استجابة النظم المصرية لقضايا الصحة 1981 ـ 2019
المقدمة
تحاول هذه الدراسة التعرض إلى استجابة النظام السياسي في مصر خلال ثلاث حقب متعاقبة (مبارك- مرسي- السيسي) للقضايا والمطالب الملحة في القطاع الصحي (الحق في الصحة)، وذلك من خلال تحليل الصياغات الرسمية للنظام في صورة نصوص ومواد دستورية تحدد رؤية الدولة لمفهوم الحق في الصحة. كما تتطرق الدراسة إلى تحليل استجابة النظم الثلاثة إلى قضية كادر الأطباء والتي تعد من أهم التحديات التي واجهت النظم الثلاثة، وهي القضية التي يمكن من خلالها قياس مدى اتساق الدولة في سياساتها التنفيذية مع الدستور الذي وضعته.
وستناول المقارنة موضوع الكادر من عدة جونب وهي (مفهوم الكادر لدى نظم الحكم الثلاثة- مصادر التمويل- الإجراءات التنفيذية)، مع الأخذ في الاعتبار أن الجوانب الأخرى المرتبطة بالأمور الإدارية والتنظيمية، ونظام الترقي، والتدريب والتعليم الطبي المستمر لن يتم التطرق إليها، وذلك لأن الدراسة تركز على جوهر الأزمة المتمثل في تدني الأجور والمطالبة بمنظومة أجور عادلة تتسق مع التطورات الاقتصادية وتراجع القوة الشرائية للجنيه، كذلك قضية العدالة الاجتماعية والمعاملة بالمثل مع القضاة وموظفي البنوك الذين يحصلون على رواتب مرتفعة.
كما أن تطوير منظومة الأجور هو التحدي الأكبر الذي يمثل أولوية لجميع العاملين بالمهن الطبية والقطاع الصحي بشكل عام ويتطلب موارد مالية كبيرة وإعادة النظر في هيكل الأجور داخل القطاع الحكومي بأكمله، وأن الأمور الأخرى مثل التدريب والترقي الوظيفي موجودة في كل الديباجات والقوانين وهناك إدارات مركزية وإدارات فرعية وميزانيات سنوية معتمدة لتلك الجوانب والتي تخرج بالباحث عن مضمون الدراسة وحدود المقارنة دون إضافة بحثية جديدة وتأخذه إلى موضوعات فرعية تشتت من الوحدة الموضوعية للدراسة.
الإطار الزمني للدراسة:
يشمل الإطار الزمني للدراسة السنوات الخمس الأخيرة من حكم حسني مبارك وبالتحديد في عهد وزير الصحة السابق حاتم الجبلي بداية من ديسمبر 2005، مرورا بمرحلة ثورة يناير وما صاحبها من مطالبات وضغوط شعبية بضرورة توفير رعاية صحية حقيقية للمواطن المصري، وستركز الدراسة على مرحلة وزير الصحة محمد مصطفى حامد في حكومة الدكتور هشام قنديل، وذلك على اعتبار أن فترة الثورة والتي امتدت لعامين ونصف شهدت تولي أكثر من خمس وزراء لحقيبة الصحة وهم (أحمد سامح فريد- أشرف حاتم- عمرو حلمي- فؤاد النواوي- محمد مصطفى حامد)، ويمكن اعتبار الأربع وزراء السابقين وزراء تسيير أعمال نظرا لظروف الثورة وتعطيل الدستور وغياب البرلمان، أما الوزير الخامس محمد مصطفى حامد فقد جاء بعد اختيار رئيس دولة منتخب، وجاء ببرنامج ورؤية محددة لإدارة الملف الصحي.
ثم المرحلة الحالية والممتدة من 3 يوليو 2013 وحتى الآن، والتي شهدت تطورات كثيرة في هيكل صنع السياسات الصحية، واتخذت إجراءات عدة خاصة بإدارة الملف الصحي سيتم تناولها بالتفصيل في هذه الدراسة.
واختارت الدراسة أسلوب المقارنة من خلال التعاطي مع القضايا موضع البحث خلال المراحل الثلاث لتحديد نقاط التشابه والاختلاف في كل حالة على حدة وتقييم الأداء وإبراز الآليات المتبعة خلال كل مرحلة، وسهولة عقد مقارنات في كل ملف والوصول إلى تحليلات واضحة ونتائج منطقية.
كما تعتمد الدراسة استجابة النظام كمفهوم مركزي لقياس الفجوة بين المدخلات التي تكون في صورة مطالب وضغوط من المتلقي للخدمة الطبية والعاملين بالقطاع الصحي والنقابات المهنية للعاملين بالقطاع الطبي، والمخرجات التي يقدمها النظام استجابة لتلك المطالب والضغوط.
ويأتي السؤال الرئيسي للدراسة: (كيف استجابت النظم الثلاثة إلى مطالب واحتياجات القطاع الصحي في مصر؟). وسيختبر هذا السؤال بالتعامل مع قضيتي (الإطار الدستوري) و(كادر الأطباء).
وستستخدم الدراسة اقتراب تحليل النظم (System Analysis Approach) لديفيد إيستون.
يؤكد إيستون أنَّ فكرة النظام كإطار تحليلي، بما تتضمنه من علاقات ومفاهيم نظرية لها دلالات تطبيقية، تُمثِّل نقطة بداية حقيقية وتقوم عملية التغذية الاسترجاعية بالربط بين نقطتي البداية والنهاية، أي بين المدخلات والمخرجات[1]. في تطوير الدراسات السياسية. هذا الإطار التحليلي للنظام السياسي في أبسط صوره كما يراه إيستون لا يعدو أن يكون دائرة متكاملة ذات طابع ديناميكي من التفاعلات السياسية الموجهة بصفة أساسيَّة نحو التخصيص السلطوي للقيم في المجتمع، وتبدأ هذه الدائرة الديناميكية بالمدخلات وتنتهي بالمخرجات، والقرار وفق إيستون يمثل مخرجات النظام السياسي والتي يتم من خلالها التوزيع السلطوي للقيم في المجتمع.
كما أن الدراسة تهتم بعملية صنع القرار السياسي، والتي تعتبر مدخلا مهما في فهم طبيعة النظم السياسية في جميع دول العالم بصفة عامة، ودول العالم الثالث بصفة خاصة، فتحليل عملية صنع القرار تكشف مدى ديمقراطية النظم ودرجة تطورها والتوجهات الأساسية للنخبة الحاكمة، وكيف يدير النظام الدولة من خلال القرارات السياسية المختلفة ولصالح من[2]؟
المدخل الأول: تحليل الإطار الدستوري.
الحق في الصحة هو الحق في الحياة، وهو أهم حق في الحقوق الأساسية للإنسان، وهو أصل جميع الحقوق الأساسية للإنسان، كما جاء بديباجة دستور منظمة الأمم المتحدة عام 1986 أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية[3].
كما جاء بالمادة 25 (1) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه[4].
ووفقاً للمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، “تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية[5] .
أولا: الصحة في دستور 1971:
كان نظام مبارك يعمل وفق دستور عام 1971، وفيما يخص موقف الدولة من الحق في الصحة، فقد نظمت المادتين (16- 17) من الدستور الأمور المرتبطة بالحق في الصحة على النحو التالي:
مادة (16)
تكفل الدولة الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية، وتعمل بوجه خاص على توفيرها للقرية في يسر وانتظام رفعاً لمستواها.
مادة (17)
تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي، ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعاً، وذلك وفقاً للقانون[6].
وقد قام مبارك بإجراء تعديلات على الدستور في عام 2005، اقتصرت على المادة 76 من الدستور والخاصة بترشح رئيس الجمهورية واعتماد نظام الانتخاب بدلا من نظام الاستفتاء على شخص واحد، كما تم عمل استفتاء آخر عام 2007 بخصوص تعديل 34 مادة لم تكن من بينها مواد الصحة وكان أهمها تعديل المادة رقم 88 الخاصة بإلغاء شرط الإشراف القضائي على الانتخابات[7]، ولم تتطرق تلك التعديلات إلى إعادة تنظيم وضع الحق في الصحة، بالرغم من تكرارا المطالبات بتطوير منظومة التأمين الصحي القديمة والتي لم تتطور منذ عام 1964.
ومن العرض السابق يتبين أن:
- مبارك الذي حكم مصر لمدة 30 عاما لم يقم بإجراء أي تعديلات خاصة بتطوير منظومة الصحة، وما قام به من تعديلات كانت مرتبطة بالانتخابات وتحصين منصب الرئيس، وتقليل فرص المعارضة في المنافسة على السلطة، وهو ما يشير إلى أن النظام كان مشغولا بالاستحواذ على السلطة والأمور المتعلقة بالتوازنات السياسية، ولم يعر الجوانب الاجتماعية أو الحقوق الاقتصادية أو منظومة العدالة الاجتماعية أي اهتمام.
- لم يكن هناك مادة أو مواد خاصة بالصحة بشكل محدد أو منفصل، بل جاءت الصحة ضمن حزمة الخدمات الاجتماعية والثقافية التي تكفلها الدولة للمواطن، كما تمت الإشارة إلى كفالة الدولة للتأمين الصحي دون تحديد لهوية المنتفعين من نظام التأمين الصحي، ودون الإشارة إلى وجود التزام تجاه غير المنتفعين من التأمين الصحي.
- لم تشر المواد السابقة إلى إلزامية الدولة بتوفير الرعاية الصحية لجميع المواطنين دون تمييز كما هو متبع في المواثيق الدولية التي التزمت بها الدولة المصرية بموجب اتفاقيات ومعاهدات القانون الدولي.
- أكدت المادة 16 أن الصحة ضمن منظومة الخدمات التي تؤديها الدولة للمواطن مثل الخدمات الثقافية والاجتماعية، وهي بذلك تجاهلت ذكر أهم مبدأ من مبادئ الحقوق الأساسية للإنسان وهو الحق في الصحة.
وبذلك يتضح أن مفهوم الحق في الصحة لم يكن متبلورا بشكل إيجابي في ذهن المشرع المصري وقت صياغة دستور 1971، وأنّ ما قام به مبارك بعد ذلك من تعديلات أكد نفس المفهوم، وهو أن قضية الصحة لم تكن على سلم أولويات النظام وكانت تعد من القضايا الثانوية.
ثانيا: الصحة في دستور عام 2012.
المادة (62)
“الرعاية الصحية حق لكل مواطن، تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومي، وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحي وفق نظام عادل عالي الجودة، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين.
وتلتزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج الطبي بأشكاله المختلفة لكل مواطن في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.
وتشرف الدولة على كافة المنشآت الصحية، وتتحقق من جودة خدماتها، وتراقب جميع المواد والمنتجات، ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة؛ وتصدر التشريعات وتتخذ كافة التدابير التي تحقق هذه الرقابة[8].”
يمكن تحديد النقاط الأساسية التي تضمنتها المادة 62 من خلال الآتي:
- التأكيد على الحق في الصحة كركيزة أساسية تقوم عليها جميع القوانين والتشريعات والسياسات التي تنبري للحفاظ على هذا الحق بوصفه حقا من الحقوق الأساسية للإنسان لا يمكن التهاون في الحفاظ عليه، وذلك بما يتوافق مع المواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
- تخصيص نسبة من الناتج القومي الإجمالي لكفالة الحق في الصحة وتوفير الرعاية الصحية، وهي بذلك تكون قد وضعت النظام الصحي على أولويات سلم الإنفاق الحكومي وخصصت له جزءا من الناتج القومي الإجمالي السنوي، لكن يؤخذ على هذه الجزئية أنها لم تحدد هذه النسبة وهو ما يترك الباب مفتوحا دون تحديد لنسب محددة تعبر عن انحياز الثورة للشعب وللعدالة الاجتماعية.
- تلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، وبذلك تكون وضعت الدولة أمام مسؤولياتها السياسية بالالتزام بتوفير الرعاية الصحية، ومفهوم الرعاية الصحية يشمل جميع الخدمات الوقائية والعلاجية والدوائية والتثقيف الصحي.
- تلتزم الدولة بموجب الدستور بتنفيذ وإدارة المشروع القومي للتامين الصحي يغطي جميع المواطنين، وذلك وفق اشتراكات يحددها القانون، على أن تتكفل الدولة باشتراكات غير القادرين، فيما يكون أساس هذا المشروع العدالة الاجتماعية، وجودة حزمة الخدمات المقدمة للمواطن.
- تلتزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج الطبي بأشكاله المختلفة لكل مواطن في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، ويعتقد الباحث أن هذه النقطة بالرغم من أهميتها إلا أنها مرحلية ستنتهي بمجرد الانتهاء من تنفيذ مشروع التأمين الصحي الشامل، لكنها وضعت لإنهاء استغلال المستشفيات الخاصة للمرضى في حالات الطوارئ، خصوصا في ظل ارتفاع تكلفة العلاج وتكلفة الإقامة بغرف الرعاية المركزة، وتكلفة التدخلات الجراحية، وما يتطلبه المريض من فحوصات وأشعات ونقل دم، وبالتالي فإن كفالة الدولة مصروفات علاج مريض الطوارئ تساهم في تحقيق التكافل مع الحالات الحرجة وتمنع استغلال المستشفيات لظروف تلك الحالات.
- رقابة الدولة على جميع المنشآت الصحية العامة والخاصة، وإصدار التشريعات اللازمة لتحقيق هذه الرقابة، كما تمارس الرقابة أيضا على وسائل الدعاية المرتبطة بالصحة، وكان الهدف من تلك الفقرة إحكام السيطرة على المستشفيات الخاصة، وإلزامها بضوابط سياسات الجودة في المجالات الوقائية والعلاجية، كذلك السيطرة على البرامج الطبية التي انتشرت في مصر عقب ثورة يناير ولم يتم وضع ضوابط قانونية لإحكام هذه الظاهرة، نظرا لأن تلك المواد العلمية تتعلق بصحة المواطن وحياته بشكل مباشر.
ثالثا: الصحة في دستور 2014.
المادة 18 من الدستور
لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل.
وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم.
ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.
وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي.
وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون.
التحليل:
بالرغم من أنه كان من المتوقع أن يكون دستور 2014 أكثر تطورا من حيث الصياغة والشمول لعناصر المنظومة الصحية والخدمات المتعلقة بها ولتأكيد مفهوم الحق في الصحة، على اعتبار أن الدساتير تتجه غالبا إلى التطور من الناحية الشكلية فيما يخص الموضوعات الاجتماعية والخدمية ويبقى الحكم في النهاية للتطبيق الفعلي على أرض الواقع، إلا أن ما جاء بدستور 2014 به الكثير من الانقضاض على مفاهيم الحق في الصحة والعدالة الاجتماعية والتزام الدولة وهو ما سنناقشه من خلال النقاط التالية:
- مفهوم التزام الدولة بكفالة الحق في الصحة: انتقل مفهوم الحق في الصحة من التزام الدولة إلى مجرد اعتراف من الدولة والعمل على توفير الظروف المناسبة لحصول المواطن على الحق في الصحة، وهي بذلك لا تختلف عن القطاع الخاص الذي يسعى هو الآخر إلى توفير الخدمة الصحية للمواطن بجودة عالية من خلال رعاية المؤسسات الصحية الخاصة وتوفير خدمة ذات جودة عالية، وقد جاء ذلك دون ترتيب أي التزامات قانونية تجبر الدولة على كفالة هذا الحق أو محاسبتها في حال انتهاك تلك الالتزامات.
وبالتالي جاءت كفالة الدولة خاصة بالحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها كما جاء في نص الدستور دون الإشارة إلى الالتزام بكفالة حق المواطن في الحصول على الخدمة الصحية كالتزام من الدولة.
- فتح المجال أمام خصخصة الخدمة الطبية: أكد الدستور على أهمية تشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون، وهي بذلك تمهد الطريق أمام دخول القطاع الخاص بقدراته التنافسية العالية والتي تسيطر فعليا على سوق الخدمة الطبية في مصر وفق آليات دستورية للهيمنة على المستشفيات الحكومية، وهو ما حدث في بور سعيد عند البدء في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل.
- الاستحواذ على المستشفيات الأهلية: نظرا للدور الكبير الذي أصبحت تقدمه المستشفيات الأهلية في مجال تأدية الخدمة الصحية في مصر، وقدرة هذه المؤسسات على تعظيم مواردها وتضخم ميزانياتها؛ فقد تطرق الدستور إلى ضرورة الاستفادة من تلك المؤسسات في دعم المستشفيات الحكومية، وهو ما قدمنا له سابقا في دراسة سابقة بعنوان (المجتمع المدني ودعم المؤسسات الحكومية في مصر بعد يوليو 2013)[9] .
- تحرير الخدمة الطبية: وفقا للدستور فإن الدولة ملزمة بإقامة نظام للتأمين الصحي الشامل، وليست ملزمة بالتمويل، فهي ملزمة بتحمل نفقات غير القادرين فقط، وهي أيضا من يحدد من هم غير القادرين، أما باقي الشعب ومنهم الموظفون وأصحاب المعاشات وهم في غالبيتهم من محدودي الدخل فلا تلتزم الدولة بأي مسؤوليات تجاههم ويتكفلون بكامل اشتراكاتهم.
- عدم كفالة مرضى الطوارئ: اكتفى الدستور بأن يكون التزام الدولة تجاه حالات الطوارئ ذي صبغة تشريعية، حيث أقر الدستور بأنه يجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، دون الإشارة إلى تحمل الدولة تكلفة علاج المرضى في حالة الطوارئ.
رابعا: مقارنة بين الدساتير الثلاثة:
بعض العرض الموجز لملامح السياسات الصحية في الدساتير الثلاثة يمكن الوصول إلى عدة نتائج وهي:
- هناك تحول كبير إيجابي على مستوى الشكل الخاص بصياغة الدستور، فبعد أن كانت النظرة إلى القضية الصحية نظرة خدمية مثلها مثل الخدمات الاجتماعية والرياضية والثقافية التي تقدمها الدولة للمواطن هي نظرة النظام في دستور 1971، أصبح هناك مادة خاصة للصحة في دستوري 2012 و2014 تنظر إلى القضية الصحية بأنها حق من الحقوق الأساسية للمواطن وليس خدمة تقدمها الدولة له.
- الاختلاف الجوهري بين مفهوم الحق في الصحة في دستور 2012 و2014 هو أنه في دستور 2012 هذا الحق ترتب عليه التزامات دستورية بشكل مباشر وواضح على الدولة تتحمل بموجبها كفالة هذا الحق، وتُساءل أمام القانون والشعب بموجب هذا الالتزام، حيث جاء في الدستور (الرعاية الصحية حق تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومي لكل مواطن) وبذلك تم ربط الحق في الصحة بالناتج القومي في جملة واحدة. أما في دستور 2014، فقد أقرت الدولة بالحق في الصحة دون ترتيب التزامات وأصبحت مهمتها كفالة تطوير المؤسسات الصحية فقط ورعاية غير القادرين، حيث جاء في متن الفقرة (لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة)، (وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل)، وبالتالي فإن كفالة الدولة في دستور 2014 اشتملت على توفير الخدمات وكفاءة المنشآت دون ترتيب أي التزام تجاه تحمل نفقات العلاج.
ولكي تكون الإشكالية السابقة أكثر وضوحا، فلو نظرنا إلى الفقرة الـ 19 الخاصة بالتعليم نجد أنه قد جاء بالدستور (التعليم حق لكل مواطن… والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية وفقا للقانون) وبذلك يكون هناك التزام واضح من الدولة بكفالة الحق في التعليم[10].
- النقطة الجيدة في دستور 2014 هي أن الدستور حدد نسبة 3% من الناتج القومي الإجمالي للدولة كنسبة محددة للإنفاق الصحي تتحملها الدولة سنويا، وربما يكون عدم التحديد في دستور 2012 هدفه عدم التمييز بين قطاعات الدولة وتحديد نسب ثابتة لأي قطاع مما يترتب عليه مطالبات مستقبليه من قطاعات الدولة الأخرى، أو ربما كان الهدف هو إتاحة الفرصة لتتمكن الحكومة من الإيفاء بالتزاماتها لأنها كانت ستخضع للمحاسبة والتقييم.
- كما أقر دستور 2014 بشكل واضح التزام الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي، وهذه إضافة إيجابية تحسب له.
- بالنسبة للتعامل مع حالات الطوارئ، فإن دستور 2012 أفضل في هذه النقطة حيث ألزم الدولة بتحمل نفقات علاج حالات الطوارئ، في حين أن دستور 2014 اكتفى بتجريم امتناع المستشفيات عن تقديم الرعاية الصحية للمرضى دون التطرق إلى تحمل الدولة لتكلفة تلك النفقات، خصوصا أن القصد من الإشارة إلى حالات الطوارئ هو المستشفيات الخاصة التي تشترط الحصول على تكلفة الخدمة قبل الحصول عليها مما يعرض حياة المرضى للخطر.
- فيما يخص التأمين الصحي الشامل، فقد أشار دستور 2012 إلى أن النظام سيكون تكافلي- وهو ما سنوضحه عند الإشارة إلى آليات التنفيذ- وفلسفته قائمة على أن الدولة تتحمل جزءا من الاشتراكات ويكون هو الجزء الأكبر بالإضافة إلى أن الدولة تتحمل غير القادرين، أما في دستور 2014 فإن المواطن يتحمل الاشتراك بالكامل والدولة تتحمل غير القادرين فقط.
- إدارة التأمين الصحي الشامل من اختصاص الدولة في دستور 2012، لكنها بموجب دستور 2014 قائمة على الشراكة مع القطاع الخاص (خصخصة إدارة المنشآت الصحية)، كذلك منحت دورا كبيرا لمؤسسات المجتمع المدني العاملة في القطاع الصحي والتي تمتلك ميزانيات كبيرة تتخطى حاجز المليار جنيه في السنة مثل جمعية الأورمان وبيت الزكاة المصري ومؤسسة مجدي يعقوب.
المدخل الثاني: كادر الأطباء
في هذا المدخل سنقوم بالعرض لقضية كادر المهن الطبية والمعروفة باسم كادر الأطباء، وترجع تلك التسمية إلى حركة أطباء بلا حقوق التي تم تدشينها في عام 2007، والتي طالبت نقابة الأطباء والدولة بتطبيق كادر خاص للأطباء من أجل تحسين أجورهم الوظيفية أسوة بما هو معمول به مع القضاة والعاملين بمصلحة الضرائب والبنوك[11] .
ونحن في هذا المدخل سنعقد مقارنة بين استجابة كل نظام من النظم الثلاثة التي تخضع للدراسة من حيث (مفهوم الكادر – مصادر التمويل – الإجراءات التنفيذية). وسيتم تناول استجابة كل نظام من خلال معرفة كيف كان مفهوم الكادر عند كل نظام، كيف فكر في مصادر التمويل، ما أهم الإجراءات التنفيذية التي قام بها.
أولا: الكادر في عهد مبارك
1- مفهوم الكادر
كان نظام مبارك رافضا لفكرة الكادر على اعتبار أنها لم ترد ضمن برنامج الرئيس أو الحزب الوطني الحاكم، وفي هذا الصدد قال حاتم الجبلي وزير الصحة: “إن خطة إصلاح الأوضاع المالية للأطباء لن تتم من خلال عمل كادر خاص لهم ولا يوجد في برنامج الرئيس الانتخابي ولا خطة الدولة فكرة الكادر الخاص لكل فئة على حدة باستثناء كادر المعلمين، كما أن ميزانية الوزارة لا تحتمل إقرار الكادر ولكن وزارة الصحة ستبحث إصلاح الأوضاع المالية لكل فئة”.
واعترضت مديحة خطاب عميد طب القاهرة، عضو لجنة الصحة والسكان بأمانة السياسات بالحزب الوطني المنحل على عبارة كادر الأطباء التي تتبناها النقابة واعتبرت أنها نظرة قاصرة لحال الأطباء في مصر نظرا لان تحسين وضع الأطباء لا يرتبط بتحسين أوضاعهم المالية فقط، بل يرتبط بالجانبين المهني والتعليمي وهما الأهم، فيما أشار عبد الرحمن شاهين المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة إلى أن الكادر ليس هو الحل لتحسين أوضاع الأطباء وأن هناك وعدا من وزير الصحة بتحسين أوضاع الأطباء[12].
ومع ذلك لم يخل نظام مبارك من المناورة والاعتراف بالكادر أحيانا لتهدئة الاحتجاجات التي قامت بها النقابة، والتي نفذت إضرابا في عام 2008، ففي عام 2007 أكد حاتم الجبلي في حوار لجريدة المصري اليوم أن الكادر الخاص بالأطباء مهم للغاية.. وهذه حقيقة لا جدال فيها وسيتم تطبيقه في ٢٠٠٩ أو ٢٠١٠ إن شاء اللّه[13].
2- مصادر التمويل.
لم يتم بلورة مصادر تمويل محددة في عهد مبارك لتمويل مشروع الكادر، وذلك لأن المشروع خضع لمفاوضات طويلة بين النقابة والحكومة، ونظرا لعدم استجابة النظام ورفضه الضمني أحيانا والمعلن في أحيان أخرى فلم يتم تحديد مصادر لتمويل المشروع.
3- الإجراءات التنفيذية: قانون الفاتورة الإجبارية
قامت الدولة باتخاذ إجراءات سلبية وربما عقابية لإجبار الأطباء على التراجع عن المطالبات والاحتجاجات الخاصة بتطبيق كادر يحسن من أوضاعهم المالية أسوة بغيرهم من العاملين في الدولة مثل القضاة وموظفي البنوك، حيث أجرى مجلس الشعب في يونيو 2010 تعديلات على قانون ضريبة الدخل خلال إقرار الموازنة العامة لعام 2010- 2011 والخاص بإلزام أصحاب الأعمال التجارية والصناعية والمهن غير التجارية بإصدار فاتورة وتقديمها لكل من يشترى سلعة أو يحصل على خدمة. وتندرج العيادات والمستشفيات الخاصة وفقا لنظام الضرائب تحت بند مقدمي الخدمة.
وقد كان تعليق حمدي السيد نقيب الأطباء مؤيدا لقرارات المالية حيث قال: “إحنا طبعا كأطباء مش مبسوطين بالقانون ده، لكن لازم يتنفذ لأن وزير المالية ناصح وحسم القرار جوه قانون الموازنة.. القرار ده كان مقابل قرشين أخدناهم زيادة، واتدبسنا لأن القانون لازم يطبق[14].
ويعتقد الباحث أن هذا الإجراء تم اتخاذه كإجراء للتفاوض والمساومة لجعل الأطباء يتراجعون عن فكرة الكادر في مقابل سماح الدولة لهم بالعمل في العيادات الخاصة دون دفع ضرائب جديدة.
4- الخلاصة:
ظهرت مشكلة كادر الأطباء في عام 2007 على يد حركة أطباء بلا حقوق، وهي حركة غير نقابية استطاعت أن تكسر جمود نقابة الأطباء التي سيطر عليها حمدي السيد، لمدة 26 عاما غير متتالية تخللها 8 سنوات ترك فيها المنصب للدكتور ممدوح جبر- وزير الصحة السابق-، فمنذ عام 1976 وحتى عام 2010 لم يتقلد منصب نقيب الأطباء سوى حمدي السيد وممدوح جبر فقط، كما أن حمدي السيد كان نائبا دائما بمجلس الشعب منذ عام 1979، ورئيس لجنة الصحة وقيادي بارز بالحزب الوطني المنحل[15].
كان موقف نقيب الأطباء مناوئا لمشروع الكادر، وقد علق حمدي السيد نقيب الأطباء إضراب الأطباء في عام 2008 قائلا: “لا أريد أن يعيدونا كل مرة لـ «نكد» الاعتصامات كل يوم[16]“، ويمكن تلخيص موقف نقيب الأطباء في أنه ظل مدافعا عن وزير الصحة ووزير المالية ورئيس مجلس الوزراء، واعتبر أن الكادر حق للأطباء لكن في إطار قدرات الدولة ودون الدخول في اعتصامات أو صدامات مستقبلية، واكتفى بأن دوره مجرد نقل مطالب الأطباء للحكومة.
وفي رأي الباحث أن حركة أطباء بلا حقوق استطاعت أن تقدم بديلا غير رسمي لهيمنة النظام على النقابة، واستطاعت أن تطرح نقاشا مجتمعيا حادا حول قضايا الأطباء وعلى رأسها قضية الكادر.
يمكن أن نطلق على الموقف الرسمي لنقابة الأطباء أنه كان حياديا وإيجابيا، حيث سعت النقابة إلى أن تلعب دور الناقل لوجهة نظر الأطباء للمسؤولين، ولم تلعب دورها الأساسي الممثل لمطالب الأطباء، كما كان حيادها مشوبا بالإيجابية والدفاع عن النظام.
أما الموقف الرسمي لنظام مبارك فقد اتسم بالرفض والمناورة، فالنظام أصر على أن الكادر لم يرد في البرنامج الانتخابي للرئيس، وأن الكادر ليس حلا، وأن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الأطباء هو تدبير حوافز إضافية، وبالتالي لم يتطرق النظام إلى الحديث عن قانون لتنظيم رواتب الأطباء وأعضاء المهن الطبية، ولم يتطرق إلى الحديث عن ضرورة تحسين أوضاع العاملين بالقطاع الصحي، بل زادت الدعاية السلبية بترويج النظام لمقولات تؤكد أن الوزارات الخدمية لا تحقق أرباحا وبالتالي فإن العاملين بها لا يستحقون الحصول على رواتب مرتفعة مثل الكيانات الاقتصادية أو الكيانات التي تحقق أرباحا.
ثانيا: الكادر في عهد مرسي
1- مفهوم لكادر:
تحول مفهوم الكادر من كادر للأطباء فقط أو كادر مهني للعاملين بالمهن الطبية، إلى كادر وظيفي يشمل جميع العاملين بالقطاع الصحي، ولا يعتمد قواعد للتمييز داخل منظومة العمل الصحية، ليشمل بذلك الإداريين ومعاوني الخدمة، والأمن، والعمال، وفي هذا الصدد أكد وزير الصحة محمد مصطفى حامد أن قانون الكادر سيشمل جميع العاملين بوزارة الصحة، وليس الأطباء فقط، وبالتالي أطلق عليه كادر العاملين بوزارة الصحة[17].
كما أضاف وزير الصحة أنه أول وزير يتبنى تنفيذ مشروع كادر الأطباء، وأطلق عليه (مشروع الأمل للعاملين بالقطاع الصحي) كأحد الآليات المهمة لإصلاح المنظومة الصحية.
2- هيكل التمويل:
قال وزير الصحة إن تمويل مشروع كادر العاملين بوزارة الصحة سيتم من خلال طريقتين مقترحتين، وهما التمويل المباشر من خلال زيادة رواتب العاملين بوزارة الصحة وفق الحالة الاقتصادية للدولة، أو من خلال تطبيق مشروع الضمان الصحي الشامل والذي سيعزز من فرص إعادة التوازن في هيكل الإنفاق الصحي، من خلال توفير البيئة الملائمة بمستشفيات الدولة لجذب المواطن في إطار تنافسي مع مستشفيات القطاع الخاص، مما يترتب عليه ضخ الأموال التي تنفق على المنظومة الصحية بشكل متوازن بين مستشفيات الدولة ومستشفيات القطاع الخاص[18].
يعد قرار إلغاء التكليف من الأمور المهمة التي ترتبط بإعادة هيكل الإنفاق داخل وزارة الصحة بشكل غير مباشر، حيث أن هذا القرار كان سيساهم بشكل كبير في منع هجرة الأطباء وتركهم للعمل داخل وزارة الصحة، كما أنه كان سيساهم في اختيار التخصص الطبي منذ بداية العمل والدخول في النيابة من أول يوم عمل، وإتاحة الفرصة للالتحاق بالدراسات العليا وبرنامج الزمالة في نفس عام التخرج والالتحاق بالعمل كذلك العمل داخل مستشفى حكومي بما يتيح له ممارسة الطب والتعلم، ومن ثم يذهب إلى العمل بالوحدات الصحية بعد أن يكون مارس مهنة الطب وحصل على الخبرات اللازمة[19].
ويرتبط إلغاء نظام التكليف بشكل مباشر بفلسفة تطبيق نظام الكادر حيث أنه يساعد على تقليل النفقات المترتبة على العمل بوحدات صحية في أماكن أو محافظات بعيدة عن محل الإقامة، مما يترتب عليه زيادة الإنفاق، بالإضافة إلى قلة العائد، نظرا لأن العائد من العمل بالمستشفيات يترتب عليه امتيازات مالية أكثر من العمل بالوحدات الصحبة، وهو ما كان منتظر تفعيله في ظل قانون الضمان الصحي الشامل القائم على التنافسية بين المستشفيات الحكومية من أجل تقديم خدمة أفضل تجتذب المرضى وتحقق دخلا للمستشفى.
3- الإجراءات التي تم تنفيذها: تجهيز مشروع الكادر.
تم تجهيز مشروع الكادر بعد ثلاثة أشهر فقط من تكليف حكومة الدكتور هشام قنديل، ففي ديسمبر 2012 انتهت وزارة الصحة من إعداد مشروع الكادر بالتنسيق مع نقابات المهن الطبية السبع، والذي قامت وزارة الصحة بإرساله إلى مجلس الشعب لمناقشته وإقراره.
وفيما يتعلق ببند الأجور والعلاوات والمزايا المادية بالقانون، فتحددها المادة السابعة من الفصل الثالث من القانون، وهي بالنسبة للأطباء والتمريض والفنيين فئة الشهادات العليا، يحصل الأطباء حديثي التخرج على 1500 جنية علاوة الكادر، أما بالنسبة لأطباء الأسنان والصيادلة وأطباء العلاج الطبيعي، والتمريض العالي فتبلغ قيمة علاوة الكادر 1300 جنيه، وبالنسبة للفنيين من خريجي العلوم فتبلغ علاوة الكادر 1150 جنيها، يضاف إلى كل هذه الفئات 1200 جنيه الراتب الأساسي، كذلك 7% زيادة سنوية.
وبالنسبة للمؤهلات فوق المتوسطة من الفنيين والتمريض، فيصل الراتب الشهري إلى 980 جنيها، يضاف إليها علاوة الكادر بقيمة 870 جنيها، بإجمالي 1850 جنيها، أما المؤهلات المتوسطة فيصل راتب أول رابط 800 جنيه، يُضاف إليها 670 جنيها علاوة الكادر، بإجمالي 1470 جنيها، على أن يتم صرف الإجمالي مرة واحدة في الشهر وليس على دفعات.
ووفقًا للمادة الأخيرة من مشروع القانون، فإن الزيادة في الأجور المترتبة على تطبيق الكادر، تُصرف على مراحل زمنية، 3 سنوات، بنسب محدودة، وفقًا لما يصدر به قرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على عرض من وزير الصحة. وطالبت الوزارة بإدراج الإداريين والمعاونين في ملحق خاص مع القانون، واحتساب مدة العمل في المناطق النائية، بعامين أقدمية[20].
- علاوة الكادر للموظف المبتدئ تصل إلى 1500 جنيه كحد أقصى للطبيب البشري وحد أدنى 1150 للفنيين من خريجي العلوم، وذلك بالنسبة للمؤهلات العليا الذين يبلغ أساسي الراتب لهم 1200 جنيها شهريا.
- وبالنسبة للمؤهلات فوق المتوسطة من الفنيين والتمريض، فإن قيمة علاوة الكادر 870 جنيها، أما المؤهلات المتوسطة فتبلغ قيمة علاوة الكادر 670، بإجمالي 1470 جنيها.
- علاوة ثابتة سنويا بنسبة 7% تحتسب على إجمالي الراتب الوظيفي.
- احتساب سنة تكليف للمناطق النائية بعامين أقدمية.
- إدراج الإداريين ومعاوني الخدمة بنظام الكادر وفق جداول موازية من أجل تعميم نظام الكادر على العاملين بالقطاع الصحي.
- صرف حافز الكادر بنسب متقاربة تتراوح بين 30% و40% على مدار ثلاث سنوات متتالية، فيم أكد سعد زغلول مساعد وزير الصحة السابق أن علاوة الكادر ستبدأ بـ 1500 جنيه يتم تطبيق 30% منها هذا العام، وبذلك يبلغ مرتب الطبيب حديث التخرج نحو 2000 جنيه ابتداء من هذا العام، مشيرًا إلى أن اللائحة التنفيذية للقانون ستكون جاهزة بمجرد إقرار المشروع في الجلسة العامة لمجلس الشورى.
وافق مجلس الشورى على مشروع قانون كادر العاملين بوزارة الصحة من حيث المبدأ في جلسة يوم 26 مايو 2013، وكان من المقرر أن يتم إقرار القانون في جلسة عامة بمجلس الشورى بشكل نهائي في يوليو 2013، لكن انقلاب الثالث من يوليو أجهض المشروع تماما[21].
ثالثا: الكادر في عهد السيسي
في فبراير 2014 صدر القانون رقم 14 لعام 2014 الخاص بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية للعاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان، وهو البديل لمشروع كادر العاملين بالمهن الطبية الذي تم إعداده في عهد الدكتور محمد مرسي، وفيما يلي عرض لأهم أركان القانون:
1- مفهوم الكادر
على غرار موقف مبارك، تم إقصاء كلمة كادر من ديباجة المشروع على اعتبار أنها كلمة احتجاجية تبلورت وفق تطلعات ثورية، ولاقت رواجا وزخما فترة ازدهار ثورة يناير في الفترة من 2011 وحتى منتصف 2013.
اقتصرت الحوافز التي أقرها المشروع الخاص بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية على العاملين المهنيين فقط وهم العاملون بالمهن الطبية السبع، فيما تجاهل المشروع العاملين الإداريين ومعاوني الخدمة، ويعتقد الباحث أن أحد أهم أسباب هذا التجاهل هو أن هذه الفئات ليس لها نقابات تدافع عن حقوقها أو تتحدث باسمها.
2- مصادر التمويل:
اقتصرت مصادر تمويل حافز المهن الطبية على ميزانية وزارة الصحة، ولم يتطرق الحديث عن تنوع مصادر التمويل كما هو الحال في كادر العاملين بالصحة الذي أقره نظام الدكتور مرسي والذي ربط تطور التدفقات المستقبلية للكادر بمشروع الضمان الصحي الشامل.
3- الإجراءات التنفيذية: صدور القانون
صدور قانون 14 لعام 2014، ويمكن تحديد أهم النقاط الخاصة بالإجراءات المالية وفقا لقانون 14 من خلال الآتي:
- يرتبط صرف الحافز بتوفر معايير تقييم الأداء والتي تشمل عدد أيام الحضور الفعلي بالعمل، والجهود المبذولة في أدائه، ويستحق صرفها بنسبة (100%) لمن يتم تقييم أدائه بنسبة (90%) على الأقل، وبنسبة (85%) لمن يتم تقييم أدائه بنسبة من 70% حتى أقل من 85%، وبنسبة 50% لمن يتم تقييم أدائه بنسبة 50% حتى أقل من 70%، ولا يستحق صرفها من يقل تقييم ادائه عن 50%[22].
- حدد المشروع نظام الحوافز الجديد وفق جداول ملحقة، وهي عبارة عن (600% للطبيب البشري- طبيب الأسنان 550%- الصيدلي 500%- علاج طبيعي 500%- طبيب بيطري 500%- تمريض عالي 500%- كيميائيين وفيزيائيين 450%- فني تمريض وفني صحي 420%[23]).
4- التحليل:
- اقتصر نظام الحوافز الذي أقره نظام 3 يوليو على إعطاء حوافز بنسب، وليس رقما ماليا محددا، وبتحليل تلك الأرقام، فمن الواجب التنبيه إلى أن حافز الـ 600% يشمل على الـ 200% التي أقرتها الدولة بعد ثورة يناير كحافز ثابت يصرف مع الأجر الأساسي، وبناء عليه فإن الزيادة الفعلية تقدر بـ 400% للأطباء.
- كما أن تلك الحوافز تصرف على أساسي الراتب وهو لا يتعدى 220- 250 للمؤهل العالي، وهو ما يعني أن جملة ما يتقاضاه الطبيب بعد الاستقطاعات لا تزيد عن 750 جنيها على أقصى تقدير، وهو نصف ما تم إقراره في عهد دكتور مرسي.
- في ذات الوقت اتخذت الدولة قرارا بصرف الزيادات السنوية والحوافز على أساسي 2014، وذلك لجميع العاملين المدنيين بالدولة، وهو ما أدى إلى تجميد حافز الكادر، ولم تطرأ عليه أي زيادات منذ إقراره وحتى السنة المالية الحالية 2019-2020.
رابعا: مقارنة استجابة الأنظمة الثلاثة لقضية كادر الأطباء
الجدول التالي يوضح بشكل مبسط كيف استجابت الأنظمة الثلاثة إلى قضية كادر الأطباء
جدول رقم 1: استجابة الأنظمة المصرية المختلفة لقضية الكادر
الموضوع |
مبارك |
مرسي |
السيسي |
مفهوم الكادر |
رفض الفكرة على اعتبار أنها مطلب احتجاجي |
أيد مطلب الكادر وجعله خاصا بجميع العاملين بوزارة الصحة |
خاص بالمهن الطبية فقط |
مصادر التمويل |
لم يتم بلورة مقترح محدد بمصادر التمويل |
ميزانية وزارة الصحة – الموارد المترتبة على تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل |
ميزانية وزارة الصحة |
الإجراءات التنفيذية |
إجراءات عقابية (قانون فاتورة الإجبارية) – مفاوضات مع الأطباء لمنع تكرار الإضرابات. |
صرف حافز خاص بالكادر 1500 – زيادة أساسي الراتب إلى 1200 كحد أدنى- زيادة حافز الكادر بعد تطبيق قانون التأمين الصحي الشامل- إلغاء نظام التكليف- |
حافز كادر بواقع 400% صافي على أساسي راتب 2014- تجميد زيادة الأساسي من 2014 وحتى الآن. صافي الحافز لا يتجاوز الـ 750 جنيها كحد أقصى للطبيب حديث التخرج. ارتبط صرف حافز الكادر بالتقييم وبالتالي فهو حافز مشروط ومتدرج وفق نسب محددة وليس حافز ثابت. |
الاستجابة |
لا يوجد |
كبيرة تتضمن مضاعفة راتب الطبيب لثلاث مرات من 850 جنيها إلى 2700 جنيه. |
محدودة من خلال زيادة حافز ثابت دون زيادات سنوية والحصول عليه مشروط ولا يزيد بحد أقصى عن 750 جنيها. |
نتائج الدراسة والخاتمة
سعى الباحث من خلال تلك الدراسة إلى استجلاء مواقف النظم الثلاثة تجاه مفهوم الحق في الصحة، ومناقشة واحد من أهم المطالب الملحة والتي تبلورت في أواخر عهد مبارك ومثلت تحديا قائما حتى الآن أمام صانع السياسة العامة وهي قضية كادر الأطباء، وقد خلصت الدراسة إلى عدة نتائج وهي:
- أن نظام مبارك كان بمعزل تماما عن الاهتمام بالمنظومة الصحية، فلم تشمل التعديلات الدستورية التي أجريت في عهد مبارك أي إشارة إلى تطوير المنظومة الصحية، أو الاهتمام بمفهوم الحق في الصحة، كما ان استجابة النظام لمشروع الكادر كانت سلبية، ولم يتخذ أي إجراء على أرض الواقع لتنفيذ مشروع الكارد.
- أن نظام ثورة يناير الذي مثله حكم الدكتور محمد مرسي استطاع أن يخصص لمفهوم الحق في الصحة موقعا داخل دستور 2012، مؤكدا على أن الدولة تلتزم بالحفاظ على هذا الحق وتتخذ الإجراءات اللازمة لذلك، كما أنه اعتمد على تقوية مركز الدولة في تمويل مشروعات المنظومة الصحية، وتفعيل منظومة الكادر حتى قبل أن يقرها البرلمان بشكل نهائي، والتي كانت ستؤدي إلى طفرة كبيرة في راتب الأطباء.
- – بموجب قانون الكادر فإن راتب الطبيب حديث التخرج والذي كان يبلغ في ذلك الوقت 850 جنيها سيرتفع إلى 2000 جنيه في ميزانية عام 2013-2014، حتى يصل إلى 2700 في ميزانية عام 2015-2016، أي أن الزيادة كانت ستبلغ 3 أضعاف الراتب الفعلي في عام 2013.
- دستور 2014 الذي أعده السيسي تخلص من إلزامية الدولة بكفالة الحق في الصحة، وجعل دورها يقتصر فقط على تأهيل البنية التحتية، وأتاح الفرصة أمام القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني للهيمنة على مستقبل إدارة المستشفيات الحكومية، كما أنه قلص الامتيازات المالية لقانون 14 لسنة 2014 المعروف شعبيا باسم قانون الكادر، وجعلها نسبا مئوية مرتبطة بأساسي الراتب الذي لا يتجاوز 250 جنيها بالنسبة للطبيب حديث التخرج، ثم قام بتجميد أساسي الراتب وظل كما هو وفقا لأساسي 2014 حتى الآن، وبالتالي خلق استجابة ضعيفة لمطالب الأطباء بتحسين أوضاعهم المعيشية، وهو ما انعكس بالسلب على استمرار الأطباء وأدى إلى زيادة الهجرة والتسرب من العمل بمستشفيات وزارة الصحة.
أخيرا، استجابة النظم للمطالب الشعبية بالحصول على مستوى جيد من الخدمات العامة مرتبط بمدى توفر بيئة ديمقراطية تسمح بالتواصل المباشر بين دوائر السلطة والمواطن، وتسمح بالتمثيل الحقيقي للمواطن داخل دوائر السلطة المختلفة، وقد أكد العرض المقارن السابق لثلاث حقب متتالية أن هناك تشابها في الرؤى والإجراءات بين مرحلتي مبارك والسيسي وأن الاختلافات مجرد اختلافات شكلية مرتبطة بالسياق وتفاعلات كل مرحلة، وأن مرحلة الدكتور مرسي شهدت تمثيلا شعبيا لمطالب القطاع الصحي (الحق في الصحة)، فقد شاركت النقابات السبع الممثلة للعاملين بالقطاع الصحي في وضع مشروع قانون كادر العاملين بالصحة، كما جاءت مادة الصحة في الدستور منحازة إلى محورية دور الدولة في تقديم الخدمات الطبية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ووضع الحق في الصحة على رأس أولويات صنع السياسة العامة للدولة [24]
الهامش
[1]– الموسوعة السياسية، الرابط
[2]– جمال علي زهران، الإطار النظري لصنع القرار السياسي، ورؤية استراتيجية لصنع القرار التنموي في مصر، الرابط
[3]– منظمة الصحة العالمية، الرابط
[4]– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الرابط
[5]– جاكلين بهابها، نوفمبر 2017، نصف قرن من الحق في الصحة، من الوقائع- الأمم المتحدة، الرابط
[6]– دستور جهورية مصر العربية لعام 1971، الرابط
[7]– ناثان براون وميشيل دي، التعديلات الدستورية المثيرة للجدل في مصر: تحليلا نصيا، تاريخ الاسترداد 2019، من كارنيجي إندومينت، الرابط
[8]– المادة رقم 62 من الدستور المصري لعام 2012، الرابط
[10]– الدستور المصري لعام 2014، المادة 19، الرابط
[11]– سعيد أبو طالب، 17 يوليو 2019، أطباء بلا حقوق ومهندسون ضد الحراسة، تاريخ الاسترداد 2019، من الحوار المتمدن، الرابط
[12]– هبة الشرقاوي، 22 يناير 2019، غليان ين الأطباء بسبب رفق الكادر الخاص، تاريخ الاسترداد 2019، من المال، الرابط
[13]– حوار حاتم الجبلي مع المصري اليوم، 16 أبريل 2007، تاريخ الاسترداد 2019، الرابط
[14]– حنان شمندل، 22 أكتوبر 2010، الأطباء وقانون «الفاتورة الإجبارية»: «إحنا مش بقالين ولا خضاريه، تاريخ الاسترداد 2019، من المصري اليوم، الرابط
[15]– حوار حمدي السيد نقيب الأطباء السابق مع جريدة الوفد، 24 أبريل 2019، الرابط
[16]– حوار حمدي السيد نقيب الأطباء مع المصري اليوم، 12 أكتوبر 2009، تاريخ الاسترداد 2019، الرابط
[20]– إبراهيم الطيب، 31 ديسمبر 2012، النصص الكامل لمشروع كادر المهن الطبية بعد توافق النقابات والصحة عليه، تاريخ الاسترداد 2019، من المصري اليوم، الرابط
[21]– أسماء سرور، 16 يونيو 2019، الصحة: مرتب الطبيب حديث التخرج 2000 جنيه بدءًا من العام المالي الجديد، تاريخ الاسترداد 2019، من الشروق، الرابط
[22]– المادة 10 من قانون 14 لسنة 2014 الخاص بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية، الرابط
[24] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.