تقاريرمجتمع

استطلاعات الرأي بين التضليل والموضوعية

من المهم لمن يصنع الرأي العام أو يمارس العمل العام أو العمل السياسي أن يتعرف على اتجاهات الرأي العام قبل وأثناء وبعد عمليته؛ لكن هذه النقطة قد تعتريها الأخطاء أو عدم العلمية أو التدليس. 

وعندما نحاول التعرف على الرأي العام فإننا نهتم بعناصر أساسية كرصد وقياس الرأي العام؛ ومن خلال أساليب علمية ومنهجية مثل: الاستفتاءات – استطلاعات الرأي – بحوث الرأي العام الخ وليس فقط من خلال الاستطلاعات فقط وإن كانت الأكثر شهرة.

وهذا الاستجلاء للرأي العام يتم عبر الدراسات المنهجية التي تحلل ما تم جمعه من خلال نماذج فحص يتم تطبيقها عبر المقابلات الشخصية أو حتى المحادثات الهاتفية.

حيث بالأساس يتم تصميم عينة واختيـار مفرداتهـا ومرورا بتحديد أسلوب جمع البيانات بما يشتمل عليه من تكوين استمارة الاستطلاع وصياغة أسئلتها وانتهاءً بتحليل النتائج ونشرها.

فنحن لدينا في عملية قياس الرأي العام مجموعة من المتغيرات والأسس سواء لضوابط القياس ومهنيته أو في أنواع طرق القياس نفسها أو تقسيمات الرأي العام وبحوثه مثل: البحث في عمق تأثر الرأي العام بموضوع معين ومدى اقتناعهم به أو رفضهم له أو شيوع الاتجاهات Attitudes ووضوحها والتي تمثل التكوينات الفكرية للفرد ويمكن أن تبنى عليها مجموعة التصرفات السلوكية له.

ويعد قياس الآراء والمعتقدات والاتجاهات ذو أهمية كبيرة في قياس الرأي العام فهو يمكننـا مـن التنبـؤ بالسلوك والتحكم فيه، حيث تعد قياسات الرأي العام أسلوبا من أساليب المشاركة في اتخاذ القرار، ووسيلة علمية يعبر الجمهور بواسطتها عن آرائهم ومواقفهم.

وبالإشارة إلى الأسس العلمية لبناء نماذج الاستطلاع نأخذ مثلا أساس التأكد عند القياس من معرفة ما إذا كان الأفراد المستطلع رأيهم لديهم معلومات عن القضية موضوع استطلاع الرأي أم لا؛ حتى لا نأتي بنتائج متوهمة بينما الجمهور يتحدث عن شيء لا يفهمه!

ويجب الالتزام بأساليب علمية في جمع البيانات وأن يتضمن البحث وصفا وافيا للقائمين بالعمل الميداني وأساليب ضبط العمل الميداني والأشراف عليه؛ فعمليات قياس الرأي العام وادعاء نتائجها – وخاصة في جانب الاستطلاعات -هي عملية علمية تقوم على أسس بحثية يجب الالتزام بها لكنها أيضا يمكن تزويرها أو التدليس فيها أو اللعب بنتائجها لتوافق أغراض من يقوم بتلك العملية لتؤدي في النهاية لنتائج يرغب بظهورها أو يتم تعديل مواقف المترددين من الجماهير وحسمها لصالح جهات معينة أو قضايا أو شخصيات بعينها.

وفي الدول التي لديها رغبة في التعرف على آراء جماهيرها وتؤمن بأهمية ذلك لاتخاذ قرارات ورسم سياسات تكون صناعة الرأي العام مجالا للمنافسة بينها ولها ضوابطها ورقابتها الذاتية والمؤسسية وتشارك فيها قطاعات معتبرة من الجماهير؛ ووسائل الإعلام لديها أيضا هامشا كبيرا من الحرية كمنظومة متكاملة للحكم؛ وإن كانت قد تخضع أيضا لتضليل متعمد أو يرد عليها أخطاء في القياس تؤدي لنتائج متباينة إن مارستها جهات غير متخصصة أو تم التلاعب فيها والتزييف.

وتخيل معي باحثا (أو مركزا) تخلي عن الأمانة العلمية أو الأصول المهنية والأخلاقية يمسك كشفا فارغا ويجلس على مكتبه يسوده بنتائج مزورة تماما فيمارس بذلك تضليلا متعمدا ويدعي بذلك أنه أجرى استطلاعا أو فرغ استبيانا أو مسح عينة وكانت النتيجة هي كذا (لصالح فكرة أو جهة أو مرشح أو مشروع) فمن العسير كشف تزويره خاصة إن كان عضوا في مركز استطلاع أو في جهة علمية أو مركز للدراسات أو مؤسسة إعلامية وما شابه.

أو يقوم (وتقوم الجهة) بالعملية الاستطلاعية على شريحة غير معبرة أو عبر إجراءات غير مستوفية فتكون بذلك الأخطاء التي تعتور العملية وتقدح في مصداقيتها رغم أن البعض يقوم بذلك جهالة منه بأصول الاستطلاع.

تأسيسا على ذلك فإنه يحدث في مرات كثيرة أن يتم التلاعب في قياس الرأي العام ونتائج الاستطلاعات أو تعالج بطريقة غير مهنية لتبدو علمية ولكن الحقيقة أن بها عوار وتضليل وتحيز.

ويجب أن نفرق هنا كذلك بين عملية قياس الرأي العام من حيث عمومها وبين استطلاعات الرأي العام من عدة نواح:

فأولا: قياس الرأي العام عملية تعد أكبر من الاستطلاعات فلئن كان الاستطلاع يعد جزءا من عمليات قياس الرأي العام إلا أن هذه الأخيرة تشتمل على عمليات ومواضيع ودراسات وتفاصيل علمية أخرى (المسح – الاتجاهات – الشدة – المفاهيم … الخ) كما أشرنا.

ثانيا: عملية الاستطلاع هي عملية استجلاء يمكن أن تتخذ طابع السرية ليتعرف بها الساسة على توجهات المجتمعات لمزيد من ضبط عملية اتخاذ القرار وعادة لا يتم التلاعب بها بسبب أنها سرية وهدف الساسة هنا التعرف بصدق على متطلبات الممارسة السياسية واتخاذ الخطوات السليمة؛ وهنا يكون الأمر متعلقا فقط بإجادة إدارة الاستطلاع وفقا لأسس علمية صحيحة؛ ويمكن للاستطلاعات أن تخرج للعلن بتسريبها أو ببثها في وسائل الإعلام أو قيام وسائل الإعلام نفسها بعملية الاستطلاع من خلال استبياناتها التي تجريها بشكل علمي أو من خلال مواقعها على الشبكة العنكبوتية (وهنا تعبر عن آراء المشاركين فقط) أو أن يتم الاستطلاع من خلال مراكز متخصصة لذلك.

وبما أن هذا التقرير الذي نصوغه هنا مخصصا للحديث عن الاستطلاعات بشكل خاص فنقول: يجب ألا يغيب أننا حين نستجلي الآراء أن الأمر ليس بحثا عن معلومات ثابتة لا يمكن تغييرها أو التلاعب فيها، إنه البحث عن “رأي شخص” مستمد من فهمه للموضوع المبحوث ومندمج معه رؤيته الشخصية وثقافته وقدرته على التمييز وخلفياته الفكرية والدينية وخلافه.

لذا فقد يغير المرء رأيه بعد مرور وقت معين أو حين تتبدى له معلومات جديدة أو يزول تأثره بجاذبية بعض المؤثرين أو نفوذهم أو سطوتهم أو حتى الخوف منهم لذا ففي الأمور المهمة تتعدد الاستطلاعات حول نفس الموضوع كل فترة.

وبوجه عام فإن عملية استطلاع الرأي يجب أن تضبط أولا بضوابط مهنية متفقا عليها كما أن خضوعها للضوابط الأخلاقية -كأي عمل جماهيري عرضة للتزوير -يجب أن يلتزم به من يجرونها من الباحثين.

وباختصار فإن مراكز استطلاعات الرأي العام العالمية تلتزم بميثاق الأخلاق والممارسات المهنية الصادر عن الرابطة الأمريكية لبحوث الرأي العام (AAPOR)، والذي يحدد الجوانب الأخلاقية والمهنية ومعايير الإفصاح التى يجب أن يلتزم بها العاملون في مجال استطلاعات الرأي العام. 

(فمن الاعتبارات الأخلاقية:

1- الحفاظ على سلامة المدلى بالرأي وعدم استخدام البيانات الخاصة بالرأي الذى تم الإفصاح عنه على نحو يلحق الضرر بالمشاركين في استطلاع الرأي.

2-الحفاظ على خصوصية المدلي بالرأي وعدم عرض نتائج الاستطلاع على نحو يحدد الرأي الذي عبر عنه شخص بعينه.

3- إحاطة المشاركين بالغرض الفعلي للاستطلاع والإفصاح عن الجهة المنفذة والممولة بشفافية، إذا رغب المشاركون في معرفتها.

4- عند الإعلان عن النتائج يجب الإفصاح عن الجهة المنفذة والجهة الممولة للاستطلاع.

5- عدم توظيف النتائج بشكل انتقائي للتأثير في الرأي العام والالتزام بأن يكون الاستطلاع وسيلة لقياس الرأى العام وليس وسيلة للتأثير فيه.

الاعتبارات المهنية والعلمية

هناك عدد من الضوابط التي يجب أن يلتزم بها القائمون على استطلاعات الرأي العام، حتى تأتي نتائجها مرآة صادقة للرأي العام. وتشمل هذه الضوابط ما يلي:

  • صياغة أسئلة استطلاع الرأي على نحو واضح وغير متحيز وتجنب أي عبارات موحية قد تؤثر على رأى المشاركين على نحو يؤدى إلى تحيز في نتائج الاستطلاع.
  • اختيار المشاركين في الاستطلاع بأسلوب احتمالي يسمح لأى مواطن بالظهور في العينة.
  • اختيار حجم عينة مناسب يسمح بخطأ معاينة مقبول، وحساب خطأ المعاينة بأسلوب علمي سليم.
  • حساب نسبة الاستجابة على أسئلة الاستطلاع وتحديد الفئات التي رفضت المشاركة وتأثير ذلك على النتائج.) [1]

فحجم العينة يجب أن يغطي شرائح المجتمع المبحوث فإن كان الموضوع يخص الطلاب -مثلا أو طلاب جامعة معينة -فيجب أن تمثل العينة المبحوثة والعشوائية المجتمع المبحوث بشكل دقيق ويوضع في الحسبان المكان الجغرافي – الحالة الاقتصادية -والذكورة والأنوثة والسن – مستوى الدراسة والتخصص العلمي-للمبحوثين.

وكلما ازدادت عمومية الموضوع والمتعرضين له كلما وجب زيادة رقعة المبحوثين وتنويعها لتمثل الشرائح المذكورة وإلا كان البحث معيبا أو غير دقيق.

وفي هذا الصدد يقول الباحث فتحي حسين عامر: ينبغي الاعتراف بأن هناك استطلاعات رأي دقيقة وأخرى غير دقيقة وهناك معايير مهنية يجب الالتزام بها أثناء إجراء تلك الاستطلاعات حتى يتحقق بها المصداقية، وهي أن يتم أخذ عينة ممثلة لجميع طوائف المجتمع بكل شرائحه وطوائفه ومستوياته وأن تكون البيانات التي جمعت عن طريق المقابلات الشخصية لا عن طريق وسائل الاتصال كالتليفون المنزلي أو المحمول أو المواقع الإلكترونية أو من خلال برامج التوك شو فمعظم تلك الوسائل لا يمكن الوثوق بها حيث تكون نسبة الاستجابة غير دقيقة[2]

ورغم أن بعض الباحثين يرى أن جمع البيانات عن طريق الهاتف يناسب سرعة التغطية والبعد عن مشكلات قد يتعرض لها المستجوبون وحاملي الاستبيانات (كالشك فيهم أو عدم التجاوب) بينما يرفضه البعض ويعتبرها معيبة ومخالفة لأصول البحث؛ فإن التوسط في هذا من رأيي حسن بحيث يمكن استجلاء الآراء بشكل مباشر خاصة في  أماكن مغلقة كالجامعات أو أماكن عمل مثلا؛ بينما يحتمل الأمر استكمال استجلاء عينة المبحوثين عن طريق الهاتف لكي لا تعتمد العينة كلها على هذا حيث يمثل التهرب أو الخوف من التسجيل أو الاستدراج مثلا – كما في الأنظمة القمعية – بيئة لإدلاء المبحوثين بآراء مجانبة لاعتقاداتهم خوفا من المساءلة.

فالأمر يدور بين بيئة غير مواتية للاستطلاع بسبب تحيز الجهة الباحثة أو خوف يعتري المبحوثين -كما أسلفنا-لذا يعد المناخ المناسب لأي استطلاع رأي صحيح هو مناخ الحرية الذي ينمي شخصية المبحوث ويستغني به الباحث عن المجاملات أو النفاق لجهة ما فيكون مستقلا تماما لا يتعرض لضغوط أو إملاءات.

مثال لاستطلاعات الرأي في مصر

تتنوع مراكز استطلاع الرأي أو مراكز بحوث الرأي العام في مصر وتتبع بعضها جهات علمية كالجامعات مثلا (وغالب إنتاجها متعلق بالدراسات والتدريب والشراكات لإجراء بحوث متعلقة بالرأي العام) كمركز بحوث الرأي العام – جامعة القاهرة أو مركز بحوث الرأي العام بكلية الآداب بقنا وغيرها أو التابعة لجهات حكومية مثل مراكز دعم القرار بمجلس الوزراء أو هيئة الاستعلامات؛ أو لمؤسسات قومية: مثل أقسام دراسات الرأي العام لجرائد مشهورة كالأهرام فيؤخذ في اعتبارها دراسات للرأي العام كـ (مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية) وغالبا تشترك في دراسات أو تطلب من جهات اختصاص كمركز بحوث جامعة القاهرة إجراء بعض الدراسات.

وهناك جهات مستقلة -أو تدعي الاستقلال وربما لها تعاملات مع جهات حكومية أو خاصة-مثل المركز المصري لبحوث الرأي العام “بصيرة” والمركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام “تكامل مصر”. 

وتنشط تلك الجهات إما بمبادرات ذاتية لاستجلاء آراء المواطنين أو تبعا لأحداث أو بناء على خطط بحثية ودراسات تطلبها جهات معينة قد لا يعلن عنها.

وما يهمنا هنا هو ما يتم الدفع به لوسائل الإعلام والذي غالبا ما يتعرض لخطر التلاعب أو التزوير أو يتعمد سوق نتائج دون دقة واعتمادا على عينات غير ممثلة للشرائح المستهدفة أو غير كافية أو بطريقة بحث غير دقيقة كما سبق وأشرنا.

يقول الباحث فتحي عامر: استطلاعات الرأي العام في مصر لا تتمتع بالاستقلال السياسي وهي دائما إما تابعة أو مسيسة فهي ليست فوق الشبهات من حيث التزامها بالمعايير[3]، وضرب لذلك بأمثلة استطلاعات رأي حاولت الدفع بمستويات قبول الجماهير لمرشحي الرئاسة في مصر عام 2012 م على غير الحقيقة فادعت تفوق عمرو موسى وأحمد شفيق بمستويات كبيرة على محمد مرسي وهو ما جاءت النتائج بخلاف ذلك بشكل واضح.

وهو ما رصده أيضا الكاتب مصطفى كامل السيد في مقال بموقع الشروق: حيث قال معلقا على فوز د. محمد مرسي: لابد من التذكرة هنا بأن إجراء استطلاعات الرأي العام بالمقابلة يقتضي أولا الحصول على تصريح رسمي من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، والذي يسأل في العادة عددا من أجهزة الأمن قبل الموافقة على منح هذا التصريح، ولا يتم ذلك إلا بعد موافقة كل هذه الأجهزة على الأسئلة التي سيتضمنها الاستبيان الذي يشمل الأسئلة التي ستوجه للمواطنين.

ويحدث كثيرا أن يتدخل أحد هذه الأجهزة ويطلب حذف أسئلة معينة وخصوصا تلك التي تتعلق برأي المواطنين في مؤسسات الدولة، وموقفهم من القضايا الدينية. إذا ما نحينا هذه الصعوبات جانبا، ومعها أيضا ما يتعلق بشك المواطنين فيمن يجري مثل هذه الاستطلاعات وسعيهم للإجابة عن النحو الذي يتصورون أنه يريده، فإن هناك صعوبات أخرى تتعلق بطبيعة المجتمعات التي تمر بتحولات سريعة وكذلك بلحظة القيام بهذه الاستطلاعات.

القارئ يعرف مثلا أن هذه الاستطلاعات تتم بأسلوب العينة، أي أن من توجه لهم الأسئلة هم مجموعة محدودة من المواطنين قد لا يتجاوزون بضعة آلاف لا يزيدون ربما على أربع آلاف أو أقل. فكيف يمكن التعميم من هذه العينة الصغيرة جدا والقول بأن الاتجاهات التي تتكشفها هي ما يسود بين عشرات الملايين من المواطنين في نفس بلد مثل مصر. المفترض أن العينة ممثلة لكل المواطنين والمواطنات، بمعنى أن الذكور والإناث، والريفيين والحضريين، والمتعلمين وغير المتعلمين، والأغنياء والفقراء، كلهم ممثلون داخل هذه العينة بنفس نسبة تواجدهم فى الوطن.

ولذلك إذا كانت أغلبية المتعلمين فى العينة المشار إليها في الاستطلاع الذي أجراه مركز بصيرة لحساب جريدة الشروق قد فقدت ثقتها بالدكتور مرسى رئيسا لمصر، فهل يعنى ذلك أن أغلبية المتعلمين خارج العينة، أي الذين لم يلتق بهم من قاموا بإجراء هذا الاستطلاع هم أيضا فقدوا ثقتهم بالدكتور مرسى وبنفس النسبة. مثل هذا الاستنتاج صحيح في الدول المتقدمة لأنها مجتمعات قد استقرت نسبيا، وتبلورت فيها ملامح المواقف السياسية لشرائح السكان المختلفة، أما في المجتمعات النامية كحالة مصر فلا[4].

*ولمزيد من تجلية تلك الملاحظة على الأداء دعنا نتناول “كمثال المركز المصري لبحوث الرأي العام -بصيرة” لنرى هل يعمد إلى التدليس على المتابعين لاستطلاعات الرأي التي يدعي قيامه بها؟

نلاحظ في أداء المركز عموما أنه من ضمن الأخطاء الشائعة في استطلاعاته والمتعمدة غالبا تناوله لعينات قليلة العدد وغير معبرة أو محددة بدقة لا جغرافيا ولا عمرا ولا جنسا ولا ثقافة، وأغلبها عبر الهاتف ثم تعميم نتائجها بشكل فضفاض.

كمثال: مارس 2018 ادعاء أن الشارع المصري يرضى عن الأداء العام للحكومة في عدد 25 ملفا حكوميا بنسبة (65%) كما في استطلاع أخير.

ويذكر فيه منهجية الاستطلاع:

إعمالاً لمبدأ الشفافية والتزاماً بأخلاقيات نشر الاستطلاعات يفصح المركز عن منهجية إجراء الاستطلاع وهي كما يلي: تم إجراء الاستطلاع باستخدام الهاتف المنزلي والهاتف المحمول على عينة احتمالية حجمها 1521 مواطناً في الفئة العمرية 18 سنة فأكثر غطت كل محافظات الجمهورية، وقد تمت المقابلات في الفترة من 7 إلى 12 مارس 2018. وبلغت نسبة الاستجابة حوالي 44%، ويقل هامش الخطأ في النتائج عن 3%   

وقد تم تمويل الاستطلاع من الموارد الذاتية لبصيرة ولم يتلق المركز تمويلا من أي جهة مقابل إجراء الاستطلاع[5].

 وتخيل أن عينة من 1521 مواطن تعبر عن موقف الشعب المصري من الأداء الحكومي في 25 ملفا مختلفا وبهذه النسبة (65%) وأن الاستجلاء تم من خلال الاتصال الهاتفي دون غيره، فلا العدد مناسب ولا طريقة البحث منضبطة ولا الادعاء ممثل لرأي الشعب وأترك للقارئ التعليق!

وفي استطلاع سابق عام 2014 أي بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب يدعي المركز أنه قد أظهرت النتائج (أن 85% من المصريين ينوون المشاركة في انتخابات الرئاسة القادمة، بينما أشار 10% بأنهم لا ينوون المشاركة و5% لم يقرروا بعد. وترتفع نسبة من ينوون المشاركة من 81% في الحضر إلى 88% في الريف كما ترتفع من 81% بين الشباب أقل من 30 سنة إلى 91% بين المصريين في الفئة العمرية 50 سنة فأكثر.

ثم تلا ذلك استطلاعات متعددة عن تطور وزيادة التشجع لانتخاب (السيسي) ثم وصولا إلى أن 95% من الناخبين سينتخبونه (ولم يذكر عدد المبحوثين وتم دمج نتيجة الانتخاب كأنها استطلاع فلا ندري هل هي نتيجة الاستطلاع أم نتيجة الانتخاب)

وفي أكتوبر، 2016 أجرى “المركز المصري لبحوث الرأي العام بصيرة “استطلاعه الدوري لرأي المصريين حول تقييمهم لأداء (الرئيس) السيسي بعد مرور 28 شهر على توليه الرئاسة، وقد ضم الاستطلاع أسئلة حول أداء الرئيس وإعادة انتخابه مرة أخرى.

وتوضح نتائج الاستطلاع أن نسبة الموافقين على أداء الرئيس انخفضت إلى 68% مقارنةً بحوالي 82% منذ شهرين. وقد بلغت نسبة غير الموافقين على أداء الرئيس في نهاية شهره الثامن والعشرين 24% كما لم يستطع 8% الحكم على أداء الرئيس. وقد شهدت نسبة الموافقين على أداء الرئيس انخفاضاً مقارنةً بالمستوى منذ شهرين لكل شرائح المجتمع العمرية والتعليمية.

وبدراسة نسبة الموافقين حسب الخصائص المختلفة نجد أن نسبة الموافقين على أداء الرئيس لم تختلف حسب المستوى التعليمي بينما ظهرت اختلافات حسب العمر فبلغت نسبة الموافقين على أداء الرئيس بين الشباب أقل[6].

بينما مركز تكامل في نفس الوقت تقريبا من عام 2016 – ووفقا لإجراءات أكثر علمية -يجري استطلاعا مفاده أن ٧٤٪ من المصريين يرفضون استمرار نظام السيسي في الحكم مقابل ١١٪ فقط يريدون استمراره، وعبر١٥٪ عن عدم اهتمامهم بما يحدث[7].

ويتبع مركز بصيرة نفس الأساليب التي سبقت الإشارة إليها ويضخم النتائج استنادا على أعداد قليلة لم يكشف لنا عن كيفية اختيار العينات المستهدفة التي أفضت لتلك النتائج فيحق لنا أن نعترض -على الأقل-على سلامة الإجراءات و”نشك” في صدقية النتائج.

وملاحظة مرتبطة؛ أن الدكتور ماجد عثمان الذي نقلنا عنه في هذا التقرير جملة من الأصول المهنية والأخلاقية لعملية الاستطلاع هو الذي أنشأ هذا المركز !!

بينما في دراسة مسحية لمركز “تكامل” نرصد اجتهادهم في الالتزام بأصول المهنية والعلمية لعملية الاستجلاء، وكان موضوع البحث عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وكانت نتيجة البحث أن:  

 -10% فقط من المصريين يشاركون في الانتخابات الرئاسية.

– المشاركون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم يتعد 2.8% من الناخبين.

– المشاركون في رئاسية 2012 خمسة أضعاف المشاركين في الرئاسية الحالية.

بخلاف نتائج وتفاصيل أخرى؛ لكن ما يهمنا هو رصد مصداقية تلك النتائج من خلال أسلوب الفحص، حيث يتضح ذلك في ذكرهم لمنهجيتهم المعبرة عنها بقولهم: تم إجراء الدراسة بأسلوب البحث الميداني عن طريق المقابلات الشخصية بواسطة باحثي المركز في الفترة من 17-22 مايو وتم استخدام المعاينة العشوائية الطبقية متعددة المراحل، عن طريق تقسيم المجتمع حسب النوع، والتوزيع الجغرافي، والمراحل العمرية، والمستوى التعليمي، بشكل ديناميكي أثناء سحب العينة العشوائية وتم إجراء الدراسة باستخدام خوارزميات رياضية تم تدريب الباحثين الميدانيين على استخدامها بشكل احترافي، بما يحقق التوزيع الأمثل لعينة ممثلة لمجتمع الناخبين المقيدين بالجداول الانتخابية قدرها 10524 مفردة موزعة على محافظات مصر بنسبة توزيع السكان المقيمين بكل محافظة ليلة تنفيذ الاستطلاع[8].

فنحن هنا أمام منهجية مقبولة وعمل مقنع وتم بذل الجهد لضبطه ولا مجال للمقارنة بين نتائج مثل هذا العمل والنتائج السابقة للمركز الآخر (بصيرة) الذي لم يكلف نفسه بادعاء نظام فحص موافق للأسس العلمية!

  مثال على استطلاعات الرأي في دول أخرى، وبيان بعض الأخطاء أيضا:

لا ننكر أن أجواء الحرية تثمر قرارات مبنية على احترام رأي الجماهير وتضطر الحكومات للاستجابة أو التبرير حتى لو اختلفت آراء القادة مع آراء الجماهير.

*وقد ورد في كتاب عملية صنع القرار في السياسة الخارجية أن نسبة القادة الأمريكان الذي يشجعون زيادة النفقات على التسلح والحروب تزيد عن 50 بالمائة بينما استطلاعات الرأي في هذا الوقت 1997 كانت الجماهير لا تؤيد هذا إلا بنسبة ضئيلة وهي 13% وهو ما فشلت معه الحكومة في تمرير الموضوع[9].

لكن أيضا تتعرض عمليات استجلاء الآراء إلى خلل في المنهجيات إن وردت عن تحيزات أو حسابات سياسية

دعنا نأخذ مثالا على هذه الاستطلاعات وأحوالها المختلفة في أمريكا:

في حالة الانتخابات الأمريكية الأخيرة -كمثال -بين دونالد ترامب ومنافسته هيلاري كلينتون كان هناك انقساما واضحا في فكرة تداول وصناعة الرأي العام وهو وفقا لما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية يعكس قدرة الأجهزة الإعلامية وتنافسها في صناعة الرأيين.

وهذا المثال هنا يكشف عن فروق في عملية الاستجلاء بين وسائل الإعلام المختلفة وتحديدا بين الصحافة وبين المحطات التلفازية فقد بدا واضحا التناقض بين النوعين في استجلاء الآراء مع وجود تحيزات مسبقة أيضا يضاف لذلك العوار في عملية الرصد والنقل التالي يكشف عن هذا حيث: أشار البروفيسور جيف جارفيز، من مركز “تو-نايت سنتر في ريادة الصحافة” التابع لجامعة مدينة نيويورك، وهو داعم قوي لكلينتون، إلى فشل الصحافة بشكل واضح. وقال “الحقيقة الخالصة لترشيح دونالد ترامب هي أنه على فشل الصحافة.”

ويشعر جارفيز، مثل كثيرين آخرين من طبقة الإعلام الليبرالي، بأن نجاح ترامب هو إشارة إلى أن وسائل الإعلام فشلت في نقل الحقيقة بالفاعلية اللازمة، ويرى أن عقد مقارنة بين قضية تسريب رسائل البريد الإلكتروني لكلينتون وجميع الانتقادات الموجهة لترامب بداعي تحقيق التوازن هي مقارنة مضللة.

هناك وجهة نظر (ليبرالية) أخرى تقول إن وسائل الإعلام منحت ترامب مساحة كبيرة جدا للتعبير عن نفسه دون تنقيح.

وبدلا من الشعور بالفزع فإن قطاعات كبيرة من الجمهور أحبت مشاهدة ما يقوله ترامب. ويمكن أن يُنظر إلى الصحافة المطبوعة بشكل أساسي على أنها فشلت في رواية القصة الحقيقية، في حين منحت شاشات التلفاز مساحة مفتوحة لترامب.

وسواء اتفقت مع ذلك أم لا، فإن هذا الأمر يفترض شيئين، الأول هو أن لصناعة الأخبار هدفا أخلاقيا، والثاني هو أن التلفزيون لا يزال وسيلة الإعلام الأكثر فاعلية[10].

وفي نفس السياق عن موضوع الاستطلاعات وتباين النتائج المرصودة عن واقع رؤية الجماهير يفسر “الدكتور سامر أبو رمان” ذلك انطلاقا من نتائج استطلاعات الرأي في موضوع الانتخابات الأمريكية وبين النتيجة الحقيقية فيقول:

 لماذا فشلت استطلاعات الرأي؟

ويجيب: تتعرض صناعة استطلاعات الرأي لتحديات وتهديدات منهجية عديدة لا ننكرها دفعت بعض الجهات الاستطلاعية للتنحي عن تنفيذ استطلاعات رأي في ميدان حساس مثل ميدان الرئاسة الأميركية.

وقال أيضا: إن نقل أرقام استطلاعات الرأي دون محاولة تبيان هامش الأخطاء غير خطأ المعاينة الإحصائي والاحتمالات المتوقعة للتأثير على نتائج الاستطلاعات أصبح من أكثر المخاطر التي تحيط بهذه الصناعة ولا سيما باستطلاعات رأي الانتخابات دون غيرها، وهو ما لا يدركه المستطلعون أو ربما لا يرون أنه مطلوب منهم ذكره في التقارير، ومن ذلك إشكالية الفرق بين من قال إنه سيصوت ومن فعلا سيذهب لصناديق الاقتراع، وكم نسبتهم؟ وما هو حجم الدافعية للتصويت لديهم؟ فالتجارب تقول إن 60% ممن يقولون إنهم سيصوتون يذهب منهم فقط 30 إلى40% لصناديق الاقتراع، وهو ما يحدث أكثر عندما يكون مناصرو أحد المرشحين من المؤيدين “الباردين” كما هي عادة الديمقراطيين مقارنة بالجمهوريين وما يمكن أن يكون قد حصل مع كلينتون.

سيبقى ما حدث انتكاسة وصدمة لمستطلعي الرأي ليس فقط الأميركيين، وإنما من كل أنحاء العالم، وهو ما دفع فورا بمنظمة بحوث الرأي العام الأميركية بتشكيل لجنة من الخبراء والباحثين والممارسين وأساتذة الجامعات لدراسة ما جرى تفصيلا ونشر النتائج بشفافية في مايو/أيار 2017.

والأهم من ذلك أن هذه ليست المحطة الأولى في إخفاقات استطلاعات الرأي بهذه الصورة فقد سبقتها محطة عام 1948، وكان من إيجابياتها إحداث تغييرات جذرية في طريقة تنفيذ استطلاعات الرأي من حيث التقنيات والعينات وسبل التعرف على الناخبين المحتملين والمترددين وعرض الأخطاء بشفافية في اللقاءات المتخصصة، حتى تمت استعادة ثقة الجماهير وتثقيفهم وصولا لمرحلة الاعتراف الشرعي باستطلاعات الرأي وتجاوز الإخفاقات النادرة مع استذكار مسيرة حافلة من نجاحات لا تخفى على المتتبع لمسيرتها[11].

ستبقى إذن تلك الاستطلاعات في أي مكان وزمان تحمل في طياتها عوامل النجاح إن تمت صياغتها وفحصها وفقا للأصول العلمية والأخلاق المهنية وأجواء الحرية ومع ترك التحيزات المسبقة؛ وستظل أيضا مجالا للتشويه والتزوير إن تجاوز الباحثون ومراكز الأبحاث تلك الأسس خضوعا للضغوط أو طمعا في المكاسب[12].


الهامش

[1] – من مقالة ماجد عثمان – وزير الاتصالات المصري الأسبق: الرابط  

[2] – استطلاعات الرأي العام على الإنترنت – فتحي عامر  ص 9

[3] – استطلاعات الرأي العام على الإنترنت – فتحي عامر  ص 10

[4] – http://onsurveys.info/?p=467

[5] رغم ادعائه أنه مركز مستقل إلا أنه يذكر عنه تنسيقه مع جهات متنفذة: الرابط

[6]الرابط

[7] الرابط

[8]الرابط

[9] – د. أحمد نوري النعيمي‎ -دار زهران بالأردن – 2011 ص 359

[10]الرابط

[11] – د سامر رضوان أبو رمان، الجزيرة نت.

[12] الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

الوسوم

د. ياسر عبد التواب

خبير إعلامي مصري، حصل على درجة الدكتوراه في الإعلام حول: “إعداد وتقديم البرامج الحوارية”

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button