fbpx
تقديرات

مستقبل السياسة التركية تجاه الانقلاب العسكري في مصر

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تهدف هذه الورقة الى اعادة قراءة الموقف التركي من الانقلاب العسكري الذي تم في مصر في 3 يوليو 2013، وذلك لتقييم الوضع الحالي ومحاولة استقراء ما يمكن أن تؤول اليه الأمور لاحقا، انطلاقا من انّ النظام السياسي التركي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية منذ نهاية العام 2002 وحتى اليوم هو نظام عقلاني يعتمد على الحسابات الدقيقة في عملية صنع واتخاذ القرار، وكذلك انطلاقا من تقييمنا للمعطيات المبدئية والمصلحية التي يقوم عليها الموقف التركي في ظل التطورات الداخلية والاقليمية والدولية التي حصلت منذ الانقلاب وحتى اليوم.

ويجب في البداية القاء الضوء على جملة من الانعكاسات للربيع العربي على تركيا، البعض منها كان إيجابيا، لا سيما خلال الفترة الأولى من ثورات الشعوب، والبعض الآخر منها كان سلبيا، بخاصة بعد الانقلاب العسكري في مصر منتصف العام 2013 ، وذلك لكي يمكن دراسة المسار المستقبلي للسياسة التركية تجاه مصر بشكل أفضل، ومن أبرز هذه الانعكاسات:

  • شكّل الربيع العربي فرصة لتركيا لقيادة مسار التغيير والتحوّل الديمقراطي في المنطقة، وتحوّلت التجربة التركية في مجال التنمية والديمقراطية والنهضة الشاملة والانفتاح الفكري والسياسي، إلى نموذج يحتذى في المنطقة.
  • عزّز تأييد تركيا لثورات الربيع العربي وانحيازها للتطلعات الشعبية، من صورتها الإيجابية في وجدان الشعوب العربية، وباتت تحتل مكانة مرموقة وتقديرا واحتراما مميزين.
  • زادت فاعلية تركيا في المنطقة، وتعاظم دورها السياسي الإقليمي في العامين 2011 و2012 وحتى منتصف العام 2013، لكن الانقلاب العسكري في مصر في يوليو 2013، أثّر بصورة سلبية في فاعلية هذا الدور، ووضع تركيا أمام تحديات صعبة.
  • عززت علاقات تركيا المميزة مع القوى السياسية الفاعلة، بخاصة الإسلامية المعتدلة، من قدرة تركيا على لعب أدوار ووساطات في العديد من قضايا المنطقة، وزادت من حاجة الأطراف الدولية لدور سياسي تركي نشط في الإقليم.
  • موقف تركيا من الربيع العربي وانحيازها لخيارات الشعوب أدى إلى إعادة النظر في سياسة “صفر مشاكل”، حيث اضطرت لاتخاذ مواقف إزاء الأحداث الساخنة التي شهدتها المنطقة.
  • أدّى الاضطراب السياسي في المنطقة إلى زيادة الخلاف بين الأطراف الإقليمية، ومهّد الطريق لعداء استراتيجي معلن بين الأطراف الفاعلة (تركيا، إيران، السعودية، مصر). وكانت تركيا سعت حثيثًا في السنوات التي سبقت الربيع العربي للقضاء على الخصومات الإقليمية ولبناء بيئة سياسية إقليمية أكثر استقرارا.
  • أثّر موقف تركيا الداعم لثورات الشعوب العربية سلبا في علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول العربية، وجعلها عرضة لحملة تحريض واستهداف من دول محور الثورة المضادة التي انقلبت على الربيع العربي. وقد لجأت بعض الدول الخليجية إلى الأدوات الاقتصادية للضغط على تركيا، فضلا عن الأدوات السياسية المتاحة عبر العلاقة مع الإدارة الأمريكية و(إسرائيل)، والعبث في الساحة الداخلية في أزمة ميدان جيزي وفي العلاقة مع جماعة فتح الله غولن ومحاولات التأثير في نتائج الانتخابات.
  • انخفض حجم الصادرات التركية إلى عدد من دول الربيع العربي، غير أن ذلك لم يؤثر في قوة الاقتصاد التركي الذي استطاع تعويض الخسائر وزيادة الصادرات إلى دول أخرى في المنطقة.
  • بالنسبة للعلاقة التركية المصرية، فقد سارعت تركيا إلى دعم الثورة المصرية، ودعت الرئيس المخلوع حسني مبارك منذ اليوم السادس للاحتجاجات الشعبية إلى الاستجابة لإرادة الشعب المصري، ووقّعت بعد الثورة العديد من الاتفاقات التجارية لتبلغ الاستثمارات التركية مع مصر ما يقارب ملياري دولار، ورأت في مصر ما بعد الثورة حليفا استراتيجيا يمكن الرهان عليه للتقدم نحو مستقبل أفضل للمنطقة.

غير أن الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 ألحق أضرارا فادحة بالعلاقات المصرية التركية، حيث عبّرت تركيا صراحة عن دعمها للشرعية الديمقراطية، ورفضت الاعتراف بسلطات الانقلاب، وتم تبني شعار رابعة الذي ابتكره أردوغان، وشهدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين توترا واضحا انتهى بسحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية.

كما انعكس موقف تركيا الداعم للشرعية في مصر والمعارض للانقلاب، بصورة سلبية على علاقات تركيا بأطراف إقليمية ودولية عديدة في مقدمتها السعودية والإمارات و(إسرائيل) وإلى حد ما مع الولايات المتحدة

كذلك عملت مصر على إلغاء اتفاقية (الرورو) لنقل البضائع الى الخليج العربي والتي تقدر قيمتها بـنحو 15 مليون دولار، وانعكست حالة التوتر على ملف استخراج الغاز في البحر المتوسط، إذ عملت مصر على التحالف مع القبارصة اليونان ومع اليونان لدعم مطالبهم باستخراج الغاز من المناطق المتنازع عليها.

كما أن الاستثمارات التركية في مصر تعرضت للتهديد بفعل التوتر في العلاقات بين البلدين. يذكر أن حجم الاستثمارات يقدّر ما بين ثلاثة مليارات دولار إلى خمسة مليارات، كما أن هناك 250 شركة تركية عاملة في مصر. وكانت تركيا تطمح قبل الانقلاب إلى رفع حجم التبادل التجاري مع مصر من خمسة إلى عشرة مليارات دولار، غير أن هذه المشاريع تعطلت بالكامل.

أولاً: منطلقات الموقف التركي تجاه الانقلاب العسكري في مصر:

1) المنطللقات المبدئية:

  • رفض الانقلابات العسكرية: ما لا يدركه كثيرون انّ جزءً من الموقف التركي انما ينبع من منطلقات داخلية صرفة على اعتبار انّ تركيا هي الدولة التي شهدت أكبر عدد من الانقلابات العسكرية في المنطقة، وبالتالي فمن الطبيعي أن ينظر الاتراك الى ما جرى في مصر من خلال عدسة التاريخ التركيّ. فقد عبث الجيش في النظام السياسي التركي بشكل مباشر لحوالي نصف قرن بدأها بانقلاب عام 1960، ومن ثمّ 1971 و1980 و1997، وتدهور معها وضع البلاد بشكل كبير سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حتى جعلها على شفير الهاوية. ويعتَبِر الأتراك انّ هذه التجربة التاريخية تخوّلهم أن يكونوا الأكثر قدرة على ادراك حقيقة ان الانقلابات العسكرية لا تأتي بأي مفيد للبلاد وانّ هذا موقف مبدئي لا يمكن التشكيك بمنطلقاته.

كما يعدّ التأكيد على رفض الانقلابات العسكرية رسالة حازمة من الحكومة الى بعض الشرائح التركيّة المعارضة التي حاولت اعادة الزج الجيش في السياسة من جديد عندما شعرت بأن هناك فرصة وذلك عبر مناشدات علنية بتدخّله لاسيما بعد تظاهرات جيزي بارك وساحة تقسيم في مايو 2013، اي قبل الانقلاب في مصر بعدّة أشهر.

  • دعم الثورات الشعبية العربية: عندما إندلعت الثورات العربية في نهاية عام 2010، اتخذت أنقرة قرارا استراتيجيا بدعم هذه الثورات والديمقراطيات الوليدة، وقد استثمرت تركيا في هذا الجانب كثيرا (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا) ليس في مصر فقط وانما في دول اخرى ايضا، واتخذت مواقف حادة في دول مثل سوريا نتيجة الموقف المبدئي هذا، ولذلك فالتراجع عن دعم الديمقراطية في ظل ما جرى في مصر سيرتب عليها عبئ أخلاقي يرتبط بدورها المفترض وصورتها الاقليمية والدولية، كما سيرتب عليها ايضا ضياع جهودها الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية.
  • الجانب الشخصي المتعلق بموقف اردوغان نفسه: يُعرف عن أردوغان بأنّه شخصية كارزميّة، سريع البديهة، حاد الطباع، يمكن استفزازه بسرعة، عنيد جدا، شديد القرب من نبض الشارع، من بيئة ملتزمة دينيًّا، وأسرة متواضعة. هذه الصفات تجعله قريبا من فهم الشخصية المصرية البسيطة من جهة، وتفتح أمامه أيضا مشهد المقاربة التاريخية بين حالة محمد مرسي كأول رئيس جمهورية منتخب بشكل حقيقي من قبل الشعب ورئيس الوزراء التركي السابق “عدنان مندريس” أول رئيس حكومة منتخب ديمقراطيًا في الجمهورية التركية، والماثلة لا شك في ذهنه وذهن الكثيرين من الأتراك الذين شهدوا الانقلاب الذي قام به الجيش التركي عام 1960 وأطاح من خلاله بـ”عدنان مندريس” وقام بمحاكمته صوريا وإعدامه في العام 1961 مع اثنين من وزرائه .

هذه المعطيات، جعلت الجانب التركي يرى بانّ من حقّه اعلان موقفه بخصوص ما جرى في مصر شأنه في ذلك شأن كافة القوى الاقليمية والدولية، وأنّ واجبه يقتضي صراحة القول أن تغيير نتائج الانتخابات الشرعية بهذه الطريقة هو انقلاب عسكري، وأنّ هذا موقف مبدئي بغض النظر عمن هو موجود في السلطة ومن هو موجود في المعارضة .

2) المنطلقات المصلحية (حسابات الربح والخسارة):

  • تكاليف ادانة الانقلاب: وفقا لحسابات الحكومة التركية آنذلك، فان تكاليف ادانة الانقلاب في مصر ومعارضته آنذاك ليست بالحجم الذي من الممكن له ان يؤثر على القرار التركي او يدفعه الى اعادة النظر في حساباته، فالأعباء الاقتصادية والسياسية والأمنية المترتبة عن هذا الموقف ليست كبيرة الى هذا الحد، وبامكان تركيا تحمّلها اذا ما بقيت المعادلة على حالها خاصة ان الجانب المصري سيكون بحاجة الى تركيا اكثر من حاجة الاخيرة اليه. فحجم الاقتصاد التركي أكبر من ضعفي نظيره المصري، والصادرات التركية تزيد عن ثلاثة اضعاف نظيرتها المصرية، والتجارة البينية تكاد لا تذكر مقارنة بحجم التجارة الخارجية الكليّة للاقتصاد التركي، وعليه فمن الممكن تحمّل تكاليف هذه الخطوة بالمنطق الاقتصادي البحت.
  • تسيّد الشعوب: جزء من الحسابات المتعلقة بالموقف التركي ترتبط بالجانب بعيد المدى، فحسابات الربح والخسارة لا تقف عند تداعيات الموقف الآني وانما تتعداه. ووفقا لهذه النظرة التي تسود عند شريحة ليست قليلة من صناع القرار في تركيا، فان المراهنة يجب ان تكون على شعوب المنطقة على المدى البعيد، فهي ستصل عاجلا ام آجلا الى تحقيق الديمقراطية وعندها ستكون تركيا الرابح بالتأكيد من هذا التحول الجاري.
  • أنه في اطار تخطيطها لسياستها الخارجية، فقد حرصت تركيا على نسج علاقات جيدة مع الحكومات والشعوب في آن واحد، وأظهرت اهتماما واضحا بأن تحظى سياساتها بالقبول، وحرصت على تأكيد رغبتها بالشراكة، بعيدا عن الهيمنة والعقلية “الإمبريالية”. وكان واضحا أن السياسة التركية تسعى لتحقيق جملة أهداف رئيسة في المنطقة، من أبرزها:
    • تأكيد حضور تركيا وتكريس مكانتها الإقليمية، كقوة مركزية تسهم في تحقيق الاستقرار، وكطرف فاعل في معالجة الأزمات والصراعات في المنطقة.
    • تحقيق شراكة استراتيجية مع دول المنطقة.
    • تحقيق مصالح تركيا الاقتصادية وتعزيز التبادل التجاري مع دول المنطقة.
    • الإسهام في مشروع التحوّل والتغيير الديمقراطي في المنطقة، وتقديم نموذج ديمقراطي حداثي معتدل.
    • كسر حدّة التطرف الديني والقومي داخل الحدود وفي الإقليم.
    • معالجة مشكلة الأقليات القومية والحدّ من الانقسامات العرقية والطائفية.

وهذه المعطيات المرتبطة بحسابات الربح والخسارة، وبأهداف سياستها الخارجية، عزّزت من صوابية الموقف المتّخذ بالنسبة الى صانع القرار التركي ومن تأكيده على التمسك بموقفه في ادانة الانقلاب.

ثانياً: محددات الموقف التركى من الانقلاب العسكري في مصر

مضى على الإنقلاب في مصر حوالي سنة وخمسة أشهر، لم يتغيّر الموقف التركي العام من الانقلاب منذ وقوعه وحتى تاريخ كتابة هذا التقرير (10/12/2014) ، بل على العكس بدا من خلال عدّة محطات انّ هناك اصرار ا على عدم التراجع عن ادانته، من بينها، ما جاء في كلمة الرئيس التركي في الأمم المتحدة خلال الجلسة الافتتاحية لاعمال الجمعية العامة في 24 سبتمبر 2014 والتي قال فيها: “إن البلاد شهدت انقلابا على رئيس منتخب من قبل الشعب، وقتل الآلاف ممن خرجوا يسألون عن مصير أصواتهم، أكتفت الأمم المتحدة والدول الديمقراطية، بمجرد المشاهدة، وأضفوا شرعية على ذلك الانقلاب ”  . وكشف أردوغان بعدها بأنّه كان قد دعي الى طاولة غداء وعندما عرف ان السيسي سيكون موجودا عليها، اعتذر لأن وجوده يعطي الانقلاب شرعية.

لكنّ التفاصيل أكثر تعقيدا من هذه المعطيات، والحكم عمّا اذا كان الموقف التركي العام سيستمر على حاله أم لا من خلال هذه المواقف التفصيليّة لا يكفي.

