fbpx
تقديرات

مصر وحلف الناتو: أسرار التقارب ودلالاته

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد

منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى رأس الحكم فى مصر بعد الإنقلاب العسكري الذي قام به في 3 يوليو2013م، علي الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وهو يعمل علي تثبيت أركانه حكمه بالتقارب للدول الإقليمية والدولية الكبرى، فقام بتوثيق العلاقة مع روسيا، وظهر هذا جليا فى الزيارات المتعددة بين الجانبين وتقارب وجهة النظر المصريه فى العديد من القضايا الدولية مع وجهة النظر الروسية، وهذا بخلاف التدريبات العسكرية المشتركة المكثفة بين الجانبين، وصفقات السلاح الضخمة التى تم الاتفاق عليها وتوريدها إلى الجيش المصري.

وفي المقابل عمل السيسي أثناء وجود أوباما رئيسا للولايات المتحدة علي تعزيز التقارب المصري الأمريكي، عبر عشرات الزيارات رفيعة المستوى التي قام بها المسؤولون العسكريون والسياسيون الأميركيون إلى مصر، وكذلك المصريين إلى الولايات المتحدة، ومع إعلان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، نوفمبر 2016، تطلع نظام السيسي إلى زيادة التقارب، حيث يراهن على أن ترامب سيكون أكثرر تعاوناً من إدارة أوباما.

وهو ما برزت مؤشراته، خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد تولي ترامب رسميا السلطة في الولايات المتحدة، في 20 يناير 2017، ودعوته لتعزيز دور نظام السيسي، من خلال حلف شمال الأطلسي “الناتو”، حتى تم الإعلان عن اختيار مصر “ممثلاً دبلوماسياً” داخل الحلف، في 2 مارس 2017، واعتماد ذلك رسمياً في مصر بتاريخ 16 مارس 2017.

 

ويسعى هذا التقرير للإجابة على التساؤل التالي: لماذا هذا التقارب وما هي أهدافه؟ ولماذا الآن؟

أولا: حول حلف الشمال الأطلسي”نات NATO “1:

حلف شمال الأطلسي هي منظمة تأسست عام 1949م وذلك طبقًا لمعاهدة شمال الأطلسي والمعروفة باسم معاهدة واشنطن والتي تم التوقيع عليها في العاصمة الأمريكية واشنطن في 4 أبريل عام 1949م، وهناك 28 دولة عضو في الحلف، هي: إسبانيا، إستونيا، إيطاليا، ألبانيا، ألمانيا، أيسلندا، بلجيكا، بلغاريا، بولندا، البرتغال، تركيا، جمهورية التشيك، الدانمارك، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، فرنسا، كرواتيا، كندا، لاتفيا، لوكسمبرج، ليتوانيا، المجر، المملكة المتحدة، النرويج، هولندا، الولايات المتحدة، اليونان. ومقره الرئيسي في بروكسل، ولا يملك الناتو جيشه الخاص، وإنما يعتمد على مساهمات قوات دوله الأعضاء.

يتمثل الهدف الأساسي لحلف شمال الأطلسي في حماية حرية وأمن أعضائه من خلال الوسائل السياسية والعسكرية:

1- الوسائل السياسية : يدعم حلف شمال الأطلسي القيم الديمقراطية ويشجع التشاور والتعاون في قضايا الدفاع والأمن لبناء الثقة ومنع الصراع على المدى الطويل.

2- الوسائل العسكرية: يلتزم حلف شمال الأطلسي بالسعي إلى حل النزاعات بالطرق السلمية. وفي حالة فشل الجهود الدبلوماسية، يمتلك الحلف القدرة العسكرية اللازمة لخوض عمليات إدارة الأزمات. ويتم تنفيذ هذه العمليات بموجب المادة رقم 5 من معاهدة واشنطن وهي المعاهدة التي تم تأسيس الحلف بموجبها والتي تنص على “أن أي هجوم على أي عضو هو هجوم على كافة دول الحلف”.

وقد تم العمل بهذا المبدأ مرة وحيدة بعد تعرض الولايات المتحدة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ويوفر حلف شمال الأطلسي فرصة للدول الأعضاء من أجل التشاور واتخاذ القرارات بشأن القضايا الأمنية على جميع المستويات وفي مختلف المجالات. وتعبر “قرارات حلف شمال الأطلسي” عن الإرادة الجماعية للدول الثمانية والعشرين الأعضاء بالحلف مجتمعة، حيث تتخذ جميع القرارات بالإجماع. ويتوافد مئات الخبراء المدنيين والعسكريين والمسؤولين إلى مقر حلف شمال الأطلسي بصورة يومية من أجل تبادل المعلومات، وتشارك الأفكار، والمساعدة في إعداد القرارات عند الحاجة، بالتعاون مع البعثات الوطنية والعاملين في مقر الحلف.

 

ثانيا: النظام المصري والتقارب نحو الحلف:

تم اعتماد تمثيل دبلوماسي مقيم لمصر لدى الحلف وذلك لأول مرة في تاريخ الدولة المصرية2، وأصدر عبدالفتاح السيسي قراراً جمهورياً برقم 116 لسنة 2017 بإنشاء بعثة لجمهورية مصر العربية لدى منظمة حلف شمال الأطلنطي «الناتو» ونشر القرار في الجريدة الرسمية، صباح يوم الخميس الموافق 16 مارس3، ومن جانبه رحّب “ينس ستولتنبرج”، أمين عام حلف شمال الأطلسى، بقرار مصر تعيين سفيراً لها بالحلف والتعاون المشترك بين الناتو والقاهرة، مشيراً إلى أن القرار سيعزز من شكل ونوع التعاون المشترك بين الناتو والقاهرة كما يزيد من حجم التدريبات المشتركة بين الطرفين4.

وكشف مصدر دبلوماسي مصري5، أن قرار دخول مصر ممثل دبلوماسي في الناتو جاء لعدة أسباب، منها: أن الحلف سيقدم لمصر عددا من الامتيازات على رأسها مد القوات البحرية المصرية بمعدات وأسلحة جديدة وذلك لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى بحث الرؤية المصرية في الأزمة الليبية وتأمين السواحل الأوروبية بمشاركة مع مصر. كما أن التحالف بين مصر وحلف الناتو سيسمح بوجود تعاون بين دول الاتحاد الأوروبي ومصر داخل عدد من الدول الأفريقية بالإضافة إلى طرح مصر رؤى مختلفة لحل الأزمات المختلفة التى تهدد دول الاتحاد الأوروبي.

وأضاف: إن مصر في منصبها الدبلوماسي مهمتها ستكون التعاون المعلوماتي مع دول حلف الناتو وإجتماعات أمنية ثنائية بين البلدين، بالإضافة الى اجتماعات مشتركة لبحث أزمات دول الجوار، ولكن لن يكون هناك تحرك عسكري لمصر مع دول حلف الناتو، وأن دورها سيكون استشارى ومعلوماتي وحضور الاجتماعات لدول الجوار والتنسيق الأمني لتأمين السواحل والحدود، بالإضافة إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وكان حلف شمال الأطلنطى ” NATO ” قرر اعتماد سفارة بلجيكا بالقاهرة كنقطة اتصال في مصر، وذلك فى إطار الشراكة التى تجمع بين مصر والحلف الأطلنطي. وقال مصدر دبلوماسى بالناتو إن السفارة البلجيكية أصبحت تمثل الناتو ونقطة الاتصال بين السلطات المصرية والحلف ووسائل الإعلام والمجتمع المدني، وتابع المصدر نفسه “إن وجود نقطة اتصال للناتو فى مصر سيمكننا من تطوير التعاون في إطار الشراكة مع مصر وزيادة الأنشطة في هذا الشأن وبخاصة ما يتعلق بتعزيز الحوار السياسي بين الجانبين “.

 

ثالثا: علاقة مصر بحلف الناتو قبل اعتماد التمثيل الدبلوماسي:

شهدت العلاقة بين مصر وحلف الناتو تطورا ملحوظاً فى الفترة الأخيرة وخصوصاً فى العام 2016م، والربع الأول من العام الجاري 2017م، وتمثل هذا التطور فى لقاءات مكثفة بين الجانبين، وكانت اللقاءات والزيارات علي النحو التالي:

