دراسات

استخدام القوة الإلكترونية فى التفاعلات الدولية الجزء الثالث

 

تنويه:

هذه الدراسة هي مشروع تخرج قدمته الطالبة: صباح عبد الصبور عبد الحي، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، بعنوان: استخدام الفاعلين العنيفين من غير الدول للقوة الإلكترونية فى التفاعلات الدولية: تنظيم القاعدة نموذجا: منذ عام 2000، تحت إشراف: د: سعاد محمود، 2014-2015. وقد شاركت به الباحثة في مسابقة المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، محور مشروعات التخرج، وحصلت على المركز الثالث، ونقوم بنشره هنا على أجزاء أسبوعياً.

 

الفصل الثاني: تنظيم القاعدة كنموذج للفاعلين العنيفين من غير الدول

يسعى هذا الفصل لتسليط الضوء على تنظيم القاعدة كأحد أهم الفاعلين العنيفين من غير الدول، ولذلك ينقسم هذا الفصل إلى مبحثين يتناول الأول نشأة التنظيم، وهيكله، وأهدافه ومرجعيته الفكرية، بينما يحلل المبحث الثاني أهم محددات البيئة الإقليمية والدولية المحيطة بالتنظيم.

 

المبحث الأول: تنظيم القاعدة: النشأة والأهداف

يتعرض هذا المبحث لدراسة تنظيم القاعدة من خلال تحليله لنشأة التنظيم، وهيكله التنظيمي، ومرجعيته الفكرية، وأهداف التنظيم، ومصادر تمويله وأهم الهجمات التي قام بها، وذلك فى النقاط التالية:

 

أولا: نشأة تنظيم القاعدة:

يعتبر تنظيم القاعدة مؤسسة جهادية متعددة الجنسيات نشأت فى أواخر الثمانينات من رحم الحرب السوفييتية الأفغانية، حيث احتل الاتحاد السوفييتي أفغانستان لدعم الحكومة الموالية له ضد الثوار عام 1979، مما أدى لغضب الولايات المتحدة، والحكومات المناصرة لها فى العالم العربي والإسلامي، فدعمت الولايات المتحدة خروج المجاهدين العرب والمسلمين لقتال الاتحاد السوفييتي كفرصة لهدر الطاقات الروسية العسكرية والاقتصادية والمعنوية (1).

وسهلت الأنظمة العربية الموالية لها خروج المواطنين من أرضها للجهاد فى أفغانستان بدون تحفظ حيث وجدت فى ذلك ضالتها للنفي الطوعي للشباب الغاضب، وكان على رأسها المملكة العربية السعودية التي تكونت فيها لجان لجمع التبرعات تحت رعاية الحكومة السعودية، كما شجعت أئمة المساجد لإلقاء خطب عن الجهاد لتحفيز الشباب للانضمام لصفوف المجاهدين (2).

ولما زاد عدد المجاهدين العرب، تولى الشيخ عبدالله عزام- وهو فلسطيني الأصل– إنشاء مكتب خدمات للمجاهدين العرب فى بيشاور بباكستان 1984، والذى قام بالدور الإعلامي للحث على الجهاد، بينما أنشأ أسامة بن لادن – ملياردير سعودي – بيت الأنصار ليكون بمثابة مأوى لهم، فكان مكتب الخدمات وبيت الأنصار بمثابة أولى نواة تنظيم القاعدة، وفى عام 1986 أنشأ بن لادن مع أبو عبيدة البنشيري معسكرات تدريبية للعرب للمشاركة فى جبهة القتال، وأطلق عليها ” معسكرات التدريب بالقاعدة “، وفى عام 1988 وكنوع من تنظيم حركة المجاهدين العرب تم عمل سجلات خاصة بكل شخص منهم، وبيانات عضويته بالتنظيم، والأسلحة التي تدرب عليها، فكان ذلك بمثابة ” رسم حدود العضوية فى جماعة القاعدة، وتاريخ تأسيسها ”

انتهت الحرب بخروج السوفييت عام 1989، واغتيال عبدالله عزام فى نفس العام، وأصبحت قيادة التنظيم فى يد أسامة بن لادن، والذى عاد إلى السعودية على نية العودة، وابتعد عن العمل السياسي المباشر، حتى غزت القوات العراقية الكويت 1990، وقد حذر بن لادن من خطورة طلب التدخل الأجنبي،، وطلب من الأسرة الحاكمة، إعلان التعبئة العامة للأمة الإسلامية والسماح له باستدعاء أتباعه للمشاركة فى القتال، فرفضت الأسرة الحاكمة واحتدم الخلاف بينهم، فسافر لأفغانستان مرة أخرى لكن حدثت خلافات بين المجاهدين القدامى، ولم تفلح جهوده للمصالحة بينهم (3) فعاد ولكن هذه المرة للسودان وبدعوى من الحكومة السودانية، وأنشأ عدد من المؤسسات التجارية، وأقام معسكرات لتدريب المقاتلين، خاصة أن الأنظمة العربية كانت تلاحق المجاهدين العرب الذين عادوا واعتقلت عدد منهم باعتبارهم خطرا مستقبليا عليها.

وظلوا هنالك حتى عام 1994 حيث حدثت انفجارات فى الصومال واليمن والرياض ضد قواعد عسكرية أمريكية نسبت لأسامة بن لادن ولأتباعه فزادت الضغوط الأمريكية على السودان لتسليمه، فعاد مرة أخرى لأفغانستان (4) حيث كانت حركة طالبان الجهادية قد استولت على الحكم هناك ووفرت له ولزملائه ملاذا آمنا، وفى عام 1996 أعلن أسامة بن لادن فتوى الجهاد لطرد القوات والمصالح الأجنبية من الدول الإسلامية، كما أصدر بيان (الجبهة الإسلامية العالمية) عام 1998 يدعو فيها لقتل الأمريكان واليهود أينما وجدو، فاعتبرت بمثابة إعلان حرب علي الولايات المتحدة، وتوالت بعدها الهجمات، وأصبح ذريعة لضرب مصالح وطنية حتي في البلدان الإسلامية والقيام بعمليات استهدفت مدنيين (5).

وعند النظر إلى طبيعة منشأ تنظيم القاعدة نجد أنه يختلف بشكل كبير عن غيره من صور التنظيمات الإسلامية الأخرى، فالتنظيم جاء مستقلا ولم ينشق عن تنظيم آخر، كما أنه يتسم بطابع الشمولية والعالمية، إذ أن سائر الجماعات الإسلامية – باستثناء تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام – تتسم بالطابع المحلى، إلا أن التنظيم يتكون من جنسيات مختلفة من شتى بلدان العالم العربية وغير العربية، وقد تكونت جميعا ً تحت قيادة واحدة ومن أجل هدف واحد، هذا التنوع أعطى للتنظيم من الحصانة ما مكنه من الصمود فى أحلك الظروف، كما أن عالمية التنظيم من حيث التأسيس جعله بمثابة الأب الروحي لباقي التنظيمات الجهادية الإسلامية فى العالم، بالإضافة إلى أن تكوين هذا التنظيم جاء بشرعية وإجماع علماء المسلمين عندما أباحوا الجهاد فى أفغانستان، واستغلها أسامة بن لادن لتأسيسه.

