fbpx
سياسةالسياسات العامة

مصر: الحق في السكن نظام مشوه وسياسات قاصرة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة:

غالبا ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن أزمة السكن موضوعات مثل العشوائيات أو المناطق غير المخططة، أو المشروعات القومية لـ الإسكان، لكن للحقيقة فإن أزمة السكن أكبر من ذلك وهي تشمل هذه الموضوعات بالضرورة لكن مظلة الأزمة تكمن في البنية الاقتصادية والاجتماعية للدولة المصرية وتزايد ظاهرة المضاربات العقارية وتنامي فساد المحليات المرتبط بالتراخيص وتوصيل المرافق، وتزايد نسبة سكان العشوائيات من السكان وانتشار العشوائيات جغرافيا وحدود علاقة الظاهرة العشوائية بالنمط الاقتصادي السائد. وتحاول هذه الورقة الوقوف على بعض جوانب أزمة السكن المصرية المزمنة من خلال تسليط الضوء على هذه العناصر.

تغير التوجه الاقتصادي السائد وأثره في أزمة السكن:

في العهد الناصري وبرغم تضاعف عدد السكان عن العهد السابق لم تظهر مشكلة السكن، حيث التغيرات التي حدثت في التوجهات الاقتصادية وأدت لتغير أنماط الإنتاج من اقتصاد شبه متنوع الموارد ومخطط في السنوات الخمسة عشر الأولى لثورة 1952 إلى اقتصاد خدماتي قائم على المنح والقروض والمعونات وعلى الاستجابة لمتطلبات الاستثمار بديلا عن متطلبات المواطنين المصريين، أدت هذه التحولات لتزايد الهجرة من الريف إلى المدن، كذلك تزايد الهجرة للعمل بالخارج ومن ثم العودة للاستثمار في المدينة أو على أطرافها  ومن ثم تزايد حجم ظاهرة السكن العشوائي، فالإحصاءات تشير إلى وصول عدد سكان العشوائيات إلى 15.5 مليون نسمة، ما يزيد عن 3 ملايين أسرة، وسكان المقابر 1.5 مليون نسمة، إلا أن هناك العديد من المفارقات فيما يتعلق بأزمة السكن في مصر ففي المقابل ذكر التعداد العام لسكان مصر فى حصره أن هناك 5.8 مليون وحدة سكنية لم يتم استخدامها سواء بالإيجار أو التمليك وشاغرة تماماً[1]

منذ اتباع سياسات الانفتاح الاقتصادي تزايدت الهوة بين الفقراء والأغنياء في مصر ويكاد ينعدم اليوم وجود طبقة وسطى نتيجة لتدهور مستوى التعليم وضعف الاهتمام بالأقاليم الأكثر فقرا رغم ترديد عبارات معاكسة لذلك –فقط لتجميل السياسات، وثمة غياب لعدالة توزيعية وتصحيحية مكانية في مختلف مجالات التنمية فبينما ينصب الاهتمام على القاهرة ومدن القناة وبعض المدن الساحلية فإن المحافظات الطاردة للعمالة والمصدرة للهجرة الداخلية يتناقص الاهتمام بها من حيث الخدمات وعدد المناطق الصناعية وحجم الاستثمارات والتشغيل بها بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك خللا جوهريا في السياسات المتبعة إذ لا يتعلق الأمر فقط بتشجيع الاستثمارات بل بدور أكبر للدولة في تحديد أي المجالات يجب تشجيع الاستثمار فيها بالإضافة لدور مباشر للدولة في إنفاق عام استثماري يستهدف تغييرا ديموغرافيا حقيقيا يهتم بشكل أكبر بتنمية الدلتا ومناطق الصعيد والصحراء الغربية وخلق مجتمعات عمرانية جديدة حقيقية وليست تجمعات سكنية دون استيعاب للعمالة والتعليم والصحة التي تستلزمه هذه المدن.

منذ أن انسحبت الدولة من قطاعات مثل المحاجر والصناعات الثقيلة فإن ثمة مصالح احتكارية تراكمت واستطاعت النفاذ لعملية صنع القرار، ومن ثم رسم السوق وفقا لاحتياجاتها ومصالحها، فلا يعقل أن يكون من قبيل الصدفة سيطرة عدد محدود من شركات النقل الثقيل على السوق بينما يتم إنشاء مصانع وموانئ بعيدة عن مناطق استخراج المواد الخام وأكبر مثال على ذلك تباعد ورش ومصانع البلاط والرخام عن محاجره، حيث تتركز أغلب ورش ومصانع الرخام في المناطق العشوائية من القاهرة بينما تتواجد المحاجر الخاصة بها في الصحراء الشرقية والغربية الموازية لمدن الصعيد الطاردة للسكان، كذلك فإن محاجر الفوسفات تتواجد في أقصى جنوب غرب مصر في المنطقة الصحراوية بين قنا والوادي الجديد ويتم نقل أجزاء منها بطرق بدائية عبر النيل رغم خطورتها، لتصل إلى حلوان والإسكندرية حيث مصانع الأسمدة ثم يعود جزء كبير منها إلى محافظات الصعيد التي يغلب على نشاط سكانها الطابع الزراعي المستهلك لهذه الأسمدة كذلك؛ وبينما تتركز المادة الخام للحديد في أسوان والواحات البحرية[2]، فإن مصانع الحديد تتواجد في الإسكندرية والسويس فأي منطق وراء ذلك؟

وثمة خلل هيكلي في منظومة النقل سواء من حيث الحصة المتدنية للنقل العام في السوق سواء عن طريق السكك الحديدية أو أتوبيسات النقل العام مقارنة بالقطاع الخاص، بالإضافة لارتفاع أسعار النقل العام العابر للمحافظات من سكك حديدية وشركات نقل سياحي وقطاع أعمال عام بشكل يجعلها أعلى من أسعار السوق بل وربما يساهم في رفع قيمة أجرة السفر بوسائل النقل المملوكة للقطاع الخاص، نظرا لسوء إدارة هذه الشركات مع عدم تفعيل نظم الرقابة على وسائل سيارات الأجرة بين المحافظات؛ كل ذلك يفاقم عملية الهجرة الداخلية شبه الدائمة إذ لو تمكن العاملون في المحافظات والمدن التي تعاني من تنامي ظاهرة العشوائية في السكن وعدم توفر مساكن ملائمة، من الذهاب للعمل والعودة منه في أزمنة أقل وبأسعار تتناسب مع الدخول فلماذا يبقون في القاهرة أو عواصم المدن؟

التناقض الأغرب: حجم النمو في قطاع العقارات مقارنة بحجم العشوائيات والنمو في عدد السكان، لماذا لا يقابل النمو الملحوظ في القطاع العقاري النمو البسيط في عدد السكان؟ نناقش في هذه النقطة مسألة تزايد عدد العقارات غير المسكونة والزيادات المطردة في الإيجارات، هل هناك نظم تتدخل في تحديد أسعار الإيجارات أو إلزام أصحاب العقارات بتأجيرها أو بيعها؟

ثمة نمو غير مسبوق في قطاع العقارات منذ بداية الألفية الثالثة وتضاعف هذا منذ ثورة 25 يناير نتيجة الانفلات الأمني وضعف سطوة المؤسسات التنفيذية القائمة على تصاريح البناء أو انتشار الفساد فيها بما سمح بتعلية مباني موجودة عدة أدوار بالمخالفة وكذلك البناء بالمخالفة لقوانين البناء سواء داخل المدن أو على حوافها أو على أراضي زراعية محظور البناء فيها، وهو ما يعني زيادة المعروض من الوحدات السكنية ومع ذلك ثمة تضاعف في أسعار الوحدات السكنية المطروحة من قبل القطاع الخاص والعام على حد سواء نتيجة للتضخم ولعدم وجود سياسات واضحة للإسكان. وتشير دراسة حديثة إلى أن قطاع العقارات نما بنسبة 420% منذ 2001، وأن 40% فقط من المصريين يمتلكون منازلهم وأن القطاع الخاص نفذ 95% من إجمالي الاستثمارات منذ ذات الفترة[3]، بينما لم يتزايد السكان بأكثر من 22% في نفس الفترة (من 66.14 مليون نسمة عام 2001 إلى 80.72 مليون نسمة عام 2012)، والسياسة المصرية للبناء تعتمد على جذب الاستثمارات الخاصة هذه الشركات الاستثمارية الخاصة فقط تركز فقط علي تعظيم الأرباح، وبالتالي، فقد استهدفت بناء العقارات الراقية.

تحتاج هذه السياسة إلى التغيير أو التركيز على شريحة كبيرة من المجتمع الذي لا يملك القدرة المالية لشراء مساكن، فهذا يعني خللا كبيرا في منظومة إنتاج وتوزيع السكن الذي هو حق أصيل، هذا الخلل يعكس أيضا عدم عدالة في توزيع السكن إذ أن أكثر من 40% من المصريين محدودي الدخل وغير قادرين حتى على التقدم لمشروعات الإسكان الاجتماعي التي تدعى الدولة دعمها بينما هي في الحقيقة تستثمر في قطاع العقارات استثمار مربح جدا يتضح ذلك من خلال البيانات الحكومية المنشورة في الكتاب الإحصائي السنوي 2015 والذي يمكن تلخيص المعلومات المهمة الواردة فيه بالنسبة لهذه الورقة في الجدول التالي:

جدول رقم 1 استثمارات الإسكان طبقا للقطاع[4]

القطاعات

وحدات

استثمارات بالألف جم

متوسط تكلفة جميع الوحدات

ق.ع/ محافظات

27095

1970006

72707

ق.ع/ شركات الإسكان والتعمير

1288

276787

212412

ق.ع/ هيئة تعاونيات البناء والإسكان

1433

13234

9235

ق.ع/ بنك التعمير والإسكان

506

83301

164626

أجهزة التعمير

110

1518625

13805682

المدن الجديدة

12068

1362022

112862

إجمالي قطاع عام

42500

5223975

122917

القطاع الخاص

103283

15492450

150000

إجمالي القطاع العام والخاص

145783

20716425

142105

إذ أن تكلفة وحدات الإسكان المتوسط المنفذة عن طريق شركات الإسكان والتعمير بلغت 212 ألف جنيه وتباع بـ 400 ألف جنيه على الأقل، بينما تكلفة نفس المستوى لدى القطاع الخاص هي 150 ألف جنيه. أيضا فإن زيادة الاعتماد على أجهزة الإسكان والمدن الجديدة في تنفيذ برامج الإسكان الحكومية رفع من التكلفة الإجمالية للإسكان الاقتصادي ومن ثم فإن السياسات الحكومية أدت إلى رفع أسعار وحدات الإسكان الاقتصادي والمتوسط وما يقابلها في السوق وبالتالي ساهمت في رفع معدلات التضخم في قطاع العقارات بشكل كبير، وبالذات مع تزايد التوجه نحو الاستثمار الحكومي المباشر في الإسكان المتوسط أو تخصيص أراضي للقطاع الخاص لاستثمارها في الإسكان فوق المتوسط والفاخر، بينما قامت المحافظات وهيئة تعاونيات الإسكان والبناء بتنفيذ القسط الأكبر من الوحدات سواء منخفضة التكاليف أو الاقتصادية بأسعار جيدة، لكن للأسف فإن التنفيذ في معظم الوقت يكون لصالح وزارة الإسكان وبالتالي يخضع لسياسات مركزية في التوزيع ترفع من أسعاره رغم الانخفاض الشديد لتكلفته مقارنة بالمستويات الأخرى من الإسكان وهو ما يثير شكوكا قوية حول هل الدولة حقا تدعم السكن كحق أم أنها تتعامل معه باعتباره استثمارا ومضاربة شديدة الربحية؟

أيضا هناك سوء توزيع لخدمات الإسكان بين المحافظات المصرية المختلفة إذ أن القاهرة الكبري تستحوذ على ما نسبته 35% من الوحدات في إطار برنامج الإسكان القومي بينما تحظى محافظات الدلتا والصعيد المكتظة بنسب ضئيلة من تلك الوحدات[5]، وتستبعد الأرياف بطبيعة الحال من معظم مشروعات الإسكان وهو الأمر الذي أدى لتفاقم ظاهرة البناء على الأراضي الزراعية وتدهور البيئة الريفية وسوء الخدمات المقدمة للقرى بشكل كبير.

وجه آخر للأزمة الوحدات السكنية المغلقة وغير المستغلة:

ورغم غياب المعلومات الدقيقة حول هذا الموضوع باعتبارها ضرورية لبناء خطة قومية للإسكان رغم الأزمة الطاحنة في القطاع، فإن تقديرات عدد الوحدات السكنية الفارغة تتضارب من جهة لأخرى إذ بينما يرصد آخر إحصاء أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن هناك نحو 7.7 مليون وحدة سكنية غير مستغلة، فإن قطاع الإسكان بوزارة الإسكان يقرر أن هناك نحو 5.7 مليون وحدة سكنية غير مستغلة منها تابعة للحكومة ومنها تابع للأهالي، وذلك لأسباب كثيرة منها عدم توصيل المرافق لهذه الوحدات وهو ما تسبب فى عدم استغلال هذه الوحدات كسكن، وأسباب أخرى يأتي فى مقدمتها عدم قدرة أصحاب هذه الوحدات على تشطيبها واستكمالها نتيجة لعدم وجود موارد مالية لديهم[6]، وعدم قدرة الكثير من أصحاب العقارات على تأجيرها أو بيعها لسوء الخدمات والمرافق فيها لوقوعها على أطراف المدن مع عدم وجود نقل عام جيد في الكثير من التجمعات السكنية الكبري داخل المدن، يضاف إلى ذلك تسقيع هذه الشقق سواء باعتبارها استثمارا مستقبليا أو باعتبار أن التضخم في قطاع العقارات هو الأعلى من بين القطاعات الأخرى ومن ثم العائد على الاستثمار فيه أعلى من غيره من القطاعات.

نمط النمو العمراني السائد أية اختلالات في السياسات

يدور التساؤل حول نمط النمو العمراني هل هو نمو في عدد المدن الفندقية الساحلية وعدد التجمعات السكنية الخاصة مرتفعة الأسعار أم في عدد العقارات التي تستهدف إسكان الفئات محدودة ومتوسطة الدخل؟: يفترض في أية خطة للتنمية أن تراعي البعد السكاني إلى جانب التنمية السياحية المطلوبة إذ تتركز معظم أنشطة الاستثمار الحكومي في الطرق والبنية التحتية التي تخدم المدن الساحلية السياحية تحديدا وهو ما يعكس خللا في توزيع المرافق ويخلق خلالا في المحصلة النهائية لعوائد هذه الاستثمارات إذ لا تتحصل الدولة على الكثير من عوائد السياحة بقدر ما تصب هذه العوائد في جيوب كبار مستثمري القطاع الخاص من أصحاب الفنادق والقرى السياحية التي تتمتع بالكثير من الإعفاءات في بعض الأحيان، وعقب كل أزمة يتنصلون من التزاماتهم تجاه العاملين بالقطاع، أيضا هناك تنامي لظاهرة ونمط الإسكاني المديني المغلق compounds، وهذا التنامي يعكس صراعا اجتماعيا إذ تتخلى الدولة عن محدودي الدخل وجمعياتهم التعاونية الإسكانية، بينما تشجع القطاع الخاص في إقامة وإنشاء القرى السياحية والأبنية الفخمة في المدن الجديدة.

سياسات الإسكان في مصر الفجوة بين العرض والطلب:

ثمة فجوة كبيرة بين ما تعرضه الدولة من وحدات سكنية في صيغة مشروعات إسكان مليونية يتم الحديث عنها أثناء الماراثونات الانتخابية ثم نكتشف وهميتها عقب انتهاء هذه الماراثونات لكن يبقى التساؤل لماذا لا تسد سياسات الإسكان الاجتماعي الفجوة بين العرض والطلب؟ من تستهدف هذه السياسات وكيف تنجز أهدافها؟ أية رقابة على أجهزة الإسكان وهل ثمة نظام إسكاني ؟ هناك تراكم للفجوة السكنية التي تتجاوز 7 مليون وحدة سكنية، حيث بينما تقدر احتياجات السوق المصري بـ 8 مليون وحدة سكنية، فإن أقصى ما تم عرضه من قبل الأنظمة المختلفة في مصر منذ عهد مبارك هي مشروعات مليونية لا تكتمل غالبا[7]، ويمكن تفهم هذه الفجوة في ظل ظاهرة تسقيع الأراضي والشقق والعقارات إذ توجد الكثير من الوحدات السكنية الخاصة سواء التي يمتلكها الأفراد فوق احتياجهم أو التي تمتلكها الشركات وتعرضها بأسعار مبالغ فيها وتفوق طاقة المقبلين على الزواج ومن ثم يحتاجون للسكن وبالذات من فئة الشباب.

وتشير آخر إحصائية رسمية منشورة من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول عدد الوحدات السكنية المحققة في الحضر إلي البيانات التالية[8]:

مصر الحق في السكن

ويمكن أن نستخلص من هذا الجدول تناقص إجمالي ما ينتجه القطاعين العام والخاص من وحدات سكنية من 196060 وحدة سكنية عام 2009/2010 إلى 145783 وحدة عام 2013/2014، وهو ما يعني انخفاضا في حدود الربع وبمقدار أكثر من 50 ألف وحدة سكنية بينما تزايدت حالات الزواج والذي يربطه الكثير من الباحثين بالحاجة للسكن 953 ألف حالة زواج في 2014 وفقا للجهاز نفسه[9]، وهو ما يعني فجوة سكنية تقدر بأكثر من 800 ألف وحدة سكنية في عام 2014 وحده بخلاف تراكم الفجوات في الأعوام السابقة[10]، هذه الفجوة تؤدي إلى نمو قطاع غير مخطط وعشوائي وغير رسمي يستغل هذه الفجوة في رفع القيمة الإيجارية كما يرفع أسعار السكن بشكل مبالغ فيها إذا ما احتسبنا الأسعار النهائية للوحدات كنسبة من تكاليف هذا البناء المخالف والعشوائي وغير الآدمي، والذي يسبب كوارث في البنية التحتية ربما لا ننتبه إليها إلا إذا أضيفت لها بعض عناصر الطبيعة كالمطر وهو ما حدث بالضبط في المحافظات التي تضررت بشكل كبير من السيول كالإسكندرية والبحيرة.

أيضا فإن مساهمة الدولة في إنتاج هذه الوحدات السكنية بنسبة 29% فقط يعني أن القطاع الخاص يتحكم فيما نسبته 71% من سوق الإسكان وهو ما يزيد من تضارب الأسعار، وبرغم أن الدولة تؤكد من خلال مشاريعها دعمها لمحدودي ومتوسطي الدخل إلا أن ثمة مفارقة يمكن ملاحظتها من الأرقام الرسمية المعلنة للاستثمار الحكومي في قطاع الإسكان وللعائد على هذا الاستثمار ينفي صفة الدعم عن الكثير من الوحدات المطروحة في إطار هذه المشروعات.

بل ويمكن القول إن اتجاه الحكومة لطرح وحدات إسكان متوسط بسعر يصل إلى 400ألف جنيه ساهم وبشكل كبير في رفع أسعار السكن المطروح من قبل القطاع الخاص في الأعوام الأخيرة وخلق تضخما كبيرا في سوق العقارات الرسمي وغير الرسمي إذ بينما لا تتجاوز تكاليف الوحدة السكنية “على الطوب الأحمر” بالتعبير الدارج 60 ألف جنيه بما تشمله من أعمال خرسانية وحصة في الأرض إلا أنها تباع بأسعار تتجاوز ضعف وربما ضعفي هذا المبلغ في الكثير من المناطق الشعبية.

وعلي الرغم من طرح أكثر من مشروع حكومي كبير للإسكان، منها المشروع القومي للإسكان والذي كان يهدف لتوفير 500ألف وحدة سكنية خلال ست سنوات 2005-2011 لكنه لم ينتهِ حتى الآن، بل ثمة تداخل بينه وبين مشروع الإسكان الاجتماعي الذي أطلق في عام 2013، والذي صدر بشأنه القرار الجمهوري بقانون 33 لسنة 2014 والذى يتضمن أحد مواده إنشاء صندوق يسمى “صندوق تمويل الإسكان الاجتماعي” حيث يتولى الصندوق تمويل وإدارة وإنشاء الوحدات السكنية لبرنامج الإسكان الاجتماعي.[11]

إلا أن هذه المشروعات لا تحل الفجوات السكنية المتراكمة، هذا من ناحية العدد، يضاف إلى ذلك عجز البنية التحتية عن استيعاب النمو العشوائي المتزايد للمساكن الخاصة سواء من خلال التعلية المخالفة للمباني القديمة أو بناء مباني جديدة مخالفة، كل هذا يشير إلى خلل جوهري في منظومة السكن في مصر.

خاتمة وتوصيات:

هناك خلل جوهري في السياسات المتبعة إذ لا يتعلق الأمر فقط بتشجيع الاستثمارات بل بدور أكبر للدولة في تحديد أي المجالات يجب تشجيع الاستثمار فيه بالإضافة لدور مباشر للدولة في إنفاق عام استثماري يستهدف تغييرا ديموغرافيا حقيقيا يهتم بشكل أكبر بتنمية الدلتا ومناطق الصعيد والصحراء الغربية وخلق مجتمعات عمرانية جديدة حقيقية وليست تجمعات سكنية دون استيعاب للعمالة والتعليم والصحة التي تستلزمه هذه المدن.

ثمة حاجة ماسة على المدى المتوسط والبعيد لنظام قومي للسكن هو جزء من نظام أو مشروع قومي تنموي، نظام السكن هذا يفترض فيه أن يتضمن بالتحديد المعلومات الدقيقة لعدد طالبي الوحدات السكنية الذين هم بالضرورة كل الشباب الذين أنهوا تعليمهم الفني أو الجامعي ممن لا يملكون وحدات، ويشمل أيضا عدد من يملكون أكثر من وحدة سكنية (إسكان خاص- تعاوني- اجتماعي).

يفترض في هذا النظام أيضا أن يتعامل مع العقارات الآيلة للسقوط ومع سكان المقابر والعشوائيات من منطلق الحق في السكن وليس من منطلق اعتبارهم مشكلة يجب مواجهتهم، يتم هذا من خلال حصر دقيق للعقارات القائمة وتواريخ إنشائها وتقارير هندسية دورية حول حالتها.

كما يفترض في هذا النظام أيضا أن يراعي الظروف المادية لجميع طالبي السكن بحيث يستطيع تحديد القدرات المالية لهم، وإيجاد نظام عادل لتوزيع الوحدات السكنية وتقدير الإيجارات للمناطق المختلفة وقدر من الرقابة على هذه الإيجارات بحيث لا يتعدى الإيجار 25% من دخل المواطن.

وعلى المستوى الآني والعاجل ثمة حاجة لقانون موحد للسكن ينظم الإيجارات ويضمن دورا للدولة في وضع حدود قصوى للإيجارات وفقا للمناطق ومستويات التشطيب وتكاليف البناء ويرتبط أيضا بدخول المستأجرين ويضمن للدولة حقها في الضرائب التصاعدية على الإيجارات ورقابتها الصارمة على النشاط العقاري برمته، وهو ما يوفر لها موارد مالية ضخمة ويحقق عدالة في التعاقدات بين المستأجرين وأصحاب العقارات ويجرم المضاربات العقارية وإغلاق الوحدات السكنية الخاصة الثانية لمدة تزيد على العام دون تأجيرها كما ينظم أيضا إيجارات الأنشطة الإدارية والصناعية والتجارية المتوسطة والصغيرة سواء من حيث بعض الإعفاءات من الضرائب لشرائح إيجارية معينة أو من حيث معاملتها كالوحدات السكنية من حيث أسعار الطاقة والمرافق الأخرى المقدمة لها من قبل الدولة.

هذا النظام ينبغي أن يكون قادرا على تحديد التكلفة الفعلية لبناء وتشييد العقارات ومن ثم يمكن أن يضع حدا أقصي للربح لا يزيد عن 25% من التكلفة، كما يضمن آليات واضحة لتخصيص الأراضي من قبل الدولة للمستثمرين بحيث يضمن مساهمتهم في إنشاء مساكن للفئات المختلفة وبأسعار معقولة.

ثمة مبادرات قيّمة أطلقها المجتمع المدني المصري في إطار حراك سياسي ودستوري بعد الثورة ولا يمكن تجاهلها مثل وثيقة دستور العمران[12]، هذه المبادرات يمكن الاسترشاد بها والاستعانة بالمراكز والمنظمات الأهلية التي قامت بإعدادها إذا أردنا فعلا وضع نظام إسكاني عادل ومستديم يضمن حق المصريين في المشاركة وإدارة عمليات التخطيط والتنمية العمرانية.


الهامش

[1] نادية أبو العينين، منال الطيبي: مشروع المليون وحدة لن يحل أزمة السكن، موقع مصر العربية، بتاريخ 19فبراير 2015، على الرابط التالي: http://is.gd/7cIMyG

[2] جمعية رواد الهندسة والتكنولوجيا، الثروة التعدينية في مصر، http://www.apet-eg.com/pdf/Mining_In_Egypt.pdf

[3] عبد القادر رمضان، دراسة: 420٪ نموا للقطاع العقاري في العشر سنوات الماضية، موقع أصوات مصرية بتاريخ 26 أغسطس 2015، على الرابط التالي: http://is.gd/6q2hTC

[4] هذه البيانات مأخوذة من الكتاب الإحصائي السنوي 2015 الباب السابع: الإسكان جدول 7-4 الوحدات السكنية واستثماراتها بالحضر طبقا للقطاع، وقد قام الباحث بقسمة الاستثمارات على عدد الوحدات التي ينتجها كل قطاع لحساب تكلفة الوحدة، ولم تتح لنا أية بيانات تشير إلى نوعية تشطيب الوحدات سواء في القطاع الخاص أو العام.، متاح على الرابط التالي: http://www.capmas.gov.eg/Pages/StaticPages.aspx?page_id=5034

[5] المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، سياسة الإسكان في مصر بين استمرار سياسات الماضي ووضع سياسات عادلة للمستقبل، 2014، صـ11-13، على الرابط التالي: http://eipr.org/sites/default/files/reports/pdf/housing_policies_in_egypt-study.pdf

[6] أحمد حسين، تحقيق صحفي بعنوان “مفاجأة.. 7.7 مليون وحدة سكنية غير مستغلة رغم أزمة السكن بمصر.. 5.7 مليون شقة مغلقة لعدم توصيل المرافق وعجز أصحابها عن تشطيبها..و2 مليون هاجر أصحابها خارج مصر.. ورئيس قطاع الإسكان: نسعى للاستفادة منها”، موقع صحيفة اليوم السابع، بتاريخ 23 فبراير 2015، على الرابط التالي: http://is.gd/eyVsOG

[7] عبد الحافظ الصاوي، أبعاد وحلول أزمة الإسكان في مصر، الجزيرة نت، 30/11/2013، على الرابط التالي: http://is.gd/OdgpM8

[8] بيانات مستخلصة بواسطة الباحث من واقع بيانات الكتاب الإحصائي السنوي 2015، الفصل السابع: الإسكان، جدول 7-2 الوحدات السكنية المحققة في الحضر طبقا للقطاع والمستوى (2002/2003- 2013/2014)، متاح على موقع الجهاز على الرابط التالي: http://www.capmas.gov.eg/Pages/StaticPages.aspx?page_id=5034

[9] الجهاز المركزي للتعبة العامة والإحصاء، ديموجرافيا السكان: عدد حالات الزواج، موقع الجهاز على الرابط

[10] تم احتساب هذه الفجوة بطرح عدد الوحدات السكنية المحققة في 2014 من عدد حالات الزواج في 2014، مع أهمية ملاحظة أن هذه هي الوحدات المحققة في الحضر بينما حالات الزواج لعموم الجمهورية، وبالتالي يلاحظ استبعاد الأرياف من خطط واستثمارات الإسكان أصلا.

[11]  لمزيد من التفاصيل حول المشروع القومي للإسكان والمشروع القومي للإسكان الاجتماعي، انظر موقع وزارة الإسكان، على الرابط التالي: http://is.gd/VIEUCI

[12] حول مبادرة دستور العمران، https://urbanconstitution.wordpress.com/2013/10/11/uc/

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close