قلم وميدان

مصر: تعديلات دستورية ومعوقات شكلية

بدأت الأحاديث عن التعديل الدستوري قبل فوز عبد الفتاح السيسي، بولاية رئاسية جديدة، وذلك لمنحه الحق بإعفاء الحكومة، من خلال مشروع قانون تقدم به إسماعيل نصر الدين، قبل سحبه، بعد ضجة شديدة أثيرت خلال تلك الفترة، وتحديداً بداية فبراير العام الماضي. وتم إغلاق هذا الملف مؤقتاً، بعد زيارة رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، إلى الكونغرس الأميركي، والتأكيد على عدم وجود مخطط لتعديل الدستور، وأن المقترح المقدم لم يعرض للنقاش داخل البرلمان المصري.
كما أن السيسي تحدث أيضاً عن عدم رغبته بتعديل الدستور. لكن مخطط تعديل الدستور لم يتوقف، وكان هناك اتجاه بتأجيل الموضوع فقط، إلى حين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، خصوصاً بعد رفض أميركي لهذه الخطوة.

أولاً: معوقات شكلية:

تبرز مجموعة من النصوص الدستورية (لما يسمى بدستور 2014) التي يتعامل معها البعض على أنها معوقات تواجه عملية التعديلات الدستورية في مصر خلال المرحلة القادمة، ومن ذلك:
ـ المادة (18): يلزم الدستور في مادته رقم 18 الدولة، بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وفي المادة 19 يلزم الدستور بتخصيص 4% من الناتج القومي الإجمالي للتعليم قبل الجامعي، وفي المادة 21 بتخصيص 2% من الناتج القومي الإجمالي للتعليم الجامعي، إلى جانب 1% للبحث العلمي، بحسب المادة 23 .
ـ المادة (32): تتضمن المادة 32 الخاصة نصوصًا بعقود استغلال الموارد الطبيعية، لأن المدد المنصوص عليها في تلك المادة «صعبة جدًا» في الاستثمارات طويلة الأجل، وتمنع المادة 32 من الدستور، التصرف في أملاك الدولة العامة، وتلزم بأن يكون منح حق استغلال الموارد الطبيعية أو التزام المرافق العامة بقانون، ولمدة لا تتجاوز ثلاثين عامًا، ومنح حق استغلال المحاجر والمناجم الصغيرة والملاحظات، لمدة لا تتجاوز خمسة عشر عامًا بناء على قانون أيضًا .
ـ المادة 121: وتتضمن التعديلات المنتظرة أيضًا، المادة 121 المتعلقة بنصاب التصويت على القوانين المكملة للدستور، خاصة وأن رئيس مجلس النواب ذكرها مرارًا باعتبارها عقبة أمام البرلمان .
وتنص المادة 121 على أن «لا يكون انعقاد المجلس صحيحًا، ولا تتخذ قراراته، إلا بحضور أغلبية أعضائه. وفي غير الأحوال المشترط فيها أغلبية خاصة تصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للحاضر، وعند تساوي الآراء، يعتبر الأمر الذي جرت المداولة في شأنه مرفوضًا.
وتصدر الموافقة على القوانين بالأغلبية المطلقة للحاضر، وبما لا يقل عن ثلث عدد أعضاء المجلس، كما تصدر القوانين المكملة للدستور بموافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. وتعد القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، والأحزاب السياسية، والسلطة القضائية، والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية، والمنظمة للحقوق والحريات الواردة في الدستور مكملة له.
ـ المادة (107): وتنص المادة 107 من الدستور على أن «تختص محكمة النقض بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب..». فيما نصت المادة 210 على أن تختص المحكمة الإدارية العليا بالفصل في الطعون على قرارات الهيئة المتعلقة بالاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية ونتائجها.
. المادة (140): بخلاف المقترح الخاص بحذف الفقرة الأخيرة من المادة 226، هناك مقترحات أخرى بتعديل الفقرة الأولى من المادة 140 من الدستور، لتتضمن زيادة مدة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، خصوصًا وأنه في حال تعديل تلك المادة، فلا يوجد بالدستور ما يمنع الرئيس الحالي من الاستفادة من التعديل، بحساب مدة الرئاسة الجديدة بست سنوات بدلًا من أربع، والسماح له بالترشح لفترة رئاسية ثانية بعد التعديل . وتنص المادة على أن ينتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة.
ـ المادة (147): تنص المادة 147 من الدستور على أنه لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها، بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس.
ـ المادة (204): وهي المادة الخاصة بالقضاء العسكري في الدستور ويقترح تعديلها لتسمح بإحالة المتهمين في قضايا الإضرار بالأمن القومي إلى القضاء العسكري، بهدف مكافحة الإرهاب وتحقيق العدالة الناجزة، وتحظر المادة 204 من الدستور، محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرًا على كل ما له علاقة بالقوات المسلحة .
ـ المادة (226): تعد البنود المتعلقة بالمادة 226 مشكلة رئيسية تواجهها الحكومة في خطتها للتعديلات الدستورية، لكونها تحصن المواد المتعلقة بمدد الرئاسة وبالحقوق والحريات في الدستور، وتمثل عائقا أمام تعديلها، رغم أن هناك أكثر من مقترح للتعامل مع تلك المادة، وأن الاتجاه الغالب هو تعديل تلك المادة بحذف الفقرة الأخيرة منها .
وتحدد المادة 226 من الدستور إجراءات تعديل مواد الدستور لرئيس الجمهورية أو لخُمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها وأسباب التعديل.
وفي جميع الأحوال، يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال 30 يومًا من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كليًا، أو جزئيًا بأغلبية أعضائه. وإذا رفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالي. وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد 60 يومًا من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال 30 يومًا من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذًا من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء.
كما تُحدد الفقرة الأخيرة من المادة 226 ضوابط تعديل المواد المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية والحريات: وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية والمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات.

ثانياً: مسارات واحتمالات:

في إطار هذه النصوص، وفي ظل التحولات والأوضاع السياسية الراهنة في مصر، تبرز مجموعة من المسارات الأساسية للتعديلات الدستورية:

السيناريو الأول: الفترات الرئاسية المقيدة

تباينت الآراء الدستورية والقانونية بشأن إمكانية تمرير أية تعديلات متعلقة بولاية الرئيس، ففي الوقت الذي شدّد فيه فريق من الفقهاء الدستوريين على أن تعديل ولاية الرئيس أمر مستبعد بنص الدستور، أكد آخرون على احتمال حدوثه .
لذا يقوم هذا السيناريو على إطالة مدة ولاية رئيس الجمهورية لتصبح ست سنوات وليس أربعة فقط بحجة إن أربع سنوات غير كافية لكي ينفذ الرئيس برنامجه، ويتمكن من مواجهة ودحر الإرهاب، واعتبار مد فترة الرئاسة إلى ست أو ثماني سنوات ستكون فترة كافية لتحقيق العديد من المشروعات والإنجازات .

السيناريو الثاني: الفترات الرئاسية مفتوحة

ويقوم على طرح وثيقة شعبية وطنية جديدة بدعم حكومي، تستهدف مساندة الدولة وعبد الفتاح السيسي، لتمرير تعديلات دستورية من شأنها أن يستمر السيسي في الحكم بشكل غير مشروط نظرا لما تواجهه البلاد، ولتحقيق التنمية والنهوض بالدولة، والتصدي للجهات التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار العام.
ويلعب هنا البرلمان دوراً مهماً وأساسياً في ظل غياب الرقابة والمساءلة، وسيكون من السهل تمرير التعديلات الدستورية المرتقبة بموافقة غير مسبوقة داخل البرلمان.
والسيناريو الثاني هو الأرجح، حتى يضمن السيسي الاستمرار في السلطة حتى وفاته، لأن من جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري، لا يخرج من السلطة بتشريعات أو ممارسات سياسية، لذا لا يجب الرهان على أن هناك دستور يتم احترامه، أو آليات سياسية تتم مراعاتها، فالوضع في مصر بعد 2013، تهيمن على مختلف أبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، المؤسسة العسكرية، التي يهيمن عليها عبد الفتاح السيسي، وقام بإعادة هيكلة مجلسها بما يضمن له الولاء والتبعية والتخلص من كل المنافسين المحتملين، وبما يحول دون تشكيل معارضة ولو رمزية لسلطاته وصلاحياته المطلقة( *).


(*) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

مصر: تعديلات دستورية ومعوقات شكلية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى