الحركات الإسلامية

استراتيجيات الجهاد عند أبي مصعب السوري


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


بالضرورة نظرًا للقطيعة التنظيميّة بينها، وهو أسلوب ابتكره أبو مصعب السوري بعد تأملات في الخسائر التي تلقاها تنظيم الجهاد العالمي، ومنح أبو مصعب هذه السرايا أحقيّة المبادرة في العمليات الجهادية مع المحافظة على التوجّه العام لدعوة المقاومة الاِسلامية العالميّة، ولأمير السريّة أو الخليّة اِختيار الاِسم الذي يراه عنوانا لخليّته، ولا يتطلّب من المجاهد أن يكون قد قضى فترة في العبادة والتربية، فالشعار بالنسبة لهذه السرايا هو “أسلم ثمّ قاتل”، وذلك لتقديم فرضية الجهاد العينيّة على بقيّة الفروض الأخرى[1].

تبدو استراتيجية سرايا المقاومة الفردية أكثر فاعليّة بالنسبة لأبي مصعب السوري من النماذج الجهاديّة التنظيمية والحروب المفتوحة، وذلك لسهولة تشكيلها ومهامها المباشرة، فلا تحتاج السريّة إلا “قرارًا شخصيًّا بأداء الفريضة الجهاديّة، ثم تشكيل السرية من فرد أو اثنين أو ثلاثة ثم معاهدة أفراد المجموعة الله على العمل معًا، إضافة إلى السعي المستمر في فهم المنهج وتطوير التخطيط، ثم المبادرة بالتنفيذ بعد اختيار الهدف المعادي الذي يناسب الإمكانات المادية والعسكريّة”[2]، فلا بيعة مباشرة للأمير المركزي بل هي بيعة بين المجاهد والله، ولا تدريب معقّد فالعمليات الفردية تحتاج الكفاءة المحدودة للتفجير واستعمال السلاح، أمّا التمويل فيعتمد على الوسائل الذّاتيّة والغنائم، ولقد جاء نظام العمل بالخليّة هدما لتنظيم العمل بالجماعات، فلقد أثبت التنـظيم سـهولة تـعرّضه للضــربات الأمنية واختراقه وامتداد خسـائره في كل التجارب العربيّة والاِسلامية، أمّا نظام الخلايا المحدودة المعزولة فهو يتميّز بسريّة أكثر وقدرة على المبادرة في العمل الجهادي لإنهاك قوات العدو سواء الأجنبي أو المحلّي[3].

إلا أن السؤال الآن: كيف نبني السريّة؟

يبيّن أبو مصعب ذلك بالتفصيل المبسوط، فيقول: “سنطلق الفكرة وننشرها كاملة بكل وسيلة، مباشرة أو بالمراسلة، أو عبر شبكات الاتصال والإنترنت، بما يضمن سهولة الانتماء ومباشرة العمل دونما تعقيدات في مراحل التنظيم والتكوين والتربية، وتختلف المستويات بين سرية وأخرى من حيث الإعداد العسكري والمادي واللوجستي، [….] وإذا نظرنا إلى تلك الدوائر التي تتشكل منها الجماعات الجهادية المسلّحة، سنجد أنها ثلاث دوائر تنظيميّة، الأولى: السرية المركزية ومهمتها الأساسية الإرشاد والتوجيه والدعوة، والثانية دائرة التنسيق أو السرايا اللامركزية، وتتكون من العناصر التي أمكن التواصل معها وإخضاعها لدورات التأهيل الفكري والمنهجي والتربوي المتكامل، حيث يكون برنامج تلك العناصر الارتحال عن الجبهة، والانتشار في الأرض كل بحسب ظرفه وحياته، والعمل بشكل حر ومنفصل تماماً عن السرية المركزية من الناحية الحركية بحيث لا يربطها إلا الاسم والهدف والمنهج العقدي والتربوي، أما الدائرة الثالثة فهي سرايا الدعوة والتجنيد، وتتكون من فرد إلى ثلاثة أفراد، وهى المسئولة عن ضم عناصر جديدة، ولا علاقة لها بأيّ عمليات عسكرية.

يقوم العنصر النشط من بناة السرايا –الذي يجب أن يتصف بأهليته الشرعية والأمنية والثقافية- باختياره بعض معارفه من الذين يظن بهم الأهلية لقيادة سرايا، ويفاتح كلًا منهم على حدة في الموضوع بالتدرّج بعد أن يستوثق من كل واحد منهم، ويقوم بإعداده بصفة منفصلة مع معاون أو اثنين له على الأكثر، ويمدّهم خلال فترة الإعداد بالمناهج المطبوعة والمسموعة للدعوة وخاصة هذا الكتاب وسلسلة محاضراتي “الجهاد هو الحلّ، كيف ولماذا” […..] كما يجب على من يبني السرايا أن يخضع أفراد السرية لبرنامج الإعداد الفكري والأمني والعسكري لمدة لا تحتاج أكثر من شهرين إذا اتبع معهم “الإعداد المكثّف” […] وهنا لنفرض أن “باني السرايا” استطاع إعداد خمس سرايا منفصلة تمامًا لا يعرف بعضها بعضًا ولا تعلم بوجودها على الشكل الآتي:

EDCBA

ثم يُوكل كل واحدة منهم مهمة بناء سريته من عنصرين أو ثلاثة أو لوحده، ويحدد لهم تاريخًا لا يبدؤون العمل قبله، لكي يبتعد هو من ساحتهم لأنه المقتل الوحيد لهذه المجموعات، وقبيل حلول تاريخ العمليات يجب أن يكون العنصر المؤسس من بناة السرايا قد غادر إلى جهة مجهولة لهم، إما إلى جبهة مفتوحة أو إلى بلد آخر بأوراق شخصية لا يعرف أحد معلوماتها، أو الاختفاء التام، أو من خلال قيامه بعملية استشهادية بعد بنائه عدة سرايا، […..] ويمكن أن تتأسس السرية من تلقاء نفسها وتعمل على المقاومة دون أن تعمل على دعوة غيرها، بأن يقتنع رجل بالانخراط في الدعوة فيشكل سريته الصغيرة ويعمل بنفسه أو مع صديق يقنعه، ولا يسعون لتنظيم غيرهم ولا يعملون في مجال الدعوة والتحريض، بل ينصرفون للعمل المباشر، [……] وإن الدعوة العلنية وجمع التبرعات والتحريض الإعلامي تتناقض مع مبدأ سرية التنظيم، وقد أدت ممارسته إلى كوارث دموية، فمن يعمل بالدعوة والتحريض فعليه أن يترك ميدان القتال، والعكس بالعكس”[4]

وهذا النصّ على طوله يحدّد البرنامج العمليّ الذي سارت عليه الخلايا الجهاديّة في الأرجاء المختلفة، وقد اجتهد أبو مصعب لتسريب هذا التصوّر عبر مراسلاته ونشره لمحاضراته وكتبه عبر الإنترنت ليصبح مشروعه وتصوّره في متناول اليد لكل الأفراد في العالم، وقد أثبتت التحقيقات الأمنية في بعض الدول العربيّة والإسلامية جهلًا كبيرًا بهذا التفكير والتخطيط، فكان جل أعمال الأجهزة الأمنية منصبًّا على “معرفة من يقف خلف العمليّات وبروز عجزها التام في التكيّف مع تطوّر المنظومة الجهاديّة بعد قوانين “مكافحة الإرهاب”، والتحقيقات كانت تنتظر تبنّي جهة ما لأي تفجير أو عمل جهادي، والمحقّقون يجهلون أنّ مشروع أبي مصعب السوري يدعو الخلايا إلى عدم تبنّي العمليات وترك الساحة الإعلاميّة لغيرهم”[5].

أثر استراتيجية “المقاومة اللامركزية” في ظاهرة الذئب المنفرد.

