أزمة كورونا والنظام الدولي: الانعكاسات والسيناريوهات
شكّلت أزمة فيروس كورونا هزة فجائية على مستوى النظام الدولي، نتيجة انتشاره الواسع من بؤرة محلية انطلقت من الصين إلى بؤرة عالمية انتقل خلالها إلى معظم بلدان المعمورة. وأفرز هذا الوضع صدمة لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية نظرا لتداعياتها على الاستقرار العالمي، بحيث أدى إغلاق العالم جراء فرض حالة الطوارئ والحجر الصحي إلى حدوث تغييرات على شكل النظام الدولي الذي حدث فيه ارتباك كبير نتيجة هذه الرجّة العالمية التي كان لها تأثير كبير على مجال العلاقات الدولية. كما أفرزت الأزمة ضعفا على مستوى العمل المشترك ودور التكتلات العالمية والإقليمية الكبرى التي ثبت فشلها في مواجهة هذه الأزمة الصحية العالمية.
فقد أجبرت هذه الأزمة الصحية الجميع على إعادة التفكير في هيكل النظام العالمي وميزان القوى الخاصة به. فلا شك أن الجائحة هي أزمة كبرى ألقت بظلالها على جوانب عديدة، سواء على المستوى الصحي، الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي، أو حتى العسكري.
كما أن هذه الأزمة ستترك آثارا على النظام العالمي، ربما تستمر لأجيال عديدة بالتزامن مع تغيير واضح في أنماط العلاقات الاجتماعية داخل الدول، وأنماط العلاقات الدولية في النظام العالمي.
وبما أن الهيمنة والقيادة، يشكلان أبرز معالم النظام العالمي، والذي تتصارع عليهما القوى العظمى المتحكمة في مجريات الأحداث العالمية، فإن النقاش يحتدم حول احتمالية أن يشهد العالم تغييرا في مراكز السيطرة والتحكم. وهنا يُثار التساؤل المهم: هل سيكون النظام الدولي بعد كورونا كما قبله أم سيشهد تغييرات على مستوى ملامحه وتمركز فاعليه؟
المحور الأول: انعكاسات أزمة كورونا على النظام الدولي
1ـ التأثير على التفاعلات الدولية:
كشفت هذه الجائحة العالمية الضَعف الذي يعانيه النظام الدولي في مواجهة المخاطر والأزمات، بحيث عجزت أغلبية الدول في مواجهة هذه الأزمة العابرة للحدود، وذلك نتيجة التأثير الذي خلفته جائحة كورونا على التوازنات الدولية والإقليمية، الأمر الذي يضع فرضيات بروز مؤشرات حول التغيير الذي سيطال النظام الدولي في ظل التجاذبات التي تشهدها علاقات العديد من الدول وعلى رأسها العلاقة المتوترة بين واشنطن وبكين.
ولقد أفرز هذا الموضوع العديد من الفرضيات حول مآل التوازنات الدولية في ظل أزمة فيروس كورونا، فهناك، من أقر أن مراكز النفوذ والقوة ستتحول من الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية إلى دول آسيوية على رأسها الصين، نتيجة ما أسموه نجاحها في تدبير أزمة كورونا في مقابل سوء التدبير وضعف الاستجابة الذي رافق الإدارة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية، وهذا ما أكده ستيفان والت، والذي أيد فرضية انتقال مركز القوة والنفوذ من الغرب إلى دول آسيوية، وذلك بسبب قدرة هذه الدول على النجاح بالسيطرة على الفيروس من خلال نهج استراتيجية فعالة في التعامل مع الأزمة، الأمر الذي سيقوي مكانتها ومركزها داخل النظام الدولي، في مقابل ضعف التعامل مع هذه الجائحة الفجائية من جانب الغرب الذي شهد أعلى معدلات الإصابة على مستوى العالم. إذن، فإن القوة الآسيوية وعلى رأسها الصين مصممة على اكتساب مركزية جديدة في نظام عالمي منظم تقليديا لمحاكاة دول حلف الأطلسي[1].
لقد استطاعت الصين السيطرة على أزمة كوفيد-19 من خلال قدرتها على الضبط الاجتماعي عبر الاعتماد على طرق رقمية مبتكرة، وقدمت نموذجاً ناجحاً وصاعداً مقابل النموذج الغربي الذي أخفق في التعامل مع الأزمة، وذلك ما أعاد قضية التنافس بين الولايات المتحدة، بوصفها قوة مهيمنة، والصين، بوصفها قوة صاعدة، إلى الواجهة، وذلك في خضم تصاعد الجدال حول فكرة حتمية الصدام بين القوتين من عدمها[2].
ومن جهة أخرى، وفي إطار التوازنات الدولية، قامت الصين بمحاولة تقوية نفوذها الاستراتيجي من خلال الاعتماد على ما سُمي بدبلوماسية الكمامات من خلال تقديم مساعدات طبية لبلدان مختلفة، بحيث حاولت تعزيز صعودها مستفيدة من أزمة الولايات المتحدة بفقدانها السيطرة والحد من انتشار الفيروس وتداعيات ذلك على اقتصادها، وأيضا فشل بلدان الاتحاد الأوروبي في معالجة الأزمة[3].
ومن ذلك، يمكن القول إن هذه الأزمة العالمية لن تسهم في تغيير معالم السياسة العالمية السائدة التي يطبعها الصراع، والدليل على ذلك الأزمات الوبائية التي واجهتها البشرية على مر التاريخ والتي لم تضع حدا للتنافس خصوصا بين القوى الدولية الكبرى ولم تكن نقطة بداية لحقبة جديدة من التعاون الدولي[4].
2ـ التأثير على مسارات العولمة:
مثّل هذا التحول تحديا واختبارا لظاهرة العولمة التي تعتمد على سياسة الانفتاح على العالم، بحيث تحولت إلى مواجهة تداعيات سياسة الدول لمواجهة جائحة فيروس كورونا المعتمدة على الانغلاق والعزلة ووقف حركة النقل والتبادلات في مختلف المجالات خاصة التجارية منها. الأمر الذي أدى إلى بروز هشاشة النظام المعولم والتي يقصد بها ضعف القوى المحركة للعولمة في مواجهة الأزمات والكوارث والتكيف معها، بحيث يصبح الحل هو وقف وتحجيم التدفقات العابرة للحدود والإغلاق والحمائية لمواجهة هذه الأزمة الضاغطة، هذا الأمر الذي فرض إعادة الاعتبار للحدود الوطنية والاعتماد على الكفاءة والإنتاجات المحلية. ومن تم إعادة تشكيل الجغرافية السياسية.
وقد تسببت العولمة في ظل جائحة كورونا بركود كبير على مستوى الاقتصاد العالمي، بحيث شهد النظام الاقتصادي هزة كبيرة نتيجة انهيار سلاسل التوريد في ظل تزايد الطلب العالمي في ظل صعوبة وجود بدائل لبعض الصناعات التي شهدت إقبالا كبيرا وعلى وجه الخصوص في بعض القطاعات الأساسية خصوصا الطبية وذلك نتيجة استشراء الفيروس وامتداد رقعاته، هذا الأمر الذي خلق نوعا من عدم الاستقرار واللاتوازن على مستوى حاجيات الدول، وهذا الأمر الذي أدى إلى ظهور تحولات في ديناميات القوة لدى بعض الاقتصاديات الكبرى[5].
وفرضت الأزمة إعادة تقييم الاقتصاد العالمي المترابط، فالعولمة لم تسمح فقط بالانتشار السريع للأمراض المعدية، بل عززت الترابط العميق بين الشركات والدول مما يجعلها أكثر عرضة للصدمات غير المتوقعة. هذا الأمر الذي كان له انعكاسات كبيرة على أهم كيانات النظام الدولي. نتيجة ما يعانيه هذا النظام من هشاشة والتي تفاقمت في ظل جائحة كورونا، الأمر الذي مثل فرصة مهمة لعودة القوميين وأنصار الحدود المغلقة، كما أنه من المستبعد أن يعود العالم إلى فكرة العولمة ذات المنفعة المتبادلة كما في السابق[6].
ويعتقد البعض أن العولمة عملية لا تنتهي أبدًا وأن ظهور تحديات عابرة للحدود مثل الأوبئة والكوارث البيئية سيتطلب استجابات منسقة عالميًا. في حين تميل مجموعة أخرى للقول بأن النظام العالمي الناشئ سيظهر منافسات جيوسياسية أكثر حدة بين القوى العظمى – وعلى الأخص بين الولايات المتحدة والصين – وأن درجة الاعتماد المتبادل فضلا عن كثافة التفاعلات عبر الوطنية في جميع أنحاء العالم عالية جدا لدرجة أن العودة إلى حقبة ما قبل العولمة أمر شبه مستحيل.
بحيث ستتباطأ العولمة في جميع أنحاء العالم، لكن ستغير الاتجاه على المستويات الإقليمية، بحيث سيزداد الفصل بين الاقتصادين الأمريكي والصين، لكن بالمقابل وخصوصا الصين، ستزيد من جهودهما لقيادة العولمة نحو الإقليمية، بحيث أظهرت الجائحة أهمية العولمة الإقليمية، بحيث ترى الدول الرائدة في المواقع الإقليمية المختلفة أن إنشاء سلاسل التوريد الإقليمية تحت قيادتها أمر حيوي لمصالحها الوطنية أكثر من أي وقت مضى.
في حين أظهر وباء فيروس كورونا أن الاحتفاظ بمكانة أقل في سلاسل التوريد العالمية أمر خطير للغاية بالنسبة للاقتصادات الوطنية، فإن وجود علاقات اقتصادية مترابطة مع دول المنطقة نفسها قد يكون منقذًا للحياة..، وأن مركزية الصين في الانتعاش الاقتصادي لشرق وجنوب شرق آسيا في حقبة ما بعد كوفيد-19 واضحة تمامًا. على الرغم من القلق المتزايد للعديد من الدول في المنطقة فيما يخص تزايد ثقة الصين بالنفس في وضع قواعد النظام الجيوسياسي الجديد.
3ـ على مستوى المؤسسات الدولية الإقليمية:
كشفت أزمة فيروس كورونا مدى الضعف والقصور الذي تعاني منه المؤسسات الدولية، إذ شكلت هذه الأزمة اختبارا مهما لأبرز مؤسسة دولية وهي منظمة الأمم المتحدة من أجل قياس مدى فاعلية دورها في إدارة الأزمات الدولية ومدى استيعابها لحجم المخاطر والتحديات المستجدة التي تواجه المنظومة الكونية، وفعليا فقد أظهرت هذه الكارثة الصحية قصور دور الأمم المتحدة وفروعها المتخصصة لا سيما الصحية في مواجهة هذا التهديد الحقيقي للسلم والأمن الدوليين.
وتعتبر منظمة الصحة العالمية والتي تأسست في العام 1948 إحدى هذه الوكالات المتخصصة في الأمن الصحي والتي تهدف إلى تعزيز وحماية الصحة الجيدة في جميع أنحاء العالم، وبحسب نظامها الأساسي تُعد هذه المنظمة الحارس العالمي للصحة العامة، لكن على الأهداف التي أنشأت من أجلها فإن هذه المؤسسة الصحية العالمية فشلت في العديد من الاختبارات خصوصا في شق الأمراض الوبائية، وذلك بسبب عدم استجابتها السريعة للأزمات الصحية العالمية، بحيث ظهر للعيان خصوصا في ظل جائحة كورونا مدى التردد والتناقض في تقديم البيانات واتخاذ القرارات من لدن المنظمة، بل وتقديم معلومات خاطئة حول الإرشادات التي يجب على الدول الالتزام بها، وكذا فيما يخص التجارب الخاصة ببعض الأدوية لعلاج مرضى كورونا ومدى نجاعتها وعلى رأسها الهيدروكسي كلوروكين بالإضافة إلى الخلل في إعطاء معلومات غير دقيقة حول اللقاحات المحتملة[7].
وعلى إثر ذلك، واجهت المنظمة انتقادات لاذعة حول سوء تدبيرها لهذه الجائحة العالمية، ومن دول عديدة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي قررت سحب تمويلها للمنظمة وهي التي تعتبر أكبر مساهم في منظمة الصحة العالمية بما يناهز 400 إلى 500 مليون دولار سنويا أي بنسبة تتراوح ما بين 10 إلى 15 بالمائة من ميزانية المنظمة. وكان الرئيس ترامب قد وجه لها اتهامات تحت خط نظرية المؤامرة من خلال تواطئها مع الصين في شأن التغطية على انتشار الفيروس، وارتكابها لأخطاء قاتلة بتركيز اهتمامها على بكين ووضع الثقة المفرطة بها، وتضليل الولايات المتحدة فيما يخص المعلومات حول انتشار الوباء، بالإضافة إلى سوء إدارتها الشديد للأزمة[8].
لم تكن الإدارة الأمريكية هي الوحيدة التي وجّهت انتقادات لاذعة للمنظمة بخصوص تعاملها مع هذه الأزمة الصحية العالمية، فقد شنت العديد من البلدان وعلى رأسها الهند واليابان، حملة ضدها بسبب فشلها بتدبير الأزمة، هذا ما أدى إلى تفاقم الوضع وسقوط أعداد هائلة كضحايا لهذا الفيروس[9].
يرتبط بأزمة المؤسسات، فشل النموذج التنموي الذي تدعو إليه المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية[10] (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) وهو ما يُعرف بتوافق واشنطن، هذا النموذج الذي يقضي بإزالة الدعم المُوجّه إلى الطبقات الدنيا والحد من دور الدولة في حياة شعوبها[11].
كما أظهرت الأزمة أيضا تراجع دور بعض التكتلات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي كقوة توازن في النظام الدولي، بحيث اتسم تعامل دول هذا التكتل الإقليمي بالفردية والانعزالية في ظل أزمة كورونا، وواجهت أوروبا تحدياً كبيراً وخاصة مع تأثير أزمة بريكست.
