fbpx
تقارير

مفهوم الجامعة الإسلامية في الفكر السياسي: قراءة مقارنة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

ملخص

ناقشنا في هذا البحث مفهوم الجامعة الإسلامية ذلك المفهوم الذي يمثل تياراً إصلاحياً دينياً وفكرياً وسياسياً أبصر أصحابه مشكلات العالم الإسلامي آنذاك ، وعملوا على معالجتها وذلك بالدعوة إلى الإصلاح السياسي والعقائدي، وتوحيد المسلمين تحت راية إسلامية واحدة ومشروع إسلامي جامع، وبينا الخلفية التاريخية لهذا المصطلح، فهو وإن تزامن ظهوره مع عصر الهيمنة الاستعمارية وتفكك الدولة العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، إلا أنه لا يمنع، كما يرى البعض، أن نعود به قبل هذا العصر؛ إذ إن الجامعة الإسلامية كفكرة سبقت معناها الاصطلاحي بقرون، مستدلين على ذلك بعصر النبوة، وكيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في تأكيد واضح على وحدة الأمة الإسلامية ووحدة غايتها وأهدافها، كما اتضح كيف تلاقت أفكار الجامعة الإسلامية ورائدها الإمام المجدد جمال الدين الأفغاني مع أفكار السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، وكيف حاول السلطان الاستفادة من أفكار الجامعة لتقوية نفوذه وتوحيد العالم الإسلامي تحت مظلة خلافته، وانتهينا إلى ضرورة وجود تكتل عربي إسلامي جامع، يدرك التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية الآن، ويعمل على معالجتها بمشرط جراح، بحيث يوازن بين متطلبات الحداثة وآليات التقدم الغربي  وبين ثوابتنا الإسلامية وقيمنا الروحية.

مقدمة

كانت للهيمنة الاستعمارية على كثير من بلدان العالم الإسلامي في أواخر القرن الثامن عشر، وما تبع ذلك من ضعف وتفكك الدولة العثمانية وعجزها عن مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية التي تحيط بها، أثر في ظهور أيديولوجيات سياسية وتيارات فكرية، انقسمت حولها الآراء وتفرقت في تبنيها وتلقفها الشعوب والأحزاب والجماعات، ومن أهم الأفكار التي ظهرت في هذه الفترة، ولاقت صداً وقبولاً واسعاً بين شعوب العالم الإسلامي آنذاك فكرة أو تيار الجامعة الإسلامية.

فقد ظهر مفهوم ومصطلح الجامعة الإسلامية في الربع الأخير من  القرن التاسع عشر ونهاية القرن العشرين وتحديداً في عهد السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، وذلك ليدعو  إلى الوحدة والترابط روحياً وسياسياً واقتصادياً، بين شعوب العالم الإسلامي، وليكن مفهوما مُنَاهِضًا للاستعمار الغربي الذي سيطر على الأمة الإسلامية خلال القرن التاسع عشر، وتعود فكرة الجامعة الإسلامية الى المفكر الاسلامي الكبير جمال الدين الأفغاني فبعد أن لمس الداء المتمثل في الاستبداد السياسي وسيطرة الغرب الاستعماري على مقدرات البلاد والعباد، رأى أن الدواء هو إنشاء جامعة إسلامية تتوحد الشعوب الإسلامية تحت رايتها من جهة، وتعمل على تقوية مركز الخلافة العثمانية في مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية الكبيرة التي تحيط بها من جهة أخرى.

أولاً: مفهوم الجامعة الإسلامية

الجامعة الإسلامية هي الرابطة التي تجمع أبناء الأمة، وهي الصيغة التي سعت لإحياء الوعي وتحفيز التعاون بينهم  تأسيسا على نصوص الوحي والسنة النبوية، فقد قال الله تعالى ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا.. آل عمران (103) ﴾ فمنذ بعثة النبي صل الله عليه وسلم، بزغت فكرة التوحيد والاعتصام بين الأقطار الإسلامية على أساس ديني وسياسي معًا، وانطلاقًا من الأمر الرباني واعتصموا كان لزامًا على كل المسلمين أن يتوحدوا ويعتصموا، ثم يؤسسوا عقودا اجتماعية وسياسية مع غير المسلمين لتحقيق التعايش وفق قواعد معلومة مثلما فعل الرسول في دستور المدينة، والاعتصام هنا جاء بصيغة الأمر؛ لبيان أهمية التوحد ومعرفة عواقب الفرقة والتشرذم وعدم الالتفاف حول مفهوم واحد أو كيان جامع، وقد تبلورت فكرة الوحدة الإسلامية على أساس ديني في موقف  النبي من العصبية القبلية: (دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ [1]، فالعصبية هي أساس كل شر والنعرات العرقية سبب كل بلاء، وقد أكد ذلك النبي صل الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة ومنها: (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصبِيَّةٍ. رواه أبو داود)[2].

 كما وقد تَجَلَّتْ فكرة الوحدة تحت راية الإسلام في المؤاخاة بين الأوس والخزرج بعد الهجرة، وعبر بناء نظام اجتماعي يتسم بالعدالة والمساواة، وجاءت من بعدها فكرة الخلافة الإسلامية الراشدة  حيث تمسك الخلفاء الراشدين بمبدأ وحدة وجماعة الأمة، وظهر اثر  ذلك في حروب الردة *[3] التي خاضها سيدنا أبو بكر الصديق ضد المرتدين عن الدين الإسلامي، بل منهم من استشهد لترسيخ فكرة وحدة الأمة وتضامنها مثل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه في أحداث الفتنة الكبرى*[4]، والحسين دفاعاً عن الحق في الخلافة، وهذا يدل على أهمية التمسك بفكرة الوحدة والجماعة للأمة الإسلامية، بل هى من المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية، وفقدانها يؤسس لملك  جبرى عضوض كما في الحديث،  فقد روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ مُلْكًا عاضًّا، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ . ثم سكت . . .).[5]

وقد رأى السنهوري وجود دول إسلامية مستقلة عن دولة الخلافة في تاريخنا الإسلامي في بعض العصور، ومع ذلك فإن هذه الدول لم تكن توجد بينها وبين دولة الخلافة علاقات تعاون على أساس المساواة بينها وبين دولة الخلافة العظمی، لأن ذلك كان يقتضي الاعتراف بانفصالها وتهديداً لمبدأ وحدة الأمة الإسلامية الذي كان يعني في نظرهم وحدة دولة الخلافة، وعليه فقد كانت دولة الخلافة العظمى هي الممثل الوحيد لوحدة الأمة وكانت تتمتع بنفوذ أدبي وديني بل وسياسي على شعوب الدول الإسلامية، بما فيها الشعوب التي كانت خاضعة لدولة منفصلة أو مستقلة[6].، وفهم ذلك يستلزم الوعي بطبيعة الكيانات السياسية ومنطقها وتعقيدات العلاقة بينها قبل بروز الدول القومية في القرن السابع عشر ثم قبل تشكل النظام الدولي الذي تشكل في مطلع القرن العشرين مع عصبة الأمم.

 وانطلاقًا من هذا المبدأ فإن دولة الخلافة العثمانية حافظت على النفوذ العقائدي والسياسي على جميع  شعوب الأمة الإسلامية بما فيها تلك التي خضعت لاحتلال دولة أجنبية استعمارية وذلك في عصور الاحتلال الأوروبي لدول العالم الإسلامي، وهذا النفوذ المعنوي كان يعطي لدولة الخلافة قيمة خاصة استفادت منها الدولة العثمانية في صراعها مع دول الاستعمار الأوروبي حتى في أحوال ضعفها، واستنادًا إلى هذه المكانة بدأ السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بطرح فكرة الجامعة الإسلامية بشكلها العصري بما يتناسب مع المُتغيرات الجديدة التي طرأت على العلاقة بين العالم الإسلامي والقوى الغربية، ثم النظام العالمي[7]، وبناءً على ذلك نستطيع القول: إن الشعوب الإسلامية – تاسيساً على روابطها الإيمانية وعاطفتها الدينية – متى توافر لها القيادة الحكيمة والمنهج الإسلامي السليم ، فإنها توحد صفوفها، وتجمع شتات أمرها ولا تُمكن منها عدوها ، وقد كان مشروع الجامعة الإسلامية في عهد السلطان عبدالحميد خير مثال، فقد كان أحد هذه الجهود التاريخية لجمع الصف وتوحيد الكلمة، ويعد مفهوم الجامعة الإسلامية حديث التداول في الفكر العربي الإسلامي حيث لا نجده ضمن المصطلحات المتداولة في القرن التاسع عشر مثل الأخوة الإسلامية  بشكل عام والوحدة الإسلامية على وجه الخصوص التي كانت المفاهيم الأكثر شيوعا وانتشارًا، كذلك يستخدم مصطلح الجامعة الإسلامية بمعان متداخلة والبعض يساوي بين المفاهيم سابقة الذكر في حين أن البعض الآخر يفرق بينهما على أساس أن الجامعة هي سبيل الوحدة، وهذا يدل على عدم استقرار وتثبيت تعريفات هذين الاصطلاحين نتيجة تفاوت اراء ووجهة نظر المؤرخين والمفكرين[8].

وقد أخذت تعريفات الجامعة الإسلامية  تتطور متماشية مع تطور الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بالمجتمع الإسلامي والفهم المتجدد لها ودورها فكانت تعريفات جل المؤرخين وعلماء السياسة تجمع بين الجانب الفكري والجانب السياسي، فحصل نوع من الإجماع على اعتبار أن  الجامعة الإسلامية: “تعني في الأساس ذلك التيار الفكري والسياسي الذي أبصر قادته وأنصاره أن هناك عددًا من التحديات التي تواجه الفكر الإسلامي والشعوب والأمم الإسلامية سواء أكانت تلك التحديات آتية من داخل العالم الإسلامي كالتخلف الفكري والروحي والانحدار الحضاري والصراعات السياسية والقبلية، أم آتية من الخارج في شكل المد الاستعماري الإمبريالي الذي زحف من أوروبا على الشرق وخاصة في أوائل القرن التاسع عشر [9]، وعليه يمكن اعتبار أن  الجامعة الإسلامية حركة سياسية ودينية، ذات منظور إصلاحي، وقضية فكرية وثقافية هدفت إلى ربط الشعوب الإسلامية والملل المختلفة والأقوام المتعددة برابطة وحدة الأمة الإسلامية، لتكون جبهة متحدة ضد الأخطار الخارجية الموجهة إليها، وليست نزعة دينية متعصبة ضد الأقليات أو غير المسلمين المقيمين على أراضيها، إنما رابطة إسلامية من أجل بناء مدنية وحضارة إنسانية، تحتضن التنوع والعرقيات المختلفة في إطار الشريعة والمنهج الإسلامي المتسامح القادرة على التأثير والعطاء الحضاري.

ثانياً: الخلفية التاريخية للجامعة الإسلامية

تجدر الاشارة هنا  أن هناك فرقا بين  الجامعة الإسلامية، كمصطلح وحركة سياسية ودينية لم تظهر إلا في نهاية القرن التاسع عشر وتحديدا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876_1909م)،  بغرض توحيد العالم الإسلامي في مواجهة المد الغربي الاستعماري، وبين الجامعة الإسلامية كفكرة سابقة بقرون على هذا التاريخ، فبعض المفكرين  يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من طبقها كفكرة  حينما آخى بين المهاجرين والأنصار بعد هجرته إلى  يثرب “المدينة المنورة”  فقد قام بغرسها وتنميتها بين المسلمين كافة نظرا لإدراكه  مدى أهميتها في تاريخ المجتمع الإسلامي ثم أخذت تتطور وتتفرع عبر القرون المتلاحقة[10] .

بينما يرى البعض الآخر أن ظهورها الأول كان بظهور الحركات الإصلاحية التي تبنتها نخبة من المفكرين والتي كانت بمثابة أولى الحركات الكبرى التي ميزت القرن الثامن عشر من خلال تأثيرها في المرحلة الانتقالية الممهدة لليقظة الإسلامية والتي استهدفت إصلاح أوضاع المسلمين بالدرجة الأولى من مختلف مظاهر الفساد والانحلال التي مست مختلف المجالات بالإضافة إلى محاولة إيقاظهم من السبات العميق الذي كانوا فيه فضلا عن جمع كلمتهم لمواجهة المد الاستعماري، كما اتخذت  بعض تلك الحركات في بداية مسارها طابعا دينيا محضًا فكانت الحركة السلفية (الوهابية) التي تنسب إلى مؤسسها محمد بن عبد الوهاب أول رد فعل ديني على مفاسد المجتمع الإسلامي، فقد مثلت في نظر البعض مصدر إلهام بالنسبة للحركات والدعوات الإسلامية خلال القرن التاسع عشر، حيث كانت مثالًا للثورة التي أقيمت ضد فساد المجتمع وبالتالي يمكن اعتبارها تيار فكري وسياسي يندرج تحت شعار الجامعة الإسلامية من خلال تلك الدعوة التي تبثها، وقد دعت تلك الحركة إلى تنقية عقيدة المسلمين من مختلف الشوائب التي علقت بها نتيجة مختلف الطقوس التي كانت تمارسها الطرق الصوفية والمنافية تماما لمبدأ الإسلام، كما دعت لاعتبار المصدر الوحيد للعقيدة والمتمثل في الكتاب والسنة[11] .

في حين أن الحركة الإصلاحية الإسلامية في مصر من محمد عبده حتى رشيد رضا، كانت لهم آراء مختلفة حول الحركة الوهابية وطرق الإصلاح وجمع الأمة الإسلامية، حيث انتقد محمد عبده الوهابيين وروحهم الدينية؛ لأنهم يتعارضون مع الأهداف الفكرية والاجتماعية للحداثة الإسلامية، وعبر عن ذلك معللا بقوله ” لم يكونوا أصدقاء للعلم والحضارة”[12]، ومن ناحية أخرى كان تلميذه محمد رشيد رضا مدافعًا قويًا عن الوهابيين ودافع عن إعادة تأهيلهم في العالم الإسلامي وتحالف مع آل سعود والحركة الوهابية[13]، فأصبح مسار جدل عن تسييسه في محيط قَبَلي لا يطمح لممارسة أثر أبعد ولا تمتع بمكانة في أقطار كثيرة.

   وترى بعض الكتابات أن الحركة السنوسية التي أسسها محمد بن علي السنوسي امتداد للحركة السلفية وبذلك كانت حركة إصلاحية تعمل تحت شعار الجامعة الإسلامية، ورغم النشاط الذي قامت به هذه الحركات في سبيل إعادة المسلمين إلى مقاصد الإسلام، والمجهودات التي بذلتها في سبيل تحقيق الجامعة الإسلامية وإن كانت لم تصرح بها علنا لكنها لم تتمكن من تحقيق النجاح لكونها لم تتجاوز نطاق بيئتها الإقليمية بدورها كالوهابية [14].

ثالثاً: الجامعة الإسلامية في الفقه السياسي الإسلامي

تندرج الجامعة الإسلامية كمصطلح في الفقه السياسي الإسلامي ضمن طرق توحيد الأمة الإسلامية لمواجهة خطر كبير يداهمها، فكان أهم هذه الأخطار هو خطر الاستعمار للعديد من الأقطار الإسلامية خلال القرن التاسع عشر، فكانت الجامعة الإسلامية أحدى المشاريع السياسية الإصلاحية لجمال الدين الأفغاني والتي ارتكزت على الدعوة إلى توحيد العالم الإسلامي في كتلة واحدة تحت مظلة الخلافة العثمانية، وتطهير الإسلام مما لحق به من البدع والخرافات والعودة به إلى أصوله الأولى، لاقت هذه الفكرة هوى في نفس عبد الحميد الثاني سلطان الدولة العثمانية التي كانت تعاني في هذه الفترة، من مشاكل داخلية و أخطار خارجية، أهمها اعتداءات الدول الأوروبية المتزايدة على ممتلكات الدولة العثمانية، وتأييدها للحركات الانفصالية والثورات الداخلية التي انفجرت في أنحاء الدولة العثمانية آنذاك. وبناء على ذلك أعلن السلطان العثماني عبدالحميد الثاني تبنيه لفكرة الجامعة الإسلامية حاملا على عاتقه تحويلها من مجرد دعوات وأفكار نظرية إلى وقائع وأحداث عملية آملأ أن يساعده ذلك على إنقاذ الدولة العثمانية والسلطنة العلية من الواقع الأليم والمستقبل المظلم الذي كان يحف ارجاءها.

تلاقت دعوة الأفغاني مع دعوة السلطان عبد الحميد الثاني للجامعة الإسلامية فقد كان كلاهما يدعو إلى توحيد كلمة المسلمين تحت ظل الخلافة العثمانية ويعلق عليها الآمال في حماية العالم الإسلامي من ضربات الاستعمار ومخططات الصهيونية، وأيضًا ومواجهة مخططات التقسيم ودعاة التغريب والطائفية، فالجماعة الإسلامية حركة إصلاحية بالدرجة الأولى في نظر جمال الدين الأفغاني، سعى من خلالها إلى إصلاح أوضاع المسلمين فكرياً وسياسياً فكان تبنيه لتلك الحركة ينطلق من الأصول الإسلامية والاستفادة من العلوم الأوروبية الحديثة في حدود الشريعة الإسلامية حيث حث المسلمين على ضرورة الاقتداء بتعاليم الإسلام الصحيحة التي عرفت إهمالا من قبلهم أمام تسرب الأفكار الأوروبية التي أخذت تتغلغل في الأوساط الإسلامية دون تحفظ، وأيد هذه الفكرة السياسية الإصلاحية أحد أعلام الفكر الإصلاحي السياسي الحديث الأمام محمد عبده، حيث أيد الشيخ محمد عبده فكرة الجامعة الإسلامية ودعا إلى حماية الدولة العثمانية من القوى الغربية، وكان محمد عبده يرى أن تفكيك الدولة العثمانية يؤدي إلى تمهيد الطريق أمام الغرب الأوروبي للسيطرة على العالم الإسلامي، وكذلك كان مصطفى كامل من بين الذين كرسوا جهودهم لتجسيد الجامعة الإسلامية فقد رفع شعارها وناضل تحت رايتها وعمل على تشجيع العلاقات المصرية العثمانية وقد عبر عن ذلك في رده على المستشرق الإنجليزي( بلنت) الذي دعا العرب إلى القومية العربية بدلًا من الخلافة٨تحت راية العثمانيين، فكان رد مصطفى كامل “نحن نود أن تكون قوة متحالفة للدولة العثمانية ننصرها وتنصرنا ونعتز بها” [15].

فإذا كان الأفغاني ورفاقه قد دعوا إلى وحدة إسلامية شاملة تحت زعامة الدولة العثمانية، بهدف تقوية مركز الخلافة العثمانية في مواجهة أعدائها، فإن الكواكبي دعا إلى الإصلاح  الداخلي ومحاربة الاستبداد ورفض دعوات الهيمنة والحكم الشمولي باسم الدين، كما هاجم سياسة التتريك  وتهميش العنصر العربي في الدولة العثمانية وتعرض لها بالنقد والتجريح، مطالباً بالحريات السياسية والحكومات الدستورية، وتفعيل مبدأ الشورى كأساس لحكم الدولة العثمانية، ووضع عبدالرحمن الكواكبي أحد أهم رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر في كتابه «أم القرى» كل القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية، من خلال عرضه لتصور تخيلي عن جمعية يحضرها العلماء من كل الدول الإسلامية، ويبدأون في تحليل أسباب الضعف التي واجهت الأمة الإسلامية، واستقروا في النهاية على تسميتها بـ «الفتور العام»، وعرض كلٌ منهم تصوره للحلول المناسبة لكل القضايا والمشاكل التي تواجه الأمة الإسلامية، وفي نهاية الكتاب يتفقون على إنشاء جمعية تكون مسئوليتها البدء في تنفيذ الحلول في الواقع[16]، ففريق الأفغاني يرى الضمانة السياسية لمواجهة الخطر هو وحدة الأمة متمثلة في مشروع الجامعة الإسلامية، في حين يري الكواكبي أن التخلص من هذه الأخطار يكمن في مواجهة الاستبداد السياسي والبدء في الإصلاح السياسي. 

وفي الفترة السياسية المعاصرة وقعت الأمة العربية بداية من منتصف القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر بين شقي الرحى ما بين داع إلى قومية عربية تؤمن بالعروبة كعقيدة ناتجة عن تراث مشترك على أساس واحد من اللغة والثقافة والتاريخ ولا تتقيد بعرق أو دين، وبين تيارات وجماعات إسلامية دعت إلى وحدة جامعة ولكن على أساس ديني محض وراءه أن رابطة الدين فوق جميع روابط العروبة واللغة والتاريخ والجغرافيا، ومن هنا ظهرت الفجوة الفكرية، وتبادل الاتهامات بالتخلف والرجعية بين الفريقين، ووقعت معارك شديدة، فاقت في حدتها ما بذلاه من معارك ضد المستعمر نفسه، لم يستفيد منها سوى أعداء هذه الأمة والمتربصين بها، ومع تسليمنا بأن هناك خلافاً فكرياً بين التيارين الإسلامي والقومي، أولهما يرى الإسلام أيدلوجية سياسية ذات وظيفة تتمثل في بناء الأمة والحفاظ على وحدتها اعتمادًا على روابط الدين ومبادئه المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وغيرها من مصادر التشريع الإسلامي، في حين يرى التيار الآخر أن اعتبارات مثل الجنس والعرق واللغة والتاريخ  والجغرافيا تصلح لتُكون أمة عربية واحدة دون النظر لمعيار الدين والمبادئ والأحكام المستمدة منه، إلا أن وجود هذا الخلاف كما ذكرنا من قبل لا يمنع أن هناك روافد مشتركة بين التيارين يمكن أن يبني عليها لتأسيس رؤية واحدة جامعة تبنى ولا تهدم وتجمع ولا تفرق.

فالإسلام لا يمانع  إذا ما انتسب أحد ما لوطنه أن يفخر بقومه وأهله بل إن القرآن الكريم تناول ووضح أن انقسام الناس إلى شعوب وقبائل لحكمة وغاية، فقال الله عزوجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  …..الحجرات-13 ﴾، ولا يمنع الإسلام كذلك أن ينتسب الإنسان إلى الوطن الذي يعيش فيه ولا لوم عليه إذا أحبه  لأنه وطنه الذي آواه واحتضنه فإن تلك الأمور كلها لا حرج فيها وواقع تعيشه البشرية كلها وقد حن النبي صلى الله عليه وسلم الي مكة بلده ووطنه وفضلها وميزها على غيرها من الأماكن والاوطان، وهكذا نرى أن الإسلام لايحارب القومية لذاتها ولا يعادي أفكارها ورجالها، وعلى الجانب الآخر يجب على أنصار أفكار الوحدة الإسلامية والمساندين دعوات عودة الخلافة الإسلامية أن يكفوا النظر عن القومية كأداة استعمارية أو أفكار ماسونية، بل يعملون على إذابة هذه الدعوات داخل قومية إسلامية عملية متسامحة مع الجميع معاصرة للواقع، فالمتتبع لنشأة حركة القومية العربية يعلم أنها كانت رد فعل على عجز الدولة العثمانية عن مجابهة الاستعمار الغربى، والاتجاه نحو التتريك، ومن ثم بحث العرب عن مخرج لأزمة الدولة العثمانية يحافظ على بقاء الخلافة الإسلامية ويمنع تسلط الأجانب عليه.

وإذا ما نظرنا في أهداف الجامعة الإسلامية  السياسية من وجهة نظر السلطان عبدالحميد الثاني، نجد أننا بحاجة إلى تحقيقها في واقعنا المعاصر؛ وذلك لأننا أصبحنا نعاني  مثل هذه التحديات اليوم، فلا يخفى على أحد ما تقاسية الأمة الإسلامية اليوم من تخلف حضاري، وغزو فكري، وتشرذم وتفكك، وأنظمة استبدادية، وغياب كل أشكال الممارسات الديمقراطية، مما يجعلنا بحاجة إلى أن نعيد صياغة هذه الفكرة بحبكة عصرية تلائم بين متطلبات ومستجدات واقعنا المعاصر وبين ثوابتنا الإسلامية.

رابعاً: الجامعة الإسلامية في الفكر  السياسي الغربي

شكلت حركة الجامعة الإسلامية التي تزعمها الأفغاني وتبناها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني خطرًا حقيقيًا على مصالح الدول الاستعمارية الأوروبية وخططها المستقبلية فيما يتعلق ببسط السيطرة ومد النفوذ، ولذلك تنادى رجال السياسة الأوروبية الذين كانت لهم مكانتهم في تاريخ الاستعمار الأوروبي آنذاك إلى ضرورة مهاجمتها ومحاولة تشويهها فقد لعبت الصحافة الأوروبية دوراً فَعَّالاً في تأجيج الرأي العام الأوربي ضد هذه الحركة، وساهمت في تكوين جبهات غربية اتفقت جميعها على ضرورة القضاء على فكرة الجامعة الإسلامية قبل أن  يتوسع خطرها ويزداد تأثيرها، وإذا ما نظرنا إلى موقف بريطانيا أكبر الدول الاستعمارية آنذاك ستجد أنها قد تبنت موقفاً مُتَوَازِنًا في بداية الحركة اعتماداً على سياستها التقليدية في هذه الفترة، التي كان من أساسها استمالة السلطان العثماني والحفاظ على كيان الدولة العثمانية لتقف حاجزاً في وجه الأطماع الروسية، وعدم إثارة مسلمي الهند المرتبطين بالخلافة ضد الحكم البريطاني، إلا أنها أنها سرعان ما استشعرت خطر نجاح حركة الجامعة الإسلامية على مصالحها الاستعمارية وخططت للقضاء عليها.

 ولعل أبرز من مثّل بريطانيا في هذا الأمر هو اللورد كرومر المعتمد السامي في مصر (1838_1907) فقد عمل على تأليب الدول الأوربية على الجامعة الإسلامية وحرص على تشويهها وبيان خطرها في تقاريره السنوية، حيث كانت الجامعة الإسلامية طبقا لوجهة النظر الأوربية تهدف إلى بث البغضاء والتشاحن والحزبية والطائفية العرقية والدينية بين شعوب العالم الإسلامي، كما كانت ترى أنها تقوم على إحياء مبادئ قديمة بالية لا تتفق مع دعوات الحداثة والتقدم ولا تتفق مع المعايير الأوربية للحقوق والحريات، وعليه دعت أوروبا إلى دعم الأفكار المناهضة لشمولية وعالمية الإسلام، وسعت إلى استمالة بعض المفكرين والمصلحين لتكوين جبهة رفض عربية ذات بعد قومي ضد أفكار الجامعة الإسلامية، كما عملت على تشجيع الحركات الانفصالية والثورات والدعوات القومية التي قامت ضد الدولة العثمانية مستهدفة من ذلك قيام حركة قومية ذات بعد انفصالي تصلح كبديل لفكرة الجامعة الإسلامية[17].

ومع بدء انهيار الدولة العثمانية إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، ومع سيطرة الاستعمار الأوروبي على العديد من بلدان العالم الإسلامي، حدث فراغ كبير في النظام السياسي للعالم الإسلامي، وبدأ عقد راية الخلافة العثمانية ينفرط، فكان على كل دولة قطرية أن تواجه هذا الفراغ السياسي والاستعمار وحدها بعد انهيار دولة الخلافة التي كانت تمثل وحدة العالم الإسلامي ورمز التضامن بين الشعوب الإسلامية، فمن هنا لعبت الدول الأوروبية دورًا مُهِمًّا في استغلال هذا الفراغ السياسي، وقامت بتشجيع الدول العربية التي حصلت على استقلالها بإنشاء جامعة الدول العربية، لتكون بديلًا شَكْلِيًّا عن الخلافة، وظهر ذلك في عدة تصريحات لأنتوني إيدن وزير خارجية بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية من أجل كسب ود العرب، فقال في أحد التصريحات بأن بريطانيا لا تمانع في قيام أي اتحاد عربي بين الدول العربية، ومن هنا بدأ الدعم الأوروبي للقومية العربية وكذلك القومية التركية، لتكون أفكار هاشة وشكلية غير قادرة على توحيد الشعوب الإسلامية.[18]

في حين رأى بعض المفكرين ومنهم الفقيه عبد الرزاق السنهوري أن الجامعة العربية من الممكن أن تكون بداية للمحافظة على التضامن الإسلامي، دون إثارة المعارضة التي تبديها الدول الاستعمارية، وتحول دون إعادة بناء دولة إسلامية عظمى موحدة، كما رأي أيضًا أن الجامعة العربية يمكن أن تكون امتداد لكيان أوسع من خلال الدعوة إلى إنشاء منظمة دولية مثل الدول الإسلامية المستقلة المتعددة، وأطلق عليها اسم عصبة الأمم الشرقية، تكون قادرة على تطبيق مفهوم الأمة عقائديًا وسياسيًا بالتدرج وبرؤية عصرية[19]، إن الفكرة التي دعا إليها السنهوري يمكن القول بأنها تحققت بإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة التضامن الإسلامي، وأيضًا الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وفروعها المختلفة، كنوع من التدرج الفكري لبناء عصبة إسلامية وأمة موحدة.

مما لا شك فيه أن فكرة القومية التي دعمها الغرب بقوة في مواجهة الجامعة الإسلامية، تتعارض كليًا أو جزئيًا مع المبادىء الأساسية لفكرة الجامعة الإسلامية، وذلك لأن القومية بالمفهوم الغربي تدعو إلى التعصب والانتصار لفكرة أو عرق واحد دون النظر إلى ما دون ذلك، فالقومية وفق هذا المفهوم حركة سياسية فكرية متعصبة، تدعو إلى تمجيد العرب، وإقامة دولة موحدة لهم، على أساس من رابطة الدم واللغة والتاريخ، وإحلالها محل رابطة الدين.[20] وهي صدى للفكر القومي الذي سبق أن ظهر في أوروبا، ورأى البعض أن مبدأ القومية يتعارض مع أحكام الإسلام تأسيسا على الحديث الشريف لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل فعلى الرغم من كونه عربيًا قرشيًا لم يدعو إلى عصبية أو قومية قبيلية إطلاقًا، فالشريعة الغراء التي أُرسل بها كانت وما زالت وستظل تُعطي الأفضلية للبشر على أساس التقوى والعمل الصالح وهذا هو المقياس الوحيد الذي يُقيم به الناس.

لكن مع تفكك الدول الإسلامية ومأزق القومية العربية مع تصاعد الليبرالية الاقتصادية والعولمة دفع القوى السياسية القومية والإسلامي لتأسيس دوائر حوار لتنسيق الجهود فبرزت جولات متتالية من الحوار القومي الاسلامي في التسعينيات من القرن العشرين ومع مطلع الألفية حتى عصف الربيع بها، وبدلا من توظيف التقارب في توحيد الصفوف النضالية نحو تغيير سياسي تنازع القوم حتى قويت شوكة الثورة المضاد، من هنا تأتي أهمية دعم وتطوير فكرة الجامعة الإسلامية برؤية عصرية حضارية، حيث تَهْدِف الجامعة ومثل هذه الأفكار  إلى عدم الارتكان إلى أي قومية من القوميات بل تدعم مبدأ الترابط والوحدة بين الأمة الإسلامية. لتكون هذه الوحدة قادرة على مواجهة أفكار الغرب التي تدعو إلى تفتيت المفتت وصناعة الأزمة، فهذه الوحدة قادرة أيضًا على مواجهة التحديات السياسية الداخلية المتمثلة في الاستبداد السياسي ودولة الفرد.

خاتمة

سيظل الجدل الفكري يدور حول مناهج الإصلاح وقضايا التجديد، في عالمنا الإسلامي إلى أن تصل الجهود المبذولة في هذا الميدان إلى غايتها المنشودة، وهي الخروج من آثار الاستعمار الذي فتت وحدته من خلال حدود مصطنعة وأفكار قومية وتعليم يتسم بالجمود والتأخر، ولكن الواقع يشير إلى أن مجتمعات أمتنا لا تزال تكافح من أجل الخروج من هذا الجمود والتأخر،  بدأ هذا الكفاح ضد المستعمر فظهرت فكرة الجامعة الإسلامية تواجه هذا الخطر بشكل جماعي نابع من وحدة الأمة، ومع ظهور الخطر الصهيوني على أوطان الأمة ومقدساتها، ظهرت أفكار فردية لمواجهة هذا الخطر الصهيوني وحماية أرض فلسطين على سبيل المثال: منظمة المؤتمر الإسلامي التي تم تدشينها رسمياً في القمة الإسلامية بالرباط سنة ١٩٦٩م، وكانت ردًا على إحراق الصهاينة للمسجد الأقصى، وكان أهم أهداف المنظمة تتمثل في تعزيز الوحدة والتضامن الإسلامي بين الدول الإسلامية ودعم كفاح الدول الإسلامية في سبيل الحفاظ على استقلالها  ومواجهة الاستعمار  ومخططات الصهيونية.

ومع ظهور الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل داعش وغيرها، بالإضافة إلى هيمنة النظم السياسية الاستبدادية في عالمنا الإسلامي والعربي، أصبحنا مطالبين بالبحث عن شكل آخر من أشكال الوحدة، يخلق توازناً بين تيارين أو اتجاهين كلاهما يمكن أن يؤدي دوراً مشتركا مع التيار الآخر، وهو وحدة عربية إسلامية مشتركة توازن بين ثوابت الإسلام ومقتضيات العروبة؛ فكونها عربية من حيث إنها تجمع الدول العربية طبق ميثاق جديد يخول لمجموع الدول العربية حق الدخول في ارتباط إسلامي لا يمس أصحاب الملل والنحل المختلفة في شيء بل يحفظ لها حقوقهم في مجموع الدول الإسلامية، وإسلامية؛ إذ إنها تحافظ على مبادئ الإسلام وقيم المجتمع المسلم وتقف ضد دعوات التغريب والانحراف الفكري والعقائدي، فإذا ما اتحدت الأفكار وتحقق الاستقلال السياسي والمادي، والتفوق العسكري اللازم للدفاع عن الوطن ومقدراته، وصلح الاقتصاد، ونشطت الحركة الثقافية والأديبة، فعندها يكون قد حققنا الثمرة والغاية التي سعى لها المصلحون والمخلصون من أبناء هذه الأمة العظيمة.

استخلاصات عملية للاستفادة:

1ـ توسيع مفهوم الجامعة الإسلامية والانتقال به من مجرد مصطلح تاريخي، مرتبط بحركة معينة وزمن معين، إلى معنى أوسع واشمل يضم كل الأفكار والتيارات التي تدعو إلى الوحدة والترابط والتعاون بين شعوب العالم الإسلامي.

2ـ توضيح ان مفهوم الجامعة الإسلامية لا يعني إقصاء أو تهميش غيره من أصحاب الملل والمذاهب والقوميات الأخرى، فتعدد الأديان والقوميات ليس ظاهرة جديدة أو طارئة في تاريخنا المشترك، فقد كان التعدد والاختلاف والاختلاط ميزة استفادت منها الأمة عبر التاريخ.

3ـ العلم به يُحارب الاستبداد، وبه يعرف كل فرد قيمة الحياة ومعنى إرادة النفس وحرية الوجدان، فمن العلم الحقيقي يأتي الفكر، ومن الفكر يأتي جيل من المفكرين المخلصين، القادرين على وضع الآليات لمواجهة أفكار الغرب، وكذلك وضع الأفكار القادرة على توحيد الأمة ومحاربة التخلف والاستبداد.

4ـ إحاطة الجاليات الإسلامية المنتشرة في بقاع العالم بالعناية والمساندة والدعم وتسليط الضوء على قضاياهم حتى حتى يتعاظم تأثيرهم ودورهم في تلك البلاد فيحسنوا خدمة قضايا العالم الإسلامي في شتى المجالات والمحافل.

5ـ وضع آليه واقعية لتسهيل التعاون والعمل المشترك بين دول العالم الإسلامي بما  يصب في النهاية الي خدمة مصالحة ومنافعة.

6ـ دعم الدورات والندوات ومراكز الفكر والسياسية التي من شأنها رفع الوعي السياسي والديني لشباب الأمة، مع محاولة تفعيل مخرجات وتوصيات هذه المؤتمرات والندوات على أرض الواقع.

______________

مراجع للاستزادة

1ـ (مسلم)- مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري أبو الحسين (ت. 261هــ): صحيح مسلم كتاب البر والصلة والأداب، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1991م.

2ـ أبو داود (ت 275 هـ): سنن أبي داود- كتاب الأدب، تحقيق: تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون، ج7، دار الرسالة، دمشق، ط1، 2009م.

3ـ (الطبري)، أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت- 310هــ): تاريخ الطبري- تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط1، د_ت.

4ـ (التبريزي)، محمد بن عبد الله الخطيب العمري، أبو عبد الله، ولي الدين، التبريزي (ت- 741هـ): مشكاة المصابيح، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1985م.

5ـ (ابن حجر العسقلاني)، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن أحمد الكناني العسقلاني (ت- 852هـــ): فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب، ج15، دار الريان، القاهرة، ط1، 1983م. 

6ـ عبد الرزاق أحمد السنهوري: فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، تحقيق: توفيق محمد الشاوي؛ نادية عبد الرزاق السنهوري، دار الرسالة ناشرون، بيروت، ط4، 2000م.

7ـ عبد الرحمن الكواكبي: أم القرى، المطبعة المصرية بالأزهر، مصر، 1931م.

8ـ علي محمد الصلابي: السلطان عبد الحميد الثاني وفكرة الجامعة الإسلامية وأسباب زوال الخلافة العثمانية، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 2002م.

9ـ محمد حرب: السلطان عبد الحميد الثاني أخر السلاطين العثمانيين الكبار، دار القلم، دمشق، ط1 ،1990م.

10ـ محمد رشيد رضا: الوهابيون والحجاز، دار المنار للنشر، القاهرة، 2009.

11ـ محمد عمارة: الجامعة الإسلامية والفكرة القومية نموذج مصطفى كامل، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1994م.

12ـ مصطفي كامل: المسألة الشرقية، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014.


الهامش

[1]– (مسلم) مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري أبو الحسين (ت. 261هــ):  صحيح مسلم كتاب البر والصلة والأداب  (62 /2584، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، ج1،  دار الكتب العلمية، بيروت ، ط1، 1991م، ص 1999.

[2] – (أبو داود) أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني (ت 275 هـ): سنن أبي داود- كتاب الأدب حديث رقم 5121، تحقيق: تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون، ج7، دار الرسالة، دمشق ، ط1، 2009م، ص 441.

[3]* – هي حروب وقعت في أواخر العام العاشر الهجري بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبداية عهد سيدنا أبو بكر الصديق، حيث شهدت دولة الإسلام حركة ارتداد على الإسلام كدين وحكم المدينة كقوة سياسية، فمن العرب من منع الزكاة، ومنهم من ادعى النبوة. للمزيد عن أحداث الردة وموقف سيدنا أبو بكر  رضي الله عنه منها ينظر: ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن أحمد الكناني العسقلاني (ت- 852هـــ):  فتح= الباري شرح صحيح البخاري ، تحقيق: محب الدين الخطيب، دار الريان، القاهرة، ط1، 1983م، ج15، ص ص 3302-309.

[4]* – الفتنة الكبرى، فتنة قتل عثمان بن عفان، وفتنة قتال علي بن أبي طالب معاوية رضي الله عنهما، معركة الجمل وصفين والتحكيم، خلافة الحسن وتنازله لمعاوية بن سفيان 41هـ. ينظر: الطبري – أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت- 310هــ): تاريخ الطبري- تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط1، د_ت، 4/438.

[5] – التبريزي – محمد بن عبد الله الخطيب العمري، أبو عبد الله، ولي الدين، التبريزي (ت- 741هـ): مشكاة المصابيح، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1985م، حديث رقم 5306.

[6]– عبدالرزاق أحمد السنهوري: فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، تحقيق: توفيق محمد الشاوي؛ نادية عبدالرزاق السنهوري، دار الرسالة ناشرون، بيروت، ط4، 2000م، ص21.

[7] – عبدالرزاق أحمد السنهوري: فقه الخلافة، المرجع السابق، ص ص 21-22.

[8]– فاطمة الزهراء رحماني: الجامعة الإسلامية بين السيد جمال الدين الأفغاني والسلطان عبدالحميد الثاني أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، رسالة ماجستير،قسم العلوم الإنسانية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الدكتور يحي فارس بالمدية، الجزائر، 2015م، ص 9.

[9] – محمد عمارة: الجامعة الإسلامية والفكرة القومية نموذج مصطفى كامل، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1994م، ص 50.

[10] – فاطمة الزهراء رحماني:  الجامعة الإسلامية، المرجع السابق، ص 12.

[11]– فاطمة الزهراء رحماني : المرجع السابق، ص 13.

[12] – هنري لوزيير: صناعة السلفية – الإصلاح الإسلامي في القرن العشرين، ترجمة: أسامة عباس – عمرو بسيوني، دار الروافد الثقافية، بيروت، ط1، 2018م،  ص ص 62-64.

[13] – للمزيد عن علاقة الشيخ رشيد رضا بالحركة الوهابية ينطر: محمد رشيد رضا: الوهابيون و الحجاز، دار المنار للنشر، القاهرة، 2009.

[14] – فاطمة الزهراء رحماني : المرجع السابق، ص ص 13- 14.

[15] – مصطفي كامل: المسألة الشرقية، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014، ص ص19-20.

[16] – عبدالرحمن الكواكبي: أم القرى، المطبعة المصرية بالأزهر، مصر، 1931م.

[17]–  للاستزادة حول هذا الموضوع ينظر: رفيق العظم: الجامعة الإسلامية وأوروبا،مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2012.

[18] – نجدة فتحي صفوة: من نافذة السفارة : العرب فى ضوء الوثائق البريطانية، رياض الريس للطبع والنشر، لندن، ط1، 1992، ص ص 29- 35.

[19] – عبدالرزاق أحمد السنهوري: فقه الخلافة، المرجع السابق، ص ص394-396.

[20] – أحمد زكريا الشلق: الجامعة الإسلامية والقومية المصرية، حولية كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، العدد العاشر، جامعة قطر، 1987، ص ص 269- 272.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close