1- في 05 أبريل 2016م: التقى السيسي في القاهرة بوفد من أعضاء الجمعية البرلمانية لحلف شمال الاطلنطي برئاسة نائب رئيس الجمعية “باولو للي”، وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية السفير علاء يوسف في تصريح له : إن السيسي أكد خلال اللقاء علي أهمية تضافر جهود المجتمع الدولي من أجل التوصل إلى مقاربة شاملة لمواجهة الإرهاب، لا تقف تلك المقاربة عند حدود المواجهات العسكرية والتعاون الأمني، بل تمتد لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والدينية، فضلاً عن أهمية وقف إمداد الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح والمقاتلين الأجانب، ومواجهة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز”. وأفاد المتحدث أن السيسي شدد على أهمية التسوية السياسية للأزمة الليبية، ودعم تشكيل وإقرار حكومة الوفاق الوطني، ومساندةمؤسسات الدولة الليبية وفي مقدمتها الجيش الوطني “بقيادة حفتر” ليتمكن من بسط الأمن والنظام والاضطلاع بمهامه في مكافحة الإرهاب6

2-في 05 أبريل 2016م: إلتقى وزير الدفاع المصري صدقى صبحي في القاهرة بوفد من أعضاء الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلنطى، برئاسة السيد باولو للى نائب رئيس الجمعية، وأعرب “صدقي” عن إعتزازه بالجهود التى يقوم بها حلف شمال الأطلنطى الممتدة على الصعيدين الإقليمى والدولى ، والتنسيق والتعاون المشترك فى العديد من المجالات، لاسيما فى الجهود المبذولة للقضاء على التطرف والإرهاب ودعم الأمن والإستقرار لكافة شعوب المنطقة، حضر اللقاء الفريق محمود حجازى رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وعدد من كبار قادة القوات المسلحة المصرية7.

3- في 27 سبتمبر 2016م، التقى وزير الدفاع صدقي صبحي في القاهرة بوفد رفيع المستوى من الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلنطي، تناول اللقاء العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، وأوجه وسبل تعزيز التعاون بين القوات المسلحة المصرية وحلف شمال الأطلنطي، في ضوء تطورات الأوضاع التي تشهدها المنطقة، والجهود الإقليمية والدولية للقضاء على الإرهاب، واستعادة الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، وحضر اللقاء الفريق محمود حجازي رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وعدد من قادة القوات المسلحة8.

4- فى فبراير 2017م، قام وزير الدفاع المصري صدقي صبحي بثلاث لقاءاءات مع قيادات عسكرية لدول مشاركين فى حلف الناتو وهم وزير الدفاع الفرنسي9، ووزير الدفاع المجري10، وقائد القيادة المركزية الامريكية الأمريكي11.

5- في 22 فبراير 2017م، استقبل السفير هشام بدر مساعد وزير الخارجية المصري للشئون متعددة الأطراف والأمن الدولي السفير “اليخاندرو ألفاجونزالس” مساعد سكرتير عام حلف شمال الأطلنطي للشئون السياسية، وذلك في إطار جولة مشاورات بين الجانبين وتزامنت تلك الجولة مع إقرار تمثيل دبلوماسي لمصر لدى حلف شمال الأطلنطي12، وتناول بدر ثوابت السياسة الخارجية المصرية إزاء حلف شمال الأطلنطي وبرامج وأولويات التعاون بين الجانبين.

6- في 6 مارس 2017: إلتقى الفريق محمود حجازي رئيس أركان حرب القوات المسلحة، بالفريق “بيتر بافل” رئيس اللجنة العسكرية بحلف شمال الأطلنطي والوفد المرافق له الذي زار مصر، وخلال اللقاء أكد حجازي، مدى عمق العلاقات التي تجمع مصر و”ناتو”، لافتا إلى أن العلاقات تأتي من منطلق حرص الجانبين على التعاون المشترك، لدعم أمن واستقرار المنطقة. من جانبه، ثمّن الفريق بيتر بافل، الدور المصري المحوري والفاعل في محاربة التطرف والإرهاب، مؤكدا دعم الحلف الكامل لهذه الجهود، بما يدعم تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي اليوم نفسه، قام وزير الخارجية “سامح شكري” بزيارة العاصمة البلجيكية بروكسل، والتقى خلال زيارته بكل من الأمين العام لحلف شمال الأطلطني “ينس ستولتنبرج”، والممثلة العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية “فيدريكا موجيريني” والمفوض الأوروبي للهجرة والمواطنة والشئون الداخلية “ديميتريس أفراموبولوس”، ونائب رئيس وزراء ووزير خارجية بلجيكا “ديدييه ريندرز”.

