دراسات

مصر العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية

التقييم المنصف لمسار ثورة 25 يناير يقتضي منا الاعتراف بوجود إخفاقات تتعلق برؤية القوى السياسية والأحزاب القديمة منها والحديثة لضرورة اعتماد تحقيق العدالة الانتقالية بآلياتها المختلفة لمعالجة آثار الماضي، وكشف الحقيقة ومن ذلك الفشل في كشف حقيقة الانتهاكات الواسعة والقتل للمتظاهرين أثناء الثورة، وإصلاح المؤسسات، بما يقتضيه ذلك من إجراءات تشريعية وإدارية وجنائية، مما ترتب عليه إفلات المجرمين من العقاب، بل وتمكينهم من إدارة الثورة المضادة والانقضاض على شرعية الشعب والعودة بمصر لعصور سحيقة من الديكتاتورية العسكرية.

وبما أن جزءا كبيرا من هذا الإخفاق يعود لعدم الاستعداد وعدم وجود تصورات مدروسة، خاصة في مجال تحقيق العدالة الانتقالية التي نظر إليها البعض من إخواننا بأنها موضوع ترفي وأن السماح بإفلات المجرمين من العقاب يمكن أن يفضي للتهدئة ويقابل بامتنان من هذه الأطراف، مما سمح باستمرارهم في مواقعهم حتى كانت النتيجة كما ترون الآن.

وفي الجانب الآخر يريد البعض الآن معالجة هذا التقصير في الماضي بالحديث عن ضرورة تطبيق العدالة الثورية في المستقبل، والتي يفهم منها أنها عدالة انتقامية، لن تساهم إلا في مزيد من الثارات والخصومات وتدخلنا في دوامة لا متناهية من تبادل الظلم والبعد عن العدالة، وفي كلتا الحالتين أهملنا التجارب الدولية المتراكمة في تحقيق العدالة الانتقالية في مراحل التحول والانتقال.

مفهوم العدالة الانتقالية:

وفقا لتعريف “المركز الدولي للعدالة الانتقالية” فهي مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات.

وليست العدالة الانتقالية نوعًا “خاصًّا” من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع و/أو قمع الدولة. ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية.

 

أهمية العدالة الانتقالية؟

على أثر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يحقّ للضحايا أن يروا معاقبة المرتكبين ومعرفة الحقيقة والحصول على تعويضات. ولأنّ الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككلّ، فمن واجب الدول أن تضمن، بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات، عدم تكرار تلك الانتهاكات، وبذلك واجب خاص يقضي بإصلاح المؤسّسات التي إما كان لها يد في هذه الانتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها.

وعلى الأرجح أنّ تاريخاً حافلاً بالانتهاكات الجسيمة التي لم تُعالج سيؤدي إلى انقسامات اجتماعية وسيولّد غياب الثقة بين المجموعات وفي مؤسّسات الدولة، فضلاً عن عرقلة الأمن والأهداف الإنمائية أو إبطاء تحقيقهما. كما أنّه سيطرح تساؤلات بشأن الالتزام بسيادة القانون وقد يؤول في نهاية المطاف إلى حلقة مفرغة من العنف في أشكال شتّى. وكما يبدو جليًّا في معظم الدول حيث تُرتكَب انتهاكات لحقوق الإنسان، تأبى مطالب العدالة أن “تتلاشى”.

 

عناصر سياسة شاملة للعدالة الانتقالية

ليست مختلف العناصر المكوَّنة لسياسة العدالة الانتقالية عبارةً عن أجزاء في لائحة عشوائية، إنّما هي تتصل الواحدة بالأخرى عمليًّا ونظريًّا. وأبرز هذه العناصر الأساسية هي:

1ـ الملاحقات القضائية، لاسيّما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحمّل المسؤولية.

2ـ جبر الضرر، الذي تعترف الحكومات عبره بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية (كالتعويضات النقدية أو الخدمات الصحيّة على سبيل المثال) فضلاً عن نواحٍ رمزية (كالاعتذار العلني أو إحياء يوم الذكرى).

