fbpx
قلم وميدان

مصر: مراجعات ما قبل 25 يناير 2011

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تبدأ أولى لحظات الإفاقة من الصدمات العنيفة، المُرتبة على أفعال بشرية، في حياة “الأفراد والجماعات” بل “الأمم”، عندما يتخلى مجمل التكوين بداخل المُصاب المفرد أو الجمع عن مفردات الذهول والدهشة بل الإنكار.. إلى مراجعة النفس، ومُراجعة الخطى، وقياسها على المنظومة السُّوية للنجاح في حياة الآخرين من المُماثلين والمُشابهين، الذين استطاعوا اجتياز محناً بنجاح من قبل.

وعدم السماح بإطالة الفترة المترتبة على الشعور بالذهول وتباعاته، بداية الخطو نحو الإفاقة، وبالتالي عدم إنكار الوقوع في الأخطاء الصغيرة والخطايا الأكبر، والتبرير، ولو بحسن نيّة، والارتكان إلى وجود مؤامرة أكبر من تكوين المُصاب المفرد، أو الجمع المُزلزل الكيان.

إن المُراجعات لا تساوي إطالة النظر في القرارات المؤدية إلى الطرق المسدودة، ووضع اليد بحزم على مناطق الخلل، وتتبعها، وعدم التفريط في تحديد دور كل مخطئ، ومصارحة ضمير الفرد والجماعة والأمة، إن لزم الأمر، بأن هناك خطوات دامية لا ينبغي الصمت عنها أو على تكرارها، أو الإبقاء على المُتسببين فيها، فضلاً إعطائهم فرصة أخرى لتكرار نفس الخطأ أو ما يشابهه، بل إن من آليات المراجعات الحقيقية الدفع بأفراد جدد من أصحاب القدرة العملية على تجاوز الجراح الماضية، والحزم في اتجاهين.. الاستماع إلى (المُنظرين) الذين يملكون أُفقاً ورؤية، مع الإتعاظ من ماضي التاريخ والخبرات، مع جسارة التوجه إلى الحق دون استجابة للوم لائم أو أكثر.

إن مثل هذه المراجعات تمثل اللبنة الأولى في التصدي إلى الواقع البالغ المرارة، بل التغلب عليه، وسطر البداية يُحتم علينا مراجعة مكونات الثورة المصرية قبل 25 من يناير/كانون الثاني 2011م، بخاصة تلك التي صارت إلى مواجهة دامية اليوم لم تكن تخطر على بال الكثيرين في المؤسستين المتنافستين، ومحاولة نهضة الكنانة، والأخيرة تمثل مكانة لا ينكرها إلا جاحد من الأمة الإسلامية العربية، كما يرى كل منصف، اليوم، مقدار الضرر الواقع على الأمة كلها نتيجة تعطل قاطرة الثورة المصرية عن جذب الدولة، أولاً إلى الأمام، ثم الأمة إلى محاولة النهضة والإفاقة من الواقع المُرِّ المُخذل الذي يحيط بها.

أما مكونا مصر الذي أدى صدامهما إلى هذا الموقف المُشكل الذي يستدعي كل نبضة قلب مخلص للتصدي له والتغلب عليه، فهما: المؤسسة الحقيقية الباقية من عهود رؤساء عسكريين منذ 23 من يوليو/تموز 1952، وعهد الرئيس المخلوع “محمد حسني مبارك” بالتحديد، فلدينا رئيسان أساءا إلى مصر أحياناً وأصابا أحياناً قليلة: “جمال عبد الناصر” و”محمد أنور السادات”، مع استبعاد الرئيس “محمد نجيب” الذي لم يأخذ فرصته، وأضيرت محاولاته وأد فتنة العسكريين، لكن الأمر إجمالاً لا يعدو أن يكون أن الرؤساء العسكريين قبل “مبارك” لم يتموا 30 سنة في الحكم، فيما اتمها الأخير ليُكمل تجريف ما بقي في التربة المصرية على جميع الأصعدة، فيما عدا الجيش المصري، وقد تعهدت الأخير الولايات المتحدة الأمريكية من آسف، بعد معاهدة كامب ديفيد في 17 من سبتمبر/أيلول 1979م، مفشلة دوره في الحفاظ على الحدود المصرية، ومُبقية عليه سيفها في وجه كل محاولة للخروج عن تبعية مصر لها، ولذلك سلحته، وتمادت في تعليمه مبادئ البرجماتية والنفعية، والإبقاء على مصلحة أفراده الرئيسيين من ضباط نفعيين كباراً وصغاراً، والمعلومة المعروفة القائلة بأنه بداية من رتبة عميد لا يُصعد إلا الذين يتم بحث تاريخهم والتأكد من عدم وجود ما يدلل على لحظة إفاقة أو حلم بنهضة الوطن كافية للتأكد من معاول الهدم التي عملت داخل القوات المسلحة المصرية، من ناحية، بالإضافة إلى التصفية الرئيسية للعناصر الجيدة أخلاقياً، فيما يخص التطلع إلى إفادة الأوطان وما هو أعلى، فما حسن الخلق في ذاته ببانٍ للأمم، إذا لم يقترن بأسس من الرغبة في خدمتها.

صار السلاح، باختصار، في يد قوات لا تعرف، في مجملها، إلا مصلحتها، ووضعها في أفق حياة يعلو مستوى حياة الشعب استهلاكاً ومكانة، في حين بقي الشعب أعزلاً لا يستطيع مجرد الدفاع عن نفسه. وفي المقابل فإن لدينا المؤسسة الاعتبارية التي حملت مشروعاً لرفعة مصر والأمة العربية الإسلامية، ومحاولة لاستعادة أفق الحضارة العربية والإسلامية، وتمكين المخلصين في العالم من حكمه والأخذ بيده نحو الاستقرار والعدالة، وهو ما يراه صاحب هذه الكلمات أحد معاني كلمات الإمام المؤسس للجماعة حسن البنا: “كم منا وليس فينا، وكم فينا وليس منا”.

والمُتابع لقاطرة الإخوان في مصر قبل 25 من يناير/كانون الأول 2011، يُلاحظ أن حكم “حسني مبارك” كان يُبقي على “شعرة معاوية” معهم، فلا يتركهم وشأنهم، ولا يُفنيهم، وهو ما سمح للجماعة بالخروج إلى الواقع السياسي في انتخابات 1984 لينالوا 17 مقعداً للمرة الأولى في ظل حكم العسكر، حتى انتخابات 2005 التي نالوا فيها 88 مقعداً، وإن رأى البعض أن الأخيرة كانت كقبلة حياة لرئة “مبارك” وبقائه في حكم مصر لسنوات قليلة.

واستمر الحال على هذا النحو، الجماعة لها وجودها السياسي والخيري في الشارع المصري، عبر ما لا يمكن تسميته بمؤسسات، ولكن مقرات، وتحالفات سياسية معلنة، وجمعيات طبية، وأحياناً معارض غذائية، فضلاً عن التواجد في الجامعات، ووجودها شبه مُعلن في طول البلاد وعرضها، حتى إن جريدة “الدستور” المحسوبة على الوسط العلماني تساءلت عياناً بياناً في تلك الفترة حول إمكانية قبض نظام مبارك على مرشد الإخوان “مهدي عاكف” آنذاك، وكأن الأمر مستحيل من المستحيلات.

إذاً فنحن أمام طرفي معادلة بالغيّ الصعوبة، الإخوان المسلمون، وقد ذابوا في نسيج المجتمع المصري منذ عام 1928م، حتى أن محللين محسوبين على الجماعة قالوا قبل وبعد 25 من يناير/كانون الثاني 2011م إن اقتلاعهم من بنية التربة المصرية صار مستحيلاً، وإن عددهم يقارب 10 ملايين (بما فيهم المُحبون والمؤيدون) وقال آخرون أقل، ويكفي أن نراجع شعارات بدأت تظهر بقوة بداية من انتخابات 2005 البرلمانية من مثل: “إحنا الإخوان .. الله أكبر.. أقسمنا يميناً لن نقهر”، لنعرف أن الوجدان الجمعي للجماعة كان فيه أنها لا تقهر، وهو ما سنراجع مستقبلاً أسباب عدم التحقق، وعوامل الثقة الزائدة فيه.

أما طرف المعادلة الثانية فهو الجيش الذي صمت عن بقاء “مبارك” في الحكم لمدة 30 عاماً، لأنه يراه واحداً من قياداته، بل صنماً صنعته القوات المسلحة على عينها، وتركته يتجاوز أحياناً في حقها وباسمها، وليس أوضح للتدليل على هذا ما رُوي في صحف قومية بعد الانقلاب العسكري من أن “مبارك” أثناء زيارته لوزارة الدفاع في عهد المشير “محمد حسين طنطاوي” كان الحرس الجمهوري يتسلمها من الجيش، ويضع السلاح في ظهر حتى المُجندين حراس أبراجها خوفاً من محاولة اغتيال “مبارك”، وهو ما يبرر عدم تسليم “مبارك” مصر بكاملها إلى الجيش إلا في أيام حكمه الأخيرة. وهو ما غاب عن الرئيس “محمد مرسي”، في الأحداث السابقة لـ 30 من يونيو/حزيران 2013، وعجل باستيلاء الجيش على البلاد، وكان مقدمة للانقلاب العسكري الذي تم الإعلان عنه رسمياً في 3 يوليو 2013، وإن كان قد بدأ فعلياً مع الأيام الأولي لثورة يناير 2011(1).

————————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
Close
زر الذهاب إلى الأعلى
Close