ثمّة اتفاقٌ بين الباحثين في مجال دراسة التنظيمات ومكافحة الإرهاب على تسمية “تنظيم القاعدة” بـ ” القاعدة المركزيّة” ووصف الجماعات الأخرى المرتبطة بها على أنها أفرع عامة للقاعدة، أو أفرع محلية لها، أو جزء من شبكتها، ويبدو الفرق بين الاثنين جليًّا ففي “حين كانت القيادة المركزية للقاعدة تضمّ هيكلًا تنظيميًّا شديد البيروقراطية، يمتلك العديد من اللجان والإجراءات، فإنّ فروعها والأفراد المُلهِمين كانوا يتصرّفون -في كثيرٍ من الأحيان- باستقلالية عملياتية كبيرة، ويرتبط هذا بمفهوم “الجهاد بلا قائد”، الذي شرحه المُنظّر الجهاديّ “أبو مصعب السوري” فكأنّ تنظيم القاعدة فكرةٌ أكثرَ من كونه تنظيمًا، حيث ينطوي على مفارقة مهمّة، فهو يخضع لإشرافٍ مُحْكَمٍ في القِمّة وانتشارٍ رخو في القاعدة”[6]

إن هذه المفارقة هي جوهر ما عمل عليه أبو مصعب في مشروعه التنظيري، وقد استطاعت حملات “التفكير” والتحريض والإعلام الجهادي الذي بثّته مؤسسات القاعدة الإعلاميّة من نشر هذه الفكرة وترسيخها في الفضاء الجهاديّ سواء من خلال المجلّات أو المنتديات الافتراضية أو مواقع التواصل الاجتماعي أو قنوات “يوتيوب” أو غيرها من الوسائل.

يشير الباحث الصهيونيّ “إفراييم هراري”: إلى أنّ أبا مصعب السوري كان ممتعضًا من “تثاقل” تنظيم القاعدة حيث إنها بالرغم من الانتشار الذي يميزه إلا أنه اعتقدَ أنها ما تزال مركزيّة جدًّا؛ ولذا فإنها مكشوفة للتهديدات وغير قادرة على تنفيذ سلسلة عمليّات مؤلمة، ولذا بذل جهده ليقدّم تجديدًا يزيد من نجاعة الجهاد العالمي، وذلك يتمثّل في تحريك خلايا “الذئاب المنفردة”، حيث شرح طريقته هكذا: نحن نطالب الشباب المسلم أن يكون إرهابيًّا. لماذا نريد ذلك؟ أوّلًا لأّن التنظيمات الهرمية لا تجذب المسلمين، حيث يُمكن للسلطات اكتشافهم، ثانيًا: وجوب منح الشباب فرصة للقتال دون أن نطلب منهم الانتماء لتنظيم معيّن، ثالثًا:  القدرة على مواجهة الضغط المتزايد من جانب اليهود والصليبيين والأنظمة العربية، على نحو أكثر قوّة وسرّية[7]، ويعقّب الباحث أنه من خلال الاستراتيجية المدروسة لأبي مصعب فإنه نفّذت عشرات العمليات الفرديّة من خلال هذا النمط كالعمليّات التي حدثت في بالي عام 2002، وفي الدار البيضاء عام 2003، وفي مدريد عام 2004، وفي لندن عام 2005، وفي طولوز عام 2012، وفي شارلي إيبدو وهايبر كشير في باريس عام 2015، وفي القدس عام  2015[8].

تصاعد الاهتمام بتطوير أفكار أبي مصعب إلى وقائع على أرض الميدان فانطلقت المحاولات الحثيثة من الدعايات الجهادية المتكررة لتحويل “المقاومة الفردية” ظاهرة واقعيّة، ويعدُّ سمير خان الأمريكي المنضمّ للقاعدة في اليمن ورفيقه في الجهاد أنور العولقي أبرز العقول التي عملت على ذلك في حقل الإعلام، حيث لبّى “خان” -بدهاءٍ-الطلب الهائل على المعلومات التي يسهل فهمها، والمواد المرئيّة والمسموعة الجذّابة التي يطلبها الشباب الأمريكي عن الحركات الجهادية العالميّة، مما جعلهما من أكثر الشخصيات التي أثّرت في تحويل مفهوم القاعدة لدى الشباب الأمريكي المسلم[9]، فقد نشر “خان” مدوّنات ومجلات عديدة باللغة الإنجليزية بأسماء مختلفة مثل: “أبو رصاص”، و “إن شاء الله شهيد”، وذلك كما في مدوّنته الخاصّة “ذا إغنورد بازل بيسز” أو “قطع اللغز المهملة “إضافة إلى إطلاقه مجلّة “مذكّرات الجهاد” التي نشرتها منصّة “الفرسان ميديا” التي كان يديرها، وقد حققّت له هذه المجلة اشتهارًا كبيرًا جعلته يتمكّن من تأسيس شبكة “مسلم ريفوليشن أو ثورة المسلم” واستطاع بذلك الوصول إلى مجموعات كبيرة متحفزة من الشباب الغربي المسلم لنشر فكرهِ وأجندتهِ الخاصة، عبر مدوّنتهِ ومنتداه والمجلّة التي أطلقها ومنصته “فرسان ميديا” التي أسسها.

ولعل أبرز المجلات التي أدارها “خان” مع أنور العولقيّ هي مجلّة “إنسباير” أو “الإلهام” التي صدرت في أحد عشر عددًا بالعربية والإنجليزية، حيث تمتلك العديد من الخصائص الملفتة للنظر في كثير من أعدادها كتخصيصها مساحة واسعة لشرح رؤية أبي مصعب في الخلايا الفردية إضافة إلى نقل أجزاء مطوّلة من كتابه دعوة المقاومة في تغيير استراتيجية العمل من التنظيم الهرمي إلى العمل المنظم[10]، إضافة إلى تغييرها الاستراتيجيات التنظيمية والفكرية لعمليات المقاومة الفردية.

ويكاد يجمع الباحثون -في شؤون تنظيم القاعدة- على أنّ أخطر محتوى أصدره التنظيم هو هذه المجلة، حيث يشرف عليها فرع التنظيم في اليمن، كما أنه يعمد لإتاحة تحميلها في كافة المنتديات الإسلامية.

تتميّز هذه المجلّة بأنها عملت على التغيير الجذري في الفكر العمليّاتي للجماعات الجهادية، حيث نقلت أفكار أبي مصعب من المجال التنظيري إلى الواقع العملي سواء من حيث مستوى الأهداف وطريقة التحضير للتنفيذ والاتفاق مع الأصدقاء لتشكيل سرايا “ذئاب منفردة”، وقد ذكرت بعض المصادر الإعلامية أن أجهزة المخابرات الأمريكية تستنفر عناصرها لاحتواء المجلة ومنع انتشارها على أو سع نطاق وتعطيل روابطها والمواقع التي ترفع عليها، وقد عمدت لاستهداف محرريها أنور العولقي وسمير خان اللذين قضيا في قصف لطائرة أمريكية بدون طيار، غير أن المجلة عاودت الصدور من جديد.

تقدّم المجلة في سياق دعمها للخلايا الفردية الافتراضية مواضيع توضح كيفية صنع مواد متفجرة بأدوات منزلية عادية لا تثير الشكوك عند اقتنائها، وتقدّمها تحت عناوين مثيرة وملفتة للنظر، مثل: “كيف تصنع قنبلة في مطبخ أمك” و”أنت حر في إشعال قنبلة حارقة” وغيرها من العناوين التي تندرج تحت عنوان ثابت في أعداد المجلة وهو: “المصدر المفتوح للجهاد” الذي يسرد الطرق الممكنة لـ “إرهاب” أعداء الإسلام.

ونظرًا لسهولة هذه التقنية –أي الانتقال من التنظيم إلى العمل الفردي المنظّم- يعلّق إفراييم هراري: “آلاف المسلمين هاجروا من أوروبا للانضمام إلى داعش؛ لهذا علينا الافتراض أنّ آلافًا آخرين فيها مستعدون للعمل حسب نموذج أبي مصعب السوري”[11]

خاتمة 

  1. حاولت هذه الدراسة تسليطَ الضوء على “أبي مصعب السوري” أحد أهمّ منظّري التيّار الجهادي في العالم الإسلاميّ، إضافة إلى سرد موجز عن سيرته الشخصيّة ورصد نتاجه الفكريّ وتحليل نظريّاته في دعم “الجهاد” وتطويره في كتابه “دعوة المقاومة الإسلاميّة العالميّة” عبر إنشاء نموذج “هجين” من أساليب المقاومة والتنظيم الهيكلي إلى أساليب جديدة وتنظيمات أقل هرميّة.
  2. اشتهر “مصطفى ست مريم المزيّك” بكنية “أبي مصعب السوري”، إضافة إلى أسماء أخرى عُرف بها، وقد التحق في مقتبل عمره بالطليعة المقاتلة في سورية مدة قصيرة، وانتقل إثر ذلك إلى دول متعددة كأفغانستان وفرنسا وإسبانيا –التي نال جنسيتها- وبريطانيا حيث أسّس فيها مركزًا متخصصا في دراسة شؤون الجهاد والصراع العالمي بين الإسلام والغرب تمتّع فيها بعلاقات كبيرة مع مختلف تيارات الجهاديين الذين التقوا فيها، وقد بايع الملا عمر بإمارة المؤمنين إثر عودته إلى أفغانستان عام 1997 واستقرّ فيها مدرّبًا في “أكاديميّته” العسكرية “معسكر “غرباء” بدعم كامل من طالبان وتنظيم القاعدة الذي كان يمدّه بالمتدرّبين.
  3. نظرًا لتمكّن أبي مصعب من علم الهندسة العسكرية وهندسة المتفجرات خصوصًا، إضافة لدراسته لاستراتيجيات حرب العصابات ومقوماتها عن كثب، وتلقّيه خبرات فكرية وعسكرية كبيرة من الدورات التي خضع لها والشخصيات التي رافقها وتتلمذ على يديها، فقد اختار أن يكون منظّرًا “استراتيجيا” لنمط جهاديّ مقاوِمٍ يمكن تحقيق الردع من خلاله، وهو ما سمّا بردع الإرهاب، حيث لا يمكن له التأثّر بالاعتقال إضافة على عدم حاجته لتنظيم يشرف عليه ويتكفّله، فكان جهده منصبًّا على دراسة التجارب الجهادية في شتّى الأقاليم الإسلامية وبيان أنواعها وأسباب فشلها، وتركيزه على طرق تجاوز فشل تلك التجارب على نحو دائم واستراتيجي في مختلف الأصعدة، ومن ثم أنتج أطروحته “المتكاملة” عن “سرايا المقاومة الإسلامية العالمية” التي تعتمد أسلوب “الجهاد الفردي” المنظم لا الانضمام التنظيمي لشبكة هرمية أو عنقودية.
  4. أفاض السوري في سرد خبراته ورؤاه الفكرية والعسكرية في كتابه “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية” على مساحة 1600 صفحة إضافة لكتب وبيانات ومقالات كثيرة أخرى، فخلص إلى إصدار هذه الموسوعة عامَ 2004 إثر سنوات من التدريب والكتابة والتنظير والمتابعة الحثيثة لأفكار الغرب وطرقه في مكافحة “الإرهاب”، لتصبح إثر ذلك المرجع الأضخم لدى الجهاديين والتنظيمات العسكرية “المتطرفة” الذي يكشف عن تطوّر أفكارها وأساليبها، كما أنها باتت أشبه بالدستور الذي يؤمن “الجهاديّ” به ويسعى جاهدًا لتطبيق ما فيه ليكون فاعلاً حقيقيًّا في الدور الذي يؤدّيه بمختلف الأشكال والأهداف والأساليب.
  5. استحوذت فكرة “الجهاد الفردي” والتنظير لها معظم صفحات الجزء الثاني من كتاب أبي مصعب، حيث يدور محورها على كون “الإرهاب الفرديّ” والعمــل السرّي للسرايا الصغيرة المفكّكة عــن بعضها كليًّا أجدَى من العمل الجهاديّ باسم التنظيمات “القُطريّة والهرميّة” وأنجع، حيث يؤكّد أن نظام العمل بالخليّة ما هو إلّا هدمٌ لتنظيم العمل عبر الجماعات حيث يتميّز بسريّة أكثر وقدرة على المبادرة في العمل الجهادي لإنهاك قوات العدو سواء الأجنبي أو المحلّي، وقد اجتهد “السوري” لتسريب هذا التصوّر من خلال مراسلاته ونشره لمحاضراته وكتبه عبر الإنترنت ومحاضراته ليصبح مشروعه وتصوّره في متناول اليد لكل الأفراد مع تأكيده المستمرّ على ضرورة الدعوة لنشر ثقافة المقاومة الفردية وتحويلها إلى ظاهرة استراتيجية منظمة بشتى الوسائل كإصدار النشرات والمقالات والدراسات الاستراتيجية والتوجيهات التكتيكيّة التي ترشد المقاومين إلى الساحات المناسبة للعمل الجهادي “الفردي”.
  6. نلاحظ -في إطار وصف أبي مصعب لهذه الاستراتيجية- تركيزه على أقاليم خمسة هي: إقليم اليمن والجزيرة العربية، وأفغانستان، إضافة إلى وسط آسيا وما وراء النهر، وإقليم المغرب العربي وشمال إفريقيا، وإقليم العراق والشام، وذلك لتمركز الثقل الإسلاميّ فيها، وامتلاكها المجال الجغرافي الحيوي الذي يهدد المصالح الأمريكية، وتوفّر القواعد البشرية التي تسمح بالتجنيد وتوفير الحاضنة الجماهيريّة، كما يستفيض في ذكر أهم الأهداف التي يجب ترصّدها واِستهدافها في عمليات الجهاد الفردي.
  7. تصاعد الاهتمام الجهادي بتطوير أفكار أبي مصعب إلى وقائع على أرض الميدان فانطلقت المحاولات الحثيثة من الدعايات الجهادية المتكررة لتحويل “المقاومة الفردية” ظاهرة واقعيّة، حيث يعدُّ سمير خان ورفيقه أنور العولقي أبرز العقول التي عملت على ذلك، فكانت مجلة “إنسباير- الإلهام” الصادرة بالعربية والإنكليزية المحفّز الأكبر لتحقيق نظرية السوري، حيث امتلكت هذه المجلة –إضافة لمجلات أخرى- العديد من الخصائص الملفتة للنظر في كثير من أعدادها كتخصيصها مساحة واسعة لشرح رؤية أبي مصعب في الخلايا الفردية،  حيث نقلت أفكار أبي مصعب من المجال التنظيري إلى الواقع العملي سواء من حيث مستوى الأهداف وطريقة التحضير للتنفيذ والاتفاق مع الأصدقاء لتشكيل سرايا “ذئاب منفردة”، فقدّمت المجلة العديد من المواضيع التي توضح كيفية صنع مواد متفجرة بأدوات منزلية لا تثير الشكوك عند اقتنائها، إضافة إلى شرحها بخطوات عملية وتفصيلية للأفكار التي يمكن أن تتحول إلى عمليات في أماكن مختلفة ([12]).

[1] ينظر المصدر السابق، ص: 1396- 1398.

[2] ينظر المصدر السابق، ص: 1404.

[3] ينظر المصدر السابق، ص: 1405- 1406.

[4] المصدر السابق، بتصرف طفيف لتصحيح اللغة والسياق، ص: 1410- 1414.

[5] ينظر مستقبل المشروع الجهادي، رؤية من الداخل، عبيد الخليفي، عبر الرابط الآتي: https://bit.ly/2ZwwvwF

[6] ينظر: ما بعد الخلافة، تنظيم الدولة الإسلامية، ومستقبل الشتات الإرهابي، قراءة في كتاب كولن كلارك، عرض: ماتيو بوغلاس، عبر الرابط الآتي: https://bit.ly/2JYTpTu

[7] ينظر الذئب المنفرد باسم الإسلام، إفراييم هراري، عبر الرابط الآتي: https://bit.ly/2m2STM2  

[8] ينظر السابق نفسُه.  

[9] ينظر “المتطرفون في أمريكا: جهادُ الإنترنت”، عبر الرابط الآتي: https://bit.ly/2kboeeV

[10] ينظر مجلة إنسباير، العدد الأول، 45- 53، وينظر العدد الثاني: 17- 21، العدد الرابع: 31- 35، العدد الخامس: 32، السادس: 15.

[11] ينظر الذئب المنفرد باسم الإسلام، إفراييم هراري، بتصرف.

([12]) الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


عرابي عبد الحي

باحث دكتوراة في الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، وباحث في الحركات الإسلامية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى