fbpx
تقاريرالمغرب العربي

إسلاميو الجزائر: تحديات عام 2017

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد:

تختلف الجزائر عن نظيراتها من دول المغرب العربي فيما يتعلق بالقوى الإسلامية المعتدلة اختلافا واضحا، حيث يتسم إسلاميو الجزائر الوسطيون بالتعدد. فقد رصد التقرير ستة تنظيمات، كان لها حضورها خلال عام 2017. وبرغم أن الجزائر شهدت في هذا العم انتخابات تشريعية واخرى بلدية، إلا أن مشهد الانتخابات ارتبط باتجاه التنظيمات الإسلامية للتحالف، كما بلورت تلكم التنظيمات موقفها من المشاركة السياسية بصورة أكثر تعقيدا عما كانت عليه إبان إدارة الكاريزما الراحل محفوظ نحناح، وخلفه أبو جرة سلطاني، في توقيت اتسم بإغلاق المسرح السياسي، وتراجع المشاركة السياسية، واتجاه الإعلام السلطوي لشيطنة الحركة بشكل عام وبهذه الملامح الأساسية خاضت الحركة الإسلامية الجزائرية فعاليات 2017.

هذه الصورة دفعتنا لتقييم المشهد الإسلامي الجزائري الوسطي في ضوء معايير ثلاثة، المؤسسية والتوافقية والديمقراطية، وهي المعايير نعتبرها مدخلا نعمل من خلاله على تقديم مؤشرات لأداء القطاع المعتدل من التنظيمات الإسلامية.

أولاً: التفاعل مع المجتمع السياسي الجزائري

برغم توصيات “وثيقة مزفران”، ونداءات 2014 التي أطلقتها القوى السياسية المعارضة في الجزائر عبر تنسيقيتها التي نجمت عن الوثيقة المذكورة، وبرغم أن تعديلات دستور الجزائر لم تسفر عن إيكال ضبط الانتخابات لهيئة مستقلة تشرف على إدارة مختلف مراحل العملية الانتخابية، برغم هذا كله اعلنت أغلب القوى المشاركة في “تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي” المشاركة في الانتخابات التشريعية ثم البلدية التي شهدها عام 2017.

وفي الانتخابات التشريعية التي شهدتها الجزائر في الرابع من مايو من العام 2017، والتي تنافست فيها أحزاب الجزائر على 462 مقعدا هم عدد مقاعد المجلس الشعبي الجزائري. وهي الانتخابات التي شهدت نسبة مشاركة بلغت نحو 37.09% من إجمالي 23.3 مليون ناخب مسجل في جداول الناخبين. وقد انخفضت فيها المشاركة عن سابقتها التي أجريت في عام 2012، والتي بلغت فيها نسبة المشاركة 43.17% من إجمالي الناخبين المسجلين(1 ) . والجدول رقم 1 يوضح ما حصدته الأحزاب في الانتخابات.

الجدول رقم 1: نتائج الانتخابات التشريعية

إسلاميو الجزائر: تحديات عام 2017-1

وفي الجدول يتبين أن تحالف كل من “حركة مجتمع السلم (حمس)” و”جبهة التغيير”، والذي دشنه الطرفان في 22 يناير 2017(2 ) ؛ قد استحوذ على 33 مقعدا ليحل في المرتبة الثالثة، بينما حل في المرتبة الخامسة تحالف “الاتحاد من أجل العدالة والبناء”؛ وهذا الاتحاد هو تحالف استراتيجي وحدوي تم توقيعه في 21 يناير 2017؛ بين قادة أحزاب حركتا النّهضة والبناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية تمهيدا لخوض الانتخابات التشريعية( 3) ، حيث حاز على 5 مقاعد. وبين التحالفين، حل حزب إسلامي آخر في المرتبة الرابعة، وهو حزب تجمع أمل الجزائر (تاج)، والذي تأسس انشقاقا عن “حمس” في 13 مارس 2012، حيث حاز 19 مقعدا، كما حصل حزب “حركة الإصلاح الوطني” على مقعد واحد.

وهو ما أفضى لحصول الإسلاميين جميعا على 68 مقعدا من بين 462 مقعدا بنسبة 14.5% من إجمالي المقاعد، وهو ما قد يعد سندا لقضية الهوية وليس سندا للمطالبة بالديمقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي في الجزائر بالنظر لكون 19 مقعدا من هذه المقاعد تؤيد إدارة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (تاج). فهذه النتائج تفتح الباب للتساؤل حول ما إذا كان الإسلاميون قد حققوا نجاحا أكبر من تشريعية 2012 التي حصد فيها كل من “حمس” و”حركة النهضة” و”حركة الإصلاح الوطني” مجتمعين 49 مقعدا. فهذه القوى قد حققت الآن 48 مقعدا؛ من دون احتساب ما حصدته (تاج) التي تنتهج خطا مؤيدا لإدارة بوتفليقة.

وفي اعقاب الفعالية التشريعية، طلب الوزير الأول الجزائري، عبد المالك سلال، من “حمس المشاركة في الحكومة الجزائرية، إلا أن الحركة أبلغته رسميا بقرار مجلس الشورى الوطني الخاص بها، والقاضي بعدم المشاركة إلى الحكومة. وقد صرح الأمين العام للحركة أنه يرغب في حفظ رصيد الحركة لصون الجزائر في الشدة المستقبلية التي تتوقعها الحركة، والتي قد تعصف بالأحزاب التقليدية( 4) .

ويرى مراقبون أن رفض “حمس” المشاركة في الحكومة قد يرتبط بتصورها عن ضعف الحكومة، مرجحين أن الحركة رأت في الدعوة محاولة من الوزير الأول تعزيز الحكومة في مواجهة ضعف المشاركة السياسية للناخب الجزائري، وهو ما عزز تصوراتها لمكاسب تتأتى جراء ضعف حكومة أويحيى(5 ) . ويدعم مراقبون آخرون هذا التوجه بالإشارة إلى أن موقف الحركة لا تحركه هذه الرؤية الاستراتيجية، بل تحركه رغبة الحركة في الاستفادة من وجودها في صفوف المعارضة من أجل تحسين وضعها السياسي في الانتخابات المحلية (البلديات والولايات)، ما يتيح لها المفاوضة على حصة أكبر من المشاركة( 6) .

جدول ـ 2: نتائج انتخابات مجالس البلديات

إسلاميو الجزائر: تحديات عام 2017-2

كما شهدت الجزائر في 23 نوفمبر 2017 وقائع الانتخابات المحلية التي تنقسم بين المجالس الشعبية الولائية (48 ولاية) والمجالس الشعبية البلدية (1541 بلدية). وقد ارتفعت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات نسبيا مقارنة بالانتخابات التشريعية لنفس العام لتصل إلى 42.92%( 7) .

وبعيدا عن الأرقام التي تضمنها الجدول رقم 2؛ والخاص ببيان توزيع مقاعد البلديات، فقد حصد “الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء” 8 مقاعد في 3 بلديات منها رئاسة البلديات الثلاثة، هذا إلى جانب ما حصدته الحركة الإسلامية الأبرز في الجزائر؛ “حمس” التي جاءت في المركز السادس من حيث عدد مقاعد البلديات؛ حيث حصدت 49 مقعدا من أصل 1546 مقعدا هم إجمالي البلديات، وهو ما أتى ضمن نتائج اتحادها مع حركة “جبهة التغيير”، بالإضافة لحصول تجمع أمل الجزائر على 31 مقعدا.

وقد اختلف الأمر نوعيا فيما يتعلق بانتخابات مجالس الولايات، والتي نعرض لنتائجها من خلال الجدول (3)، حيث تقدمت “حمس” نسبيا لتحتل المرتبة الثالثة بحصولها على 152 مقعدا؛ وهو من حصاد توافقها مع جبهة التغيير، كما حصل تجمع (تاج) على 91 مقعدا، ولم يحصد “الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء” مقاعد في مجالس الولايات( 8) .

إسلاميو الجزائر: تحديات عام 2017-3

وقد وجهت “حمس” اتهاما للحزب الحاكم بالإقدام على تزوير كل من الانتخابات التشريعية( 9) ، والمحليات(10 ) .

ولا شك في أن إسلاميو الجزائر يعانون تراجعا واضحا في الحضور السياسي، مقارنة بحزبي السلطة: “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي”. وبرغم تأكيد عبد المجيد مناصرة رئيس “حمس” أن التحالف الذي دشنته مع “جبهة التغيير” قد أدى إلى زيادة نسبية في وزنه السياسي، حيث نجحت الحركة في 51 بلدية في المحليات مقارنة بنجاحها في عام 29 بلدية في 2012، بالإضافة لإشارته لحضورها في عدد أكبر من المجالس الولائية (23 ولاية مقارنة بـ 16 ولاية في 2012(11 ) . إلا أن قياديين إسلاميين آخرين أقروا بأن هناك تراجع وألمحوا لأسبابه التي وضعت الشباب الإسلامي في صف المواطن المنسحب من العملية السياسية(12 ) .