بحيث بدت مؤسسة الاتحاد في معزل عن رسم سياسة موحدة في ظل هذه الجائحة، فقد ضربت الأهداف التي أنشأ على إثرها هذا التكتل، بحيث أغلقت الحدود، وتعثر التنسيق المشترك، وبالموازاة تصاعدت موجة الأنانية القومية والاتهامات المتبادلة بين دوله[12].
وقد أظهر وضع الاتحاد الأوروبي عدم التزام دوله بمبدأ التضامن، كما أبان عن ضعف أدوار المفوضية الأوروبية التي عجزت عن القيام بدور تنسيقي بين دوله، وتجلى غياب ذلك عبر قيام الدول الأعضاء فيه بالتحرك بشكل انفرادي دون تنسيق فيما بينها خصوصا في مسألة إغلاق الحدود وتطبيق سياسات العزل وإجراءات التفتيش، هذه الأمور التي أظهرت انتهاء عصر التضامن الأوروبي[13].
لذلك تفتح مرحلة ما بعد كورونا العديد من التحديات التي من شأنها أن تشكل هزة كبيرة في الدعائم الأساسية للاتحاد ومن أبرزها، دعامة الوحدة وذلك وسط غياب مظاهر التضامن والتعاون وانكفاء الدول ضمن حدودها، بحيث عمقت أزمة كورونا من هشاشة الاتحاد الذي تضرر بفعل تداعيات أزمات سابقة بدءًا بالأزمة الاقتصادية العالمية للعام 2008 مرورا بأزمة اللاجئين وتداعيات البريكست وصولا إلى الأزمة المتولدة عن جائحة وباء كورونا.
بحيث أعادت الأخيرة الاعتبار إلى الدولة القومية كملاذ في وقت الأزمات الكبرى. كما عززت داخليا مساعي الشعبويين في أوروبا الراغبين في تفكيك الاتحاد، وخارجيا مراقبة العديد من القوى الدولية وعلى رأسها روسيا والصين للتحولات الجيوسياسية في القارة الأوروبية، والدفع باتجاه تغذية النزعة الانفصالية التفككية،ـ بحيث رأى العديد من الخبراء أن المساعدات التي قدمتها كلا الدولتين، على الرغم من تصنيفها ضمن الطابع الإنساني، إلا أنها لا تخلو من أبعاد جيوسياسية في سبيل تحقيق مصالحها عن طريق تقوية مكانتها داخل النظام الدولي[14].
هذه التداعيات من شأنها أن تلقي بظلالها مستقبلا على محاولات الاتحاد لبناء قدراته الأمنية-الدفاعية، وترميم قطاعاته الاقتصادية التي تكبدت خسائر كبيرة جراء هذه الجائحة. لذلك فلا سبيل لإعادة إحياء روح الاتحاد إلا عن طريق إعادة بناء وهيكلة الرعاية الصحية والقطاع الاقتصادي عن طريق التضامن بين بلدانه للوصول إلى أوروبا جيوسياسية متكاملة ومتماسكة[15].
وقد أثار الموقف السلبي للاتحاد الأوروبي العديد من التساؤلات حول الغاية من هذا التكتل الإقليمي الذي كان ينظر له على أنه أكثر تحالف موحد وأكثر استراتيجية ما فوق بنية الدولة في العالم[16].
ومن هنا يمكن القول، إن المؤسسات الدولية والإقليمية، عجزت عن استيعاب الأخطار الجديدة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، وعدم قدرتها على حشد وتعبئة الجهود الدولية لوضع خطة استراتيجية لمواجهة هذا الخطر، وانحصر دورها على إلقاء الخطب وبعض المبادرات الصغيرة محدودة الأفق فضلاً عن بقائها رهينة ابتزازات من جانب الممولين والمانحين بها.
لذلك، يجب أن تخلق جائحة كورونا أرضية خصبة لإصلاح المؤسسات الدولية والإقليمية المتعددة الأطراف وذلك لجعلها أكثر كفاءة واستجابة للأزمات الدولية الفجائية.
المحور الثاني: سيناريوهات ملامح النظام الدولي ما بعد جائحة كورونا
إن هذا الوباء المفاجئ لا يضع تحديات هائلة أمام أمن الصحة العامة العالمية فحسب، بل أصبح كمحطة هائلة للانعطاف في مسار المنظومة الكونية[17]. لأن التجربة قد علمت أنه مع كل جائحة هائلة، ومع كل مواجهات حروب مدمرة، تسقط أنظمة تدبير علاقات دولية وتولد أنظمة جديدة يؤرخ لها كقطائع في مسار تطور البشرية، وواضح اليوم، أن سنة 2020 هي سنة انعطاف من ذات المستوى في التاريخ[18]. لذلك فأغلب المحللين الدوليين يناقشون الوضع حول العالم بعد انتهاء هذه الجائحة والتغيرات المصاحبة لها[19]. بحيث سيتعرض النظام العالمي إلى حالة من الاهتزاز، وعدم الاستقرار الداخلي على مستوى العلاقات الدولية.[20]
وفي خضم ذلك، أعرب رئيس معهد بروكينغز، “جون ألين” عن اعتقاده أن التاريخ، كما هو معهود دائما، سيكتبه “المنتصرون” خلال أزمة فيروس كورونا، موضحا أن كل بلد، وبشكل متصاعد كل فرد، يواجه التداعيات الاجتماعية لهذا الوباء، وبطرق جديدة ذات مفعول قوي. وقال إن البلدان التي ستصمد في وجه الوباء، بفضل أنظمتها السياسية والاقتصادية الخاصة، وكذا من منظور الصحة العمومية، ستتفاخر بنجاحها على حساب البلدان التي ستواجه تداعيات مختلفة ومدمرة[21].
وأضاف أن هذه الأزمة تنذر بإعادة ترتيب بنية القوى الدولية بطرق لا يمكننا أن نتخيلها، وأن فيروس كورونا سيواصل تأثيره السلبي على النشاط الاقتصادي، وسيرفع من حجم الخلافات بين الدول[22].
وبناء على التوقعات المختلفة لخبراء العلاقات الدولية حول سيناريوهات التغيرات والتعديلات المرتقبة في العلاقات بين الدول على المستوى الإقليمي والدولي، يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات، تمثل ثلاث نظريات لمستقبل العلاقات الدولية ما بعد كورونا.
السيناريو الأول: استمرار النظام الأحادي القطب بقيادة أمريكية
يؤكد هذا السيناريو استمرار التفوق الأمريكي داخل النظام الدولي، وذلك في ظل قدرته على فرض نفوذه وبسط سيطرته. فأصحاب هذا المنظور يرون أن أمريكا وُلدت عظمى وستظل عظمى بفضل نظامها الاقتصادي القوي على الرغم من الهزات التي شهدتها، وبالموازاة أيضا مع تحدي وجود القيادة الصينية، ويُراهن هؤلاء على قدرة نظام الحوكمة الأمريكية على تخطي الأزمات مهما كانت درجة خطورتها، والتاريخ الحديث والمعاصر خير شاهد على ذلك[23].
بحيث تواترت مجموعة من الأحداث التي اعتقد فيها الكثيرون أنها محطات نهاية للحقبة الأمريكية، فعلى سبيل المثال – في عام 1958 م، عندما أطلق الاتحاد السوفيتي القمر الاصطناعي الأول سبوتنيك – كان الاعتقاد القائم بأن “هذه نهاية أمريكا “. وصدمة النفط في العام 1973 عندما أوقفت الدول العربية النفطية تصدير النفط لأمريكا وأنهت ارتباط الدولار بالذهب، كان الجميع يعتقد بأن هذا الحدث يشكل نهاية الهيمنة الأمريكية، لكن ما حصل كان على النقيض.[24]
أيضًا نمط الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، يتمتع بخاصية التصحيح التلقائي، والتي تمكنه من التكيف والتعايش مع الأزمات كيفما كان نوعها وبالتالي يفرض أنماطا معينة وجديدة من السلوك تجعلها دائما على رأس الهرم العالمي، فالحوكمة الأمريكية، لم ولن تواجه أزمة وجود من وجهة نظرهم، هذا بخلاف أنظمة سياسية واقتصادية أخرى.
إذًا يمكن القول إن التداعيات التي خلفها فيروس كورونا على مستوى النظام الدولي، وإن كانت آثارها واضحة وقاسية للغاية، كانت لها انعكاسات بالغة في الذهنية السياسية الدولية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يؤثر بشكل جذري في النظام العالمي. وبمعنى آخر، إن النظام العالمي الذي تتربع على هرمه الولايات المتحدة الأميركية سيستمر كما هو خلال العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين على أقل تقدير، وأن هذه الأخيرة ستبقى القوة المهيمنة على المستوى الدولي، وأن ما يحدث لن يجعل الصين أو حتى روسيا تحتل مكانة الولايات المتحدة الأميركية في النظام العالمي القائم[25]. فصحيح أن المركزية الأميركية شهدت بعض الرجّات منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001, ولكن كما سبق القول إن ذلك لا يعني نهاية المركزية الأميركية بسبب فيروس كورونا.
السيناريو الثاني: نظام ثنائي القطب بقيادة كل من الصين وأمريكا
يضع هذا السيناريو احتمالية وجود نقطة تحول في النظام العالمي وفي دور الولايات المتحدة الأمريكية داخل النسق الدولي، ومن ثم تأثير ذلك على توازن القوى العالمية، وذلك راجع إلى أن أزمة فيروس كورونا تعد الأخطر من بين كل الأزمات التي واجهت النظام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية. وطرحت تحديًا أمام مبررات استمرار قيادة الغرب للنظام العالمي بعدما أحرزه من إخفاقات واختراق للمنظومة القيمية التي شكّلها، ودعا إليها، وفرضها بالقوة في بعض الأحيان.
لكن لا توجد أدلة حول قدرة النظام العالمي على التغلب على الأزمة الراهنة وتكيفه لاستمرار القيادة الأمريكية للنظام العالمي في مقابل تحديه للصعود الصيني. حيث إن الجديد في هذه الأزمة أنها كشفت ولأول مرة عن سعي الصين لاحتلال مكانة سياسية كبرى عالميًا بعد أن كانت تأخذ دور المتفرج في العديد من الأزمات العالمية .هذا ما يؤكد أن فترة ما بعد كورونا ستعرف صراعا ما بين الدول الكبرى حول إعادة بناء نظام جديد قد تترتب عليه تطورات مخيفة حول تقاسم الزعامة العالمية، فيما بين الصين وأمريكا، وإعادة تشكيل أحلاف جديدة في أفق خلق توازنات جديدة، من أجل الاتفاق على خارطة طريق لتقاسم النفوذ من جديد، فيما بين الدول الكبار. فأصحاب هذه النظرية يرون أن الولايات المتحدة الأمريكية لن يكون بإمكانها إبقاء الوضع على ما كان عليه، أو بالأحرى الاستمرار بالنظام العالمي القائم، ذلك أن جائحة كورونا تجعل من إعادة رسم معالم النظام الجديد، على أسس جديدة، حاجة حتمية.
ومن المتوقع حسب المتمسكين بهذا السيناريو، أن النظام العالمي لما بعد جائحة كورونا سيقوده القطبان الرئيسيان وهما أمريكا والصين، ولكنه وبحسبهم لن يكون بصرامة وصراع القطبية التي كانت إبان الحرب الباردة، فبحسب هؤلاء ستكون أهم سمات هذا النظام الجديد هي المرونة، وسوف تستغل أطراف أخرى وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وروسيا تحول هذا النظام إلى قطبي مرن وذلك في سبيل تعزيز دورها ومكانتها داخل المنظومة العالمية[26]، بحيث أن احتدام الصراع بين الغريمين الصين وأمريكا وبالخصوص في شق الحرب التجارية سيكون بمثابة فرصة ثمينة ليس للاعبين دوليين فقط بل حتى لفاعلين إقليميين وعلى رأسهم تركيا والتي كانت إحدى النماذج الرائدة التي استطاعت التغلب على هذه الأزمة من خلال تطبيق استراتيجية قوية وناجعة وحاسمة عبر وضع خطط عملية سريعة تبلورت باتخاذ التدابير اللازمة في القطاعات الصحية، الاقتصادية والاجتماعية، كل ذلك يعطيها أفضلية لتموقع متقدم في عالم ما بعد كورونا[27].
السيناريو الثالث: مبدأ التضامن والتعاون الدولي في ظل نظام متعدد الأقطاب
يرى السيناريو الثالث أن الولايات المتحدة الأمريكية ستظل قوة سائدة ولكن أكثر ضعفًا في قيادتها للنظام العالمي مع احتفاظها بالعديد من الامتيازات التي راكمتها على مدار قيادتها للنظام الدولي. ومن الممكن أن ينتج هذا السيناريو نظامًا دوليًا ثنائي القطبية ولكنه هش إلى درجة كبيرة الذي نستطيع أن نطلق عليه متعدد الأقطاب. فأزمة كورونا ستفضي إلى تغيير واضح في هيكل النظام الدولي، حيث ستسرع من التحول من نظام الأحادية القطبية، الذي تسيطر فيه الولايات المتحدة الأمريكية على التفاعلات الدولية، منذ انتهاء الحرب الباردة إلى نظام متعدد الأقطاب الذي تكون فيه لروسيا والصين، أدوارا بارزة، على الصعيد السياسي والاقتصادي، إلى جانب أمريكا، وهو ما يسهم في خلق التوازن والاستقرار في العلاقات الدولية.
ولتعزيز هذا السيناريو تحت بند التضامن والتعاون الدولي يجب توفر مجموعة من الشروط وأبرزها وضع الخلافات السياسية سواء كانت دولية أو محلية جانباً وتخفيف عبء العقوبات الاقتصادية عن طريق تجميدها أو رفعها، بالإضافة إلى تكثيف الجهود من طرف المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة والدول المؤثرة في النظام الدولي لوقف العمليات العسكرية في مناطق النزاع والصراع خصوصا في ليبيا وسوريا وغيرها التي أصبحت تواجه أوضاعا إنسانية أشد صعوبة في زمن جائحة كورونا[28].
فإن الأزمة طالت الجميع، بحيث كانت لها تأثيرات مباشرة وكاسحة على المنظومة الدولية، لذلك فإن المصالح المتبادلة والتنازل شر لا بد منه في ظل ما يشهده النظام الدولي من تحولات هيكلية خصوصا في شقه الاقتصادي. بحيث أحدثت أزمة فيروس كورونا كوفيد-19 هزة وأزمة مالية خانقة ستؤثر بشكل فعلي على الكتل الاقتصادية الرئيسية وعلى رأسها الولايات المتحدة، الصين، وذلك بفعل توقف أنشطة الإنتاج وتعطيل مختلف أوجه الحياة الاقتصادية الأمر الذي كان له تداعيات على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية.
لذلك، فإن العلاقات بين الدول سوف تسير على مبدأ المصالح المشتركة التي تتطلب التعاون والتنسيق المتبادل، وبالتالي فإن التقارب يبقي رهينا بقدرة أطراف النظام الدولي خصوصا الأكثر تأثيرا على احتواء القضايا العالقة بينهما والمرشحة للارتفاع على ضوء ما خلفته أزمة فيروس كورونا من تأثيرات على مستوى العلاقة بين البلدين. فمخلفات أزمة كوفيد-19 على النظام الدولي تفرض أكثر من أي وقت مضى على القوى الدولية العمل على زيادة فرص التعاون عن طريق تخطي العقبات سواء السياسية والاقتصادية، وذلك في سبيل تجاوز التداعيات الوخيمة لأزمة فيروس كورونا على المنظومة العالمية[29].
الهامش
[1] – Mark Minevich: Can China use coronavirus to pave the way to a new world order?, The Hall, Avril 2, 2020, accessible via the following link: https://bit.ly/3b4Nngv
[2] – مصطفى بخوش: انعكاسات أزمة كورونا الحديثة في العلوم السياسية، مرجع سابق، ص: 83-84.
[3]– حسام بوتاني: عالم ما بعد كورونا: ديناميات متجددة لرسم نظام عالمي جديد، إسطنبول: مركز صنع السباسات للدراسات الدولية والاستراتيجية، مايو 2020، ص: 38-39.
[4] – John Allen And Others: How the World Will Look After the Coronavirus Pandemic, Op. Cit.
[5] – Henry Farrell and Abraham Newman: Will the Coronavirus End Globalization as We Know It, Foreign Policy, March 16, 2020, accessible via the following link: https://fam.ag/3cfwEXS
[6] – John Allen And Others: How the World Will Look After the Coronavirus Pandemic, Op. Cit.
[7] – ماذا فعل كورونا بمنظمة الصحة العالمية؟ قائمة من التناقضات الجسيمة وقعت بها المرجعية الطبية الأهم في العالم، عربي بوست، 9 يوليو 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/35lGOGk
[8] – Lauren Fedor and Katrina Manson: Trump suspends funding to World Health Organization, April 15, 2020, accessible via the following link: https://on.ft.com/3k7uMEq
[9] – 7 أخطاء فاضحة لمنظمة الصحة العالمية أدت لانتشار كورونا، وهذا ما يجب عليها عمله لإنقاذ العالم، عربي بوست، بتاريخ 8 أبريل 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/32dhOPA
[10]–يرى مدير مركز “تشاثام هاوس” للأبحاث بلندن، روبين نيبليت، أن كوفيد 19 يدفع حاليا الحكومات، والشركات، والمجتمعات إلى تعزيز قدراتها على التعامل مع فترات طويلة من الانطواء الاقتصادي الذاتي. انظر: “كيف سيصبح النظام السياسي والاقتصادي بعد كورونا” العربي الجديد، بتاريخ 25 مارس 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3bJeS0d
[11] – Ali Lahrichi : Les relations Internationales Au Temps, EcoActu, 09 Avril 2020, Disponible sur le lien suivant: https://bit.ly/3m5hSsy
[12] – وضاح خنفر: النظام الدولي في عصر كورونا، عربي بوست، مارس 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2WSRqrO
[13] – For more on this topic, see: Teresa CORATELLA : Covid-19 And Europe: Looking For A Geopolitical Megaphone, within Collective book: The World after COVID-19: Cooperation or Competition?, Center for Strategic Research & Antalya Diplomacy Forum, Republic of Turkey Ministry of Foreign Affairs, June 2020, P: 33-37. accessible via the following link: https://bit.ly/3gBPdaD
[14] – حلمي همامي: أي اتحاد أوروبي بعد كورونا؟، صحيفة العرب، بتاريخ 26 مارس 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/39s4s2b
See More: Javi López: The coronavirus: A geopolitical earthquake, European Council on Foreign Relations, Avril 2, 2020, accessible via the following link: https://bit.ly/2xpR9Cy
[15] – Nicu Popescu: How the coronavirus threatens a geopolitical Europe, Global village space, March 30, 2020, accessible via the following link: https://bit.ly/2JLNy4a
[16] – Mohammed Cherkaoui : The Shifting Geopolitics of Coronavirus and the Demise of Neoliberalism – (Part 1), Aljazeera Center For Studies, March 2020, “accessible via the following link: https://bit.ly/2yh9jX6, P: 3.
[17] – Pierre Bouchilloux: COVID-19 et relation internationales, Classe International, 09 Juin 2020, Disponible sur le lien Suivant: https://bit.ly/2RaYz2T
[18]– لحسن العبسي: ” كورونا.. هل نهاية العولمة الاقتصادية ونهاية ثنائية شمال جنوب، و ثنائية المركزية الغربية/العالم، أنفاس بريس، بتاريخ 28 يونيو 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/33l534G
[19]– كيف سيبدو العالم بعد جائحة فيروس كورونا الجديد”، شينخوا، بتاريخ 02 أبريل 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2RcXveN
[20]– محمد كاظم المعني: ” جائحة كورونا وازمة النظام العالمي الجديد”، مركز البيان للدراسات والتخطيط، 11 أبريل 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/33e0Y2g
[21]– كيف سيصبح النظام العالمي السياسي والاقتصادي بعد كورونا؟، العربي الجديد، 25 مارس 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2ZrDk17
[22]-أزمة جائحة كورونا لم تثر فقط إشكالية التحول في بنية النظام الدولي؛ وإنما أثارت بشكل أعمق اشكالية دور الدولة والمجتمع في الحفاظ على معدل كافٍ من الإنتاج المحلي، وخاصة الأدوات والأجهزة الطبية بعد ما ضربت جائحة كورونا القطاع الصّحي، ما يجعل الدول تعيد الاعتبار للإنتاج المحلي حتى لو كان أكثر تكلفة والتخلي عن سياسة الاستيراد في عصر سوف يشهد انتشار العدّيد من الفيروسات والأوبئة القاتلة. انظر : منصور أبو كريم: ” هل يشهد العالم الدولي تحولا بعد انحصار كورونا”، مدونات من الجزيرة، بتاريخ 19أبريل 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2ZpciHM
[23]– عبد الرحمن الحديدي: ” كورونا والسياسة: إعادة التفكير في توابث النظام العالمي”، إضاءات، بتاريخ 4 مايو 2020، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3ki1fZ9
[24]– بندر الشرعي: مستقبل العلاقات الدولية بعد جائحة كورونا ” المشهد العام، بتاريخ 8 يونيو 2020، متوفر عبر الرابط التالي: التالي: https://bit.ly/33fWybl
[25]:- محمد بن سعيد الفطيسي:” مستقبل العلاقات الدولية في ظل فيروس كورونا كوفيد 19 “، يومية الوطن، بتاريخ 5 أبريل2020 ، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2DNAFqZ
[26] – وضاح خنفر: النظام الدولي في عصر كورونا، مرجع سابق.
[27]– للمزيد حول الموضوع انظر: ياسين أقطاي: لماذا ينزعج البعض من نجاح تركيا في مواجهة كورونا؟، الجزيرة نت، مايو 2020، مقال رأي متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3bGtQUB
[28] – عصام عبد الشافي: وباء كورونا وبنية النسق الدولي الأبعاد والتداعيات، المعهد المصري للدراسات، تقديرات سياسية، مارس 2020، ص: 9، متوفر عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2UPbWac
[29] – Joseph S. Nye Jr: No, the Coronavirus Will Not Change the Global Order, Foreign Policy, April 2020, available on the website: https://bit.ly/3eEPDxl /
George Friedman: Power And The Rise And Fall Of Nations, Geopolitical Futures, May 2020, available on the website: https://bit.ly/3daiZm4/
Abdul Rasool Syed: The Coronavirus and China-U.S. Relations, Global village space, Mars 2020, available on the website: https://bit.ly/2JLNy4 /
Volker Perthes: The Corona Crisis and International Relations: Open Questions, Tentative Assumptions, German Institute for International and Security Affairs (SWP), Mars 2020, available on the website: https://bit.ly/3eIss5c