبادل التهم على خط جائحة أزمة كورونا إلى تجدد الخلافات حول التجارة وتصاعد التوترات حول مجموعة من القضايا الرئيسية وعلى رأسها تايوان، مع تزايد القلق حول تداعياتها المحتملة.

إذن، فإن طبيعة العلاقات المستقبلية المتوقعة بين الدولتين، تتوقف على الكيفية التي يدار بها الصعود الصيني، بوصفه واقعا. ومن المؤكد أنه ليس من مصلحة الصين أن تدخل في صراع عسكري أو اقتصادي مع الولايات المتحدة كون علاقتها مع واشنطن يحكمها قانون المنفعة والحاجة، وعلى الرغم من ذلك فإنه من الممكن أن نتوقع الأسوأ بنفس الدرجة التي يمكن بها أن نتوقع الأفضل، ويبدو أن المشهد المستقبلي لهذه العلاقة هو مزيج من التعاون والصراع من جهة بكين، وبالاحتواء من جهة واشنطن، احتواء بما يقتضيه من التعامل مع بكين بوصفها خصما لابد من ترويضه وتطويقه، والشراكة، بما تقتضيه من تفاعل اقتصادي وتسهيل اندماجها في المؤسسات الدولية.

ومن كل ذلك، فإن سمة الغموض تكتنف مستقبل العلاقات بين البلدين، بحيث أن هناك خوفا دائما من كلا الجانبان من انقلاب موازين القوى وعدم ثقة كل طرف بالآخر، خصوصا مع التطورات المتسارعة في النظام الدولي على ضوء تداعيات الحرب التجارية وما أفرزته جائحة فيروس كورونا، فيبقى منطق المنافسة سائدا في ظل عدم رغبتهما في تحول مسار العلاقات نحو الصراع، لأنهم على دراية تامة أنه لن يخرج أحد منهما بمنطق خاسر ورابح بل تحت معادلة خاسر-خاسر.

ولذلك، فإن السمة الأساسية للمرحلة المقبلة ستكون مبنية على المنافسة الاستراتيجية، بحيث ستظل المصالح المشتركة لكل منهما الأساس الذي سيخفف من حدة التوترات، بحيث من المحتمل أن تعيد أزمة فيروس كورونا تشكيل العلاقات بين الصين والولايات المتحدة خصوصا التجارية منها، وذلك نتيجة الأضرار الكبيرة التي خلفتها الأزمة على صعيد الاقتصاد العالمي والتي ستمتد آثارها على المدى القريب والمتوسط.

وعلى ضوء ذلك، يبقى الخيار الأمثل هو عودة البلدين إلى مسار التعاون والتوصل لاتفاق لحل مشاكلهما التجارية، وأن يركزا على المنفعة المتبادلة التي كانت قائمة عليها العلاقات الثنائية في الماضي وذلك في سبيل إنقاذ اقتصادهما والاقتصاد العالمي.

  ومن خلال دراستنا للموضوع خلصنا إلى مجموعة من النتائج:

  1. أن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والصين تخوض منافسة طويلة المدى على الصدارة الاقتصادية، حيث أن النمو الاقتصادي للصين أسرع بكثير من مثيله الأمريكي.
  2. ريادة الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا المعقدة كالتكنولوجيا العسكرية وتكنولوجيا الفضاء والاتصالات والعقول الالكترونية والهندسة الوراثية، مع تحقيق الصين تقدما يخول لها التأثير في حركة التفاعلات الدولية.
  3. أن الصين في سعي دؤوب لخلق بدائل اقتصادية تنافس المشروعات الأمريكية والأوروبية على سبيل المثال البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي اعتبر بديلا عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، واتحاد دول جنوب شرق آسيا، واتفاقية التجارة الحرة لدول آسيا والمحيط الهادي، التي ربطت الصين بالدول الآسيوية المجاورة لها.
  4. أن الصين تستهدف ربط اقتصاديات أفريقيا و آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية تحت مسمى مبادرة “حزام واحد وطريق واحد الذي يعزز من وضع الاقتصادي الصيني في النظام الدولي.
  5. تنظر الولايات المتحدة الامريكية إلى الصين بأنها منافس استراتيجي لها ولابد من المضي قدما في إلجام هذا الخصم عن طريق خوض حرب تجارية (فترة ترامب).
  6. لم تحسم الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم، وبقي مصيرها يقلق العالم بأكمله وتؤثر على اقتصاده، وباءت محاولات تحجيم الحرب التجارية حتى اليوم بالفشل.
  7. تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد الأمريكي إلى جانب أزمة الديون، وتنامي العجز في الميزانية له آثار على قدرة الولايات المتحدة على إعادة نشر قواتها وإدارة شؤون العالم كما كانت في السابق.
  8. تحويل الصين الأضرار الكبيرة التي لحقت اقتصادها إلى فرصة سياسية لمنافسة الولايات المتحدة التي فشلت في تدبير أزمة وباء كورونا عالميا.
  9. زيادة الصين في معدل الإنفاق العسكري، حيث تأتي الصين في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا، ووفقاً للتقديرات الاستخبارية فإن الصين ستصبح ثاني أكبر منتج للدفاع في العقد الآخر. في مقابل استمرارية الإنفاق العسكري الأمريكي المتزايد منذ انتهاء الحرب الباردة.
  10. إن احتمالات الصراع بين البلدين حقيقية وتتزايد، وللقيادة السياسية دور في الاختيار بين الصراع والتعاون والتكامل أيضاً وذلك إما بالتصعيد أو الجلوس إلى طاولة المفاوضات وتوقيع معاهدات واتفاقيات ترضي الطرفين. خصوصا أن اقتصاد البلدين وصل إلى حد التداخل والتشابك، الأمر الذي دفع الطرفين إلى ضرورة التفكير بجدية في تجنب الصراع.
  11. أن كل طرف من أطراف هذه العلاقة سيحاول توجيه هذه العلاقة بما يحقق له أقصى مصالح ممكنة في ظل عناصر القوة المتاحة لديه وقدرته على تعبئتها وتوظيفها آخذاً في الاعتبار جوانب الضعف التي يعاني منها والتي يمكن أن يسعى الطرف الآخر إلى التعامل معها أيضاً وتوظيفها بما يخدم مصالحه وأهدافه.

توصيات الدراسة

  1. ضرورة فصل السياسة عن التجارة، أي عدم توظيف السياسة لفرض عقوبات تجارية لتجاوز العجز التجاري مع البلد الآخر، بمعنى العمل على الجلوس إلى طاولة مفاوضات لتحقيق المزيد من التكافل الاقتصادي، فالصين والولايات المتحدة الأمريكية أكبر شريكين ومستثمرين لبعضهما البعض، وإن الخيار الأمثل هو أن يحافظ الطرفان على نهج التعاون، والتوصل الى اتفاق لحل مشاكلهما التجارية.
  2. فيما يتعلق بقضية تايوان وبحر الصين الجنوبي التي تعتبر من أهم المشاكل التي تواجه العلاقات الصينية الأمريكية؛ فعلى الجانب الأمريكي بالخصوص تفادي خيار المواجهة بخصوص تايوان مع العمل على تشجيع الحوار بين بكين وتايبيه بغية الوصول لحل سلمي. أما بخصوص بحر الصين الجنوبي، فالأهمية الاستراتيجية لهذا الأخير تدفع كل طرف إلى الامتناع عن تقديم أية تنازلات، مما يشير إلى أن فرص تسوية الخلاف ضئيلة، وأن القضية ستكون عاملاً مؤثراً في تحديد مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية ومستقبل المنطقة.
  3. فيما يتعلق بقضية كوريا فكلا البلدين تكمن مصلحتهما في استمرار الوضع القائم في شبه الجزيرة الكورية، لما تقتضيه المصالح الاستراتيجية، فأمريكا ليس من مصلحتها اتحاد الكوريتين بصبغة أيديولوجية شيوعية، بالمقابل فإن الصين أيضا لا تريد قيام كوريا مجاورة، قوية موحدة، مع قوة عسكرية، متحالفة مع الولايات المتحدة. فالوضع الحالي يمكن الصين من استغلال الملف النووي لكوريا الشمالية، كوسيلة في إدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة، كونها الأكثر تأثيراً على السلوك الخارجي لكوريا الشمالية، ويعود ذلك أساساً للمساعدات المالية التي تقدمها، واستعدادها لحمايتها.
  4. بناءً على هذا فإنه لابد أن تظل الصين بلداً مستقراً موحداً لأنها تستطيع أن تساهم في حل المشاكل الاقتصادية في الولايات المتحدة،وبالمقابل من الضروري نهج سياسة مرنة على صناع القرار الأمريكيين في ما يخص مسألة استثمار الشركات ونقل التكنولوجيا الأمريكية إليها.
  5. يجب على الصين إدراك أن الولايات المتحدة جزء من الحل لمشكلاتها وليست جزءً من مشكلاتها، وهذا لن يتأتى إلا بتطوير المؤسسات الصينية عن طريق الخبراء الصنيين الذين عبروا الجامعات والمؤسسات الأمريكية.
  6. يجب على الجانبين نهج التفكير العقلاني من أجل التوافق على آليات تضمن إعادة القطاع الاقتصادي من أجل تعويض الآثار التي خلفها انتشار فيروس كورونا، وذلك كله في سبيل العمل على تعزيز العناصر الإيجابية للعلاقةبدلاً من مسار التصادم الراهن.
  7. سيتراوح مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية بين نقطتي الصراع والتعاون اقتراباً وابتعاداً تبعاً لطبيعة التفاعلات التي ستحدث في نقاط توازن القوة والضعف.

الهامش

[1]– توفيق حكيمي، مستقبل التوازن الدولي في ظل الصعود الصيني، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه العلوم السياسية – العلاقات الدولية، الجزائر: الجامعة باتة، 2014-2015، ص: 208.

[2]– رغدة البهي: الصعود الصيني ومستقبل الهيمنة الأمريكية في النظام الدولي، مجلة السياسة الدولية، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، العدد 214، أكتوبر 2018، ص: 258.

[3]– توفيق حكيمي، مصدر سابق، ص: 210-212.

[4] – توفيق حكيمي: مستقبل التوازن الدولي في ظل الصعود الصيني، المرجع نفسه، ص: 216.

[5] – رغدة البهي: الصعود الصيني ومستقبل الهيمنة الأمريكية في النظام الدولي، مرجع سابق، ص: 260.

[6]-إيفاند إيلاند: أمريكا ومخاطر مواجهة الصين، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بتاريخ 10 أكتوبر 2015، الرابط.

[7]– طارق عزيزة:  استراتيجية الولايات المتحدة في آسيا في ظل النهوض الصيني، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 2017، ص: 9.

[8]– نادية الهواس: نظام عالمي بديل: تحديات بناء استراتيجية “احتواء” أمريكية للصين، ملحق تحولات استراتيجية، العدد 413، أكتوبر 2018، ص: 19.

[9]– طارق عزيزة، المرجع نفسه، ص12:-11.

[10]– حكمات العبد الرحمان، الصعود السلمي للصين، سياسات عربية، العدد 14. ماي 2015، ص: 67 -68.

[11]–  جاء ذلك على لسان بول وولفويتز، أحد منظري المحافظين الجدد، ينظر في لذلك: هادي قبيسي،السياسة الخارجية الأمريكية بين مدرستين: المحافظية الجديدة والواقعية، الطبعة الأولى، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون،،2008، ص: 2.

[12]– ني أوتكين، يونس كامل ديب – هشام حمادي، النظام العالمي للقرن الواحد والعشرين، الطبعة الأولى، دمشق، دار المركز الثقافي، 2007، ص: 295.

[13]– محمد عطية محمد ريحان، التجـربـة الاقتصـادية الصينيـة  وتحدياتهـا المستقبليـة،جامعة الأزهـر – غزة، عمادة الدراسات العليا والبحث العلمي كلية الاقتصـاد والعلـوم الإدارية  برنـامج ماجستير الاقتصاد،2012، ص: 173.

[14] – وحيد عبد الحميد: حدود الصراع الأمريكي-الصيني ومستقبله، مجلة السياسية الدولية، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، العدد 218، أكتوبر 2019، ص: 137.

[15] – وحيد عبد الحميد: حدود الصراع الأمريكي-الصيني ومستقبله، مرجع سابق، ص: 137- 138.

[16] -نفس المرجع السابق، ص: 139.

[17]– عمار شرعان: السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، المركز الديمقراطي العربي  للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية برلين المانيا، 2017، ص: 109/ أنظر كذلك: إيمان زهران: الحمائية التجارية…مآلات النزاع التجاري الأمريكي-الصيني، العدد 218، أكتوبر 2019، ص: 86.

[18] – نادية الهواس: نظام عالمي بديل: تحديات بناء استراتيجية “احتواء” أمريكية للصين،  مرجع سايق، ص: 20

[19]– عمار شرعان: السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، المركز الديمقراطي العربي  للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية برلين المانيا، 2017، ص: 109 -110.                

[20] – وحيد عبد الحميد: حدود الصراع الأمريكي-الصيني ومستقبله، مرجع سابق، ص: 140.

[21] – عمر الشيخ: تطور الإدارة الأمريكية من البرنامج النووي الإيراني، دراسات سياسية، المعهد المصري للدراسات، مايو 2019، ص: 12-52.

[22] – نورة الحفيان: مسارات الموقف الأمريكي من البرنامج النووي الإيراني، تقديرات سياسية، المعهد المصري للدراسات، أغسطس 2019، ص: 3.

[23] – نورة الحفيان: الانسحاب الأمريكي من سوريا: الحيثيات وردود الأفعال، تقارير سياسية،  المعهد المصري للدراسات، أغسطس 2019، ص: 3.

[24] – مركز المستقبل يناقش تصاعد الصراع الأمريكي الإيراني وتأثيراته على المنطقة، مركز مستقبل للدراسات الاستراتيجية، بتاريخ10-07- 2018، الرابط.    

[25]– عماد حسن، التصعيد الأمريكي – الإيراني.. أي مخاطر تواجهها دول الخليج؟، موقع DW، الرابط.

[26]– عماد حسن، التصعيد الأمريكي – الإيراني، مصدر سابق.

[27] – عدنان خلف حميد البدراني، الصين ومسألة أمن الخليج: المواقف والأهداف، السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، المرجع نفسه، ص: 229.

[28] – سماء سليمان: تداعيات التنافس الأمريكي-الصيني على مستقبل النظام الدولي، مرجع سابق،  ص:  132.

[29] – عدنان خلف حميد البدراني، مصدر سابق، ص: 227. 

[30] – أندرو  سكوبيل- علير ظا نادر، الصين في الشرق الأوسط، سانتا مونيكا، كاليفورنيا: مؤسسة راند، 2016، ص: 85- 84.   

[31] – أحمد كاتب: الانخراط الحذر…التحول الضروري للسياسة الصينية في الشرق الأوسط، مجلة السياسية الدولية، مؤسسة الأهرام، العدد 214، أكتوبر 2018، ص: 26.

أنظر أيضا:

Yitzhak Shichor: Vision، revision and supervision: the politics of China’s OBOR and AIIB and their implications for the Middle East، in Anoushiravan Ehteshami and Niv Hores: China’s presence in the Middle East: the implications of the One Belt، One Road Initiative، London: Routledge، Taylor & Francis Group، 2018.p.45-48.

[32] – تشارك في رأسمال البنك الآسيوي كل من حيث تشارك في رأسماله كل من تركيا، وإيران، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، وقطر، والكويت، وسلطنة عمان  والأردن.

[33] – أحمد كاتب: الانخراط الحذر…التحول الضروري للسياسة الصينية في الشرق الأوسط، مرجع سابق، ص: 26-27.

[34] – نفس المرجع السابق، ص: 26-27. وأنظر في ذلك كله كتاب:

Anoushiravan Ehteshami and Niv Hores: China’s presence in the Middle East: the implications of the One Belt، One Road Initiative، London: Routledge، Taylor & Francis Group، 2018.

[35]– كيف أثر الربيع العربي على السياسة الصينية ؟، موقع RAQEB، بتاريخ: 10-30- 2014، الرابط.

[36] – مصالح الصين في الأزمة الكورية بين البعدين: الاقتصادي الجنوبي والسياسي الشمالي، موقع مركز سيتا، بتاريخ : 12-11-2017، الرابط.      

 [37]- أمريكا والصين.. من سيربح لعبة الشطرنج الكورية؟، موقع الوقت، 23-06-2019، موفر في الرابط.

[38]– جلال سلمي، الرابح والخاسر في الأزمة الكورية، موقع نون بوست، بتاريخ 02-11-2017، الرابط.

[39]– جيمس دوبينز- أندرو سكوبل- إدموندج ج بورك- ديفيدش غومبرت- ديريك غروسمان- إريك هجينبوثام – وهاوردج  شاتز، إعادة النظر في الصراع مع الصين احتمالات ونتائج واستراتيجيات الردع، مؤسسة رند، واشنطن –الو.م.أ، 2017، ص: 7 .

[40]– نفس المرجع السابق، ص: 3.

[41] – زياد حافظ، الأزمة الكورية وأبعادها الدولية، موقع رأي اليوم، الرابط:  https://www.raialyoum.com/index.php/.

[42] – مصطفى كمال: جيوسياسية الطاقة…النزاع الأمريكي-الصيني في بحر الصين الجنوبي، العدد 218، أكتوبر 2019.، ص: 96.

[43]– طارق عزيزة، استراتيجية الولايات المتحدة في آسيا في ظل النهوض الصيني، الدوحة – قطر، مركز حرمون للدراسات المعاصرة،  فبراير 2017، ص: 12.

[44]– طارق عزيزة، المرجع نفسه، ص: 13.

[45]– جيمس دوبينز- أندرو سكوبل- إدموندج ج بورك- ديفيدش غومبرت- ديريك غروسمان- إريك هجينبوثام – وهاوردج  شاتز، إعادة النظر في الصراع مع الصين، احتمالات ونتائج واستراتيجيات الردع، مؤسسة رند، واشنطن –الو.م.أ، 2017، ص: 3.

[46] – مصطفة كمال: جيوسياسية الطاقة…النزاع الأمريكي-الصيني في بحر الصين الجنوبي، مرجع سابق.، ص: 98-99.

[47] – Eleanor Albert: China-Taiwan Relations، council on Foreign Relations، January 22، 2020، On the website: https://on.cfr.org/2Yl9om9.

[48]– Eleanor Albert: China-Taiwan Relations، council on Foreign Relations ,Op. Cit.

[49] –  إنجي مجدي: تايوان… جبهة خطيرة في التوتر بين واشنطن وبكين، Independent  عربي، بتاريخ 3 يونيو 2019، الرابط.

[50] –  Eleanor Albert: China-Taiwan Relations، council on Foreign Relations، Op. Cit.

[51]-جيمس دوبينز- أندرو سكوبل- إدموندج ج بورك- ديفيدش غومبرت- ديريك غروسمان- إريك هجينبوثام – وهاوردج  شاتز، إعادة النظر في الصراع مع الصين احتمالات ونتائج واستراتيجيات الردع، مؤسسة رند، واشنطن –الو.م.أ، 2017، ص: 5.

[52] – إيهاب خليفة: الصراع الأمريكي-الصيني على التكنولوجيا فائقة الفضاء، مرجع سابق، ص: 90-91.

[53]– جيمس دوبينز- أندرو سكوبل- إدموندج ج بورك- ديفيدش غومبرت- ديريك غروسمان- إريك هجينبوثام – وهاوردج  شاتز، إعادة النظر في الصراع مع الصين احتمالات ونتائج واستراتيجيات الردع، مؤسسة رند، واشنطن –الو.م.أ، 2017، ص: 6.

[54]– جيمس دوبينز- أندرو سكوبل- إدموندج ج بورك- ديفيدش غومبرت- ديريك غروسمان- إريك هجينبوثام – وهاوردج  شاتز، إعادة النظر في الصراع مع الصين احتمالات ونتائج واستراتيجيات الردع، مؤسسة رند، واشنطن –الو.م.أ، 2017، ص:  12.

[55]– جيمس دوبينز- أندرو سكوبل- إدموندج ج بورك- ديفيدش غومبرت- ديريك غروسمان- إريك هجينبوثام – وهاوردج  شاتز، المرجع نفسه، ص:  14.

[56]– حكمات العبد الرحمان، الصعود السلمي للصين، مجلة سياسات عربية، العدد 14، مايو 2015، ص:  70.

[57]– مارتن جيكس، مستقبل الصين في النظام الدولي، مجلة افاق المستقبل، العدد 8، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية،  ديسمبر2010، ص:  49.

[58]– حكمات العبد الرحمان، الصعود السلمي للصين، مجلة سياسات عربية، العدد 14، مايو 2015، ص:  72.

[59]– جو إكسيفيو، بحث في إمكانية عقد شراكة (  2-G  ) صينية أمريكية، العدد 8، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية،  ديسمبر2010، ص:  54 – 53.

[60]-جو إكسيفيو، المرجع نفسه، ص:  55.

[61]– حذفاني نجيم،العلاقات الصينية الأمريكية بين التنافس والتعاون – فترة ما بعد الحرب البارد -، جامعة الجزائر3  كلية العلوم السياسية والاعلام قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، 2011، ص: 127.

[62]-حذفاني نجيم،المرجع نفسه، ص:  139.

[63]– طارق عزيزة، استراتيجية الولايات المتحدة في آسيا  في ظل النهوض الصيني، مركز حرمون للدراسات المعاصرة،2017، ص:21.

[64] – وحيد عبد الحميد: حدود الصراع الأمريكي-الصيني ومستقبله، مرجع سابق، ص: 139.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close