fbpx
الحركات الإسلاميةكتب إليكترونية

هل خرجت داعش من رحم فكر الإخوان المسلمين ؟ المقدمة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تقديم

تشهد الساحة الفكرية والسياسية في الخليج والعالم العربي والعالم أجمع جدلاً مستحقاً حول تنظيم «داعش» الإرهابي المتوحش، ويتساءل كثيرون من أين جاءنا «داعش»؟ ما مرجعيته الدينية؟ وما مصادره فكرياً وسياسياً وحركياً؟

ومع بناء التحالف الدولي ضد «داعش» والذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومعهما أربعون دولةً تصبح هذه الأسئلة مستحقة وجديرة بالإجابة المتأنية التي تعتمد على العلم لا العاطفة، لأن كثيراً مما يطرح اليوم يراد به إدانة جماعة الإخوان المسلمين بتهمة العلاقة مع «داعش» من منطلقات متعددة ،وتثير أمام الرأي العام عدة تساؤلات منها ماهو حقيقي وموضوعي ومنها ماهو وهمي وتأمري توجيهي للرأي العام ،وطبعا هذه الأسئلة اشتركت فيها الأقلام الإعلامية و بعض المخابر البحثية والسياسية ولاسيما مع حدوث اي عملية إرهابية ومع نشوء أي جماعة مسلحة بخلفية إسلامية ،وهو سؤال ترك شبهات كبيرة وقراءات متعددة منها من يجيب بنعم ويستدل ببعض الحوادث والتصريحات ،ومنها من يجيب بلا ويستدل كذلك ببعض المواقف والبيانات .

ومع تنامي العمل الجهادي الإرهابي في الفترة الأخيرة في غير مكان من المنطقة العربية، من سوريا إلى تونس مرورا بالعراق ومصر وليبيا وغيرها، طرح إشكال دواعي تمدد التعبيرات العنيفة، وعلاقة جماعة الإخوان بالعنف المسلّح وهل عرفت الجماعة تغييرا في رؤيتها لمسألة الجهاد؟ وماذا “وفرت للجماعات الجهادية الإسلامية الأخرى؟ وماذا يعني حرص الإخوان على عدم “التورط في التغيير المسلّح أو الجهادي اقصد في البلدان التي تعاني من الاستعمار ؟ وهل مايحدث في دول الربيع العربي التي تعرف فيها تسليح للثورة مثل ليبيا وسورية والعراق واليمن اليوم من موقف جديد للإخوان في هذه المناطق وماهي طبيعة الصلة بينها وبين تنظيمات مسلحة تختلف عن الإخوان في الفكرة والمشروع ؟

وقد زاد النقاش حول هذا الموضوع القضية انطلاقا من بعض التصريحات التي خرجت من بعض الشخصيات في الفترة الأخيرة حول علاقة جماعة الإخوان المسلمين بداعش، أحدها من أحد قيادات الإخوان الشيخ يوسف القرضاوي،الذي نشر توضيحا لكلامه الذي قال عنه انه اقتطع وأول تأويلا غير سليم  ، أما الشيخ القرضاوي فقال بأن (أبو بكر) البغدادي كان سابقا عضو سابق في جماعة الإخوان،وكان هذا التصريح الذي نقضه توضيح الشيخ يوما بعد انتشاره دليلا قويا عند الفريق الذي يقول بوجود العلاقة ،وتواصل النقاش في هذه القضية ولكن بمنطق لا يخضع إلى الدليل المادي على إثبات أو نفي هاتين الفرضيتين .

والعودة إلى طرح هذا السؤال في هذه الدراسة ليس المقصود منه تبرير مواقف الإخوان او تضليل الرأي العام بدلائل ومؤشرات وبيانات وتصريحات القيادات الاخوانية او من يتعاطف مع الجمعة ،ولكن المقصود من هذه الدراسة هو بحث بعض مفاصل العلاقة بين مفهوم الإرهاب والعنف والجهاد من منظور مختلف ،وفحص الأدلة التي يستند إليها القائلين بنعم والقائلين بنعم لمقاربة الإشكالية ليس من منظور الوقائع فقط ولكن من منظور الخلفيات التي تقف وراء الفريقين ،وكيف يمكن أن نصل في النهاية إلى تنقيح مناط القضية في اتجاه البحث عن الحقيقة ومعرفة ثوابتها ومتغيراتها في سياق كلي شامل لا يقف عند الجزئيات بل يراكمها ليصنع الصورة الكاملة تصويبا لأخطاء الإخوان التي تجعل فريق من الخبراء يتهمهم بأنهم مصدر قلق سياسي استراتيجي في المنطقة ، وتصحيحا للكثير من الأوهام والسخافات التي يحملها هذا الفريق أيضا ،وكشفا لمنطق الاستخدام والاستثمار والتوريط الذي تسلكه بعض القوى الإقليمية لفرض هيمنتها على المنطقة العربية وجعل العالم الإسلامي ميدانا للصراع والنزاع ومعارك التلهية بين أبنائه باستمرار .

وعند بحث الإجابة على هذا السؤال الاستفزازي للبعض ،قد يعتقد القارئ أنني حسمت الإجابة في السؤال المركب والذي جمع بين مفردتين مركزيتين في الدراسة وهي داعش ورحم الإخوان ،من منطق أن مجرد طرح السؤال بهذا الشكل ستتفرع عنه أسئلة ثانوية ،مضمونها : من هي داعش ؟ كيف نشأت ؟ماهي إيديولوجيتها الفكرية ؟من يمولها ويسهل لها الانتشار السريع في المنطقة ؟هل علاقاتها بالإخوان علاقة فكرية أم علاقة سياسية او هي علاقة صفرية لا تكاد تجتمع على عامل من عوامل التشابه ؟هل داعش هي استمرار للقاعدة ام انها منافس لها ؟ وهل داعش التي تنتشر في العالم العربي ولاسيما في الدول التي تعرف اضطرابات سياسية مسلحة هي كم منسجم يخضع لأسباب تأسيس واحدة وقيادة واحدة تأمر فتطاع أم أن داعش العراق مثلا تختلف عن داعش سوريا وعن الفلول الداعشية التي تبايع البغدادي في العالم ؟ثم ماهو السر في ان اغلب منخرطي داعش خارج العراق من جنسيات متنوعة ومن اوروبا على وجه الخصوص ؟ ثم لماذا المقارنة مع الاخوان ؟هل صرحت داعش و الإخوان عن طبيعة العلاقة بينهما حتى نطرح سؤال العلاقة ؟ أم أن السؤال يستغرق إرادات سياسية فوقية تستخدمها القوى الإقليمية وتستثمرها القوى الدولية لفرض خيارات إستراتيجية في المنطقة تكون فواعلها الأساسية داعش والإخوان سيما بعد بروز القوة السياسية لهذه الاخيره في المنطقة وفي كل الاستحقاقات السياسية الشعبية ؟ثم هل يعني هذا إننا نقصد الإخوان المسلمون في كل المنطقة العربية والإسلامية أم أن المقصود هو مقارنة داعش بإخوان مصر الذين اتهمهم قضاء الانقلاب بالحركة الإرهابية ؟وهل هنالك فعلا مدرستين داخل الاخوان المسلمين واحدة تنهل من فكر الإمام البنا والأخرى تنحت من فكر سيد قطب رحمهما الله جميعا ؟ وماهو الفرق بين المدرستين ان وجدتا ؟ ثم مامدى صدقية الدعاية الإعلامية المصرية العملاقة  التي تستهدف جماعة الإخوان المسلمون في مصر وتحرش عليهم في كل العالم بغرض صياغة تحالف دولي ضد الإخوان او بالأحرى ضد فكر الاخوان المسلمون ؟

هي تساؤلات فرعية سنختبر بها الفرضيات المطروحة أمامنا ،نقصد الفرضية التي تقر العلاقة والفرضية التي تنفي العلاقة بين داعش والإخوان ،وسنجد أنفسنا مضطرين إلى استخدام منهجين لمقاربة هذا الموضوع وهو المنهج التاريخي والمنهج التحليلي ،على اعتبار القضية المطروحة هي في النهاية محاكمة لفكر جماعة عمرت ما يقارب القرن من الزمن ،وكانت فاعلا رئيسيا في أحداث الأمة العربية والإسلامية ،تعرضت في مسيرتها إلى مراحل حساسة جدا سواء تعلق الأمر بمرحلة المحنة والسجون او مرحلة مواجهة فكر إسلامي مشوه تستخدمه بعض الأطراف المستفيدة من حالات التعفين والتأزيم في الأمة حتى لا تعرف اليقظة ثم النهضة ثم الأستاذية.

ونحن هنا أمام نسقين من التفكير: نسق مغلق في التفكير هو  إن تبنى فكرة معينة عن قضية ما بناء على تصورات سابقة ثم تبحث عما يثبت فكرتك ورأيك الذي تقدمه دون الاخذ بالوقائع التي تحدث الآن ،او التفاعلات التي تغير المسارات من خلال تأثير  مواقف الآخرين فيها ،فهناك مجموعة من الناس تبنت فكرة أن الإسلاميين إرهابيين ومتشددين وذلك من خلال المسلسلات والإعلام الكاذب وغيرها من الوسائل، فهؤلاء  يتبنون فكرة مسبقة وكل ما يفعلونه هو البحث عن أي دليل وأي كلمة وأي صورة تثبت هذه الفكرة وهو ليس مستعدا لمراجعة فكرته ورأيه إطلاقا ويستبعد أي رأي آخر ويتجنب أي حقيقة تخالف ما لديه من فكرة مسبقة ويصف أي معارض له بالتعصب والتشدد وغيرها من الأوصاف وعندما يرى أي حادثة شاذة تدعم فكرته يملأ الدنيا تطبيلا وترويجا لها مع أنها لا تمثل إلا حالة شاذة .

وفي المقابل هناك أيضا مجموعة من الناس ترى أن من لم يرفع شعاراتهم ولم يتشبه بهم في مظهره ولباسه وكلامه ، فهو منحرف وضال أو فاسق وعلى أحسن الأحوال ضعيف الإيمان ، وإذا رأوا أي إنسان يخالفهم في مظهرهم فان الحكم يصدر عليه مباشرة دون التأكد من ذلك ، وكل حركة يقوم بها هذا الإنسان حتى لو كانت بغير قصد فإنها تحسب عليه وتزيد قناعتهم انه فاسق ويدعون الله له بالهداية ، وهو ليس كذلك إطلاقا إنما هو لديه مظهر مختلف عنهم وطريقة في الحياة لا تخالف شرع الله إطلاقا ولكنها لا تناسبهم ولا تناسب ذوقهم والمصيبة أنهم يتكلمون باسم الدين في كثير من الأحيان.

إذن هذا النسق من التفكير يجعل الإنسان يطلق أوصافا وأحكاما على الناس والأحداث قبل أن يتبين من حقيقتها فهو يستند على صورة متشكلة مسبقة في ذهنه عما يراه.

ونسق مفتوح في التفكير: وهو عكس المغلق حيث لا يبني صورة مسبقة دون دليل،بل هو بناء قاعدة وفكرة من خلال المعلومات والأحداث الصحيحة والأدلة الواقعية ، وهو مستعد لتغيير أي صورة خاطئة سابقة إذا خالفت ما هو واقع وصحيح ، وأصحاب هذا التفكير لديهم قدرة كبيرة على اختيار القرارات الصحيحة والأحكام الراجحة في كثير من الأمور ولا يوجد بينهم وبين الآخرين نعرات ومشاكل في معظم الأحيان ، ومشاكلهم الوحيدة هي مع أصحاب التفكير المغلق الذين يرفضون أي فكرة تخالف ما ليهم للأسف الشديد.

كما أن بعض الإستراتيجيين في الغرب،ينظر إلى جماعة الاخوان المسلمين بمنظارين إثنين: منظار يقوم على أن الجماعة تهديد واقعي وجاد ضد الفلسفة الغربية بثقافتها وحضارتها ودينها ومن ذا تقوم كثير من دوائر النفوذ بتحريض السلط العربية والإسلامية ضد الجماعة لتجفيف منابع غذائها وعطائها سواء على المستوى الدولي كما وقع للقيادي الإخواني الدولي الأبرز يوسف ندا تجفيفا لمنابع التمويل والإمتداد بالعلاقات نحو أكثر ما يمكن من الدوائر الغربية أو على مستوى التشويه الإعلامي ومحاصرة القيادات ومنعهم من الدخول والخروج وغير ذلك. لا شك أن أكبر طرف يقف وراء ذلك هو الطرف الصهيوني الذي يدرك أكثر من غيره أن الجماعة تحمل في جيناتها الأولى التي غرزها فيها مؤسسها : حب فلسطين والمقاومة دونها وهو أمر وقع بالفعل وليس شعارا يرفع أو هما يفكر فيه.

ومنظار يقوم على الرصد والتحليل وأبرز ما في هذا الصدد قيام هيئة من الحكماء الدوليين مقرها سويسرا في مرات كثيرة على إمتداد العقود المنصرمة على إستنباط نتيجة قوامها أن حركة الإخوان المسلمين في مصر خاصة وفي العالم العربي والإسلامي بصفة عامة رقم سياسي وإجتماعي وشعبي وإستراتيجي لا يمكن شطبه من المعادلة بيسر وسهولة وأن أجدى شيء لتخفيف العبء على تلك الأنظمة التي تواجه الإحتقان ضدها هو الإعتراف بالجماعة ومختلف مكوناتها بسبب أنها معتدلة نسبيا ويمكن التحاور معها. بث ذلك مرات ومرات إلى الحكومة المصرية في عهد المخلوع مبارك ولكن كما قال الشاعر:

لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close