 

ثانيا: المنهج الفكري لتنظيم القاعدة

1ـ العوامل الفكرية المؤثرة فى ظهور تنظيم القاعدة:

ـ لما سقطت الخلافة الإسلامية، أنشئت جماعة الإخوان المسلمين وجعلت غايتها استعادة الخلافة الإسلامية كهدف استراتيجي، ونظر علماؤها وعلى رأسهم سيد قطب للجهاد والحاكمية، فكانت بمثابة المحفز لفتيل الجهاد فى نفوس الشباب، وظهر جيل شديد الحماسة، وتفتحت لديه آفاق جديدة للصحوة الإسلامية.

ـ الدور السعودي فى تغذية المدارس الوهابية والاتجاهات السلفية (6)

ـ القضية الأفغانية، والتى كانت بمثابة تطبيق الشباب لما درسوه فى كتب سيد قطب عن الجهاد.

 

2ـ منهج تنظيم القاعدة:

يستند تنظيم القاعدة عقائديا إلى التيار السلفي الجهادي، وهي حركة أيديولوجية ذات جذور دينية وتاريخية عميقة، تفترض ضرورة التمسك بالقرأن والسنة، واتباع منهج السلف، وترى أن العالم منقسم لجزء مسلم وجزء كافر، لذا وجب الجهاد على كل مسلم لإقامة الخلافة، ومحاربة الكافرين (7)، وقد استقى منها تنظيم القاعدة منهجه، فجاء كالتالي:

-التمسك بالقرأن والسنة كمصدرين أساسيين للتشريع، ثم الإعمال بالقياس والمصالح المرسلة والاستحسان، وغيرها من أصول الفقه الإسلامي.

-الجهاد هو الوسيلة الأولى لإقامة الدين، واسترداد الخلافة الإسلامية، وهو فرض عين على كل مسلم

-طاعة الأمير وتوقيره وعدم مخالفته وإن كان فاسقا

-النهى عن الجدال والمراء والاختلافات لعدم شق الصف (8)

 

3ـ الأفكار الحاكمة للتنظيم:

ـ الحاكمية: يتبنى تنظيم القاعدة مفهوم الحاكمية وهو الحكم بما أنزل الله، وأن الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة ويحكم بقوانين وضعية فهو مرتد وقتاله ضرورة (9)

ـ الجهاد: يعد الركيزة الأيدلوجية للتنظيم، فهو يرى أن الجهاد هو الوسيلة الأولى لتحقيق أهدافه، وهو أعظم القربات إلى الله وضرورة لإقامة الدين، والحصول على الشهادة فى سبيل الله التي تمنحك الجنة (10) ويعتقد أن العالم ينقسم إلى فسطاطين ” فسطاط مؤمن وآخر كافر “، هذا الفساط الأخير يشمل الدول غير الإسلامية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، ومعظم حكام العرب والمسلمين، والشيعة، حيث يكيدون جميعا بالإسلام لذا وجب الجهاد لإسقاطهم، والتحرر من الغزو الأجنبي العسكري لبلاد المسلمين من خلال وجود قواعد عسكرية أمريكية مثل التي فى السعودية، أو لإيقاف الغزو الثقافي المتمثل فى وجهة نظرهم فى الأفلام الأمريكية، والملابس (11) وعند البحث فى أولوية الجهاد نجد أنهم يركزون على الجهاد ضد العدو البعيد ” وعلى رأسها الولايات المتحدة ” باعتبارها رأس الكفر، وهو مقدم على جهاد العدو القريب ” وهو الأنظمة العربية ” (12)

 

4ـ جواز قتل السياح والأجانب:

حيث يبيح التنظيم استهداف الأجانب والسائحين، باعتبارهم كافرين دخلوا دار مسلمة، أو كنوع من رسائل التهديد للدول التي ينتمي إليها هؤلاء السائحين، أو للضغط على الدولة المضيفة لتغيير بعض سياساتها.

5ـ جواز قتل رجال الشرطة والجيش: باعتبارهم كافرين يتبعون أنظمة مرتدة، ويحمون حاكم كافر، لذا وجب قتلهم قبل قتله ليسهل عليهم الانقضاض عليه (13)

وبتحليل هذه الأفكار نجد أن تنظيم القاعدة لديه خلل فكرى وعقائدي، حيث لديه مغالاة فى التكفير، كما أنه لم يحدث فى عهد النبي ولا أصحابه أن أصدروا فتوى بالقتل بالجنسية أو الديانة، أو تحميل الفرد مسئولية دولته. كما أنه يتعامل دائما كأنه نائب عن الأمة الإسلامية.. فكان سببا فى تعرض البلدان الإسلامية للحروب مثل الحر ب على أفغانستان 2001. (14)

 

ثالثا: أهداف التنظيم:

صيغت أهداف التنظيم وفقا لتلك الأفكار، فكانت كالنحو التالي: الحكم بما أنزل الله، واستعادة الخلافة الإسلامية، وتحقيق الشهادة فى سبيل الله، وتعبئة المسلمين للجهاد العالمي ضد الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، وإسقاط الحكومات الموالية للغرب، والمدعومة من الولايات المتحدة، فإن تم القضاء على هذا الدعم، سهل إسقاطها، لذا عملت القاعدة على الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط من خلال ارتكاب أعمال عنف ضد أهدافها فى الدول الإسلامية، أو داخل عقرها مثل أحداث 11 سبتمبر، وإسقاط دولة إسرائيل، ومحاربة الشيعة (15)

 

رابعا: فروع تنظيم القاعدة:

ظهرت تنظيمات جهادية إسلامية جديدة فى الشرق الأوسط، كلها أعلنت بيعتها لتنظيم القاعدة، وكل هجوم تقوم به هذه التنظيمات يحسب فى سجل هجمات تنظيم القاعدة الرئيسي فى أفغانستان، ومن أهم هذه التنظيمات:

1ـ تنظيم القاعدة فى السعودية واليمن “تنظيم عقبة”:

وهو أكثر التنظيمات تطرفا ونشاطا، ولد هذا التنظيم نتيجة دمج فروع تنظيم القاعدة فى السعودية واليمن عام 2009، وعام 2011 بايع رئيسه ” الوحيشى ” أيمن الظواهري الرئيس الجديد للقاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن.

وقد قاد “عقبة ” عدد من الهجمات الكبرى فى اليمن وخارجها، بما فى ذلك محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي، ومحاولة تفجير طائرة ركاب أمريكية يوم عيد الميلاد عام 2009.كما دعا أنصاره للتفجيرات فى فرنسا لقتالها الجهاديين فى أفريقيا، وأعلن مسئوليته عن أحداث شارلي إيبدو. وفى 2010 أعلنت الجماعة مسئوليتها عن إرسال الطرود المفخخة إلى الولايات المتحدة. وفى اليمن قامت بسلسلة هجمات ضد قوات الأمن، والحوثيين، كما عززت من مناطق نفوذها فى الجنوب عقب ثورة 2011 مع ضعف الحكومة المركزية. (16)

 

2ـ قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين

كان قائدها أبو مصعب الزرقاوي الذي أعلن البيعة لأسامة بن لادن، وكلاهما تم تصفيته من قبل القوات الأمريكية، وقد أعلنت قاعدة الجهاد أن هدفها مقاومة الاحتلال الأمريكي فى العراق، وبناء دولة إسلامية فى العراق، وقد قام بعدد من الهجمات الضارية ضد قوات الجيش والشرطة، والقوات الأمريكية، بجانب مهاجمة مقر الأمم المتحدة، ومعالم الشيعة والمسيحيين فى العراق. (17)

 

3ـ تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي

وقد نشأ عن الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال، ويتزعمه عبد الملك درودكال منذ 2004، وعام 2006 أعلن بيعته لتنظيم القاعدة فى أفغانستان، وهدفه القضاء على النفوذ الفرنسي والأمريكي فى المنطقة، وعلى الأنظمة الموالية لهم، قام بعدد من الهجمات أهمها: فى 2007 تم الهجوم على قصر الحكومة فى الجزائر ومراكز للشرطة، 2008 تم اختطاف عدد من السائحين فى تونس، 2009 تم اختطاف عدد من السائحين البريطانيين فى مالي. (18)

 

4ـ تنظيم القاعدة فى إفريقيا

أشهر صوره حركة الشباب الصومالي، وحركة بوكو حرام النيجيرية، وكان أهم العمليات قتل 15 شخصا على الأقل في هجوم بسيارة ملغمة على فندق يرتاده السياح الإسرائيليين في ميناء مومباسا الكينية، كما قامت بوكو حرام بجانب قتل وأسر المدنيين بالهجوم على مقر الأمم المتحدة في العاصمة النيجيرية أبوجا في أغسطس 2011، كما قامت بالتسلل عبر حدود الكاميرون وقامتكردفعلعلىالتدخلالفرنسيفيماليباختطافأسرةفرنسيةفي الكاميرونعام٢٠١٣، واحتجزت رهائن أجانب. (19)

 

خامساً: مصادر تمويل تنظيم القاعدة:

كان من المعروف أن المصدر الرئيس لتمويل التنظيم أميره السابق أسامة بن لادن، لكن لم يكن هو المصدر الوحيد، إذ تعددت مصادر التمويل ما بين: الحوالة غير الرسمية (من أفراد ودول إما لكونهم مؤيدين لأفكار التنظيم، أو لأنه يحقق لهم مصالح معينة)، وخطف الرهائن والحصول على الفدية، والتخفي فى شكل جمعيات خيرية وجمع التبرعات، والاتجار بالمخدرات، والسطو على البنوك، والاحتيال عن طريق الإنترنت (20)

 

سادساً: أهم الهجمات التي قام بها التنظيم:

– ديسمبر 1992: في أول هجوم من تنظيم القاعدة ضد القوات الأمريكية، قام نشطاء بتفجير فندق فى الصومال تقطنه قوات أمريكية، وتم تفجير قنبلتين فى عدن، وهي خطوة قد أشاد بها بن لادن باعتبارها انتصارا كبيرا للعالم الإسلامي.

– 1995، 1996: انفجرت شاحنة ملغمة خارج المركز الوطني السعودي في وسط مدينة الرياض، مما أسفر عن مقتل خمسة جنود أمريكيين واثنين من الشرطة الهندية، وأربعة سعوديين.

كما تم تفجير شاحنة مفخخة في مجمع أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية، مما أسفر عن مقتل 19 جنديا أمريكيا وإصابة 400.

– 1998: أرسل تنظيم القاعدة انتحاريين إلى سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي فى كينيا، ودار السلام فى تنزانيا، مما أدى لمقتل أكثر من 240 شخصا، من بينهم 12 أمريكيا.

– 2000: قام التنظيم بقصف صواريخ على المدمرة ” يو أس أس كول ” في ميناء عدن في اليمن، مما أسفر عن مقتل 17 بحارا أمريكيا وجرح عشرات آخرين.

– 2001: تم خطف ثلاث طائرات، وتدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وضرب وزارة الدفاع الأمريكية، وتحطم الطائرة والرابعة في ولاية بنسلفانيا، وقتل ما لا يقل عن 3044 شخص.

– 2002: مهاجمة الكنيسة البروتستانتية الدولية في إسلام أباد، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص. كما قتل تسعة أشخاص وجرح 30 في انفجار سيارة مفخخة بالقرب من السفارة الأمريكية في بيرو.

كما تم قتل 15 شخصا على الأقل في هجوم بسيارة ملغمة على فندق يرتاده سياح إسرائيليين في ميناء مومباسا الكينية.

– 2004: هجوم على مصفاة نفط في ينبع، فى المملكة العربية السعودية، والتي كانت تستهدف كبار التنفيذيين في المرفق وقتل خمسة أجانب، من بينهم اثنان من الأمريكيين.

كما أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجوم على القنصلية الأميركية في جدة، مما أسفر عن مقتل خمسة موظفين غير أمريكيين.

– 2007: ادعى أحد قادة تنظيم القاعدة مصطفى أبو اليزيد المسؤولية عن اغتيال بنظير بوتو، وعن تفجير السفارة الدنماركية في باكستان. (21).

– الهجوم على شارلي إيبدو 2015: أعلن تنظيم القاعدة فى اليمن مسئوليته التامة عن الهجوم على جريدة شارل إيبدو الفرنسية التي أساءت للرسول محمد برسم صور ساخرة، وذلك باعتراف الشقيقين الذين نفذوا العملية بأنهم سافرو لليمن وتلقوا تدريبات وتمويل للقيام بهذه العملية. (22)

 

المبحث الثاني: محددات البيئة الإقليمية والدولية

يتناول هذا المبحث الثورات العربية كأحد أهم التطورات التي شهدتها المنطقة العربية والشرق الأوسط وأهم أسبابها وموقف تنظيم القاعدة منها، وأثرها على استراتيجية وفكر التنظيم، كما يتناول أشكال أهم الفاعلين العنيفين الجدد فى المنطقة بعد الثورات وعلاقتهم بتنظيم القاعدة، ثم تستعرض الباحثة محددات البيئة الدولية والهيمنة الأمريكية على النظام الدولي بصورة مختصرة، ورؤية التنظيم للولايات المتحدة، واستراتيجية الولايات المتحدة للقضاء على التنظيم.

 

أولاً: أبعاد التحول فى البيئة الإقليمية:

شهدت المنطقة العربية عام 2011 عدداً من الثورات فى كل من تونس، مصر، وليبيا، واليمن وسوريا، والبحرين، نجحت هذه الثورات فى إسقاط رؤساء كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، ماعدا البحرين التي تم إخمادها بتدخل من القوات السعودية، وثورة سوريا مازالت مستمرة حتى الآن.. وإن اتخذت منحى جديد سيتم تناوله فيما بعد.

وقد تضافرت عدد من الأسباب المشتركة، أدت لقيام الثورات العربية، نذكر منها:

  • الفقر والزيادة السكانية

فقد تزايد عدد السكان فى المنطقة العربية إلى أكثر من الضعف، حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مقابل عدم توازن هذا النمو السكاني مع النمو الاقتصادي مما أدى إلى زيادة نسبة الفقر فى هذه البدان.

  • زيادة معدلات البطالة: خاصة بين الشباب، مما أدى إلى انخفاض فى مستويات المعيشة وتذمر شعبي.
  • الفساد: على الرغم من تحقيق هذه البلاد لمعدلات نمو اقتصادي، إلا أن العائدات احتكرتها فئة قليلة من النخبة، بينما زاد عدد من يعيشون تحت خط الفقر.
  • القمع والاستبداد السياسي، وانهيار الحقوق والحريات مثل حرية الرأي والصحافة
  • عدم تداول السلطة ” وشيخوخة الديكتاتوريات”، حيث أن البلدان التي كان يجرى فيها انتخابات مثل مصر وتونس، كانت الانتخابات أبعد ما يكون عن الشفافية، وظل الرؤساء عقود طويلة فى الحكم، فمثلا الرئيس المصري حسني مبارك موجود فى السلطة منذ عام 1980، وزين العابدين بن علي في تونس منذ عام 1987، في حين حكم معمر القذافي على ليبيا أكثر من 42، مما أفقدهم شرعيتهم لدى الشعوب (23)

 

ثانياً: تأثير الثورات العربية على تنظيم القاعدة:

أ-موقف تنظيم القاعدة من الثورات العربية: رحب تنظيم القاعدة بالثورات العربية، وأكد تأييده للثوار وُنشرت مقاطع فيديو لأيمن الظواهري فى مايو 2011 سميت بسلسلة ” البشرى والأمل ” يؤكد فيها ترحيبه بالثورات التي “حُسمت” والثورات القائمة ويحذر فيها من الانصياع للديمقراطية والحوار (24)، حيث مع بداية ثورة تونس رحب تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب العربي من خلال تسجيل مرئي لقائده بالثورة، وأكد تأييده للثوار ضد نظام “زين العابدين بن على “، وقال أنه على استعداد لمساعدة شعب تونس وتقديم المشورة للثوار (25)، لكن هذا قبل أن تتحول ثورة تونس إلى حالة عامة فى كثير من الدول العربية، فاضطر التنظيم للامتناع عن الحضور الفعلي للثورات، خوفا من استغلال الأنظمة العربية ذلك لصالحها، واكتفى بإعلان التأييد والترحيب، عبر قنواته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات، لكل من ثورة مصر واليمن وليبيا وسوريا.

 

ب-تأثير الثورات على استراتيجية تنظيم القاعدة:

رحب تنظيم القاعدة بالثورات لعربية، حيث كان يحسب ذلك نصراً له، فهي قد حققت أحد أهدافه بإسقاط الأنظمة ” المرتدة “، لكن الأحداث لم تبدو مثلما تصورها التنظيم، إنما ظهرت كأنها تقوض عقائد التنظيم الرئيسية، وتمثل ضررا عليه حيث

– استطاع الشباب الثائر إسقاط الأنظمة المستبدة بالمظاهرات السلمية فى مصر وتونس، فكانت بمثابة ضربة لأفكار التنظيم القائمة على استخدام العنف المسلح لتحقيق الأهداف، وفقد لمصداقيتها فى أوساط الشباب (26)

  • لم يكن للقاعدة دور فى قيادة ” الأمة ” بعد إسقاط النظم فيها، حتى أن الشباب فى هذه الدول لم يستجيبوا لأي من مبادرات التنظيم.
  • مطالبة الشعوب الثائرة بعد قضائها على الأنظمة المستبدة، بتحقيق الديمقراطية، وإجراء انتخابات، وتشكيل دساتير جديدة تؤكد على مدنية الدولة، مقابل رفعها شعارات وطنية وهذا متناقض مع القيم الأساسية لعقيدة تنظيم القاعدة، وأمر محظور فى فكرها. ()

كل ذلك شكل تحديات أمام تنظيم القاعدة، أدت لتوقع البعض بأن الثورات قد رسمت بداية النهاية للتنظيم، خاصة مع تزامنها مع مقتل أسامة بن لادن قائد التنظيم، إلا أن تنظيم القاعدة كان من الذكاء لتغيير استراتيجيته وتحويل الثورات إلى فرصة لتحقيق أهدافه على المدى الطويل، بالقيام بعملية التفاف على الاختلافات الأساسية بين ما تطرحه الثورات السلمية الديمقراطية وبين ما تطرحه أيدلوجية القاعدة وأهدافها السياسة القائمة على استخدام العنف:

  • فقام بتعديل دعايته التقليدية، حتى لا يفقد مكانته فخرج أيمن الظواهري ليؤكد للشباب أنه قبل هروبه من مصر قد شارك فى عدد من الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية، منها تظاهره فى ميدان التحرير عام 1971، كما خرج أعضاؤها فى مظاهرات فى بعض الدول العربية الأخرى وهى ترفع علم القاعدة (28)، وتطالب بتحقيق أهداف معينة مثل تطبيق الشريعة، والإفراج عن مسجونين تابعين لها وهو ما يمثل خروجاً على أيدلوجية تنظيم القاعدة ومحاولة للتأقلم، حيث أنه حسب منظري التنظيم، أنه إن لم تؤد هذه الثورات إلي تطبيق الشريعة وإقامة دولة إسلامية، بل قد تمهد لقيام نظام ديمقراطي، إلا أن ذلك قد يؤدي إلي “فتح باب الحريات أمام الدعوة، مما يمهد الالتزام ومن ثم المطالبة بتطبيق شرع الله”. (29)

– جاء بروز جماعات ” أنصار الشريعة ” التابعة للتنظيم فى أكثر من دولة عربية بعد الثورات كنوع من التأقلم مع عملية التحول الديمقراطي التي أفرزتها الثورات، واستغلال الفراغ الأمني الذي تلي الثورات، وكان إحدى مهماتها الضغط والتشديد على الإسلاميين الذين وصلوا للحكم ديمقراطياً، لتطبيق الشرعية، ونشر الأفكار السلفية.