وأيضا في 6 مارس 2017م، وفى واحدة من القاعات الرئيسة فى مبنى محدود الارتفاع، وعلى مدى يومين جرى حوار بين وفد ضم 18 من الأكاديميين والدبلوماسيين السابقين والصحفيين المصريين، وعدد من مسئولى الحلف الأطلسى، اللقاء جاء بدعوة من «الناتو» وتم بالتنسيق مع وزارة الخارجية المصرية، تركز اللقاء فى مجمله على التعاون بين الحلف ومصر ضم الوفد المصرى كلا من السفير منير زهران رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية، والسفيرة وفاء بسيم مساعد وزير الخارجية السابق، والدكتور مصطفى علوى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتورة نهى بكر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، والسفير أحمد سلامة نائب مساعد وزير الخارجية للمنظمات الأمنية والاسترايجية، فضلا عن الإعلامى خالد تليمة نائب وزير الشباب السابق، بالاضافة إلى المحلق العسكرى المصري فى بروكسل العقيد محمد رشوان13.

7- في 14 مارس 2017م، توجه وفد رفيع المستوى يضم أعضاء لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري وسفراء من وزارة الخارجية، إلى العاصمة البلجيكية بروكسل في زيارة إلى مقر حلف الـ ” NATO “، تستمر 5 أيام14.

 

رابعا: تفسيرات ودلالات تقارب نظام السيسي مع حلف الناتو:

هناك عدة تفسيرات وراء تقارب نظام السيسي مع حلف “الناتو”، منها:

1- خطوة من أجل الوصول لأخذ العضوية الكاملة:

حيث يرى البعض أن التمثيل الدبلوماسي يعتبر خطوة من أجل الوصول لأخذ العضوية الكاملة فيه، بما يؤدي بشكل تلقائي لتعزيز مكانتها السياسية في المنطقة والعالم، وسيتضح للدول أن المجتمع الدولي بلور علاقات ضرورية معها، وباتت تحظى باتفاق واسع مع عدد كبير من الدول، رغم أن بعض دول الحلف لا تتفق مع مصر في سياساتها خصوصا بعد إنقلاب 3 يوليو 2013م، لكن ذلك لم يمنع مصر من التعاون معها في المجالات الأمنية، الاقتصادية، والسياسية.

كما أن انخراط مصر في حلف الناتو سيزيد من قوة ردعها في مواجهة التحديات الامنية التي تواجهها سواء داخلية أو خارجية، ويدفعها للأخذ بعين الاعتبار أنها لن تكون وحيدة في حالة حدوث مواجهات عسكرية مع مصر مثل ما يحدث فى سيناء.

وأن انضمام مصر لحلف الناتو سيتيح لها الاطلاع على منظومات تكنولوجية متقدمة ووسائل قتالية أخرى، بما يمكنها من مواجهة التهديدات المستقبلية التي تتعرض لها، على مستوى الحروب العسكرية، أو التحديات الأمنية الآنية، كما أن التدريبات المشتركة مع الحلف ستحسن خبرة الجيش المصري، وقدرته على تفعيل قوته بشكل واسع، لأنه سيطلع على مصادر معلوماتية ووسائل عمل غير متاحة أمامه الآن.

كذلك تطمح مصر فى اقترابها من حلف الناتو لتحقيق مكانة خاصة تتعلق بصفقات السلاح، واستيراد وتصدير المعدات الأمنية والقتالية مع دول التحالف، بما يعزز من مكانتها فى المنطقة، وبالتالي يمكن القول إن اقتراب مصر من حلف الناتو، وصولا لمرحلة الانخراط الكامل فيه، والحصول على عضويته، يخدم مصالحها الاستراتيجية والسياسية والأمنية، وينطوي على الكثير من المزايا والإيجابيات.

 

2- أمن إسرائيل والأوضاع في سيناء:

مما لا شك فيه ان جميع الدول المشاركة فى الحلف تعتبر مسألة تأمين الكيان الإسرائيلي هي من أولويات الحلف، ومنذ قدوم عبدالفتاح السيسي إلى رأس الدولة المصرية وهو يقدم نفسه أنه يحمي دولة الكيان من التهديدات الأمنية التي ممكن أن تصل لها من سيناء التي تنتشر بها بعض الجماعات الإسلامية، وتقوم من حين إلى آخر بإطلاق صواريخ علي الكيان الصهيوني. وبهذا التقارب ربما أراد السيسي فرض نفسه كلاعب رئيسي لا يمكن تجاوزة عند التفكير فى قضايا أمن الكيان، وهذا مما يقوي من أركان نظامه.

