fbpx
قلم وميدان

مصر بين تسويات القرن الأفريقي وأزمة سد النهضة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تحظى منطقة القرن الأفريقي بأهمية خاصة لدى القيادة المصرية على مر العصور منذ عهد الفراعنة، ومرورا بمحمد علي الذي كان يرغب في توسيع حدود مصر حتى منابع النيل، وصولا إلى الحقبة الناصرية … هذا الاهتمام يرجع إلى الارتباط الجغرافي المباشر بين مصر وبعض دول القرن الإفريقي مثل السودان، أو لوجود النيل شريان الحياة لمصر وتدفقه من بعض هذه الدول “إثيوبيا، كينيا، أوغندا”، فضلا عن وجود البحر الأحمر أداة التواصل بين مصر وأفريقيا، والذي لعب دورا هاما في فترات السلم والأمن بالنسبة للأمن القومي المصري منذ العدوان الثلاثي 1956، مرورا بنكسة 1967، ووصولا لحرب 1973 وإغلاق بوابته الجنوبية من خلال باب المندب.
ومن هنا بات الأمن القومي المصري يتأثر بصورة كبيرة بمختلف التطورات التي تشهدها هذه الدول سواء التطورات الداخلية” أي داخل دول القرن الأفريقي” أو حتى التطورات البينية، وهو ما حتم مصر اتخاذ مواقف معينة من هذه التطورات في ضوء مصالحها الاستراتيجية المختلفة.
وفي ضوء التسويات الأخيرة في القرن الأفريقي والتي بدأت بتسوية النزاع بين إثيوبيا وإريتريا حول مثلث بادمي باعتراف الأولى بتبعيته للثانية، مرورا بالمصالحة بين الصومال وإريتريا، وصولا للمصالحة بين جيبوتي وإريتريا، يبرز سؤالان، الأول عن دور مصر في هذه التسويات، والثاني عن كيفية استفادة مصر منها، خاصة فيما يتعلق بموضوع سد النهضة باعتباره الأهم في الفترة الراهنة.

دور مصر في تسويات القرن الأفريقي

بداية يمكن القول في ضوء التحليلات وليس في إطار المعلومات التي قد تكون لها طابع السرية في عملية التفاوض بشأن هذه التسويات، أن التسوية التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا التي فتحت الباب لما بعدها من تسويات في المنطقة، لم يكن لمصر دور يذكر بشأنها، وهذا ربما يرجع لسببين الأول أنها تعني باختصار فقدان مصر أحد اهم الأوراق التي كانت تمتلكها للضغط على إثيوبيا، ونقصد بها إريتريا، ودعمها لجبهة الأورومو التي كانت تحظى برعاية مصرية وفق الرواية الإثيوبية في عهدي زيناوي وديسالين. أما السبب الثاني، فهو أن إريتريا لم تقدم تنازلات في هذه التسوية، بل إنها حصلت دون مقابل على اعتراف إثيوبي بأحقيتها في منطقة بادمي الحدودية، كما أنه من غير المنطقي القول بأن القاهرة ضغطت على أديس أبابا لإتمام هذه اللحظة، لأنها لم تنجح حتى هذه اللحظة في الضغط عليها للقبول بمطالبها فيما يتعلق بسد النهضة. بل ربما لا يكون من منطق التشاؤم القول بأن هذه الاتفاقية ستكون لها آثار سلبية على الموقف التفاوضي المصري بالنسبة للسد، لسبب بسيط هو أن الاتفاق الثنائي بين أسمرة وإريتريا نص من ضمن بنوده على وقف دعم المعارضة في كلا البلدين، بل إن أبي أحمد ذهب إلى أبعد من ذلك عبر رفع جبهة الأورومو من قوائم الإرهاب، والسماح بعودة قادتها إلى البلاد. ما يعني انخراطهم في العملية السياسية جراء تخليهم عن أي دعم خارجي يمر عبر الوسيط الإريتري تحديدا.

مصر والاستفادة من تسويات القرن الأفريقي

يقابل هذه النظرة التي تبدو تشاؤمية، بارقة أمل تتمثل في التعثر الراهن في عملية بناء سد النهضة، والذي ربما يحتاج إلى عشر سنوات وفق أبي أحمد حتى يرى النور.. ما يعني إمكانية أن تكون هناك فائدة لمصر فيما يتعلق بمطلبي سنوات الملء وإدارة الخزان.. لكن كيف؟؟
قبل الإجابة على ذلك، لا بد من الإشارة إلى نقطة هامة وهي أن تصريحات أبي أحمد، لا تعني توقف بناء السد، ولكن تعني تأخر عملية التخزين والتشغيل والتوليد. لأسباب إنشائية وهي الأخطر، أو ميكانيكية تشغيلية وهي الأقل، ما يعني أنه بمجرد التغلب عليها، سيتعين التسريع في عملية الملء والتشغيل الذي طال انتظاره من قبل الإثيوبيين الذين يمثلون مصدر التمويل الأساسي له عبر الاكتتاب، وهو ما قد يجعله يرفض الاقتراح المصري بشأن إطالة عملية التخزين المبدئي إلى 10 أو 15 سنة بدلا من الطرح الإثيوبي الذي عرض بداية أن يتم الملء في 3 أو 5 سنوات وصولا لسبع سنوات. لكن ومع ذلك يمكن أن تلوح مصر بورقة هامة بالتعاون والتنسيق مع السودان، وهي أن بناء السد يشكل تهديدا حقيقيا كونه معرضا للانهيار في حالة وجود عيوب جسيمة في عملية الإنشاء، وهو ما سيكون له آثار كارثية على السودان أولا لقربه من الحدود، ثم مصر.
خاصة بعد تزايد الشكوك بشأن العملية الإنشائية بعد التقرير الذي أصدره بعض مهندسي شركة ساليني الإيطالية المسؤولة عن الإنشاءات في نوفمبر 2016 بعنوان ماذا لو حدث شروخ في السد. ما دفع السودان بعدها إلى مطالبة الجانب الإثيوبي باستضافة وفد من خبرائه للوقوف على العملية الإنشائية والمطالبة بإدخال بعض التعديلات، وبالفعل استجابت إثيوبيا لها وتم تخفيض ارتفاع السد من 175 مترا إلى 155 متراً، وبالتالي فإن القاهرة والخرطوم يمكن أن يطالبا وفق بعض المتخصصين في هندسة السدود كالخبير المصري محمد حافظ “بتشكيل لجنة فنية عالمية محايدة لبحث الجوانب الإنشائية”.
هذا الطرح الذي نتفق معه، سبق أن طالبت به مصر تحديدا بعد صدور تقرير لجنة الخبراء “يونيو 2013” لكن استبعدته إثيوبيا، وأصرت على أن تقوم المكاتب الاستشارية بمناقشة موضوعي الأثار المائية وغير المائية للسد على مصر والسودان فقط، مع التأكيد على أن قرار هذه المكاتب استشاري غير ملزم.
إن من شأن قيام مصر والسودان بإعادة هذا الطرح رغم احتمالية رفضه من قبل إثيوبيا، ربما يُشكل أداة ضغط على أبي أحمد بأن السد معرض للانهيار، وهناك سوابق مماثلة في إثيوبيا، ما قد يدفعه إلى الموافقة عليه، أو السعي لتسوية الأمور والوصول إلى حلول وسط، إما بتقليل حجم السد، ما يعني تقليل الأضرار المترتبة عليه، أو الموافقة على إيجاد حلول وسط لموضوعي فترة الملء والتشغيل … وعندئذ ربما تقترح مصر والسودان المشاركة في تحمل أعباء عملية إعادة الضبط والتعديل الإنشائي.
لكن قبل هذا وذاك، لا بد من تحقيق اللحمة بين قيادتي وادي النيل عبر تفعيل اتفاق الحريات الأربع التي تم توقيعها عام 2004 وتعني حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، وكذلك تغليب الجوانب التعاونية على الجوانب الخلافية خاصة ما يتعلق بمثلث حلايب وشلاتين، الذي يمكن أن يكون نقطة تكامل بدلا من كونه نقطة نزاع. وربما تكون تجربة تسوية النزاع الإثيوبي الإريتري ماثلة في الأذهان، فرغم الحرب التي خاضها الجانبان عامي 1998، 2000، ورغم الأثار المروعة لها، إلا أنها حلت بقرار سياسي جرئ، ما يعني أن النزاعات أو حتى الصراعات يمكن أن تحل إذا ما توافرت الإرادة السياسية لأطرافها ( *).


* الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close