3ـ إصلاح المؤسسات ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوات المسلّحة، والشرطة وأجهزة المخابرات والمحاكم، بغية تفكيك – بالوسائل المناسبة – آلية الانتهاكات البنيوية وتفادي تكرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب.

4ـ لجان الحقيقة: لقد فشلت كل القضايا الجنائية التي أجرت خلال الأعوام الخمسة الماضية وآخرها الحكم ببراءة قتلة الشاب السلفي سيد بلال والذي قتل تحت التعذيب في الإسكندرية في مطلع عام 2011 كما انتهت كل محاكمات قتلة الثوار للبراءة، لأن وسائل التحقيق والاستدلال التي اتبعت من شرطة ونيابة وخلافه هي نفس الأساليب التقليدية التي لا يمكن أن تنتهي بإدانة من بيدهم في الأساس الهيمنة على هذه الأدلة والمستندات والتحقيقات.

ولذلك تتأسس لجان الحقيقة التي تتكون أساسا من شخصيات وطنية مستقلة غير قضائية تتسلح بصلاحيات واسعة تمكنها من النفاذ للحقيقة وحماية الشهود وعقد الصفقات التي تمكنها من اختراق جدر الصمت التي أقامها مرتكبو الانتهاكات الجسيمة للوصول للحقيقة، ويعد القانون التونسي رقم 53 لسنة 2013 الصادرفي 24 ديسمبر2013، والمتعلق بإرساءالعدالةالانتقاليةوتنظيمها والصادر عن المؤتمر التأسيسي التونسي والذي أسس “هيئة الحقيقة والكرامة” نموذج مهم يمكن البناء عليه والاستفادة منه، ولاسيما الباب الرابع المتعلق باختصاصات هذه الهيئة وسلطاتها، أو وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.

ويبقى القانون التونسي على أهميته كنموذج، إلا أننا في حاجة لتطوير النسخة المصرية، حيث لا يوجد نمط ثابت لتشكيل وصلاحيات وولاية هذه اللجان، لكن الأكيد هو أنها ستكون حاسمة في كشف الحقيقة. وقد أضافت دول مختلفة تدابير أخرى. فتخليد الذكرى، مثلاً، والجهود العديدة للحفاظ على ذكرى الضحايا من خلال إنشاء متاحف، وإقامة نصب تذكارية وغيرها من المبادرات الرمزية مثل إعادة تسمية الأماكن العامة، وغيرها، قد باتت جزءاً مهماً من العدالة الانتقالية في معظم أنحاء العالم.

ومع أنّ تدابير العدالة الانتقالية ترتكز على موجبات قانونية وأخلاقية متينة، إلّا أنّ هامش الاستيفاء بهذه الموجبات كبير، وبذلك ما من معادلة تناسب السياقات كافة.

هذا الكلام حتى يتم تطبيقه وتنفيذه يحتاج لتفصيلات كثيرة، ويحتاج لمكنة قانونية وولاية تستند للدستور والقانون تمكن أي مفوضية للعدالة الانتقالية من العمل بعد إصدار تشريع متكامل يمكن هذه المفوضية من تحقيق الأهداف التي تأسست بموجبها.

ومن هنا فإن ما ستفضي إليه جهودنا قائم على سيناريوهات تتعلق بمدى المكنة من تنفيذ مثل هذا المشروع.

ولكن المهم أن بسط البحث في هذا الموضوع والاستعداد بمشروع قانون يناسب الحالة المصرية هو خطوة مهمة حتى لو اضطررنا لإجراء أي تعديلات في المستقبل على مشروع القانون هذا ليتناسب مع أي وضع تؤول إليه الأمور.

وقد شهدت الفترة من عام 1974 إلى عام 2007 إنشاء ما لا يقل عن 32 لجنة تحقيق في 28 بلداً (جدول ـ 1) وقد شُكل أكثر من نصف هذه اللجان خلال السنوات العشر الماضية. ويجري حالياً النظر في إنشاء لجان أخرى للتحقيق حول العالم وهو ما يؤكد على أننا ستسلك الطريق الصحيح المقدر في العالم كله لتنفيذ العدالة الانتقالية بدون الحاجة لمحاكم أو قوانين استثنائية لأن من يرى إحالتهم للقضاء سيحاكمون بنفس القوانين السارية.

جدول ـ 1

الأمم المتحدة تعلن يوما للحقيقة

في ديسمبر 2010، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالعمل الذي أنجزه الأسقف روميرو الذي قتل في 24 مارس 1980 في عاصمة السلفادور التي عانت بعدها من حرب أهلية لمدة 12 عاما، ثم تشكلت لجنة للحقيقة برعاية الأمم المتحدة لمعالجة آثار الحرب، حددت هوية قاتل الأسقف روميرو، حينما أعلنت بأن من حق ضحايا الفظائع وأفراد أسرهم أن يعرفوا الحقيقة. وحددت الأمم المتحدة يوم 24 مارس يوماً عالمياً للحق في معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولاحترام كرامة الضحايا.

 

جهود سابقة متواضعة:

لا تعرف مصر ثقافة “لجان الحقيقة” حتى شاع بأن أي قضية تريد أن تقتلها شكل لها لجنة، وكم ضاعت الحقائق حتى بعد أن أثبتتها لجان تقصي الحقائق، ومنها لجنة تقصي الحقائق والتي سميت بـ (اللجنة القومية للتحقيق وتقصى الحقائق في شأن أحداث ثورة 25 يناير) والتي أنشئت بقرار من رئيس مجلس الوزراء (أحمد شفيق) برقم 294 لسنة 2011 بتاريخ 9 فبراير 2011 أي قبل تنحي الرئيس السابق مبارك لتقصى الحقائق بشأن الأحداث التي واكبت ثورة 25 يناير2011.

وقد انتهت اللجنة من ضمن ما انتهت إليه إلى: (أن أمرا صدر من وزير الداخلية وقيادات وزارة الداخلية إلى رجال الشرطة باستعمال السلاح الناري في تفريق المتظاهرين وقد أرسله هذا الأمر بالتدرج الرئاسي إلى رجال الشرطة المسلحين، في موقع الأحداث. وكتبت الأدلة على ذلك.)

ومما كشفته اللجنة أيضا الحقائق المتعلقة بفتح السجون ومنها سجن وادي النطرون الذي يتهم الرئيس د. مرسي بالهروب منه بعد اعتقاله ليلة 28 يناير 2011 وقد حكم عليه وآخرون بالإعدام في هذه الواقعة الملفقة. فقد أكدت اللجنة على وجود دلائل على اعتداء من الخارج على سجن أبو زعبل، وعزته لأهالي بعض المسجونين إلا أنها قالت: (إلا أنه يجب التوقف عند منطقة سجون وادي النطرون إذ أن الآثار التي رصدتها اللجنة عند المعاينة لا تنم عن حدوث اعتداء تعجز أمامه الشرطة عن المواجهة ومن ثم لا يوجد مبرر قوي لحدوث الانفلات ولهروب السجناء من سجن وادي النطرون))

وفي حالة سجن وادي النطرون أشارت اللجنة لمشاهد شريط فيديو يظهر فيه المساجين – الهاربين من أحد سجون وادي النطرون ويحملون أغراضهم الشخصية تحت تواجد أفراد من قوات الأمن المتمركزين بالزي الرسمي وهم يحثون المساجين على سرعة الخروج من السجن. وخروجهم من السجن وهم يحملون أغراضهم الشخصية وفي حضرة رجال الشرطة يدل أنهم خرجوا نتيجة ترتيب أفسح لهم الوقت لجمع أغراضهم الشخصية، وذلك أن هروب السجين في حاله العصيان الجماعي وإحتمال إصابته بعيار ناري يثير لدية حالة من الفزع تجعله يسرع لينجو بنفسه دون أن يلتفت لجمع أغراضه.

وهذه المعاينة التي تمت مباشرة بعد أحداث الثورة تكذب تماما القصة المفبركة التي تم نسجها فيما بعد من هجوم قادته حماس عبر شبه جزيرة سيناء لاقتحام سجن وادي النطرون وتحرير قيادات إخوانية منه.

