أزمة التمريض: الأسباب وبدائل المواجهة
ملخص تنفيذي
يعاني النظام الصحي في مصر من نقص حاد في أعداد هيئة التمريض بالمستشفيات، ويشترك في ذلك جميع المستشفيات العاملة في المجال العام المصري سواء كانت تابعة لوزارة الصحة أو المستشفيات الجامعية، أو القطاع الخاص، وقد نتج عن ذلك النقص تراجعا في أداء الخدمة الطبية بالمستشفيات، وإغلاق بعض الأقسام.
ولحل مشكلة أزمة التمريض في مصر، يوجد اتجاهان أساسيان، هما:
الاتجاه الأول: هو الاتجاه الذي تطرحه وزارة الصحة ونقابة التمريض، ومفاده أنه ليس هناك عجز في هيئة التمريض بمصر، وأن هناك تسربا ناتجا عن ضعف الرواتب فقط، وأن تخريج عشرة آلاف ممرض كل عام لن يحل أزمة العجز الناجم عن التسرب.
أما الاتجاه الثاني؛ فيقول إن هناك عجزا فعليا في أعداد هيئة التمريض الذي أقرته منظمة الصحة العالمية، وأن أساس العلاج هو الارتقاء بجودة الخدمات التعليمية المقدمة وتوحيد المنظومة التعليمية في برنامج واحد فقط وهو برنامج التعليم الجامعي.
ولا ينكر الباحث أهمية الطرح الأول، لكنه يعتقد بعدم كفايته، وعدم تبلوره بناء على الواقع الفعلي للأزمة، وأن المقترح الثاني أكثر شمولا وواقعية واقترابا من المشكلة، وبالرغم من أنه سيتطلب جهدا كبيرا ووقتا طويلا وتكلفة مرتفعة إلا أنه يمثل الحل الأكثر موائمة وواقعية لأزمة التمريض في مصر.
وتكمن أهمية الحل الثاني المرتبط برفع الكفاءة التعليمية والمهنية لأعضاء مهنة التمريض في أنه يعد الطريقة المثلى لتغيير النظرة المجتمعية الرافضة لمهنة التمريض، كما أنه يساعد على توحيد المسار التعليمي والمهني لأعضاء مهنة التمريض بما يخلق تفاهما وانسجاما ووحدة الأهداف والتطلعات لأعضاء مهنة التمريض ويقوي الروابط النقابية ويساهم في بلورة مطالب أعضاء مهنة التمريض بشكل أكثر واقعية، كما يساهم في تطوير قدرتهم في التعبير عن تلك المطالب. وعلى المستوى المهني سيساهم هذا الحل في القضاء على ظاهرة تغيير المسار الوظيفي، والتي ستتطلب الحصول على مؤهل جامعي جديد لتحويل المسار، كما سيساعد في تقليل الفجوة العلمية مع أعضاء المهن الطبية الأخرى ويساهم في بناء قدرات وظيفية قادرة على المشاركة في صنع القرار والتصرف في المواقف الصعبة.
أولا: تحديد المشكلة وجمع الأدلة:
تعاني مصر من مشكلة في أعداد العاملين بالتمريض، ويظهر هذا العجز في أشكال أربعة رئيسية:
1-العجز الكمي العددي:
يتم حساب متوسط احتياج سوق العمل من التمريض من خلال عدد الممرضات × 10000 ÷ عدد السكان[1]. أكدت منظمة الصحة العالمية أن الوضع المثالي للتغطية المثلى لأعداد التمريض لكل 10000 مواطن تكون 40 ممرضة، وأن أكثر من 60% من دول العالم لديهم تغطية أقل من 40 ممرضة لكل 10 آلاف مواطن، في حين أن 25% من دول العالم أقل من 10ممرضات لكل 10 آلاف مواطن[2]، كما أكد البنك الدولي عند حساب عدد الممرضات لكل 1000 مواطن على مستوى جميع دول العالم أن مصر بها 1.4ممرضة لكل ألف مواطن، أي ما يعادل 14 ممرضة لكل 10 آلاف مواطن في العام 2017، وأضاف تقرير البنك الدولي أن منظمة الصحة العالمية أقرت في عام 2006 أن الدول التي تغطية التمريض بها أقل من 25 ممرضة لكل 10 آلاف بحاجة إلى زيادة أعداد التمريض [3].
ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي نشر في 2017، فقد بلغ إجمــالي عـدد أعضاء هيئة التمريض القائمين بالعمل فعـلاً بالقطاع الحكومي 187090 ممرضة عام 2016[4]، وقد بلغ عدد أعضاء هيئة التمريض بالقطاع الخاص 20053 ممرضة، فيما بلغ إجمالي عدد أعضاء مهنة التمريض المقيدين بالنقابة العامة للتمريض 243529 عضوا. وبالتالي فإن مصر تعاني عجزا حقيقيا في أعداد التمريض، فوفقا لمعيار منظمة الأمم المتحدة من المفترض أن يكون عدد الممرضات العاملات بالقطاع الحكومي ٩١٠٢٣٣٩٣ ×40÷10000 = 365 ألف ممرضة كمعيار مثالي، أو 227 ألف ممرضة كمعيار متوسط بالنسبة لعدد السكان البالغ 91,23 مليون نسمة وفق تقدير الجهاز المركزي للتعبئة العامة الإحصاء لعدد سكان مصر الذي وضعه كمؤشر للتقرير[5].
وبناء عليه فإن القطاع الحكومي المصري يعاني عجزا حرجا يقدر بـ 40 ألف ممرضة تقريبا كحد أدنى، أي ما يعادل 17,6% عجزا ملحا وهي نسبة مرتفعة، وقابلة للزيادة.
فيما أكدت نشرة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة في نوفمبر 2019 أن إجمالي عدد الممرضات بالمستشفيات الحكومية يعادل ممرضة لكل 688 مواطنا، وهو ما يعني أن نسبة التمريض تمثل 1.45 ممرض لكل 1000 مواطن كما أكد تقرير البنك الدولي[6].
وهكذا، نجد أنه طبقا للإحصاءات المحلية الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أو الإحصاءات الصادرة من المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية فإن مصر تعاني من نقص واضح في أعداد التمريض.
1- عدد السكان |
2- عدد التمريض المثالي طبقا للمواصفات الدولية |
3- عدد التمريض المقبول بها في المتوسط |
4- العدد التمريض الفعلي في مصر |
5- العجز الحرج |
6- العجز بالنسبة للوضع المثالي |
7- نسبة العجز بالحرج |
8- نسبة العجز للوضع المثالي |
9- 91,23 مليون نسمة |
10- 365 ألف |
11- 227 ألف |
12- 187 ألف |
13- 40 ألف |
14- 178 ألف |
15- 17,6% |
16- 51,25% |
جدول رقم 1: نسبة العجز في أعداد التمريض في مصر الجدول من إعداد الباحث
2-العجز الكيفي: التأثير السلبي لمدارس التمريض
فالالتحاق بمدارس التمريض يكون في سن الخامسة عشر ويجوز بقرار من وزير الصحة أن يتراجع شرط السن ستة أشهر ليصبح 14 سنة ونصف[7]، وقانون الطفل يحذر من ممارسة الأطفال في مثل هذه السن الصغيرة للعمل بشكل عام والعمل المرتبط بالمخاطر وحياة المرضى على وجه الخصوص.
اعتبرت تلك المدارس ضمن المدارس الفنية والتي كانت تحصل على مجموع ضعيف أقل من مجموع الثانوية العامة. وساهمت تلك المدارس في خلق أجيال ضعيفة مهنيا وتعليميا، وهذا ما نتج عنه تراجع في تصنيف قطاع التمريض في مصر وتضاؤل الطلب عليه[8]. مثّل هذا التوجه الخط العام للسياسات التعليمية الخاصة بالتمريض، وهو ما نتج عنه مشكلة كبيرة وهي أن 75% تقريبا من أعداد هيئة التمريض في مصر حاصلون على دبلومات فنية وعدد الحاصلات على مؤهلات عليا لا يتجاوز الـ 25%.
وكما يتضح، فإن المشكلة لم تعد فقط في نقص أعداد أعضاء هيئة التمريض، ولكن في أن الأعداد الموجودة حالياً أو الناتجة من العملية التعليمية لم تحظ بفرص التعليم الجيد والتدريب اللازمين لرفع مستواهم المهني. وهي أمور قصرت فيها الحكومات المتعاقبة وتحمل نتائجها السلبية خريجو التمريض من هذه المدارس
يعد منع تغيير المسار الوظيفي هو أول نتائج تحسين مستوى جودة التعليم وتوحيد برامج التعليم في برنامج واحد فقط وهو بكالوريوس التمريض، فالتسرب الناجم عن تحويل المسار الوظيفي راجع لسببين؛ الأول حصول الممرضات على دبلوم تمريض وما يترتب عليه من السعي إلى تحويل المسار المهني بالعمل في وظائف كتابية أو كزائرة صحية بالمدارس، ثانياً ظهور كليات التعليم المفتوح التي سمحت بتحويل الممرضات الحاصلات على دبلوم تمريض إلى مهن إدارية بعد الحصول على درجة علمية جامعية من تلك الكليات خصوصا كليتي التجارة والحقوق، وهو ما يترتب عليه تغيير المسار الوظيفي.
ومن النتائج المتوقعة أيضا لتحسين مستوى التعليم تعظيم قدرات فريق التمريض بما يساهم في زيادة كفاءة العمل وتقليل الأخطاء المهنية، وتعميق مفهوم القابلية للتطور، وهو ما يساهم بدوره في تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة ويقلل من العجز الكيفي.
3-التسرب للعمل خارج وزارة الصحة
بلغ إجمالي عدد الخريجين في عام 2016 7200 خريج على مستوى الجمهورية، موزعون كالتالي إجمالي أعداد خريجي كليات التمريض 4 آلاف و687 في العام -إجمالي أعداد خريجي المعاهد الفنية للتمريض 2513.
- جدول رقم 2: القطاعات الرئيسية التي يشتغل بها العاملون في التمريض
18- المقيدون بنقابة التمريض |
19- العاملون بالقطاع الحكومي |
20- العاملون بالقطاع الخاص |
21- أخرى[9] |
22- 243529 عضوا |
23- 187090 عضوا |
24- 20053 عضوا |
25- 36386 |
26- النسبة المئوية |
27- 76,82% |
28- 8,24% |
29- 14,94% |
- وفقا للبيانات سالفة الذكر فإن ما يمثل تحديا حقيقيا؛ هو العمل بالقطاع الخاص والذي بلغ 8,24% من إجمالي عدد المقيدين بالنقابة، أما السفر للخارج والحاصلات على إجازة رعاية طفل والممرضات بالمعاش غير العاملات قد بلغ 14,94% فقط. فإن الباحث يعتقد أن نسب العاملات بالخارج ضئيلة للغاية ولا تتخطى حاجز الـ 5% وأنها لا تعد سببا من أسباب التسرب، كذلك إجازة رعاية الطفل هي وضع مؤقت ينتهي بمجرد بلوغ الطفل ست سنوات وتعود بعدها الأم لممارسة عملها، وهو حق قانوني مكفول لجميع العاملات بالدولة وليس مقصورا على العاملات بمهنة التمريض فقط.
الإشكالية المهمة الناتجة عن تزايد أعداد أطقم التمريض المتفرغات للعمل بالقطاع الخاص مرتبطة بمعيار الجودة والتخصص، فالقطاع الخاص يتطلب عمالة مهرة كذلك يستوعب الممرضات الحاصلات على كلية تمريض صاحبات الخبرة في مجالات الرعاية المركزة والعمليات والطواري والصحة النفسية، وهذا بدوره يؤثر بشكل كبير على تلك الأقسام بالمستشفيات الحكومية.
4-العجز الهيكلي خلل سياسات التوظيف.
- ب أسباب العجز بالمستشفيات الجامعية: عامل التوزيع الجغرافي، زيادة أعداد المستشفيات الجامعية، نظام تعديل التكليف.
- ب أسباب العجز بمستشفيات وزارة الصحة: النقل من مستشفى لأخرى، النقل إلى الوحدات الصحية، الهروب من العمل بالمناطق النائية[10].
بناء على العرض السابق للمؤشرات، فإن الورقة تقدم تعريفا أشمل لمشكلة عجز التمريض في مصر بأشكالها المختلفة باعتبار أنها تتمثل في “وجود عجز واضح في أعداد العاملين بقطاع التمريض المصري مقارنة بالقياسات العالمية، كذلك وجود عجز ناجم عن تراجع مؤشرات جودة أداء التمريض نظرا لانخفاض مستوى التعليم، بالإضافة إلى العجز الناجم عن التسرب من العمل داخل وزارة الصحة، وأخيرا العجز الهيكلي الناجم عن سوء التوزيع”.
ثانيا: تحديد الأطراف المعنية.
1-جهات حكومية تنفيذية وزارة الصحة -وزارة التعليم العالي
من المهم أن يتم تغيير قواعد التكليف التي تسمح بتفريغ المستشفيات الجامعية من الأعداد المكلفة عليها نتيجة لسياسة تعديل التكليف، ومن المهم أيضا توفير عوامل جذب لتلك المستشفيات بما يساهم في قبول تلك المستشفيات طواعية، ومن أهم عوامل الجذب إلى جانب الحوافز المالية تهيئة المناخ للحصول على فرص تدريب أعلى، كذلك الحصول على دراسات عليا.
وبناء عليه فإنه يجب تعميق مفهوم الممرض المتخصص من خلال الدراسة الجامعية واختيار أفضل العناصر للعمل بالمستشفيات الجامعية على اعتبار أن المستشفيات هي الجهة الأكثر احتياجا وإلحاحا وأنها تتطلب توافر أفضل العناصر التمريضية نظرا لوجود أقسام العمليات والطوارئ والحروق والعناية المركزة والحضانات والغسيل الكلوي بالمستشفيات.
بالنسبة لوزارة الصحة من المهم تفعيل قرار وزير الصحة رقم 163 لعام 2009 والذي يمنع تحويل الممرضة من مستشفى إلى وحدة صحية إلا بكومسيون طبي.
تقوم وزارة التعليم العالي بتوسيع قاعدة الجامعات الخاصة التي تدرس بكالوريوس التمريض على غرار ما تم مع كليات الطب والصيدلة والأسنان والعلاج الطبيعي.
2-البرلمان الجهة التشريعية.
الجهة التشريعية في مصر هي أحد أهم أسباب خلل الهيكل الوظيفي بالمستشفيات الحكومية وذلك بتدخلها وضغطها على الجهة التنفيذية من أجل نقل الممرضات بشكل غير مدروس وغير متوافق مع الاحتياجات الفعلية للتشغيل.
البرلمان وإدارة الفساد
يعد القضاء على الفساد المترتب على تدخلات أعضاء مجلس النواب للحصول على تأشيرات لنقل الممرضات من العمل المستشفيات إلى العمل بالوحدات الصحية أو جهات إدارية من أهم الإشكاليات المرتبطة بعملية الإصلاح الإداري في مصر.
وقد ترتب على تلك الظاهرة الخلل الحالي في هيكل عمل المستشفيات الحكومية وفي هذا السياق نورد المثال التالي:
في ديسمبر 2017 قام وزير الصحة السابق أحمد عماد الدين بنقل مدير مديرية الشؤون الصحية بالجيزة لرفضه تنفيذ 150 تأشيرة لأعضاء مجلس النواب بنقل أطباء وممرضات من مستشفيات بها عجز إلى مستشفيات أخرى، وقام على إثر الواقعة وكيل الوزارة بتقديم الملف إلى الرقابة الإدارية ونشر التأشيرات في الإعلام – دون أي استجابة من تلك الأجهزة-، يمكن مراجعة التأشيرات من خلال الرابط التالي[11].
لكن هذا التدخل في عمل الجهات التنفيذية لا يقتصر فقط على أعضاء البرلمان، بل يمتد ليشمل كبار العاملين في وزارة الصحة، والعاملين في المحافظات والهيئات المحلية وغيرها، وهي أمور مرتبط بمنظومة الفساد والمحسوبية في مصر. لذلك فإن البرلمان مكلف ليس فقط بسن تشريع يمنع أعضاءه من التدخل في خطط تشغيل وتسكين الممرضات على أماكن الاحتياج الفعلي للعمل، ولكن تشريعات عامة تشمل كل الهيئات الأخرى بعد التدخل في الأمور الإدارية. بمعنى أخر أن دور البرلمان يجب أن يكون القضاء على المحسوبية والفساد في الجهاز الإداري كظاهرة عامة. كذلك من دوره؛ العمل على سن تشريعات تحمي الممارسين الصحيين بشكل عام من الاعتداء، بالإضافة إلى دور البرلمان في الضغط على وزارة المالية لتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لتحسين أجور أعضاء المهن الطبية.
1-وسائل الإعلام
دور الإعلام مهم في تحسين الصورة الذهنية السلبية التي تكونت عبر عقود عن مهنة التمريض، كذلك إلقاء الضوء على أهمية المهنة بالنسبة لحياة المرضى، وحجم الصعوبات التي تواجهها الممرضة نتيجة لطبيعة المهنة التي تجعلها تتعامل مع حالات حرجة وطارئة وما يتطلبه ذلك من جهد بدني ونفسي ومهني شاق، كذلك هنا ضرورة للإشادة بتجربة كليات التمريض والحث على تعميمها.
2-نقابة التمريض
فصل اختصاصات النقابة عن وزارة الصحة من خلال وضع اشتراطات ولوائح تضمن عدم ازدواجية لمهام النقيب الجمع بين العمل النقابي وتولي وظائف قيادية بوزارة الصحة، ويعد هذا الطرح هو الأساس لاستقلال النقابة عن الوزارة.
3-المستشفيات الخاصة.
العلاقة مع المستشفيات الخاصة يجب أن تكون علاقة مع شريك مجتمعي يسعى إلى تحقيق الغاية الكلية وهي حصول المريض على خدمات طبية لائقة، وبالتالي فإن المستشفيات الخاصة شريك مهم في رفع كفاءة أعضاء الفريق الطبي، ومن المهم إشراك المستشفيات الخاصة في برامج التدريب والتخطيط الاستراتيجي وتحديد الاحتياجات والتحديات التي تواجه عمل تلك المستشفيات.
ثالثا: البدائل المقترحة
33-أولا: بديل وزارة الصحة ونقابة التمريض:
ترى وزارة الصحة والنقابة العامة للتمريض أن أزمة التمريض تكمن في ضعف الحافز المالي، وبالتالي فإن علاج هذه الإشكالية سيقضي على الأزمة في الحال، وكما صرحت نقيب التمريض من قبل أنه ليس هناك عجز في التمريض وأن تخريج عشرة آلاف ممرض يوميا لن يحل المشكلة، وأن المشكلة تكمن في التسرب.
صعوبة نجاح هذه الطرح في أنه لم يضع يده على جميع أركان المشكلة بالرغم من تحديده لأحد أهم عناصر العلاج والذي بدونه ستضيع أي جهود لإصلاح منظومة التمريض في مصر.
كما أن هذا الطرح يضخم من ظاهرة التسرب وبالأخص من الناتج عن العمل بالخارج أو الحصول على إجازة رعاية الطفل، ويتجاهل في نفس الوقت الإشارة إلى التسرب الناتج عن العمل بالمستشفيات الخاصة، ولا يحاول علاج مشكلة التسرب من المستشفيات إلى الوحدات ويستسلم لإجراءات غير قانونية خاضعة لنظام المحسوبية الذي يتيح لأعضاء البرلمان نقل أعضاء هيئة التمريض من المستشفيات إلى الوحدات بالمخالفة للقانون.
ثانيا: البديل المرتبط بتحسين جودة التعليم
أكدت منظمة الصحة العالمية على أهمية وجود نظام تعليمي واحد فقط وليس ازدواجية في السياسات التعليمية كما هو الحال في مصر، وأشارت إلى أن هذا النظام يكون من خلال برنامج بكالوريوس التمريض[12]، ويترتب على تطبيق هذا البديل إلغاء مدارس التمريض، وذلك لعدة أسباب:
- أن تسع سنوات دراسة غير كافية لتأهيل الطلاب لدراسة مواد التمريض بعد الإعدادية مباشرة، وهو ما أقرت به منظمة الصحة العالمية.
- أن قانون الطفل يحظر على الأطفال في سن الخامسة عشر تحمل مسؤولية التعامل مع المرضى والتعرض للتدريب بالمستشفيات، وما يترتب عليه من احتمالية الإصابة بالعدوى نظرا لعدم قدرة الطفل على اتباع اشتراطات مكافحة العدوى بشكل صارم مثل الكبار.
- أن الطفل في ذلك الوقت يكون غير قادر على اختيار مساره الوظيفي، وتكون رغبة ولي الأمر هي السبب في دخوله مجال التمريض بدافع الحصول على وظيفة حكومية، وهو ما يساعد على تحويل المسار الوظيفي والتسرب المستقبلي وعدم حب المهنة.
- أن مدارس التمريض ساهمت بشكل كبير في تكوين صورة سلبية عن المهنة نظرا لعدم التأهيل ولقصرها على الفئات الريفية والمهمشة، وهو ما يجعل الطبقة الوسطى تحجم عن إرسال أبنائها إلى تلك المدارس.
جدول رقم 3 مقارنة بين إيجابيات وسلبيات المقترحين
|
مقترح تحسين الأجور وزارة الصحة |
مقترح جودة التعليم منظمة الصحة العالمية |
الإيجابيات |
1-رفع المقابل المالي ليقترب من لقطاع الخاص بما يساهم في تقليل نسبة التسرب. 2- تحسين ظروف ودوافع العمل لدى العاملين بالتمريض نتيجة لتقليل الضغوط المالية. 3- في حال تطبيقه يعتبر حلا جذريا لمشكلة التسرب ويؤتي ثماره على المدى القريب. 4- تساهم الاستقطاعات المالية الخاصة بالتأمينات والمعاشات في تقليل معدل التسرب نتيجة لارتفاع تلك الاستقطاعات مع زيادة الدخل.
|
1- القضاء على التسرب الوظيفي إلى مهنة أخرى. 2- سد احتياجات المستشفيات نظرا لبروز مفهوم الممرض المتخصص[13]. 3-تقليل الفجوة العلمية مع باقي أعضاء الفريق الطبي بما يخلق جوا مهنيا سليما ويشعر أعضاء التمريض بأنهم جزء من الفريق الطبي. 4-توحيد البرنامج التعليمي يساهم في خلق حالة من التجانس داخل أعضاء مهنة التمريض. 5- إتاحة الفرصة أمام خلق برامج حقيقية للتدريب والتعليم المستمر والحصول على دراسات عليا وبالتالي الترقي المهني. |
السلبيات
|
1- النظرة الضيقة وقصر الأزمة على المقدرات المالية فقط. 2- عدم قيام وزارة الصحة بدورها الأصلي كجهة تنفيذية مسؤولة عن تدبير الموارد المالية والاكتفاء بلعب دور الجهة الاستشارية والاكتفاء بأنها طرف صاحب مطالب مثلها مثل الجماعات النقابية أو الجهات الاستشارية، وهو ما يؤثر على حدية الطرح 3- عدم مناقشة الخلل الناجم عن سوء التوزيع وتراجع مؤشرات التعليم والقرار بإشكالية النقص العددي. |
1- يتطلب تطبيق هذا المقترح مدى زمني طويل يتراوح بين 10 و15 سنة 2- يتطلب موارد مالية مضاعفة حيث أن التوسع في التعليم لعالي سيتطلب إنفاق أكبر من نظام التعليم المتوسط، كما أن الحاصلين على مؤهلات عليا سيحصلون على أجور أكثر ارتفاعا من الحاصلين على مؤهلات متوسطة. 3-لا يتواءم مع طبيعة الإدارة بمستشفيات الحكومة التي تتسم بالبيروقراطية والثبات الإداري، وهو ما سيترتب عليه عدم قدرة أعضاء هيئة التمريض على المشاركة في صنع القرار. |
الوسائل المقترحة للتغلب على السلبيات |
1-تفعيل دور المجلس الأعلى للصحة كجهة استشارية تقوم بتعزيز المفهوم الشامل للأزمة لدى وزارة الصحة. 2- فتح حوار مجتمعي شامل بشان أزمة نقص التمريض في مصر. |
1-تعميق التواصل الفعال مع منظمة الصحة العالمية للاستفادة من التجارب والخبرات المتراكمة، والحصول على المعونة الفنية والاستشارات العلمية. 2-تفعيل دور الإعلام لتسليط الضوء على أهمية الاهتمام بجودة التعليم، وما سيترتب عليه من علاج فعال لأزمة التمريض على المدى البعيد. |
1-معايير المفاضلة بين السياسات المطروحة
تهدف الورقة إلى علاج أزمة عجز التمريض في مصر من خلال تطبيق عدة معايير تساهم في سد الفجوة الحالية وتحويل التمريض إلى مهنة جاذبة وليست طاردة للعمالة، وذلك من خلال عدة معايير، هي:
2-أ الوصول إلى نظام مالي عادل.
يعاني أرباب المهن الطبية بشكل عام من تراجع المقدرات المالية والحوافز الشهرية التي يحصلون عليها جراء العمل بالمستشفيات الحكومية، ويعد هذا العامل هو السبب المركزي لهجرة المستشفيات الحكومية والعمل بالقطاع الخاص أو السفر للخارج.
3-ب جودة التعليم.
اعتماد نظام التعليم الجامعي، والتشجيع على مواصلة الدراسات العليا، كذلك بناء نظام محكم للتدريب والتعليم الطبي المستمر، من الأمور المهمة لخلق مسار وطموح وظيفي يساهم في منع التسرب المهني والتحويل إلى مهنة أخرى، كذلك يساهم في سد العجز نتيجة توفير عمالة ماهرة تتطلب أعدادا أقل لإنجاز المهام بكفاءة وفاعلية.
4-ج نظام حوكمة الإدارة.
من المهم إشراك أعضاء هيئة التمريض في اتخاذ القرارات الخاصة بسير العمل وتحديد الاحتياجات الوظيفية، كذلك تقدير الموقف نظرا لملامستهم العمل على أرض الواقع، وهو ما يخلق مسؤولية تجاه المؤسسة ويعمق روابط الانتماء، ويقلل من ضغوط العمل، وبالتالي يساهم في خلق عامل جذب للعمل بالمستشفيات، ويكون ذلك من خلال ثلاث مستويات للحوكمة وهي الإدارة المشتركة shared governance- الإدارة السريرية Clinical governance-الإدارة العامة Public governance[14].
خامسا: المفاضلة بين الخيارات المتاحة:
قمنا بعرض السياسات البديلة المقترحة لحل أزمة التمريض في مصر والتي ترتكز على محورين مهمين وهما:
- محور التعليم باعتباره الوسيلة المثلى لحدوث حراك مجتمعي سليم يسمح بمحو الصورة الذهنية السلبة عن مهنة التمريض، كما أنه الوسيلة المناسبة لمنع التسرب الوظيفي وهجرة المستشفيات أو مهنة التمريض بشكل عام.
- محور الحوافز المالية الذي يفترض عدم وجود مشكلة وأن هناك تسرب من العمل نتيجة لضعف الحوافز المالية.
ويود الباحث الإشارة إلى عدة توصيات قد تساهم بشكل فعال في رسم مسار مستقبل أكثر أمانا واستقرارا للعاملين بمهنة التمريض:
- تغيير النظرة السلبية لوزارة الصحة والنقابة تجاه عمل التمريض بالقطاع الخاص. فالجامعة المصرية تقوم بتخريج ممرضات لسد احتياج سوق العمل المصري بأكمله الحكومي والخاص، ويجب أن يدفعها زيادة الطلب على الممرضات إلى زيادة أعداد المقبولين بالجامعات وفتح كليات جديدة من أجل تلبية احتياجات السوق المحلي.
- تعميق مفهوم الاستثمار البشري في التمريض، وذلك من خلال النهوض بجودة التعليم وخلق ممرضة قادرة على منافسة الممرضات الأخريات من الدول الاجنبية. يساهم هذا الاستثمار البشري في أمرين في غاية الأهمية: الأول أنه يرفع من مستوى الخدمة الصحية المقدمة في مصر للمواطنين، ويساهم في تحسين الحالة الصحية ما ينعكس إيجابا على التنمية وعلى الإنتاج. الأمر الآخر أنه يشجع على زيادة أعداد الممرضات المصريات العاملات في الخارج، وهو ما يساهم بشكل كبير في حدوث رواج اقتصادي بدخول عملة أجنبية إلى البلاد، كذلك الاستفادة من أموال الضرائب التي يدفعها الممرضات العاملات بالخارج.
- تكريس مفهوم العائد الاقتصادي الناتج عن توفر أعداد مناسبة من التمريض داخل المستشفيات، قادرة على العمل بكفاءة وفاعلية وفق معايير جودة معتمدة، حيث إن ذلك يساهم في الارتقاء بتنافسية المستشفى وبالتالي ارتفاع العائد نتيجة إقبال المواطن على تلك المستشفى.
- يساعد توافر أعداد هيئة التمريض بشكل مناسب وبجودة تعليمية عالية على تقديم الخدمة الطبية بشكل مناسب والحصول على رضاء المرضى، كذلك المساهمة في إنقاذ حياة المرضى، وقد أكدت آن ماري رفيرتي في بحثنا المنشور في The Lancet، أنه إذا كانت في حال بلوغ نسبة الحاصلين على درجة علمية عالية 60٪ على الأقل من نسبة الممرضات العاملات بالمستشفى، كذلك الحفاظ على نسبة ممرض إلى مريض بما يعادل 1: 6، فيمكننا تجنب وفاة 3500 حالة للمرضى سنويًا. وأشارت إلى أن ذلك يعد عائدًا كبيرا بالنسبة للاستثمار[15].
- تحديد الأولويات والاستغلال الأمثل للموارد البشرية المتاحة، من خلال تحديد الاحتياجات الفعلية وترتيب هذه الاحتياجات وفق أهميتها ومن ثم توزيع الموارد البشرية وفق تنوع المهارات والتخصصات المطلوبة. وبالتالي فإن استيفاء المستشفيات من الحد الأدنى من الاحتياجات التمريضية يكون أساس التوزيع، واستيفاء أقسام الاستقبال والطوارئ والعناية المركزة والعمليات والحضانات وحضانات الأطفال المبتسرين ووحدات الغسيل الكلوي له الأولوية عند توزيع الموارد البشرية.
خاتمة
بالرغم من تعدد الجهات المعنية بصنع القرار الخاص بمنظومة التمريض المصرية، إلا أن علاج أزمة التمريض في الوقت الراهن سيظل مرتبطا بأولويات النظام الحاكم، فالسؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: هل النظام لديه الرغبة في تحمل التكلفة المالية التي تتطلبها عملية زيادة أعداد الخريجين من كليات التمريض، وتوفير 50 ألف ممرضة على أقل تقدير في السنوات الخمس القادمة لسد عجز التمريض؟
إن تطوير منظومة القطاعات الخدمية والموارد البشرية العاملة بها مسؤولية النظام الحاكم، وجوهر صنع وتطوير السياسات العامة، وأن هناك ضرورة ملحة حاليا لتطوير العنصر البشري في القطاع الطبي بشكل عام نظرا لكونه قطاعا مرتبطا بحياة الإنسان بشكل مباشر.
كما أن مهنة التمريض على وجه التحديد تعد ثغرة كبيرة في الهيكل العام لمقدمي الخدمات الصحية نظرا لتدني مستوى التعليم الخاص بغالبيتهن، وبالتالي ضعف القدرات الوظيفية وضعف التواصل المهني والإنساني، وهو ما يؤثر سلبا على المنظومة الصحية بشكل عام [16].
الهامش
[1]– موقع وزارة الصحة والسكان، الرابط
[2]– The World Health Organization, link
– The World Bank, link[3]
[4]– الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نشرة مصر في أرقام-الصحة 2018، الرابط
[5]– راجع النشرة السنوية لإحصاء الخدمات الصحية لعام 2016، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الإحصاء في نوفمبر 2017، الرابط
[6]– راجع النشرة السنوية لإحصاء الخدمات الصحية لعام 2016، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نوفمبر 2017، الرابط
[7]– حنان عبد الهادي، 23 يناير 2019، الصحة تعيد تنظيم مدارس التمريض.. وترخص مكتبا علميا للأدوية، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة فيتو، الرابط
[8] أنظر، منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط، تعلم التمريض في إقليم شرق المتوسط، دلائل إرشادية للاتجاهات المستقبلية الرابط
– وائل ربيعي، 11 مايو2015، نقابة التمريض تقرر إلغاء القبول بمدارسها الثانوية بعد الإعدادية تدريجيا، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط
[9]– تشتمل كلمة أخرى على العاملين بالخارج والحاصلات على إجازات رعاية طفل والممرضات على المعاش، وذلك نظرا لعدم الوصول إلى أرقام حقيقية بشأن تلك الفئات.
[10]– يمكن مراجعة أسباب العجز بالمستشفيات باستفاضة بالرجوع إلى دراسة سابقة للباحث عن التمريض بعنوان: مصر ..التمريض و التسرب الوظيفي، الرابط ،
[11] – آية مصطفى، 22 ديسمبر 2017، وكيل صحة الجيزة المقال يقدم للرقابة الإدارية مخالفات الوزير مستندات، تاريخ الاسترداد 2019، بوابة فيتو، الرابط
[12]– منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط، الرابط
[13]– American Nurses Association. Link
[14]– Nursing governance: an integrative review of the literature ,link
[15]– Anna Marrie Raferty,Shortage of nurses in UK is affecting patient care and threatening lives, link
[16] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.