ومن ناحية أخري ربما فكر السيسي في كيفية القضاء القضاء علي الجماعات المسلحة في شمال سيناء والتي بسببها يشهد الجيش المصري خسائر مباشرة وكبيرة، وهذا ما سبب له إحراج أمام الشعب وأيضا سبب حالة من الضجر داخل المؤسسة العسكرية، فبهذا التقارب يضمن السيسي أن حلف الناتو سيكون داعم له فى الفترة المقبلة، عن طريق الدعم المعلوماتي والدعم بالسلاح، بل من الممكن إن دعت الحاجة لنشر قوات للحلف داخل سيناء، من أجل القضاء علي تنظيم الدولة، وسيكون نظام السيسي مرحباً بتلك الخطوة، التي سيراها الناتو خطوة من أجل تأمين الكيان الصهيوني ، ويراها السيسي انه سيجعل من سيناء منطقة أكثر أمانا ويخف الضغط علي نظامه بسبب الأوضاع فى سيناء، وظهر هذا علي لسان وزير خارجية السيسي “سامح شكري” فى أول تصريح له بعد صدور قرار السيسي بالمشاركة حيث قال: إن تمثيل مصر في حلف الناتو سيعزز من سبل مكافحة الإرهاب؛ عن طريق توفير «الناتو» للإمكانيات الداعمة للأجهزة المصرية في مواجهة العمليات الإرهابية والهجرة غير الشرعية.

 

3- الناتو والدور المصري تجاه ليبيا:

منذ قيام اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” بعملية الكرامة فى ليبيا وهو يحظي بكافة أشكال الدعم من نظام السيسي الذي يري أن ما يحدث فى ليبيا هو امتدادا لما حدث في مصر في 3يوليو2013م وإبعاد الإسلاميين من الحكم، وكذلك يحظي حفتر بدعم قوي من دولة روسا الإتحادية التي شهدت العلاقات بينها وبين مصر فى الفترة الأخيرة تطور ملحوظ، ولم يقف الدعم المصري فقط علي لقاءات أو زيارات أو دعم مالي وإمداد قوات حفتر بالسلاح، بل قام الجيش المصري بعمليات عسكرية فى الداخل الليبي15.

بل ووافقت الدولة المصرية علي وجود قوات روسية علي أراضيها فى الغرب وتحديدا بمنطقة سيدي براني، لتقديم الدعم لقوات حفتر، وهذا ما كان يتم نفية من الدولة المصرية، وكان الثوار الليبيبن يؤكدون تلك المعلومات في كل مرة وكان آخر التأكيدات ما قاله ثوار بني غازي، ويراقب حلف الناتو عن كثب الأوضاع في ليبيا بشكل دقيق وهذا ما تناولة تقرير مجلة «كاونتر بانش» الأمريكية16. والنوايا الصريحة لدى حلف الناتو لتدخل موسع بغرض محاربة تنظيم الدولة الإسلامية ظاهريًا، إلا أنه يكشف عن وجود بعض النوايا الأخرى للدول الأوروبية وراء هذا السعي الحثيث للتدخل في الشأن الليبي.

وربما جاء التقارب بين مصر وبين حلف الناتو الذي يراقب الأوضاع عن كثب في ليبيا، ومن المحتمل أن يكون له دور عسكري قريب فى الداخل الليبي، من أجل تنسيق الأمور بين مصر والحلف وعند تنفيذ مصر لأية عمليات عسكرية جديدة داخل ليبيا تكون مبررة كونها تربطها علاقة بحلف الناتو وليست تقوم بعمليات من أجل أغراض فردية.

 

4- استفزاز روسيا:

يعمل السيسي دائما علي اللعب علي المتناقضات في علاقته مع الدول، فنري السيسي فى علاقتة بالسعودية وقبل التوتر الأخير يقوم بالإشتراك معها في التحالف العربي فى حرب اليمن، وفي نفس الوقت يقوم بفتح علاقات مع الحوثيين، ويتبني السيسي سياسة مغايرة تماما للسياسة السعودية في سوريا، ويقوم بتدريب الجيش العراقي الذي يحظي بدعم ايراني، وأيضا فى ظل التقارب الشديد بين نظام السيسي والدولة الروسية يعمل بشتي الطرق علي جعل العلاقات بينه وبين أمريكا فى أفضل مستواها وخصوصا بعد مجيء ترامب رئيسا للولايات المتحدة، ثم يوسع علاقاته مع حلف “ناتو” الذي جاء تكوينه كرد فعل على توحد قوات الاتحاد السوفيتي في منطقة شرق أوروبا، لشعور الدول الأوروبية الغربية باحتمال وقوع هجوم سوفيتي قريب عليها قامت هذه الدول بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الحيلولة دون وقوع هذا. ورد الاتحاد السوفيتي في عام 1955 بإنشاء حلف وارسو، حتى أن جميع الدول الأوروبية تقريبًا كانت تتواجد في إحدى هذين الحلفين.

وعلاقة روسيا بالحلف تاريخيا ليست علي مايرام وبداية العلاقات الودية بين الجانبين كانت يوم 20 ديسمبر 1991، عندما تم افتتاح مجلس تعاون حلف شمال الأطلسي بمشاركة 25 دولة منها 16 دولة من أعضاء الحلف، بالإضافة لدول أخرى بينها روسيا، في صيف عام 2008، توترت العلاقات بين الجانبين بسبب الحرب بين روسيا، وجورجيا. فقد أدان حلف شمال الأطلسي قيام روسيا بالاعتراف بأوستيا الجنوبية وأبخازيا كدولتين مستقلتين عن جورجيا. وتوترت العلاقات أكثر في مايو 2009، عندما طرد حلف شمال الأطلسي اثنين من الدبلوماسيين الروس بسبب اتهامات بالتجسس.

وارتفعت الحرارة أكثر مع إعلان حلف شمال الأطلسي نيته لإجراء مناورات عسكرية في جورجيا، وايضا أحداث أوكرانيا سببت توتر كبير في العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، الخلافات نشبت مرة أخرى في أعقاب قيام الثورة السورية عام2011 ففي الوقت الذي قامت الولايات المتحدة ودول أوروبية منتمية لحلف الأطلسي بدعم بعض الفصائل المعارضة المسلحة التي تصفها بالمعتدلة، وقفت روسيا بجوار حليفها التاريخي بشار الأسد ونظامه. ويعلم السيسي تاريخ العلاقة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وربما أراد السيسي ان يكسب مزيدا من الدعم الروسي لنظامه فعمل علي التقارب مع الناتو من أجل مزيدا من المكاسب المصرية من الجانب الروسي.

 

5- تحسين صورة الدولة المصرية والحفاظ علي بقاء النظام:

تفسير آخر يقوم على أنه ربما أراد السيسي بهذا التقارب مع الحلف الذي يضم 28 دولة معظمهم من الدول المؤثرة في المشهد العالمي تعزيز صورة الدولة المصرية بعد إنقلاب 3يوليو2013م، ولاسيما فى مجال حقوق الإنسان الذي بإستمرار تنتقض مصر من دول الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة بسبب أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، والمبرر الوحيد لمصر أنها تقول بإنها تواجه تهديدا إرهابيا جوهريا ولا ينبغي أن يكون الحكم عليها بحسب المعايير الغربية، وأيضا ربما عمل السيسي على التقارب مع الحلف في ذلك الوقت بسبب ان نظامه لم يستقر داخليا وخارجيا إلى الآن بل هناك حالة من السخط الشعبي علي نظامه بسبب سوء الأحوال المعيشية، وبتقارب السيسي من الحلف، وفي حال أصبحت مصر عضوا بالحلف، واستناداً لنص المادة رقم 5 للحلف، يتمني السيسي ان يكون الحلف نصير له أذا تأزمت الأمور داخلياً أو خارجياً.

 

6ـ أن التوسع إجراء تقليدي للحلف:

يرى البعض أن تعيين ممثل دبلوماسي لمصر في الحلف، هو إجراء تقليدي، في ظل سياسة الحلف في التوسع، وأن مصر ليست الدولة الوحيدة أو الجديدة في ذلك في المنطقة، فقد أصبحت الدولة السابعة بعد كل من الجزائر، “إسرائيل”، الأردن، موريتانيا، المغرب وتونس. وينطلق الحوار بين الناتو ودول المتوسط من مفهوم إرتباط أمن أوروبا بشكل وثيق بأمن واستقرار منطقة المتوسط، الأمر الذي تبلور بين الطرفين عام 1994، حيث يجمع حالياً، ويعد هذا الحوار دلالة على تأقلم ناتو مع أجواء ما بعد الحرب الباردة، كما أنه يشكل عنصراً هاماً في سياسة الانفتاح والتعاون التي ينتهجها الحلف في هذه المرحلة من تاريخه.

ويهدف الحوار بين ناتو ودول المتوسط (ناتو + 6)، ثم الآن (ناتو + 7) بعد تمثيل مصر دبلوماسياً في الحلف إلى المساهمة في أمن واستقرار المنطقة، والتوصل إلى تفاهم متبادل بين الأطراف المتحاورة، وتحسين صورة الحلف لدى شركاءه في هذا الحوار.

كمالايركز الحلف في حواره مع شركائه المتوسطين على البعد الثنائي (ناتو + 1)، ولكنه يعمد إلى عقد لقاءات دورية متعددة الأطراف (ناتو + 7)، ويتعامل الحلف مع شركائه في هذا الحوار وفق نفس القواعد، وبدون أي تمييز، حيث تتمتع الدول الشريكة بالحرية التامة في تحديد مستوى مشاركتها في اللقاءات ووضع برامج التعاون الثنائي الخاصة بها، وبالتالي لا تتمتع أى من هذه الأطراف بمزايا مقارنة بغيرها، فكلها مجرد شركاء في الدعم اللوجيستي والفني في حوض المتوسط، لمواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة.

 

خلاصة:

مع هذا التعدد في التفسيرات، تأتي أهمية التأكيد على أنها كلها صالحة للتطبيق، ولكن المؤكد هو الدور الوظيفي لمصر في الاستراتيجيات الأمنية الدولية في المنطقة، وأن النظام العسكرى الحاكم في مصر يراهن على أهمية ومكانة الدور المصري، والجيش المصري في القيام بهذا الدور بغض النظر عن توافقه أو تعارضه مع المصالح الوطنية المصرية، فقط إلا بما يخدم استقرار واستمرار النظام.17.

————————————-

الهامش

(1) ما هو حلف شمال الأطلسي؟، الموقع الرسمي للحلف على شبكة الإنترنت الرابط

(2) مصر تدخل مرحلة جديدة من الشراكة مع الناتو بعد إقرار تمثيلها الدبلوماسي بالحلف، الرابط

(3)قرار جمهوري بإنشاء بعثة لمصر لدي منظمة حلف شمال الأطلنطي، الرابط

(4)”الناتو” مرحبا بقرار مصر تعيين سفيراً لها بالحلف: يعزز التعاون المشترك، الرابط

(5) تفاصيل دخول مصر كممثل دبلوماسي في الناتو، الرابط

(6) السيسي يلتقي وفد الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلنطي، موقع فلسطين اليوم، الرابط

(7) وزير الدفاع يلتقي وفد من الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلنطي، موقع أخبار مصر، الرابط

(8) وزير الدفاع يلتقي وفدا رفيع المستوى من الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلنطي، موقع الوطن، الرابط

(9) وزير الدفاع والإنتاج الحربى ورئيس أركان حرب القوات المسلحة يلتقيان قائد القيادة المركزية الأمريكية، ، الرابط

(10) صبحى يلتقى وزير الدفاع الفرنسى جان إيف لودريان بأسوان، الرابط

(11) استقبال رسمى لوزير الدفاع بالمجر ومباحثات عسكرية رفيعة المستوى بين البلدين، الرابط

(12) مساعد وزير الخارجية يسقبل مساعد سكرتير عام حلف شمال الأطلنطي، الرابط

(13) الشروق تقضى 48 ساعة فى عقر دار الناتو، الرابط

(14) وفد برلمانى يزور مقر حلف الناتو، الرابط

(15)مناطق التوتر: التدخلات العسكرية الخارجية المصرية، الرابط

(16)الطريق إلى التدخل العسكري.. من يسيطر على البنك المركزي في ليبيا؟، الرابط

(17) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close