ومع ذلك فقد تجاهلت النيابة العامة والمحاكم بالأخذ بالنتائج التي خلصت إليها هذه اللجان، وهذا ما حدث أيضا مع تقرير لجنة تقصي الحقائق الثانية التي شكلها الدكتور محمد مرسي عقب انتخابه وسلمت تقريرها إليه، حيث قام الرئيس بتحويله للنيابة العامة بدون اطلاع الرأي العام على نتائجه حيث وئد التقرير ولم ير النور، ولم ينتج أي أثر في إعادة محاكمة الرئيس السابق مبارك، رغم أن التقرير قدمته النيابة ضمن أوراق محاكمة مبارك ووزير داخليته!!.

الكثير من دول العالم تقيم أهمية كبيرة للجان التحقيق التي توكل إليها المهام الكبرى في القضايا المهمة وتكون النتيجة التي تتوصل إليها ملزمة للجميع، حتى مع وجود نظام قضائي قوي ومستقل.

فبريطانيا مثلا كثيرا ما يشكل رئيس وزرائها لجنة تحقيق خاصة في أي قضية كبرى تهم الرأي العام أو تمس الحكومة أو بعض وزرائها، وهذا لا يقلل من أهمية النظام القضائي الطبيعي، ولكن يعكس الاهتمام والإرادة السياسية في معرفة الحقيقة واطلاع البرلمان على نتيجة التحقيق، وربما نتذكر قضية انتحار العالم البريطاني والمفتش عن الأسلحة البيولوجية في العراق “ديفيد كيلي” الذي انتحر في يوليو 2003 على خلفية توبيخه من لجنة برلمانية بعد أن اعترف لرؤسائه أنه كان مصدرا لمعلومات تضمنها تقرير أحد الصحفيين في الـ BBC (جليجان) تكذب تقريرا للحكومة البريطانية حول القدرات الخارقة لنظام صدام حسين، وقد اعترف كيلي على نفسه بعد أن رفض الصحفي عن الكشف عن مصدره.

ورغم أنه قد ثبت أن وفاة كيلي كانت نتيجة انتحار غير مشكوك فيه، إلا أن الملابسات السياسية، والحرب ضد العراق جعلت منها قضية هزت الحكومة، فكلف بلير اللورد “برايان هاتون” بالتحقيق في القضية ومثل أمامه كل من استدعاه من الشهود بما فيهم توني بلير نفسه ووزير دفاعه جيف هون وأليستر كامبل مستشار رئيس الحكومة.

وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لتقرير هاتون إلا أنه أجبر بلير على التراجع والقول: (خلال جلسة لمجلس العموم ان مجموعة التفتيش في العراق لم تعثر على “أسلحة جاهزة يمكن استخدامها فورا” في العراق). على عكس ما روجت حكومة بلير سابقا.

 

العدالة الانتقالية بعد ثورة يناير

من المؤسف أن قضية العدالة الانتقالية لم تكن مطروحة على جدول أعمال الأحزاب السياسية، ولقد حملت شخصيا مشروع العدالة الانتقالية ومقترحي بتشكيل ما أسميته (لجنة الحقيقة والعدالة) منذ اليوم الأول بعد تشكيل برلمان الثورة وسلمت مشروعا مكتوبا بذلك لرؤساء الأحزاب الكبرى، إلا أن الموضوع لم يرق لمستوى الاهتمام وقتها.

وقد نبهنا لضرورة صدور قانون بالعفو في القضايا السياسية منذ أكتوبر 1981 نتيجة التعذيب والتلفيق والمحاكمات السياسية وما يترتب عليها من عقوبات تبعية مقيدة للحقوق المدنية والسياسية، وحتى بعد أن حصلنا على موافقة مبدئية من المجلس العسكري على مشروع القانون الذي قدم بالفعل لمجلس الشعب، وكان من المؤسف أنه تعرض للمماطلة والتأخير في إقراره، حتى جرى حل مجلس الشعب، مما انعكس بعد ذلك على الجميع، ولم نتمكن حتى من إصدار قانون بحماية الثورة وتحصين الأعمال التي حدثت أثناء الثورة لوقف الملاحقات التي يمكن أن تستخدم ضد الثوار ، حتى رأينا بعد ذلك كيف سيق قادة الثورة للسجون ووجهت لهم اتهامات ارتبطت بأعمال الثورة.