ولذلك فمن المفيد ان يتم الاخذ بعين الاعتبار المدخلات الأساسية للموقف التركي لاعادة تقييم الوضع العام من جديد لمرحلة ما بعد الانقلاب، ويمكن ايجازها كما يلي:

المعطيات المبدئية

  • لا يظهر أنّ هناك تغيير في معطيات الموقف المبدئي فهي لا تزال ثابتة فيما يتعلق بالمنظور التاريخي التركي، لا بل قد تعززت مع اخراج الجيش من المعادلة السياسية إثر التعديل الدستوري للمادة 35 التي لطالما استخدمها الجيش لتبرير الانقلابات العسكرية السابقة في تركيا. ففي تاريخ 17 يوليو 2013، اي بعد فترة وجيزة من الانقلاب في مصر، أقر البرلمان التركي التعديل وأصبحت هذه المادة تحدد دور الجيش ومهمة القوات المسلحة بالدفاع عن الوطن والجمهورية تجاه التهديدات والأخطار الخارجية.
  • كما أنّ فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحليّة التي جرت في 30 مارس 2014 وفوز مرشحه أردوغان في الانتخابات الرئاسية في 10 أغسطس 2014 انهى دور الجيش في الحياة السياسية وقلّم اظافره بالكامل مع انطلاق ما يسميه حزب العدالة والتنمية “تركيا الجديدة” في خطوة تبدو وكأنها اعلان لولادة الجمهورية من جديد وفق القواعد الجديدة التي ارساها أردوغان بعد سنوات طويلة قضاها في الحزب والحكومة، وقد أعطى ذلك دفعا اضافيا لشخص اردوغان للتمسك بموقفه الشخصي من موقع قوة.

المعطيات المصلحية

  • بعكس المعطيات المبدئية، فمن الملاحظ أن تغيّرا طرأ على المعطيات المصلحية خلال الفترة الماضية، فقد تعرّضت تركيا لضغوط سياسية واقتصادية كبيرة بسبب موقفها، وقد ساهمت التعقيدات الاقليمية الدولية في عدد من الملفات في زايدة دائرة المناوئين لسياسات أنقرة، ما أدى الى إزدياد الأعباء والتكاليف في ميزان حسابات الربح والخسارة، وقد ترافق ذلك مع دعوات لشخصيات وفئات (ليس بالضرورة من معارضي حزب العدالة والتنمية أو حتى من خارج الحزب نفسه) تحذّر الحزب من المضي قدما في نفس السياسية.

أ. اقتصاديا:

في المراحل الاولى لادانة الانقلاب، قامت بعض الدول الداعمة له كالامارات العربية المتحدة بالغاء عدد من مشاريعها العملاقة في تركيا (من بينها مشروع افشين البستان بقيمة 12 مليار دولار) وبمراجعة استثماراتها، لم يكن ذلك كافيا لثني تركيا عن موقفها، كما ان حجم التجارة مع مصر لم يكن كبيرا لدرجة ان يدفع تركيا الى مراجعة قرارها.

لكن خلال فترة عام، حدثت بعض التطورات الاقتصادية، لعل أهمها:

  • تراجع سعر الليرة التركية وارتفع حجم التضخم والبطالة وازدادت تكاليف الاستثمار وانخفضت الى حد ما الاستثمارات القادمة من الخارج لاسيما في اواخر عام 2013 وحتى منتصف عام 2014.
  • تراجع تجارة الترانزيت مع الدول العربية فيما يبدو انه خناق اقتصادي برّي لتركيا. فقد تعرّضت تجارة الترانزيت لمشاكل كبيرة سواء عبر سوريا الى لبنان والأردن وفلسطين، أو عبر مصر الى دول شمال أفريقيا ودول الخليج. وزادت الامور تعقيدا مع تفاقم أزمة “داعش” مؤخرا مما حرم تركيا من الممر الى جنوب العراق ودول الخليج العربي، وقد انخفضت صادرات تركيا للعراق الى النصف خلال الاشهر الاخيرة كما تراجع عدد الشاحنات الناقلة للبضائع من 2,130 الف شاحنة بالشهر الى 1,300 شاحنة وهي مستمرة بالانخفاض بمعدل يومي بدءاً من شهر يوليو 2014. وتراجع العراق من مركزه كثاني أكبر مستوعب للصادرات التركية على المستوى العالمي الى المرتبة الخامسة.
  • استغلت طهران المأزق التركي في تجارة الترانزيت البرية لترفع من الضرائب المفروضة على الشاحنات التركية التي تمر عبر ايران سواء الى جنوب العراق او الى غيرها من المناطق بشكل كبير، كما انها تستخدم سلاح الغاز بين الفينة والاخرى لابتزاز تركيا. (الغاز الايراني يباع لتركيا باسعار اعلى من اسعار السوق الدولية)
  • تم الاعلان عن عزم الحكومة المصرية عدم تجديد اتفاقية الخط الملاحي “الرورو” مع تركيا والتي كان قد تم التوقيع عليها في مارس 2012 لتسهيل نقل صادرات البلدين لمدة ثلاث سنوات تنتهى فى 29 أبريل المقبل.

ب. سياسيا:

هناك ضغوط تمارس بشكل غير مباشر اما عبر وسائل الاعلام العالمية او عبر حملات التحريض او عبر النفوذ الاقليمي والدولي لثلاثة دول على الإقل هي الامارات العربية المتحدة وايران واسرائيل. هذه الضغوطات مصحوبة بعلاقات متوترة بين أنقرة وواشنطن على خلفية الموقف من عدد من الملفات الاقليمية ذات البعد الاستراتيجي جعل أنقرة تبدو وكأنها وحيدة في الساحة (اذا ما استثنينا علاقاتها المتميزة مع الجانب القطري). وبالنسبة الى الموقف العربي، فقد تراجعت العلاقات العربية – التركية بشكل كبير في هذه المرحلة، وكان من أبرز مؤشراتها:

  • مراجعة علاقة الجامعة العربية بتركيا. وقد تمّت بالفعل المطالبة قبل بضعة اشهر فقط (بشكل سري) باغلاق بعثة الجامعة العربية في أنقرة، ونقلها الى دولة في شرق آسيا، بذريعة أنّ لا تمثيل للجامعة العربية في تلك المنقة المهمة من العالم وأنّ بعثة الجامعة في تركيا لم تعد تحظى باهمّية، وقد تم احباط هذا المقترح بجهود دولة قطر وبعض الدول الاخرى علما انّ انه لم يمض على افتتاح بعثة الجامعة العربية فعليا سوى أربع سنوات.
  • تهديد الجانب المصري بشكل مبطن وبالاستعانة بداعميه ولاسيما الامارات بالغاء منصات التعاون الثنائي مع تركيا كمنتدى التعاون العربي- التركي المشترك، والتقرب من اليونان وقبرص، وخاصة في مجالات اتفاقيات الغاز في شرق المتوسط، على أمل ان يشكل ذلك ازعاجا مستمرا للجانب التركي.
  • تقويض الجهود الدبلوماسية التركية، اذ يُنقل ان أحد اسباب خسارة تركيا في التنافس على مقعد في مجلس الامن عضو غير دائم هو عدم دعم الجامعة العربية للموقف التركي (بتحريض من عدّة دول)، وذلك كعقاب على موقفها لاسيما من النظام المصري.

وبالاضافة الى ذلك، فهناك ضغوط داخلية كبيرة تمارس على الحكومة التركية في اطار الصراعات السياسية الداخلية، واتهمت المعارضة الدبلوماسية التركية بعدم القدرة على العمل بشكل فعّال، وبأن خياراتها السياسية استندت إلى اعتبارات أيديولوجية لا اعتبارات سياسية مصلحية، وبأنها فقدت نتيجة ذلك مرونتها السياسية وعزلت نفسها إقليميا وألحقت الضرر بمصالح تركيا وعلاقاتها مع كثير من الأطراف الإقليمية والدولية.

ثالثاً: السياسات التركية في إطار هذه الضغوط:

إذا كانت المعطيات الاقتصادية والسياسية السابقة لم تغير من الموقف التركي بشكل جذري، لكنها تضع ضغوطا متزايدة على الاقتصاد التركي وعلى السياسة التركية، لقد ساعد الانخفاض الذي حصل مؤخرا في اسعار النفط تركيا على تجاوز بعض المصاعب الاقتصادية وخفف من التكاليف والخسائر المحتملة، أما على الصعيد السياسي، فقد لوحظ أن أنقرة حرصت خلال هذه المرحلة على:

1ـ موازنة الخطاب: مقابل سقف اردوغان المرتفع هناك توزيع مدروس للأدوار يقوم من خلاله عدد من المسؤولين بتقديم خطاب عقلاني يتم التركيز فيه على التفريق بين الحكومة المصرية والشعب المصري، كما يتم الشرح من خلاله بأنّ تركيا ليست مع حزب بعينه أو شخص بعينه أو أيديولوجية بعينها، إنما هي مع من يصل عبر صناديق الاقتراع بشكل شرعي بغض النظر عن انتماءاته وتوجهاته، وان اسقاط من يصل عبرها يجب أن لا يتم الا عبرها(1 ).و من الممكن أن تكون هذه هي السياسة التي ستعتمدها الحكومة التركية لامتصاص الضغوط الواقعة عليها، وذلك حتى الوصول لمحطة الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في السابع شهر يونيو القادم.

2ـ عدم استعداء المملكة العربية السعودية: فبالرغم من كل ما جرى، الا أنّ أنقرة تظل حريصة على ان لا يؤثر موقفها في دعم الاخوان على تراجع العلاقات السياسية والتجارية والاستثمارية مع بعض الدول التي تربطها علاقات ممتازة بنظام الانقلاب لاسيما السعودية على وجه الخصوص. لقد نقل الجانب التركي عدّة مرات للجانب السعودي (بعيدا عن الاعلام) رسالة مفادها انهم لا يشكلون اي خطر ولا يسعون الا لافضل العلاقات مع المملكة. وينبع هذا الموقف من ادراك تركيا الى الحاجة المتبادلة للطرفين الى بعضهما البعض في ظل التعقيدات الاقليمية في عدد من الملفات الهامة.

3ـ احتواء دول الخليج العربي: من الملاحظ انّ أنقرة اتبعت مع المملكة السعودية وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي خلال هذه الفترة سياسية واقعية وبراجماتية تقوم على ثلاثة مبادئ، هي: الاعتراف بوجود خلاف سياسي حول الموضوع المشكل، ومحاولة تحييد هذا الخلاف كي لا يؤثر على مجمل العلاقات بين البلدين، والدفع باتجاه جسر الهوة الناجمة عن الخلاف السياسي بالعمل على تعزيز العلاقات الإقتصادية والعسكرية.

4ـ فتح قناة اتصال غير علنية للتواصل في حده الادنى مع الجانب المصري: بناء على رغبة ثنائية على ان تكون وفق الفهم التركي حول بعض القضايا والملفات المحددة. وقد جرت بالفعل خلال الأشهر الماضية بعض اللقاءات العابرة على هامش اجتماعات خارجية تصادف فيها وجود ممثلين عن الجانب المصري والتركي (غالبا وزارة الخارجية) ومن بينها اجتماعات عقدت لمناقشة الأزمة العراقية في كل من باريس وجدة، وقد كان من المقرر ان يلتقي الطرفان على هامش اعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي لكن الجانب المصري أفشل الترتيبات المشتركة عندما كشف عن الموضوع بغرض تصويره على انه انتصار دبلوماسي وتسجيل نقاط مدّعيا انّ انقرة كانت تلح على اللقاء وان الجانب المصري قبل ذلك بعد اصرار الجانب التركي والحاحه على الأمر، وهو الامر الذي نفاه وزير الخارجية التركي وعزاه الى ما سماه عقدة نفسية لدى الجانب المصري.

وقد ترافقت هذه المؤشرات مع دعوات عدد من الشخصيات والتيارات (ليس بالضرورة من معارضي حزب العدالة والتنمية أو حتى من خارج الحزب نفسه) إلى:

  • ضرورة استغلال أي فرصة ممكنة لاجراء اصلاح او تعديلات على العلاقات مع مصر على ان يكون المدخل المناسب لذلك عبر تصحيح اللهجة والخطاب أولا واختيار الكلمات المناسبة.
  • ليس من الحكمة بناء علاقات حصرية مع جماعة الاخوان المسلمين، فالمجتمع المصري أوسع وهناك ضرورة للانفتاح على باقي الشرائح.
  • البعض يرى أنّ السلطة في مصر ستضطر في النهاية الى ان تتصالح مع الاخوان او تتوصل الى اتفاق سلام او تسوية معهم على المدى البعيد بصفتهم جماعة شعبية وجزءً من نسيج المجتمع المصري، وانّ دوام الديمقراطية سينعكس ولو بعد حين في انتخابات وعندها ستنعكس قوة الاخوان مجددا، ولكن من غير المعروف متى سيحصل ذلك، وعليه فمن غير الحكمة البقاء على حالة العداء مع النظام المصري حتى حينه.

وفي إطار هذه الاعتبارات يمكن القول أن:

  • الموقف التركي مما جرى في مصر هو موقف مبدئي، وحتى الآن لا يزال الموقف التركي يعبر عن هذه المبدئية من خلال ادانة الانقلاب ودعم الاخوان، لكنّ لا يجب الخلط بين الموقف المبدئي والموقف الايديولوجي. فالأخير من الصعب له ان يتغيّر بغض النظر عن حسابات الربح والخسارة، أما الأوّل وعلى الرغم من انّ هناك جانب منه يرتبط بثوابت يتم الإيمان بها، فانه يتأثر بالضرورة بالمعطيات الواقعية وبحسابات الربح والخسارة. وبقدر ما يكون صانع القرار التركي قادرا على تحمّل التكاليف السياسية والاقتصاية لهذا الموقف، بقدر ما يتمسك به. ارتفاع هذه التكلفة قد يضطره لأن يكون مرنا وقد يدفعه ذلك لايجاد أدوات او سياسات تعبّر عن هذا التوجه كما ذكرنا اعلاه.
  • تركيا حريصة على علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي ككل. علاقاتها مميزة جدا مع الجانب القطري، لكنها لا تكفي لوحدها في ظل الحصار السياسي المتزايد المفروض من قبل المنافسين في رقعة الشطرنج الاقليمية عليها لاسيما اسرائيل وايران. بالنسبة الى الاتراك، هناك حاجة للتواصل مع الجانب السعودي، لتحييده على الأقل وكسبه ان أمكن الأمر.
  • هناك توزيع مدروس للأدوار في مواقف السياسيين الاتراك من مصر. قسم يتحدث بنبرة عالية وغالبا ما يكون خطابه موجها للجمهور “رئيس الجمهورية”، وقسم يتحدث بعقلانية وبنبرة هادئة ويركز على ضرورة الحوار والديمقراطية ودور مصر والشعب المصري التاريخي.
  • صحيح ان النظام المصري لم يلجأ الى خطوات اقتصادية كبرى قد تضر تركيا لانه سيكون الأكثر تضررا نتيجة لذلك، ولكنه لجأ الى تكتيكات سياسيّة ودبلوماسية لا ترتب عليه اية اعباء اقتصادية او مالية، ولكنها تتيح له دوما ازعاج تركيا واشغالها بشكل مستمر وذلك عبر لاعبين آخرين او عبر خطوات دبلوماسية خلف الكواليس.

رابعاً: مصر وتركيا بعد التحولات القطرية:

يرى البعض أن هناك عزلة تركية تعمّقت بعد التغير القطري، ، خاصة بعد اغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، واتجاه قطر للمصالحة مع مصر بضغط خليجي، كما أن التنسيق الإستراتيجي التركي مع قطر يوحي أن موقف قطر لم يكن بعيداً عن دوائر صنع القرار في تركيا، ويري هؤلاء أننا قد نشهد تطبيعاً ما للعلاقات بين مصر وتركيا، ويستند أنصار هذا التيار إلى عدة اعتبارات أساسية:

1ـ نجاح نظام الانقلاب في مصر في تثبيت أركانه من خلال القبضة الأمنية في الداخل، والدعم الخليجي المالي إقليمياً، والقبول الدولي. فأصبح الانقلاب أمراً واقعاً، تتعامل معه كافة الدول، وتركيا لا تريد أن تكون الاستثناء هنا بما يزيد من عزلتها السياسية .

2ـ التبعات الاقتصادية، فقد بنت تركيا تجربتها على أساس التنمية الاقتصادية التي اعتمدت على الانفتاح على العالم العربي من خلال البوابة السورية براً (وقد أغلقت)، ثم البوابة البحرية عبر مصر، التي ألغت الاتفاقية مؤخراً، فضلاً عن فواتير اقتصادية أخرى تدفعها أنقرة فيما خص إيواء اللاجئين السوريين، أو دعم المعارضين من عدة دول، أو سخونة الأوضاع في العراق وسوريا، أو “الحرب على الإرهاب ” .

3ـ العزلة الدولية التي تعانيها تركيا منذ فترة، على خلفية مواقفها عالية السقف من قضايا المنطقة تحديداً، وعلى رأسها سوريا ومصر. ويبدو أن أنقرة تستشعر أن هذه العزلة تتحول شيئاً فشيئاً إلى إهمال أو استهداف، وهذا آخر ما قد ترغب به دولة مثل تركيا في ظل الرمال المتحركة في المنطقة .

4ـ فشل الرهان على القوى المناهضة للانقلاب أو قوى الربيع العربي بشكل عام، بعد الإخفاقات المتتالية وتراجع الثورات كظاهرة، والتي توجت بانتخابات الرئاسة في تونس وفشل حزب النهضة التونسي أمام نداء تونس المحسوب على نظام بن علي، فكان على تركيا أن تختار الحفاظ على مصالحها.

5ـ تدرك تركيا من قضايا ومواقف سابقة أن القدرة على التأثير في ملف ما يقتضي “التواصل” ولو بالحفاظ على شعرة معاوية. وفي مناخ العلاقات الدولية التي تتحدد فيها قيمة ومكانة الدول بمقدار ما تلعب من أدوار وتستطيع من تأثير، تبدو تركيا حريصة على ترك مقاعد المتفرجين والعودة لدائرة الضوء والمشاركة في صنع الأحداث.

خامساً: إدارة التحولات: برنامج عمل تنفيذي:

في تقدير سابق قام المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية بإعداده (5/10/2014)، في أعقاب خروج عدد من قيادات الاخوان من الدوحة، انتهي إلى مجموعة من التوصيات التي أكد على ضرورة الأخذ بها للتعاطي الفعال مع الجانب التركي، بما يضمن استمرار دعمه وتأييده للثورة المصرية، منها:

  • تعزيز الشراكات مع الكيانات الرسمية وغير الرسمية في الداخل التركي، وفق ضوابط وآليات ومسارات تضمن مشروعية التحرك في الداخل التركي وتعزيز حرية الحركة المتاحة.
  • وضع آلية واضحة ومحددة ومستمرة للتواصل عالي المستوي مع المسؤولين الأتراك، بشكل دوري والتنسيق معهم في سياسات التحرك في مقاومة الانقلاب والتعاطي معهم باعتبارهم شركاء في القضية.
  • التصدي للضغوط التي تتعرض لها تركيا ووضع رؤية وخطة واضحة لمواجهة هجوم الآلة الإعلامية الانقلابية وداعميها المضادة لتركيا، من خلال رصد وتفكيك مسارات الهجوم الإعلامي المؤيد للانقلاب ضد تركيا، ووضع مضامين إعلامية دقيقة ومنطقية وواقعية يلتزم بها المتحدثون الإعلاميون سواء للتحالف الوطني لدعم الشرعية أو المجلس الثوري المصري، ونشر عدد من بيانات الحقائق بشكل شبه دوري عن معدلات النمو والتطور في تركيا، ومظاهر الدعم التركي للقضايا الإسلامية والإنسانية في مختلف المحافل.
  • تقنين الوجود الرسمي للكيانات والمؤسسات المصرية العاملة في تركيا (المجلس الثوري، القنوات الإعلامية، المؤسسات البحثية، الشخصيات والقيادات المصرية، اللاجئين والمقيمين المصريين الذين استقروا في تركيا بعد الانقلاب) والتأكيد على ضرورة الالتزام بالقوانين والضوابط التركية وما تفرضه آليات التواصل في هذا السياق تجنباً لما يمكن أن يحدث من أزمات.
  • توقيع عدد من الاتفاقيات مع المؤسسات البحثية والفكرية السياسية والاقتصادية والإعلامية، للتدريب والاستشارات وتأهيل الكوادر وتبادل الخبرات لمعارضي الانقلاب المتواجدين في تركيا.
  • القيام برصد أعداد المصريين الذين استقروا في تركيا في أعقاب الانقلاب العسكري، وإجراء دراسة تحليلية عن أوضاعهم الأمنية والاجتماعية، والعمل على تسوية الملفات العالقة الخاصة بالإقامة والعمل والإعاشة للمتعثرين منهم.
  • رصد خريطة العمل الإعلامي الرافض للانقلاب في تركيا، سواء الوسائل التركية أو المصرية التي تتخذ من تركيا مقراً لهاـ، ووضع خطة استراتيجية للتنسيق فيما بينها، وفق ضوابط واضحة ومحددة ومضامين متفق عليها بشكل يتفق عليه الجميع ويلتزم باحترامه.

إلا أنه بعد مرور شهرين ونصف على هذا التقدير، لم تبرز مؤشرات حقيقية حول تبني أي من هذه التوصيات(اللهم الا تقنين الوضع القانوني لبعض المؤسسات والأفراد)، في الوقت الذي مارست فيه عدد من القوى الدولية والإقليمية ضغوطاً قوية على تركيا، دفعتها لتغيير لغة خطابها، تجاه النظام الانقلابي في مصر(2 ).

خلاصة

يبدو بالدراسة المتأنية لكل ما سبق صعوبة حدوث تحولات مفاجئة في الموقف التركي على غرار الموقف القطري، خاصة أن الشروط التي يضعها الأتراك لاستئناف العلاقات لا يمكن للنظام الانقلابي القبول بها لأنها تعني عمليا انتهاء هذا النظام، بالاضافة الى أن الاتجاه المتشدد في الجانب التركي يتبناه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ذوا النفوذ الأكبر في الساحة السياسية التركية، الا أن استمرار العوامل الأخرى الضاغطة وعدم التعاطي الجدي من جانب القوى المناهضة للانقلاب بالخارج مع مقتضيات العلاقة الايجابية قد يضيع فرصا هامة يمكن أن تشكل اضافة جيدة للثورة المصرية، وقد يؤدي في النهاية لخسارة حليف استراتيجي مؤثر لا يوجد سواه في الوقت الحالي.

وعلى الجانب الاخر فانه من الممكن اذا أحسنت ادارة الملف، فقد يمكن توجيه العلاقة بما يخدم الثورة المصرية بشكل استراتيجي، ويؤسس لمرحلة جديدة على طريق تحقيق أهداف الربيع العربي.

وفي اطار المستجدات والتوصية بما يجب عمله، يجب ان يكون هناك ادراك لدى الجانب المعارض للانقلاب ان معركته طويلة الامد، وتحتاج الى نفس طويل، وبالتالي يجب ان يتم توزيع الأدوار بين من يركّز على رسم الخطط الآنيّة للتعامل مع الوضع الحالي وعلى من يركز على المستوى الاستراتيجي، ومن هنا تجب التفرقة بين ما هو عاجل نحتاج البدء فيه على الفور، وما هو استراتيجي يتعلق بالعلاقات طويلة المدى مما ينبغي معالجته عن طريق دراسة معمقة متأنية على النحو المبين أدناه.

——————————————-

الهامش

(1) في هذا الإطار يمكن فهم تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي سواء في الكويت أو عبر عدد من الوسائل الإعلامية خلال الأسبوع الأخير من ديسمبر 2014، ومنها حواره مع قناة الجزيرة الإخبارية، 26/12/2014. ، وكذلك تصريحات وزير الخارجية للتلفزيون التركي يوم 25/12/2014.

(2) في هذا السياق صرح نائب رئيس مجلس الوزراء التركي، والناطق باسم الحكومة التركية، بولنت أرينج، أن بلاده تريد الهدوء في العلاقات مع مصر، مؤكدا أن بلاده “مستعدة لكل شيء وبجانب السلم والصلح دائما، ومن يخطو خطوة نحن نخطو في المقابل 10 خطوات”. جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده أرينج، بالعاصمة الكويت، الأربعاء (25/12/2014)، على هامش زيارته إلى الكويت. وأضاف أرينج: “نحن نريد الهدوء للعلاقات بين تركيا ومصر، وعلى مصر أن تغير سياستها ضد حقوق الإنسان وما نسميه القرارات القضائية المجحفة ” . وقال أرينج: إن “علاقات تركيا مع مصر كانت جيدة منذ القدم، ولكن بعد الانقلاب الذي قام به وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على الرئيس الشرعي محمد مرسي ساءت العلاقات؛ لأننا نعتبر أن الرئيس محمد مرسي هو الرئيس الشرعي والمنتخب، وكما جاء بالانتخابات على الشعب أن يزيحه بالانتخابات ” .

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close