ولا يمكن القطع بأن ثمة تقييم خاطئ للحركة في مسارها. فالحركة الإسلامية التي رأت أن مفتاح وقف النزيف المعنوي/ السياسي الذي تكابده هو في التطبيع مع “قدر” الإدارة الحاكمة، أعادت التفكير في موقفها، واتخذت قرارا  أكثر تركيبا، عبر ترك مسافة بينها وبين الإدارة الرابعة للرئيس بوتفليقة، بما يعكس رغبتها في الانحياز لجانب الشعب في مواجهة لأداء اقتصادي غير موفق؛ بشهادة أغلب فرقاء المشهد السياسي، وبخاصة أولئك الذين شاركوا في تجمع “وثيقة مزفران” التي للأسف لم تتمكن من الصمود أمام تلاعب الحزبين الكبيرين المسيطرين على أجهزة دولة عانت قرابة عقدين من تداعيات إنكار نتائج انتخابات، إلا أنها لم ترغب في الخروج من دائرة الفعل السياسي، وقرنت خروجها من التحالف الحاكم بالمشاركة المعارضة في “المجلس الشعبي الجزائري”.

غير أن سياسيين ومحللين من مشارب عدة أكدوا التراجع، وأوضحوا أسبابه فيما يلي:

أ. المراقب الليبرالي مراد أو عباس: يذهب إلى أن تراجع الأحزاب الإسلامية يعود إلى عدة أسباب، منها غياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية بالجزائر التي يراها بلا ساحة سياسية حقيقية. ويرى أن النسق الأيديولوجي العقائدي الذي تبنته الأحزاب الإسلامية ورفضت تطويره في وجهة اجتماعية تتعلق بهموم المواطنين الحقيقية كان لها تأثير كبير في تضييق قاعدتهم التصويتية( 13) .

ب. المراقب اليساري عبد العالي رزاقي: يرى أن المشاركة في الحكم استنزفت الرصيد الانتخابي للإسلاميين، حيث أبعدتهم عن واقع المجتمع. ويرى رزاقي أن خروج التيار الإسلامي الجزائري، وأنهم وقعوا فريسة الغيرة من إسلاميي تونس والمغرب بعد خروجهم، فحاولوا العودة، ليفاجئوا بأن الرئيس الجزائري قد أغلق اللعبة الانتخابية. ويضيف أن محاولتهم العودة تحت عباءة الربيع العربي أسقطهم عند عموم الجزائريين(14 ) .

ج. القيادي الإسلامي عبد الله جاب الله: يرى أن أحد أهم أسباب التراجع الانتخابي أن الشباب الإسلامي لم يشارك بجدية في هذه الانتخابات، موعزا ذلك لتملك اليأس من قلوب الشباب حيال الانتخابات كمدخل للتغيير. كما أنه لفت إلى أن الإسلاميون في الجزائر ليس لديهم تمويل كاف لخوض غمار الانتخابات، فضلا عن تشتت الصوت الإسلامي، وعدم تمكن النواب الإسلاميين من الوفاء بوعودهم الانتخابية بسبب منهج الحكومات الجزائرية، بالإضافة للعداء الإقليمي للإسلاميين، وتقوية التيار السلفي المدخلي الذي يؤكد للناس أن السياسة ليست من الدين في شئ( 15) .

د. ويضيف محلل شؤون شمال أفريقيا في “مجموعة أوراسيا”، ريكاردو فابيانو، أن أحد أهم أسباب تراجع الإسلاميين انقسامهم واستمرار مناقشتهم حول جدوى المشاركة حتى مشارف الانتخابات، ولفت لحوار مع أبو جرة سلطاني تحدث فيه عن خسارة الحركة للدعم من جميع رجال الأعمال الإسلاميين الذين كانوا يقومون بتمويلها في السابق( 16) .

ثانياً: المؤسسية والخطاب الإسلاميان

دخلت الحركة الإسلامية السياسية الجزائرية عام 2017، وهي تجتهد لجبر تفككات الماضي القريب، فوجدنا تقاربا بين كل من “حمس” و”جبهة التغيير” من ناحية، ومن ناحية ثانية؛ وجدنا التقارب الذي أنتج “الاتحاد من أجل العدالة والبناء”، بينما بقي منفردا حزب “تجمع أمل الجزائر” (تاج).

1. حركة مجتمع السلم:

من ناحية، سعت كل من “حمس” و”جبهة التغيير” لإزالة ما بينهما من تفكك تنظيمي، عقب اتجاههما لتوحيد رؤيتيهما من المشاركة في العملية السياسية(17 ) ، وهي الرؤية القائمة على المشاركة في المجلس التشريعي منافحة عن حقوق الشعب الجزائري، ورفضا للمشاركة في الحكومة التي باتت سياستها الاجتماعية والاقتصادية تتخبط على نحو بدا جليا أنه أكبر من انعكاس مباشر لتراجع أسعار النفط الذي ما زالت الجزائر تعتمد عليه كأكبر ممول للموازنة العامة، بالرغم من مرور نحو عقدين على الاستقرار الذي أعقب انتخاب بوتفليقة في 15 أبريل 1999.

وكان القيادي بحمس عبد المجيد مناصر قد اعتزل موقف “حمس” القاضي بالمشاركة في الحكومة في 10 أبريل 2009، وذلك على خلفية معارضته للدعم الذي قدّمه سلطاني، رئيس حركة مجتمع السلم آنذاك، للإصلاحات الدستورية في العام 2008، ولبقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم لولاية ثالثة( 18) ، ثم أسس “حركة الدعوة والتغيير” في 17 فبراير 2012، والتي حملت لاحقا اسم “جبهة التغيير”، قبل أن يقرر العودة لحضن الحركة الأم.

وإثر اتفاق المنظمتين على إعلان الوحدة، تقرر – بموجب المؤتمر الاستثنائي التوافقي لترسيم الوحدة بين الحركتين، والذي شهدته العاصمة الجزائرية في 22 يوليو 2017 – تناوب الرئاسة بين رئيس الحركتين “عبد المجيد مناصرة” و”عبد الرزاق مقري” لحين عقد “حمس” مؤتمرها العام لانتخاب قياداتها وهياكلها، وهو المؤتمر المقرر عقده في غضون سنة من انعقاد المؤتمر الاستثنائي للوحدة، وذلك طبقا لأحكام بنود ميثاق الوحدة بين حمس وجبهة التغيير، ينعقد المؤتمر القادم حسب المادة: 17 من القانون الأساسي( 19) .

2. الاتحاد من أجل العدالة والبناء:

في الوقت الذي كان فيه كل من “حمس” و”جبهة التغيير” يدشنان اندماجهما السابق الإشارة إليه، كانت احزاب إسلامية 3 أخرى تجري مشاورات توحد من نوع آخر. حيث اجتمعت كل من “حركة النهضة” الجزائرية و”جبهة العدالة والتنمية” و”حركة البناء الوطني” للتشاور التحالفي الذي انتهى في 22 يوليو 2017 للتوقيع على وثيقة تحالف استراتيجي بينها حمل مسمى “الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء”، وهو التحالف الذي لم يسع لاندماج أكبر مع “حمس”، برغم أن الأمين العام لحركة النهضة, محمد ذويبي, أكد أنه “مشروع سياسي كبير ينبذ الفرقة ويشجع على الوحدة والحوار والتواصل بهدف تقوية المناعة السياسية للبلاد واستقطاب كفاءات وطنية لتوفير إطار مناسب قادر على تجاوز العثرات”(20 ) . ولم يلبث التحالف الجديد أن أعلن عن دخول تشكيلاته الثلاثة الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو 2017 بقوائم موحدة عبر كل ولايات الوطن مع “إبقاء باب الالتحاق بالتحالف مفتوحا لكافة التشكيلات السياسية”.

وكان القيادي الإسلامي عبد الله جاب الله قد أعلن تأسيس “جمعية النهضة للإصلاح الثقافي والاجتماعي” في 5 مارس 1989، والتي تحولت لاحقا لحزب سياسي حمل اسم “حزب النهضة”، إلا أنه انفصل عنها لخلاف سياسي بينه وبين القيادة التي خلفته في رئاستها، ليشكل في 29 يناير 1999 حزبا سياسيا جديدا حمل اسم “حركة الإصلاح الوطني”، والتي انفصل عنها أيضا لاحقا ليشكل في 30 يوليو 2011 كيانا جديدا حمل اسم “جبهة العدالة والتنمية”، بحيث يمكن القول بأن القيادي عبد الله جاب الله تمكن من توحيد كافة التنظيمات التي خرجت من تحت عباءته، باستثناء حزب “حركة الإصلاح الوطني” التي قررت خوض تشريعيات 2017 بمفردها حاصلة على مقعد واحد. وإن كان هذا لا ينفي أن “جاب الله” احتج على اقتصار التحالف على كونه ظرفي يرتبط بملف الانتخابات(21 ) .

ويمكن القول بأن عدم اجتماع الأحزاب الخمسة في تحالف واحد ربما يرجع لرغبة “حمس” في تجنب الاندماج مع “حركة البناء الوطني” التي تعتبر نفسها الجناح السياسي لجماعة الإخوان، وهو الموقف الذي يعكس تفهما نسبيا للمتغيرات التي تعصف بالإقليم العربي. وهو التفسير الوحيد الذي يستقيم مع مشهد لا تلتئم فيه قوى لها نفس الفكر والتصور السياسي، وبخاصة مع عودة “حمس” لخيار مقاطعة المشاركة الحكومية. كما يمكن ان تكون محدودية الاندماج راجعة كذلك لعدم الرغبة في تخويف المجتمع السياسي الجزائري، أو استعداء السلطة على نحو يمس استقرار المنظومة السياسية الجزائرية الراهنة. غير أن هذا لا يمنع من الإشارة إلى أن توحد هذه المنظمات الخمسة كان من شأنه أن ينتج أثرا قويا في الرأي العام كفيل بأن يرفع نسبة المشاركة الانتخابية، وأن يغري ناخبين بالنزول للمساندة. وربما كان هذا الأثر أكبر تخوفات الحركة الإسلامية الجزائرية.

3. تجمع أمل الجزائر:

لم يسر على “تجمع أمل الجزائر”، الذي تأسس في 19 مارس 2012، ما سرى على التنظيمات الخمسة التي أسلفنا الإشارة إليها من موقف حذر من الأداء الاقتصادي لإدارة الرئيس بوتفليقة، بل أيد حزب (تاج) هذه الإدارة، وأبدى استعداده للمشاركة في الحكومة في حال طلب منه ذلك. وفي مواجهة الحركة الإسلامية الأم، أعلن رئيس الحزب عمار غول أن الحزب يؤمن “بالديمقراطية كفكرة وثقافة وقناعة ثم سلوك بعيدا عن ثقافة الاحتكار والاحتقار”، وأن الحزب “ليس له أعداء أو خصوم سواء في الداخل أو في الخارج، بل نتفهم الاختلاف ونعمل على أن لا يتحول الاختلاف إلى خلاف”، لفت إلى أن الحزب يدعو إلى “ضرورة الانتقال من الصراع الإيديولوجي العقيم إلى تنافس سياسي نزيه وبنّاء بين البرامج والرجال”، ودعا إلى “الترفع” ونسيان الفوارق خاصة “الإيديولوجية” التي رآها “لا تعطي سكنا أو عملا أو إنجازا”، ودعا الجزائريون على مختلف اتجاهاتهم للانضمام للحزب(22 ) . غير أن الخلاف على ملف “ما بعد بوتفليقة” أدى لموجة استقالات محدودة من الحزب(23 ) .

وبعيدا عن مقتضيات التماسك، يمكن القول بأن الحركة الإسلامية الجزائرية تميل بشكل عام لتعظيم النصوص القانونية وقرارات مؤتمراتها العامة، وهو ما يفسر إلى حد كبير حساسيتها التنظيمية التي تنقل خلاف الأفكار لمفارقة القيادات حاملة الأفكار الجديدة المختلفة، وهي غالبا ما تكون اختلافات حول الأفكار الخاصة بالسياسات الكبرى.

ثالثاً: إسلاميو الجزائر.. الوطن والمواطن

يمكن التأكيد على أن مواقف الإسلاميين في الجزائر ترتبط بصورة أساسية بهموم المواطن الجزائري، وفي ذلك الإطار يمكن تفهم موقفهم من قضايا الفساد وقانون المالية والإهمال الحكومي في قضية حريق الغابات وكذلك الإهمال الامني حيال تفشي ظاهرة اختفاء الأطفال. بل إن رفض الإسلاميين، بقيادة “حمس” دعوة الوزير الجزائري الأول (رئيس الوزراء) لمشاركة الإسلاميين في الحكومة، وتحولها عن هذا الخط الذي فتح الباب له شخصية بوزن القيادي الأسبق محفوظ نحناح، من أهم مفاتيحه عدم رضاهم عن سوء إدارة الملف الاقتصادي بأبعاده الثلاثة التنموي والاحتوائي/ الاجتماعي والوقائي (مكافحة الفساد)، وهو الملف الذي يهم المواطن الجزائري في المقام الأول، غير أن ما يهدد علاقة الإسلاميين في الجزائر قضية أخرى يمثل فيها المواطن الجزائري المتغير التابع المفعول به، وليس رضاه الذي يمثل محرك الحركة.

الملف المشار إليه في هذا السياق هو ملف التخويف، أي تخويف المواطن الجزائري من الإسلاميين، والذي يفتح الباب للتساؤل عن تكرار سيناريو “شيطنة الإسلاميين” في الجزائر بحذافيره تلك التي جرت في مصر تمهيدا لاقتراف المجازر التي سبق لإدارة 3 يوليو في مصر أن اقترفتها بحق الإسلاميين المصريين. وهو ما يفتح الباب لدور وسائل الإعلام الجزائرية في هذا الشأن، ويثير قضية حيادها ومسؤوليتها، بقدر ما يثير مسألة حجم وكفاءة الإعلام الخاص بهذه الشريحة من القوى المحلية الجزائرية، وهو وضع كان مشابها إلى حد كبير لنفس وضع إسلاميي مصر وعلاقتهم المشكلة بملف الإعلام قبل الانقلاب العسكري. ويبدو أن ضعف الإعلام الإسلامي الجزائري من شأنه أن يغري السلطة بشيطنتهم، فإن لم يكن بهدف الإقصاء فهو بهدف القضاء على جماهيريتهم.

فقد فوجئ المشاهد الجزائري بمشاهد بالغة القسوة بثها التلفزيون الجزائري للعشرية السوداء التي دارت رحاها في تسعينات القرن الماضي، وذلك على سبيل “الاحتفاء” بالذكرى الثانية عشرة للاستفتاء على “ميثاق السلم والمصالحة الوطنية”، والذي وقعه أطراف المشهد السياسي الجزائري في 29 سبتمبر من العام 2005، لإنهاء الاقتتال الأهلي الذي أعقب إلغاء انتخابات 1991، وتسبب بحسب الرواية الرسمية في مقتل 200 ألف جزائري. وتضمن الوثائقي “الاحتفالي”، والذي حمل عنوان “حتى لا ننسى”، مشاهد دامية لجثث أطفال بعضهم رضع؛ وجثث أخرى ممزقة لرجال ونساء وأطفال؛ اخترقها الرصاص أو شظايا قنبلة. وتتخلل المشاهد شهادات سكان يولولون أو يصرخون ألمًا(24 ) ، وهو ما دفع قطاعا واسعا من المواطنين والنخبة لاستنكار نمط «دعاية» السلطة( 25) . ويأتي الفيلم في أعقاب نقاش دار خلال العقد الماضي نحا باللائمة فيما شهدته العشرية من وحشية على تكتيكات إدارة المؤسسة العسكرية لما بعد إلغاء الانتخابات وحتى قبيل توقيع “الميثاق”(26 ) .

وقد تباينت وجهات النظر حيال ما وراء هذا الوثائقي، ما بين من يعتبرها مسعى سلطوي لإرهاب الدولة للمواطن الذي يئن تحت وطأة السياسات الاقتصادية المأزومة والفساد المتراكم، كعادة الإدارات الحاكمة التي تعمل على تصدير عدد من الفزاعات للرأي العام لدفعه لإيثار السلامة، والامتناع عن المطالبة بالتغيير أو حتى الإصرار على نزاهة العملية الانتخابية، وفي الأخير؛ فإن العشرية السوداء ترتبت على أداء اقتصادي سئ مماثل، رفضه الناخب الجزائري في انتخابات تشريعية أدت لفوز “جبهة الإنقاذ الإسلامية” في المرحلة الأولى من الانتخابات التي أوقفتها المؤسسة العسكرية الجزائرية، ولم تلبث أن ألغت نتيجتها في يناير من عام 1992(27 ) .

ومن جهة أخرى، فإن ثمة مجال للربط بين هذا الفيلم وتوجه إسلاميي الجزائر للتكتل، وهي خطوة؛ برغم أنها لم تبلغ حد تهديد الحزبين الحاكمين في تشريعية 2017؛ إلا أن تردي الأوضاع الاجتماعية، وبروز مؤشرات على اتجاه نسبة المشاركة للزيادة في محليات 2017، كان مما دفع للمخاطرة بعرض هذا الفيلم على هذا النحو الذي تضمن مخالفات قانونية، وإدراج صور بدون موافقة أصحابها، وهو ما تجاهد الحكومة الجزائرية لمنع تفاقم تداعياته القانونية(28 ) .

غير أن قسوة “الوثائقي” هاهنا تنبع من مؤثر آخر في تقييم التقرير تنصرف إلى الرغبة في التحوط للمستقبل، وفق الخيار الذي تضمنه تصريح رئيس “حمس” آنذاك عبد الرزاق المقري، من أن الحركة ترفض المشاركة في الحكومة بسبب الأداء الاقتصادي السلبي المتراكم، والذي يوشك أن يذهب بالجزائر في “نفق مظلم”، مما قد يزج باسم الحركة في آتون المحاسبة على أداء لم تكن مسؤولة عنه من قبل، وهو ما من شأنه أن يفكك كل القوى السياسية المؤيدة للأداء الاقتصادي الراهن. في هذا التصريح، أفاد “المقري” بأنه يريد أن تكون “حركة مجتمع السلم” بديلا متماسكا إذا حدث ما تخشاه الحركة. هذه التصريحات فتحت الباب لحرب ضروس بين أو يحيى والإسلاميين بلغت حد التشكيك في نزاهته ووطنيته، ما جعله يجمل ثأرا شخصيا، إضافة للتوجه الحزبي(29 ) . وفي هذا الإطار، جاء “الوثائقي” ضمن ما يتصوره التقرير رؤية أشمل لمنع استفادة الإسلاميين سياسيا من أية تداعيات مستقبلية للأزمة الاقتصادية الراهنة( 30) .

خاتمة:

تشهد الجزائر أزمة اقتصادية كبيرة، كان لها العديد من الانعكاسات على مختلف القطاعات، وبالتبعية على معاش المواطنين، ولا يبدو في الأفق المنظور وجود احتمالات كبيرة على تجاوز هذه الأزمة، وفي سياق الأزمة اختار التيار الأوسع من الحركة الإسلامية الجزائرية أن ينحاز للمواطن، رافضا المشاركة فيما اعتبره “مسرحية سياسية” هدفها تشويه صورة الإسلاميين بمشاركتهم في حكومة مأزومة، وإبرازهم كشريك في المأساة، يُستثنى في هذا الإطار “تجمع أمل الجزائر”، الذي رفضت قيادته العودة للمربع الأمني بعد فتح باب السياسة، مع وجود تلميحات بكون قيادته شريكة في إحدى قضايا الفساد التي دار حولها لغط شديد، وهي قضية “الطريق السيار حول العاصمة”.

ويعزو المراقبون التموقع السياسي للتيار الإسلامي باعتباره ضحية فقدان تمويل المشاركة، وضعف المنابر الإعلامية، وتردد الموقف، وضعف الخطاب الاجتماعي، فضلا عن ضعف التوافقات التي تجمع المعارضة، ومن ضمنها الإسلاميون. بينما يعزوه الإسلاميون لضيق الأفق السياسي وتحكم السلطة في إدارة المشهد الانتخابي، وتردد شباب التيار الإسلامي حول جدوى المشاركة، والضغوط الإقليمية والدولية، والتشرذم النسبي للقوى الإسلامية.

ويبقى السؤال مفتوحا حول مستقبل الإسلاميين في ضوء النموذج الديمقراطي الصوري في الجزائر، وعموم القاعدة السياسية العربية حيال ضعف المعارضة بسبب ابتعادها عن جهاز الدولة الحليف للحكومات على حساب من هم خارج دولاب الحكم، وهي اعتبارات من شأنها تعقيد الأمور وخلط الأوضاع، والنيل من حجم التأييد السياسي للحركات الإسلامية في الجزائر ( 31) .

——————–

الهامش

( 1) المحرر، بالأرقام.. نتائج الانتخابات الجزائرية 2017، شبكة الجزيرة، 5 مايو 2017. الرابط

(2 ) وكالات، عبد المجيد مناصرة رئيسا لحركة مجتمع السلم، موقع “قناة الشروق” الجزائرية، 22 يوليو 2017.

( 3) المحرر، ميلاد اتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، موقع “الحوار” الجزائري، 22 يناير 2017. الرابط

(4 ) المحرر، الجزائر: الحركة الإسلامية ترفض المشاركة في الحكومة، موقع أفريك 54، 24 مايو 2017. الرابط

(5 ) المحرر، حركة مجتمع السلم الجزائرية في مواجهة الانقسام، موقع “قناة العربية”، 15 مايو 2017. الرابط

(6 ) المحرر، إفراح: “حمس” الجزائرية ترفض الحكومة طمعا في البلديات، الموقع العربي لوكالة “سبوتنيك” الإخبارية، 20 مايو 2017. الرابط

(7 ) عبد السلام سكية، 33 % نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية والولائية بالجزائر، موقع صحيفة الوطن الجزائرية، 23 نوفمبر 2017. الرابط

(8 ) للصورة الكاملة عن نتائج محليات الجزائر: المحرر، نتائج الانتخابات المحلية 2017: الأفلان والأرندي يحصدان أغلب المجالس الولائية والبلدية، موقع “الإذاعة الجزائرية”، 24 نوفمبر 2017. الرابط

(9 ) الجزائر: حركة “مجتمع السلم” تتهم الحزب الحاكم “بالتزوير” في الانتخابات التشريعية، موقع “فرانس 24“، 7 مايو 2017.

(10 ) محمد مسلم وأسماء بهلولي، الإسلاميون.. هزيمة أم نهاية مهمّة؟، “بوابة الشروق” الجزائرية، 25 نوفمبر 2017.

(11 ) المصدر السابق

(12 ) حوار محمد إيوانوغان، جاب الله يقر بتراجع الاسلاميين ويكشف لـ”TSA عربي” أسباب خلافه مع النهضة والبناء، شبكة “TSA العربية”، 28 نوفمبر 2017. الرابط

(13 ) المحرر، تاريخ من التراجعات.. لماذا فشل الإسلام السياسي بالجزائر؟، موقع أصوات مغاربية، 19 سبتمبر 2017.

(14 ) الإشارة السابقة.

(15 ) حوار محمد إيوانوغان، جاب الله يقر بتراجع الاسلاميين ويكشف لـ”TSA عربي” أسباب خلافه مع النهضة والبناء، شبكة “TSA العربية”، 28 نوفمبر 2017. الرابط

( 16) ريكاردو فابياني، تحليل: الإسلاميون في الجزائر مفككون ومنعزلون عن الواقع وهو ما سيضعف حظوظهم في الانتخابات، موقع “لكم الجزائري”، 14 أبريل 2017. الرابط

(17 ) عثمان لحياني، مؤتمر لتوحيد “إخوان الجزائر” بعد 11 عاماً من الانقسام، موقع صحيفة “العربي الجديد”، 22 يوليو 2017. الرابط

( 18) ريكاردو فابياني، تحليل: الإسلاميون في الجزائر مفككون ومنعزلون عن الواقع وهو ما سيضعف حظوظهم في الانتخابات، موقع “لكم الجزائري”، 14 أبريل 2017. الرابط

( 19) وكالات، عبد المجيد مناصرة رئيسا لحركة مجتمع السلم، موقع “قناة الشروق” الجزائرية، 22 يوليو 2017. الرابط

(20 ) المحرر، ميلاد اتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، موقع “الحوار” الجزائري، 22 يناير 2017. الرابط

(21 ) حوار محمد إيوانوغان، جاب الله يقر بتراجع الاسلاميين ويكشف لـ”TSA عربي” أسباب خلافه مع النهضة والبناء، شبكة “TSA العربية”، 28 نوفمبر 2017. الرابط

(22 ) لخضر رزاوي، غول: حزبي ليس إسلاميا وأربعة شروط للالتحاق به، “بوابة الشروق” الجزائرية، 25 أغسطس 2012. الرابط

(23 ) صابر بليدي، استقالة جماعية تتسبب في تصدع حزب الموالاة الجزائري ‘تاج’، موقع “صحيفة العرب” اللندنية، 27 يونيو 2015. الرابط

( 24) مراسلون، جدل في الجزائر بعد بث صور صادمة للحرب الأهلية، “بوابة الوسط” الليبية، 5 أكتوبر 2017.

( 25) مجيد حشادي، وثائقي عن “العشرية السوداء” يفجر الغضب ضد نظام بوتفليقة، موقع “الحدث إنفو، 1 أكتوبر 2017.

( 26) يمكن في هذا الإطار مراجعة كتاب الضابط بالجيش الجزائري حبيب سويدية، الحرب القذرة، ترجمة روز مخلوف، سوريا، دار ورد للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2003.

(27 ) منية غانمي، الجزائر..جدل بسبب شريط وثائقي عن العشرية السوداء، موقع “العربية نت“، 2 أكتوبر 2017.

(28 ) عبد الحفيظ العيد، غضب في الجزائر بسبب وثائقي عن “العشرية السوداء”، موقع إيلاف، 2 أكتوبر 2017.

( 29) جلال مناد، عودة الصراع الأيديولوجي للجزائر من بوابة أو يحيى والإسلاميين، إرم نيوز، 24 سبتمبر 2017. الرابط

(30 ) المحرر، الجزائر: الحركة الإسلامية ترفض المشاركة في الحكومة، موقع أفريك 54، 24 مايو 2017. الرابط

(31 ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close