فبينما جرى تبرئة المجرمين في موقعة الجمل، يدان المستشار الخضيري وهو في هذا السن بالتعدي على أحد المخبرين أثناء الثورة رغم تهافت الاتهام وعدم صحته، وحوكم غيره على بعض أعمال الثورة.

بينما اتخذ البرلمان التونسي قبل أن يحل بعد هروب بن علي قرارا بالعفو التشريعي العام سمح بأسقاط الأحكام الجائرة على الآلاف من السياسيين مما سمح بعودتهم لتونس أو خروجهم من السجون.

وأصدر المجلس التأسيسي في تونس قبل حله قانونا لحماية الثوار من الملاحقات والقضايا التي فتحت ضدهم.

وهو القانون برقم 71 لسنة2014مؤرخفي12يونية2014يتعلقبأحكاممتصلةبالعدالةالانتقاليةوبقضايا مرتبطةبالفترةالممتدةبين17ديسمبر2010و28 فبراير 2011، وبعدمصادقةالمجلسالوطنيالتأسيسي، يصدررئيسالجمهوريةالقانونالأساسيالآتينصّه: الفصلالأوّللاتخضعللمؤاخذةالجزائيةالأفعالالتيتمالقيامبهامنأجلتحقيقالثورةوإنجاحهافيالفترةالممتدةبين17ديسمبر 2010 و28 فبراير 2011″

وبالنسبة لمن تمت مؤاخذته بحكم اتصل به القضاء من أجل ارتكاب أحد تلك الأفعال المذكورة في المدة المحددة، يتمتّع بالعفو التشريعي العام ويسلّم الوكلاء العامون لمحاكم الاستئناف كل حسب اختصاصه شهادة في الغرض.

 

المجلس القومي لحقوق الإنسان وملف العدالة الانتقالية

بعد اختياري لعضوية المجلس القومي لحقوق الإنسان تقدمت بمشروع لتأسيس لجنة الحقيقة والعدالة داخل المجلس، على اعتبار أن تحقيق العدالة الانتقالية هو جزء من مهام المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وفقا لمبادئ باريس المنظمة لعمل هذه المؤسسات، ولكن رأى الزملاء أن المهمة كبيرة وأنها أكبر من طاقة المجلس. ومع الوقت اتسع التأييد لبدء العمل في ملف العدالة الانتقالية بهدف الاستعانة بالخبراء وعقد ورشات العمل وتوسيع رقعة الحوار المجتمعي والتحضير لمشروع قانون للعدالة الانتقالية في مصر.

وفي اجتماع المجلس القومي لحقوق الإنسان يوم 19 مايو 2013 عرضت الورقة المقدمة من د. محمد البلتاجي، ود. أسامة رشدي حول مشروع إنشاء لجنة للعدالة الانتقالية، وبالفعل اتخذ المجلس قرارا بتأسيس لجنة العدالة الانتقالية.

 

هل نحتاج لاستكمال هذا الجهد؟

نحن الآن في وضع يسمح لنا باستكمال هذا الجهد للوصول لتحضير مسودة بمشروع قانون للعدالة الانتقالية، يراعي الحالة المصرية ويؤسس لإنشاء مفوضية للعدالة الانتقالية، بولاية دستورية وقانونية كاملة، وصلاحيات واسعة تضمن عدم الإفلات من العقاب في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتركز على كشف حقيقة الانتهاكات منذ 6 أكتوبر 1981 حتى تاريخ إقرار القانون. في القضايا المتعلقة بالقتل خارج القضاء أو بعد محاكمات صورية، وقتل المتظاهرين والثوار وفض الاعتصامات السلمية، والاختفاء القسري، والتعذيب، والتعذيب بالوكالة، والاعتقال التعسفي، وتزوير الانتخابات، وتلفيق القضايا، والفساد والاستيلاء بغير حق على المال العام.

وأن تكون مدة عمل المفوضية 4 سنوات قابلة للتمديد بقرار من البرلمان لمدة عامين على الأكثر. ويمكن الاعتماد على القانون التونسي لإنشاء “هيئة الحقيقة والكرامة” واللائحة التنفيذية لعمل الهيئة كمنطلق لدراسته والتعديل عليه.

 

حالات نحتاج للاستفادة منها: تجربة رواندا المتميزة

لقد مرت عشرون عاما على واحدة من أسوأ مذابح الحرب الأهلية في العالم عندما انطلقت في 7 أبريل عام 1994 أعمال قتل وحشية لمليشيات قبائل الهوتو ضد قبائل التوتسي والتي استمرت لمدة 100 يوم حيث خلفت المذابح أكثر من مليون و75 ألف إنسان بخلاف آلاف الحالات من الاغتصاب وذلك بعد حادثة قصف الطائرة التي تقل الرئيس الرواندي السابق المنتمي إلى الهوتو “جوفينال هابياريمانا” في السادس من أبريل 1994 ولم يعرف حتى اليوم المسؤول عن هذا الحادث.

ينتمي نحو 85 في المئة من الروانديين إلى إثنية الهوتو، غير أن أقلية التوتسي هيمنت على البلاد لفترة طويلة، وفي عام 1959 أطاح الهوتو بالحكم الملكي للتوتسي وفر عشرات الآلاف منهم إلى دول مجاورة من بينها أوغندا.

وشكلت مجموعة من التوتسي في المنفى جماعة متمردة أطلق عليها (الجبهة الوطنية الرواندية) التي غزت رواندا عام 1990 واستمر القتال إلى أن أبرم اتفاق سلام عام 1993.

الدرس المفيد الذي يستحق أن يُذكر من تجربة رواندا، يتمثل في المصالحة المذهلة التي جرت بين القتلة والناجين من خلال الاعترافات الفردية والمغفرة والصفح في إطار محاكم (عرفية) خارج القضاء في القرى تعرف باسم “غاشاشا” وهي أقرب للناس على الصعيد الشخصي، ومصممة لتحقيق النتيجة النهائية المتمثلة في السماح للناس الذين يعرفون بعضهم بعضًا بإمكانية استئناف العيش في المجتمع نفسه، كما أنه يجمع قرية بأكملها ليشهد سكانها على عمليات الاعتراف وعلى صدقيتها ولتشجيع الضحية على الصفح والاتفاق على بعض التعويضات مثل المساعدة في حراثة حقل الضحية لفترة من الوقت.

لقد تولت المحاكم القبلية «غاشاشا» معالجة 1.9 مليون قضية. ويمتدح وزير العدل الرواندي جونستون بوسينغيه نظام المحاكم القبلية ويقول: المجتمع اليوم يعيش بتناغم ويتقدم نحو الأمام. تقريباً كان هناك 200 ألف في السجون وثلاثة أضعاف خارجها ينتظرون الدخول إليها. لكن السجن لم يكن حلاً بالنسبة إلينا. بعض الجرائم المرتكبة عقوبتها الإعدام، والحل كان بالحياة وليس الموت. الخلاصة، أردنا نظاماً يبني مجتمعاً يستطيع شعبنا أن يعتمد عليه.

إن هذه المحاكم تشبه إلى حد بعيد المحاكم العرفية في مصر التي قد تكون أحكامها أكثر احتراما لدى المتقاضين في القرى وصعيد مصر ربما من المحاكم القضائية، وهو نموذج يمكن الاستفادة منه في الحالة المصرية لتعزيز المصالحة الوطنية، بجانب النموذج التونسي والجنوب أفريقي والمغربي على اختلاف الفروقات بينهم.

 

مصادر مهمة:

النصوص القانونية المنظمة لهيئة الحقيقة والكرامة التونسية : الرابط

تقرير منظمة العفو الدولية: الرابط

تقرير لجنة تقصي الحقائق حول ثورة 25 يناير : الرابط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى