fbpx
ترجمات

مصر بين أمريكا وروسيا ومخاطر الانهيار

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

أندرو ميلر وميشيل دون، خسارة مصر لصالح روسيا ليست مشكلة – لكن انهيارها هو المشكلة الحقيقية، “ذي ناشيونال إنتريست، 20 يوليو 2018، الرابط
تحاول روسيا تعزيز علاقاتها مع مصر التي كانت تربطها علاقات قوية مع الاتحاد السوفييتي في الفترة من عام 1956 وحتى عام 1972، حيث أجرى البلدان لأول مرة تدريبات عسكرية مشتركة (حماة الصداقة 1،2،3 في الأعوام 2016، 207، 2018 على التوالي) الأمر الذي كانت تجريه الولايات المتحدة ومصر بانتظام حتى عام 2009 تحت مسمى “النجم الساطع” قبل أن يتم استئنافه العام الماضي فقط (2017).
وبدت علاقات القاهرة وموسكو في أوجها إثر زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر ولقائه عبد الفتاح السيسي أواخر العام الماضي (2017) وتدشين عدد من المشروعات الروسية بمصر. حيث وقعت مصر وروسيا بحضور السيسي، وبوتين، عقد إنشاء محطة الضبعة النووية بقدرة 4800 ميجاوات باستثمارات 25 مليار دولار، وبالتعاون مع شركة (روس اتوم) الروسية، فيما أعلنت روسيا، عن بناء مستودع لتخزين الوقود النووي المستنفد، لمحطة “الضبعة” النووية. وشهد أيضا لقاء السيسي وبوتين، الإعلان عن إنشاء أول منطقة صناعية روسية بمحور قناة السويس، بمساحة 5 كلم مربع واستثمارات تبلغ 7 مليارات دولار في شرق بورسعيد، كما تم الحديث عن تطورات دراسات إنشاء منطقة لوجستية للصادرات المصرية في روسيا.
وفي 28 نوفمبر‏ 2017، كشفت الحكومة الروسية عن اتفاق مع مصر يسمح للطائرات العسكرية للدولتين بتبادل استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية. وفي أكتوبر 2016، قال موقع “برافادا” الروسي، إن روسيا استأجرت قاعدة عسكرية بمدينة “سيدى براني” بمطروح، شمال غرب البلاد في اتفاق يتم تنفيذه بداية 2019، مقابل تحديث روسيا للمنشآت العسكرية المصرية على البحر المتوسط. وكانت علاقات مصر وروسيا قد شهدت حالة من التذبذب منذ واقعة تفجير الطائرة الروسية في الرابع من نوفمبر 2015، والتي انسحبت سلبا على علاقة البلدين وبخاصة السياحة الروسية لمصر.
ومع قدوم الرئيس دونالد ترامب على رأس السلطة في بلاده؛ بدت علاقات النظام المصري متوائمة مع التوجهات الأمريكية في ملفات وموضوعات إقليمية ودولية عديدة، بينهما ملف “صفقة القرن”، الذي خرج للعلن لأول مرة أثناء لقاء السيسي وترامب بواشنطن، أبريل الماضي. وأثناء لقاء ترامب والسيسي في الرياض، في مايو 2017، مدح الرئيس الأمريكي السيسي وقال إنه “ذو شخصية مميزة ومتفردة جعلته يحقق المستحيل”. كما بدا هذا التقارب بعد ذلك من الرد الرسمي المصري الباهت على قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل سفارة بلاده للمدينة الفلسطينية المحتلة الأربعاء 6 ديسمبر 2017، ومنع السلطات المصرية أية فاعليات مناهضة بالشارع المصري ضد القرار الأمريكي.
ويرى مراقبون أنه في ظل النظام الراهن في مصر تحاول الحكومة أن تعقد مقايضات لصالح النظام أكثر من كونها سياسات تنطلق من المصلحة الوطنية المصرية، ومن ثم فإن معظم تحركات السياسة الخارجية الراهنة تعمل على شراء شرعية للنظام من الدول الكبرى.
وحول التنافس بين روسيا وأمريكا حول الهيمنة على مصر نشرت مجلة “ذي ناشيونال إنتريست”، وهي مجلة أمريكية نصف شهربة، مؤخراً تقريراً بعنوان “خسارة مصر لصالح روسيا ليست مشكلة – لكن انهيارها هو المشكلة الحقيقية” أعده أندرو ميلر* وميشيل دون*.
وقد قام المعهد المصري بترجمة التقرير كاملا، على النحو التالي:

القاهرة لم تعد جائزة للسعي للفوز بها، لكنها دولة ضعيفة بحاجة للإصلاح

بينما يتركز معظم اهتمام العالم بالتنافس بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط على سوريا وإيران، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول بهدوء أن يشق طريقاً له نحو مصر. وعلى سبيل المثال، تقدم لنا مقالة كتبتها مؤخراً آنا بورشفسكايا* – تقدم لنا صورة مزعجة نوعاً ما مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية على وشك أن تفقد مصر لصالح روسيا.
في الحقيقة، سمعنا هذه الجدلية من قبل؛ وعادة ما يتم الحديث عنها من قبل أولئك الذين يعارضون وضع الولايات المتحدة أي شروط على المساعدات العسكرية التي تُقدمها لمصر. وما يريد أن يقوله مثيرو مثل هذا الجدل بوضوح هو: “انتبهوا أيها السادة! فعبد الفتاح السيسي في مصر لم يعد يعتقد أنه يمكنه الاعتماد على الولايات المتحدة بسبب التوترات التي حدثت بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.” ثم تحذر هذه الفرضية من أن القاهرة تتجه إلى روسيا، وأنه من المحتمل أن تحرم أمريكا من حليف إقليمي حيوي.
إن لب الحقيقة في هذا الجدل هو أن السيسي يحاول على ما يبدو إحياء لعبة الحرب الباردة المجربة من قبل والمتمثلة في اللعب على وضع الولايات المتحدة وروسيا في مواجهة بعضهما البعض. ويبدو أنه (السيسي) شديد الإعجاب بفلاديمير بوتين، كونهم ضباط مخابرات سابقين، وحكام مستبدين في نفس الوقت. لكننا في الواقع لدينا شكوك حول ما إذا كانت المؤسسة العسكرية المصرية مستعدة فعلاً للتحول من الرعاية الغربية إلى رعاية روسيا؛ ونشك أيضاً في أن مصر لا تزال تمثل حليفاً عسكرياً حيوياً للولايات المتحدة كما كانت في السابق.
إن علينا أن ننظر إلى الوتيرة المتسارعة من التعاون المصري الروسي في السنوات الأخيرة في سياق أوسع بكثير من المثلث الأمريكي-المصري-الروسي. فمصر، في الحقيقة، لا تسعى لاستبدال الولايات المتحدة، بل تسعى إلى إضافة الدعم الروسي أيضاً إليها. وبالإضافة إلى ذلك، فقد سعت مصر في مرحلة ما بعد الثورة (25 يناير 2011) إلى العودة إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية تستخدم فيها أسلوب تأليب وإثارة رعاتها (حلفائها) بعضهم على بعض. وعلى سبيل المثال، فهذا ما يحدث باستمرار بين مصر ورعاتها من السعوديين والإماراتيين. والجدير بالذكر أن هذه السياسة كانت أيضاً هي النهج الأصلي الذي كان يتبناه جمال عبد الناصر (1918-1970) قبل تحالفه مع الاتحاد السوفيتي في أعقاب حرب السويس عام 1956 بشكل صريح. في الحقيقة، لم تعد مصر تريد أن تعتمد على روسيا أكثر مما تريد أن تعتمد على الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد سعى السيسي إلى توسيع العلاقات الدفاعية والتجارية مع ألمانيا وفرنسا على نحو ما فعله مع روسيا.
وفي خضم موجة الزيارات الثنائية والتصريحات المتبادلة، نجد أنه من السهل الوقوع في المبالغة بخصوص تقدير ما يمكن أن تقدمه روسيا لمصر. فالقروض الروسية، التي يجب على مصر سدادها، ليست بديلاً عن المساعدات التي تقدمها لها الولايات المتحدة؛ وروسيا كذلك ليست في نفس وضع الولايات المتحدة لتقوم بتسهيل دخول مصر إلى العواصم الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية. ما تحتاجه مصر هو الكثير من الاستثمارات الخاصة – وهذا ما لا يستطيع بوتين توفيره بأي حال من الأحوال. وبالإضافة إلى ذلك، فليس من السهل تبديل أنظمة التشغيل العسكرية في مقابل قروش قليلة يحصل عليها النظام، خاصة بعد أربعة عقود من اعتماد مصر تماماَ على المعدات الأمريكية والتدريب في جميع المجالات باستثناء الدفاع الصاروخي.
كما أن بوتين لم يكن داعماً للسيسي دون شروط كما قد يوحي البعض بذلك؛ ولم يعلن السيسي كذلك ترحيبه بكل المبادرات التي تقدم بها بوتين. والجدير بالذكر أن بوتين يعارض عودة جميع رحلات الطيران التجارية الروسية إلى مصر، والتي تم تعليقها منذ التفجير الإرهابي الكارثي في ​​أكتوبر 2015 للطائرة الروسية التي كانت قد غادرت من مطار شرم الشيخ آنذاك. وعلى الرغم من أن بوتين قد وافق مؤخراً على السماح للرحلات الجوية إلى القاهرة، إلا أن هذا القرار لم يشمل مطارات ساحل البحر الأحمر، والتي كانت عامل الجذب الرئيسي للسياح الروس الذين اعتادوا السفر إلى مصر بأعداد كبيرة. من جانبه، يبدو السيسي متردداً بخصوص طلب روسي للوصول إلى المطارات العسكرية المصرية – ربما لأن ذلك من شأنه أن يعرض علاقاته بالجيش الأمريكي للخطر.
ولكن ماذا لو انهارت العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة ومصر لأي سبب من الأسباب، وسعى السيسي لتعويض ذلك عن طريق التحالف الصريح مع روسيا؟ على المستوى السطحي، سيبدو هذا بمثابة تراجع آخر لهيمنة الولايات المتحدة في المنطقة. لكن على المستوى العملي، سيكون التأثير على المصالح الأمريكية أقل بكثير مما كان يمكن أن يحدث في فترات سابقة.
فبعد سنوات من التآكل الداخلي للدولة المصرية، أصبحت مصر أقل فاعلية على المستوى الإقليمي مما كانت عليه منذ عدة عقود، وأصبح جيشها انعكاساً ضعيفًا للقوة التي كان عليها عام 1973. وفي المقابل، أصبح الجيشان الأردني والإماراتي، على سبيل المثال، أكثر قدرة على إظهار قوتهما داخل المنطقة، وأكثر قابلية للتشغيل المتبادل مع القوات الأمريكية كذلك مقارنة بالجيش المصري بوضعه الحالي. وباستثناء ليبيا، التي هي أكثر أهمية بالنسبة إلى أوروبا من المصالح الأمريكية، أكدت مصر أكثر من مرة بأنها لا ترغب في نشر قواتها العسكرية في الخارج. ومن ثم فقد تحولت القوة في المنطقة إلى دول الخليج، حيث أصبح النفوذ الاقتصادي ذا أهمية متزايدة؛ في حين أن دولاً عربية وشمال إفريقية أخرى تفوقت على مصر في مجالات مثل التنمية البشرية. وبينما يبدو أن إدارة ترامب تعتقد أن مصر هي مفتاح السلام الإسرائيلي الفلسطيني، فليس من المرجح أن يحيد أي من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن الخطوط الحمراء المعلنة استجابة لطلب من السيسي.
إن تعزيز معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية، وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين – الدافئة على المستوى الرسمي والباردة على المستوى الشعبي – لم يعد يعتمد على تشجيع أو رعاية من الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنه من المرجح أن تواصل مصر السماح للسفن الأمريكية بالعبور من قناة السويس، والتي تدفع البحرية الأمريكية مقابله بسخاء، إلا إنها قد لا توافق على منح الطائرات العسكرية الأمريكية حق التحليق والهبوط على أراضيها؛ لكن ذلك إن حدث فإنه سيكون أقل قيمة بكثير مما كان عليه الأمر في السابق، خصوصاً في ظل ترسيخ الولايات المتحدة لعلاقاتها مع قطر. كما أن موقف الدول العربية الأكثر مرونة تجاه إسرائيل من شأنه أن يفتح مسارات جديدة للطائرات المدنية والعسكرية على حد سواء.
وأخيراً، فعلى الرغم من أنه من الصعب تقييم التعاون المصري مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب بشكل دقيق، إلا أننا نعلم يقيناً أن السياسات المصرية هي بطريقة أو أخرى السبب في تفاقم مشكلة الإرهاب؛ ولذلك فمن مصلحة القاهرة الاستمرار في عملياتها لمكافحة الإرهاب، بغض النظر عن طبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة.


*أندرو ميلر هو نائب مدير السياسة في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED ) وهو باحث غير مقيم في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي. عمل سابقاً في وزارة الخارجية وكمدير للقضايا العسكرية المصرية والإسرائيلية في مجلس الأمن القومي من 2014 إلى 2017 .
*ميشيل دون هي مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن العاصمة. وقد عملت دن سابقاً في وزارة الخارجية الأمريكية، وتحديداً في السفارة الأمريكية بالقاهرة. وهي أيضاً خبيرة في التغيير السياسي والاقتصادي في الدول العربية – ولا سيما مصر – وكذلك في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
* آنا بورشفسكايا هي زميلة “آيرا وينر” في معهد واشنطن، حيث تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط. وهي أيضاً طالبة دكتوراه في جامعة جورج مايسون وزميلة في “المؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية”.
(*).


* الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close