ومن أهم صورها:

  • ” أنصار الشريعة ” فى تونس: بعد الإفراج عن عدد من السجناء الجهاديين بعد الثورة، وعلى رأسهم “أبو عياض ” الذي كان أميراً لجماعة تدعى «سرايا الدعوة والجهاد» قبل الثورة، قام بتنظيم ما يسمى المؤتمر السنوي الذي أسس ل«أنصار الشريعة في تونس» في أبريل 2011 حيث زاد تفاعل الناس وحضورهم المؤتمر من بضع مئات في 2011 ليصل إلى عشرة آلاف شخص في 2012، مما أكد تزايد شعبية التنظيم، واشترك التنظيم فى أعمال ضد مصالح أمريكية وغربية، والدعوة للتظاهر أمام السفارة الأمريكية، والذى نتج عنه موت وإصابة العديد من الأشخاص، كما تم إنزال العلم الأمريكي ورفع علم تنظيم القاعدة. (30)

– أنصار الشريعة فى اليمن: كإحدى “تجليات” تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية، الذي استطاع استغلال فرصة انشغال الجيش اليمنى بالثورة، وحقق فى خلال فترة وجيزة مالم يستطع تحقيقه فى سنوات، حيث بسط سيطرة شبه كاملة على بعض القرى والمراكز اليمنية، كما أعلن قيام ” إمارة إسلامية فى محافظة شبوه “، وسيطرة كاملة على زنجبار. (31)

  • أنصار الشريعة فى ليبيا: وقائدها محمد الزهاوي فى بنغازي، ويقدر عددها بخمسة آلاف عضو، وهي قد تشكلت فى يونيو 2012 من انفصال عدد من العناصر من ميليشيات جهادية المسلحة، وهي ترفض الديمقراطية وتقاوم ” البدع الصوفية “، وتصر على مبدأ تطبيق الشريعة ولو بالقوة، وقد خرج أنصارها فى مظاهرات لتطبيق الشريعة، وهدمت أضرحة صوفية فى بنغازي، واشتركت فى هجمات على مصالح غربية، منها الهجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازي. (32)
  • وفى مصر: ظهر أنصار التنظيم بعد الثورة فى سيناء تحت مسميات مختلفة مثل مجلس شورى المجاهدين، وأنصار بيت المقدس وقد قامت بهجمات ضد مراكز الشرطة، وتفجير مباني المخابرات الحربية بالعريش.. (33)
  • جبهة النصرة فى سوريا: مع استخدام النظام السوري للعنف ضد الثوار، وتدخل ميليشيات شيعية لقتلهم، دعا الظواهري فى بيان له للجهاد فى سوريا، فجاءت جبهة النصرة استجابة لذلك فى يناير 2012، والتى تحولت إلى واحدة من أقوى الجماعات المسلحة فى سوريا، ويتراوح عدد مقاتليها ما بين ستة وسبعة آلاف مقاتل. (34)

وقد اختلفت قوة وسيطرة هذه الجماعات فى دول الثورات العربية وفقاً لقوة القبضة الأمنية فى الدولة، فنجد أن مصر وتونس هى أقل الدول من حيث أعمال العنف، ولم يستطع التنظيم السيطرة على أراض تابعة لها، أما ليبيا وسوريا واليمن ونظرا للانفلات الأمني الواضح فقد شهدت أعمال عنف متزايدة، وسيطرة للعناصر التابعة للتنظيم على بعض أراضيها. ولم يكن تنظيم القاعدة هو الفاعل العنيف الوحيد بها، فقد ظهر فاعلون عنيفون جدد مثل الدولة الإسلامية فى العراق والشام والحوثيين فى اليمن.

 

ج-الفاعلون العنيفون الجدد فى المنطقة وعلاقتهم بتنظيم القاعدة:

تمركز الفاعلون العنيفون الجدد فى كل من سوريا وليبيا واليمن، نظراً لحالة الانفلات الأمني الذي تلي الثورات، فنجد:

1ـ الحوثيون فى اليمن: الحوثيون جماعة سياسية دينية تنسب للطائفة الشيعية الزيدية، تأسست عام 1992، تحت مسمى “أنصار الله”، ثم سميت “الحوثيون” نسبة لمؤسسهم حسين الحوثي الذي قتلته القوات اليمنية عام 2004 (35).

فى سياق الثورات العربية، اشترك الحوثيون فى الاحتجاجات ضد الرئيس على عبدالله صالح، ووطدوا علاقتهم بالقوى المعارضة للنظام، وعملوا على كسب التأييد الشعبي بوضع برامج لسياستهم وقد استفادوا من حالة الاستقطاب وفراغ السلطة الذي نتج عن انقسام نخب النظام السابق، ووسعوا من سيطرتهم على الأراضي اليمنية، حيث خاضوا معارك فى مناطق مختلفة أبرزها ” معركة عمران ” والتى سيطروا عليها فى يوليو 2014، فكانت بمثابة تحول خطير فى التمدد العسكري للحوثيين، ومكنتهم من الزحف نحو العاصمة صنعاء حيث حاصروها بدعم من عدد كبير من اليمنيين الغاضبين من حكومة الوفاق الوطني، وحدثت مواجهات عسكرية راح ضحيتها المئات، وتم السيطرة على التليفزيون الحكومي بها، ثم سقطت صنعاء فى أيديهم فى 21 سبتمبر 2014، وهرب الرئيس اليمنى إلى عدن ثم لدول الخليج. (36)

 

وبالنسبة لعلاقتهم بتنظيم القاعدة:

تعد العلاقة بين التنظيمين علاقة صراعية عقائدية، حيث استغل تنظيم القاعدة الصعود الحوثي كفرصة ليظهر نفسه بأنه المدافع عن الجناح السني، ودعا المسلمون السنة لحمل السلاح ضد الحوثيين الشيعة، وقد كسب بالفعل تعاطف عديد من القبائل اليمنية السنية. ودارت بين التنظيمين عدد من المواجهات منها تفجير انتحاري وسط العاصمة صنعاء المسيطر عليها الحوثيين مما أدى إلى مقتل 50 شخصا، كما ظهر فى تسجيل مصور على الإنترنت وهو يعدم 14 شخصا ادعى أنهم من الحوثيين. (37)

كما دخل التنظيمان فى مواجهات عنيفة فى” مأرب” المسيطر عليها من القاعدة، والتى تحتوي على آبار نفطية (38)، كما أوقف تنظيم القاعدة زحف الحوثيين إلى مدينة البيضاء بمساعدة من القبائل السنية، كما خرج مئات الرجال من القبائل السنية فى مدينة البيضاء، مع حضور بعض أعضاء تنظيم القاعدة مطالبين القوات المسلحة اليمنية بوقف عمليات التوغل الحوثي (39)

 

ب-التنظيمات الجهادية الأخرى فى سوريا:

تأجج الصراع فى سوريا وتحول لصراع طائفي بين الشيعة-بقيادة النظام-والسنة، مما فتح الباب لتواجد الحركات الجهادية السنية التي زاد عددها مثل كتائب أحرار الشام، لواء التوحيد، كتائب الفاروق، لواء الأمة، هذه الجماعات معظمها يناصر فكر تنظيم القاعدة (40).

لكن كانت الجماعة الأقوى من بين تلك الفصائل الجهادية هى تنظيم “الدولة الإسلامية فى العراق والشام” – داعش -، والذى تعود بداياته إلى 2004 فى العراق باسم “جماعة التوحيد والجهاد، وبعد مبايعة قائده أبو مصعب الزرقاوي لتنظيم القاعدة، تحول اسمه ل “تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، ثم “دولة العراق الإسلامية” منذ 2006، وتولى قيادته فى 2010 أبو بكر البغدادي، وقد ظهر فى سوريا فى أبريل 2013، كثمرة لاندماج “دولة العراق الإسلامية”، وجبهة النصرة السورية التابعة لتنظيم القاعدة، والتى رفضت هذا الاندماج بعد ذلك، فاندلعت بينهما المعارك منذ 2014، وبدأ التدافع بين الطرفين لمحاولات “داعش” حسر نفوذ تنظيم القاعدة فى سوريا، وذلك لرغبة أبو بكر البغدادي فى حل محل تنظيم القاعدة وقيادة حركة الجهاد العالمية.

وقد سيطر التنظيم بالفعل على مناطق واسعة فى سوريا، وقام باغتيال “أبو خالد السوري” ممثل أيمن الظواهري فى سوريا، وقد تحولت ولاءات ومبايعة كثير من الحركات الجهادية حول العالم من تنظيم القاعدة إلى “داعش” مثل: تنظيم بيت المقدس فى مصر، كتائب التوحيد والجهاد فى شمال مالي، وبوكو حرام بنيجيريا، الحركة الإسلامية فى الفلبين، جماعة ” المهاجرون ” بقيادة البريطاني ” أنجم شودرى “، وإن ظل عدد من أبرز الجهاديين فى العالم ولاؤهم لتنظيم القاعدة.. وبالتالي فقد شهد عام 2014 تراجعا كبيراً لتنظيم القاعدة فى سوريا لصالح تنظيم ” داعش ” (41)

 

ج-التنظيمات الجهادية الأخرى فى ليبيا:

معظم هذه الجماعات لا تختلف مع فكر تنظيم القاعدة من حيث الدعوة لتطبيق الشريعة، وإقامة الخلافة لكن سمة القبلية والمحلية التي تسيطر عليها هى من تميزها عن القاعدة مثل كتيبة شهداء 17 فبراير، كتائب شهداء راف الله الشحاتى، كتائب شهداء أبو سليم. (42)

ومع ظهور تنظيم ” داعش “، أعلن كثير من هذه الجماعات المسلحة مبايعة التنظيم الجديد فى احتفالية كبيرة بمدينة درنة. استطاعت داعش ” السيطرة على مدينتي درنة وسرت، ونفذ عمليات إرهابية خطيرة منها ذبح 21 عامل مصري مسيحي، وأدى تمدد تنظيم داعش إلى تقليص نفوذ الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة وعلى رأسها أنصار الشريعة وفجر ليبيا ودارت بينهم معارك عنيفة فى ضواحي العاصمة طرابلس، مع خوف المراقبين من الوصول للوضع السوري. (43)

ومن هنا نخلص إلى أن السنوات الأولى للثورات العربية قد شهدت زيادة نفوذ وسيطرة تنظيم القاعدة، إلا أنه مع استمرار حالة الصراع والانفلات الأمني فى بعض الدول لم يعد التنظيم هو الفاعل العنيف الوحيد المسيطر فى المنطقة، وظهر فاعلون عنيفون جدد، اصطدموا معه ودخلوا معه فى معارك عنيفة، حتى الآن لم تحسم نتائجها.

 

ثالثاً: محددات البيئة الدولية:

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي فى أوائل التسعينات تحول النظام الدولي من القطبية الثنائية إلى نظام القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، نظرا لتفردها بمقومات القوة حيث أنها تعد أقوى اقتصاد فى العالم، فهي الدولة الأولى من حيث الناتج القومي المحلى، بجانب كونها أكبر قوة عسكرية حيث يبلغ عدد جنودها نحـو (١،٤٨٣،٨٠٠) مليـون جنـدي، والقوة الأولى فى الأسلحة النووية كماً ونوعا ً، بجانب ريادتها فى مجال التطور التكنولوجي والتقني. (44)

ولقد ثار الجدل فى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين حول مستقبل القوة الأمريكية، ودورها فى النظام الدولي مع تصاعد قوى جديدة على رأسها الصين، وهل يتحول النظام الدولي للقطبية المتعددة أو يعود للقطبية الثنائية والتى قوامها هذه المرة الولايات المتحدة والصين، خاصة مع توقعات البعض أن تكون الصين هى القوة الأولى اقتصادياً وعسكرياً، بينما يشكك البعض وعلى رأسهم جوزيف ناي فى قدرة الصين على تحدى الهيمنة الأمريكية، وأنه مازال لديها الكثير من المشاكل الاقتصادية والديموجرافية. لكن ما تتفق عليه معظم الكتابات هو أن الولايات المتحدة مازالت وستظل الفاعل الرئيسي فى النظام الدولي، وإن ضاقت فجوة موازين القوى بينها وبين القوى الصاعدة. (45)

 

-رؤية تنظيم القاعدة للولايات المتحدة:

كما سبق ذكره، فإن تنظيم القاعدة يرى العالم فسطاطين فسطاط مؤمن، وفسطاط كافر، والولايات المتحدة على رأس الفسطاط الكافر، والتى تكيد بالإسلام، وتساعد إسرائيل على قتل المسلمين فى فلسطين، لذا وجب الجهاد لقتالها، والتحرر من غزوها العسكري لبلاد المسلمين فى شكل قواعد عسكرية أمريكية فى المنطقة، أو لإيقاف الغزو الثقافي المتمثل فى الأفلام الأمريكية، والملابس، ومن هنا جاءت استراتيجية أولوية الجهاد ضد ” العدو البعيد (46 )، وقد قام التنظيم بعدة هجمات على مصالح أمريكية سواء خارج أرضها مثل تفجيرات نيروبي، أو الرياض، أو فى عقر دارها أهمها تفجيرات 11 سبتمبر، والذى أصاب الولايات المتحدة بالشلل المؤقت، وأعلنت حالة الطوارئ فى البلاد، وكان البداية الحقيقية للحرب بينهما.

 

الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة تنظيم القاعدة:

فى ظل الهجمات المتتالية لتنظيم القاعدة، بدأ المجتمع الدولي بالالتفاف حول الولايات المتحدة للقضاء على التنظيم، فاتخذت إدارة جورج بوش إجراءات متشددة على التنظيم، وأي دولة لها علاقة به مثل إيران، العراق، أفغانستان وسماها ” محور الشر “. (47)

1ـ الاستراتيجية العسكرية: وتمثلت الاستراتيجية الأمريكية العسكرية للقضاء على تنظيم القاعدة فى ثلاثة خيارات رئيسية:

الأول: التدخل العسكري المباشر: وتقوم به الولايات المتحدة فى حالة تعرض أراضيها لتهديد مباشر، مثل تدخل الولايات المتحدة عسكريا فى أفغانستان من خلال قوات ” حلف شمال الأطلسي ” للقضاء على تنظيم القاعدة الأم هناك، وحركة طالبان، وهو ما كلف الولايات المتحدة خسائر جمة فى الأرواح، والموارد المالية، وأضعف أيضاً من تنظيم القاعدة، واستطاعت اغتيال أسامة بن لادن فى 2011، لكن حتى الآن لم تحسم المعركة.

الثاني: الشراكة متقدمة: تقدم الولايات المتحدة الحكومات الموالية لها التي يوجد بها عناصر لتنظيم القاعدة، تدريبات وتعاون أمنى واستخباراتي، فى حالة ضعف هذه الدول، ومع وجود احتمالات تهديد للولايات المتحدة.

الثالث: الموازنة من بعيد: وذلك فى حالة وجود تنظيم القاعدة فى دول قوية أمنياً، وقادرة على مواجهة التنظيم. (48) مع تحديدها لمبادئ جديدة فى العلاقات الدولية، قائمة على قدرتها على القيام بضربة استباقية ضد أي تهديد محتمل. (49)

 

2ـ استراتيجية ناعمة:

وتقوم على المساعدة فى إيجاد حكومات قوية، ورافضة لأفكار التنظيم، وتطوير استراتيجية إعلامية لتحسين صورة الولايات المتحدة فى الدول العربية والإسلامية (50) وقد أصدرت الحكومة الأمريكية عدد من القوانين، والتى أثرت بشكل سلبي على “العرب والمسلمين” هناك، مثل قانون “الأدلة السرية” والذي يعطى الحق للولايات المتحدة فى القبض على أي مشتبه به، حتى لو لم تتوافر أدلة كاملة لاتهامه، وأيضا قانون الطوارئ، وإصدار تشريعات تبيح التفتيش والتصنت على الهواتف (51)

 

خلاصة:

بعد تناول نشأة التنظيم، وأيديولوجيته، وأهدافه، وأهم الهجمات التي قام بها، ومصادر تمويله، ومحددات البيئة الإقليمية والدولية، نستنتج أن الثورات العربية قد أثرت بشكل كبير على استراتيجية التنظيم، وأيديولوجيته، فكانت بمثابة تحدي لأفكاره القائمة على استخدام العنف كوسيلة للتغيير، إلا أنها مثلت فرصة كبيرة له بقضائها على الأنظمة الحاكمة والتى كانت تمثل تحدياً كبيرا للتنظيم، وانتشار الانفلات الأمني، والمناخ الديمقراطي الذي أعقب الثورات، مما مكن التنظيم من نشر فكره، وزيادة عدد أتباعه، وظهور جماعات “أنصار الشريعة” التابعة له، والتى زاد نفوذها، وقامت بعمليات عنف، وسيطرت على بعض المناطق فى اليمن وليبيا وسوريا.

لكن هذا كان فى السنوات الأولى للثورة، إذ أعقب استمرار الانفلات الأمني ظهور فاعلين عنيفين جدد فى المنطقة، مثل الحوثيون فى اليمن، وتنظيم الدولة الإسلامية ” داعش” فى سوريا وليبيا، وقد قامت العلاقة بينهم على الصراع والمنافسة للسيطرة على الأراضي، والحصول على أتباع جدد، مما أثر على نفوذ التنظيم، فى هذه الدول، بجانب تحول بيعة عديد من فروعه لتنظيم الدولة الإسلامية ” داعش”. هذا بالإضافة إلى استمرار الولايات المتحدة وأتباعها فى استراتيجيتهم للقضاء على التنظيم ” الأم ” فى أفغانستان، ومساعدة الحكومات العربية على القضاء على فروعه (52).

—————————

الهامش

(1) سعيد الجمحي، تنظيم القاعدة: النشأة.. الخلفية الفكرية.. الامتداد، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2008، ص 75.

(2) عبدا لبارى عطوان، القاعدة التنظيم السري، (لبنان: دار الساقي، 2007)، ص 46.

(3) سعيد الجمحي، مرجع سابق، ص ص 272: 277.

(4) James Astill، ” Osama: The sudan years “،The Gurdian، October 2001، A vailable at: http://www.theguardian.com/world/2001/oct/17/afghanistan.terrorism3

(5) دينا عمارة، “تنظيم القاعدة.. بصمة أمريكية وراء النشأة والتأسيس”، الأهرام الرقمي، متاح على: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/252160.aspx

(6) سعيد الجمحي، مرجع سابق، ص ص 9: 37.

(7) Buruce Livesey، ” THE SALAFIST MOVEMENT “،FRONT LINE، AVAILABLE AT:

http://www.pbs.org/wgbh/pages/frontline/shows/front/special/sala.html

(8) سعيد الجمحي، مرجع سابق، ص 16: 48.

(9) عبد الرحمن العلفي، ” الفكر الأيديولوجي لتنظيم القاعدة: السلفية الجهادية “، جريدة الخبر، يناير 2014، متاح على: http://www.alkhabarnow.net/news/96713/2014/01/09/

(10)Yoram Schweitzer and Sari Goldstein Ferber،“Al-Qaeda and the Internationalization of Suicide Terrorism”،(The Jaffee Center for Strategic Studies،No. 78، November 2005) ، p 27.

(11) Matthew C Ogilvie، ” The Ideology of Al-Qaeda “،link

(12) ياسر الزعاترة، “من العدو القريب إلى العدو البعيد”، الجزيرة. نت، ديسمبر 2012، متاح على: http://www.aljazeera.net/

(13) حسين بحيرى، تطور دور تنظيم القاعدة فى اليمن بعد الثورات العربية، (مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، فبراير 2013).

(14) الخلل الفكري والاستراتيجي فى تنظيم القاعدة، (معهد العربية للدراسات والتدريب، أغسطس 2012) متاح على: http://www.alarabiya.net/articles/2012/08/08/231171.html

(15)Angel Rabasa and others،byond alQaeda: the global jihadist movement،(united states، RAND CORPORATION) ، PP 49: 53.

(16) عقبة أخطر فروع تنظيم القاعدة “، الأهرام العربى، يناير 2015.

(17) ” تنظيم القاعدة فى العراق “، بوابة الحركات الإسلامية، مايو 2014، متاح على: http://www.islamist-movements.com/2602

(18) ” تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي “، الجزيرة.نت، نوفمبر 2014، متاح على http://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2014

(19) ” نيجيريا: ماذا وراء صراع الحكومة مع جماعة بوكو حرام “، ساسة بوست، فبراير 2014، متاح على: http://www.sasapost.com/

(20) Angel Rabasa and others،op.Cit،pp 57:59

()

(21) al-Qaida timeline: plots and attacks, link

(22) ” قاعدة اليمن تتبنى الهجوم على شارلي إيبدو “، الجزيرة نت، يناير 2015، متاح على:http://www.aljazeera.net/news/international/2015/1/9

(23)El Hassane Aissa،The Arab Spring: Causes، Consequences، and Implications”، (Strategy Research Project، U.S. Army War College، 18 March 2012) ، PP 7: 15.

(24) هاجر أبو زيد (مترجما)، موقف تنظيم القاعدة من الربيع العربي، (مركز بغداد للدراسات والاستشارات والإعلام)، متاح على http://www.baghdadcenter.net/details-137.html

(25) عبد الرازق الجمل، ” كيف تنظر القاعدة للثورات الشعبية الجديدة فى العالم العربي “، 12 فبراير 2011، مأرب برس، متاح على: http://marebpress.net/artic

(26). Michael Shkolnik،the Arab Uprisings and al-Qaeda’s Peripheral Infiltration: A Tour d’Horizon، (United Nations Association in Canada.، June 25، 2012) ، p2.

(27)هاجر أبو زيد (مترجما)، “موقف تنظيم القاعدة من الربيع العربي”،سابق.

(28)Gilad Stern and Yorman Schweite،alqaeda view of the arab spring، (foreign policy research institute، September 2011)، p 2.

(29) محمد أبو رمان، “أأيديولوجيا القاعـــدة ومحاولة “التكيف” مع الثورات العربية”، السياسة الدولية، (يوليو 2011)، متاح على: http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=643521&

(30) محمد أبو رمان، حسن أبو هنية، ” أنصار الشريعة: أشكال استجابة «القاعدة» للتحول الديموقراطي في العالم العربي “، جريد الحياة، يناير 2013، متاح على: http://alhayat.com/Details/468532

(31) حسين على بحيرى، تطور دور تنظيم القاعدة فى اليمن بعد الثورات العربية، مرجع سابق.

(32) خالد حنفي، ” جماعات العنف الليبية والترانزيت الجهادي “، السياسة الدولية، العدد 198، (أكتوبر 2014)، ص 104.

(33) كمال حبيب، ” بعد ثورات الربيع العربي: صعود القاعدة فى مصر والعالم العربي “، آفاق سياسية، العدد الثاني، (فبراير 2014)، ص 79.

(34) رابحة علام، ” العنف فى سوريا.. حرب متعددة الجبهات “، السياسة الدولية، العدد 198، (أكتوبر 2014)، ص 97.

(35) ” اليمن.. من هم الحوثيون؟ وماهي علاقتهم بإيران “، العربية، 27 مارس 2015، متاح على: http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/yemen/2015/03/27/

(36) إسكندر النيسى، “صعود الحوثيين ومآلات الوضع فى اليمن”، السياسة الدولية، العدد 199، (يناير 2015)، ص 164.

(37) على بكر، “الصراع بين القاعدة والحوثيين باليمن: تحولات طائفية “، السياسة الدولية، متاح على: http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2/106/4970

(38) AMEL AHMAD، “Houthi march on Yemen’s capital a prelude to showdown with Al-Qaeda Aljazeer a America،January 22، 2015، available a t : http://america.aljazeera.com/articles/2015/1/22/yemen-houthis-eye-seizing-al-qaeda-stronghold.htm

(39)Saeed Al-Batati،” Houthis vs al-Qaeda: Yemen’s new sectarian war?”،13 February 2015، AVAILABLE AT “http://www.middleeasteye.net/in-depth/features/houthis-vs-al-qaeda-yemen-s-new-sectarian-war-1517359090

(40) محمد الزيات، “الأزمة السورية ومواقف الأطراف المعنية “، أوراق الشرق الأوسط، 2013، ص ص 23، 24.

(41) ممدوح الشيخ، ” صدام المرجعيات: خريطة الصراع بين تنظيمي ” القاعدة وداعش “فى الشرق الأوسط، حالة الإقليم: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، العدد 14، (فبراير 2015)، ص ص 6: 8.

(42) خالد حنفي، ” جماعات العنف الليبية والترانزيت الجهادي “، مرجع سابق، ص ص 104، 105.

(43) محمود على، “داعش فى ليبيا”، 10 مارس 2015، الرابط

(44) سليم على، “مقومات القوة الأمريكية وأثرها فى النظام الدولي”، دراسات دولية، العد 42، متاح على: http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=60808

(45) عمرو عبد العاطي، “اللاقطبية: تحولات النظام الدولي تهدد الهيمنة الأمريكية”، السياسة الدولية، متاح على: http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/5/25/1571/%

(46) Matthew C Ogilvie, “The Ideology of Al-Qaeda”, available at http://protect.expert/ideology-al-qaeda-prof-matthew-ogilvie

(47) زينب القرشى، ” 11 سبتمبر نقطة تحول فى الاستراتيجية الأمريكية (مصر-السعودية)، جريدة الوفد، 7 سبتمبر، 2014، متاح على: http://www.alwafd.org/%D8%

(48) هابى طارق، ” تطور القاعدة والتنظيمات السلفية الجهادية”، حالة العالم: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، العدد 14، (فبراير 2015)، ص 21.

(49) حسام سويلم، ” الضربات الوقائية فى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة “، السياسة الدولية، (أكتوبر 2002)، متاح على: http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=220558&eid=209

(50) سياسة أمريكا تجاه أفغانستان وباكستان، (المركز العربي للدراسات الإنسانية)، متاح على:http://www.arab-center.org/

(51) زينب القرشي، مرجع سابق.

(52) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى