fbpx
عسكريقلم وميدان

مصير الضباط في عهد السيسي: إما منسي أو عشماوي

عشماوي لم ولن يكن الأخير

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

ضابط الصاعقة “رائد بالمعاش” هشام علي عشماوي مسعد، أصبح حديث الساعة في الفضائيات والصحف المصرية والعربية وبعض الصحف الغربية بعد إلقاء القبض عليه يوم الإثنين الموافق 08 أكتوبر 2018م، من قبل القوات التابعة لخليفة حفتر في مدينة درنه الليبية ومعه مرعي زغيبة “مطلوب ليبي” وبهاء على “مصري الجنسية “[1]. وقد كان معتقلا سابق بالسجون المصرية وقت حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.[2]

ومنذ أكتوبر 2018، لم يكن معلوماً مصير هشام عشماوي، وانقطعت الأخبار المتعلقة به هو ورفيقة بهاء على، والمرجح أنه تم ترحيله لعدة دول كانت تريد التحقيق بشكل مباشر مع “عشماوي”. حتى أعلن يوم الثلاثاء الموافق 28 مايو 2019م، عن تسليم هشام عشماوي للسلطات المصرية من القوات الموالية للواء الليبي خليفة حفتر. وقالت مصادر رسمية مصرية إن الاتفاق على إجراءات تسليم “عشماوي” للسلطات المصرية جاء خلال زيارة اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات المصرية، إلى ليبيا التقى خلالها بخليفة حفتر.[3]

وأظهر مقطع فيديو لحظة هبوط الطائرة العسكرية في مطار القاهرة، التي كان على متنها عشماوي، برفقة عدد من عناصر القوات التابعة لجهاز المخابرات العامة. ووضعت عصابة على عيني عشماوي وسماعة على أذنيه لمنعه من مشاهدة وسماع ما يدور حوله. وبسرعة وتحت حراسة مشددة، تم اقتياده مكبلا، في سيارة خاصة إلى أحد المقرات الأمنية.[4]

البعض يرى أن هشام عشماوي سلك الطريق الخاطئ الذي يُحتم علي ضابط جيش متميز مثله عدم الخوض فيه، حتى لو كان يختلف مع سياسات قيادات المؤسسة العسكرية.

والبعض الآخر يرى أن هشام عشماوي نموذج فريد من نوعه، ضحي بكل الامتيازات التي يتحصل عليها ضباط الجيش المصري، واختار أن يكون في صفوف فئة أخرى، لن تعطيه هذه الامتيازات التي كان يتحصل عليها عندما كان منتمياً للجيش المصري، تلك الفئة التي كانت وما زالت ترغب في التغيير الذي كان قريب المنال بعد ثورة 2011م، ولكن انقلبت علية المؤسسة العسكرية في يوليو 2013م.

عن هشام عشماوي:

هشام على عشماوي مسعد مواليد عام 1979، تخرج من الكلية الحربية عام 1999م، وهو من سكان الحي العاشر بمدينة نصر، متزوج من الدكتورة نسرين حسن سيد علي تعمل مدرس مساعد بجامعة عين شمس، وتدرج “عشماوي” في الخدمة العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة رائد بسلاح الصاعقة، وكان “عشماوي” ضابطا مميزاً وحصل علي فرقة السيل في الولايات المتحدة الأمريكية وخدم في سيناء لعدة سنوات وكان خبير بالدروب والمسالك الصحراوية وقيل انه في عام 2006م، ظهر عليه بعض الأفكار والميول الدينية، وتم التحقيق معه من قبل جهاز المخابرات الحربية أكثر من مرة، وخرج “عشماي” على المعاش عام ٢٠١٢ برتبة رائد على خلفية أسباب طبية أشيع وقتها داخل الجيش المصري أنها أسباب نفسية طرأت علي “عشماي” بعد وفاة والدة لا كما تتداول الكثير من الصحف أنه خرج مفصولا من الخدمة.

ولهذا السبب أصبح “عشماوي” يمتلك كارنيه القوات المسلحة، ولو كان تم فصل “عشماوي” من الخدمة لتم سلبه كل حقوقه وامتيازاته العسكرية، والتي منها حق حملة الكارنيه العسكري.

بعد خروج هشام من الخدمة بدأ مباشرة رحلته في عالم الجماعات الجهادية ضمن صفوف جماعة أنصار بيت المقدس، وكان قد سبقه زميليه النقيب بسلاح الصاعقة عماد عبد الحميد والذي أحيل للعمل المدني بقرار جمهوري لدواعي أمنية، إثر اعتناقه للفكر الجهادي، والرائد بهيئة التنظيم والإدارة “وليد بدر” وهو من مركز قويسنا بمحافظة المنوفية، وفُصل من الخدمة العسكرية عام ٢٠٠٥ لميوله الدينية، وشارك بالقتال في أفغانستان والشام. وبتاريخ ٢١/٧/٢٠١٥ أعلن “عشماوي” عن نفسه كأمير لجماعة “المرابطين”، تتبع فكر القاعدة.

وقد دشَّن هشام عشماوي وعماد عبد الحميد ووليد بدر أبرز عمليات جماعة الأنصار، حيث شارك هشام وعماد بالتخطيط، بينما استهدف “وليد بدر” بسيارته المفخخة موكب وزير الداخلية اللواء “محمد إبراهيم” في سبتمبر ٢٠١٣ عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة بشهر واحد.

ثم في مارس ٢٠١٤ تولى “هشام عشماوي” مسؤولية خلايا جماعة أنصار بيت المقدس بالوادي، كما قرر فتح جبهة جديدة بالصحراء الغربية ضد نظام السيسي، وأثناء الإعداد لذلك حدث اشتباك مطلع يونيو ٢٠١٤ بين مجموعة من الجماعة ودورية جيش بالفرافرة قتُل خلاله ٥ من عناصر الجيش، ثم أسس “عشماوي” لاحقا معسكرا بالواحات بلغ عدد المتواجدين به ٤٠ عنصرا. ومن ثم شنوا انطلاقا من المعسكر عملياتهم، فهاجموا سرية تابعة لحرس الحدود بالفرافرة وأبادوها بالكامل في يوليو ٢٠١٤.

وبتاريخ ٢١/٧/٢٠١٥ أعلن “عشماوي” عن نفسه كأمير لجماعة “المرابطين”، ومن بعد ذلك التاريخ قيل أن عشماوي يتواجد في مدينة درنه الليبية، وكان يرافقه أيضا عماد عبد الحميد، حتي قرر “عماد” العودة مرة ثانية إلى مصر في أواخر عام 2016م، ومعه بضعة أفراد من المقاتلين، وظلوا متواجدين بالصحراء الغربية حتي أكتوبر من عام 2017م، ذلك الوقت الذي تمكن فيه “عماد” والمجموعة التي معه من نصب كمين محكم لقوات النخبة في وزارة الداخلية، وقتلوا 55 عنصراً من عناصر الشرطة المصرية، لكن بعد أيام من تنفيذ العملية قامت القوات الجوية المصرية برصد “عماد” والمجموعة التي معه وقاموا بقصفهم وتم إعلان مقتل “عماد” وأغلبية المجموعة التي كانت معه.[5]

السيسي وهشام عشماوي:

كعادته منذ أن كان وزيراً للدفاع يحرص السيسي على حضور الندوات التثقيفية التي تنظمها الشئون المعنوية لأفراد وضباط الجيش، وعادة ما يرافقه القادة العسكريون، قادة العسكر وعدد من الوزراء والإعلامين ورجال الدين.

وكانت الندوة ال 29 والتي انعقدت يوم الخميس الموافق 11 أكتوبر 2018م بمشاركة وزير الدفاع الحالي الفريق أول محمد ذكي ورئيس الأركان الحالي الفريق محمد فريد حجازي وجميع قادة الأفرع الرئيسية بالقوات المسلحة المصرية، والمشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق.[6]

ألقى السيسي خلال الندوة كلمة ركز فيها علي حرب أكتوبر 1973م، وربط بين الأجواء التي شهدتها مصر في وقت حرب أكتوبر والأيام الحالية التي تشهدها مصر، حتى يوصل الرسالة الهامة التي أراد أن يرسلها خلال كلمته، وهي أن معركة الجيش المصري لم تنتهِ وما زالت مستمرة ولكن بمفردات مختلفة، وحاول أن يظهر الاختلاف بين حرب 1973 و “معركة اليوم” على حد وصفه.

وبناء على ما جاء على لسان السيسي فإن العدو في حرب أكتوبر كان واضحاً، بينما عدو “الدولة المصرية” الآن غير واضح، متابعاً: “بقي معانا وجوانا واستطاعوا بالفكر إنشاء عدو جوانا بيعيش بأكلنا ويتبنى بهدمنا”. وهو يشير هنا للإسلام السياسي والذي يصفه السيسي بأنه فكر متطرف، ويحاول السيسي منذ الانقلاب غرس هذا في عقيدة الجيش المصري بأن الإسلام السياسي هو عدو الدولة المصرية.

لم يغفل السيسي عن إرسال رسالة لقادة المؤسسة العسكرية كعادته في الندوات التثقيفية، ولأن هذه الندوة جاءت بعد اعتقال رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق الفريق سامي عنان. حرص السيسي على التأكيد أن المؤسسة العسكرية يجب أن تكون متحدة حتى لا تدخل البلاد في نفق مُظلم، وأضاف السيسي كما جاء على لسانه “الكتلة الصلبة داخل الجيش يجب أن تكون متماسكة ومتفهمه جيداً للتحديات التي تواجه مصر”.

قبل انتهاء السيسي من كلمته أشار إلى الحدث المهم الذي وقع قبل 72 ساعة من بدء وقائع الندوة التثقيفية ال 29، وهو القبض على ضابط الصاعقة هشام عشماوي؛ إذ أكد السيسي كما جاء على لسانه: “هناك فارق كبير بين هشام عشماوي والبطل أحمد المنسي”، وأضاف: “ده إنسان وده إنسان، وده ضابط وده ضابط، والاثنين كانوا في وحدة واحدة، الفرق بينهم إن حد منهم اتلخبط وممكن يكون خان، والتاني استمر على العهد والفهم الحقيقي لمقتضيات الحفاظ على الدولة المصرية وأهل مصر بنصقفلوا، والتاني عاوزينه علشان نحاسبه”.

وبعد الإعلان عن وصول هشام عشماوي مباشرة إلى القاهرة، كان السيسي على الموعد ليرى الشعب المصري مدى أهمية ذلك الحدث الذي يعتبره انتصار شخصي له ولنظامه، فكتب السيسي على صفحته الرسمية على الفيس بوك “تحية إجلال وتقدير وتعظيم لرجال مصر البواسل الذين كانوا دائماً صقوراً تنقض على كل من تُسوِّل له نفسه إرهاب المصريين. فهؤلاء الأبطال لا يخافون في الحق لومة لائم، وقد أقسموا على حفظ الوطن وسلامة أراضيه. تحيةً وسلاماً على مَن كان الدرع وقت الدفاع وكان السيف وقت الهجوم. وأؤكد أن الحرب ضد الإرهاب لم تنتهي ولن تنتهي قبل أن نسترجع حق كل شهيد مات فداءً لأجل الوطن. عاشت مصر برجالها”.[7]

إما منسي أو عشماوي:

يعلم السيسي أن عشماوي كان ضابطاً متميزاً وكان “قدوة” داخل سلاح الصاعقة، وكان زميلاً لأحمد منسي ضابط الصاعقة، الذي قُتل على يد الجماعات المسلحة في شمال سيناء، لذلك لم يتحدث عنه بأي كلام سيء بل وصفه خلال كلمته في الندوة التثقيفية ال29 بالضابط، ولكنه أراد أن يقول للضباط إن “عشماوي” نموذج غير حميد وأن من سيسير على نهجه ستكون تلك نهايته، لذلك حرص على تشبيهه “بالخائن” وأنه سيحاكم وسيأخذ عقابه، اما وصف منسي بالضابط البطل الذي يجب على الضباط ان يسيروا على نهجة، ويضحوا بأنفسهم مثل ما فعل للحفاظ علي الدولة المصرية.

سياسات السيسي الخاطئة من بعد 03 يوليو 2013م، أدت إلى ما تشهده الساحة المصرية الآن من مواجهات واشتباكات خاصة في محافظة شمال سيناء، ويقع على إثر تلك الاشتباكات العديد من القتلى من المسلحين ومن ضباط الجيش أيضاً. وبسبب تلك السياسات الخاطئة لجأ العديد من الأفراد العسكريين والمدنيين إلى مواجهة النظام عن طريق حمل السلاح.

وذلك بسبب غلق كل الطرق الدستورية والقانونية، أمام من يطالبون بالتغير من داخل وخارج القوات المسلحة ومثال على ذلك ما فعله السيسي برئيس الأركان الأسبق الفريق سامي عنان وقائد قوات الدفاع الجوي الأسبق الفريق أحمد شفيق والعقيد أحمد قنصوه.  ونتيجة لذلك أصبح هناك ضباطا أرغموا علي حمل السلاح، لتصحيح مسار المؤسسة العسكرية.

إن المحصلة النهائية لسياسات السيسي بأن من سيكون بين صفوف قواته إما سُيقتل كما قُتل الضابط أحمد منسي والضابط خالد مغربي والضابط رامي حسنين والضابط عادل رجائي، والمئات غيرهم علي يد الجماعات المسلحة التي ازداد نشاطها بسبب قمع السيسي للحريات وقتله للأبرياء

وأن من سيخرج علي السيسي ستكون نهايته القتل أيضا أو الاعتقال كالضابط عماد عبد الحميد والضابط هشام عشماوي، علي يد قوات النظام، ولكن في نهاية الأمر فإن استمرار نظام عبد الفتاح السيسي سيجعل هناك دائما خسائر في صفوف الضباط المتميزين داخل الجيش المصري بصفة مستمرة، سواء المؤيدين لسياسات السيسي، والذين قُتل منهم المئات منذ يوليو 2013، أو المعارضين الذي قُتل منهم البعض واعتقل البعض الآخر.

إن المؤسسة العسكرية مثلها مثل كل المؤسسات والهيئات يتواجد بداخلها أشخاص تختلف طبائعهم ونفوسهم ومبادئهم وأيدولوجياتهم، وخلال العقود السبع الماضية كانت تتواجد أصوات داخل المؤسسة العسكرية تحاول أن تصحح المسار الذي تحيد عنه المؤسسة العسكرية في بعض الفترات بسبب سياسات من يتولى قيادة الدولة وقتها، ولعل الفريق سعد الدين الشاذلي والفريق الجمسي واللواء أبو غزالة والمشير أحمد بدوي، كانوا أمثلة على ذلك. وفي أثناء اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2001م، شارك بعض الضباط في الثورة كوسيلة من وسائل التغيير السلمي والذي أصبح متاحاً في وقت الثورة، ذلك التغيير الذي يريدونه داخل الجيش المصري وعلي مستوي الدولة المصرية ككل، ولكن بعد قيام السيسي بالانقلاب على الثورة المصرية ومبادئها في 03 يوليو 2013م، وقام بالتكييل بكل من ينتهج سياسة معارضة له ولنظامه من داخل المؤسسة العسكرية ومن المعارضين السياسيين، وأغلق كل السبل والطرق لإحداث تغيير بشكل سلمي “دستوري وقانوني”  فإن ذلك  سيرغم المطالبين والمحاولين للتغيير داخل المؤسسة العسكرية، إلى اللجوء إلى أساليب أكثر خشونة لتحقيق التغيير المطلوب الذي يريدونه، ولذلك لم ولن يكون هشام عشماوي الأخير. وخاصة بعد أن أعلن رأس هذا النظام أنه على من يرغب في التغيير فعليه أن يتخلص منه أولاً [8].


الهامش

[1] القبض على هشام عشماوي، أبرز المطلوبين للسلطات المصرية، في ليبيا، بي بي سي تاريخ النشر 08 أكتوبر 2018م، تاريخ الدخول 10 أكتوبر 2018م، الرابط

[2] بالفيديو.. لحظة اعتقال هشام عشماوي في ليبيا، الجزيرة نت، تاريخ النشر 08 أكتوبر 2018م، تاريخ الدخول 29 مايو 2019م، الرابط

[3] هشام عشماوي: قوات حفتر تسلِّم مصر أحد أهم المطلوبين المُدانين بالإرهاب، بي بي سي، تاريخ النشر 28 مايو 2019م، تاريخ الدخول 29 مايو 2019م، الرابط

[4] بالفيديو.. لحظة وصول هشام عشماوي إلى مطار القاهرة، سكاي نيوز، الرابط

[5] كيف تصنع انقلاباً داخل المؤسسة العسكرية؟، المعهد المصري للدراسات، الرابط

[6] فعاليات الندوة التثقيفية الـ 29 للقوات المسلحة بحضور الرئيس السيسي بمركز المنارة – الجزء الأول، الرابط

[7] الصفحة الرسمية لعبد الفتاح السيسي على الفيس بوك، الرابط

[8] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close