fbpx
الحركات الإسلاميةكتب إليكترونية

الجزء الرابع : الإخوان والتنظيمات السرية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

ليس لدى الإخوان المسلمين أية تنظيمات سرية أو النية لعمل تنظيمات تعمل تحت الأرض بعيدا عن الأعين فليس هذا من منهاجهم أو توجههم فضلا عن أن العمل السري يضر بالعمل الدعوى.

فأما أن التنظيمات السرية لا تتفق ومنهج الإخوان ،فذلك واضح من خلال حركتهم ونشاطاتهم في مجالات كثيرة ومتعددة عبر العقود الأخيرة، كما أن لافتاتهم وملصقاتهم موضوعة في كل مكان من أرض مصر شاهدة على أنهم يعملون فى وضح النهار وأنهم موجودون وسط الميدان يعيشون مع الناس ويمتزجون بهم ويشاركونهم أفراحهم وأتراحهم.

ولا يستطيع أحد أن ينكر دورهم أن ينكر دورهم في مجلس الشعب عامي 84،87 وتكوينهم لتكتل نيابي باسم جماعة الإخوان المسلمين وكيف أنهم أثروا الحياة النيابية بأفكارهم وآرائهم وتوجيهاتهم في كل الاتجاهات السياسة والاقتصادية والاجتماعية ولذلك كان لمجلس الشعب في هذين الفصلين التشريعين مكانته ونصيبه في اهتمامات الناس.

فلماذا بعد كل هذا يلجأ الإخوان لعمل تنظيمات سرية؟

وأما أن التنظيمات السرية تضر بالعمل الدعوى فهذا يرجع إلى أن التنظيمات السرية تعمل في الظلام والظلام بطبيعته يستحيل معه – مهما كانت القيادة نشطة وواعية ومتحركة وجادة – متابعة كل الأفراد (خاصة إذا كان عددهم عظيما) من حيث العقيدة والأفكار والسلوكيات والأخلاق ومدى مطابقة هذا من عدمه مع العقيدة الصحيحة والأفكار الأصيلة للدعوة والسلوكيات والأخلاق الأساسية للإسلام.

ولأن الإخوان المسلمين ينتمون إلى أهل السنة والجماعة ويعتبرون أنفسهم جماعة من المسلمين فإن عقيدتهم وفكرتهم من حيث النقاء والأصالة لا تشوبها شائبة كما أن مناهجهم واضحة ومتميزة من حيث اعتمادها على الكتاب والسنة والفهم الصحيح الذى أجمع عليه أهل العلم الثقات، وبالتالي فهم حريصون على ألا تشوه دعوتهم من قبل فرد أو مجموعة ومخافة أن تنحرف الدعوة عن مسارها الأصلي، ينبذ الإخوان المسلمون العمل السري ويرونه خطرا على دعوتهم وعلى أفرادهم.

غير أن بعض الكتاب من غير المنصفين يحاول الآن وبشكل مبتسر إيهام الرأي العام بأن جماعة الإخوان صاحبة تاريخ عريق في التنظيمات السرية وأعمال الاغتيالات. الخ مستشهدين ببعض الأعمال الفردية التي انزلق إليها أفراد من النظام الخاص فى الأربعينات والتي أدانتها قيادة الإخوان في حينها.

ومن الحق والإنصاف القول بأن ظروف مصر في الأربعينات ومطلع الخمسينات من القرن الماضي اقتضت أن يشكل الإخوان – كغيرهم من لجماعات الوطنية في ذلك الوقت – نظاما من بعض الأفراد المحبين للتضحية والاستشهاد للقيام بعمليات جهادية ضد المحتل الإنجليزي الغاصب الذي كان جاثما على صدر مصر وأيضا عصابات صهيون التي كانت ولا تزل تعربد بكل الوحشية والإجرام فى أرض فلسطين،وقد أدى هذا النظام الخاص دوره على أروع ما يكون الأداء حيث شهدت ضفاف القناة وثرى أرض فلسطين بطولات خارقة وأعمالا استشهادية فذة للإخوان المسلمين يفخر به كل غيور على بلاده، وقد انتهى النظام الخاص بانتهاء مسببات قيامه منذ أمثر من أربعين سنة ولم يعد له وجود إلا الذكرى .(الإخوان المسلمون -3- ذي القعدة1415هـ / 30 من إبريل 1995)

النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين

كتيبة لمقاومة الإنجليز وتحرير فلسطين

تثار بين الحين والآخر قضية خطيرة في تاريخ الإخوان المسلمين وهي طبيعة وأهداف النظام الخاص الذي أسسه الإمام حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر وتعتبر شماعة لدى التيار العلماني لاتهام هذا الفصيل بالتخطيط لقلب نظام الحكم من خلال نظام خاص سري يدرب المناضلين على السلاح وكل متطلبات الجندي في المعركة واليوم والإخوان المسلمون في الساحات والميادين للدفاع عن الشرعية الدستورية التي أوصلت محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة إلى سدة الحكم يواجهون سيل من الاتهامات التي تدين تاريخهم ولاسيما ما تعلق بالنظام الخاص الذي تقول بعض الأوساط الإعلامية التابعة للتيار الرافض لما يسمى أخونة الدولة انه خطر على حاضر ومستقبل مصر سيما وانه خرج جيل من الإخوان لا يعرف الحوار أو التعايش على حد قولهم فهل يوجد أصلا الآن نظام خاص سري للإخوان المسلمين ؟أم ان ظروف الاستعمار لمصر من طرف الإنجليز اضطرت المرشد العام للإخوان بتشكيل هذا النظام لتحرير مصر وفلسطين ؟

“النظام الخاص” لجماعة الإخوان المسلمين أو التنظيم الخاص أو التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين. هو نظام عسكري أسسته الجماعة في عام 1940 وهدفه بحسب محمد مهدي عاكف “إعداد نخبة منتقاة من الإخوان المسلمين للقيام بمهمات خاصة والتدريب على العمليات العسكرية ضد العدو الخارجي ومحو الأمية العسكرية للشعب المصري في ذلك الوقت، حيث كان كل فرد يمكنه دفع عشرين جنيهًا ليستطيع التخلص من الخدمة العسكرية. ” (10)، وبحسب محمود عبد الحليم في كتابه الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ قام النظام الخاص من أجل ” محاربة المحتل الإنجليزي داخل القطر المصري والتصدي للمخطط الصهيوني اليهودي لاحتلال فلسطين” وكان من أشهر أعضائه: جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين العضوين في مجلس قيادة الثورة وفق شهادة خالد محيي الدين نفسه وقد انضم إلي النظام الخاص عام 1943 وفق رواية أحمد رائف(11).

أما بخصوص التأسيس والتشكيل للنظام الخاص فكانت إرادة  حسن البنا أن يُكوّن ذلك “الجيش المسلم” للتصدي لليهود والإنجليز حيث كانت قناعته أن الإنجليز بتواطؤهم مع اليهود لن يتركوا مصر ولا فلسطين، ومع شعوره بضعف الحكومات العربية وهزال الجيش المصري في هذا الوقت كان هذا حافزًا آخر لتكوين “النظام الخاص”، حيث كان التأسيس وليد فكر مشترك بين الحاج أمين الحسيني (مفتي فلسطين) وبين حسن البنا (مرشد الإخوان)(12).

لم يكن النظام الخاص فكرة جديدة ابتدعها الإخوان في ذلك التوقيت، فكل القوى السياسية الموجودة بالساحة في الوقت كان لديها أجهزة عسكرية سرية مثل “الوفد” و”السراي” و”مصر الفتاة“، وعرف وقتها أصحاب الياقات الزرقاء والحرس الحديدي، حتى أن “الضباط الأحرار” كان تنظيمًا سريًا في هذا الوقت.

وقد تم اكتشاف النظام عبر قضية السيارة الجيب عام 1948 حيث عثر البوليس السياسي على سيارة جيب بها جميع أسرار النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين، ومن بينها أوراق التكوين والأهداف، وقدمتها حكومة النقراشي لمحكمة الجنايات وبعدما اطّلعت المحكمة على أهداف النظام الخاص قالت في حكمها: “إن المدانين كانوا من ذوي الأغراض السامية التي ترمي أول ما ترمي إلى تحقيق الأهداف الوطنية لهذا الشعب المغلوب على أمره.”

وأصدرت المحكمة فيها حكمًا تاريخيًا، برّأ أكثرية المتهمين، وحُكم على أفراد قليلين منهم بأحكام مخففة، ما بين سنة وثلاث سنوات. ولكن الشيء المهم في الحكم أنه أنصف الإخوان بوصفهم جماعة إسلامية وطنية، وأبرز دورهم الوطني والجهادي في مصر وفلسطين، ودورهم الثقافي والاجتماعي في خدمة مصر. ثم كانت المفاجأة الكبرى أن انضم رئيس المحكمة المستشار الكبير أحمد كامل بعد ذلك إلى الإخوان المسلمين، ونشرت ذلك الصحف بالخط العريض: حاكمهم ثم انضم إليهم! (13).

وقد عهد حسن البنا بقيادة النظام الخاص إلى صالح عشماوي، وكان آنذاك وكيلاً للجماعة. وحظي محمود عبد الحليم بمساحة تنفيذية واسعة في بداية إنشاء هذا التنظيم، وقال عن ذلك: ” عند مباشرة عملية الإنشاء وجدت نفسي أشبه بالعضو المنتدب لهذه القيادة”، فقد كان مندوبًا عن الطلبة في القاهرة، واستطاع أن يجعل من الطلاب العنصر الأساسي في تكوين هذا التنظيم العسكري الذي تم تقسيمه لمجموعات عنقودية صغيرة لا يعرف بعضها البعض، مع تلقينهم برنامجًا إيمانيًا وروحيًا مكثفًا، إضافة إلى دراسة مستفيضة للجهاد في الإسلام، وكذلك التدريب على استعمال الأسلحة والأعمال الشاقة والمبالغة في السمع والطاعة في المَنشَط والمَكرَه وكتمان السر. غير أن محمود عبد الحليم ترك هذه المسئولية بعد أن عهد إلى عبد الرحمن السندي بها بسبب انتقاله للعمل في دمنهور في 16/6/1941 م.

أهم عمليات النظام الخاص

  • إلقاء قنبلة علي النادي البريطاني في ليلة عيد الميلاد 1945 م حيث رأى إخوان النظام الخاص أن يعملوا علي بث الخوف في قلوب الجنود الإنجليز العابثين الذين كانوا يقتلون الأبرياء ويهتكون الأعراض ويحطمون واجهات المحالات يوميًا وهم سكارى، فقرر أعضاء النظام الخاص أن يلقوا على النادي البريطاني قنبلة في ليلة عيد الميلاد، والتي لم تقتل أحدا ولكن بثت في قلوب الإنجليز الرعب في ذلك الوقت.
  • نسف شركة الإعلانات الشرقية الخاصة باليهود آنذاك في 12 نوفمبر 1948 م، نسف لشيكوريل وسينمات مملوكة لليهود أيضًا، تعطيل سفينة يهودية في ميناء بورسعيد، نسف بعض المساكن في حارة اليهود بالقاهرة وحادثة فندق الملك جورج.
  • وضع قنابل غير متفجرة في ستة من أقسام الشرطة بالقاهرة في 26 نوفمبر 1946 وديسمبر من العام 1946، لإجهاض مشروع معاهدة صدقي بيفن التي استقالت على إثرها حكومة إسماعيل صدقي باشا.
  • المشاركة في حرب فلسطين التي اشتعلت قضيتها منذ ثورة 1936 وحتى المشاركة في حرب 1948. ومن أبرز أعمال النظام الخاص فيها (معركة كفار ديروم الأولى -نصب كمائن للعدو واصطياد أفراده بعد تدمير شبكات المياه -تدمير برج مستعمرة “تل بيوت” -استرداد دير مار إلياس -تحرير قرية العسلوج -منع العدو من احتلال جبل المكبر وتكبيده خسائر فادحة -تدمير مركز قيادة اليهود وبداخله ضباط كبار والاستيلاء على تبّة اليمن -تموين قوات الجيش المصري المحاصر في الفالوجة)
  • المشاركة في حرب القنال لإجلاء الإنجليز 1951 ومن أبرز أعمال النظام الخاص فيها (مهاجمة دوريةً مصفحةً جنوب القنطرة -قذف مئات من سيارات الاحتلال بالقنابل والزجاجات الحارقة -نسف مخازن الذخيرة بأبي سلطان -تدمير أنابيب المياه التي تغذي المعسكرات الإنجليزية -نسف قطارات الإنجليز في مناطق السويس والإسماعيلية -ضرب سيارة مصفَّحة بمعسكر القرين -نسف خط السكة الحديد بقرية أبو حماد-إحراق مخازن البترول في جبل عتاقة بالسويس).
  • تفجير محلات جانتينو: في يوليو 1948 التي تعود ملكيتها لليهود حيث تم زرع عبوة ناسفة داخل المحلات الثلاثة ونسفها بالكامل على يد التنظيم الخاص.

تحرير فلسطين هدف تشكيل النظام الخاص

كان أول تحرك عملي من “النظام الخاص” تجاه القضية الفلسطينية عندما جاء الحاج “أمين الحسيني” مفتي “فلسطين” إلى “القاهرة” في سنة (1365 هـ = 1946 م)، فارًّا من محاكمة الحلفاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذين اتهموه بالتعاون مع “هتلر”، والعمل على مناصرة قواته في دخولها “مصر”، والتخابر مع المسئولين المصريين بهذا الشأن. وكان للإخوان المسلمين دور كبير في مساندة الحاج “أمين الحسيني”، والتدخل لدى الحكومة المصرية لمنحه حقَّ اللجوء السياسي، وكان طبيعيًّا أن تتعاون الحكومة المصرية مع الحاج “أمين الحسيني”، الذي توافقت طلباته ومقترحاته مع قرار اللجنة العسكرية العليا التي اجتمعت سنة (1366 هـ = 1947 م) وقررت الاعتماد على الفلسطينيين في الدفاع عن بلادهم، وتقديم ما يحتاج إليه المتطوعون من أسلحة وذخيرة، وتحصين الفلسطينيين في قراهم وتسليحهم ضد الإرهاب الصهيوني، ووقوف الجيوش العربية على الحدود وعدم دخولها إلى الأراضي الفلسطينية. وقام النظام الخاص بتعيين ضابط اتصال بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الهيئة العربية العليا في شئون التسليح والتي يمثلها الشهيد “عبد القادر الحسيني”-بمساعدة أحد التجار الفلسطينيين-، والذي كان مسئولاً عن التمويل المالي للهيئة العربية للتسليح. ويكي بيديا

وقام “النظام الخاص” بجمع الأسلحة والذخائر التي تركتها الجيوش المتحاربة في صحراء العلمين في نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي كان يتم نقلها من الصحراء الغربية إلى القاهرة، ومنها إلى المخازن وأماكن التجميع حتى يتم إرسالها إلى المجاهدين في فلسطين، بعد القيام بعملية صيانة جديدة لها وتنظيفها من الرمال التي تركت فيها لعدة شهور، وذلك في المصانع التي قام “النظام الخاص” بإنشائها؛ من أجل هذا الغرض في “حلمية الزيتون” بالقاهرة، ومن هذا المورد جمعت غالبية الأسلحة والمتفجرات التي استعملها متطوعو الهيئة العربية العليا ومتطوعو “الإخوان المسلمون” في حرب “فلسطين”، وأمدوا بها القوات المسلحة المصرية،. وقامت الحكومة المصرية بالتصريح للإخوان المسلمين رسميًّا بجمع الأسلحة، وحشد المتطوعين، وتكوين مراكز تدريب لهم على مختلف الأسلحة، وتسفيرهم إلى “فلسطين”. واستغرق التدريب شهرًا كاملاً في هذه المعسكرات.

تحركت بعده قوافل المجاهدين إلى جنوب “فلسطين”، وخاضوا كثيرًا من المعارك مع العدو الصهيوني بمفردهم أحيانًا وبالمشاركة مع الجيش المصري أحيانًا أخرى، وخاصةً بعد دخول الجيش المصري إلى أرض “فلسطين” في (6 من رجب 1367 هـ = 15 من مايو 1948 م)، وتقدم في اتجاهين: الأول يوازي الساحل الفلسطيني شمالاً، والثاني إلى الجنوب، حيث أقام اتصالاً مع الجيش الأردني الذي اندفع إلى القدس واشتبك مع اليهود، وكان من أشهر هذه المعارك “معركة دير البلح”، واستطاع المجاهدون دخول “العوجة” و”العسلوج” و”بئر السبع” و”بيت لحم” و”صور” و”رامات راحيل” و”دير مار إلياس” و”مستعمرة تل بيوت”، وتمكَّن من احتلال “رأس الأحرش”. وعندما يَئِس العدو الصهيوني من اقتحام مدينة “بيت لحم” و”الخليل”-بعد تحرير المجاهدين لها-قام بمهاجمة قوات الجيش المصري في “أسدود” و”المجدل”؛ مما اضطر الجيش أن ينسحب إلى منطقة “الفالوجة” التي حوصر فيها بقوة كبيرة من الصهاينة، فقام المجاهدون بتقديم المُؤَن لأفراد القوات المسلحة لمساعدتهم على الصمود، بعد أن انقطع طريق المواصلات بينهم وبين “القاهرة”.

وطوال تلك الفترة لم ينقطع المجاهدون عن تقديم الدعم والعون لقوات الجيش المصري المحاصر في “الفالوجة”، وظلوا يُحكِمون السيطرة على “بيت لحم” و”الخليل”، حتى فوجئ الجميع بصدور قرار من رئيس الوزراء “النقراشي” باشا يقضى بحل هيئة “الإخوان المسلمين” في “مصر” ومصادرة أموالهم، إلا أن ذلك لم يمنع المجاهدين من القيام بواجبهم المقدس في الدفاع عن “فلسطين” ضد الصهاينة، واستطاعوا هزيمةَ الصهاينة في كثير من المعارك التي كان من أشهرها معركة “كفار ديروم” ومعركة “أبو معيلق”، كما تمكنوا من قطع الطرق المؤدية إلى مستعمرة “بيرون إسحاق” أثناء هجوم الجيش المصري عليها، ومحاصرة مستعمرة “دير سنيد” بالاشتراك مع الجيش المصري، وكان أهم دور لهم في هذه المعركة هو منع وصول النجدات الصهيونية للمقاتلين اليهود داخل المستعمرة، ثم اشتراكهم في الهجوم عليها، حتى سقطت في يد الجيش المصري؛ فكان لسقوطها أسوأُ الأثر في نفوس اليهود الصهاينة.

حسن الهضيبي يحل النظام الخاص

اغتيل مؤسس الجماعة حسن البنا في 12/2 /1949 وقد أدرك حسن الهضيبي بحس القاضي ما لم يمهل القدر حسن البنا تداركه فقرر حل النظام الخاص ولكن بشكل تدريجي، حيث استطاع مساعدوه استمالة سيد فايز القيادي في التنظيم الخاص ليتعرفوا علي أسرار التنظيم، وقرر الهضيبي إعادة تشكيل التنظيم من داخل الجماعة ودخل في صدام مع الجهاز الخاص وقياداته الذين قام بتغيير معظمهم ودمج النظام الخاص في أجهزة الدعوة العلنية حيث سكن أعضائه داخل الوحدات الإدارية الإخوانية وقام بتوحيد قيادة الجماعة حيث أصبح المسئول الحقيقي عن هذا التنظيم هي المكاتب الإدارية في الإخوان. وهذا الموقف يشكره الأغلبية من الإخوان عليه لكن البعض يرى ان هذا الإجراء كان خطأ فادح أكبر من خطأ النظام الخاص نفسه وذلك لعدة أسباب منها لم يكن هذا القرار شورى إنما كان قرار فردي. ويرى بعض الإخوان ان حل النظام الخاص المسلح كان خطأ الجماعة الذي جعل نظام عبد الناصر يتمكن منهم وينكل بهم دون مقاومة بينما استطاع النظام الخاص إجبار الملك فاروق على إعادة الجماعة مرة أخرى بعد أن قام النقراشي بحلها في المرة الأولى بينما في المرة الثانية في عهد عبد الناصر لم يكن النظام الخاص متواجد

يقول محمد مهدي عاكف المرشد السابق للإخوان المسلمين “. لم يكن كل قيادات الجماعة تعلم بأمر هذا التنظيم الخاص مما تسبب في أزمة بعد كشفه فيما أطلق عليه ثنائية القيادة لذلك قرر الهضيبي إعادة تشكيله، وجعل قيادته مركزية تتبع مكتب الإرشاد والمكاتب الإدارية للجماعة بالمحافظات المختلفة، وهذا ما أيدته أغلبية القيادات وبعدها بعام ألغاه المستشار حسن الهضيبي بشكل كامل على أساس أنه كان نظامًا سريًّا، ولا يعرفه إلا القليل ومهمته انتهت ؛ لأنه تم إنشاء جهاز علني يدعى الجهاز الوطني لتدريب الناس على الأعمال العسكرية للدفاع عن البلاد، وأضاف عاكف ” أن دور النظام الخاص كان يجب أن يتوقف في عام 1949.. وكان يجب أن ينتهي دوره كليا بعد قيام ثورة 1952، معتبراً السرية في أي وقت خطأ، ولكن الظروف التي كانت تمر بها مصر في وقت كانت فيه البلاد محتلة وتعيش أمية عسكرية، فكان هذا هو الاستثناء”

أخطاء النظام الخاص:

لم يسلم النظام الخاص وقائده عبد الرحمن السندي من الوقوع في العديد من الأخطاء التي لم ينكر الإخوان أنفسهم كونها أخطاء، إلا أن الاختلاف كان دائمًا حول هل كانت تلك الأخطاء بعلم ومباركة المرشد العام حسن البنا أم كانت تصرفات فردية من رجال النظام الخاص دون علم البنا.

يقول اللواء صلاح شادي في كتابه “حصاد العمر” ضمن مراجعاته عن النظام الخاص(14).

أن هذا النظام لم يكن يعيبه الهدف ولا أسلوب التوجيه وإنما عابه أخطاء التربية التي كانت صارمة وشديدة خاصة في مساحة السمع والطاعة المبالغ فيها، ولعل هذا المبالغة التي تبدأ من البيعة لشخص مجهول جعلت أعضاء هذا التنظيم لا يستمعون سوى للسندي؛ هذه الدرجة العالية من الثقة والطاعة العمياء محت من عقول هؤلاء الأعضاء المخلصين التفكير في عواقب عدم استخدامهم عقولهم ليميزوا بين دورهم في الجهاد على أرض فلسطين وبين تسلّط قائدهم السندي.

ومن أشهر الأخطاء التي ارتبطت بالنظام الخاص:

التدبير لمقتل القاضي أحمد الخازندار في 22 مارس 1948 حيث قُتل على يد اثنين من النظام الخاص هما حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم، وصدر عليهم الحكم في 22 نوفمبر 1948 بالأشغال الشاقة المؤبدة.

يقول الشيخ يوسف القرضاوي عن هذه الحادثة في مذكراته: “ولقد سمعت من الأخ الكبير الأستاذ محمد فريد عبد الخالق، وكان رئيسًا لقسم الطلاب في ذلك الوقت، وكان من القريبين من الأستاذ البنا، يقول: إنه دخل على الأستاذ البنا، بعد نشر وقوع الحادثة، فوجده أشد ما يكون غضبًا وحنقًا، حتى إنه كان يشد شعره من شدة الغضب، وقال له: أرأيت ما فعل إخوانك يا فريد؟ أرأيت هذه الجريمة الحمقاء؟ إني أبني وهو يهدمون، وأصلح وهم يفسدون. ماذا وراء هذه الفعلة النكراء؟ أي مصلحة للدعوة في قتل قاضٍ؟ متى كان القضاة خصومنا؟؟ وكيف يفعلون هذا بدون أمر مني؟ ومن المسؤول عن الجماعة؟ المرشد العام أم رئيس النظام الخاص؟

التدبير لمقتل محمود فهمي النقراشي باشا في 28 ديسمبر 1948 وقد قتل علي يد شاب يدعى عبد المجيد أحمد حسن.

محاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب في 12 يناير 1949 ـ التي أشيع أنها محاولة نسف غرفة الأرشيف بمحكمة الاستئناف ـ والتي كانت دليل الحكومة في قضية السيارة الجيب، تلك المحاولة التي لم تتم(15).

التنظيم العالمي للإخوان المسلمين:

لقد كثر الحديث مؤخرا عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ودوره ومنهجه، بل تعد الأمر إلى اعتقال بعض قادة الجماعة بتهمة العمل في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وتلفيق تهم وقضايا تخص تبيض الأموال ومحاولة قلب أنظمة وامتد الأمر إلى قرار من دولة الإمارات العربية المتحدة باعتقال أكثر من 89 داعية ومفكر وأستاذ بهذه التهمة.

فهل يوجد شيء يسمى تنظيم دولي للإخوان المسلمين؟ وإذا كان هنالك تنسيق بين الحركات الإسلامية المعتدلة التي تنتمي إلى مدرسة الوسطية والاعتدال فهل يعتبر ذلك تهمة تدين هؤلاء بالسجن والاعتقال؟ للإجابة على هذه الأسئلة لابد أن نتوقف عند هذا التنظيم لنتعرف عليه، وكيف أنشأه الإمام البنا، والأهداف التي كان يريدها من هذا القسم، وكيف تطور هذا القسم الذي كان يسمي بقسم الإتصال بالعالم الخارجي؟

لقد اهتم الإمام حسن البنا في دعوته بغرس بذور الحب والوحدة في نفوس وقلوب الشعوب الإسلامية، واهتم بالقضايا الإسلامية، بل دعم الإخوانالحركات التحررية في البلدان الإسلامية من إندونسيا شرقا حتى المغرب غربا، وأصبح المركز العامملاذ قادة هذه الحركات، وللعناية بهذا الجانب أنشأ الإخوانقسم الاتصال بالعالم الخارجي ليكون حلقة الوصل بين الشعوب الإسلامية والإخوان، وليغرس في قلوبهم بذور الوحدة والتصدي للمستعمر الأجنبي.منذ دخول المستعمر الأجنبي وسقوط دولة الخلافة الإسلامية عام 1924م حيث أصبح العالم الإسلامي متشرذم ومتناحر بسبب السياسة التي غرسها المحتل في قلوب ونفوس الشعوب الإسلامية لبعضها البعض، فرسم بينهم الحدود السياسية وحاول طمس الهوية الإسلامية في نفوس أبناء الوطن، فظل التنافر بين البلاد.

وظل الإمام البناحريصًا على الاتصال بالعالم الخارجي، وخص العالم الإسلامي باهتمامه فجعل له بابًا في جريدة الإخوانالأسبوعية تتناول أخباره وتتبنى قضاياه، وكتب في العدد الأول منها سبب تخصيص هذا الباب فقال: “جريدة الإخوان المسلمينتعتبر نفسها خادمة كل مسلم مهما كان وطنه أو جنسيته، ولا ترى أهل القبلة إلا رجلاً واحدًا كما مثلهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي لهذا تنقل إلى قرائها مجمل أخبار العالم الإسلامي، ليلم بها كل قارئ، وليقوم كل مسلم بما يجب عليه نحو الأخوة الإسلامية العامة، غير متحيزة إلى فريق أو مائلة ناحيته، ولكنها ترجع الخير لكل مسلم”.

نشأة قسم الاتصال بالعالم الخارجي

من المعروف أن أول شعبة أنشأت للإخوانكانت في دولة جيبوتيوذلك عام 1933م، وبعد رحلة الحج الأولى التي قام بها الإمام البنااستطاع أن يلقى كلمة في مؤتمر وفود الحج الإسلامية التي دعي إليه الملك عبد العزيز آل سعودواستطاع أن يجذب الانتباه إلى دعوة الإخوان، والتي سارع إليها الكثير من شتى البلدان.

يقول الدكتور محمد محمود الصوافعن ذلك القسم: “وأسسنا بالمركز العامللإخوان المسلمينقسم الاتصال بالعالم الإسلامي بالتعاون مع الأخ عبد الحفيظ الصيفي من مصر، والأخ الفضيل الورتلاني -رحمه الله- من الجزائر، والأخ إسماعيل مندا -رحمه الله- من إندونيسيا وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم، وفي المركز العامكنا نلتقي مع كبار رجال الإسلامفي العالم الإسلامي، والمركز العام كان كخلية النحل يعج بالزائرين والشباب الصادقين، كنا نقيم في كل أسبوع اجتماعًا قبل حديث الثلاثاء للإمام الشهيد حسن البنانلقي فيه الضوء والدراسة على قطر من الأقطار الإسلامية، ولا نترك شخصية إسلامية كبيرة إلا ندعوها لتحاضر أو تزور المركز العام“.

كما أنشئ فى هذا القسم لجان تعمل حسب الظروف والأوضاع القائمة داخل الأقطار، ومن ضمن هذه اللجان:

  1. لجنة الشرق الأدنى، وتضم البلاد العربية والشعوب الإسلامية فى أفريقيا.
  2. لجنة الشرق الأقصى، وتشمل دول شرق آسيا ووسطها.
  3. لجنة الإسلام فى أوروبا.

وقد قام القسم بعقد مؤتمر دعا إليه مندوبي الهيئات العربية والإسلامية ولفيفًا من أبناء الأقطار الشقيقة بمصر؛ وذلك لبحث قضايا طرابلس والجزائر ومراكش وفلسطين؛ وذلك بسبب موقف دول الحلفاء من تلك القضايا ومناهضتهم لحقوق تلك الدول.

محنة 1954 والانطلاق نحن العالم

بعد أن اندلعت ثورة 23 يوليو وشارك فيها الإخوان بجانب الجيش حتى نجحت الثورة، غير أنه ما كادت تستقر الأمور حتى انقلب رجال الثورة على الإخوان وساءت العلاقة بينهم، وزادت الأمور سوءا بعد رفض الإخوان المسلمين لبنود معاهدة الجلاء بسبب إجحافها حق مصروترسخ للمستعمر بعض المميزات التي أوشكت على الانتهاء، ومن ثم وأثناء سفر المستشار حسن الهضيبي في الزيارة التاريخية لبلاد الشام، وكان في صحبته الأستاذ سعيد رمضان ومنير الدلةوصالح أبو رقيق وغيرهم، وهناك كتب مقالا هاجم فيه البنود الظالمة في المعاهدة، فزادت العلاقة سواء، وما أن عاد المرشد العام إلى مصرحتى ظهرت في الأفق بوادر المحنة، وفي يوم 23 أكتوبر1954م كانت انطلاقة طوفان المحن على الإخوان ففتحت السجون، وزج بالآلاف فيها، واستطاع البعض الفرار قبل اعتقالهم إلى الخارج.

بعد هروب بعض الإخوان أمثال سعيد رمضان وكامل الشريف و سعد الدين الوليلي وعبد الحكيم عابدين وغيرهم، عمل الإخوان على نشر الفكرة الإسلامية، وانتقل بعضهم إلى أوربا واستطاعوا أن يؤسسوا بعض المراكز الإسلامية لتكون نقطة ارتكاز في نشر تعاليم الإسلام الصحيحة، كما ساعدت محنة عام 1965م على انتشار الفكرة وتمسك كثير من الشعوب بها حتى أن الملك فيصل اندفع يطبع كتب سيد قطب ويوزعها على الدول، يقول الدكتور يوسف القرضاوي: كانت محنة الإخوان في مصر1965م، التي بدأت بإعلان الرئيس عبد الناصرفي شهر أغسطسمن موسكو، بأنه اكتشف تنظيما للإخوانمعاديا للثورة، وأنه سيضرب بيد من حديد، ولن يرحم ولن يلين!!

وبدأ التفكير في إحياء المكتب التنفيذي القديم، الذي كان يمثل الدول العربية أو عددا منها؛ إذ إن حركة الإخوان ليست مجرد جماعة مصرية، بل هي حركة إسلامية عالمية، وإن كانت مصرية النشأة.

وبدأت لقاءات كان في أول الأمر يغلب عليها الجانب العلمي والبحثي في شؤون الدعوة وقضاياها الفكرية، ومعوقاتها العملية، كما تحدثت عن ذلك في لقاء إستانبول في صيف سنة م، ثم بدأ الأمر يأخذ شكلا تنظيميا،

مصطفى مشهور يؤسس للتنظيم من جديد

بعد أن خرج الإخوان من السجون وعادوا لحياتهم الطبيعية نشط الكثير منهم في العمل على عودة شرعية الجماعة ونشر الإسلام الوسطي وسط الناس، وبعد تنظيم العمل داخل مصر فكر بعض الإخوان في التواصل مع إخوانهم في باقي البلاد لتجديد فكرة العمل للإسلام، ولذا أخذ الأستاذ مصطفى مشهور على عاتقه التواصل مع هذه العناصر والعمل على توثيق عرى المحبة وأواصر الود بين الجميع.

ويقول الأستاذ كمال الهلباوي “النشأة الفعلية على أرض الواقع التي يعمل بها التنظيم حاليا فتعود إلى نهايات حقبة السبعينيات من القرن العشرين، حيث كان قد مضى على خروج قيادات الإخوان من السجون في مصر بضع سنوات، وزادت القضايا العربية والإسلامية تعقيدا وتشبيكا وفي مقدمتها قضية فلسطين، وما آلت إليه آخر أيام الرئيس الراحل أنور السادات وتغير التوجهات الفكرية للنظام الحاكم في مصرمع بصيص من الحريات التي استفاد منها العمل الإسلامي والحركة الإسلامية. ومن الظروف التي ساعدت على قيام التنظيم العالمي، اشتداد ساعد العمل الإسلامي في بلاد كثيرة خارج مصر وانتشار وقبول فكرة “العالمية”.

وعن التركيبة الجغرافية لأعضاء التنظيم العالمي يقول الشيخ الهلباوي «هذه مسألة تحتاج إلى إيضاح لفهم طبيعة هذا التنظيم، والعضوية هنا ليست عضوية تنظيمية مثل عضوية التنظيم في بلد مثل مصرأو الأردن أو غيرهما؛ ولكنها عضوية تميل إلى التمثيل النسبي بقصد التشاور والتنسيق والتعاون وتبادل الخبرات والآراء وتوحيد المواقف تجاه الأخطار والتحديات، وخاصة الخارجية منها مع الحرية القائمة لكل دولة عضو في ترتيب البيت من الداخل. ومن ثم تفاوتت المواقف في بعض الأزمات.

ويوجز مهام التنظيم العالمي والذي قام به في قوله: ” ومن القضايا التي شغلت حيزا من تفكير وعمل التنظيم العالمي في فترة الثمانينات على سبيل المثال لا الحصر، الحرب العراقية الإيرانية، وقضية أفغانستان، وكشمير، والعنف والتطرف في مصر، والتنسيق الإسلامي والعالمي بين الحركات الإسلامية الوسطية وتنسيق ومواقفها”.

المراجعات العميقة والمستقبل الغامض

الشيخ مصطفى مشهور هو أحد أكثر قيادات الإخوان تأثيرا في بناء التنظيم الدولي بعد مؤسسها الشيخ حسن البنا فعقب خروجه من السجن مع بقية قيادات الجماعة في عام 1973 بدء مصطفي مشهور العمل على الفور ومعه عدد من القيادات التي جمع بينها الانتماء والعمل معا في النظام الخاص مثل كمال السنانيري وأحمد الملط ونفيس حمدي وأحمد حسنين. فاتجهوا إلى العمل لجمع خيوط كل التنظيمات الإخوانية المنتشرة في الأقطار المختلفة خاصة العربية منها والتي كانت في تصاعد وتنام سريع بفعل انتشار المد الإسلامي في المنطقة كلها، وكانت مواسم الحج أفضل طريقة للقاء قيادات هذه التنظيمات التي أغراها الزخم الإسلامي المتصاعد وأجواء الانفتاح الغربي علي الإسلام والتسهيلات التي كانت تلقاها القيادات الإسلامية المطاردة في أوربا والرغبة في حشد موارد الجماعة وتعبئتها؛ كل ذلك أغراها بالإسراع لوضع اللمسات النهائية لإعلان أول تنظيم دولي رسمي في تاريخ الجماعة.

وفى الأول من سبتمبر 1981، وقبل أيام من قرارات 5 سبتمبر الشهيرة التي اعتقل بموجبها الرئيس الراحل أنور السادات مئات المعارضين من مختلف القوى والتيارات السياسية فى مصر، كان “مصطفى مشهور” يستقل أول طائرة متجهة إلى الكويت لينجو بنفسه من حملات الاعتقال التي طالت أكثر من ألف وخمسمائة قيادة سياسية معارضة، وظل القطب الإخوانى الكبير الذي عرف بقدراته التنظيمية غير العادية متنقلا بين الكويت وألمانيا ما يقرب من عام كامل حتى أعلن في 29 يوليو سنة 1982 تأسيس التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وأعلن لائحته الرسمية التي عرفت بالنظام العام للإخوان المسلمين.

استمر الشيخ مصطفي مشهور في عمله الدءوب لتقوية هذا التنظيم الوليد وتوسيع شبكته التي امتدت لتشمل كل التنظيمات والكيانات الإخوانية المعتمدة في العالم العربي والإسلامي وخارجه بل توسع في ضم تنظيمات إسلامية أخري لا تخضع تنظيميا لقيادة الجماعة وإن كانت متوافقة معها في المنهج وإن اختلفت معها جزئيا في طبيعة البرامج التربوية مثل الجماعة الإسلامية في باكستان التي أسسها الشيخ أبو الأعلى المودودي، والحزب الإسلامي (باس) في ماليزيا وحزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان في تركيا.

وخلال خمس سنوات قضاها الشيخ مصطفي مشهور خارج البلاد كان قد استطاع خلالها تأسيس أول تنظيم دولي حقيقي لجماعة الإخوان المسلمين. وحين عاد إلى مصر بعد أيام من وفاة المرشد الثالث للجماعة “عمر التلمساني” (ولد في 4 فبراير 1904 وتوفى 22 مايو 1986) كان قد أتم بناء التنظيم الدولي للإخوان كاملا.

غير أن الشعارات الكبرى التي كانت تلهم وتشعل جذوة التنظيمات العالمية والعابرة للأقطار كما في التنظيم الدولي للإخوان بدأت تخفوا وتصبح أقل دافعية مع الانغماس الكبير والمتسارع من الإخوان في العملية السياسية وما يستدعيه من واقعية تستدعي خفض السقف والاقتصاد في الأحلام إضافة إلي جملة من التغيرات العالمية والإقليمية تركت تأثيرات كبيرة علي جسم وهيكل التنظيم الدولي لجهة إضعافه كان من أهمها علي الإطلاق غزو العراق للكويت واندلاع حرب الخليج الثانية التي عرفت بحرب تحرير الكويت، فقد شهد التنظيم الدولي للإخوان خلافا فقهيا وسياسيا بين أعضائه حول الموقف من التعامل مع الغزو ومن الاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت تفاقمت إلي إعلان تنظيم إخوان الكويت انفصاله عن الجماعة في أول انشقاق يطال جسم التنظيم الدولي الذي بدا أن مسيرته كانت باتجاه معاكس للأحداث المتسارعة طوال عقد التسعينيات والتي تواطأت جميعها علي إضعاف التنظيم الإخوانى الأم في مصر ومن ثم أفقدت قيادته المؤسسة قوة ومبرر قبضتها علي بقية التنظيمات الأعضاء بحيث يصح القول أن التنظيم الدولي كان آخذا في الضعف والتآكل.

وساعة تم إعلان محمد المأمون الهضيبي مرشدا سادسا للجماعة يوم 28 نوفمبر 2003،ومنذ البداية لم يحتفظ الهضيبي بعلاقات جيدة مع أقطاب التنظيم الدولي وقياداته من خارج مصر التي طالما اختلفت معه فى طريقة إدارته للجماعة منذ تعيينه نائبا للمرشد ومتحدثا رسميا باسم الجماعة، وفى أسلوب تعامله مع مخالفيه؛ فقد تعمد الهضيبي تهميش أي دور للقيادات الإخوانية من خارج مصر وقلص أمامها كل مساحات الحركة التي كانت متسعة بحكم إقامة عدد منهم فى أوربا وتمتعهم بحرية الحركة والإعلام مقارنة بالأوضاع التي تعيشها الجماعة فى مصر خاصة فى عقد التسعينيات الذى شهد تضييقا مستمرا عليها، ووصل الصدام ذروته مع إصرار الهضيبي حين كان نائبا للمرشد علي توحيد جهة الحديث باسم الجماعة وجعلها من اختصاصه فقط وذلك بإلغاء منصب المتحدث الرسمي للإخوان في الغرب والذي كان يحتله القطب الإخوانى البارز كمال الهلباوي المصري المقيم فى لندن آنذاك، والذي اضطر فى النهاية إلى الاستقالة احتجاجا علي تهميش الهضيبي قيادات الخارج.

إذن تتضافر الأوضاع الإقليمية والعالمية إضافة إلى الوضع الداخلي لجماعة الإخوان والتطورات الفكرية والسياسية داخل التنظيم المصري خاصة والتي تميل للتحول تدريجيا إلي حزب من الأحزاب الوطنية وقد حدث ذلك بعد ثورة يناير 2011،يتضافر كل ذلك ليعطي مؤشرا أكثر تأكيدا حول تراجع التنظيم الدولي، فالحديث غير المعلن بين قيادات الجماعة فى مصر  وغير مصر كان يؤكد دائما على أن التنظيم الدولي صار عبئا على الجماعة من الناحية السياسية والأمنية، بأكثر مما تحتمله، كما أن أضراره فى السنوات الأخيرة فاقت فى كل الأحوال ما كان ينتظر منه من نفع وما حققه فى سنواته الأولى لتأسيسه،،كما أنه يحمل الجماعة أعباء إدارية وكلفة سياسية بأكثر مما يعود عليها، خاصة وأن التنظيم الدولي لا يمتلك سلطات فعلية على التنظيمات القطرية للإخوان رغم مشاركتها بممثلين عنها، ولا يستطيع التدخل فى سياستها الداخلية مهما كان تأثيرها على صورة ووضع الجماعة عالميا.

والقناعة التي تترسخ يوما بعد يوم لدى كثير من القيادات الإخوانية الفاعلة هي أن التنظيم الدولي للإخوان فى وقت تنهار فيه التنظيمات العالمية العابرة للقارات، خاصة إذا ما كانت معارضة وسرية ومطلوبة من قبل أنظمتها، وأن الأفضل هو البحث عن صيغة أخرى للتنظيم الدولي تكون أكثر قبولا واتساقا مع الواقع العالمي الجديد، بأن يتحول التنظيم مثلا إلى منتدى فكرى أو سياسي بعيد تماما عن الطابع التنظيمي والسرى، أو مؤتمر عام والصورة المقترحة لا تبعد كثيرا عن المؤتمر القومي العربي الذي يضم القوي والأحزاب القومية أو منتدي الاشتراكية الدولية الذي يجمع الأحزاب الاشتراكية فكلاهما الأليق بتيارات صارت تسير عكس حركة التاريخ .

عالمية الدعوةوخصوصية السياسة

من خلال تقصي الحقائق ومقابلات العارفين بخبايا ما يسمى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين نتبين انه بالفعل هنالك كيان يمثل مكتب التنسيق الدولي لجماعة الإخوانالمسلمين، والذي يهدف للحفاظ على أسس مدرسة الإخوان المتمثلة في رسالتها وفكرهاومنهجها، ويعمل على الحفاظ على الوحدة الفكرية، كما أنه يعملأساسًا على دعم نشرالدعوة عالميًّا، وهو عمل دعوي بالأساس.

ولكن هذا الكيان لا يقوم بأي نشاط إداري مركزي، كما لا يقومبأي نشاط سياسي دولي، وهو بهذا لا يمثل أي نوع من الإدارة الخارجية لتنظيمات سياسيةمحلية، ولا يؤثر على أي أوضاع داخلية، ولا يمثل أي تجاوز في حق الأنظمة السياسية فيكل الدول التي توجد بها الجماعة، ولا يمثل أيضًا أي نوع من تنسيق القرارات السياسيةعبر الدول، بل ظلت تلك القرارات شأنًا محليًّا خالصًا(16).

فجماعة الإخوان المسلمين تدرك جيدًا الفرق بين عالمية الدعوةوخصوصية السياسة، وعالمية الدعوة أمر منطقي لا جدال فيه، فالإسلام دين عالمي،فالأديان السماوية عالمية، بل إن العديد من المذاهب البشرية يعمل أصحابها على نشرهافي مختلف أرجاء العالم، مثل ما يحدث من نشر للفكر الليبرالي الرأسمالي، ومثل ما حدثمن نشر للفكر الشيوعي والاشتراكي، وعالمية الفكرة لا تتعارض مع محليته السياسية؛مما يجعل العمل على المستوى العالمي مرتبط فقط بالفكرة، أما تنفيذ هذه الفكرة فيالمجال السياسي، وأيضًا في المجالات الاجتماعية والثقافية والتعليمية، فهو عمل محليخاص.

وهذه المزاوجة بين العمل الدعوي العالمي، والعمل السياسيالخاص؛ هي تعبير عن أن الفكرة تعبِّر عن الثوابت، أما السياسة فتعبر عن المتغيرات. وبالتالي تحتاج الثوابت لرابط لها، أما المتغيرات فلا يمكن وضع رابط لها، إلا أنتكون تعبيرًا عن الثوابت.

ومن جهة أخرى وفي طريق النضال من أجل وحدة الأمة وتحقيق نهضتها، تحتاجالأمة الإسلامية لعمود فقري وتيار رابط، وجذر أساسي، ومؤسسة حاضنة لمشروع النهضة،فبجانب احتياج الأمة إلى العديد من الآليات لتحقيق نهضتها، إلا أنها تحتاج أيضًالمدرسة مركزية وتيار أساسي، وجماعات مترابطة فكريًّا؛ حتى يتشكل منها التيارالمركزي لحركة الصحوة الحضارية الإسلامية، وهو ما تحقَّق بالفعل؛ حيث أصبحت مدرسةالإخوان المسلمين، هي عمود فقري مركزي في حركة الإحياء والنهضة؛ مما جعلها تساهم فياتساق حركة الإحياء، وتساهم في اعتدالها وعودتها للوسطية والاعتدال، وتساهم فيترابط حركة الصحوة، وتمثل مركزًا يحفظ قدرًا مناسبًا من التوافق بين مكونات حركةالإحياء.

دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين

تمثل فلسطين في فهم الإخوان “أرض وقفٍ إسلامي على جميع أجيال المسلمين في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم إلى يوم القيامة، لا يجوز لأحد كائنًا من كان أن يفرّط أو يتنازل ولو عن جزء صغير جدًا منها ولذلك فهي ليست ملكًا للفلسطينيين أو العرب فحسب، بل هي ملك للمسلمين جميعًا… فعلى المسلمين في كلّ مكان أن يساهموا عمليًّا في تقديم المال والدم للدفاع عنها”.

من هنا فقد أولى الإمام حسن البنا لفلسطين اهتمامًا كبيرًا، وخلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، وبتكليفٍ من الإمام حسن البنا، زادت زيارات الإخوان لفلسطين، وخصوصًا عبد المعز عبد الستار وسعيد رمضان، وأخذ عدد من أبناء فلسطين ينضمون للإخوان،

لقد شارك الإخوان المسلمون الفلسطينيون في الجهاد عندما اندلعت حرب 1947-1948م، إلا أن حداثة تنظيمهم وعدم نموه واستقراره بشكل مناسب وقوي جعلت مشاركتهم محصورة ضمن قدراتهم المحدودة وإمكاناتهم المتواضعة.

ومع ذلك فقد شكلت شُعب الإخوان في فلسطين قوات غير نظامية منذ بداية الحرب، عملت في أماكن استقرارها في الشمال والوسط تحت القيادات العربية المحلية هناك (التي تتبع جيش الإنقاذ أو جيش الجهاد المقدس). وقد قامت بغارات ناجحة على مستعمرات اليهود وطرق مواصلاتهم، على الرغم من الضعف الشديد الذي كانت تعانيه سواء في التسليح أو التدريب، ولذلك لا نجد ذكرًا رسميًّا لدور الإخوان في هذه المناطق بشكل عام. أما في المناطق الجنوبية وخصوصًا غزة وبئر السبع فقد انضم العديد من إخوان فلسطين إلى قوات الإخوان المصرية الحرة بقيادة كامل الشريف، وشاركوا بقوة وفاعلية في معارك فلسطين هناك. ويذكر كامل الشريف أن قوات الإخوان المصرية الحرة كان معدل عددها 200 مجاهد في مناطق جنوب فلسطين، وأنها كان يشاركها الجهاد حوالي 800 مجاهد آخر من أبناء فلسطين، تحت قيادتها، حيث إن كثيرًا منهم تأثروا بفكر الإخوان المسلمين وأصبحوا منهم.

وعندما جاء كامل الشريف إلى منطقة يافا مع سرية من شباب الجامعات، تولى هو قيادة مجاهدي الإخوان حيث تجمع تحت قيادته حوالي 100 مجاهد، وتولى كامل الشريف قيادة منطقة في يافا اسمها (كرم التوت) وتقع بين يافا وتل أبيب، حيث تقع معارك يومية بين المجاهدين واليهود. كما شارك الإخوان المجاهدون في الهجوم على مستعمرة بتاح تكفا، ثم ما لبث كامل الشريف أن انتقل إلى منطقة النقب (18).

وفي منطقة القدس شارك إخوان فلسطين في القتال مع إخوانهم القادمين من البلاد العربية أو مع قوات الجهاد المقدس.

إن اهتمام الإخوان المسلمين بتحرير فلسطين كان اهتمامًا صادقًا ومرتكزًا على الإيمان الديني العميق.ولأن الإخوان في مصر قد أصبحوا في تلك الفترة من أنشط وأقوى الاتجاهات فيها فقد كان لهم الدور الأكثر قوة من بين إخوان الدول العربية المشاركين في حرب فلسطين.

وأسهم الشيخ البنا في توحيد أكبر منظمتين شبه عسكريتين في فلسطين وهما منظمتا النجادة والفتوة، حيث كان الصراع والتنافس قد احتدم بينهما، واختير باتفاقهما محمود لبيب وكيل الإخوان المسلمين للشئون العسكرية مسئولًا عن تنظيم هذه التشكيلات، التي توحدت تحت اسم “منظمة الشباب العربي”، لكن السلطات البريطانية أجبرت لبيب على مغادرة فلسطين.

وفي 9/10/1947م أبرق الشيخ حسن البنا إلى مجلس الجامعة العربية يقول إنه على استعداد لأن يبعث كدفعة أولى عشرة آلاف مجاهد من الإخوان إلى فلسطين، وتقدم فورًا إلى حكومة النقراشي طالبًا السماح لفوج من هؤلاء المجاهدين باجتياز الحدود ولكنها رفضت.

وفي 15/12/1947م قام الإخوان بمظاهرة كبرى، وممن خطب في هذه المظاهرة رياض الصلح، والأمير فيصل بن عبد العزيز، وجميل مردم بك، وإسماعيل الأزهري، وقد خطب أيضًا حسن البنا الذي أكد: “أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في فلسطين… وهم على أتم استعداد لتلبية ندائكم”.

وأخذ الإخوان يتسللون سرًّا وبدأ الإخوان المسلمون المصريون بالتوجه فعلًا للجهاد في فلسطين منذ تشرين الأول/ أكتوبر 1947م، أي قبل بدء الحرب في فلسطين بأكثر من شهر، وقد سافرت أول كتيبة من الإخوان بإمارة محمد فرغلي وقيادة محمود لبيب حيث تجمعوا في معسكر النصيرات، وأخذوا يقومون بالعمليات الجهادية. وبهذا بدأت العمليات الجهادية العسكرية في صحراء النقب، وانضم للإخوان الكثير من المجاهدين من عرب فلسطين، حتى صاروا أضعاف عدد الإخوان أنفسهم فيما بعد. وبدأت حرب عصابات تُبشر بنجاح رائع، إلا أن الحكومة المصرية طلبت من المركز العام للإخوان سحب قواته من النقب، فرفض فقطعت عنهم الحكومة الإمدادات والتموين، وراقبت الحدود، إلاّ أنهم وجدوا من عرب فلسطين كل مساعدة وعون.

ولما اشتد الضغط على الحكومة المصرية سمحت للمتطوعين بالمشاركة في الجهاد تحت راية الجامعة العربية، حيث تدربوا في معسكر “هاكستب”، وكان يشرف على حركة التطوع محمود لبيب وكيل الإخوان للشئون العسكرية، وتألفت ثلاث كتائب من المتطوعين يقدر عددها بـ 600 مقاتل، نصفهم تقريبًا من الإخوان المسلمين، وقد طبعوا هذه الكتائب بطابعهم الخاص، وكان أبرز قادة هذه الكتائب أحمد عبد العزيز وعبد الجواد طبالة.

وقد سافرت هذه الكتيبة عن طريق ميناء بورسعيد في 10/3/1948م، وقبل مغادرتها خرجت بورسعيد عن بكرة أبيها لتحيَّتهم وتوديعهم، وخطب حسن البنا في الجميع ومما قاله: “هذه كتيبة الإخوان المسلمين المجاهدة بكل عددها وأسلحتها تتقدم للجهاد في سبيل الله ومقاتلة اليهود أعداء الإسلام والوطن. ستذهب إلى سوريا حتى تنضم إلى باقي المجاهدين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وفي هذا فليتنافس المتنافسون”.

وقد استقبلت هذه الكتيبة في سوريا استقبالًا شعبيًّا كبيرًا، وكان في مقدمة المستقبلين المراقب العام للإخوان في سوريا مصطفى السباعي، وعمر بهاء الدين الأميري، والشيخ محمد الحامد وغيرهم، وفي ظهر يوم الثلاثاء 23 آذار/ مارس سافر حسن البنا إلى دمشق على متن طائرة لتفقد أحوال المتطوعين هناك.

قام الإخوان المسلمون بدور مشرف في حرب فلسطين اعترف لهم به كل من كتب عن هذه الحرب [20]، وكان لهم دور مشهود في جنوب فلسطين في مناطق غزة ورفح وبئر السبع، حيث كانوا يهاجمون المستعمرات ويقطعون مواصلات اليهود.

من معارك الإخوان في فلسطين

ومن أبرز المعارك التي شاركوا فيها هناك معركة التبة 86 التي يذكر العسكريون أنها هي التي حفظت قطاع غزة عربيًا، ومعركة كفار ديروم، واحتلال مستعمرة ياد موردخاي وغيرها، كما أسهموا بدور هام في تخفيف الحصار عن القوات المصرية المحاصَرَة في الفالوجة. كما كان للإخوان المصريين مشاركتهم الفعالة في معارك القدس وبيت لحم والخليل وخصوصًا صور باهر.

وكان من أبرز المعارك التي شاركوا فيها في تلك المناطق معركة رامات راحيل، واسترجاع مار إلياس، وتدمير برج مستعمرة تل بيوت قرب بيت لحم، والدفاع عن “تبة اليمن” التي سميت تبة الإخوان المسلمين نظرًا للبطولة التي أبدوها… وغيرها.

وقد استشهد من إخوان مصر في معارك فلسطين حوالي مائة، وجرح نحو ذلك وأسر بعضهم. وكانت وطأة الإخوان شديدة على اليهود، وقد سئل موشيه ديانبعد الحرب بقليل عن السبب الذي من أجله تجنب اليهود محاربة المتطوعين في بيت لحم والخليل والقدس فأجاب: “إن الفدائيين يحاربون بعقيدة أقوى من عقيدتنا… إنهم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني أمة، وقد جربنا قتالهم فكبدونا خسائر فادحة… ولذا فنحن نحاول قدر الإمكان أن نتجنب الاشتباك بهم”، ولذلك كان انتقام اليهود من الإخوان رهيبًا إذا وقعوا أسرى في أيديهم، فقد كانوا يقتلونهم، ويشوهون أجسامهم .

لم يكن حسن البنا سعيدًا بأداء الجيوش العربية وهزائمها وتراجعاتها، ولذلك قرر أنّ يعد قوة ضخمة للدفاع عن القدس، حيث كان اليهود يشنون هجمات عنيفة على مراكز الجيش الأردني بها، مما خشي معه أن يستولي اليهود على المدينة المقدسة، وأخبر كامل الشريف أنه يجهز قوات كثيفة ليدخل بها فلسطين، وأنه سيعلن الجهاد الديني والتعبئة الشعبية، بعد أن فشلت الحكومات وجامعتها، وكان يسوق له هذه الأنباء مرددًا هذه العبارة “ما فيش فايدة، الناس دول مش عاوزين يحاربوا”، وكان فضيلته يرمي من وراء ذلك إلى إثارة الشعور الديني في العالم الإسلامي، ودفع الشعوب الإسلامية والحكومات الإسلامية لعمل شيء ما.

ثالثًا: دور الإخوان المسلمين السوريين

قام الإخوان السوريون بدور مشهود خصوصًا في معارك منطقة القدس، وقد تدربت كتيبة الإخوان السوريين في “قطنا” ثم سافرت إلى منطقة القدس وقد شارك من الإخوان السوريين حوالي 100، بقيادة المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السباعي، وقد اشتركوا ببسالة في معارك القدس، مثل معركة باب الخليل التي أصيب فيها 35 منهم بجراح، وكان النصر معقودًا فيها للمجاهدين، ومعركة القسطل حيث شارك فيها فوجٌ، منهم عبدَ القادر الحسيني، ومعركة الحي القديم في القدس، ومعركة القطمون، ونسف الكنيس اليهودي الذي اتخذه اليهود مقرًا حربيًا وغيرها .

رابعًا: دور الإخوان المسلمين الأردنيين

تفاعل سكان شرق الأردن مع حرب فلسطين، وشكل الإخوان المسلمون هناك لجنة لجمع التبرعات والمساعدات، كما فتحوا باب التطوع للمشاركة في الجهاد، وكان تجاوب الناس رائعًا، فيذكر محمد عبد الرحمن خليفة أنه عندما فتح باب التطوع في شعبة السلط سجل أكثر من ثلاثة آلاف شخص أنفسهم.

وتكونت من إخوان منطقة عمان وما حولها سرية متطوعين تضم نحو 120 مجاهدًا من الإخوان المسلمين، وسميت باسم سرية أبي عبيدة وقد تولى قيادتها الإخوانية الحاج عبد اللطيف أبو قوره المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن في تلك الفترة، أما قيادتها العسكرية فقد تولاها الملازم المتقاعد ممدوح الصرايرة، وقد دخلت فلسطين في 14/4/1948م وتمركزت في عين كارم وصور باهر.وقد خاضت هذه السرية عدة معارك واستشهد عدد من أفرادها.وفي إربد تولى مسئول شعبة الإخوان هناك السيد أحمد محمد الخطيب قيادة الإخوان فيها في حرب فلسطين، وبلغ مجموع من شارك معه في الجهاد من إخوان إربد وأهلها المتطوعين حوالي مائة مجاهد.

خامسًا دور الإخوان المسلمين العراقيين

بعد أسبوع واحد من قرار التقسيم أسهم الإخوان المسلمون في العراق بقيادة الشيخ محمد محمود الصواف بشكل فعال في تأليف (جمعية إنقاذ فلسطين) في بغداد، وكانوا من أبرز وأنشط عناصرها. ولقد لبى نداء التطوع 15 ألفًا معظمهم ممن تدرب في الجندية أو الشرطة. وكان للإخوان المسلمين في تلك الفترة دور أساسي في تعبئة الجماهير للجهاد، وكانوا على رأس المظاهرات التي خرجت للتنديد بقرار تقسيم فلسطين، والتي اشترك فيها 200 ألف عراقي في بغداد.وتألف من المتطوعين للجهاد كتيبتا الحسين والقادسية (كل واحدة تتكون من 360 مقاتلًا) وقد وصلتا إلى فلسطين في مارس 1948م.

كما اشترك ضمن الأفواج التي ذهبت للجهاد الكثير من إخوان العراق الذين قاتلوا ضمن قوات جيش الإنقاذ، ورأوا الكثير من تخاذل وضعف وسوء إدارة قيادته وعلى رأسه فوزي القاوقجي، إلا أنهم بذلوا ما استطاعوا في المعارك التي شاركوا فيها خصوصًا في شمال فلسطين.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close