fbpx
الشرق الأوسطتحليلات

إسرائيل تحيي الذكرى الثامنة للثورات العربية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

لا يمكن الاستخفاف بالأهمية الفائقة لتطورات المنطقة العربية على إسرائيل، حين اندلعت في مثل هذه الأيام قبل ثماني سنوات، مقدمات الثورات العربية في تونس، ثم تبعتها مصر، فليبيا، وصولا إلى سوريا واليمن. كما أن المتابعات الإسرائيلية الحثيثة تواصلت في أواخر 2010 وبدايات 2011، لتطورات الموقف الميداني في العواصم العربية، على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والعسكرية، وطغى المشهد العربي على مجمل التحركات السياسية الإسرائيلية، الداخلية والخارجية، فقد استمرت هذه المتابعات في نهاية العام 2018.

فإسرائيل بمختلف مكوناتها: السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية، وجدت نفسها أمام جملة من التساؤلات التي لم تعثر لها على إجابة، ومنها: لماذا لم تتوقع الأجهزة الإسرائيلية ذات الاختصاص اندلاع الثورات العربية؟ وكيف نظرت إسرائيل إلى هذه الثورات، ومدى تأثير كل منها على الواقع الإسرائيلي؟ وإلى أي حد تدخلت إسرائيل في بعض هذه الثورات، لتجييرها خدمة لمصالحها الإستراتيجية؟ وما طبيعة التقدير الإسرائيلي لأثر هذه الثورات على واقع القضية الفلسطينية، والصراع مع الفلسطينيين؟

يمكن تحديد أبرز ملامح التفكير الإسرائيلي في معالجته للثورات العربية في تلك المرحلة مجالين هامين: فشل ذريع بتوقع حدوثها، وتوقع مسارها، ويمكن القول إن الفكر العربي أكثر إدراكاً لما يجري، وشمل الفشل الإسرائيلي مراكز دراساتهم واستخباراتهم، وتقديرات مفكريهم على اختلاف توجهاتهم، وارتباك شديد في تقدير التيارات الفكرية الإسرائيلية للنتائج المترتبة على هذه التغيرات، رغم أن السمة العامة أكثر ميلاً للتشاؤم.

إسرائيل والتغيرات العربية

يمكن تلخيص طبيعة مواقف الدوائر الرسمية الإسرائيلية من مجريات الثورات العربية، بما يلي:

  • محاولة استغلالها، للترويج لفكرة أن إسرائيل دولة ديمقراطية هادئة، تعيش وسط منطقة غير مستقرة، وهي الفكرة التي استخدمها رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” للمطالبة بضرورة اشتمال أي اتفاقية سلام محتملة مع العرب على ضمانات أمنية، بما فيها وجود قوات على الأرض.
  • التخوف من انتقال عدوى الثورات للدول القريبة من إسرائيل كالأردن، والتحذير من الحماسة التي ألهمت الجماهير العربية تأييداً لها، وتأثراً بها، مما يساهم بتغيير الوعي الجمعي العربي تجاه قدرة الشعوب على التأثير.

وأشار الأداء الإعلامي والدبلوماسي الإسرائيلي أثناء الثورات العربية، إلى حجم الهلع الذي أصاب الدوائر الرسمية والإعلامية في إسرائيل، خوفاً من التداعيات المحتملة لها على الأمن والاقتصاد الإسرائيليين، ويمكن رصد الاتجاهات التالية في الخطاب الإعلامي، والتحركات الدبلوماسية الإسرائيلية، الموجهة بالأساس للرأي العام وللحكومات في الغرب:

  • التخويف من عدم الاستقرار في المنطقة في حال نجاح الثورات بإنهاء أنظمة موالية، والتحذير من مخاطر عدم الاستقرار على دول المنطقة، وعلى المصالح الغربية فيها.
  • التأكيد أن الديمقراطية في مصلحة إسرائيل من حيث المبدأ، مع التخويف أن “جهات متطرفة” كالإخوان المسلمين قد تستغلها لفرض الاستبداد، والقضاء على فرص السلام، مما يضر بالمصالح الغربية في المنطقة.
  • تذكير الغرب بأن الأحداث الجارية في الدول العربية، تثبت أن إسرائيل هي حليفه الوحيد في المنطقة.
  • تحذير الرئيس الأمريكي أوباما أن تخليه عن حماية مبارك، “تصرف غير مسئول”، وسيكلفه خسارة منصب الرئاسة، كما حصل مع الرئيس الأسبق كارتر حين تخلى عن دعم شاه إيران عام 1979، وهو ما وجد تغذيته الراجعة اليوم في الدعم اللامحدود الذي يمنحه ترامب في واشنطن للسيسي في القاهرة.

اليوم بعد هذه السنوات الثماني من الثورات العربية يستشف أن ما حصل في شوارع القاهرة وتونس وطرابلس ودمشق وصنعاء بين عامي 2010-2018، لم يكن شأناً عربياً داخلياً، وإنما إسرائيلياً بامتياز، بحيث تواصلت المتابعات الرسمية الإسرائيلية لتطورات المشهد العربي: سياسياً وعسكرياً وأمنياً واستراتيجياً.

التبعات السياسية

تواصل المحافل السياسية ودوائر صنع القرار الإسرائيلي عقد الجلسات لمناقشة التقديرات الاستخباراتية للمشهد العربي، بمشاركة أعضاء مجلس الوزراء المصغر للشؤون السياسية والأمنية، وكبار ضباط هيئة الاستخبارات العسكرية، وجميع الجهات والمراجع المختصة في شؤون تقديرات الموقف.

ورغم أن التونسيين بدؤوا مسيرة التغيرات العربية، وينسب إليهم قصب السبق، لكن الثورة المصرية بقيت عنوان التغيير الإقليمي والدولي، لما لمصر من وزن في التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا، مما جعل من حراكها الثوري الداخلي دور خطير في إجراء تحوّلات في موقعها، ومن شأنه أن يفاقم العزلة والحصار الدولي ضد إسرائيل، بل يعكس التحول الذي بدأ يظهر في توازن القوى الإقليمية، خصوصاً وأنها ربما ترسل إشارات فحواها أنها لم تعد ملتزمة بالحلف الإستراتيجي مع إسرائيل.

أقرت محافل سياسية في تل أبيب أنها عاشت فترة من انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط، وأن الجيش الإسرائيلي هو ركيزتها الأكثر أهمية، في ضوء الزلزال الذي ضرب العالم العربي، لأنها لم تعرف كيف ستنتهي الأمور، لكن أكثر ما أخافها أن تحل سلطات “متطرفة” محل الأنظمة الزائلة، مما دفعها بعد نجاح الثورة في عدد من الدول، لأن تعد العدّة لهذه التغيرات، والطلب من الولايات المتحدة ودول الغرب رهن تأييد الأنظمة الجديدة بشرط عدم المساس بها مطلقاً.

افترضت التحليلات الإسرائيلية أنّ القوى المعادية لإسرائيل، خاصة الإخوان المسلمين، لاسيما في مصر، سيسيطرون على مقاليد الحكم، وبعد مرور فترة زمنية سيمتدون إلى الجيش، وهو الأقوى في الشرق الأوسط بعد الجيش الإسرائيلي، وهنا تكمن المشكلة الكبيرة لإسرائيل، لأن ذلك سيعني تحديد هذه القوى في العقود القادمة القريبة للأجندة السياسية في المنطقة.

التقديرات الأمنية

تمثل الموضوع الأهم في تبعات الثورات العربية في الاعترافات الإسرائيلية المتتالية بأنها جاءت بمفاجأة تامة لـ “مجتمع المخابرات”، مما يتطلب الحاجة لمراجعة عميقة للأحداث التي قد تؤثر على مفهوم الأمن الإسرائيلي، لأن جهازي “الموساد وأمان” لم يتوقعا شدة هذه التطورات، وقدرا بأن قوات الأمن في هذه البلدان، ستعرف كيف توقفها، مما شكل مفاجأة غير سارة لإسرائيل، وسجلت أجهزة الاستخبارات في غير مصلحتها “قصوراً مجلجلاً”.

عبرت أحداث الثورات العربية عن “أضغاث أحلام” لقادة ومسئولي الاستخبارات، ولفتت وسائل الإعلام لضرورة “محاسبة الذات، وإعادة التقييم والإمعان” بعمل أجهزة الاستخبارات، فيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية لمدى استقرار الأنظمة العربية، حيث غيبت إسرائيل الجماهير العربية عن دائرة الصراع والمواجهة، واعتبرتها جبهة ضعيفة ومهزومة، لكن الواقع غير ذلك.

دفع إخفاق الاستخبارات هذا لجنة الخارجية والأمن في الكنيست للمطالبة بإقامة لجنة تحقيق لفحص أسبابه، لأن أحداث الثورات فاجأت الاستخبارات الإسرائيلية، ووجدتها غير مستعدة، وما حصل من أخطاء في التقييمات، أمر مقلق وضاغط.

بات واضحاً أن إسرائيل تخشى من الناحية الأمنية والاستخبارية ما يحصل من تحولات الدول العربية، آخرها دراسة أصدرها معهد القدس للدراسات الإستراتيجية في تل أبيب في أكتوبر 2018، قال فيها أن على إسرائيل أن تتهيأ لسيناريو سقوط نظام الحكم في مصر، ورغم أن هذا سيناريو مستبعد، لكنه قائم، ويجب الاستعداد له جيدا!

النتائج العسكرية

وجد الجيش الإسرائيلي نفسه فجأة فور اندلاع الثورات العربية أمام ثلاث جبهات حربية جديدة: لبنان شمالاً؛ مصر جنوباً؛ وحماس في غزة، مما يعني أن وضعه الاستراتيجي والعسكري سيتغيّر، بما يحمله من تقدير بالقضاء على المسيرة السياسية، والإساءة للأمن الإسرائيلي، خاصة عندما شكلت مصر مجرد خطر احتمال تحولها إلى تهديد ملموس طفيف، بحيث تطلب الوضع الجديد رفعاً لميزانية الدفاع، وتغييراً في تركيبتها.

ألمحت تسريبات من داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن الجيش ملزم بالتوجه قدماً نحو مواجهة التحديات الجديدة، فالمحيط من حوله يتغير بسرعة، والتحديات الخارجية آخذة بالتزايد، مما دفع برئيس الأركان آنذاك “بيني غانتس” لأن يتعهد بـ “ملاءمة الجيش للتحديات الماثلة أمامه، والقيام بمهماته على أحسن وجه، وبأنه سيعزز قوته، ويحسن جهوزيته”.

قادت الثورات العربية النّخب الأمنيّة الإسرائيلية إلى ضرورة إحداث تغييرات جوهريّة في بنية جيشها، لأن هذه الثورات وإسقاطاتها المحتملة، تفرض على إسرائيل إعادة صياغة عقيدتها الأمنيّة من جديد، تستدعي زيادة موازنة الأمن، وإعادة صياغة مركباتها لتستجيب للتّهديدات المتوقّعة، بعد أن أدى بقاء الأنظمة المتساقطة إلى تراجعٍ كبير في حجْم الحصّة التي تشغلها موازنة الأمن في الموازنة الإسرائيلية العامّة.

ويمكن القول إنّ حالة الضّبابيّة وانعدام اليقين التي أنتجتها الثورات، دفعت إسرائيل للقيام باحتياطات أمنيّة كبيرة أرهقت خزينتها، ما سيجعلها تحاول الاعتماد على المساعدات الأميركية الإضافيّة لتغطية النّفقات العاجلة، حتّى لا تتأثّر السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي تضمن مستوى رفاهٍ عال للإسرائيليّين.

الأثمان الاقتصادية

سرت مخاوف إسرائيلية من إمكانية إغلاق قناة السويس أمام حركة حمولاتها، ما يتطلب تفكيراً جديداً، لأن ثلث استيرادها وتصديرها يوجه للشرق عبر القناة، التي تشكل “أنبوب الأوكسجين” لاقتصادها، وقدرت وزارة البنى التحتية أن مصر قد تلغي اتفاقية تصدير الغاز، مع أن 40% من الكهرباء الإسرائيلية يُنتج عبر الغاز المصري، مما دفع بالجيش للإيعاز لنظيره المصري لحراسة المواقع الإستراتيجية، بما فيها خطوط إمداد الغاز والنفط البعيدة عن مناطق الفوضى، حيث تجني مليار دولار سنوياً جراء بيع الغاز المصري في المناطق الفلسطينية.

اليوم بعد مرور هذه السنوات الثماني يمكن أن نشاهد حجم الانقلاب في الصورة، حين باتت مصر تستورد الغاز الإسرائيلي، بعد أن كانت تصدره، فأي تحول دراماتيكي شهدته مصر في هذه السنوات الثماني.

رأى الباحثون الاقتصاديون الإسرائيليون أن خروج مصر من دائرة الصراع منذ 1977 قلّص الإنفاق الدفاعي الإسرائيلي من 24% من إجمالي الناتج المحلي في الثمانينات إلى 7% حالياً، ما يعني أن هذه التطورات قد تغير المناخ السياسي للمنطقة بشكل قد يقود لكارثة اقتصادية، لأن إسرائيل ستعيد توزيع مواردها بين الدفاع والاقتصاد السلمي، وسيؤدي ذلك لـ”إعادة هيكلية الموازنة الإسرائيلية” بشكل كامل، مما سينعكس على مستوى الرفاه العام للمجتمع، وقدرة الدولة على تسوية المشكلات الاجتماعية.

خاتمة

اليوم بعد مرور ثماني سنوات على اندلاع الثورات العربية، يمكن تلخيص أهم التوصيات الإسرائيلية لمتابعة ترددات تلك الثورات على النحو التالي:

  • أهمية اتفاقات السلام مع الدول العربية المجاورة، ولعل مشاهد التطبيع الجارية اليوم، خاصة مع دول الخليج العربي خير شاهد على ذلك.
  • القيام بخطوة دراماتيكية تؤدي لحل النزاع مع الفلسطينيين، لتقوية ما توصف بـ”الدول المعتدلة” في المنطقة في وجه “المخاطر المحدقة”، وربما تأتي صفقة القرن الأمريكية تطبيقا لها.
  • التخوف الإسرائيلي من انشغال الأنظمة العربية الجديدة التي جاءت بموجب الثورات المضادة بتحقيق الأمن الداخلي، وقمع أي حراك ثوري مناهض يعمل على استعادة وهج الثورة التي تم مصادرتها [1].

[1] الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close