fbpx
السياسات العامةمجتمع

مشروع المعهد القومي للأورام 500500: الإشكاليات والمسارات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

على مدار الخمسة أعوام الماضية لم يشاهد المصريون سوى حملات إعلانية ضخمة ومتكررة كل عام خصوصاً في شهر رمضان الكريم؛ تنفذها مؤسسة أصدقاء المعهد القومي للأورام الجديد بالشيخ زايد، وقد اشتهر المعهد القومي الجديد للأورام باسم 500500 وهو رقم الحساب البنكي الخاص بالتبرع للمؤسسة. وفي نهاية العام 2018 قدم جابر نصار- رئيس جامعة القاهرة الأسبق- استقالته من رئاسة مجلس أمناء المؤسسة، وتم اختيار عدلي منصور -الذي تم تعيينه رئيساً بعد الانقلاب العسكري- في يناير 2019 ليترأس مجلس الأمناء خلفاً لنصار ثم يظهر في إعلان تليفزيوني في رمضان ليدعو لشعب المصري للتبرع لصالح المشروع[1].وعلى أرض الواقع لم يتم تنفيذ أي إنشاءات تُذكر سوى مجموعة أساسات خرسانية لا ترقى لوعود المؤسسة بانطلاق المرحلة الأولى من التشغيل، والتي كان مقرراً لها الافتتاح في ديسمبر2020.

تحاول هذه الورقة الإجابة على الأسئلة التالية:

ما الأسباب التي أدت إلى تعثر تنفيذ المشروع حتى الآن؟ وهل مصر في حاجة إلى إنشاء معهد قومي جديد للأورام؟ وما السيناريوهات المتوقعة لمستقبل المشروع؟ وهل مصر قادرة على إنشاء أكبر مستشفى في العالم لعلاج السرطان؟

كما سنقوم بمحاولة التعرف على خريطة أمراض الأورام فى مصر وإحصاءاتها، ودور منظمات مجتمع المدني في مجابهة أمراض الأورام.

وتسعى الدراسة إلى اختبار عدة مؤشرات  من مؤشرات الحوكمة الرشيدة  وهي ( الشفافية – الكفاءة والفاعلية).كما ستناقش الدراسة إشكالية  محددات العلاقة بين المجتمع المدني والدولة في تمويل الخدمات الصحية (إشكالية تداخل العلاقة بين المجتمع المدني والدولة)، وذلك لأن المعهد القومي للأورام هو أول مؤسسة حكومية في مصر تتولى مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني كفالة التمويل من خلال جمع التبرعات الشعبية دون الحديث عن دور الدولة وحجم مشاركتها ومستقبل التمويل والإدارة خصوصاً أن من سيعملون بالمعهد موظفين حكوميين يتقاضون رواتبهم من الدولة.

كما تعرض الورقة لمؤشر دولة الجباية، والذي تتعدد صوره في المجال الصحي فكما أشرنا من قبل في دراسة حول التأمين الصحي الشامل أن الدولة تسعى من خلال فرض الضرائب والرسوم والاشتراكات والمساهمات إلى تحرير الخدمة الطبية بشكل كامل، فهناك صورة أخرى مهمة لمؤشر دولة الجباية وهي التبرعات والتي تبلورت بشكل كبير في السنوات الخمسة عشر الأخيرة، ومساومة الشعب على الجباية (إما التبرع وإما توقف المشروعات).

أولا: مقدمة عن معهد الأورام وخريطة أمراض السرطان في مصر

المعهد القومي للأورام هو أحد أهم الصروح الطبية التي تمتلكها مصر، وهو تابع لمستشفيات جامعة القاهرة، وقد أُنشئ في عام 1959 وتم افتتاحه عام 1969، ويضم المعهد مستشفى ذات سعة 600 سرير، ويوجد به عشرة أقسام في كافة تخصصات علوم وعلاج الأورام[2] .فيما يخص المعاملة المالية، فقد نشر المعهد على صفحته أنه في الفترة من 2002 وحتى 2010، فإن توزيع المرضى حسب المعاملة المالية قد بلغ 82 % مجاني و18% بمقابل مالي (مؤَمّن عليهم- على نفقتهم الخاصة)[3]. في عام 2012 تم افتتاح مستشفى جديدة تابعة للمعهد القومي للأطفال في التجمع الأول متخصصة في علاج أورام الثدي.

ميزانية المعهد:

ميزانية معهد الأورام قائمة على التبرعات بشكل أساسي، فقد أكد الدكتور خالد أبو العينين مدير المعهد عام 2013 أن الدولة تساهم بنسبة 10% فقط من النفقات وأن التبرعات تمثل 90% من نفقات المعهد[4]. فيما أكد الدكتور حاتم أبو القاسم عميد المعهد الحالي أن الدولة تتحمل 30% من النفقات و70% من النفقات يأتي من تبرعات المواطنين، وأن آخر ميزانية العام الماضي كان 90 مليون جنيه، حجم المنصرف حوالى 255 مليون جنيه، حيث إن التبرعات تمثل من حوالى 70% من حجم المنصرف على معهد الأورام [5].

خريطة أمراض السرطان في مصر

ليس المقصود بخريطة المرض في الدراسة التي نقوم بها التوزيع الديموجرافي للمرض، حيث إن هذا المفهوم يتواءم مع الدراسات المرتبطة بإعادة توزيع المؤسسات الصحية وفق التمركز السكاني للمرض، أو الدراسات المرتبطة بإعداد استراتيجية وقائية أو برامج توعية للتقليل من مخاطر الإصابة بالسرطان.

لكن المقصود بخريطة المرض وفق الدراسة الحالية محاولة رسم خريطة معلوماتية حول نوعية السرطانات الموجودة في مصر ونسب الإصابة المرتبطة بكل نوع من تلك السرطانات، ومعدل الإصابة السنوي، والوصول إلى رقم تقريبي لأعداد المرضى في مصر في ظل عدم وجود إحصاء أو سجل طبي يمكن الرجوع إليه يقدم تصورا مقبولا حول عدد المرضى المصابين بالسرطان في مصر.

ونحن سنقوم بدراسة ثلاث محددات لخريطة المرض في مصر وهي (نوعية السرطانات – معدل الإصابة السنوي- حجم الإصابة).

أولا: نوعية السرطانات المنتشرة في مصر

عالميا يعد سرطان الرئة (Lung cancer) هو الأكثر خطورة وانتشاراً، يليه سرطان الثدي لدى الإناث (Female breast cancer)، ثم سرطان القولون (Colorectal cancer)، سرطان البروستاتا (Prostate cancer)، ثم سرطان المعدة (Stomach cancer)، وفي المرتبة السادسة يأتي سرطان الكبد (Liver cancer)[6] .

أما بالنسبة لأهم أنواع السرطانات المنتشرة في مصر، فقد كان في الماضي سرطان المثانة في المرتبة الأولى لكنه تضاءل بشكل كبير بعد علاج البلهارسيا، وحاليا يأتي سرطان الكبد في المرتبة الأولى لكنه أيضاً في طريقه للتراجع بشكل كبير نتيجة اكتشاف علاج فيروس سي الذي قضى على الفيروس بشكل كبير.

وبخصوص نسب الإصابة بالمرض فقد أكد عميد المعهد القومي للأورام الدكتور حاتم أبو القاسم أن سرطان الكبد يمثل 32% من حجم الإصابة، يليه سرطان الثدي والذي يمثل نسبة تتراوح ما بين 14 إلى 18% من إجمالي حجم الإصابة بالسرطان في مصر، ثم سرطان الرئة و الذي يمثل 12% من حجم الإصابة بالمرض، وتمثل أورام العقد الليمفاوية من 10 إلى 12%، وأورام الجهاز الهضمي من 6 إلى 8%، وأورام الجهاز التناسلي للمرأة من سرطان عنق الرحم وسرطان الرحم والمبايض من 4 إلى 5%، وأورام البروستاتا من 4 إلى 6%، وأورام الرأس والرقبة من 4 إلى 6%، ولكنها تحتاج إلى نوعية خاصة للتعامل معها لما يحمله الرأس والرقبة من وظائف عديدة لأنها تتعلق بوظائف الشم والتذوق والكلام[7] .

ثانيا: معدل الإصابة بالمرض.

أكد المركز الإعلامي لمجلس الوزراء أن إحصاءات منظمة الصحة العالمية تُشير إلى أن مصر ليست فى قائمة الدول الأعلى فى معدلات الإصابة بالسرطان، وأن معدلات الإصابة بالمرض فى مصر من المعدلات العادية عالمياً، كما أن معدل الإصابة بسرطان الكبد فى مصر انخفض عن المعدلات العالمية.

وأن الدول الأعلى فى معدلات الإصابة بالسرطان جاءت على النحو التالي: دولة أستراليا فى المركز الأول بمعدل 798,8 حالة لكل 100 ألف نسمة، تليها دولة نيوزيلاندا فى المركز الثاني بمعدل 755,8 حالة لكل 100 ألف نسمة، ودولة ألمانيا فى المركز الثالث بمعدل 739,7 حالة، ودولة هنغاريا في المركز الرابع بمعدل 727,2 حالة، ثم دولة الدنمارك بالمركز الخامس بمعدل 709 حالات، ودولة هولندا فى المركز السادس بمعدل 701,9 حالة، ودولة فرنسا بالمركز السابع بمعدل 698,4 حالة، ودولة بلجيكا بالمركز الثامن بمعدل 695,1 حالة، ودولة اليابان فى المركز التاسع بمعدل 694,6 حالة، وفى المركز العاشر تأتى دولة إيطاليا بمعدل 691,2 حالة لكل 100 ألف نسمة[8] .

فيما أعلن الدكتور حاتم أبوالقاسم، عميد المعهد القومd للأورام، إن أعداد المصريين المصابين بالسرطان تتراوح ما بين 150 إلى 170 مواطناً من بين كل 100 ألف، مؤكداً أن هذه النسبة مقتربة من النسب العالمية للمصابين بالأمراض السرطانية[9].

ثالثاً: حجم  المرض في مصر

لا تمتلك مصر إحصاء دقيقاً أو تقريبياً لحجم مرض السرطان في البلاد، ونحن سنحاول من خلال مؤشري عدد قرارات العلاج على نفقة الدولة السنوي، كذلك عدد المعالجين في المعهد القومي للأورام ووزارة الصحة الوصول إلى أرقام تقريبية.

عدد قرارات العلاج على نفقة الدولة: ذكرت وزارة الصحة فى موازنة البرامج والأداء لعام 2019/2020، أن برنامج العلاج على نفقة الدولة اعتُمدت له 6 مليارات جنيه، وأن البرنامج يستهدف علاج نحو 3 ملايين و333 مريضاً فى عام 19/20 حيث يبلغ نصيب أمراض الأورام نحو 318 ألف مريض[10] .

ذلك بخلاف العدد الذي يعالج من خلال برامج التأمين الصحي والذي من المرجح أن يكون 20% الحجم الكلي للمرضى، فمعهد الأورام يستقبل في حدود 82% من الحالات على نفقة الدولة و 18% تأمين صحي وعلى نفقتهم الخاصة كما أشرنا سابقاً.

العدد الذي يعالج بالمعهد القومي للأورام: أكد حاتم أبوالقاسم، عميد المعهد القومي للأورام، في حديث مع جريدة الوطن أن «المعهد» يستقبل ربع مليون مريض أورام سنوياً، ويعالج من 60 إلى 70% من المرضى، سواء عن طريق «المعهد»، أو فروع ومراكز الأورام التى يشرف عليها أساتذة ودكاترة القومي للأورام، ويقدّمون لهم الخدمة العلاجية بالمجان أو على نفقة الدولة[11] .

من العرض السابق يمكن الوصول إلى مؤشر تقريبي لعدد مرضى السرطان في مصر وأنه يتراوح ما بين 350 إلى 400 ألف مواطن.

ثانيا: الإشكاليات المرتبطة بالمشروع

هناك عدة إشكاليات مرتبطة بتنفيذ المشروع ومرتبطة برسم السياسات وترتيب الأولويات، ومصادر التمويل، والتداخل بين الدولة والمجتمع، وقانونية التبرع للمستشفيات الجامعية، وفيما يلي عرض لتلك الإشكاليات:

أولاً: إشكالية التبرع ورسم السياسات الصحية:

الدولة هي المسؤول الأول عن تمويل الخدمة الصحية، ورسم السياسات الصحية ينبني على المقدرات التمويلية التي تتسم بالاستمرارية والنمو، والدولة هي المسؤول الأول عن إعداد استراتيجيات مكافحة الأمراض. فيما يخص مرض السرطان بالتحديد هناك فجوة كبيرة في مجال التمويل، وفراغاً كبيراً يملؤه المجتمع، وسبق وأن أشرنا إلى تصريح عميد المعهد القومي للأورام الذي أكد خلاله أن أموال التبرعات هي الركيزة الأساسية للإنفاق العام بالمعهد وأن ميزانية المعهد الرسمية من جامعة القاهرة تمثل 90 مليون جنيه سنويا، في حين أن المصروفات بلغت 255 مليون، مشيرا إلى أن تمويل عجز الميزانية يأتي من خلال التبرعات الأهلية

في مارس 2017 قال جابر نصار عميد معهد القاهرة:” نأمل أن تتعاطى الحكومة والدولة مع هذا المشروع باعتباره مشروعا قوميا، لأنه حتى هذه اللحظة لم تقدم لنا الحكومة أي دعم، لذا فإننا نأمل من وزارة التخطيط أن تدرج مشروع مستشفى 500500 ضمن خطة الدولة باعتباره مشروعا قوميا لمصر[12]

” أهاب الدكتور مصطفى مدبولي بالمواطنين ومجتمع رجال المال والأعمال ومنظمات المجتمع المدني بأن تشارك في أعمال تجهيز المرحلة الأولى بالمستشفى، بالأجهزة والمعدات الطبية، وذلك بهدف سرعة تشغيله؛ كي يتسنى تقديم خدمة لائقة بالمرضى، وتخفيف العبء في الوقت نفسه عن كافة المستشفيات الأخرى التي تقدم العلاج لمرضى الأورام [13]

ومما هو جدير بالذكر أن مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال، ومستشفى بهية لعلاج سرطان الثدي ومستشفى شفاء الأورمان لعلاج السرطان بالصعيد، إلى جانب مؤسسة 500500 التي تتولى جمع التبرعات لبناء مستشفى المعهد القومي للأورام الجديد بالشيخ زايد كلها مؤسسات مستشفيات أهلية يتم تمويلها بشكل مجتمعي خارج ميزانية الدولة.

وفي التحليل الأخير فإن تمويل علاج الأورام في مصر قائم على التبرعات ومساهمة الدولة فيه ضعيفة للغاية، لكن الإشكالية الأكبر تكمن في أن الدولة لا تفصل بين ما هو عام وما هو مجتمعي أو حتى تسعى لإحداث توازن وتكامل في العلاقة بينهما من أجل توحيد جهود مقاومة السرطان، لكنها تبني سياساتها الصحية على التبرعات والمساهمات الأهلية، و يؤدي ذلك إلى عدة صعوبات ومعوقات يمكن رصدها كالتالي:

  • عدم الاستدامة: تعتبر التبرعات من الموارد غير المستديمة حتى وإن كانت كبيرة، كما أنه من الصعب أن نبني عليها استراتيجيات مستقبلية أو خطط بمواعيد محددة، نظرا لأنها مورد غير منتظم وعرضة للتراجع في أي وقت.
  • التبرعات مورد غير رسمي: التبرعات أحد أشكال التمويل غير الرسمي، وخطط التطوير والتشغيل يتم احتسابها وفقا لميزانية لدولة الرسمية، وبالتالي فإن التبرعات تشكل في جوهرها مساهمات تكميلية وليست أساسية أو جوهرية، وفي تقدير الباحث أن سعي مؤسسات المجتمع المدني للحصول على تبرعات يشكل مفهوما منطقيا نظرا لكونها جهود مجتمعية وأنها لا تملك ميزانية دائمة، لكن مؤسسات الدولة التي من المفترض أنها ممولة من ميزانية الدولة الدائمة في حال سعيها لجمع التبرعات فإن مهمتها تكون صعبة للغاية، كما أنها تعد مؤشرا على فشل الدولة في القيام بمهامها تجاه تقديم الخدمة الطبية للمواطن.
  • عدم إدراك مفهوم التطوع: يعد عدم إدراك مفهوم التطوع من الصعوبات الكبيرة التي تواجه بعض المشروعات المجتمعية شكل عام، كذلك المشروعات التي تنفذها الدولة بتمويل مجتمعي، وذلك لأن مفهوم التبرع مرتبط بشكل كبير بمؤشر التطوع، ولعل النجاح الكبير الذي حققته بعض المؤسسات مثل الجمعية الشرعية، وجمعية رسالة يرجع إلى قدرتها على حشد آلاف المتطوعين بجميع أنحاء الجمهورية.

كما يرتبط مفهوم التطوع ارتباطا سلبيا بحجم الإعلانات والنفقات على الحملات الإعلانية، فكلما زاد عدد المتطوعين قل طلب تلك المؤسسات على الوقوع فريسة لابتزاز المؤسسات الإعلانية، وبالنسبة لمؤسسات الدولة القائمة على التبرعات مثل مستشفى 500500 يصعب تنفيذ برامج مناسبة لحشد متطوعين، وذلك لعدة أسباب أهمها عدم ثقة المواطن في قدرة الدولة على إدارة أموال التبرعات نظرا لإخفاقها في إدارة أموال ميزانية الدولة الخاصة بالمستشفيات والمشروعات الصحية وتردي الخدمة الحكومية، كذلك إهدار أموال التبرعات في حملات إعلانية ضخمة، وعدم الشفافية في إعلان حجم التبرعات والنفقات، وضعف مؤشر الإنجاز.

من المواضيع المهمة المرتبطة بإشكالية التبرعات هو مدى قانونية التبرع للمستشفيات الجامعية، فنظرا لما أصبحت تمثله حصيلة التبرعات السنوية من مورد مالي كبير ومتزايد كل عام ويتمتع بالاستدامة والاستقرار، فقد قامت الدولة في السنوات الماضية بالدخول في المجال بطرق متحايلة من خلال تأسيس جمعيات أهلية يرأسها مسؤولون سابقون بالدولة للإنفاق على المستشفيات الحكومية خصوصا المستشفيات الجامعية. وخاصة المعهد القومي للأورام الجديد بالشيخ زايد على حساب (٥٠٠٥٠٠) والمعهد القومي للأورام والحساب الخاص به رقم (٧٠٠٧٠٠) ومستشفيات جامعة عين شمس-الدمرداش-على حساب (٧٧٩٩٩)، وفيما يخص قانونية التبرع للمستشفيات الجامعية فقد أكد فتحي عباس-المستشار الإعلامي لجامعة القاهرة-أن الجامعة ليست لها علاقة من قريب أو بعيد بحملات جمع التبرعات التليفزيونية ولا تتكبد مليما في بث هذه الإعلانات لأن القانون يمنع الجامعات من جمع التبرعات وإنما تقوم الجمعيات الداعمة للمستشفيات بهذه الحملات[14].

ثانيا: إشكالية الجدوى وترتيب الأولويات:

عندما بدأ أول إعلان عن مستشفى 500500 عام 2015 تم التأكيد على أن المستشفى سيكون الأكبر في العالم[15] ، كما ذكر الموقع الرسمي لمستشفى 500500 في بداية تعريفه بالمستشفى أنها نموذج لنجاح المعهد القومي للأورام، أقدم وأكبر مؤسسات أبحاث وعلاج الأورام في مصر وأفريقيا والشرق الأوسط وستكون أكبر مستشفى سرطان في العالم[16] .

وهنا نطرح سؤالا رئيسا في دراستنا وهو: هل مصر بحاجة لبناء أكبر مستشفى في العالم لعلاج السرطان؟

والإجابة على هذا السؤال سيكون بناء على أدلة من المحاور التالية:

1- الوضع المستقبلي للمرض في مصر

أشرنا سابقا إلى أن سرطان المثانة كان يمثل النسبة الأعلى في مصر بسبب البلهارسيا، وأن معدلات الإصابة تراجعت بشكل كبير بعد علاج البلهارسيا، وحالياً يمثل سرطان الكبد 32% من حجم الإصابة في مصر بسبب فيروس سي، كما أن فيروس سي من الأسباب المباشرة لانتشار سرطان العقد الليمفاوية والتي تمثل 10% من حجم الإصابة في مصر. وقد أشار عميد المعهد القومي للأورام إلى أنه بعد القضاء على فيروس سي فإن سرطان الكبد سيتراجع في مصر بشكل كبير وستظهر النتائج التراجع خلال العشر سنوات القادمة، وهو ما أكدته هالة زايد وزيرة الصحة كما أسلفنا سابقاً.

وبناء عليه فإن حجم الإصابة السنوي بالمرض سيتراجع بنسبة الثلث تقريبا في السنوات العشر القادمة، وهو ما يجعل مصر التي تعد من الدول ذات معدلات الإصابة العالمية ليست بحاجة إلى أكبر مركز على مستوى العالم.

2- قوائم الانتظار:

أكد عميد المعهد القومي للأورام أن قوائم الانتظار لا تتعدى الأسبوعين برغم الازدحام و كثافة التردد على المعهد و أن حالات الطوارئ تعالج بشكل فوري، وهذا يعني أن المعهد لا يعاني من وجود مشكلة خاصة بموضوع قوائم الانتظار.

3- حجم المرضى:

يتردد على معهد الأورام الحالي 250 ألف مريض سنويا، والمعهد القومي للأورام الجديد تم تصميمه ليتسع لاستقبال مليون ونصف مريض سنويا، فقد جاء على الموقع الرسمي للمعهد أن القسم الداخلي يسع 1000 سرير والمرحلة الأولى تسع 340 سرير ويكتمل تجهيزهم وتشغيلهم في حلول ديسمبر 2020، هناك أيضا مباني العيادات الخارجية وعلاج اليوم الواحد وأقسام التشخيص تسع 600 سرير مما يجعل عدد المرضى المتوقع أن يحصلوا على خدمات طبية بالمجان في الأقسام الخارجية كما يلي: حوالي 5,000 مريض يوميا وبالتالي حوالي مليون ونصف مريض سنويا[17]

ومن المهم التذكير أن عدد المرضى بمصر لا يزيد عن 400 ألف مريض وعدد الإصابات السنوية لا يزيد عن 40 ألف مريض سنويا، وأن المعهد مكلف بعلاج ثلثي الحالات فقط لأنه ليس الجهة الوحيدة التي تقدم الخدمة الطبية في هذا المجال.

4- ظهور مستشفيات جديدة حكومية وأهلية

شهدت مصر خلال السنوات الخمسة عشر الماضية نموا كبيرا في مجال منافذ تقديم الخدمات العلاجية لمرضى السرطان، ففي الماضي كان المعهد القومي للأورام هو الجهة الوحيدة التي تقوم بتقديم الخدمة العلاجية لمرضى السرطان، لكن من رحم المعهد نشأت جمعية أصدقاء المعهد القومي للأورام التي أنشأت مستشفى 57357، ثم ظهرت مستشفى بهية لعلاج سرطان الثدي، وأخيرا مستشفى شفاء أورمان السرطان بالصعيد، بخلاف دخول وزارة الصحة المصرية في مجال مكافحة مرض السرطان من خلال 14 مركزا تابعة أمانة المراكز الطبية المتخصصة.

5- توسعات المعهد

حصل المعهد على دور كامل بمركز أورام دار السلام -مستشفى هرمل سابقا- وقد ساهم ذلك في توفير 100 سرير للأطفال منها 20 سرير عناية مركزة تضاف إلى خدمات المعهد. كما تم إسناد مستشفى التجمع الأول لملكية معهد الأورام، والتي كانت مستشفى جراحات اليوم الواحد التابع لوزارة الصحة، بواقع 100 سرير.

إعادة ترميم وتشغيل الجزء الجنوبي من المعهد والمتوقف منذ عام 2010، وذلك بسعة 250، ومن المحتمل أن يتم الانتهاء من عملية الترميم بنهاية العام الحالي 2020 بعد أن حصل المعهد على دعم من حاكم إمارة الشارقة الشيخ سلطان القاسمي فى عام 2017 لدعم المعهد داخليا بقيمة 350 مليون جنيه.

وبذلك نكون أمام توسعات تمت بواقع 200 سرير من خلال مستشفيي دار السلام والتجمع الأول بالقاهرة الجديدة، إضافة إلى توسعات أوشكت على الانتهاء بواقع 250 سرير من خلال إعادة تشغيل الجزء الجنوبي، وهو ما يعني أن المعهد قد ضاعف إمكانات تشغيله مرتين من 220 سرير إلى 670 سرير، وبذلك يظل السؤال مطروحاً، هل بعد كل تلك التوسعات يظل المعهد بحاجة لبناء أكبر مستشفى في العالم لعلاج السرطان؟

ثالثا: الموقف التنفيذي لمستشفى 500500

حتى الآن مع بداية عام 2020 لم يتعد بناء مستشفى 500500 مرحلة أساسات البناء، وقد تعرض المشروع لنقد شديد في يونيو 2018 بعد أن قامت إحدى الصحفيات بزيارة الموقع المخصص لبناء المستشفى ولم تكن عملية بناء المشروع قد بدأت بعد، ثم تساءلت عن مصير أموال التبرعات[18] . ونحن في هذه الفقرة سنقوم بقياس مؤشري الشفافية والكفاءة، وهناك إشكاليات مهمة خاصة بمؤشر الشفافية وهي:

غموض دور الدولة: الإشكالية الكبرى مرتبطة بموقف الحكومة من المشروع، فالدولة ممثلة في وزارت التخطيط والمالية والتعليم العالي لم تحدد ميزانية للإنفاق على إنشاء المستشفى حتى آخر ميزانية 2019-2020، حتى أعلن مصطفى مدبولي رئيس الحكومة خلال متابعته للموقف التنفيذي للمستشفى أنه طالب وزارتي التخطيط والتعليم العالي بالعمل على تحديد مخصصات مالية للمستشفى على مدار العامين الماليين القادمين حتى يتسنى الانتهاء من تشغيل المرحلة الأولى للمستشفى[19] .

هناك ملاحظة مهمة بخصوص آليات صنع السياسات العامة المرتبطة بعملية الإنفاق العام، وهي الاستمرارية والإلزام، فتصريح رئيس الوزراء يتضمن تقديم دعم مالي لمدة عامين ماليين فقط لأهم مستشفى في مصر يعتبرها البعض مشروعا قوميا لمواجهة مرض السرطان، وبالتالي فإن عنصري الاستمرارية والإلزام ليسا متوفرين في تقديرات صانع السياسة العامة الذي ترك الموضوع برمته لعامل التبرعات فقط.

عدم الإعلان عن حجم أموال التبرعات:

ويظهر مؤشر عدم الشفافية بصورة كبيرة من خلال اتباع القائمين على المؤسسة لسياسة عدم   الإعلان بشكل رسمي عن أموال التبرعات اعتبارا من 2009و حتى 2020، و كل ما تم نشره بخصوص أموال التبرعات كان على صفحة الدكتور جابر نصار بعد أن قدم استقالته من رئاسة مجلس الأمناء، وقد تبين من خلال ما قام بنشره نصار انه حتى نهاية عام 2018 بلغ حجم التبرعات مليار و390 مليون جنيه، اللافت للنظر أن حجم المصروفات على مدار العشر سنوات قد بلغ 232 مليون فقط معظمها مصروفات إدارية، وأنه في عامي 2015 و هو عام بداية تنفيذ سياسة الإعلانات التليفزيونية تم صرف 31 مليون جنيه إعلانات، وفي عام 2016 تم إنفاق 59 مليون جنيه على الإعلانات، ولم يتضح من المستندات التي قدمها نصار للرأي العام حجم المنصرف في عامي 2017 و 2018 على الإعلانات، يتوقع الباحث أن المنصرف إذا تساوى مع نفقات عام 2016 فسوف يكون حجم الإنفاق في العامين 120 مليون جنيه، وذلك على أقل تقدير.

الملاحظة الأهم في كلام نصار أنه تحدث عن نجاح حملة جمع التبرعات، وتحدث عن أن الأموال التي تم جمعها تم ترصيدها في البنوك، ولم يشر إلى تنفيذ إنشاءات فعلية على أرض الواقع.

وهو ما يؤكد الأزمة التي واجهت المعهد نتيجة لضعف التبرعات، وبالتالي عدم القدرة على مواجهة الرأي العام نتيجة ارتفاع سقف التوقعات عند التخطيط لإنشاء المعهد، والذي ظهر في الحملة الإعلانية الضخمة التي قام بها نصار، وترتب على ذلك تجمد الموقف وعدم القدرة على اتخاذ خطوات تنفيذية على أرض الواقع، وبالتالي تم إيداع أموال التبرعات في البنوك لعدم وجود خطة تنفيذية على الأرض أو خطط بديلة بمعاونة الدولة لتنفيذ المشروع.

أما بالنسبة لمؤشر الكفاءة فيتمثل في عدم قدرة الدولة على تنفيذ المرحلة الأولى المقرر لها الانتهاء في ديسمبر 2020، كذلك عدم قدرتها على توفير واعتماد مصادر تمويل بديلة بخلاف مورد التبرعات بالرغم من فشل تلك الاستراتيجية على مدار الأعوام العشر الماضية، كذلك عدم قدرتها على الترشيد والاستغلال الأمثل للبنية التحتية الحالية ورغبتها في التوسع بالرغم من تعثر البنية التحتية بالمعهد القومي للأورام القديم وإغلاق أكثر من 220 غرفة كما أشرنا سابقا، كذلك عدم قدرة قامعة القاهرة على التواصل مع المؤسسات الناشئة المتعددة التي أصبحت تقدم الخدمة الطبية في مجال مكافحة السرطان، خصوصا مستشفيات وزارة الصحة التي تلاحظ نموها في السنوات القليلة الماضية مثل (مركز أورام دمنهور- المنيا- دمياط- الإسماعيلية-سوهاج).

رابعا: مستقبل المشروع والسيناريوهات المحتملة.

تعديل مسار المشروع هو أحد الأمور المتوقعة خلال الفترة القادمة، فقد أتخذ فعلاً قراراً بتخفيض المرحلة الأولى من المشروع إلى النصف،  ومن المتوقع أن يكون الافتتاح في 2022 و ليس العام الجاري 2020، وقد جاء ذلك من خلال تصريحات رئيس مجلس الوزراء الحالي الذي أكد في مايو 2019 أنّه سيتم العمل على إعادة النظر في مكونات المشروع وحجمه، سعياً لسرعة الانتهاء من تنفيذ جزء منه، وبدء التشغيل حتى يستفيد المرضى من خدماته[20]، وفي نوفمبر من نفس العام اجتمع مدبولي مع وزيري التعليم العالي والتخطيط لمناقشة الموقف التنفيذي للمشروع، وخلال الاجتماع، قدم وزير التعليم العالي والبحث العلمي، شرحاً موجزاً للبدائل المقترحة لاستكمال تنفيذ المرحلة الأولى من المستشفى، فيما يخص عدد غرف العمليات، وأجهزة العلاج الإشعاعي، بالإضافة إلى عدد الأسرّة التي يمكن توفيرها، إلى جانب عدد الأسرّة والكراسي المخصصة للعلاج الكيماوي، وعقب العرض، تم الاتفاق على اختيار أحد هذه البدائل الذي يتضمن العمل على تنفيذ 170 غرفة تشمل 238 سريراً، و10 غرف مخصصة للعمليات، و4 أجهزة علاج إشعاعي، فضلاً عن 160 سرير/ كرسي علاج كيماوي.

في أكتوبر الماضي 2019 أعلن عميد المعهد القومي للأورام خلال لقاء تليفزيوني أن المرحلة الأولى لمستشفى 500500 ستنطلق بطاقة 170 سرير فقط[21]، وهو نصف ما كان مخططا له عند بداية الدعوة للتبرع للمشروع، كما أشار إلى أن ذلك سيستغرق من عامين إلى ثلاثة أعوام، وهو عكس ما كان معلناً بأن المستشفى ستكون جاهزة للافتتاح في ديسمبر 2020.

معضلة التمويل هو الموضوع الثاني الذي سيؤثر على مستقبل المشروع. يعتقد الباحث أن هناك تحديات كبيرة تواجه مستقبل مشروع المعهد القومي للأورام الجديد بالشيخ زايد مرتبطة بمسألة التمويل، فحتى الآن لا يوجد سوى مصدر واحد للتمويل وهو التبرعات، و أغلب الظن أن التبرعات الكبرى التي تتخطى المليار جنيه التي تحققها مؤسستي 57357 و مؤسسة مجدي يعقوب قد رفعت سقف التوقعات عند بداية الحملة الإعلانية للمعهد القومي الجديد ظنا من القائمين على التخطيط للحملة أن سمعة المعهد القومي للأورام ورصيده لدى الشعب المصري سيجعله يتصدر مشهد التبرعات ويحقق أرقاما أعلى من تلك المؤسسات أو على الأقل مساوية لها، وهو ما جعله يركز في حملته أنه غير كل المؤسسات فهو أكبر مؤسسة وأعرق مؤسسة ويقبل جميع الحالات، لكن حصيلة التبرعات وفقا لإعلان جابر نصار لم تتخطى من 300 إلى 400 مليون جنيه بعد تلك الحملات الإعلانية المكثفة، وهو ما جعل المشروع يتعثر، ثم بدأ التفكير في افتتاح جزئي ربما يزيد من حصيلة التبرعات بعد الهجوم الشديد على المشروع لبطء التنفيذ.

ومن غير المتوقع في ظل الاعتماد على الإعلانات فقط إحراز أي تقدم في تنفيذ المشروع، كما أن هناك معضلة أخرى ستظهر بعد تشغيل المعهد وهي تحمل نفقات التشغيل والتي من الممكن أن تبتلع جميع أموال التبرعات، وبالتالي يتوقف استكمال تنفيذ المشروع.

وبالتالي فإن الحل لهذا المأزق يكون من خلال تدخل الدولة بتوفير ميزانية مناسبة لاستكمال تنفيذ المشروع، واستدامة التشغيل، على أن يكون ما تتحمله الدولة ثلثي المتطلبات المالية للتجهيز والتشغيل ويتحمل المجتمع الثلث الباقي من خلال تدفقات التبرعات النقدية والعينية.

خامسا: هل مصر قادرة على إنشاء أكبر مستشفى في العالم لعلاج السرطان؟

بعد أن استعرضنا ملامح مرض السرطان في مصر، وقمنا بالتعرض لأهم الإشكاليات المرتبطة بمشروع المعهد القومي للأورام الجديد، ثم عرضنا الموقف التنفيذي للمشروع، واستشرفنا الاحتمالات المرتبطة بمستقبل المشروع؛ أردنا في نهاية الدراسة أن نعرض لإشكالية أخرى مرتبطة بالصورة الذهنية المرتبطة بالمشروع بأنه الأكبر على مستوى العالم، وفي هذه الفقرة سنعرض إلى أمرين وهما:

أولا: المضمون الترويجي للإعلان

عرض المحتوى الترويجي للحملات الإعلانية المرتبطة بالمعهد القومي للأورام الجديد بالشيخ زايد )وسط التأكيد على أنه الأكبر على مستوى العالم( في جميع الإعلانات التي بدأت منذ عام 2015، وحتى 2018، مع تراجع عن هذا التأكيد في إعلان رمضان العام الماضي 2019 [22]، يحمل رسالة ضمنية بأن مصر تتصدر دول العالم في معدل الإصابة بالمرض، وبالتالي فإن الدولة وحدها ستكون غير قادرة على تحمل نفقات هذا العبء، ومن ثم يأتي دور المسؤولية التضامنية الجمعية التي تحتم على المجتمع بكل تنويعاته وطبقاته التوجه للتبرع من أجل تحمل تلك الكارثة، وقد أوضحنا في الدراسة أن مصر ليست من الدول الأعلى إصابة باعتراف المسؤولين المصريين أنفسهم.

الأمر الثاني: قدرة الدولة والمجتمع

سنعقد مقارنة بسيطة مع مستشفى (MD Anderson Cancer Center) التابعة لجامعة تكساس والمصنفة رقم واحد عالميا في مجال مكافحة السرطان، استقبلت المستشفى 146600 مريض عام 2018.القوى البشرية بالمستشفى 20350 موظف منهم 1747 دكتور جامعي/3100 متطوع. في السنة المالية 2018 استثمرت إم دي أندرسون 862 مليون دولار في مجال البحوث، وقد تلقى أحد البرامج الذي أـطلقته مستشفى في عام 2012 (من أجل تقليل الوفيات الناتجة عن السرطان) 456 مليون دولار من الجمعيات الخيرية حتى عام 2018[23].. كذلك تلقى البرنامج 428 مليون دولار منذ إنشائه في 2012 من (CPRIT)[24].

أما بخصوص الميزانية السنوية التي صدرت في 31 أغسطس 2019، والخاصة بالعام المالي 2018-2019، فقد كان إجمالي الموازنة (5 مليار و468 مليون و369 ألف و454 دولار [25]).

منها 4 مليار و 23 مليون دولار نفقات عامة تتحملها الجهة الرسمية ممثلة في جامعة تكساس، و مليار و 230 مليون من جهات مانحة بمختلف أشكالها (حساب الصندوق المخصص (DFA) 736 مليون دولار- صندوق المؤسسات المساعدة 36 مليون دولار – العقود والمنح 294 مليون دولار- دخل المنح والهبات 164 مليون دولار).

ونحن هنا لن ندخل في مقارنة، ولكن يجب التذكير بأن ميزانية مستشفيات جامعة القاهرة في الموازنة الحالية 2019-2010 قد بلغت مليار و200 مليون جنيه مصري فقط أي لا يزيد عن 80 مليون دولار.

لكن الملاحظة الأهم هو أن مصادر التمويل للمستشفى والتي تبلغ 5,2 مليار دولار عام 2019 تعتمد بشكل رئيس على مصدر ثابت ودائم وهو تمويل المرضى بنسبة 78%، أما التبرعات و التمويل الخيري فقد بلغ 9,5 % [26] فقط على اعتبار أنه كما أشرنا مصدر غير دائم و متغير و من الصعب بناء سياسات صحية طويلة الأمد بناء على هذا المصدر، وأنها تمتلك أكثر من 3000 ألف متطوع، وتأتي أهمية التطوع من وجهة نظر الباحث أنها تقلل من حجم النفقات على الإعلانات الذي يلتهم نسبة تتراوح ما بن 10إلى 20% من الميزانية.

سادساً: النتائج والتوصيات

أولاً: نتائج الدراسة

  • الدولة منسحبة تماما من مقاومة مرض السرطان وتركته للمؤسسات الخيرية الأهلية، وهذا يفسر النمو المتسارع في مصر للمستشفيات الأهلية التي تعالج مرض السرطان، كذلك كفالة أموال التبرعات للمعهد القومي القديم، وترك المعهد الجديد بالشيخ زايد على مدار عشر سنوات للتبرعات فقط دون اعتماد ميزانية رسمية من الدولة.
  • هناك خصوصية لمريض السرطان متمثلة في ارتفاع التكلفة العلاجية والتي قد تزيد عن نصف مليون جنيه، وهو ما يجعل العلاج بالمستشفيات الخاصة صعبا للغاية ولا يتحمله إلا الأغنياء فقط، وهو ما جعل الدولة تترك المجال للقطاع الأهلي للإنفاق على مريض السرطان دون النظر في الأمر وتوفير الميزانيات المناسبة لمقاومة السرطان.
  • هناك خلل هيكلي خاص بمصادر تمويل المعهد القومي للأورام الجديد بالشيخ زايد، نتيجة لتحديد مصدر وحيد فقط للتمويل هو أموال المتبرعين، وقد أدى ذلك إلى تعثر تنفيذ المشروع حتى الآن، والذي سيواجه تحديا مماثلا عند بدء التشغيل لاحتياجه أموالا جديدة خاصة بعملية التشغيل.
  • يعتقد الباحث أن المعهد القومي للأرام لم يكن بحاجة لمستشفى جديد بهذا الحجم المكلف خصوصا في ظل التراجع المحتمل لمرضى السرطان في مصر بنسبة لا تقل عن ثلث حالات الإصابة خلال العشر سنوات القادمة، نتيجة تراجع معدل الصابة بفيروس سي، كذلك في ظل حصول المعهد على مستشفى جديدة لسرطان الثدي بالتجمع الأول ودور كامل سعة 100 سرير بمستشفى دار السلام (هرمل) التي تبعد عن المعهد قرابة 300 متر فقط، كذلك قرب الانتهاء من ترميم الجزء الجنوبي من المعهد بسعة 250 سرير.
  • هناك نقطة ضعف كبيرة لدى برنامج الترويجي لحملة المعهد لجمع التبرعات متمثلة في عدم وجود متطوعين على الأرض، بالرغم من أن المعهد ملكا لجامعة القاهرة التي تستطيع أن تحول عشرات الآلاف من الطلبة كمتطوعين لدعم التبرع للمعهد الجديد، ويؤثر عدم وجود متطوعين في شكل الحملة الترويجية من ناحيتين، أولهما أن المؤسسة التي تجمع التبرعات ستضطر إلى الانزلاق في ظاهرة الإعلانات والتنافس مع المستشفيات الأخرى وبالتالي صرف جزءا كبيرا جدا من التبرعات على الإعلانات السنوية، وفي حالة المعهد القومي للأورام يعتقد الباحث أن حجم الإعلانات يقارب ال100 مليون جنيه في العام الماضي وأن حجم التبرعات لم يتجاوز ال300 مليون جنيه.

ثانيا: توصيات

  • بناء استراتيجية فعالة لمقاومة السرطان؛ وزيادة نسبة الشفاء يتطلب تفعيل برامج الاكتشاف المبكر للمرض، وبعد أن تخلصت قاربت مصر على التخلص من سرطان الكبد، فإن آليات المقاومة يجب أن ترتكز على مكافحة سرطان الرئة وسرطان الثدي من خلال حملات اكتشاف مبكر وتوعية بمخاطر التدخين والتلوث. ومن الأمور الإيجابية التي اتخذتها الدولة في الفترة الحالية تفعيل مبادرة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، والتي ستساعد بشكل كبير على اكتشاف الحالات المصابة وعلاجها، كذلك حصر الأعداد وعمل سجل إحصائي لمرض سرطان الثدي.
  • إعادة النظر في حجم مستشفى 500500 وجعله فرعا للمعهد القومي للأورام القديم، وربما يتحول إلى مركز متخصص في علاج سرطان الأطفال مثلا أو مقاومة سرطان الرئة أو مركز بحثي، على أن تتحمل الدولة 80% على الأقل من النفقات وترك الباقي للتبرعات لأن المعهد مسؤولية الدولة.
  • بناء فريق من المتطوعين لدعم مستشفيات المعهد القومي للأورام بشكل عام، والتعريف بمستشفى 500500، كذلك مستشفى سرطان الثدي بالتجمع الأول، والتي لم تلق رواجا أو تحصل على برامج دعائية، ويجهل وجودها قطاعا عريضا من الشعب المصري، مع أهمية تعميق مفهومي ثقافة التبرع والتطوع وطرح مفهوم دولة الجباية، ويتطلب ذلك رفع يد الدولة عن المجتمع، وتكريس مؤشرات الحوكمة الرشيدة، ودعم مؤسسات المجتمع المدني، وعدم إجبارها على الإنفاق على الخدمات الصحية نيابة عن الدولة.
  • عودة دور الوقف الخيرى: من المهم في الدراسات المستقبلية المرتبطة بدور المجتمع في كفالة علاج الأورام الإشارة إلى ضرورة إعادة تفعيل الدور الذي لعبته الأوقاف الخيرية في تدشين وبناء منظومة الصحة في مصر، وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور إبراهيم البيومي غانم أن التحولات التي شهدتها الدولة المصرية الحديثة في العلاقة بين الدولة والمجتمع أفضت إلى سيطرة الدولة على الأوقاف الخيرية، وذلك نزولا على إرادة الحاكم وليس الإرادة الحرة للشعب، كما أن نظام الوقف يطرح لمفهوم المجال المشترك باعتباره مؤسسة وسيطة بين الدولة والمجتمع.

ويؤكد البيومي غانم أن معظم حجج الأوقاف كانت تتضمن بندا خاصا للرعاية الصحية، ومن أهم مستشفيات الوقف الخيري بمصر (مستشفى المناوي بطنطا- مستشفى البدراوي بسمنود- مستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية- مستشفى الخازندارة- عيادتين طبيتين بمكة والمدينة[27])، فضلا عن أكبر مستشفيين في مصر وهما قصر العيني التي بنيت على أرض قصر العيني بن أحمد ومستشفى الدمرداش التي تبرع بأرضها عبد الرخيم باشا الدمرداش وهو من علماء الأزهر الشريف.

خاتمة:

لم تستطع الدولة ممثلة في جامعة القاهرة إقناع المواطن بأولوية التبرع لمستشفى 500500، وهو ما جعل الدولة في موقف حرج، وجعلها غير قادرة على تنفيذ المرحلة الأولى للمشروع، وهو ما جعلها تخفض المرحلة الأولى لتشغيل المعهد إلى النصف، وقررت اعتماد ميزانية استثنائية للانتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى، لكن المشكلة ظلت باقية وظل مستقبل المشروع متوقف على حجم التبرعات، وبالرغم من فشل الاعتماد على التبرعات على مدار عشر سنوات إلا أن الدولة مازالت تناشد وتهيب بالمواطنين التبرع لدعم المشروع، وهو ما ترتب عليه غموض مصير المعهد القومي للأورام الجديد بالشيخ زايد حتى الآن، وجعل كل السيناريوهات مطروحة عدا سيناريو النجاح في تنفيذ الوعود بإنشاء مستشفى على الأقل بمواصفات جودة عالمية، وبالتالي فإن التحرك الرسمي من الدولة سيكون الفيصل في مستقبل المشروع.


الهامش

[1]– راجع اليوتيوب، الرابط

[2]– موقع المعهد القومي للأورام، الرابط

[3]– المصدر السابق

[4]– نجوى درديري، 26 مارس 2019، رئيس “القومي للأورام” يرد على أسئلة قراء “بوابة الأهرام”، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة الأهرام، الرابط

[5]– حوار عميد المعهد القومي للأورام، 4 فبراير 2019، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط

[6]– American Cancer Society 12 September 2018, ,Global cancer statistics 2018: GLOBOCAN estimates of incidence and mortality worldwide for 36 cancers in 185 countries, link

[7]– حوار مع عميد المعهد القومي للأورام، 4 فبراير 2019، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط

[8]– هند مختار، 4 أكتوبر 2019، الحكومة تكشف حقيقة تصدُّر مصر المركز الأول عالميا في الإصابة بالسرطان، من اليوم السابع، الرابط

[9]– محمد مجدي وإسراء سليمان، 18 ديسمبر 2019، المرض الخبيث».. «الصحة»: 20 مستشفى تُعالج 50 ألف مريض من السرطان سنوياً، تاريخ الاسترداد 2019، من الوطن، الرابط

[10]– نور علي، 2 ديسمبر 2019، برنامج العلاج على نفقة الدولة لوزارة الصحة يستهدف علاج أكثر من 3 ملايين، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط

[11]– حوار عميد معهد الأورام مع الوطن، الرابط

[12]– بوابة الهلال اليوم، 27 مارس 2017، جابر نصار لـ “الهلال اليوم”: مشروع 500500 بمثابة مشروع قومي عربي، تاريخ الاسترداد 2019، الرابط

[13]– رئاسة مجلس الوزراء، 6 نوفمبر 2019، رئيس الوزراء يُتابع الموقف التنفيذي للمرحلة الأولى من مستشفى ٥٠٠ ٥٠٠ لعلاج الأورام‎، الرابط

[14]– شيماء عبد الواحد وناجي السيد، 10 يونيو 2017، المستشفيات الجامعية تتحايل في إعلانات التبرع، تاريخ الاسترداد 2019، من البوابة نيوز، الرابط

[15]– راجع اليوتيوب، الرابط

[16]– الموقع الرسمي لمستشفى المعهد القومي للأورام الجديد (500500)، الرابط

[17]– الموقع الرسمي لمستشفى المعهد القومي للأورام الجديد (500500)، الرابط

[18]–  راجع اليوتيوب، الرابط

[19]– رئاسة مجلس الوزراء، 6 نوفمبر 2019، رئيس الوزراء يُتابع الموقف التنفيذي للمرحلة الأولى من مستشفى ٥٠٠ ٥٠٠ لعلاج الأورام‎، الرابط

[20]– محمد مجدي، 16مايو 2019، رئيس الوزراء: سنعيد النظر في مشروع مستشفى 500500 لسرعة تشغيله، تاريخ الاسترداد 2020، من الوطن، الرابط

[21]– راجع اليوتيوب، الرابط

[22]– راجع اليوتيوب، الرابط

[23]–  MD Andersn/facts-history/institutional-profile. link

[24]–  Cancer Prevention & Research Institute of Texas

[25]– THE UNIVERSITY OF TEXAS , M.D. ANDERSON CANCER CANCER,OPERATING BUDGET  FISCAL YEAR ENDING AUGUST 31, 2019,Page 13, (B1- All Funds Budget Summary, LINK

[26]– M.D. ANDERSON CANCER, CANCER, quick facts, 2019, link

[27] – إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والسياسة في مصر، دار الشروق، الطبعة الأولى 1998، ص 25، 299

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close