تحليلاتقلم وميدان

إشكالية التوثيق عند الإخوان المسلمين

 

“كانت المسرحية في رحيل المشير حسين طنطاوي وإظهار الأمر أن مرسي هو من أزاحه، ثم دفعت، أي أجهزة الثور المضادة، بالسيسي بدلا منه تمهيدا للإطاحة بالإخوان بزعم أنهم فاشلين في الحكم”.

هكذا صدع وزير العدل السابق أحمد مكي في عهد الرئيس مرسي بجانب من شهادته في حوار هام لموقع “مصر العربية” في 18 سبتمبر 2016، عن فترة حرجة من عمر مصر بعد الثورة، ونقطة غاية في الأهمية، تلك المتعلقة بملابسات عزل الرئيس مرسي للمشير حسين طنطاوي وتعيين السيسي بدلا منه، وهي الخطوة التي ربما كانت تتطلب خطوات مماثلة من وجهة نظر أنصار الثورة للقضاء على الثورة المضادة، لكن مرسي من وجه نظرهم-خذلهم باتباعه النهج الإصلاحي في عهد ثوري، وبالتالي مكّن هذه الثورة المضادة- من الالتفاف عليه، كما تلتف الأفعى حول فريستها.

تصريحات مكي سبقها بحوالي شهر تصريحات أخرى مثيرة للجدل للشيخ “محمد حسان” في الذكرى الثالثة لمجزرة رابعة بخصوص ما حدث في الكواليس إبان الاعتصام “يوليو-أغسطس 2013، وما يرتبط بها من رؤية الإخوان للتعامل مع سلطات الانقلاب، ثم ما تزامن معها من تصريحات لأحد الشباب” أحمد المغير” المحسوب علي جماعة الإخوان المسلمين، رغم أنه لا ينتمي تنظيما لها، بخصوص وجود أسلحة في رابعة، ومن قبلها تصريحات “وائل غنيم” وغيره بخصوص ثورة يناير، كل هذا يجعل الإخوان دائما في دائرة رد الفعل، والمتهم الذي يحاول إثبات براءته، رغم انشغاله بقضايا أخرى أكثر أهمية بعضها يتعلق بلملمة الصف الإخواني الداخلي الذي كان أحد مصادر قوة الإخوان عبر التاريخ “قوة الإخوة والتنظيم”، فضلا عن المساعي لتحقيق ما يسمى بالاصطفاف” الثوري” لمواجهة الانقلاب.

رد الفعل الإخواني لم يأت من قبل المتحدث الإعلامي، وإنما يأتي غالبا بصورة غير منظمة لقيادات أو أفراد من الإخوان، أو ربما من قيادات ثورية أخرى خارج الصف الإخواني “مثل رد الدكتور محمد محسوب على كل من وائل غنيم والشيخ حسان”.

إشكالية التوثيق:

هنا تبرز إشكالية هامة لدى جماعة الإخوان المسلمين، ربما لا تقل خطورة أو أهمية عن قضايا الاصطفاف الداخلي، أو الوطني، هي قضية توثيق الأحداث. فحتى هذه اللحظة لا يلاحظ المتابع لقنوات الإخوان أو القنوات القريبة منها أو حتى منافذ الإعلام الإخوانية المختلفة، أية برامج وثائقية تستعرض موقف الجماعة من أحداث هامة كأحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، أو حتى موقف الإخوان من فكرة التحالف الوطني لخوض أول انتخابات تجرى بعد الثورة، ولماذا تقلص التحالف من 43 حزبا إلى 10 أحزاب وسط هيمنة إخوانية أثارت شكوكاً في حينها عليه ومن ثم الهيمنة على مجلس الشعب بعد ذلك، ثم ماذا عن أداء الإخوان داخل البرلمان وما دار في الكواليس، أو داخل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور سواء الأولى أم الثانية.

مرورا بفترة حكم الرئيس مرسي وما تضمنتها من أحداث ربما خضعت لتحليلات تصب في غير صالحهم مثل ملابسات الإعلان الدستوري الصادر في نوفمبر 2012، وقبله ملابسات عزل طنطاوي وعنان لاسيما أن البعض يرى، كما سبق القول، أن الرئيس محمد مرسي ربما أخطأ في عدم اتخاذ قرارات ثورية مماثلة في مواجهة الثورة المضادة، وبالتالي يتحمل تمكين الأخيرة منه، في حين يرى آخرون كشهادة مكي الأخيرة أن الأمر تم من خلال اتفاق عسكري-عسكري بعيدا عن مرسي، كذلك من القضايا الشائكة أيضا الكواليس التي شهدتها اللحظات الأخيرة قبل عزله ومنها: هل كان الرئيس على علم بالانقلاب؟ ولماذا لم يعزل السيسي؟ أو يدعو لانتخابات رئاسية مبكرة؟ أو حتى يخرج في خطابه الأخير “قبل عزله وحبسه” ليوضح الحقائق؟ وغير ذلك كثير .

لقد اكتفى الإخوان بعرض المعلومات التي تُطلب منهم من بعض الجهات الإعلامية، والتي تتم بصورة غير منظمة وغير موجهة من ناحية، كما أنها قد تتضمن رؤية شخصية لأصحابها قد تصيب وقد تخطئ، وربما لا تُعبر عن موقف الجماعة بقدر التعبير عن وجهة نظر صاحبها، ناهيك عما قد يكون بينهما من تباين يصل إلى درجة التناقض.

أهمية التوثيق:

إن أهمية التوثيق في اللحظات الفارقة التي تمر بها جماعة أو أمة، تنبع من عدة أمور، فهي أولا تحفظ الذاكرة من آفة النسيان، كما أنها تشكل مرجعا للباحثين الذين تتناول دراساتهم هذه المرحلة الهامة من تاريخ مصر بدلا من الاعتماد على مصادر قد تكون بها معلومات مغلوطة، أو متناثرة هنا أو هناك تجعله يتكبد مشقة كثيرة في تجميعها، فضلا عن أن هذا التوثيق لا يساهم فقط في معركة الوعي التي تخوضها الجماعة في مواجهة خصومها، وإنما في تبصير الأجيال “القادمة” بموقف الجماعة من هذه الأحداث بما يمكنهم من الإحاطة بها أولا، ثم تقييمها سلبا أو إيجابا بعد ذلك .

لقد اعتمدت الجماعة في محاضنها التربوية على بعض الكتب لتوثيق تاريخ نشأتها ومواقفها من بعض الأحداث التاريخية ومنها “مذكرات الدعوة والداعية للإمام البنا”، فضلا عن كتاب “الإخوان المسلمون … أحداث صنعت التاريخ”، للدكتور محمود عبد الحليم، والذي يعد أحد المراجع الهامة للصف الإخواني بمراحله المختلفة رغم أنه –كما جاء في ديباجته – يعبر عن وجهة نظر خاصة لصاحبه لأحداث عايشها، وأخرى اكتفى بنقلها عن آخرين كأحداث نشأة الدعوة في الإسماعيلية نقلا عن الإمام البنا، أو حرب فلسطين نقلا عن كامل الشريف.

كما قامت الجماعة بتدشين موقع “إخوان ويكي” على شبكة الإنترنت، وبحسب ما يعرف به الموقع نفسه هو “الموسوعة التاريخية للإخوان للمسلمين”، وكذلك هناك موقع آخر بعنوان “تراث الإخوان“، وعندما يتأمل الباحث هذا المحتوى أو ذاك، نجد إسهابا كثيرا في أحداث الماضي، دونما أي إشارة إلى التاريخ المعاصر منذ ثورة يناير 2011 وحتى الآن، رغم كونه بات الأهم الآن في معركة الوعي التي تخوضها الجماعة، لاسيما بعدما بات معظم شهود عيان هذه الأحداث ما بين شهيد ومعتقل ومطارد، وفي ظل الحملة الشرسة التي تتعرض لها من قبل الطرف الآخر، والتي يبدو أنها مستمرة ولن تنقطع، وكان آخرها على سبيل المثال وليس الحصر، عرض فيلم في مهرجان “كان” الماضي بفرنسا بعنوان “اشتباك”، بإنتاج مصري-.إماراتي –ألماني-فرنسي مشترك، يوثق مساوئ حكم الإخوان خلال حكم الرئيس مرسي!.

خلاصة:

في ظل الاعتبارات السابقة، يبقى السؤال: لماذا لا يوثق الإخوان وجهات نظرهم حتى يعرف الناس في الداخل “مؤيدين ومعارضين”، وكذلك في الخارج حقيقة موقفهم. هل السبب هو عدم امتلاك وسائل التوثيق رغم بساطتها وسهولها”، فضلا عن إمكانية تخصيص برنامج واحد في فضائية “وطن” الناطقة باسم الجماعة يكون على غرار برنامج “شاهد على العصر” الذي تقدمه قناة الجزيرة الفضائية، أو “برنامج مراجعات” الذي قدمته قناة الحوار الفضائية، أم أن السبب يرجع إلى افتراض إلمام الناس في الداخل والخارج بهذه المواقف، أم هي إشكالية عدم قناعة؟ أم الانشغال بأولويات أخرى؟ (1).

—————————

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى